الثلاثاء، 12 يونيو 2018

5 كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة لابن كثير فصل قال في حديث الصور


فصل
قال في حديث الصور: ويبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي: قال تعالى: "لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلاَ أمتاً".
ثم يزجر الله الخلائق زجرة فإذا هم في هذه المبدلة وقد قال الله تعالى: "يَوْمَ تُبَدَلُ الأرضُ غَيْرَ الأرْض وَالسَموَاتُ وَ بَرزُوا لِلّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار".
وفي صحيح مسلم، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض والسموات. فقال: "في الظلمة دون الجسر".
وقد يكون المراد بذلك تبديل اخر غير هذا المذكور في هذا الحديث، وهو أن تبدل معالم الأرض فيما بين النفختين، نفخة الصعق، ونفخة البعث، فتسير الجبال، وتميد الأرض، ويبقى الجميع صعيداً واحداً، لا اعوجاج فيها ولا روابي ولا أودية قال الله تعالى: "وَيَسْألُونَكَ عَن الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبي نَسْفاً "فَيذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلاَ أمتاً". أي لا انخفاض فيها ولا ارتفاع.
وقال تعالى: "وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً".
وقال تعالى: "وَتَكُونُ الجِبَالُ كَالْعِهْن الْمَنْفُوش".
وقال تعالى: "وَحُمِلَتِ الأْرْضُ وَالْجِبَالُ فدكَّتا دَكَّةً واحدَةً".
وقال تعالى: "وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَ ى الأرْضَ بَارزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادرْ مِنْهُمْ أحَداً وَعُرِضُوا عَلَى ربك صفّاً لَقَدْ جِئتُمُونَا كَمَا خَلَقْناكمْ أوَّل مًرّة بَلْ زَعَمْتُمْ ألَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً".
فصل
قال في حديث الصور: ثم ينزل الله من تحت العرش ماء، فتمطرالسماء أربعين يوماً، حتى يكون الماء فوقكم اثني عشر ذراعاً، ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت، كنبات الطراثيت وهو صغار القثاء أو كنبات البقل.
وتقدم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد، ومسلم، من حديث يعقوب بن عاصم، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إِلا أصغى ليتاً، ورفع ليتاً، وأول من يسمعه رجل يلوط حوضه، فيصعق، ولا يسمعه أحد إلا صعق، ثم يرسل الله مطراً كأنه الطل، أو الظل، فينبت منه أجساد الخلائق، ثم ينفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون ثم يقال: أيها الناس هلموا إلى ربكم".
وقال البخاري: حدثنا عمرو بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بين النفختين أربعون". قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوماً? قال: أبيت قالوا: أربعون شهراً قال: أبيت قالوا: أربعون سنة قال: أبيت. ويبلى كل شيء من الإِنسان إلا عجب الذنب منه يركب الخلق.
ورواه مسلم عن أبي كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش به مثله، وزاد بعد قوله في الثالثة أبيت قال: ثم ينزل من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، قال وليس شيء من الإِنسان إِلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة.
قال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب أهوال يوم القيامة: حدثنا أبو عمار الحسين بن حبيب المروزي، أخبرنا أبو الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، حدثني أبي بن كعب: قال: "ست آيات قبل يوم القيامة، بينما الناس في أسواقهم، إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك، إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت واضطربت، واختلطت، وفزعت الجن إلى الإِنس، والإِنس إلى الجن، واختلطت الدواب والوحش والطير، فماج بعضهم في بعض، "وإِذا الوحُوشُ حُشِرَتْ" قال: انطلقت. "وإذا العشار عطلت" وقال أهملها أهلها."وإذا البحار سجرت" قال الجن للإنس نحن نأتيكم بالخبر، فانطلق إلى البحر، فإذا هو نار تأجج، فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا، فبينما هم كذلك، اذ جاءتهم ريح فأماتتهم".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن عمرو القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن عطاء بن يزيد السكسكي، قال: "يبعث الله ريحاً طيبة بعد قبض عيسى ابن مريم، وعند دنو من الساعة، فيقبض روح كل مؤمن، ويبقى شرار الناس، يتهارجون تهارج الحمر، عليهم تقوم الساعة، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله على أهل الأرض الرجف فرجفت بهم أقدامهم ومساكنهم، فيخرج الإِنس والجن والشياطين، كلٌّ يلتمس المخرج، فيأتون خافق المغرب فيجدونه قد سد، وعليه الحفظة ثم يرجعون إلى الناس، فبينما هم كذلك، إذ شرقت عليهم الساعة، ويسمعون منادياً ينادي: يا أيها الناس: أتى أمر الله فلا تستعجلوه، قال: فما المرأة بأشد استماعاً من الوليد في حجرها، ثم ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض، إلا من شاء الله".
وقال أيضاً: حدثنا هارون بن شيبان: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن فضالة بن عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدث هشام بن سعيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي حجرة، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تطلع عليكم سحابة سوداء مثل الترس من قبل المغرب، فما تزال ترتفع وترتفع حتى تملأ السحاب، وينادي مناد: أيها الناس إن أمر الله قد أتى، فوالذي نفسي بيده إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه، وإن الرجل ليلوط حوضه فما يشرب منه، وإن الرجل ليحلب لقحته فما يشرب منها شيئاً".
وقال محارب بن دثار: "إن الطير يوم القيامة لتضرب بأذنابها، وترمي ما في حواصلها من هول ما ترى وليس عندها طلبة".
رواه ابن أبي الدنيا في الأهوال.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن يحيى العبدي: أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا عبد الله بن بحر، سمعت عبد الرحمن بن زيد الصنعاني، سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سّره أَن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين فليقرأ: "إذا الشمْس كُوِّرَت" "وإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ". "وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ". ورواه أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن بجير.
نفخة البعث
قال الله تعالى: "وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ في السَّموَاتِ وَمَنْ في الأرْض إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيء بِالنَّبِيينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ووُفِّيَتْ كُلًّ نَفْس مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمْ بِمَا يَفْعُلونَ". وقال تعالى: "يَوْمَ ينْفَخُ في الصُّورِ فَتَأْتونَ أفْوَاجاً وفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَراباً".
وقال تعالى: "يَوْمَ يَدْعوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بحمده وَتَظنًّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً".
وقال تعالى: "فَإنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإذَا هُمْ بالسَّاهِرَةِ".
وقال تعالى: "وَنُفِخَ في الصورِ فَاذَا هُمْ مِنَ الاجْدَاثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُون قَالُواْ يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مرقَدنَا هذَا مَا وَعد الرحمن وصدق المُرْسَلونَ إِن كانَت إِلا صَيْحَة واحِدة فإذا هُمْ جَمِيعٌ لدَيْنَا مُحْضرون فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".
وذكر في حديث الصور بعد نفخة الصعق، وقيام الخلائق كلها، وبقاء الحي الذي لا يموت، الذي كان قبل كل شيء، وهو الآخر بعد كل شيء، وأنه يبدل السموات والأرض، فيما بين النفختين، ثم يأمر بإنزال الماء الذي تخلق منه الأجساد في قبورها، وتتركب في أجداثها، كما كانت فى حياتها في هذه الدنيا من غير أرواح ثم يقول الله تعالى: "ليحيى حملة العرش: فيحيون، ويأمر إسرافيل فيأخذ الصور فيضعه على فيه، ثم يقول: ليحيى جبريل وميكائيل: فيحييان ثم يدعو الله بالأرواح، فيؤتى بها، تتوهج أرواح المؤمنين نوراً، والأخرى ظلمة، فيقبضها جميعاً، فيلقيها في الصور، ثم يأمر إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث، فينفخ، فتخرج الأرواح كأنها النحل، قد ملأت ما بين السماء والأرض، فيقول الله تعالى: "وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره في الدنيا، فتقبل الأرواح على الأجساد، فتدخل في الخياشم، ثم تمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ، ثم تنشق الأرض عنكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا أول من تنشق الأرض عنه".
فتخرجون منها سراعاً إلى ربكم تنسلون مهطيعين إلى الداعي يقول الكافرون هذا يوم عسر حفاة عراة غرلاً وقد قال الله تعالى: "يَوْمَ يَخْرُحُونَ مِنَ الأحْدَاثِ سِرَاعاً كأنَهُمْ إِلَى نُصب يُوفضُونَ خَاشِعَةً أبْصَارُهُمْ تَرْهقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الذِي كَانُوا يُوعَدُونَ".
وقال تعالى: "واسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَة بِالْحَق ذَلِكَ يَوْمُ الْخُروج إنا نحن نحيي ونمِيتُ وَإِليْنَا المَصِيرُ يَومَ تشققُ الأرْضُ عنهمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَليْنَا يَسير".
قال تعالى: "فَتَوّلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يدع الدَّاع إلى شَيْء نُكُر خُشَّعاً أبصَارُهُمْ يَخْرُحُونَ منَ الأجْدَاث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إلى الدَّاع يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْم عَسِر".
وقال تعالى: "مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وفيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرجُكُمْ تَارَةً أخْرَى".
وقال تعالى: "فيهَا تَحْيَونَ وَفيهَا تَمُوتُونَ ومنْهَا تخْرَجون".
قال تعالى: "وَاللّهُ أنبتًكمْ منَ الأرض نبَاتاً ثمَّ يُعيدُكمْ فيهَا وَيُخْرجكُمْ إخْرَاجاً".
وقال تعالى: "يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَتَأتُونَ أفْوَاجاً".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعر، عن عبد الله بن مسعود قال: "ترسل ريح فيها صر باردة زمهرير، فلا تذر على الآرض مؤمناً إِلا لفته تلك الريح، ثم تقوم الساعة على الناس، فيقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه، فلا يبقى خلق من خلق السماء والأرض إِلا مات، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، ثم يرسل الله ماء من تحت العرش، فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الري ثم قرأ ابن مسعود: "كَذلِكَ النُّشُورُ".
ثم يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ، فتنطلق كل نفس إلى جسدها، فتدخل فيه ويقومون قياماً لرب العالمين.
وعن وهب بن منبه قال: يبلون في القبور فإذا سمعوا الصرخة عادت الأرواح إلى الأبدان والمفاصل، بعضها إلى بعض، فإذا سمعوا النفخة الثانية ذهب القوم قياماً على أرجلهم، ينفضون التراب عن رؤوسهم، يقول المؤمنون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
ذكر أَحاديث في البعث
وقال سفيان الثوري: عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله، قال: ترسل ريح فيها صر باردة زمهرير، فلا يبقى على الأرض مؤمن إلا لفته تلك الريح، ثم تقوم الساعة على الناس، ثم يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه لا يبقى خلق في السماء والأرض إِلا مات، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، ثم يرسل الله ماء من تحت العرش، فتنبت جسمانهمِ ولحمانهمِ من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ ابن مسعود: "واللَّهُ الَّذِي أرسَلَ الريَاحَ فتثِيرُسَحَاباً فسُقْنَاهُ إِلى بَلَدٍ مَيتٍ فأحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ".
ثم يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور، فينفخ فيه، فتنطلق كل نفس إلى جسدها، فتدخل فيه، ويقومون فيجيئون قياماً لرب العالمين.
وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا أبو خيثمة، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عدي، عن عمه أبي رزين قال: قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى? وما آية ذلك في خلقه? قال: "يا أبا رزين: أما مررت بوادي أهلك محلاً ثم مررت به نهراً أخضر? قلت: بلى: قال: فكذلك يحيي الله الموتى، وذلك آيته في خلقه".
وقد رواه الإِمام أحمد، عن عبد الرحمن بن مهدي وغندر كلاهما عن شعبة، عن يحيى بن عطاء به، نحوه أو مثله.
وقد رواه الإِمام أحمد من وجه آخر فقال: حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سليمان بن موسى، عن أبي رزين العقيلي، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى? قال: مررت بأرض من أرضك مجدبة، ثم مررت بها مخصبة? قال: قلت: نعم: قال: كذلك النشور: قال: قلت: يا رسول الله: ما الإِيمان? قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما، وأن تحرق في النار أحب إليك من أن تشرك بالله، وأن تحب غير ذي نسب لا تحبه إِلا لله، فإن كنت كذلك، فقد أدخل حب الإِيمان في قلبك كما أدخل حب الماء للظمآن في اليوم القائظ قلت: يا رسول الله: كيف بأن أعلم أني مؤمن" قال: "ما من أمتي أو من الأمة عبد يعمل حسنة، فيعلم أنها حسنة، وأن الله جازيه بها خيراً، ولا يعمل سيئة، فيعلم أنها سيئة، ويستغفر اللّه، ويعلم أنه لا يغفر إلا هو، إلا وهو مؤمن".
قال الوليد بن مسلم: وقد جمع أحاديث وأثاراً تشهد لحديث الصور في متفرقاته، أخبرنا سعيد بن بشير: عن قتادة، في قوله تعالى: "وَاسْتَمِعْ يَوْمَ ينَادي الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ".
قال: يقوم ملك على صخرة بيت المقدس، ينادي: "أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، إن الله يأمركم أن تجتمعوا لفصل القضاء وعن قتادة قال: "لا يغيرعن أهل القبور عذاب القبر إلا فيما بين نفخة الصعق ونفخة البعث".
فلذلك يقول الكافر حين يبعث: "يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا" يعني تلك الفترة فيقول له المؤمن: "هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون".
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني علي بن الحسين بن أبي مريم، عن محمد بن الحسين حدثني صدقة بن بكر السعدي: حدثني معدي بن سليمان. قال: كان أبو محكم الجسري يجتمع إليه إخوانه وكان حكيماً وكان إذا تلا هذه الآية: "ونُفِخَ في الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قالوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا".
بكى ثم قال: إن القيامة ذهبت فطاعتها بأوهام العقول، أما والله لئن كان القوم في رقدة مثل ظاهر قولهم، لما دعوا بالويل عند أول وهلة من بعثهم، ولم يوقفوا بعد موقف عرض، ولا مسألة إلا وقد عاينوا خطراً عظيماً، وحقت عليهم القيامة بالجلائل من أمرها، ولكن كانوا في طول الإِقامة في البرزخ يألمون ويعذبون في قبورهم، وما دعوا بالويل عند انقطاع ذلك عنهم، إلا وقد نقلوا إلى طامة هي أعظم منه، ولولا أن الأمر على ذلك لما استصغر القوم ما كانوا فيه فسموه رقاداً، وإن في القرآن لدليلاً على ذلك. "فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّة الْكُبْرَى". قال: ثم يبكي حتى يبل لحيته.
وقال الوليد بن مسلم: حدثني عبد الله بن العلاء، حدثني بشر عن عبد الله الحضرمي: سمعت أبا إدريس الخولاني يقول: اجتمع الناس إلى مشايخ، بين العراق والشام في الجاهلية، فقام فيهم شيخ فقال: أيها الناس: إنكم ميتون، ثم مبعثون إلى الإِدانة والحساب، فقام رجل، فقال: والله لقد رأيت رجلاً لا يبعثه الله أبداً، وقع عن راحلته في موسم من مواسم العرب، فوطئته الإبل بأخفافها، والدواب بحوافرها، والرجالة بأرجلها حتى رمّ فلم تبق منه أنملة.... فقال له الشيخ: إنكم من قوم سجينة أحلامهم، ضعيف يقينهم، قليل عملهم، لو أن الضبع أخذت تلك الرمة، فأكلتها، ثم ثلطتها، ثم عدت عليها الكلاب وأكلتها، وبعرتها، ثم عدت عليها الجلالة، ثم أوقدتها تحت قدر أهلها، ثم نسفت الريح رمادها لأمر الله يوم القيامة كل شيء أخذ منه شيئاً أن يرده فرده، ثم بعثه للإدانة والثواب.
وقال الوليد: حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: أن شيخاً من شيوخ الجاهلية القساة قال: يا محمد: ثلاث بلغني، أنك تقولهن لا ينبغي لذي عقل أن يصدقك فيهن، بلغني أنك تقول إن العرب تاركة ما كانتَ تعبد هي وآباؤها، وأنا نظهر على كنوز كسرى وقيصر، ولنموتن ولنبعثن " فقال له الرسول عليه السلام: "ثم لآخذن بيدك يوم القيامة، فلأذكرنك مقالتك هذه" قال: ولا تضلني في الموتى? ولا تنساني قال: ولا أضلك في الموتى، ولا أنساك، قال فبقي الشيخ حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى ظهور المسلمين على كسرى وقيصر، فأسلم وحسن إسلامه، وكان كثيراً ما يسمع عمر بن الخطاب يحييه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لإعظامه ما كان واجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر يأتيه ويقول: قد أسلمت ووعدك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأخذ بيدك، ولا يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد أحد إلا أفلح وسعد إن شاء الله. وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا فضيل بن عبد الوهاب، أخبرنا هشيم، عن سعيد بن جبير، قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم قد رمّ وقال: يا محمد: يبعث الله هذا? قال: نعم، يميتك والله، ثم يحييك، ثم يدخلك النار ونزلت: "وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاَ وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْييِ العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أنْشَأهَا أوّلَ مَرّة وَهُوَ بِكُلَّ خَلْق عَلِيم".
وقال تعالى في قوله: "وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأةَ الأوْلى".
قال خلق آدم، وخلقكم، قال: فلا تصدقون? وعن أبي جعفر الباقر قال: كان يقال: عجباً لمن يكذب بالنشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى يا عجباً كل العجب لمن يكذب بالنشر بعد الموت، وهو ينشر في كل يوم وليلة، ورواه ابن أبي الدنيا. وقال أبو العالية في قوله: "وهُوَ الَّذِي يَبْدَأ الْخَلْقَ ثَمّ يُعِيدُهُ وَهو أهون عَلَيْه".
قال: إعادته أهون عليه من ابتدائه وكل يسير، رواه ابن أبي الدنيا.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل كذبني عبدي ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي فقوله: فليعدنا كما بدأنا، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد، الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد". وهو ثابت في الصحيحين.
وفيهما قصة الذي أوصى إلى نبيه إذا مات أن يحرقوه ثم يذروا نصف رماده في البر، ونصفه في البحر، وقال: لئن قدر الله عليَّ، ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، وذلك أنه لم يدخر عند الله حسنة واحدة، فلما مات، فعل ذلك بنوه، كما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا رجل قائم، فقال له ربه: ما حملك على هذا قال: خشيتك، وأنت أعلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فغفر له.
وعن صالح المزي قال: دخلت المقابر نصف النهار، فنظرت إلى القبور كأنها قوم صموت، فقلت: سبحان الله: من يحييكم وينشركم من بعد طول البلى فهتف بي هاتف من بعض تلك الحفريا صالح: "وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ تَقُومَ السَّمَاءُ والأرضُ بِأمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْض إِذَا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ". قال: فخررت والله مغشياً عليَّ.
ذكر أن يوم القيامة وهو يوم النفخ في الصور لبعث الأجساد من قبورها يكون يوم الجمعة
وقد وردت في ذلك أحاديث: قال الإِمام مالك بن أنس: عن يزيد بن عبد الهادي، عن محمد بن الهادي، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي مسلم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقام الساعة، وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة، إِلا الجن والإِنس، وفيها ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاَ إِلا أعطاه إياه".
ورواه أبو داود واللفظ له، والترمذي من حديث مالك، وأخرجه النسائي عن قتيبة، عن بكر بن نصر عن أبي الهادية نحوه وهو أتم.
لحظة قيام الساعة
وقد رواه الطبراني في معجمه الكبير، من طريق آدم بن علي، عن ابن عمر، مرفوعاً: "ولا الساعة تقوم إلا في الأذان".
قال الطبراني: يعني في أذان الفجر.
وقال الإِمام محمد بن إدريس الشافعي في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني موسى بن عبيدة، حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله بن عمر: أنه سمع أنس بن مالك يقول: "أتى جبريل بمرآة بيضاء متلألئة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما هذه قال: الجمعة. فضلت بها أنت وأمتك، فالناس لكم فيها تبع، اليهود والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن، يدعو الله بخير إِلا استجيب له، وهو عندنا يوم المزيد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل وما يوم المزيد فقال: إن ربك اتخذ في الفردوس وادياً أفيح فيه كثب المسك، فإذا كان يوم الجمعة، أنزل ما شاء من ملائكته، وحوله منابرمن نور عليها مقاعد النبيين، وحفت تلك المنابر بمنابر من الذهب، مكللة بالياقوت والزبرجد، عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم، على تلك الكثب فيقول الله: أنا ربكم، قد صدقتكم وعدي، فسلوني أعطكم، فيقولون: ربنا نسألك رضوانك، فيقول: قد رضيت عنكم، ولكن ما تمنيتم ولديَّ مزيد، فهم يحبون يوم الجمعة، لما يعطيهم فيه ربهم من الخير، وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش، وفيه خلق آدم، وفيه تقوم الساعة".
ثم رواه الشافعي، عن إبراهيم بن محمد أيضاً، حدثني أبوعمر، عن إبراهيم بن الجعد، عن أنس شبيهاً به قال: وزاد فيه أشياء.
قلت: وسيأتي ذكر هذا الحديث إن شاء الله تعالى في كتاب صفة الجنة بشواهده وأسانيده، وبالله المستعان.
أجساد الأنبياء لا تبليها الأرض
وقال الإِمام أحمد بن حنبل: حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الأنصاري، عن أوس بن أوس الثقفي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعق، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ"، قالوا يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت?- يعني بليت- قال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".
ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث الحسين بن علي الجعفي مثله، وفي رواية لابن ماجه، عن شداد بن أوس، بدل أوس بن أوس، قال شيخنا وذلك وهم.
وقال أيضاً: حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، حدثنا زهير يعني ابن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري، عن أبي أمامة بن عبد المنذر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيد الأيام يوم الجمعة، وأعظمها عند الله، وأعظم عند الله من يوم الفطر، ويوم الأضحى، وفيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا آتاه اللهّ إياه، ما لم يسأل حراماً، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا سماء، ولا أرض، ولا جبال، ولا بحر، إلا وهو يشفق من يوم الجمعة".
ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن أبي بكر، عن زهر به.
وقد روى الطبراني عن ابن عمر مرفوعاً: "أن القيامة تقوم وقت الأذان للفجر من يوم الجمعة".
وقد حكى أبو عبد الله القرطبي في التذكرة، أن ذلك هو من يوم جمعة، للنصف من شهر رمضان، وهذا يحتاج إلى دليل.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن كثير، حدثنا قرط بن حريث أبو سهل، عن رجل من أصحاب الحسن، قال: قال الحسن: يومان وليلتان لم يسمع الخلائق بمثلهن، ليلة الميت مع أهل القبور، ولم تبت ليلة قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة، ويوم يأتيك البشير من الله، إما بالجنة، وإما بالنار، ويوم تعطى كتابك إما بيمينك، وإما بشمالك.
وهكذا روي عن عبد قيس وهرم بن حيان وغيرهما، أنهم كانوا يستعظمون الليلة التي يسفر صباحها عن يوم القيامة.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير العبدي، حدثني محمد بن سابق، حدثنا مالك ابن مغول، عن حميد، قال: بينما الحسن في يوم من رجب في المسجد، وفي يده قليلة، وهو يمص ماءها، ثم يمجه، إذ تنفس تنفساً شديداً، ثم بكى، حتى أرعد متكأه ثم قال: لو أن بالقلوب حياة! لوأن بالقلوب صلاحاً! يا ويلكم من ليلة صبيحتها يوم القيامة! أي ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر عورة بادية، ولا عيناً باكية من يوم القيامة.
ذكر أَن أَول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال مسلم بن الحجاج: حدثني الحكم بن موسى أبو صالح، حدثنا معقل يعني ابن زياد، عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار: حدثني عبيدالله بن مرواح: حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفع".
وقال هشيم: عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر".
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو خيثم، أخبرنا حجير بن المثنى، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من يبعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أو بعث قبلي". وفي الصحيح ما يقرب من هذا السياق، والحديث في صحيح مسلم: "أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى باطشَاَ بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور". فذكرموسى في هذا السياق، ولعله من بعض الرواة، دخل عليه حديث في حديث فإن الترديد هاهنا لا يظهر وجهه لا سيما قوله: "أم جُوزي بصعقة الطور".
وقال ابن أبي الدنيا أيضاً: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا سفيان، هو ابن عيينة عن عمرو، وهو ابن دينار، عن عطاء، وابن جدعان، عن سعيد بن المسيب، قال:
كان بين أبي بكر ويهودي منازعة، فقال: والذي اصطفى موسى على البشر، فلطمه أبو بكر، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا يهودي: أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأجد موسى متعلقاً بالعرش، فلا أدري، هل كان قبلي? أو جُوزي بالصعقة"?.
وهذا مرسل من هذا الوجه. والحديث في الصحيحين من غير وجه بألفاظ مختلفة، وفي بعضها أن المقاول لهذا اليهودي إنما هو رجل من الأنصار، لا الصديق رضي الله عنه فالله أعلم.
ومن أحسنها سياقاً: "إذا كان يوم القيامة فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يصعق فأجد موسى باطشَاً بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أصعق، فأفاق قبلي? أم جوزي بصعقة الطور"?.
وهذا كما سيأتي بيانه يقتضي أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة، وهو صعق آخر غير المذكور في القراّن، وكان سبب هذا الصعق في هذا الحديث لتجلي الرب تعالى، إذا جاء لفصل القضاء، فيصعق الناس، كما خرَّ موسى صعقاً يوم الطور، والله تعالى أعلم.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا إسحاق بن إسماعيل، أخبرنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كأني أراني أنفض رأسي من التراب، فألتفت فلا أرى أحداً إلا موسى متعلقاً بالعرش، فلا أدري أهو ممن استثنى الله أن لا تصيبه النفخة? أو بعث قبلي". وهذا مرسل أيضاً وهو أضعف.
الرسول عليه السلام أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبيد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا عمرو بن الناقد، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا موسى بن أعين، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن بشر بن سعاف، عن عبد الله بن سلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض وأنا أول شافع ومشفع، بيدي لواء الحمد، حتى آدم فمن دونه" لم يخرجوه وإسناده لا بأس به.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو سلمة المخزومي، أخبرنا عبد الله بن نافع، عن عاصم بن عمر، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عن سالم بن عبد الله، وقال: عن أبي سلمة، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم أذهب إلى أهل البقيع، فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة، فيحشرون معي، فأحشر بين الحرمين".
وقال أيضاً: أخبرنا سعيد بن سلمة، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وهو متكىء عليهما، فقال: "هكذا نبعث يوم القيامة".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا الليث، عن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن منبه بن وهب، أن كعب الأحبار قال: "ما من فجر يطلع، إلا نزل سبعون ألفاً من الملائكة، حتى يحفوا بالقبر، يضربون بأجنحتهم، ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا، وهبط مثلهم، وصنعوا مثل ذلك، حتى إذا انشقت الأرض، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين ألفاً من الملائكة، يوقرونه صلى الله عليه وسلم".
وأخبرنا هارون بن عمر القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم، أخبرنا مروان بن سالم: عن يونس بن سيف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس رجالاً، وأحشر راكباً على البراق، وبلال بين يدي على ناقة حمراء، فإذا بلغنا مجمع الناس، نادى بلال بالأذان، فإذا قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، صدقه الأولون والآخرون". وهذا مرسل من هذا الوجه.
ذكر بعث الناس حفاة عراة غرلاً وذكر أول من يكسى من الناس يومئذ
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بقية، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث الناس يوم القيامة حفاة، عراة، غرلاً، قال: فقالت عائشة: يا رسول الله فكيف بالعورات فقال: "لِكُلِّ امرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأنٌ يُغْنِيهِ".
وأخرجاه في الصحيحين، من حديث حاتم بن أبي صغيرة، عن عن عبد الله بن أبا مليكة، عن القاسم، عن عائشة بنحوه.
أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم خليل الله عليه السلام وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة، حدثنا المغيرة بن النعمان شيخ من النخع. قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث، قال: سمعت ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: "يا َأيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة، عراة غرْلاً": "كما بَدَأنا أوّل خَلْق نُعِيدُهُ، وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كنَا فاعلين".
"ألا وإن أول الخلق يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنه سيحيا ناس من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فلأقولن: أصحابي. وليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فلأقولن كما قال العبد الصالح: "وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَادمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيب عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهيدٌ إِنْ تُعَذِّبهمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيز الحَكِيمُ".
فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا يرتدون على أعقابهم منذ فارقتهم" أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة.
ورواه أحمد: عن سفيان بن عيينة، وهو في الصحيحين من حديثه، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعاً: "إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً".
ورواه البيهقي من حديث هلال بن حيان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحشرون عراة حفاة، فقالت زوجته: أينظر بعضنا إلى بعض? فقال: يا فلانة لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه".
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، وأبو سعيد محمد بن موسى. قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدلاني، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة، قال: "يحشر الناس حفاة عراة غرلاً، قياماً أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، قال فيلجمهم الله العرق من شدة الكرب، ثم يقال اكسوا إبراهيم، فيكسى قبطيتين من قباطي الجنة، قال: ثم ينادي لمحمد صلى الله عليه وسلم فيفجر له الحوض، وهو ما بين أيلة إلى مكة، قال: فيشرب ويغتسل، وقد تقطعت أعناق الخلائق يومئذ من العطش، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأكسى من حلل الجنة، فأقوم عن أو على يمين الكرسي، ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام يومئذ غيري، فيقال: سل تعط، واشفع تشفع، فقام رجل فقال أترجو لوالديك شيئاً فقال: إني شافع لهما أعطيت أو منعت، ولا أرجو لهما شيئاً" قال البيهقي: قد يكون هذا قبل نزول الوحي بالنهي عن الاستغفار للمشركين والصلاة على المنافقين.
قال القرطبي: وروى ابن مبارك، عن سفيان، عن عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن علي، قال: أول من يكسى الخليل قبطيتين، ثم محمد عليه السلام حلة، عن يمين العرش.
وقال أبو عبد الله القرظي في كتاب التذكرة، وروى أبو نعيم الحافظ يعني الأصبهاني، من حديث الأسود، وعلقمة، وأبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أول من يكسى إبراهيم، يقول الله اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش، ثم أوتي بكسوتي، فألبسها، فأقوم عن يمينه قياماً لا يقومه أحد غيري، يغبطني فيه الأولون والآخرون".
قال القرطبي: وقال الحليمي في منهاج الدين له، وروى عباد بن كثير عن أبي الزبير، عن جابر، قال: "إن المؤذنين والملبين يخرجون يوم القيامة يؤذن المؤذن ويلبي الملبي، وأول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم ثم محمد ثم النبيون ثم المؤذنون" وذكر تمامه.
ثم شرع القرطبي يذكر المناسبة في تقديم إبراهيم عليه الصلاة والسلام في ذلك فقال: من ذلك أنه أول من لبس السراويل مبالغة في التستر، أو أنه جرد يوم ألقي في النار فالله أعلم.
وروى البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أويس، حدثني عن محمد بن أبي عياش، عن
عطاء بن يسار، عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يبعث الناس حفاة عراة غرلاً، قد ألجمهم العرق، فبلغ شحوم الأذان، فقلت يا رسول الله واسوءتاه!! ينظر بعضنا إلى بعض قال يشغل الناس عن ذلك لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه". إسناده جيد وليس هو في المسند ولا في الكتب.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا سعيد بن سليمان، عن عبد الحميد بن سليمان، حدثني محمد بن أبي موسى، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الناس حفاة عراة غرلاً كما بدئوا، قالت أم سلمة يا رسول الله ينظر بعضنا إلى بعض? قال: يشغل الناس: قلت: وما شغلهم? قال نشر الصحف فيها مثاقيل الذر، مثاقيل الخردل".
وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا عمر بن شبة، حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا سفيان يعني الثوري عن زبيدة، عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم محشورون حفاة عراة غرلاً".
قال البزار: أحسب أن عمر بن شبة غلط فيه فدخل عليه حديث من إسناد علي حديث من إسناد آخر، وإنما هذا الحديث عن سفيان الثوري، عن مغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال وليس لسفيان الثوري عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود، حديث مسند، وهكذا رواه ابن أبي الدنيا، عن عمر بن شبة به مثله، وزاد: "وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام".
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث، أخبرنا الفضل بن موسى، عن عابد بن شريح، عن أنس، قال: سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: كيف يحشر الرجال? فقال: "حفاة عراة: قالت: واسوءتاه من يوم القيامة!! قال: وعن أي ذلك تسألين إنه قد نزل عليَّ أنه لا يضرك. كان عليك ثياب أم لا. قالت: وأي آية يا رسول الله قال: "لِكلِّ امرىءٍ منهم يومئذ شأنٌ يُغْنيهِ".
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا روح بن حاتم، حدثنا هيثم، عن كرز، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يحشر الناس كما ولدتهم أمهم، حفاة، عراة، غرلاً".
فقالت عائشة: النساء والرجال? بأبي أنت وأمي فقال: نعم، فقالت: واسوءتاه!! فقال: ومن أي شيء تعجبين يا بنت أبي بكر? قالت: عجبت من حديثك: يحشر الرجال والنساء حفاة عراة غرلاً، ينظر بعضهم الى بعض? قال: فضرب على منكبها وقال يا بنت أبي قحافة: شغل الناس يومئذ عن النظر، وسموا بأبصارهم موقوفين، لا يأكلون ولا يشربون، شاخصين بأبصارهم إلى السماء أربعين سنة، فمنهم من يبلغ العرق قدميه، ومنهم من يبلغ ساقيه، ومنهم من يبلغ بطنه، ومنهم من يلجمه العرق من طول الوقوف، ثم يرحم الله من بعد ذلك العباد، فيأمر الله الملائكة المقربين فيحملون عرشه من السموات إلى الأرض، حتى يوضع عرشه في أرض بيضاء لم يسفك عليها دم، ولم تعمل فيها خطيئة، كأنها الفضة البيضاء، ثم تقوم الملائكة حافين من حول العرش، وذلك أول يوم نظرت عين إلى الله، فيأمر منادياً فينادي بصوت يسمعه الثقلان من الجن والإِنس، أين فلان فلان بن فلان بن فلان? فيشرئب الناس لذلك الصوت، ويخرج ذلك المنادي من الموقف، فيعرفه الله للناس ثم يقال تخرج معه حسناته، يعرف الله أهل الموقف بتلك الحسنات، فإذا وقف بين يدي رب العالمين، قيل أين أصحاب المظالم فيجيبون رجلاً، فيقال لكل واحد منهم أظلمت فلاناً لكذا وكذا? فيقول: نعم يا رب، فذلك اليوم الذي تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فتؤخذ حسنات الظالم فتدفع إلى من ظلمه، ثم لا دينار ولا درهم، إلا أخذ من الحسنات، ورد من السيئات، فلا يزال أصحاب المظالم يستوفون من حسنات الظالم حتى لا تبقى له حسنة، ثم يقوم من بقي ممن لم يأخذ شيئاً فيقولون: ما بال غيرنا استوفى ومنعنا فيقال لهم: لا تعجلوا، فيؤخذ من سيئاتهم فترد عليه، حتى لا يبقى أحد ظلمه بمظلمة، فيعرف اللّه أهل الموقف أجمعين ذلك، فإذا فرغ من حساب الظالم قيل: ارجع إلى أمك الهاوية، فإنه لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب، ولا يبقى يومئذ ملك، ولا نبي مرسل، ولا صديق، ولا شهيد، إلا ظن لما رآه من شدة الحساب أنه لا ينجو، إلا من عصمه الله عز وجل".
هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شاهد في الصحيح كما سيأتي بيانه قريباً، إن شاء الله، وبه الثقة، وعليه التكلان.
الإِنسان يبعث يوم القيامة في ثياب عمله من خير أو شر
قال الحافظ: فأما الحديث الذي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا محمد عبد الله بن إسحاق بن الخرساني المعدل، حدثنا محمد بن القاسم القاضي، أخبرنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، أنه لما حضره الموت دعا بثياب جديدة فلبسها، ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن المسلم يبعث في ثيابه التي يموت فيها".
فهذا حديث رواه أبو داود في كتاب السنن، عن الحسن بن علي، عن ابن أبي مريم.
ثم شرع البيهقي يجيب عن هذا الحديث لمعارضته الأحاديث المتقدمة في بعث الناس حفاة عراة غرلاً بثلاثة أجوبة: أحدها: أنها تبلى بعد قيامهم من قبورهم، فإذا وافوا الموقف يكونون عراة، ثم يلبسون من ثياب الجنة.
الثاني: أنه إذا كسيَ الأنبياء ثم الصديقون ثم من بعدهم على مراتبهم، فتكون كسوة كل إنسان من جنس ما يموت فيه، ثم إذا دخلوا الجنة لبسوا من ثياب الجنة.
الثالث: أن المراد بالثياب هاهنا الأعمال، أي يبعث في أعماله التي مات فيها من خير أو شر قال الله تعالى: "وَلبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ".
وقال: "وَثيَابَكَ فَطَهِّرْ".
قال قتادة: عملك فأخلصه. ثم استشهد البيهقي على هذا الجواب الأخير بما رواه مسلم من حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبعث كل عبد على ما مات عليه".
قال: وروينا عن فضالة بن عبيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة".
وقد قال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن كثير، حدثنا زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، أخبرني سعيد بن هانىء، عن عمرو بن الأسود، قال: أوصاني معاذ بامرأته وخرج، فماتت، فدفناها، فجاءنا وقد رفعنا أيدينا من دفنها فقال: في أي شيء هيأتموها? قلنا: في ثيابها، فأمر بها فنبشت، وكفنها في ثياب جدد وقال: أحسنوا أكفان موتاكم، فإنهم يحشرون فيها".
وقال أيضاً: حدثني محمد بن الحسين، حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا إسحاق بن سيار بن نصر، عن الوليد بن مروان، عن ابن عباس، قال: يحشر الموتى في أكفانهم، وكذا روي عن أبي العالية، وعن أبي صالح المزي، قال: بلغني أنهم يخرجون من قبورهم في أكفان ذميمة، وأبدان بالية، متغيرة وجوههم، شعثة رؤوسهم، نهكة أجسامهم، طائرة من صدورهم وحناجرهم، لا يدري القوم مأواهم إلا عند انصرافهم من الموقف، فيصرف بهم إلى الجنة، أو يصرف بهم إلى النار، ثم صاح بأعلى صوته: واسوء منصرفاه إن أنت لم تغمدنا منك برحمة واسعة!! لقد ضاقت صدورنا من الذنوب العظام، والجرائم التي لا غافر لها غيرك.
ذكر شيء من أَهوال يَوم القِيَامَة بعض ما ورد من آيات الكتاب المبين
قال الله تعالى: "فَيَوْمَئذ وقعَتِ الْوَاقِعَة وَانْشَقّتِ السّمَاءُ فَهِيَ يَوْمئِذٍ وَاهِيَة، وَالملَكُ علَى أرجائِهَا وَيحْمِلَ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقهُمْ يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَةٌ "يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكمْ خَافِيَة".
وقال تعالى: "وَاستمعْ يَوْمَ يُنَادِي المُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيب، يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحق ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوج إِنَّا نَحْنُ نُحْيي وَنُمِيتُ وإلَيْنَا الْمَصِير، يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذَلِكَ حَشْر عَلَيْنَا يَسِيرٌ".
وقال تعالى: "إِنَّ لدينَا أنْكَالاً وَجَحِيماً، وَطَعَاماً ذَا غصةٍ وَعَذَاباً ألِيماً يَوْمَ تَرْجًفُ الأرْض وَالْجبَال وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهيلاً" إلى قوله: "فَكَيْفت تتَقُونَ إن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شيباً السَّمَاءُ مُنْفَطر بِهِ كَانَ وَعْده مَفْعُولاً" وقال تعالى: "وَيوْمَ يحشُرُهُمْ كَأنْ لَمْ يَلْبَثُوا إلاَّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارفونَ بَيْنَهُمْ قد خَسِرَ الَّذِينَ كذّبوا بِلِقَاءِ اللّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتدِين".
وقال تعالى: "وَيَوْمَ نُسِيِّرُ الْجِبالَ وَتَرى الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فلَمْ نغَادرْ مِنْهمْ أحَداً وَعُرِضُوا عَلَى ربك صفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْناكمْ أوِّلَ مًرّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ ألَّنْ نجْعَلَ لَكمْ مَوْعِداً وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الكِتَابِ لاَ يُغَادرُ صغِيرةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أحْصَاهَا وَوَجَدوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أحَداً".
وقال تعالى: "وَمَا قدَرُوا اللَّهَ حقَ قدْرِهِ وَالأرْضُ جمِيعاً قَبْضَتُة يَومَ الْقِيامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بيَمِينيه سبْحَانَهُ وَتَعَالَى عًمّا يُشْرِكونَ وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصعِقَ مَنْ في السًمَواتِ وَمَنْ في الأرْض إلا مَنْ شَاء الله ثمَ نُفِخَ فِيهِ أخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُزونَ وأشْرَقَت الأرْضُ بِنُورِ ربهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَق وَهُمْ لا يُظْلَمًونَ وَوُفِّيَتْ كُل نَفْس مَا عَمِلَتْ وَهُو َأعْلَمُ بِمَا يَفعلُونَ".
وقال تعالى: "فإِذَا نُفِخَ في الصُّورِ فَلا أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئذ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينه فَأولئِك هُمْ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأوْلئك الذِينَ خَسِرُوا أنفسهم في جَهَنَّمْ خَالدُون".
وقال تعالى: "يَوْمَ تكون السَّمَاءُ كَالْمُهْل وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْن وَلاَ يَسألُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبصرونَهُمْ يودّ المُجْرِمُ لَو يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمَئِذٍ بِبَنِيهِ وصاحِبتِهِ وأخِيهِ وفَصِيلَتِهِ الَّتي تُؤوِيهِ وَمَنْ في الأرْض جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيه كلا إِنَّهَا لَظَى نَزَاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأوْعَى".
وقال تعالى: "فَإذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِر المَرْءُ مِنْ أخِيه وَأمهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لكُل امْرِيءٍ مِنْهًمْ يَوْمَئِذٍ شَأنٌ يُغْنِيهِ وُجوه يَوْمَئِذ مُسفِرة ضَاحِكَةٌ مسْتبشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ".
وقال تعالى: "فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَةُ الكُبْرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى وَبُرّزَتِ الجَحِيمُ لمَنْ يَرَى فَأمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاة الدُّنْيَا فَإِنَّ الجَحِيم هِيَ المَأوَى َوأمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَن الهَوَى فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى يَسْألُونَكَ عَن الساعَةِ أيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلى رَبكَ مُنْتَهَاهَا إِنَّمَا أنتَ مُنْنِرُ مَنْ يَخْشَاهَا كَأَنَهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبثئُوا إِلاَّ عَشِيةً أوْ ضُحَاهَا".
وقال تعالى: "كلا إِذا دُكَّتِ الأرْضُ دَكاً دكّاً وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وأنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قدَّمْتُ لِحَيَاتِي فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أحَدٌ وَلاَ يوثق وَثَاقَهُ أحَدٌ يَا أيَّتُهَا النَفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى ربِّكِ رَاضيَّةً مَرْضِيَةً فادْخُلي في عِبَادِي وَادخِلِي جَنَّتِي".
قال تعالى: "هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وُجُوة يَوْمَئِذ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصلَى نَاراً حَامِيةً تُسْقَى مِنْ عَيْن آنِيَةٍ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيع لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوع وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ لِسَعْيِهَا رَاضِيةٌ في جَنَّة عَالِيةٍ لاَ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً فِيها عَيْنٌ جَاريةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ أفلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِل كَيْفَ خُلِقَتْ".
وقال تعالى: "إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَة لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَافعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّا فَكَانَتْ هَبَاء مُنْبَثّاً وَكُنْتُمْ أزْوَاجاً ثَلاَثَة فَأصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أصْحَابُ الْمَيْمَنَة وأصْحَابُ الْمَشْأمَةِ مَا أصْحَابُ الْمَشْأمَةِ والسَّابِقُونَ السَّابِقونَ أولئِكَ الْمقَرّبُونَ في جَنَّاتِ النَّعِيم".
ثم ذكر جزاء كل من هذه الأصناف الثلاثة عند احتضارهم، كما ذكرنا في تفسيرآخر هذه السور الكريمة.
وقال تعالى: "فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يدع الدَّاع إِلى شَيْءٍ نُكُر خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأنَّهُمْ جَرَاد مُنْتَشر مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاع يَقُولُ الْكَافِرُونَ هذَا يَوْمَ عَسِرٌ".
وقال تعالى: "يَوْمَ تُبدّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْض وَالسَّموَاتُ وَ بَرزُوا لِلَّهِ الوَاحِد الْقهَّار وَتَرَى المجْرِمِيْن يَوْمَئِذٍ مقرَّنِينَ في الأَصفَادِ سَرَابِيلهمْ مِنْ قَطِرَان وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّار لِيَجزِيَ اللَّهُ كًلَّ نَفْس مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ هَذَا بَلاَغٌ لِلنَّاس وَليُنْذَرُوا بِهِ وَليَعْلَمُوا أَنَّمَا هُو إِلهٌ وَاحِدٌ وَليذَّكَّرَ أولُوا الأَلْبَابِ".
وقال تعالى: "رَفِيعُ الدَّرَجِاتِ ذو العَرثس يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَاده لِيُذِرَ يَوْمَ التَّلاَق يومَ هُم بَارزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيءْ لِمَن لمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجزَى كُلُّ نَفْس بما كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ".
وقال تعالى: "وَأنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذ الْقُلُوبُ لَدَى الحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِين مِنْ حَمِيم وَلاَ شَفِيع يُطَاعُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُن وَمَا تُخْفِي الصُدورُ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَق والَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دونهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ".
وقال تعالى: "إِنَّمَا إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُل شَيْءٍ عِلْماً، كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكراً، مَنْ أعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القِيَامَةِ وِزْراً، خَالِدينَ فِيهَا وَسًاءَ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ حِمْلاً، يَوْمَ يُنْفَخَ في الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمجْرِمِينَ يَوْمَئذ زُرْقاً، يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً، نَحْنُ أعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً، وَيَسْألُونَكَ عَن الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً، فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً، لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلاَ أمْتاً، يَوْمَئِذٍ يتَّبِعونَ الدَّاعيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمن فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً، يَوْمَئِذ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لهُ قَوْلاً، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً، وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلحَيِّ الْقَيُّوم وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَل ظُلْماً".
وقال تعالى: "يا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْل أِن يَأتي يَوْم لا بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالكَافِرونَ هُمُ الظَّالِمُونَ".
وقال تعالى: "واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْس، مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ". وقال تعالى: "يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وجوه فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أكفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كنْتُمْ تَكْفُرُونَ، وَأمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ".
وقال تعالى: "وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أن يَغلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْس مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ".
وقال تعالى: "وَيَوْمَ نَبْعَثُ في كلِّ أمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أنْفُسَهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤلاَءِ ونَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكلِّ شَيْءٍ وَهُدَى ورَحْمَةً وبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ".
وقال تعالى: "وَيَوْمَ نَبْعَث مِن كلِّ أمَّة شَهِيداً ثًمَّ لاَ يؤذنُ لِلّذِينَ كَفَرُوا وَلاَ هُم يُسْتَعْتَبون،َوَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ، وَإِذَا رَأَى الذِينَ أشْرَكوا شُرَكَاءَهُمْ قَالوا رَبَّنَا هَؤلاء شُرَكَاؤنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُواْ مِنْ دونكَ فَألْقَوْا إِلَيْهمُ الْقَولَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ، وألقَوْا إِلَى اللَّهِ يَومَئِذ السَّلَمَ وَضلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ، الَّذِينَ كَفَرُوا وَصدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْق الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ".
وقال تعالى: "اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْم الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصدَقُ مِن اللّه حَدِيثاً".
وقال تعالى: "فَوَرب السَّمَاءِ وَالأرْض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثلَ مَا أنَّكُمْ تَنْطِقُونَ".
وقال تعالى: "يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أجِبْتُمْ قَالُوا لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أنْتَ عًلاّمُ الغُيُوبِ".
وقال تعالى: "فَلنَسْألن الَّذِينَ أرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلنَسْألن الْمُرْسَلِينَ، فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْم وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأولئِكَ هُمُ المُفْلحونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينهُ فَأوْلئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ بِمَا كَانًوا بآياتِنَا يَظْلِمُونَ".
وقال تعالى: "يَوْمَ تَجِد كُلُّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَراً وَمَاعَمِلَتْ مِنْ سُوء تَوَدُّ لَو أنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أمَداً بَعِيداً وَيُحذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ واللَّه رَؤوفٌ بالْعِبَاد".
وقال تعالى: "حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْني وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمشْرِقَيْن فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أنَّكُمْ في الْعذَابِ مُشْتَرِكُونَ".
وقال تعالى: "وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلّذِينَ أشْرَكُوا مَكَانَكمْ أنْتُمُ وَشُرَكَاؤكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا يَعْبدون، فَكَفَى بِاللَّهِ شَهيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكمْ لَغَافِلِينَ، هُنَالِكَ تَبْلواْ كُلُّ نَفْس مَا أسْلَفَتْ وَرُدواْ إِلى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ".
وقال تعالى: "يُنَبأ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قدَّمَ وَأَخَّرَ بَل الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرةٌ وَلَوْ ألْقَى مَعَاذِيرَهُ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه فَإِذَا قَرَأَنَاهُ فَاتَّبعْ قُرْآنَهُ".
وقال تعالى: "وكُلَّ إِنْسَانٍ ألْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ في عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً".
وقال تعالى: "وأنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أخِّرْنَا إِلَى أجَل قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوتَكَ وَنَتَّبع الرُسلَ أَوْ لَمْ تَكونُوا أَقسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوال، وَسَكَنْتُمْ في مَساكِن الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفسَهُمْ".
وقال تعالى: "وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَام وَنُزِّلَ المَلاَئِكَةُ تُنْزِيلاً، الْمُلْكُ يَؤْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمن وَكَانَ
يَوْمَاً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً، وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقول يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْث مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يا وَيْلَتي لَيتَنِي لَمْ أتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضلَّنِي عَن الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً".
وقال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشرُهُمْ وَمَا يَعْبدُونَ مِنْ دونِ اللَّهِ فَيَقولُ أَ أَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هؤلاَء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَاكَانَ يَنْبَغِي لَنَا أنْ نَتَّخِذَ مِنْ دونكَ مِنْ أَوْليَاءَ ولكِنْ مَتَّعْتَهُمْ َوآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بوراً فَقَدْ كًذّبوكُمْ بِمَا تَقولونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكمْ نُذِقْه عَذَاباً كَبْيراً".
وقال تعالى: "هذَا يَوْمَ لاَ يَنْطِقُونَ وَلاَ يؤذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ هذَا يَوْمُ الْفَصْل جَمَعْناكُمْ وَالأَوّلين فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدون".
وقال تعالى: "وَيَوْمَ يُنَادِيهمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كنْتُمْ تَزْعُمُونَ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَولُ ربَّنَا هؤلاء الَّذِينَ أَغوينا أغوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبرَّأنَا إِلَيكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ وَقيلَ ادْعُوا شئرَكَاءكمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأوُا العَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدونَ وَيَوْمَ ينَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ كلم فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءَلونَ".
وقال تعالى: "هَذَا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ وَلاَ يُؤذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلمكَذِّبين".
أَي لا ينطقون بحجة تنفعهم.
وقوله: "ثمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكينَ، انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسَهمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانوا يَفْتَرونَ".
وكذلك قوله: "يَوْمَ يَبْعَثهُمُ الله جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحلِفونَ لَكمْ وَيَحْسَبُون أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ".
فهلا يكون في حال آخر? كما قال ابن عباس في جواب ذلك في رواية البخاري عنه لمن سأَله عن مثل ذلك? وهكذا قوله تعالى: "وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءلُونَ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتمْ تَأْتُونَنَا عَن اليَمِين قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مؤمِنِيْنَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طَاغِين فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ ربنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغوَيْناكُمْ إِنَّا كنَّا غَاوِين، فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ في الْعَذَاب مُشْتَرِكُونَ " إنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ، إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُوولنَ أَئنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ، بَلْ جَاءَ بِالْحَق وَصدقَ الْمُرْسَلِينَ".
وقال تعالى: "وَيَقُولُونَ مَتَى هذَا الوعد إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ مَا يَنْطرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ، فَلاَ يَسْتَطِيعًونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ، وَنُفِخَ في الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنْ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبًهِم يَنْسِلُونَ، قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمرْسَلونَ، إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ، فَالْيَومَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كنْتُمْ تَعْملونَ".
وقال تعالى: "وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقًونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ في رَوْضَةٍ يحْبَرونَ، وأَمَّا الَّذِينَ كَفَروا وكًذّبُوا بِآيَاتِنَا وَلقَاءِ الآخِرَةِ فَأولَئِكَ في العَذَابِ محْضَرونَ". وقال تعالى: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّين الْقَيّم مِنْ قَبْل أَنْ يَأتِيَ يَوْمٌ لاَ مَرَدَّ لَه من اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ مَنْ كَفَر فَعَليْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدونَ".
قال تعالى: "وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يقْسِمُ المُجْرِمُونَ مَا لَبِثًوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانواْ يُؤفَكُونَ، وَقَالَ الَّذِينَ أوتُوا الْعلْمَ وَالإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كِتَابِ اللّه إِلَى يَوْم الْبَعْث فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتمْ لاَ تَعْلَمُونَ فَيَوْمَئِذٍ لاَ يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا معْذِرَتَهُمْ وَلاَ همْ يُسْتَعْتَبُونَ".
وقال تعالى: "وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثم يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهؤلاَء إِياكُمْ كَانُوا يَعْبدونَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَليُّنَا مِنْ دونهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبدُونَ الْجنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهمْ مُؤمِنُونَ، فَالْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْض نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً ونَقُولُ للَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ".
وقال تعالى: "يا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لاَ يَجْزِي وَالدٌ عَنْ وَلد وَلاَ مَوْلُودٌ هوَ جَازٍ عَنْ وَالِده شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغَرّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُور".
وقال تعالى: "إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْم مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَل مَعْدُود يَوْمَ يأتِ لاَ تَكًلّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَت السَّمَواتُ والأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ ربُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّموَاتُ والأَرضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءَ غَيْرَ مَجْذُوذٍ".
وقال تعالى: "إِن يَوْمَ الْفَصْل كَانَ مِيقَاتاً يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَتَأتُونَ أَفْوَاجاً وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبَوَاباً وسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً إِنَّ جَهًنّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِلطَّاغِينَ مآبَاً لابِثينَ فيهَا أَحْقَاباً لاَ يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وغَسَّاقاً جَزَاءَ وِفَاقاً إِنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً وَكَذَّبُوا بِآيِاتِنَا كِذّاباً وكُلَّ شَيْء أَحْصيْنَاهُ كِتَاباً فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابَاَ إِنَّ لِلمتَّقِينَ مَفَازاً حَدَائِقَ وأَعْنَاباً وكَوَاكِبَ أَتْرَاباً وَكَأساً دهاقاً لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذّاباً جَزَاءَ مِنْ ربِّكَ عَطَاءَ حِسَاباً رَبِّ السَّمواتِ وَالأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمن لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً يَوْمُ يَقُومُ الرُّوح وَالْمَلاَئِكَةُ لاَ يَتَكًلّمونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقَالَ صَوَاباً ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى ربِّهِ مآبَاً إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيبَاَ يَوْمَ يَنْطرُ الْمَرْءُ مَا قدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابَاً  
وقال تعالى: "بِسْم اللَّهِ الرَّحْمن الرَّحِيم: إِذا الشَّمْسُ كوِّرَتْ وإِذَا النُّجُومُ انْكَدَّرَتْ وَإِذَا الجِبَالُ سُيرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وإِذَا البِحَارُ سئجِّرَتْ وَإِذَا النُّفوش زوِّجَتْ وإِذَا الْمَوْءُودَةُ سئِلَتْ بأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعَرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أزلفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أحْضَرَتْ".
وقال تعالى: "بِسْم اللَّهِ الرَّحْمن الرَّحِيم: إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبَحَارُ فُجرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ يا أيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِربِّكَ الْكَرِيم الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ في أيِّ صُورَةٍ مَا شَاء رَكَّبَك بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدِّين وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيم وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيم يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّين وَمَا هُمْ عَنْهَا بَغَائِبِينَ وَمَا أدرَاكَ مَا يَوْمُ الدين ثمَّ مَا أدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّين يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْس شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ".
وقال تعالى: "إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأذِنَتْ لِربِّهَا وَحُقّتْ وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ وألْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخلَّتْ وأذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ يا أيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ فَأمَّا مَنْ أوتيَ كِتَابَهُ بِيَمينهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهلهِ مَسْروراً وَأمَّا مَنْ أوتيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلَى سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ في أهْلِهِ مسروراً إِنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ بَلى إِنَّ رَ بَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً".
وقد قال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا عبد الله بن يحيى الصنعاني القاضي، أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره: أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَّره أن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين فليقرأ": "إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وإِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ وإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ" وأحسب أنه قال: وسورة هود.
وكذا رواه الترمذي، عن عباس العنبري، عن عبد الرزاق به، ثم رواه أحمد، عن إبراهيم بن خالد، عن عبد الله بن بحر، عن عبد الرحمن بن يزيد من أهل صنعاء، وكان أعلم بالحلال والحرام من وهب بن منبه، عن ابن عمر فذكر نحوه.
وفي الحديث الآخر: "شيبتني هود وأخواتها". والآيات في هذا كثيرة جداً في أكثر سور القرآن العظيم.
وقد ذكرنا في كتابنا التفسير ما عند كل آية من هذه الآيات الدالة على صفة يوم القيامة من الحديث والآيات المفسرة لذلك، ونحن نورد هاهنا ما يسره الله تعالى بحول الله وقوته وعونه وحسن توفيقه.
ذكر الأَحاديث والآيات الدالة على أَهوال يوم القيامة وما يكون فيها من الأمور الكبار
قال الإِمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء، حدثنا نافع أبو غالب الباهلي، حدثني أنس بن مالك، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم".
انفرد به أحمد وإسناده لابأس به، وفي معنى قوله عليه الصلاة والسملام تطش عليهم احتمالان، أحدهما: أن يكون ذلك من المطر يقال أصابهم طش من مطر وهو الخفيف منه، والثاني: أن يكون ذلك من شدة الحر، والله أعلم.
وقد قال الله تعالى: "ألاَ يَظُنًّ أولئِكَ أنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْم عَظِيم يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لرَبِّ الْعَالَمِينَ".
وقد ثبت في الصحيح أنهم يقومون في الرشح إلى أنصاف آذانهم، وفي الحديث الآخر أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم كما تقدم.
وفي حديث الشفاعة كما سيأتي: "إن الشمس تدنو من العباد يوم القيامة فتكون منهم على مسافة ميل، فعند ذلك يعرفون بحسب الأعمال".
وقد قال الإِمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ثور: عن أبي الغيث، عنأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين عاماً، وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو إلى آذانهم".
شك ثور أيهما قال، وكذا رواه مسلم، عن قتيبة، وأخرجه البخاري، عن عبد العزيز بن عبد اللّه، عن سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد، عن سالم بن الغيث، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله. وقد قال الإِمام أحمد: حدثنا الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر، حدثني أبي، عن سعيد بن عمير الأنصاري، قال: جلست إلى عبد الله بن عمر وأبي سعيد فقال أحدهما لصاحبه: أي شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه يبلغ العرق من الناس يوم القيامة فقال أحدهما: إلى شحمته، وقال الآخر: يلجمه، فخط ابن عمر وأشار أبو سعيد بأصبعه: من شحمة أذنه إلى فيه، فقال: ما أدري ذلك إِلا سواء. تفرد به أحمد وإسناده جيد قوي.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن عيسى، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني سليمان بن عامر، قال: حدثني المقداد بن الأسود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين".
قال سليم: لا أدري أي الميلين? أمسافة الأرض? أم الميل الذي تكحل به العين? قال: قال فتغمرهم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه العرق إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاماً.
قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى فيه قال: "يلجمه إلجاماً". وكذا رواه الترمذي، عن سويد بن نصر عن ابن المبارك وقال: حسن صحيح، وأخرجه مسلم، عن الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة، عن أبي جابر نحوه.
وقال ابن المبارك: عن مالك بن مغول، عن عبيد الله بن العرار، قال: "إِن الأقدام يوم القيامة مثل النبل في القرن، والسعيد الذي يجد لقدميه موضعاً يضعهما وإن الشمس لتدني من رؤوسهم حتى يكون بينها وبين رؤوسهم إما قال ميل أو ميلان، ويزاد في حرها تسعة وتسعين ضعفاً".
وقال الوليد بن مسلم: عن أبي بكر بن سعيد عن مغيث بن سمي قال: "تركد الشمس فوق رؤوسهم على أذرع وتفتح أبواب جهنم فتهب عليهم رياحها وسمومها، وتجري عليهم نفحاتها حتى تجري الأنهار من عرقهم، أنتن من الجيف والصائمون في خيامهم في ظل العرش.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن منصور الطوسي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا الفضل بن عيسى الرقاشي، حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العرق ليلزم المرء في الموقف حتى يقول: يا رب إرسالك بي إلى النار أهون عليَّ مما أجد وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب". إسناده ضعيف.
بعض من سيستظلون بظل اللّه يوم القيامة
وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي رواية إِلا ظل عرشه، إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمسجد، إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، واثنان تحابا في الله، اجتمعا على ذلك، وتفرقا على ذلك، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه".
السابقون إلى ظل اللّه يوم القيامة
وقال الإِمام أحمد: حدثنا حسن ويحيى بن إسحاق قالا: حدثنا ابن لهيعة: قال: حدثنا خالد بن أبي عمران، عن القاسم، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة قالوا: الله ورسوله أعلم: قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سألوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم".
تفرَّد به أحمد وإسناده فيه ابن لهيعة، وقد تكلموا فيه، وشيخه ليس بالشهور.
هذا كله والناس موقوفون في مقام ضنك ضيق، حرج، شديد، صعب، إِلا على من يسره الله عليه، فنسأل الله العظيم، أن يهون علينا ذلك، وأن يوسع علينا، قال الله تعالى: "وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادرْ مِنْهُمْ أحَداً".وقال الإِمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا الأصبغ هو ابن يزيد، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، حدثني زمعة: هو ابن عمرو الحرسي الشامي، قال: سألت عائْشة فقلت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا قام من الليل? وبم كان يستفتح?.
فقالت: كان يكبر عشر ويحمد عشراً ويهلل عشراً ويستغفر عشراً أو يقول: "اللهم اغفر لي واهدني وارزقني".
ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم القيامة".
وكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن أبي داود الحراني عن يزيد ابن هارون بإسناد مثله وعنده: "من ضيق المقام يوم القيامة".
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني محمد بن قدامة، حدثني يعقوب بن سلمة الأحمر، سمعت ابن السماك يقول: سمعت أبا واعظ الزاهد يقول: "يخرجون من قبورهم فيبقون في الظلمات ألف عام، والأرض يومئذ دكاء، إن أسعد الناس يومئذ من وجد لقدميه موضعاً".
وقال: حدثني هارون بن سفيان: أخبرنا ابن نفيل، عن النضر بن عربي، قال: بلغني أن الناس إذا خرجوا من قبورهم، كان شعارهم لا إله إِلا الله، وكانت أول كلمة يقولها برهم وفاجرهم: ربنا ارحمنا".
وحدثنا حمزة بن العباس: أخبرنا عبد الله بن عثمان، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان: عن أبي صالح، قال: بلغني أن الناس يحشرون هكذا ونكس رأسه، ووضع يده اليمنى على كوعه اليسرى".
وحدثني عصمة بن الفضل: حدثني يحيى بن يحيى، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، سمعت الشامي قال: يخرجون من قبورهم وكلهم مذعورون فينادي مناد: "يَا عِبَادي لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أنْتُمْ تَحْزَنُونَ".
فيطمع فيها الخلق، فيتبعها: "الَّذِينَ آمَنُوا بآياتنا وَكَانُوا مُسلِمِينَ". فييأس منها الخلق غير الإِسلام.
بشارة نبوية عظيمة للمؤمنين
وروي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على أهل لا إله إِلا الله وحشة في قبورهم، ولا يوم نشورهم، وكأني بأهل لا إله إِلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن".
قلت: وله شاهد من القرآن العظيم.
قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الْحُسْنَى أولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ في مَا اشْتَهَتْ أنْفُسهُمْ خَالدونَ لاَ يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ هذَا يَوْمكمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعدون يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَي السِّجِل لِلْكُتبِ كَمَاَ بَدَأنَا أوّلَ خَلْق نُعِيدهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كنَّا فَاعِلِين".
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا أبو حفص الصفار، حدثنا جعفر بن سليمان، أخبرنا إبراهيم بن عيسى اليشكري: بلغنا أن المؤمن إذا بعث من قبره، تلقاه ملكان، مع أحدهما ديباجة فيها برد ومسك، ومع الآخر كوب من أكواب الجنة، فيه شراب، فإذا خرج من قبره خلط البرد بالمسك، فرشه عليه، وصبّ له الآخر شربة فيتناوله إياها، فيشربها، فلا يظمأ بعدها أبداً، حتى يدخل الجنة، فأما الأشقياء والعياذ بالله تعالى فقد قال الله تعالى في شأنهم: "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُو لَهُ قَرِينٌ وإِنَّهُمْ ليَصُدُّونَهُمْ عَن السَّبِيل وَيَحْسَبُونَ أنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بْيني وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمشْرِقَيْن فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكمْ في الْعَذَابِ مُشْرِكُونَ".
وذكرنا في التفسير: أن الكافر إذا قام من قبره أخذ بيده شيطانه، فيلزمه ولا يفارقه حتى يرمى بهما إلى النار، وقال تعالى: "وَجَاءَتْ كلُّ نَفْس مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ".أي ملك يسوقه إلى المحشر، وآخر يشهد عليه بأعماله، وهذا عام في الأبرار والفجار، وكل بحسبه، "لَقَدْ كنْتَ في غَفْلَةٍ مِنْ هذَا" يعني أيها الإِنسان "فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصركَ اليَوْمَ حَدِيدٌ" أي نافذ قوي. "وقَالَ قَرِينُهُ هذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ" أي هذا الذي جئت به هو الذي وكلت به، فيقول الله تعالى للسائق والشهيد: "أَلْقِيَا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاع لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهَاً آخَرَ فَألْقِيَاهُ في الْعَذَابِ الشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ في ضَلاَلٍ بَعيدٍ قَالَ لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظلاَّم لِلْعَبِيدِ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَل امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ".
بعض جزاء المتكبرين يوم القيامة
وقال الإِمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر، في صور الناس، يعلوهم كل شيء من الصغار، حتى يدخلوا سجناً من جهنم يقال له مويس، فتعلوهم نار الإِسار، فيسقون من طينة الخبال، عصارة أهل النار".
ورواه الترمذي والنسائي جميعاً، عن سويد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن محمد بن عجلان به، قال الترمذي: حسن.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عثمان العقيلي، حدثنا محمد بن راشد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر المتكبرون في صور من الذر يوم القيامة".
ثم قال: تفرّد به محمد بن عثمان، عن شيخه الجشمي، حدثنا يحيى بن سعيد: عن هشام، أخبرنا قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بعض أسفاره، وقد تقارب بين أصحابه السير، فرفع بهاتين الآيتين صوته: "يا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم "يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلًّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد".
فلما سمع ذلك أصحابه، حثوا المطي وعلموا أنه عند قول يقوله، فلما باتوا حوله قال أتدرون أي يوم ذاك? يوم ينادي آدم: يناديه ربه يقول: يا آدم: ابعث بعث النار قال: يا رب: وما بعث النار? قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. قال: فأبلس أصحابه ما ترى لأحدهم سن ضاحكة، فلما رأى ذلك، قال: اعلموا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده، إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه، يأجوج ومأجوج، ومن هلك من بني آدم ومن بني إبليس، قال: فسري عنهم ثم قال: اعلموا وابشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إِلا كالشامة في جنب البعير والرقمة في ذراع الدابة".
وقد رواه الترمذي والنسائي جميعاً، عن محمد بن بشار بندار، عن يحيى بن سعيد القطان به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
فصل
فإذا قام الناس من قبورهم، وجدوا الأرض على غير صفة الأرض التي فارقوها قد دكت جبالها، و زالت قلالها وتغيرت أحوالها، وانقطعت أنهارها، و بارت أشجارها، وسجرت بحارها، وتساوت مهادها ورباها، وخربت مدائنها وقراها، وقد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وقال الإِنسان ما لها، وكذلك السموات، ونواحيها، قد تشققت، وأرجاؤها قد تفطرت، والملائكة على أرجائها قد أحدقت وشمسها وقمرها مكسوفان، بل مخسوفان وفي مكان واحد مجموعان، ثم يكوران بعد ذلك، ثم يلقيان كما جاء في الحديث الذي سنورده في النيران كأنهما ثوران عقرا.
قال أبو بكر بن عياش: قال ابن عباس: يخرجون فينظرون إلى الأرض فيرونها غير الأرض التي عهدوا، وإلى الناس فيرونهم غير الناس الذين عهدوا، ثم تمثل ابن عباس يقول الشاعر:
فما الناس بالناس الذين عهدتـهـم

ولا الدار بالدار التي كنت أعرف
وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: "يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْض وَالسَّمواتُ وَبَرَزُوا لِلّهٍ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ".وقال تعالى: "فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدةً كَالدهَانَ فَبأيِّ آلاَءِ رَبكُمَا تكَذِّبَانِ".
وقال تعالى: "فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذِ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذ تُعْرَضُونَ لاَ يَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ".
وقال تعالى: "إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وإِذَا النُّجُومُ انْكَدرَتْ".
وقال: "إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَشَرَتْ".
وثبت في الصحيح، من حديث أم حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد".
وقال محمد بن قيس: وسعيد بن جبير: "إنه تبدل الأرض خبزة بيضاء، يأكل منها المؤمن من تحت قدميه".
وقال الأعمش: عن خيثمة عن ابن مسعود، قال: "الأرض كلها يوم القيامة نار، والجنة من ورائها، ترى كواعبها، وأكوابها، ويلجمهم العرق، ويبلغ أفواههم، ولم يبلغوا الحساب".
وكذا رواه الأعمش، عن المنهال بن. قيس بن سليمان، عن ابن مسعود فذكره وقال اسرائيل، وشعبة: عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود، قال: "يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرضَ غَيْرَ الأرْضَ".
قال: أرض كالفضة، نقية لم يسفك عليها دم، ولم تعمل فيها خطيئة، يضمهم المحشر، ويناديهم الداعي، حفاة، عراة، كما خلقوا، أراه قال: قياماً حتى يلجمهم العرق، وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا القاسم بن الفضل، قال: قال الحسن: قالت عائْشة: يا رسول الله: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات".
أين الناس? قال: "إن هذا الشيء ما سألني عنه أحد من أمتي قبلك، الناس على الصراط".
تفرَّد به أحمد، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا، أخبرنا علي بن الجعد، أخبرنا القاسم بن الفضل: سمعت الحسن قال: قالت عائشة: فذكره ورواه قتادة، عن حسان بن بلال المزني، عن عائشة، بمثل هذا سواء.
وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا عبيد الله بن جرير العتكي، قال: حدثني محمد بن بكار الصيرفي، أخبرنا الفضل بن معروف القطيعي، أخبرنا بشر بن حرب، عن أبي سعيد، عن عائشة، قالت: بينما النبي صلى الله عليه وسلم واضع رأسه في حجري بكيت، فرفع رأسه، فقال: ما أبكاك قلت: بأبي أنت وأمي: ذكرت قول الله عز وجل: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا للّه الواحد القهار". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الناس يومئذ على جسر جهنم والملائكة وقوف تقول: رب سلم: رب سلم: فمن بين زال وزالة". هذا حديث غريب من هذا الوجه لم يخرجه أحد من الستة.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة أنها قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا للّه الواحد القهار" قالت: قلت أين الناس يومئذ يا رسول الله? قال: "على الصراط".
وأخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه، والترمذي، وابن ماجه، من حديث داود بن أبي هند، وقال الترمذي حسن صحيح، ورواه أحمد أيضاً عن عفان، عن وهب، عن داود، عن الشعبي عنها، ولم يذكر مسروقاً.
وروى أحمد أيضاً من حديث حبيب بن أبي عمرة، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن عائشة، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، ثم قالت: أين الناس يومئذ يا رسول الله? قال: "هم على متن جهنم".
وروى مسلم من حديث أبي سلام، عن أسماء الرحبي، عن ثوبان، أن حبراً من اليهود سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: أين نكون يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الظلمة دون الجسر".
وقال ابن جرير: حدثني ابن عوف، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا سعد بن ثوبان الكلاعي، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: تأتى النبي صلى الله عليه وسلم حبر من اليهود، فقال أرأيت إذ يقول الله في كتابه: "يَوْمَ تُبدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْض والسَّمواتُ" فأين الخلق عند ذلك فقال: "أضياف الله، فلن يعجزهم ما لديه".
وكذا رواه ابن أبي حاتم: من حديث أبي بكر بن أبي مريم.
وقد يكون هذا التبديل بعد المحشر، ويكون تبديلاً ثانياً إلى صفة أخرى بعد أولى، والله تعالى أعلم.
قال ابن أبي الدنيا: أخبرنا يوسف بن موسى، حدثنا وكيع، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن مالك، عن رجل من بني مجاشع يقال له عبد الكريم، أو يكنى بأبي عبد الكريم، قال: أقمت عند رجل بخراسان، فحدثني أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: "يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْض وَالسَّموَاتُ". قال: "ذكر لنا أن الأرض تبدل فضة والسموات تبدل ذهباً".
وكذا روى ابن عباس وأنس بن مالك ومجاهد بن جبير وغيرهم.
ذكر طول يوم القِيَامَةَ وَمَا وَرَدَ في تَعْدَاده
قال الله تعالى: "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمَاً عِنْدَ رَبِّكَ كَألْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ".
قال بعض المفسرين هو يوم القيامة وقال تعالى: "سَألَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع لِلْكَافِرِينَ لَيس لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ فِي الْمَعَارِج تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً إِنَّهُمْ يَروْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً".
وقد ذكرنا في التفسير اختلاف السلف والخلف في هذه الآية، فروى ليث بن أبي سليم وغيره، عن مجاهد، عن ابن عباس، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: "هو بُعد ما بين العرش إلى الأرض السابعة" قال ابن عباس: وقوله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: هو بُعد ما بين العرش إلى الأرض السابعة. قال ابن عباس وقوله: "فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ".
يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض وصعوده من الأرض إلى السماء، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، رواه ابن أبي حاتم، ورواه ابن جرير، عن مجاهد أيضاً، وذهب إليه الفراء، وقاله أبو عبد الله الحليمي فيما حكاه عنه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب البعث والنشور، قال الحليمي: والملك يقطع هذه المسافة فى بعض يوم، ولو أنها مسافة يمكن أن تقطع لم يتمكن أحد من مسيرها إلا في مقدار خمسين ألف سنة، قال: وليس هذا من تقدير يوم القيامة بسبيل، ورجح الحليمي هذا بقوله: "مِنَ اللَهِ ذِي الْمَعَارِج" يعني العلو والعظمة كما قال تعالى: "رَفِيعُ الدَرَجَاتِ ذو الْعَرْش".
ثم فسر ذلك بقوله: "تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ والروحُ إلَيْهِ فِي يَوْم" أي في مسافة "كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَة"، أي بُعدها واتسّاعُهَا هَذِهِ الْمدَّةُ.
فعلى هذا القول، المراد بذلك مسافة المكان، هذا قول والقول الثاني: أن المراد بذلك مدة الدنيا.
قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا ابن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله تعالى: "كَانَ مِقْدَارهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ".
قال: الدنيا عمرها خمسون ألف سنة، ذلك عمرها يوم سماها تعالى يوماً. فقال: "تَعرجُ الملائكةُ والروح إليهِ في يوم" قال: اليوم الدنيا.
وقال عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وعن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحد كم مضى ولا كم بقي إلا الله عز وجل، وذكره البيهقي من طريق محمد بن ثور، عن معمر به، وهذا قول غريب جداً لا يوجد في كثير من الكتب المشهورة والله أعلم.
القول الثالث: المراد بذلك فصل ما بين الدنيا ويوم القيامة، رواه ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي وهو غريب أيضاً.
القول الرابع: أن المراد بذلك يوم القيامة قال ابن أبي حاتم، حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، قال: يوم القيامة إسناده صحيح، ورواه الثوري عن سماك، عن عكرمة من قوله وبه قال الحسن والضحاك وابن زيد قَال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن إدريس، أخبرنا الحسن بن رافع أخبرنا ضمرة، عن شوذب، عن زيد الرشد، قال: يقوم الناس يوم القيامة ألف سنة ويقضى بينهم في مقدار عشرة آلاف سنة.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة.
وقال الكلبي في تفسيره: وهو يرويه عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: "لو ولي محاسبة العباد غير الله لم يفرغ في خمسين ألف سنة".
قال البيهقي: وفيما ذكر حماد بن زيد، عن أيوب قال: قال الحسن: ما ظنك بيوم قاموا فيه على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة حتى تقطعت أعناقهم عطشاً واحترقت أجوافهم جوعاً ثم انصرف بهم بعد ذلك إلى النار فسقوا من عين آنية قد أنى حرها واشتد نضجها وقد ورد هذا في أحاديث متعددة والله أعلم.
يوم القيامة على طوله وشدته أخف على المؤمن من أداء صلاة مكتوبة
قال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنه ليخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا".
ورواه ابن جرير في تفسيره عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج به ودراج أبو السمح وشيخه أبو الهيثم سليمان بن عمرو العيواري ضعيفان.
على أنه قد رواه البيهقي بلفظ آخر فقال: أخبرنا أبو بكر بن الحسن القاضي، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا أبو سلمة الخزاعي، حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي، وكان رجلاً من الخائفين قال: سمعت دراجاً أبا السمح يخبر من يحدثه، عن أبي سعيد الخدري، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني من يقوى على القيام يوم القيامة الذي قال الله تعالى فيه: "يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرب العَالَمِينَ".
فقال صلى الله عليه وسلم: "يخفف على المؤمن حتى يكون عليه كالصلاة المكتوبة".
وقال عبد الله بن عمرو: "إن للمؤمنين يوم القيامة كراسي من نور، يجلسون عليها، ويظلل عليهم الغمام، ويكون يوم القيامة عليهم كساعة من نهار أو كأحد طرفيه". رواه ابن أبي الدنيا في الأهوال.
بعض ما أعد من العذاب لمانعي الزكاة
وقال أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه، إلا جعل صفائح يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جبهته وجنباه وظهره، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار".
وذكر بقية الحديث في مانع زكاة الغنم والإِبل أنه ينطح لها بقاع قرقر تطأه بأخفافها وأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما مرت عليه أخراها أعيدت عليه أولاها، حتى يقضي بين العباد، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار".
وهكذا رواه أبو داود الطيالسي في مسنده، أخبرنا وهيب بن خالد، وكان ثقة، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي فذكر نحوه، وأخرجه مسلم، من حديث روح بن القاسم وعبد العزيز بن المختار، كلاهما عن سهيل، به مثله، وأخرجه مسلم أيضاً من حديث زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعاً في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم.
وقد روى الإِمام أحمد، وأبو داود، من حديث شعبة والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة، كلاهما عن قتادة، عن ابن عمر الغداني، عن أبي هريرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدها ورسلها يعني في عسرها ويسرها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغزر ما كانت، وأكثره، وأسمنه، وأسره حتى ينطح لها بقاع قرقر، فتطأه بأخفافها، فإذا جاوزته أخراها، أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين الناس، فيرى سبيله، وإن كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغد ما كانت، وأكبره، وأسمنه، وأسره وأكثره وأنشره، ثم يبطح لها بقاع قرقر، فتطأه كل ذات ظلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، إذا جاوزته أخراها، أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين الناس، فيرى سبيله".قال البيهقي: وهذا لا يحتمل إلا تقدير ذلك اليوم بخمسين ألف سنة مما تعدون والله أعلم.
يوم القيامة طويل عسير على العصاة وهو على أهل التقوى غير طويل ولا عسير
ثم لا يكون ذلك كذلك إلا على الذي لا يغفر له، فأما من غفر له ذنبه من المؤمنين، فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا الحسن بن محمد بن حكيم، أخبرنا أبو الموجه، أخبرنا عبدان، أخبرنا عبد الله هو ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة قال: "يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر إلى العصر" ثم قال: هذا هو المحفوظ.
وقد روي مرفوعاً أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثني عبد الله بن عمر، ابن علي الجوهري بمرو، حدثنا يحيى بن سويد بن عبد الكريم، حدثنا سويد بن نصر، حدثنا ابن المبارك، فذكره بإسناده مرفوعاً.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، حدثنا عبد الرحمن بن ميسرة، عن أبي هانىء، عن أبي عبد الرحمن الحلبي، عن عبد الله بن عمرو قال: "تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: "يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ".
فقال: "كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم"? وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن ميسرة، عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ: "إنَّ مَقِيلَهُمْ لإلى الْجَحِيم". قال ابن المبارك هكذا في قراءة ابن مسعود.
ثم قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن ميسرة الهنديَ، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: "أصْحَابُ الْجنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْز مُسْتَقرّاً وَأحْسَنُ مَقِيلاً". قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء.
ذكر المقَام المحمُود
الذي يخصّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْن سَائِر
الأَنبيَاء وَمِنْ ذَلِكَ الشفَاعَة الْعُظْمَى في أَهل الْمَوقف ليجِيء الربّ عَزَّ وَجَلَّ فيفصل بَيْنَهُمْ ويريحَ المؤمنين مِنْ تِلْكَ الْحَال إِلَى حُسن المآل قال الله تعالى: "وَمِنَ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبًّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً".
قال البخاري: حدثنا علي بن عباس، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يسمعٍ النداء: "اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة، والفضيلة، وابعثه مقاما محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة". انفرد به مسلم.
الشفاعة هي المقام المحمود
وقال الإِمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا داود، وهو ابن يزيد بن عبد الرحمن المعافري عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "عَسَى أنْ يَبَعْثُكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً". قال: الشفاعة" إسناده حسن. أعطي الرسول عليه الصلاة والسلام خمساً لم يعطهن أحد من أنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم أجمعين.
وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر وغيره، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة".
فقوله وأعطيت الشفاعة. يعني بذلك الشفاعة التي تطلب من آدم فيقول: لست بصاحب ذاكم، اذهبوا إلى نوح، فيقول لهم كذلك، ويرشدهم إلى إبراهيم، فيرشدهم إلى موسى، ويرشدهم موسى إلى عيسى، فيرشدهم عيسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها أنا لها".
وسيأتي ذلك مبسوطاً في أحاديث الشفاعة في إخراج العصاة من النار وقد ذكرنا طرق هذا الحديث بطوله عن جماعة من الصحابة عند تفسير هذه الآية الكريمة من كتابنا التفسير بما فيه كفاية.
الرسول عليه السلام سيد ولد آدم يوم القيامة
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع".
ولمسلم أيضاً عن أبي بن كعب رضي الله عنه، في حديث قراءة القرآن على سبعة أحرف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: "اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب فيه إلى الخلائق حتى إبراهيم".
الرسول إمام الأنبياء يوم القيامة
وقال أحمد: حدثنا أبو عامر الأزدي: حدثنا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي كعب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة كنت إمام الأنبياء، وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم غير فخر".
ورواه الترمذي، وابن ماجه من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثني محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي عز وجل حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود".
وقال الإِمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بن خبر، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يؤذن له أن يرفع رأسه، فأنظر من بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، فقال رجل: يا رسول الله كيف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك? فقال صلى الله عليه وسلم: هم غر محجلون من أثر الوضوء، ليس أحد كذلك غيرهم، وأعرفهم بأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم يسعى بين أيديهم ذريتهم".
وقال أحمد: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون أبو الخطاب الأنصاري، عن النضر بن أنس قال: حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني لقائم أنتظر أمتي بعد الصراط، إذا جاءني عيسى عليه الصلاة والسلام فقال: هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد، يسألونك، أو قال: يجتمعون إليك، يدعون الله أن يفرق بين جميع الأمم إلى حيث شاء الله. فالخلق ملجمون بالعرق، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة، وأما الكافر فيغشاه الموت فيه، فقال: انتظر حتى أرجع إليك، فذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم فقام تحت العرش، فيلقى ما لم يلق ملك مصطفى، ولا نبي مرسل، فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد وقل له: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فتشفعت في أمتي، فأخرج من كل تسعة وتسعين إنساناً واحداً، فما زلت أتردد إلى ربي، فلا أقوم فيه مقاماً إلا شفعت، حتى أعطاني الله من ذلك أن قال: يا محمد أدخل من أمتك من قال: أشهد أن لا إله إِلا الله يوماً واحداً مخلصاً ومات على ذلك".
وروى الإِمام أحمد من حديث علي بن الحكم البناني عن عثمان، عن إبراهيم، عنَ علقمة والأسود، عن ابن مسعود فذكر حديثاً طويلاً وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة".
فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله: وما ذاك المقام المحمود قال: "ذاك إذا جيء بكم حفاة، عراة، غرلاً، فيكون أول من يكسى إبراهيم، يقول الله سبحانه: اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما، ثم يقعد مستقبل العرش ثم أوتى بكسوتي، فألبسها، فأقوم عن يمينه مقاماً لا يقومه أحد، فيغبطني به الأولون والآخرون" قال: "ويفتح لهم من الكوثر إلى الحوض". وذكر تمام الحديث في صفة الحوض كما سيأتي قريباً.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن مسلمة، أخبرنا ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يطول على الناس يوم القيامة فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر فليشفع لنا إلى ربنا فليقض بيننا، فيأتون إليه فيقولون اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فيقول إني لست هناكم ولكن ائتوا نوحاً رأس النبيين فيأتونه فيقولون يا نوح: اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فيقول إنا لست هناكم ولكن ائتوا ابراهيم نبي الله وخليله، قال: فيأتونه فيقولون يا إبراهيم إشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول إني لست هناكم ولكن ائتوا موسى كليم الله الذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه فيأتونه فيقولون يا موسى: إشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فيقول: إني لست هناكم ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول إني لست هناكم ولكن ائتوا محمداً، فإنه خاتم النبيين وإنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويقول عيسى: أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه هل كان يقدر على ما في الوعاء حتى يفض الخاتم فيقولون: لا فيقول إن محمداً خاتم النبيين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيأتوني فيقولون يا محمد اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فأقول: نعم فآتي باب الجنة فآخذ بحلقة الباب فأستفتح فيقال: من أنت? فأقول: محمد فيفتح لي فأخر ساجداً فأحمد ربي بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد يكون بعدي، فيقول: ارفع رأسك وقل يسمع منك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. قال: فأخرجهم ثم أخرّ ساجداً".
وقد رواه البخاري ومسلم من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس به.
رواية أبي هريرة رضي اللّه عنه
قال الإِمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا أبو حيان حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم فدفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهش منها نهشة ثم قال: "أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذلك? يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينقدهم البصير وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه وما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة ليسجدوا لك فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحاً فيقولون يا نوح أنت المرسل إلى أهل الأرض وسماك الله عبداً شكوراً فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه كانت لي دعوة على قومي: نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض فاشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله: نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى عليه السلام فيقولون يا موسى: أنت رسول الله اصطفاك برسالاته وبتكليمه على الناس اشفعِ لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا فيقول لهم موسى إن ربي غضب اليوم غضباَ لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت نفسا لم أؤمر بقتلها. نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى عليه السلام فيقولون يا عيسى: أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه قال هكذا هو وكلمت الناس في المهد فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا. فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنباً، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد فيأتوني، فيقولون يا محمد: أنت رسول الله وخاتم النبيين غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فاشفع لنا الى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فأقوم فأقف تحت العرش فأقع ساجداً لربي عز وجل، ثم يفتح الله ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبلي فيقال: يا محمد إرفع رأسك سل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي يا رب أمتي أمتي يارب أمتي أمتي فيقول: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سواه من أبواب، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لما بين مصراعين من مصاريع الجنة. لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى". أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن حبان يحيى بن سعيد بن حبان به، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا في الأهوال، عن أبي خيثمة، عن جرير، عن عمار بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله، وزاد في السياق: "وإني أخاف أن يطرحني في النار انطلقوا إلى غيري في قصة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى" وهي زيادة غريبة جداً ليست في الصحيحين ولا في أحدهما والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نصرة المنذر بن مالك بن قطعة قال: خطبنا ابن عباس رضي الله عنهم على منبر البصرة فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لم يكن نبي إلا له دعوة قد استجيبت في الدنيا وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر. آدم فمن دونه تحت لوائي ولا فخر ويطول يوم القيامة على الناس فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى أبينا فيشفع لنا إلى ربنا فليقض بيننا فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول: إني لست هناكم أني قد خرجت من الجنة وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا نوحاً رأس النبيين فذكر الحديث كنحو ما تقدم إلى أن قال: فيأتوني فيقولون يا محمد اشفع لنا الى ربك فليقض بيننا فيقول: أنا لها حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى فإذا أراد اللهّ أن يصدع بين خلقه نادى مناد: أين أحمد وأمته? فنحن الآخرون الأولون آخر الأمم وأول من يحاسب فتفرج لنا الأمم طريقاً فنمضي غراً محجلين من الوضوء فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها فآتي باب الجنة".
وذكر تمام الحديث في الشفاعة في عصاة هذه الأمة، وقد ورد هذا الحديث هكذا عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، والعجب كل العجب من إيراد الأئمة لهذا الحديث من أكثر طرقه لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى في أن يأتي الرب لفصل القضاء، كما ورد هذا في حديث الصور كما تقدم، وهو المقصود في هذا المقام، ومقتضى سياق أول الحديث أن الناس إنما يستغيثون إلى آدم فمن بعده من الأنبياء طمعاً في أن يفصل بين الناس ويستريحوا من مقامهم ذلك، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه، فإذا وصلوا إلى المحشر فإنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار، وكان مقصود السلف في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها يذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث، وقد جاء التصريح بذلك في حديث الصور كما تقدم أن الناس يذهبون إلى آدم ثم إلى نوح ثم إلى إبراهيم وموسى وعيسى، ثم يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذهب فيسجد لله تحت العرش في مكان يقال له الفحص فيقول الله ما شأنك? وهو أعلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك فاقض بينهم، فيقول الله: قد شفعتك، قال: فأرفع رأسي فأقف مع الناس ثم ذكر انشقاق السموات وتنزل الملائكة والغمام ثم مجيء الرب تعالى لفصل القضاء والكروبيون والملائكة المقربون يسبحون بأنواع التسبيح قال: فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرض ثم يقول: إني أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا أسمع أقوالكم وأرى أعمالكم فأنصتوا لي، فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم فمن وجد منكم خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسن زين العابدين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة مدّ الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن عز وجل، والله ما رآه قبلها فأقول أي رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته لي فيقول الله: صدق ثم اشفع، فأقول يا رب عبادك الذين عبدوك والذين لم يعبدوك في أطراف الأرض أي وقوف في أطراف الأرض أي الناس مجتمعون في صعيد واحد مؤمنهم وكافرهم فيشفع عند الله ليأتي فصل القضاء بين عباده ويميز مؤمنهم من كافرهم في الموقف والمصير وفي الحال والمآل" ولهذا قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل في قوله تعالى: "عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً".
هو المقام الذي يقومه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم.
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن أبان، حدثنا أبو الأحوص، عن آدم بن علي، سمعت ابن عمر قال: إن الناس يسيرون يوم القيامة حثيثاً كل أمة تتِبع نبيها يقولون يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله مقاماً محموداً.
قال: ورواه حمزة بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
سؤال الناس يسبب سقوط لحم وجه السائل يوم القيامة
وقد أسند ما علقه هاهنا في موضع آخر من الصحيح فقال في كتاب الزكاة: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر، سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال العبد يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعمة لحم" وقال: "إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الآذان فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد". زاد عبد الله ابن يوسف، حدثني الليث، عن أبي جعفر. "فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم".
وكذا رواه ابن جرير، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب بن الليث، عن أبيه به نحوه والله سبحانه وتعالى أعلم.
ذكرَ مَا وَرَدَ في الْحَوض المحمدي
سَقَانَا اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَة
من الأحاديث المشهورة المتعددة من الطرق المأثورة الكثيرة المتضافرة وإن رغمت أنوف كثير من المبتدعة المكابرة القائلين بجحوده المنكرين لوجوده وأخلق بهم أن يحال بينهم وبين وروده كما قال بعض السلف: من كذب بكرامة لم ينلها، ولو اطلع المنكر للحوض على ما سنورده من الأحاديث قبل مقالته لم يقلها.
بعض الصحابة الكرام الذين صدقوا بالحوض وآمنوا بكونه يوم القيامة ورووا الأحاديث فيه
روي ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، منهم أبي بن كعب، وجابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، وجندب بن عبد الله البجلي، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وحارثة بن وهب، وحذيفة بن أسيد، وحذيفة بن اليمان، وسمرة بن جندب، وسهل بن سعد، وعبد الله بن زيد بن عاصم، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، وعتبة بن عبد السلمي، وعقبة بن عامر الجهمي، والنواس بن سمعان، وأبو أمامة الباهلي، وأبو برزة الأسلمي، وأبو بكرة، وأبو ذر الغفاري، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة الدوسي، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة، وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وعاد علينا من بركاتهم، وامرأة حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم من بني النجار.
رواية أبي بن كعب الأنصاري سيد الفقراء رضي اللّه تعالى عنه من شرب من الحوض
روي فلم يظمأ أبداً ومن حرم الشرب منه حرم الري أبداً قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو زرعة الدمشقي. حدثنا محمد بن الصلت، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الحوض فقال أبي بن كعب: يا رسول الله ما الحوض? فقال: "أشد بياضاً من اللبن وأبرد من الثلج وأحلى من العسل وأطيب ريحاً من المسك من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً ومن صرف عنه لم يرو أبداً".
ورواه أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنّة حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا عبد الغفار بن القاسم، فذكر بإسناده نحوه.
ولفظه: قيل يا رسول الله وما الحوض? قال: "والذي نفسي بيده إن شرابه أبيض من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج وأطيب ريحاً من المسك وآنيته أكثر عدداً من النجوم لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبداً ولا يصرف عنه إنسان فيروى أبداً".
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستّة ولا الإِمام أحمد أيضاً.
رواية أنس بن مالك رضي اللّه عنه الأنصاري خادم النبي صلى الله عليه وسلم
قال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن وهب، عن يونس قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء".
وكذا رواه مسلم أيضاً عن حرملة بن وهب رضي الله تعالى عنه.
طريق أخرى هن أنس بن مالك رضي اللّه عنه
قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا وهيب، حدثنا عبد العزيز، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليردن علي الناس من أصحابي، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
ورواه مسلم: عن محمد بن حاتم عن عفان، عن وهيب بن خالد، عن عبد العزيز بن صهيب به.
الكوثر نهر في الجنة أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق أخرى عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه
قال الإِمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه مبتسماً إما قال هو، وإما قالوا له: "لم ضحكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه أنزلت علي آنفاً سورة، فقرأ: "بِسْم اللّه الرَّحْمن الرَّحِيم إِنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ".
حتى ختمها ثم قال: هل تدرون ما الكوثر? قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول: يا رب، إنه من أمتي، فيقال: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
وهذا ثلاثي الإِسناد، ورواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، من حديث محمد بن فضيل، وعلي بن مسهر، كلاهما عن المختار بن فلفل عن أنس به.
ولفظ مسلم: "هو نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوضي ترد عليه أمتي يوم القيامة".
والباقي مثله.. ومعنى ذلك أنه يشخب من الكوثر ميزابان إلى الحوض، والحوض في العرصات، قبل الصراط، لأنه يختلج عنه ويمنع منه أقوام قد ارتدوا على أعقابهم ومثل هؤلاء لا يجازون الصراط، كما سيرد من طرق متعددة، وقد جاء مصرحاً به أنه في العرصات، كما ستراه قريباً، إن شاء الله تعالى.
طريق أخرى عن أنس رضي اللّه تعالى عنه
قال أحمد: حدثنا أبو عامر، وأزهر بن القاسم، حدثنا هشيم، عن قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثل ما بين ناحيتي حوضي مثل ما بين المدينة وصنعاء، ومثل ما بين المدينة وعمان".
ورواه مسلم: عن أبي عامر، عن عبد الملك بن عمرو، وأخرجه مسلم أيضاً عن عاصم بن النضر الأول، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس بنحوه.
طريق أخرى عن أنس رضي اللّه عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أحمد: حدثنا يونس، وحسن بن موسى قالا: حدثنا حماد بن سلمة رضي الله عنه، ورواه أحمد أيضاً عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زياد، عن الحسن، عن أنس رضي الله عنه، أن قوماً ذكروا عند عبيد الله بن زياد الحوض فأنكره وقال: ما الحوض فبلغ ذلك أنساً رضي الله عنه، فقال: لا جرم والله لأفعلن فأتاه فقال: ذكرتم الحوض فقال عبيد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره، فقال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من كذا وكذا مرة يقول: "إن ما بين طرفيه كما بين أيلة إلى مكة، أو ما بين صنعاء ومكة، وإن آنيته لأكثر من عدد نجوم السماء" انفرد به أحمد.
وقد رواد يحيى بن محمد بن ساعد، عن سوار بن عبد الله القاضي العنبري، عن معاذ بن معاذ العنبري، عن أشعث بن عبد الله الحمراني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حوضي ما بين كذا إلى كذا، فيه من الآنية عدد نجوم السماء، أحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن، من شرب منه لم يظمأ أبداً، ومن لم يشرب لم يرو أبداً".
طريق أخرى عن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الحافظ أبو يعلى: حدثني عبد الرحمن هو ابن سلام، حدثنا أحمد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه، أن عبد الله بن زياد قال: يا أبا حمزة: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الحوض فقال: "لقد تركت بالمدينة عجائز يكثرن أن يسألن الله أن يوردهن حوض محمد صلى الله عليه وسلم".
طريق أخرى عن أنس رضي اللّه عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو يعلى أيضاً: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة هو ابن عمار، عن يزيد الرقاشي قال: قلت يا أبا حمزة: "إن قوماً يشهدون علينا بالكفر والشرك، فقال أنس: أولئك شر الخلق والخليقة، قلت: ويكذبون بالحوض: فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن لي حوضاً كما بين إيلياء إلى الكعبة أو قال: صنعاء، أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل فيه آنية عدد نجوم السماء ينبعث فيه عدة ميزابات من الجنة من كذب به لم يصب منه الشرب". صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
طريق أخرى عنه رضي اللّه عنه
قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الخالق البزار في مسنده: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا أبو داود، حدثنا المسعودي، عن عدي بن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حوضي من كذا إلى كذا، فيه من الآية عدد النجوم، أطيب ريحاً من المسك، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن، من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً، ومن لم يشرب منه لم يرو أبداً".
ثم قال: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أنس بهذا الإِسناد ولم يرو عدي بن ثابت عن أنس رضي الله عنه سواه، ولا رواه إلا المسعودي، وهذا إسناد جيد، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب، ولا أحمد بن حنبل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
طريق أخرى عن أنس أيضاً خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق