الجمعة، 15 يونيو 2018

10.السيرة النبوية لابن كثير ج3 /2 .


10.السيرة النبوية لابن كثير ج 3   //2 .
وقال الواقدي: حدثنى إسحاق بن يحيى، عن حمزة بن صهيب، عن أبيه قال: فما أدرى كم يد مقطوعة وضربة جائفة لم يدم كلمها قد رأيتها يوم بدر ! وحدثني محمد بن يحيى، عن أبى عقيل، عن أبى بردة بن نيار، قال: جئت يوم بدر بثلاثة أرؤس فوضعتهن بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أما رأسان فقتلتهما، وأما الثالث فإنى رأيت رجلا طويلا [ قتله ] فأخذت رأسه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذاك فلان من الملائكة وحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، قال: كان السائب بن أبى حبيش يحدث في زمن عمر يقول: والله ما أسرني أحد من الناس.
فيقال: فمن ؟ يقول: لما انهزمت قريش انهزمت معها، فأدركني رجل أشعر طويل على فرس أبيض فأوثقني رباطا، وجاء عبدالرحمن بن عوف فوجدني مربوطا فنادى في العسكر: من أسر هذا ؟ حتى انتهى بى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أسرك ؟ قلت: لا أعرفه.
وكرهت أن أخبره بالذى رأيت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسرك ملك من الملائكة اذهب يا بن عوف بأسيرك ".
وقال الواقدي: حدثنى عابد بن يحيى، حدثنا أبو الحويرث، عن عمارة بن أكيمة، عن حكيم بن حزام، قال: لقد رأيتنا يوم بدر وقد وقع بجاد (1) من السماء قد سد الافق، فإذا الوادي يسيل نهلا، فوقع في نفسي أن هذا شئ من السماء أيد به محمد، فما كانت إلا الهزيمة ولقى الملائكة.
[ وقال إسحاق بن راهوية، حدثنا وهب بن جرير بن حازم، حدثنى أبى، عن
محمد بن إسحاق، حدثنى أبى، عن جبير بن مطعم، قال: رأيت قبل هزيمة القوم، والناس يقتتلون، مثل البجاد الاسود قد نزل من السماء مثل النمل الاسود، فلم أشك أنها الملائكة فلم يكن إلا هزيمة القوم ] (2).
* * * ولما تنزلت الملائكة للنصر ورآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أغفى إغفاءة
__________
(1) البجاد: كساء مخطط.
(2) سقط من ا (*)
ثم استيقظ، وبشر بذلك أبا بكر وقال " أبشر يا أبا بكر هذا جبريل يقود فرسه على ثناياه النقع " يعنى من المعركة.
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش في الدرع فجعل يحرض على القتال، ويبشر الناس بالجنة ويشجعهم بنزول الملائكة، والناس بعد على مصافهم لم يحملوا على عدوهم، حصل لهم السكينة والطمأنينة. وقد حصل النعاس الذى هو دليل على الطمأنينة والثبات والايمان، كما قال: " إذ يغشيكم النعاس أمنة منه " وهذا كما حصل لهم بعد ذلك يوم أحد بنص القرآن.
ولهذا قال ابن مسعود: النعاس في المصاف من الايمان، والنعاس في الصلاة من النفاق.
وقال الله تعالى: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، وإن تنتهوا فهو خير لكم، وإن تعودوا نعد ولن تغنى عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وإن الله مع المؤمنين (1) ".
قال الامام أحمد، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنى الزهري، عن عبدالله بن ثعلبة، أن أبا جهل قال، حين التقى القوم: اللهم أقطعنا للرحم
وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة: فكان هو المستفتح.
وكذا ذكره ابن إسحاق في السيرة، ورواه النسائي من طريق صالح بن كيسان عن الزهري، ورواه الحاكم من حديث الزهري أيضا.
ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقال الاموى: حدثنا أسباط بن محمد القرشى، عن عطية، عن مطرف، في قوله:
__________
(1) سورة الانفال 19.
(*)
" إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح " قال: قال أبو جهل: اللهم [ أعن ] أعز الفئتين، وأكرم القبيلتين، وأكثر الفريقين.
فنزلت: " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ".
وقال على بن أبى طلحة، عن ابن عباس في قوله: " وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم " قال: أقبلت عير أهل مكة تريد الشام، فبلغ ذلك أهل المدينة فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون العير.
فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا إليها لكيلا يغلب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الله قد وعدهم إحدى الطائفتين، وكانوا يحبون أن يلقوا العير.
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم، وكره القوم مسيرهم لشوكة القوم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وبينهم وبين الماء رملة دعصة فأصاب المسلمون ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوسهم تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم كذا (2) فأمطر الله عليهم مطرا شديدا، فشرب المسلمون وتطهروا، فأذهب الله عنهم رجز الشيطان، فصار الرمل لبدا ومشى الناس عليه والدواب.
فساروا إلى القوم وأيد الله نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة، فكان جبريل في خمسمائة من الملائكة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة من الملائكة مجنبة.
وجاء إبليس في جند من الشياطين ومعه ذريته وهم في صورة رجال من بنى مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، وقال الشيطان للمشركين: " لا غالب لكم اليوم من الناس، وإنى جار لكم ".
__________
(1) الدعصة: المستدير من الرمل.
(2) في الروايات أن بعضهم كانوا محدثين من الاحتلام.
(*)
فلما اصطف الناس قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره.
ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: " يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الارض أبدا ".
فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب.
فأخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولوا مدبرين.
وأقبل جبريل إلى إبليس فلما رآه، وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع إبليس يده ثم ولى مدبرا وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة أما زعمت أنك لنا جار ؟ قال: إنى أرى ما لا ترون، إنى أخاف الله والله شديد العقاب.
وذلك حين رأى الملائكة.
وراه البيهقى في الدلائل.
* * * [ وقال الطبراني: حدثنا مسعدة بن سعد العطار حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامى، حدثنا عبد العزيز بن عمران، حدثنا هشام بن سعد، عن عبد ربه بن سعيد بن قيس الانصاري، عن رفاعة بن رافع، قال: لما رأى إبليس ما فعل الملائكة بالمشركين يوم بدر أشفق أن يخلص إليه، فتشبث به الحارث بن هشام، وهو يظن أنه سراقة بن
مالك، فوكز في صدر الحارث ثم خرج هاربا حتى ألقى نفسه في البحر ورفع يديه فقال: اللهم إنى أسألك نظرتك إياى، وخاف أن يخلص القتل إليه.
وأقبل أبو جهل فقال يا معشر الناس لا يهولنكم خذلان سراقة بن مالك، فإنه كان على معياد من محمد، ولا يهولنكم قتل شيبة وعتبة والوليد فإنهم قد عجلوا، فو اللات والعزى لا نرجع حتى نفرقهم بالجبال، فلا ألفين رجلا منكم قتل رجلا، ولكن خذوهم أخذا حتى تعرفوهم سوء صنيعهم، من مفارقتهم إياكم ورغبتهم عن اللات والعزى.
(28 - السيرة 2)
ثم قال أبو جهلا متمثلا: ما تنقم الحرب الشموس منى * بازل عامين حديث سنى لمثل هذا ولدتني أمي ] (1) وروى الواقدي، عن موسى بن يعقوب الزمعى، عن أبى بكر بن أبى سليمان، عن أبى حتمة، سمعت مروان بن الحكم يسأل حكيم بن حزام عن يوم بدر، فجعل الشيخ يكره ذلك، فألح عليه فقال حكيم: التقينا فاقتتلنا، فسمعت صوتا وقع من السماء إلى الارض مثل وقعة الحصاة في الطست، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم القبضة التراب فرمى بها فانهزمنا.
قال الواقدي: وحدثنا إسحاق بن محمد بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله، عن عبدالله بن ثعلبة بن صقير (2)، سمعت نوفل بن معاوية الديلى يقول: انهزمنا يوم بدر ونحن نسمع صوتا كوقع الحصى في الطاس في أفئدتنا ومن خلفنا، وكان ذلك من أشد الرعب علينا.
وقال الاموى: حدثنا أبى، حدثنا ابن أبى إسحاق، حدثنى الزهري، عن عبدالله ابن ثعلبة بن صقير، أن أبا جهل حين التقى القوم قال: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما
لا نعرف فأحنه الغداة.
فكان هو المستفتح.
فبينما هم على تلك الحال، وقد شجع الله المسلمين على لقاء عدوهم وقللهم في أعينهم حتى طمعوا فيهم، خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة في العريش ثم انتبه فقال: " أبشر يا أبا بكر هذا جبريل معتجر بعمامته آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع، أتاك نصر الله وعدته ".
__________
(1) سقط من ا (2) المطبوعة: صعير.
وهو خطأ.
(*)
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ كفا من الحصى بيده، ثم خرج فاستقبل القوم فقال: " شاهت الوجوه " ثم نفحهم بها، ثم قال لاصحابه: احملوا.
فلم تكن إلا الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديدهم، وأسر من أسر منهم.
وقال زياد عن ابن إسحاق: ثم إن رسول صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشا ثم قال: " شاهت الوجوه " ثم نفحهم بها وأمر أصحابه فقال: " شدوا " فكانت الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر من أشرافهم.
وقال السدى الكبير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى يوم بدر: " أعطني حصباء من الارض " فناوله حصباء عليها تراب، فرمى به في وجوه القوم فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شئ، ثم ردفهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم، وأنزل الله في ذلك: " فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ".
وهكذا قال عروة وعكرمة ومجاهد ومحمد بن كعب ومحمد بن قيس وقتادة وابن زيد وغيرهم: إن هذه الآية نزلت في ذلك يوم بدر.
وقد فعل عليه السلام مثل ذلك في غزوة حنين.
كما سيأتي في موضعه إذا انتهينا
إليه إن شاء الله وبه الثقة.
وذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرض أصحابه على القتال ورمى المشركين بما رماهم به من التراب وهزمهم الله تعالى، صعد إلى العريش أيضا ومعه أبو بكر، ووقف سعد بن معاذ ومن معه من الانصار على باب العريش ومعهم السيوف خيفة أن تكر راجعة من المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: ولما وضع القوم أيديهم يأسرون، رأى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فيما ذكر لى، في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال له: " كأنى بك يا سعد تكره ما يصنع القوم ؟ " قال: أجل والله يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الاثخان في القتل أحب إلى من استبقاء الرجال.
قال ابن إسحاق: وحدثني العباس بن عبدالله بن معبد، عن بعض أهله، عن عبدالله ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه يومئذ " إنى قد عرفت أن رجالا من بنى هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقى منكم أحدا من بنى هاشم فلا يقتله، ومن لقى أبا البخترى بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقى العباس بن عبدالمطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله، فإنه إنما خرج مستكرها ".
فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس، والله لئن لقيته لالحمنه بالسيف.
فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر: " يا أبا حفص " قال عمر: والله إنه لاول يوم كنانى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبى حفص، " أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ! ".
فقال عمر: يا رسول الله دعني فلاضرب عنقه بالسيف فو الله لقد نافق.
فقال أبو حذيفة: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التى قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عنى الشهادة.
فقتل يوم اليمامة شهيدا.
رضى الله عنه.
مقتل أبى البخترى بن هشام قال ابن إسحاق: وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبى البخترى
لانه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة.
كان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شئ يكرهه، وكان ممن قام في نقض الصحيفة، فلقيه المجذر بن ذياد البلوى حليف الانصار فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن قتلك.
ومع أبى البخترى زميل له خرج معه من مكة، وهو جنادة بن مليحة وهو من بنى ليث.
قال: وزميلي ؟ فقال له المجذر: لا والله ما نحن بتاركي زميلك، ما أمرنا رسول الله إلا بك وحدك، قال: لا والله إذا لاموتن أنا وهو جميعا، لا يتحدث عنى نساء قريش بمكة أنى تركت زميلي حرصا على الحياة ! وقال أبوالبخترى وهو ينازل المجذر: لن يترك (1) ابن حرة زميله * حتى يموت أو يرى سبيله قال: فاقتتلا فقتله المجذر بن ذياد.
وقال في ذلك: إما جهلت أو نسيت نسبي * فأثبت النسبة إنى من بلى الطاعنين برماح اليزنى * والطاعنين (2) الكبش حتى ينحنى بشر بيتم من أبوه البخترى * أو بشرن بمثلها منى بنى أنا الذى يقال أصلى من بلى * أطعن بالصعدة (3) حتى تنثني وأعبط القرن بعضب مشرفى * أرزم للموت كإرزام المرى (4) فلا ترى مجذرا يفرى فرى (5)
ثم أتى المجذر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والذى بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فأتيك به فأبى إلا أن يقاتلني، فقاتلته فقتلته.
__________
(1) ابن هشام: لن يسلم (2) ابن هشام: الضاربين (3) الصعدة: الرمح.
(4) أعبط: أقتل.
والقرن: النظير في الحرب.
والعضب: السيف القاطع.
وأرزم: أحن.
والمرى: الناقة التى يستنزل لبنها على عسر.
(5) يفرى فرى: يصنع صنعى.
(*)
فصل في مقتل أمية بن خلف قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه وحدثنيه أيضا عبدالله بن أبى بكر وغيرهما، عن عبدالرحمن بن عوف، قال: كان أمية بن خلف لى صديقا بمكة، وكان اسمى عبد عمرو فتسميت حين أسلمت عبدالرحمن، فكان يلقانى ونحن بمكة فيقول: يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماكه أبوك ؟ قال: فأقول: نعم.
قال (1): فإنى لا أعرف الرحمن، فاجعل بينى وبينك شيئا أدعوك به، أما أنت فلا تجيبني باسمك الاول، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف.
قال: وكان إذا دعاني يا عبد عمرو لم أجبه.
قال: فقلت له: يا أبا على اجعل ما شئت.
قال: فأنت عبد الاله.
قال: قلت: نعم.
قال: فكنت إذا مررت به قال: يا عبد الاله.
فأجيبه فأتحدث معه.
حتى إذا كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنه على وهو آخذ بيده، قال: ومعى أدراع لى قد استلبتها فأنا أحملها، فلما رأني قال: يا عبد عمرو فلم أجبه، فقال: يا عبد الاله.
فقلت: نعم.
قال: هل لك في فأنا خير لك من هذه الادراع التى معك ؟ قال: قلت: نعم ها الله (2).
قال: فطرحت الادرع من يدى وأخذت بيده وبيد ابنه، وهو يقول ما رأيت
كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن (3) ؟ ثم خرجت أمشى بهما.
قال ابن إسحاق: حدثنى عبد الواحد بن أبى عون، عن سعد بن إبراهيم، عن
__________
(1) ابن هشام: فيقول.
(2) ابن هشام: ها الله ذا.
وها: حرف تنبيه ولفط الجلالة مجرور بحرف قسم مضمر قام التنبيه مقامه.
(3) قال ابن هشام: يريد باللبن أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن.
(*)
أبيه، عن عبدالرحمن بن عوف، قال: قال لى أمية ابن خلف وأنا بينه وبين ابنه آخذا بأيديهما: يا عبد الاله من الرجل منكم المعلم بريشه نعامة في صدره ؟ قال: قلت: حمزة قال: ذاك الذى فعل بنا الافاعيل.
قال عبدالرحمن: فو الله إنى لاقودهما إذ رآه بلال معى، وكان هو الذى يعذب بلالا بمكة على الاسلام، فلما رآه قال: رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا.
قال قلت: أي بلال، أسيرى، قال: لا نجوت إن نجا.
قال: ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا.
فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة (1) فأنا أذب عنه، قال: فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط.
قال: قلت: انج بنفسك ولا نجاء [ بك ] (2)، فو الله ما أغنى عنك شيئا.
قال: فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما.
قال: فكان عبدالرحمن يقول: يرحم الله بلالا، فجعني بأدراعى وبأسيرى ! وهكذا رواه البخاري في صحيحه قريبا من هذا السياق، فقال في الوكالة: حدثنا عبد العزيز، هو ابن عبدالله، حدثنا يوسف، هو ابن الماجشون، عن صالح بن ابراهيم ابن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده عبدالرحمن بن عوف، قال: كاتبت أمية ابن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتى (3) بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة، فلما ذكرت الرحمن قال: لا أعرف الرحمن، كاتبني باسمك الذى كان في الجاهلية.
فكاتبته
عبد عمرو، فلما كان يوم بدر خرجت إلى جبل لاحرزه حين نام الناس فأبصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس [ من ] الانصار فقال: أمية بن خلف ؟ ! لا نجوت إن نجا أمية بن خلف.
فخرج معه فريق من الانصار في آثارنا، فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه
__________
(1) المسكة: السوار، أي أحد قوابهم.
(2) من ابن هشام.
(3) صاغيتى: خاصتي.
(*)
لاشغلهم فقتلوه، ثم أتوا حتى تبعونا وكان رجلا ثقيلا، فلما أدركونا قلت له: ابرك.
فبرك فألقيت عليه نفسي لامنعه، فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلى بسيفه، فكان عبدالرحمن بن عوف يرينا ذلك في ظهر قدمه.
سمع يوسف صالحا وإبراهيم أباه.
تفرد به البخاري من بينهم كلهم.
وفى مسند رفاعة بن رافع أنه هو الذى قتل أمية بن خلف.
مقتل أبى جهل لعنه الله قال ابن هشام: وأقبل أبو جهل يومئذ يرتجز [ وهو يقاتل ] (1) ويقول: ما تنقم الحرب العوان منى * بازل عامين حديث سنى لمثل هذا ولدتني أمي قال ابن إسحاق: ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه أمر بأبى جهل أن يلتمس في القتلى.
وكان أول من لقى أبا جهل كما حدثنى ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس وعبد الله بن أبى بكر أيضا، قد حدثنى ذلك، قالا: قال معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بنى سلمة: سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة (2) وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه.
فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه، فلما أمكننى حملت عليه فضربته ضربة أطنت (3) قدمه بنصف ساقه، فو الله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها.
قال: وضربنى ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدى
__________
(1) من ابن هشام.
(2) قال ابن هشام: الحرجة: الشجر الملتف.
(3) أطنت: أطارت.
(*)
فتعلقت بجلدة من جنبى، وأجهضني (1) القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومى وإنى لاسحبها خلفي، فلما آذتنى وضعت عليها قدمى ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها.
قال ابن إسحاق: ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمن عثمان.
ثم مر بأبى جهل، وهو عقير، معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته، وتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل.
فمر عبدالله بن مسعود بأبى جهل، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس في القتلى، وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني: انظروا إن خفى عليكم في القتلى إلى أثر جرح في ركبته، فإنى ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت أشف منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش (2) في أحدهما جحشا لم يزل أثره به.
قال ابن مسعود: فوجدته بآخر رمق فعرفته، فوضعت رجلى على عنقه.
قال: وقد كان ضبث بى (3) مرة بمكة فأذاني ولكزنى، ثم قلت له: هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ قال: وبماذا أخزاني [ قال (4) ] أعمد من رجل قتلتموه (5).
أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟ قال: قلت لله ولرسوله.
قال ابن إسحاق: وزعم رجال من بنى مخزوم أن ابن مسعود كان يقول: قال لى: لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعى الغنم.
ثم احتززت رأسه، ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله هذا رأس عدو الله.
فقال: " آ لله الذى
لا إله غيره ؟ ".
وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت: نعم والله الذى لا إله غيره.
ثم ألقيت رأسه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله.
__________
(1) أجهضني: غلبنى.
(2) جحش: انخدش.
(3) ضبث: قبض عليه ولزمه.
(4) ليست في ابن هشام.
(5) ابن هشام: أعمد من رجل قتله قومه.
(*)
هكذا ذكر ابن إسحاق رحمه الله.
وقد ثبت في الصحيحين من طريق يوسف بن يعقوب بن الماجشون، عن صالح ابن ابراهيم بن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه، عن عبدالرحمن بن عوف، قال: إنى لواقف يوم بدر في الصف، فنظرت عن يمينى وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الانصار حديثة أسنانهما، فتمنيت أن أكون بين أظلع (1) منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم أتعرف أبا جهل ؟ فقلت: نعم وما حاجتك إليه ؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذى نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الاعجل منا.
فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لى أيضا مثلها.
فلم أنشب أن نظرت إلى أبى جهل وهو يجول في الناس، فقلت: ألا تريان ؟ هذا صاحبكم الذى تسألان عنه.
فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال: " أيكما قتله ؟ ".
قال كل منهما: أنا قتلته.
قال: " هل مسحتما سيفيكما ؟ " قالا: لا قال: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في السيفين فقال: " كلاهما قتله " وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والآخر معاذ بن عفراء.
وقال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابراهيم بن سعد، عن أبيه عن جده، قال: قال عبدالرحمن: إنى لفى الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يمينى وعن يسارى فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما إذ قال لى أحدهما سرا من صاحبه: يا عم أرنى أبا جهل.
فقلت: يا بن أخى ما تصنع به ؟ قال: عاهدت الله إن
رأيته أن أقتله أو أموت دونه.
وقال لى الآخر سرا من صاحبه مثله.
قال: فما سرنى إننى بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه هما ابنا عفراء.
__________
(1) أظلع: أضعف.
(*)
وفى الصحيحين أيضا من حديث أبى سليمان التيمى، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى عليه الله وسلم " من ينظر ماذا صنع أبو جهل ؟ " قال ابن مسعود: أنا يا رسول الله.
فانطلق فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد.
قال: فأخذ بلحيته قال فقلت: أنت أبو جهل ؟ فقال: وهل فوق رجل قتلتموه.
أو قال: قتله قومه ! وعند البخاري، عن أبى أسامة، عن إسماعيل بن قيس، عن ابن مسعود، أنه أتى أبا جهل فقال: هل أخزاك الله ؟ فقال: هل اعمد من رجل قتلتموه ! وقال الاعمش، عن أبى إسحاق، عن أبى عبيدة، عن عبدالله، قال: انتهيت إلى أبى جهل وهو صريع وعليه بيضة ومعه سيف جيد، ومعى سيف ردئ، فجعلت أنقف رأسه بسيفي وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة حتى ضعفت (1) يده، فأخذت سيفه فرفع رأسه فقال: على من كانت الدائرة، لنا أو علينا ؟ ألست رويعينا بمكة ؟ قال: فقتلته، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: قتلت أبا جهل.
فقال: آلله الذى لا إله إلا هو ؟ فاستحلفني ثلاث مرات.
ثم قام معى إليهم فدعا عليهم.
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن أبى عبيدة، قال: قال عبدالله: انتهيت إلى أبى جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو يذب الناس عنه بسيف له، فقلت: الحمد لله الذى أخزاك الله يا عدو الله.
قال: هل هو إلا رجل قتله قومه !
فجعلت أتناوله بسيف لى غير طائل، فأصبت يده، فندر (2) سيفه، فأخذته فضربته حتى قتلته.
قال: ثم خرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أقل (3) من الارض فأخبرته فقال: " آلله الذى لا إله إلا هو ؟ " فرددها ثلاثا.
قال: قلت: آلله الذى لا إله إلا هو.
__________
(1) ا: صفقت.
(2) ندر: سقط.
(3) أقل: أحمل.
(*)
قال: فخرج يمشى معى حتى قام عليه فقال: " الحمد لله الذى قد أخزاك الله يا عدو الله، هذا كان فرعون هذه الامة ".
وفى رواية أخرى قال ابن مسعود " فنفلنى سيفه.
وقال أبو إسحاق الفزارى، عن الثوري، عن أبى إسحاق، عن أبى عبيدة، عن ابن مسعود قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقلت: قد قتلت أبا جهل فقال: " آلله الذى لا إله إلا هو ؟ " فقلت: آلله الذى لا إله إلا هو مرتين، أو ثلاثا.
قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر، الحمد لله الذى صدق وعده، ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده " ثم قال: " انطلق فأرنيه، فانطلقت فأريته، فقال: " هذا فرعون هذه الامة ".
ورواه أبو داود والنسائي من حديث أبى إسحاق السبيعى به.
وقال الواقدي: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصرع ابني عفراء فقال: " رحم الله ابني عفراء، فهما شركاء في قتل فرعون هذه الامة ورأس أئمة الكفر " فقيل: يا رسول الله ومن قتله معهما ؟ قال: " الملائكة، وابن مسعود قد شرك في قتله ".
رواه البيهقى.
وقال البيهقى: أخبرنا الحاكم، أخبرنا الاصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس بن بكير، عن عنبسة بن الازهر، عن أبى إسحاق، قال: لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم البشير يوم بدر بقتل أبى جهل استحلفه ثلاثة أيمان بالله الذى لا إله إلا هو لقد رأيته قتيلا ؟ فحلف له، فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا.
ثم روى البيهقى من طريق أبى نعيم، عن سلمة بن رجاء، عن الشعثاء، امرأة من بنى أسد، عن عبدالله بن أبى أوفى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين حين بشر بالفتح وحين جئ برأس أبى جهل.
وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بشر بكر بن خلف، حدثنا سلمة بن رجاء، قال حدثتني شعثاء، عن عبدالله بن أبى أوفى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم بشر برأس أبى جهل ركعتين.
وقال ابن أبى الدنيا: حدثنا أبى، حدثنا هشام، أخبرنا مجالد، عن الشعبى، أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى مررت ببدر فرأيت رجلا يخرج من الارض فيضربه رجل بمقمعة معه حتى يغيب في الارض، ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك مرارا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أبو جهل بن هشام، يعذب إلى يوم القيامة ".
وقال الاموى في مغازيه: سمعت أبى، حدثنا المجالد بن سعيد، عن عامر، قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال إنى رأيت رجلا جالسا في بدر ورجل يضرب رأسه بعمود من حديد حتى يغيب في الارض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ذاك أبو جهل وكل به ملك يفعل به كلما خرج، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ".
وقال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه
قال: قال الزبير: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص وهو مدجج لا يرى منه إلا عيناه، وهو يكنى أبا ذات الكرش، فقال: أنا أبو ذات الكرش، فحملت عليه بعنزة فطعنته في عينه فمات.
قال هشام: فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلى عليه ثم تمطيت، فكان الجهد أن نزعتها وقد انثنى طرفاها، قال عروة: فسأله إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياها، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها ثم طلبها أبو بكر فأعطاه إياها، فلما قبض أبو بكر سألها إياه عمر بن الخطاب فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها، ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها، فلما قتل عثمان وقعت عند آل على فطلبها عبدالله بن الزبير فكانت عنده حتى قتل.
وقال ابن هشام: حدثنى أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي، أن عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص، ومر به، إنى أراك كأن في نفسك شيئا، أراك تظن أنى قتلت أباك ؟ إنى لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله، ولكني قتلت خالي العاص بن هشام بن المغيرة، فأما أبوك فإنى مررت به وهو يبحث بحث الثور بروقه، فحدت عنه وقصد له ابن عمه على فقتله.
* * * قال ابن إسحاق " وقاتل عكاشة بن محصن بن حرثان الاسدي حليف بنى عبد شمس يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب فقال: " قاتل بهذا يا عكاشة ".
فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه فعاد سيفا في يده طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين، وكان ذلك السيف يسمى العون، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتله طليحة الاسدي أيام الردة، وأنشد طليحة في ذلك قصيدة منها قوله:
عشية غادرت ابن أقرم ثاويا * وعكاشة الغنمى عند مجال وقد أسلم بعد ذلك طليحة، كما سيأتي بيانه.
قال ابن إسحاق: وعكاشة هو الذى قال حين بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بسبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب: ادع الله أن يجعلني منهم قال: " اللهم اجعله منهم ".
وهذا الحديث مخرج في الصحاح والحسان وغيرهما.
قال ابن إسحاق: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - " منا خير فارس في العرب " قالوا: ومن هو يا رسول الله ؟ قال " عكاشة بن محصن " فقال ضرار
ابن الازور: ذاك رجل منا يا رسول الله.
قال " ليس منكم، ولكنه منا للحلف.
وقد روى البيهقى، عن الحاكم، من طريق محمد بن عمر الواقدي، حدثنى عمر بن عثمان الخشنى، عن أبيه، عن عمته، قالت: قال عكاشة بن محصن: انقطع سيفى يوم بدر فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا فإذا هو سيف أبيض طويل، فقاتلت به حتى هزم الله المشركين، ولم يزل عنده حتى هلك.
وقال الواقدي: وحدثني أسامة بن زيد، عن داود بن الحصين، عن رجال من بنى عبد الاشهل، عدة، قالوا: انكسر سيف سلمة بن حريش يوم بدر، فبقى أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب (1) فقال: اضرب به.
فإذا سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبى عبيدة.
رده عليه السلام عين قتادة قال البيهقى في الدلائل: أخبرنا أبو سعد المالينى، أخبرنا أبو أحمد بن عدى، حدثنا أبو يعلى، حدثنا يحيى الحمانى، حدثنا عبد العزيز بن سليمان بن الغسيل،
عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جده قتادة بن النعمان، أنه أصيبت عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لا " فدعاه فغمز حدقته براحته، فكان لا يدرى أي عينيه أصيب ! وفى رواية: فكانت أحسن عينيه.
وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه لما أخبره بهذا الحديث عاصم ابن عمر بن قتادة وأنشد مع ذلك:
__________
(1) ابن طاب: ضرب من الرطب.
(*)
أنا ابن الذى سالت على الخد عينه * فردت بكف المصطفى أيما رد فقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله عند ذلك، منشدا قول أمية بن أبى الصلت في سيف بن ذى يزن، فأنشده عمر في موضعه حقا: تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا فصل في قصة أخرى شبيهة بها قال البيهقى: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا محمد بن صالح، أخبرنا الفضل بن محمد الشعرانى، حدثنا إبراهيم بن المنذر، أخبرنا عبد العزيز بن عمران، حدثنى رفاعة بن يحيى، عن معاذ بن رفاعة بن رافع، عن أبيه رافع بن مالك، قال: لما كان يوم بدر تجمع الناس على أبى بن خلف، فأقبلت إليه فنظرت إلى قطعة من درعه قد انقطعت من تحت إبطه، قال: فطعنته بالسيف فيها طعنة، ورميت بسهم يوم بدر، ففقئت عينى، فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لى، فما آذانى منها شئ.
وهذا غريب من هذا الوجه، وإسناده جيد ولم يخرجوه.
ورواه الطبراني من حديث إبراهيم بن المنذر.
* * * قال ابن هشام: ونادى أبو بكر ابنه عبدالرحمن، وهو يومئذ مع المشركين لم يسلم بعد، فقال: أين مالى يا خبيث ؟ فقال عبدالرحمن: لم يبق إلا شكة ويعبوب * وصارم يقتل ضلال الشيب يعنى لم يبق إلا عدة الحرب وحصان وهو اليعبوب، يقاتل عليه شيوخ الضلالة.
هذا يقوله في حال كفره.
وقد روينا في مغازى الاموى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يمشى هو
وأبو بكر الصديق بين القتلى: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " نفلق هاما ": فيقول الصديق: من رجال أعزة * علينا، وهم كانوا أعق وأظلما ! ذكر طرح رءوس الكفر في بئر يوم بدر قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب، طرحوا فيه، إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملاها، فذهبوا ليخرجوه فتزايل [ لحمه ] فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة.
فلما ألقاهم في القليب وقف عليهم فقال: " يا أهل القليب، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا، فإنى قد وجدت ما وعدني ربى حقا ؟ ".
قالت فقال له أصحابه " يا رسول الله أتكلم قوما موتى ؟ ! فقال: " لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حق ".
قالت عائشة: والناس يقولون: لقد سمعوا ما قلت لهم.
وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد علموا.
قال ابن إسحاق: وحدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: سمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله من جوف الليل وهو يقول " يا أهل القليب، يا عتبة ابن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام، فعدد من كان منهم في القليب، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فإنى قد وجدت ما وعدني ربى حقا.
فقال المسلمون: يا رسول الله أتنادى قوما قد جيفوا ؟.
(29 - السيرة 2)
فقال: " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني ".
وقد رواه الامام أحمد عن ابن أبى عدى، عن حميد، عن أنس.
فذكر نحوه.
وهذا على شرط الشيخين.
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ فإنى قد وجدت ما وعدني ربى حقا ".
قلت: وهذا مما كانت عائشة رضى الله عنها تتأوله من الاحاديث، كما قد جمع ما كانت تتأوله من الاحاديث في جزء، وتعتقد أنه معارض لبعض الآيات.
وهذا المقام مما كانت تعارض فيه قوله: " وما أنت بمسمع من في القبور " وليس هو بمعارض له، والصواب قول الجمهور من الصحابة ومن بعدهم، للاحاديث الدالة نصا على خلاف ما ذهبت إليه رضى الله عنها وأرضاها.
وقال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: ذكر عند عائشة أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله.
فقالت: رحمه الله ! إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه
ليعذب بخطيئته وذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن ".
قالت: وذاك مثل قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين، فقال لهم ما قال، قال: إنهم ليسمعون ما أقول.
وإنما قال: " إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق " ثم قرأت: " إنك لا تسمع الموتى " و " ما أنت بمسمع من في القبور " تقول: حين تبوأوا مقاعدهم من النار.
وقد رواه مسلم عن أبى كريب عن أبى أسامة به.
وقد جاء التصريح بسماع الميت بعد دفنه في غير ما حديث، كما سنقرر ذلك في كتاب الجنائز من الاحكام الكبير إن شاء الله.
ثم قال البخاري: حدثنى عثمان، حدثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن ابن عمر قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: " هل وجدتم ما وعد ربكم حقا " ثم قال: " إنهم الآن يسمعون ما أقول لهم ".
وذكر لعائشة فقالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم الآن ليعلمون أن الذى كنت أقول لهم هو الحق.
ثم قرأت: " إنك لا تسمع الموتى " حتى قرأت الآية.
وقد رواه مسلم عن أبى كريب، عن أبى أسامة، وعن أبى بكر بن أبى شيبة، عن وكيع، كلاهما عن هشام بن عروة.
* * * وقال البخاري: حدثنا (1) عبدالله بن محمد، سمع روح بن عبادة، حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة قال: ذكر لنا أنس بن مالك، عن أبى طلحة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوى (2) من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة (3) ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى وتبعه أصحابه
وقالوا ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته.
حتى قام على شفة الركى، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، يسركم (4) أنكم أطعتم الله ورسوله ؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ! ".
فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها ؟
__________
(1) البخاري: حدثنى.
(2) الطوى: البئر المبنية بالحجارة (3) العرصة: الموضع الواسع لا بناء فيه.
(4) البخاري: أيسركم.
(*)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " والذى نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ".
قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما.
وقد أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق، عن سعيد بن أبى عروبة.
ورواه الامام أحمد، عن يونس بن محمد المؤدب، عن شيبان بن عبدالرحمن، عن قتادة، قال: حدث أنس بن مالك.
فذكر مثله.
فلم يذكر أبا طلحة.
وهذا إسناد صحيح، ولكن الاول أصح وأظهر.
والله أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدر ثلاثة أيام حتى جيفوا، ثم أتاهم فقام عليهم فقال: " يا أمية ابن خلف، يا أبا جهل بن هشام، يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة، هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ فإنى قد وجدت ما وعدني ربى حقا ".
قال: فسمع عمر صوته فقال: يا رسول الله أتناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون ؟ يقول الله تعالى: " إنك لا تسمع الموتى " فقال: " والذى نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا ".
ورواه مسلم، عن هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة به.
* * * وقال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت: عرفت ديار زينب بالكثيب * كخط الوحى في الورق القشيب (1) تداولها الرياح وكل جون * من الوسمى (2) منهمر سكوب فأمسى رسمها خلقا وأمست * يبابا بعد ساكنها الحبيب فدع عنك التذكر كل يوم * ورد حرارة القلب الكئيب (3)
__________
(1) الوحى: الكتابة.
(2) الوسمى: مطر الخريف.
(3) ابن هشام: الصدر الكئيب.
(*)
وخبر بالذى لا عيب فيه * بصدق غير إخبار الكذوب بما صنع المليك غداة بدر * لنا في المشركين من النصيب غداة كأن جمعهم حراء * بدت أركانه جنح الغروب فلاقيناهم منا بجمع * كأسد الغاب مردان وشيب أمام محمد قد وازروه * على الاعداء في لفح الحروب بأيديهم صوارم مرهفات * وكل مجرب خاطى الكعوب بنو الاوس الغطارف وازرتها * بنو النجار في الدين الصليب فغادرنا أبا جهل صريعا * وعتبة قد تركنا بالجبوب (1) وشيبة قد تركنا في رجال * ذوى حسب إذا نسبوا حسيب يناديهم رسول الله لما * قذفناهم كباكب في القليب ألم تجدوا كلامي كان حقا * وأمر الله يأخذ بالقلوب فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا * صدقت وكنت ذا رأى مصيب قال ابن إسحاق: ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقوا في القليب أخذ
عتبة بن ربيعة فسحب في القليب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - في وجه أبى حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغير لونه فقال: " يا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شئ ؟ " أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: لا والله يا رسول الله، ما شككت في أبى ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف من أبى رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك للاسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذى كنت أرجو له، أحزنني ذلك.
فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا.
__________
(1) الجبوب: وجه الارض.
(*)
وقال البخاري: حدثنا الحميدى، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس: " الذين بدلوا نعمة الله كفرا " قال: هم والله كفار قريش.
قال عمرو: هم قريش، ومحمد نعمة الله: " وأحلوا قومهم دار البوار " قال: النار يوم بدر.
قال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت: قومي الذين هم آووا نبيهم * وصدقوه وأهل الارض كفار إلا خصائص أقوام هم سلف * للصالحين من الانصار أنصار مستبشرين بقسم الله قولهم * لما أتاهم كريم الاصل مختار أهلا وسهلا ففى أمن وفى سعة * نعم النبي ونعم القسم والجار [ فأنزلوه بدار لا يخاف بها * من كان جارهم دارا هي الدار (1) ] وقاسموهم بها الاموال إذ قدموا * مهاجرين وقسم الجاحد (2) النار سرنا وساروا إلى بدر لحينهم * لو يعلمون يقين العلم ما ساروا والاهم (3) بغرور ثم أسلمهم * إن الخبيث لمن والاه غرار وقال إنى لكم جار فأوردهم * شر الموارد فيه الخزى والعار
ثم التقينا فولوا عن سراتهم * من منجدين ومنهم فرقة غاروا وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن أبى بكر وعبد الرزاق، قالا: حدثنا إسرائيل، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتلى قيل له: عليك العير ليس دونها شئ.
فناداه العباس وهو في الوثاق: إنه لا يصلح لك.
قال: لم ؟ قال: لان الله وعدك إحدى الطائفتين، وقد أنجز لك ما وعدك.
* * *
__________
(1) من ابن هشام.
(2) الاصل: الجاهل.
وما أثبته عن ابن هشام.
(3) ابن هشام: دلاهم.
(*)
وقد كانت جملة من قتل من سراة الكفار يوم بدر سبعين، هذا مع حضور ألف من الملائكة.
وكان قدر الله السابق فيمن بقى منهم أن سيسلم منهم بشر كثير، ولو شاء الله لسلط عليهم ملكا واحدا فأهلكهم عن آخرهم، ولكن قتلوا من لا خير فيه بالكلية.
وقد كان في الملائكة جبريل الذى أمره الله تعالى فاقتلع مدائن قوم لوط، وكن سبعا فيهن من الامم والدواب والاراضي والمزروعات، وما لا يعلمه إلا الله، فرفعهن حتى بلغ بهن عنان السماء على طرف جناحه، ثم قلبهن منكسات وأتبعهن بالحجارة التى سومت لهم.
كما ذكرنا ذلك في قصة قوم لوط.
وقد شرع الله جهاد المؤمنين للكافرين، وبين تعالى حكمه في ذلك فقال: " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب، حتى أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء، حتى تضع الحرب أوزارها، ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض " (1) الآية.
وقال تعالى: " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم
وينصركم عليهم ويشف صدرو قوم مؤمنين.
ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء " (2) الآية.
فكان قتل أبى جهل على يدى شاب من الانصار، ثم بعد ذلك يوقف عليه عبدالله بن مسعود ومسك بلحيته وصعد على صدره حتى قال له: لقد رقيت مرتقى صعبا يا رويعى الغنم.
ثم بعد هذا حز رأسه واحتمله حتى وضعه بين يدى رسول الله.
__________
(1) سورة محمد 4.
(2) سورة التوبة 14، 15.
(*)
فشفى الله به قلوب المؤمنين، كان هذا أبلغ من أن تأتيه صاعقة أو أن يسقط عليه سقف منزله أو يموت حتف أنفه ! والله أعلم.
* * * وقد ذكر ابن إسحاق فيمن قتل يوم بدر مع المشركين، ممن كان مسلما ولكنه خرج معهم تقية منهم، لانه كان فيهم مضطهدا قد فتنوه عن إسلامه، جماعة منهم: الحارث بن زمعة بن الاسود، وأبو قيس بن الفاكه، [ وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ] (1) وعلى بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن الحجاج.
قال: وفيهم نزل قوله تعالى: " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا: فيم كنتم.
قالوا: كنا مستضعفين في الارض.
قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها.
فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا " (2).
وكان جملة الاسارى يومئذ سبعين أسيرا، كما سيأتي الكلام عليهم فيما بعد إن شاء الله، منهم من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمه العباس بن عبدالمطلب، وابن عمه عقيل بن أبى طالب، ونوفل بن الحارث بن عبدالمطلب.
وقد استدل الشافعي والبخاري وغيرهما بذلك على أنه ليس كل من ملك
ذا رحم محرم يعتق عليه، وعارضوا به حديث الحسن، عن أبن سمرة في ذلك.
فالله أعلم.
وكان فيهم أبو العاص ابن الربيع بن عبد شمس بن أمية زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) من ابن هشام.
(2) سورة النساء 97.
(*)
فصل وقد اختلف الصحابة في الاسارى: أيقتلون أو يفادون على قولين.
كما قال الامام أحمد: حدثنا على بن عاصم، عن حميد، عن أنس، وذكر رجل، عن الحسن، قال: استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الاسارى يوم بدر فقال: " إن الله قد أمكنكم منهم ".
قال: فقام عمر فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم، قال: فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم عاد النبي فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر الصديق فقال: يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء.
قال: فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم، فعفا عنهم وقبل منهم الفداء.
قال وأنزل الله تعالى: " لو لا كتاب من الله سبق لمسكم " الآية.
انفرد به أحمد.
وقد روى الامام أحمد، واللفظ له، ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه وكذا على ابن المدينى وصححه، من حديث عكرمة بن عمار، حدثنا سماك الحنفي أبو زميل، حدثنى ابن عباس، حدثنى عمر بن الخطاب قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه
يوم بدر وهم ثلاثمة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة.
فذكر الحديث كما تقدم إلى قوله: فقتل منهم سبعون رجلا، وأسر منهم سبعون رجلا.
واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعليا وعمر، فقال أبو بكر: يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والاخوان، وإنى أرى أن تأخذ منهم الفدية،
فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ترى يا بن الخطاب ؟ " قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان، قريب لعمر، فأضرب عنقه، وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوداة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم.
فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء.
فلما كان من الغد قال عمر: فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وهما يبكيان فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للذى عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، قد عرض على عذابكم أدنى من هذه الشجرة ".
لشجرة قريبة.
وأنزل الله تعالى: " ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض، تريدون عرض الدينا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم.
لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم " من الفداء، ثم احل لهم الغنائم.
وذكر تمام الحديث.
* * *
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الاعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبيدة، عن عبدالله، قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون في هؤلاء الاسرى ؟ قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم.
قال: وقال عمر: يا رسول الله أخرجوك وكذبوك، قربهم فأضرب أعناقهم.
قال: وقال عبدالله بن رواحة: يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم نارا.
قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئا.
فقال ناس: يأخذ بقول أبى بكر.
وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس يأخذ بقول عبدالله بن رواحة.
فخرج عليهم فقال: " إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللين وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: " فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني فإنك غفور رحيم " ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: " إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: " رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا " وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال: " ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم " أنتم عالة فلا يبقين أحد إلا بفداء أو ضربة عنق.
قال عبدالله: فقلت: يا رسول إلا سهيل بن بيضاء فإنى قد سمعته يذكر الاسلام.
قال: فسكت.
قال: فما رأيتنى في يوم أخوف أن تقع على حجارة من السماء من ذلك اليوم.
حتى قال: " إلا سهيل بن بيضاء ".
قال: فأنزل الله: " ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض، تريدون عرض الدينا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم، لو لا كتاب من الله سبق لمسكم "
إلى آخر الآيتين.
وهكذا رواه الترمذي والحاكم من حديث أبى معاوية، وقال الحاكم: صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
ورواه ابن مردويه من طريق عبدالله بن عمر وأبى هريرة بنحو ذلك.
وقد روى عن أبى أيوب الانصاري بنحوه.
وقد روى ابن مردويه والحاكم في المستدرك، من حديث عبيد الله بن موسى،
حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: لما أسر الاسارى يوم بدر أسر العباس فيمن أسر، أسره رجل من الانصار.
قال: وقد أوعدته الانصار أن يقتلوه.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إنى لم أنم الليلة من أجل عمى العباس، وقد زعمت الانصار أنهم قاتلوه " قال عمر: أفآتيهم ؟ قال: نعم.
فأتى عمر الانصار فقال لهم: أرسلوا العباس.
فقالوا: لا والله لا نرسله.
فقال لهم عمر: فإن كان لرسول الله رضا ؟ قالوا فإن كان له رضا فخذه.
فأخذه عمر، فلما صار في يده قال له عمر: يا عباس أسلم، فو الله لئن تسلم أحب إلى من أن يسلم الخطاب.
وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله يعجبه إسلامك.
قال: واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فقال أبو بكر: عشيرتك فأرسلهم.
واستشار عمر فقال: اقتلهم.
ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: " ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض " الآية.
ثم قال الحاكم في صحيحه: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
وروى الترمذي والنسائي وابن ماجه، من حديث سفيان الثوري، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن على، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خير أصحابك في الاسارى إن شاءوا الفداء وإن شاءوا القتل، على أن يقتل عاما قابلا منهم مثلهم.
قالوا: الفداء أو يقتل منا.
وهذا حديث غريب جدا، ومنهم من رواه مرسلا عن عبيدة.
والله أعلم.
وقد قال ابن إسحاق، عن ابن أبى نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله: " لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم " يقول: لو لا أنى لا أعذب من عصاني حتى أتقدم إليه لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم.
وهكذا روى عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد أيضا.
واختاره ابن إسحاق وغيره.
وقال الاعمش: سبق منه ألا يعذب أحدا شهد بدرا.
وهكذا روى عن سعد بن أبى وقاص وسعيد بن جبير وعطاء بن أبى رباح.
وقال مجاهد والثوري: " لو لا كتاب من الله سبق " أي لهم بالمغفرة.
وقال الوالبى: عن ابن عباس، سبق في أم الكتاب الاول أن المغانم وفداء الاسارى حلال لكم، ولهذا قال بعده: " فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ".
وهكذا روى عن أبى هريرة وابن مسعود وسعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة والاعمش، واختاره ابن جرير.
وقد ترجح هذا القول بما ثبت في الصحيحين، عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الانبياء قبلى، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لى الارض مسجدا وطهورا، وحلت لى الغنائم ولم تحل لاحد قبلى، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة ".
وروى الاعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم " لم تحل الغنائم لسود الرؤوس غيرنا ".
ولهذا قال تعالى: " فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا " فأذن الله تعالى في أكل الغنائم وفداء الاسارى.
وقد قال أبو داود: حدثنا عبدالرحمن بن المبارك العبسى، حدثنا سفيان بن حبيب حدثنا شعبة، عن أبى العنبس، عن أبى الشعثاء، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة، وهذا كان أقل ما فودى به أحد منهم من المال، وأكثر ما فودى به الرجل منهم أربعة آلاف درهم.
* * *
وقد وعد الله من آمن منهم بالخلف عما أخذ منه في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: " يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم " الآية.
وقال الوالبى، عن ابن عباس، نزلت في العباس ففادي نفسه بالاربعين أوقية من ذهب.
قال العباس: فأتاني الله أربعين عبدا.
يعنى كلهم يتجر له.
قال: وأنا أرجو المغفرة التى وعدنا الله جل ثناؤه.
وقال ابن إسحاق: حدثنى العباس بن عبدالله بن معبد (1)، عن بعض أهله، عن ابن عباس، قال: لما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر والاسارى محبوسون بالوثاق، بات النبي صلى الله عليه وسلم ساهرا أول الليل، فقال له أصحابه: ما لك لا تنام يا رسول الله ؟ فقال: " سمعت أنين عمى العباس في وثاقه " فأطلقوه، فسكت، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: وكان رجلا موسرا ففادي نفسه بمائة أوقية من ذهب.
قلت: وهذه المائة كانت عن نفسه وعن ابني أخويه عقيل ونوفل، وعن حليفه عتبة بن عمرو أحد بنى الحارث بن فهر، كما أمره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ادعى أنه كان قد أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما ظاهرك فكان علينا، والله أعلم بإسلامك وسيجزيك " فادعى أنه لا مال عنده.
قال: " فأين المال الذى دفنته أنت وأم الفضل وقلت لها: إن أصبت في سفري فهذا لبنى الفضل وعبد الله وقثم ؟ ".
فقال: والله إنى لاعلم أنك رسول الله، إن هذا شئ ما علمه إلا أنا وأم الفضل.
رواه ابن إسحاق، عن ابن أبى نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس.
وثبت في صحيح البخاري من طريق موسى بن عقبة، قال الزهري: حدثنى أنس
__________
(1) الاصل: معقل.
وهو تحريف.
وهو العباس بن عبدالله بن معبد بن العباس بن عبدالمطلب الهاشمي المدنى.
(*)
ابن مالك، قال: إن رجالا من الانصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا إيذن لنا فلنترك لابن أختنا العباس فداءه.
فقال: " لا والله لا تذرون منه درهما ".
قال البخاري: وقال ابراهيم بن طهمان، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتى بمال من البحرين فقال: " انثروه في المسجد " فكان أكثر مال أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه العباس فقال: يا رسول الله أعطني، إنى فاديت نفسي وفاديت عقيلا.
فقال: خذ.
فحثا في ثوبه، ثم ذهب يقله فلم يستطع، فقال مر بعضهم يرفعه إلى.
قال: لا.
قال: فارفعه أنت على.
قال: لا.
فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يستطع، فقال: مر بعضهم يرفعه إلى.
قال: لا.
قال: فارفعه أنت على.
قال: لا.
فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق.
فما زال يتبعه بصره حتى خفى علينا عجبا من حرصه ! فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم منها درهم.
وقال البيهقى: أخبرنا الحاكم، أخبرنا الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس، عن أسباط بن نصر، عن إسماعيل بن عبدالرحمن السدى، قال: كان فداء العباس وابنى أخويه عقيل بن أبى طالب ونوفل بن الحارث بن عبدالمطلب، كل رجل أربعمائة دينار، ثم توعد تعالى الآخرين فقال: " وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله
من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم ".
فصل والمشهور أن الاسارى يوم بدر كانوا سبعين، والقتلى من المشركين سبعين كما ورد في غير ما حديث مما تقدم وسيأتى إن شاء الله، وكما في حديث البراء بن عازب في صحيح البخاري أنهم قتلوا يوم بدر سبعين، وأسروا سبعين.
وقال موسى بن عقبة: قتل يوم بدر من المسلمين من قريش ستة ومن الانصار
ثمانية، وقتل من المشركين تسعة وأربعون، وأسر منهم تسعة وثلاثون.
هكذا رواه البيهقى عنه.
قال: وهكذا ذكر ابن لهيعة، عن أبى الاسود، عن عروة، في عدد من استشهد من المسلمين وقتل من المشركين.
ثم قال: أخبرنا الحاكم، أخبرنا الاصم، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: واستشهد من المسلمين يوم بدر احد عشر رجلا.
أربعة من قريش وسبعة من الانصار، وقتل من المشركين بضعة وعشرون رجلا.
وقال في موضع آخر: وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعون أسيرا، وكانت القتلى مثل ذلك.
ثم روى البيهقى، من طريق أبى صالح، كاتب الليث، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري، قال: وكان أول قتيل من المسلمين مهجع مولى عمر، ورجل من الانصار وقتل يومئذ من المشركين زيادة على سبعين، وأسر منهم مثل ذلك.
قال: ورواه ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، قال: قال البيهقى: وهو الاصح فيما رويناه في عدد من قتل من المشركين وأسر منهم.
ثم استدل على ذلك بما ساقه هو والبخاري أيضا من طريق أبى إسحاق، عن البراء
ابن عازب، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد عبدالله بن جبير، فأصابوا منا سبعين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، سبعين أسير، وسبعين قتيلا.
قلت: والصحيح أن جملة المشركين كانوا ما بين التسعمائة إلى الالف.
وقد صرح قتادة بأنهم كانوا تسعمائة وخمسين رجلا، وكأنه أخذه من هذا الذى ذكرناه.
والله أعلم.
وفى حديث عمر المتقدم أنهم كانوا زيادة على الالف، والصحيح الاول، لقوله عليه السلام " القوم ما بين التسعمائة إلى الالف ".
وأما الصحابة يومئذ فكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، كما سيأتي التنصيص على ذلك وعلى، أسمائهم إن شاء الله.
وتقدم في حديث الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أن وقعة بدر كانت يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان، وقاله أيضا عروة بن الزبير وقتادة وإسماعيل والسدى الكبير وأبو جعفر الباقر.
وروى البيهقى، من طريق قتيبة، عن جرير، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن الاسود عن عبدالله بن مسعود في ليلة القدر، قال: " تحروها لاحدى عشرة بقين فإن صبيحتها يوم بدر ".
قال البيهقى: وروى عن زيد بن أرقم، أنه سئل عن ليلة القدر فقال: ليلة تسع عشرة ما شك.
وقال: يوم الفرقان يوم التقى الجمعان.
قال البيهقى: والمشهور عن أهل المغازى أن ذلك لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان.
ثم قال البيهقى: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، حدثنا أبو عمرو بن السماك،
حدثنا حنبل بن إسحاق، حدثنا أبو نعيم، حدثنا عمرو بن عثمان، سمعت موسى بن طلحة يقول: سئل أبو أيوب الانصاري عن يوم بدر، فقال: إما لسبع عشرة خلت، أو ثلاث عشرة خلت، أو لاحدى عشرة بقيت، وإما لسبع عشرة بقيت.
وهذا غريب جدا.
[ وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة قباث بن أشيم الليثى، من طريق الواقدي (30 - السيرة 2)
وغيره بإسنادهم إليه، أنه شهد يوم بدر مع المشركين، فذكر هزيمتهم مع قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وجعلت أقول في نفسي: ما رأيت مثل هذا الامر فر منه إلا النساء، والله لو خرجت نساء قريش بالسهاء (1) ردت محمدا وأصحابه.
فلما كان بعد الخندق قلت: لو قدمت المدينة فنظرت إلى ما يقول محمد.
وقد وقع في نفسي الاسلام، قال فقدمتها فسألت عنه، فقالوا: هو ذاك في ظل المسجد في ملا من أصحابه.
فأتيته وأنا لا أعرفه من بين أصحابه، فسلمت فقال: يا قباث بن أشيم، أنت القائل يوم بدر: ما رأيت مثل هذا الامر فر منه إلا النساء ؟ فقلت: أشهد أنك رسول الله فإن هذا الامر ما خرج منى إلى أحد قط ولا تزمزمت به، إلا شيئا حدثت به نفسي، فلو لا أنك نبى ما أطلعك عليه، هلم أبايعك على الاسلام فأسلمت (2) ].
فصل وقد اختلفت الصحابة رضى الله عنهم يوم بدر في المغانم من المشركين يومئذ لمن تكون منهم.
وكانوا ثلاثة أصناف حين ولى المشركون: ففرقة أحدقت برسول الله صلى الله عليه وسلم تحرسه، خوفا من أن يرجع أحد من المشركين إليه.
وفرقة ساقت وراء المشركين يقتلون منهم ويأسرون.
وفرقة جمعت المغانم من متفرقات الاماكن.
فادعى كل فريق من هؤلاء أنه أحق بالمغنم من الآخرين لما صنع من الامر المهم.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبدالرحمن بن الحارث وغيره عن سليمان بن موسى، عن مكحول، عن أبى أمامة الباهلى قال: سألت عبادة بن الصامت، عن الانفال فقال: فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا
__________
(1) السهاء: جمع سهوة.
وهى القوس المواتية.
(2) سقط من ا.
(*)
فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمه بين المسلمين عن بواء.
يقول: عن سواء.
وهكذا رواه أحمد عن محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق به.
ومعنى قوله: " على السواء " أي ساوى فيها بين الذين جمعوها، وبين الذين اتبعوا العدو، وبين الذين ثبتوا تحت الرايات، لم يخصص بها فريقا منهم ممن ادعى التخصيص بها ولا ينفى هذا تخميسها وصرف الخمس في مواضعه، كما قد يتوهمه بعض العلماء، منهم أبو عبيدة وغيره، والله أعلم.
بل قد تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار من مغانم بدر.
قال ابن جرير: وكذا اصطفى جملا لابي جهل كان في أنفه برة من فضة، وهذا قبل إخراج الخمس أيضا.
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا ابن إسحاق، عن عبدالرحمن ابن الحارث بن عبدالله بن عباس بن أبى ربيعة، عن سليمان بن موسى، عن أبى سلام، عن أبى أمامة، عن عبادة بن الصامت، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا، فالتقى الناس فهزم الله العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون
ويقتلون، وأكبت طائفة على المغنم يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وليس لاحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق به منا، نحن نفينا منها العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به.
فأنزل الله: " يسألونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ".
فقسمها رسول الله بين المسلمين: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع، فإذا أقبل راجعا نفل الثلث، وكان يكره الانفال.
وقد روى الترمذي وابن ماجه، من حديث الثوري، عن عبدالرحمن بن الحارث آخره.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث عبدالرحمن، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه.
وقد روى أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم من طرق، عن داود بن أبى هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا.
فسارع في ذلك شبان الرجال وبقى الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت الغنائم جاءوا يطلبون الذى جعل لهم، قال الشيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنا كنا ردءا لكم لو انكشفتم لفئتم إلينا.
فتنازعوا، فأنزل الله تعالى: " يسألونك عن الانفال، قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ".
وقد ذكرنا في سبب نزول هذه الآية آثارا أخر يطول بسطها ها هنا.
ومعنى الكلام: أن الانفال مرجعها إلى حكم الله ورسوله يحكمان فيها بما فيه
المصلحة للعباد في المعاش والمعاد، ولهذا قال تعالى: " قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ".
ثم ذكر ما وقع في قصة بدر، وما كان من الامر حتى انتهى إلى قوله: " واعلموا أن ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " الآية فالظاهر أن هذه الآية مبينة لحكم الله في الانفال الذى جعل مرده إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فبينه تعالى وحكم فيه بما أراد تعالى، وهو قول أبى زيد.
وقد زعم أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قسم غنائم بدر على السواء بين الناس، ولم يخمسها.
ثم نزل بيان الخمس بعد ذلك ناسخا لما تقدم.
وهكذا روى الوالبى، عن ابن عباس، وبه قال مجاهد وعكرمة والسدى، وفى هذا نظر.
والله أعلم.
فإن في سياق الآيات قبل آية الخمس وبعدها كلها في غزوة بدر، فيقتضى أن أن ذلك نزل جملة في وقت واحد غير متفاصل بتأخر يقتضى نسخ بعضه بعضا.
ثم في الصحيحين عن على رضى الله عنه، أنه قال في قصة شارفيه اللذين اجتب أسنمتهما حمزة، أن إحداهما كانت من الخمس يوم بدر، ما يرد صريحا على أبى عبيد أن غنائم بدر لم تخمس.
والله أعلم.
بل خمست كما هو قول البخاري وابن جرير وغيرهما، وهو الصحيح الراجح.
والله أعلم.
فصل في رجوعه عليه السلام من بدر إلى المدينة، وما كان من الامور في مسيره إليها مؤيدا منصورا، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام وقد تقدم أن الوقعة كانت يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة اثنتين من الهجرة.
وثبت في الصحيحين أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاثة أيام، وقد أقام عليه السلام بعرصة بدر ثلاثة أيام كما تقدم، وكان رحيله منها ليلة الاثنين، فركب ناقته ووقف على قليب بدر، فقرع أولئك الذين سحبوا إليه كما تقدم ذكره.
ثم سار عليه السلام ومعه الاسارى والغنائم الكثيرة، وقد بعث عليه السلام بين يديه بشيرين إلى المدينة بالفتح والنصر والظفر على من أشرك بالله وجحده وبه كفر، أحدهما عبدالله بن رواحة إلى أعالي المدينة، والثانى زيد بن حارثة إلى السافلة.
قال أسامة بن زيد: فأتانا الخبر حين سوينا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان زوجها عثمان بن عفان رضى الله عنه قد احتبس عندها يمرضها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ضرب له رسول الله بسهمه وأجره في بدر.
قال أسامة: فلما قدم أبى زيد بن حارثه جئته وهو واقف بالمصلى وقد غشيه الناس وهو يقول: قتل عتبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وزمعة بن الاسود، وأبو البختري العاص بن هشام، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج.
قال: قلت: يا أبة أحق هذا ؟ قال: إى والله يا بنى.
وروى البيهقى من طريق حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسامة ابن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف عثمان وأسامة بن زيد على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء زيد بن حارثة على العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبشارة، قال أسامة: فسمعت الهيعة فخرجت، فإذا زيد قد جاء بالبشارة، فو الله ما صدقت حتى رأينا الاسارى.
وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بسهمه.
* * * وقال الواقدي: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من بدر العصر بالاثيل، فلما صلى ركعة تبسم، فسئل عن تبسمه فقال: يرى ميكائيل وعلى جناحه النقع
فتبسم إلى وقال: إنى كنت في طلب القوم.
وأتاه جبريل حين فرغ من قتال أهل بدر على فرس أنثى معقود الناصية وقد عصم ثنييه الغبار فقال: يا محمد إن ربى بعثنى إليك وأمرني ألا أفارقك حتى ترضى، هل رضيت ؟ قال: نعم.
قال الواقدي: قالوا: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله ابن رواحة من الاثيل فجاءا يوم الاحد حين اشتد الضحى، وفارق عبدالله بن رواحة زيد بن حارثة من العقيق، فجعل عبدالله بن رواحة ينادى على راحلته: يا معشر الانصار أبشروا بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل المشركين وأسرهم، قتل ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وأبو جهل، وقتل زمعة بن الاسود، وأمية بن خلف، وأسر سهيل بن عمرو.
قال عاصم بن عدى: فقمت إليه فنحوته فقلت: أحقا يا بن رواحة ؟ فقال: إى والله، وغدا يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاسرى مقرنين.
ثم تتبع دور الانصار بالعالية يبشرهم دارا دارا، والصبيان ينشدون معه يقولون: قتل أبو جهل الفاسق، حتى إذا انتهى إلى دار بنى أمية وقدم زيد بن حارثة على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء يبشر أهل المدينة، فلما جاء المصلى صاح على راحلته: قتل عتية وشيبة ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وقتل أمية بن خلف وأبو جهل وأبو البختري وزمعة بن الاسود، وأسر سهيل ابن عمرو ذو الانياب، في أسرى كثير.
فجعل بعض الناس لا يصدقون زيدا ويقولون: ما جاء زيد بن حارثة إلا فلا (1) حتى غاظ المسلمين ذلك وخافوا.
وقدم زيد حين سوينا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع، وقال رجل من المنافقين لاسامة: قتل صاحبكم ومن معه.
وقال آخر لابي لبابة: قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون فيه أبدا، وقد قتل عليه أصحابه، قتل محمد، وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدرى ماذا يقول من الرعب، وجاء فلا.
فقال أبو لبابة: يكذب الله قولك.
وقالت اليهود: ما جاء زيد إلا فلا.
قال أسامة: فجئت حتى خلوت بأبى فقلت: أحق ما تقول ؟ فقال: إى والله حق ما أقول يا بنى.
فقويت نفسي، ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت: أنت المرجف برسول الله وبالمسلمين لنقدمنك إلى رسول الله إذا قدم فليضربن عنقك.
فقال: إنما هو شئ سمعته من الناس يقولونه.
قال: فجئ بالاسرى وعليهم شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد شهد معهم بدرا، وهم تسعة وأربعون رجلا الذين أحصوا.
__________
(1) فلا: منهزما.
(*)
قال الواقدي: وهم سبعون في الاصل مجتمع عليه لا شك فيه.
قال: ولقى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الروحاء رءوس الناس يهنئون بما فتح الله عليه.
فقال له أسيد بن الحضير: يا رسول الله الحمد لله الذى أظفرك وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوا، ولكن ظننت أنها عير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت.
فقال له رسول الله: " صدقت ".
* * * قال ابن إسحاق: ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة ومعه الاسارى، وفيهم عقبة بن أبى معيط، والنضر بن الحارث، وقد جعل على النفل عبدالله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار.
فقال راجز من المسلمين.
قال ابن هشام: [ يقال إنه ] هو عدى بن أبى الزغباء: أقم لها صدورها يا بسبس * ليس بذى الطلح لها معرس (1)
ولا بصحراء عمير محبس * إن مطايا القوم لا تحبس فحملها على الطريق أكيس * قد نصر الله وفر الاخنس قال: ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية يقال له سير إلى سرحة به، فقسم هنالك النفل الذى أفاء الله على المسلمين من المشركين على السواء، ثم ارتحل، حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين، فقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش، كما حدثنى عاصم بن عمر ويزيد بن رومان: ما الذى تهنئوننا به ؟ ! والله إن لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعقلة فنحرناها.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " أي ابن أخى أولئك الملا ".
__________
(1) معرس: مقام.
(*)
قال ابن هشام: يعنى الاشراف والرؤساء.
مقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط لعنهما الله قال ابن إسحاق: حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر ابن الحارث، قتله على بن أبى طالب، كما أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة، ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبى معيط.
قال ابن إسحاق: فقال عقبة حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله: فمن للصبية يا محمد ؟ قال: " النار ! ".
وكان الذى قتله عاصم بن ثابت بن أبى الاقلح، أخو بنى عمرو بن عوف، كما حدثنى أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر.
وكذا قال موسى بن عقبة في مغازيه، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل من الاسارى أسيرا غيره.
قال: ولما أقبل إليه عاصم بن ثابت قال: يا معشر قريش، علام أقتل من بين من ها هنا ؟ قال: على عداوتك الله ورسوله.
وقال حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن الشعبى، قال: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة قال: أتقتلني يا محمد من بين قريش ؟ قال: نعم أتدرون ما صنع هذا بى ؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام، فوضع رجله على عنقي وغمزها فما رفعها حتى ظننت أن عينى ستندران، وجاء مرة أخرى بسلا شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي.
قال ابن هشام: ويقال بل قتل عقبة على بن أبى طالب، فيما ذكره الزهري وغيره من أهل العلم.
قلت: كان هذان الرجلان من شر عباد الله، وأكثرهم كفرا وعنادا وبغيا وحسدا وهجاء للاسلام وأهله.
لعنهما الله، وقد فعل ! قال ابن هشام: فقالت قتيلة بنت الحارث، أخت النضر بن الحارث، في مقتل أخيها (1) يا راكبا إن الاثيل (2) مظنة * من صبح خامسة وأنت موفق أبلغ بها ميتا بأن تحية * ما إن تزال بها النجائب تخفق منى إليك وعبرة مسفوحة * جادت بوابلها وأخرى تخنق هل يسمعن النضر إن ناديته * أم كيف يسمع ميت لا ينطق أمحمد يا خير ضئى كريمة * من قومها والفحل فحل معرق (3) ما كان ضرك لو مننت وربما * من الفتى وهو المغيظ المحنق أو كنت قابل فدية فلينفقن * بأعز ما يغلو به ما ينفق (4)
والنضر أقرب من أسرت قرابة * وأحقهم إن كان عتق يعتق ظلت سيوف بنى أبيه تنوشه * لله أرحام هنالك (5) تشقق صبرا يقاد إلى المنية متعبا * رسف المقيد وهو عان موثق قال ابن هشام: ويقال، والله أعلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر قال: " لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه ! ".
* * * قال ابن إسحاق: وقد تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الموضع أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضى حجامه عليه السلام، ومعه زق خمر (6) مملوء حيسا،
__________
(1) ابن هشام تبكيه.
(2) الاثيل، موضع قرب المدينة بين بدر ووادى الصفراء.
(3) الضئى: الاصل.
وتروى: ضنء.
والمعرق الكريم (4) الاغانى 1 / 19: لو كنت قابل فدية فلنأتين * بأعز ما يغلو لديك وينفق (5) ابن هشام: هناك (6) ابن هشام: ولقى رسول الله.
بحميت مملوء حيسا.
والحميت: الزق (*)
وهو التمر والسويق بالسمن، هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله منه ووصى به الانصار.
قال ابن إسحاق: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الاسارى بيوم.
* * * قال ابن إسحاق: وحدثني نبيه بن وهب أخو بنى عبد الدار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالاسارى فرقهم بين أصحابه وقال: " استوصوا بهم خيرا ".
قال: وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لابيه وأمه في
الاسارى، قال أبو عزيز: مر بى أخى مصعب بن عمير ورجل من الانصار يأسرنى فقال: شد يديك به، فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك.
قال أبو عزيز: فكنت في رهط من الانصار حين أقبلوا بى من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها فأستحي فأردها فيردها على ما يمسها ! قال ابن هشام: وكان أبو عزيز هذا صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث، ولما قال أخوه مصعب لابي اليسر، وهو الذى أسره ما قال، قال له أبو عزيز: يا أخى هذه وصاتك بى ! فقال له مصعب: إنه أخى دونك.
فسألت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي، فقيل لها: أربعة آلاف درهم، فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها.
قلت: وأبو عزيز هذا اسمه زرارة، فيما قاله ابن الاثير في غابة الصحابة، وعده خليفة بن خياط في أسماء الصحابة.
وكان أخا مصعب بن عمير لابيه، وكان لهما أخ آخر
لابويهما وهو أبو الروم بن عمير، وقد غلط من جعله قتل يوم أحد كافرا، ذاك أبو عزة، كما سيأتي في موضعه.
والله أعلم.
قال ابن إسحاق: حدثنى عبدالله بن أبى بكر، أن يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن ابن سعد بن زرارة قال: قدم بالاسارى حين قدم بهم وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء، قال: وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب.
قال: تقول سودة: والله إنى لعندهم إذ أتينا فقيل: هؤلاء الاسارى قد أتى بهم.
قالت: فرجعت إلى بيتى ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، قالت:
فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت: أي أبا يزيد، أعطيتم بأيديكم، ألا متم كراما ؟ ! فو الله ما أنبهني إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت: " يا سودة أعلى الله وعلى رسوله تحرضين ! ! " قال: قلت: يا رسول الله والذى بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت ما قلت.
ثم كان من قصة الاسارى بالمدينة ما سيأتي بيانه وتفصيله فيما بعد، من كيفية فدائهم وكميته.
إن شاء الله.
ذكر فرح النجاشي بوقعة بدر رضى الله عنه قال الحافظ البيهقى: أخبرنا أبو القاسم عبدالرحمن بن عبيد الله الحرفى ببغداد، حدثنا أحمد بن سلمان النجاد، حدثنا عبدالله بن أبى الدنيا، حدثنا حمزة بن العباس، حدثنا عبدان بن عثمان، حدثنا عبدالله بن المبارك، أخبرنا عبدالرحمن بن يزيد، عن جابر، عن عبدالرحمن، رجل من أهل صنعاء، قال أرسل النجاشي ذات يوم إلى
جعفر بن أبى طالب وأصحابه فدخلوا عليه وهو في بيت عليه خلقان ثياب جالس على التراب.
قال جعفر: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلما أن رأى ما في وجوهنا قال: إنى أبشركم بما يسركم، إنه جاءني من نحو أرضكم عين لى فأخبرني أن الله قد نصر نبيه وأهلك عدوه وأسر فلان وفلان وقتل فلان وفلان، التقوا بواد يقال له بدر كثير الاراك كأنى أنظر إليه، كنت أرعى لسيدي رجل من بنى ضمرة إبله.
فقال له جعفر: ما بالك جالسا على التراب ليس تحتك بساط وعليك هذه الاخلاط ؟ قال: إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى: إن حقا على عباد الله أن يحدثوا الله تواضعا عند ما يحدث لهم من نعمة.
فلما أحدث الله لى نصر نبيه صلى الله عليه وسلم أحدثت له هذا التواضع (1).
فصل في وصول خبر مصاب أهل بدر إلى أهاليهم بمكة قال ابن إسحاق: وكان أول من قدم من مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبدالله الخزاعى فقالوا له: ما وراءك ؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم ابن هشام، وأمية بن خلف، وزمعة بن الاسود، ونبيه ومنبه، وأبو البختري ابن هشام.
فلما جعل يعدد أشراف قريش قال صفوان بن أمية: والله لن (2) يعقل هذا، فسلوه عنى.
فقالوا: ما فعل صفوان بن أمية ؟ قال: هو ذاك جالسا في الحجر، قد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا.
قال موسى بن عقبة: ولما وصل الخبر إلى أهل مكة وتحققوه قطعت النساء شعورهن وعقرت خيول كثيرة ورواحل.
__________
(1) يبدو على هذا الخبر الافتعال والصنعة.
وفى سنده من هو مجهول الحال.
وأبو القاسم الحرفى كان مضطرب السماع.
(2) ابن هشام: والله إن يعقل.
(*)
وذكر السهيلي عن كتاب الدلائل لقاسم بن ثابت أنه قال لما كانت وقعة بدر سمع أهل مكة هاتفا من الجن يقول: أزار الحنيفيون بدرا وقيعة * سينقض منها ركن كسرى وقيصرا أبادت رجالا من لؤى وأبرزت * خرائد يضربن الترائب حسرا فيا ويح من أمسى عدو محمد * لقد جار عن قصد الهدى وتحيرا * * * قال ابن إسحاق: وحدثني حسين بن عبدالله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت غلاما للعباس بن عبدالمطلب، وكان الاسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس وأسلمت
أم الفضل وأسلمت، وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم وكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه.
وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر فبعث مكانه العاص ابن هشام بن المغيرة، وكذلك كانوا صنعوا، لم يتخلف منهم رجل إلا بعث مكانه رجلا.
فلما جاءه الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا، قال: وكنت رجلا ضعيفا وكنت أعمل الاقداح أنحتها في حجرة زمزم، فو الله إنى لجالس فيها أنحت أقداحى وعندي أم الفضل جالسة وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طنب (1) الحجرة فكان ظهره إلى ظهرى، فبينا هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان، واسمه المغيرة بن الحارث بن عبدالمطلب قد قدم.
قال: فقال أبو لهب: هلم إلى، فعندك لعمري الخبر.
قال: فجلس إليه والناس قيام عليه فقال: يا ابن أخى أخبرني كيف كان أمر الناس ؟ قال: والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا،
__________
(1) الطنب: الطرف.
(*)
ويأسروننا كيف شاءوا، وايم الله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والارض، والله ما تليق (1) شيئا ولا يقوم لها شئ.
قال أبو رافع: فرفعت طنب الحجرة بيدى ثم قلت: تلك والله الملائكة ! قال: فرفع أبو لهب يده فضرب وجهى ضربة شديدة، قال وثاورته (2) فاحتملني وضرب بى الارض ثم برك على يضربني، وكنت رجلا ضعيفا، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته به ضربة فبلغت في رأسه شجة منكرة، وقالت: استضعفته أن غاب عنه سيده ! فقام موليا ذليلا، فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة (3) فقتلته.
زاد يونس عن ابن إسحاق: فلقد تركه ابناه بعد موته ثلاثا ما دفناه حتى أنتن.
وكانت قريش تتقى هذه العدسة كما تتقى الطاعون، حتى قال لهم رجل من قريش: ويحكما ألا تستحيان أن أباكما قد أنتن في بيته لا تدفنانه ؟ فقالا: إنا نخشى عدوة هذه القرحة، فقال: انطلقا فأنا أعينكما عليه.
فو الله ما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يدنون منه، ثم احتملوه إلى أعلى مكة فأسندوه إلى جدار ثم رضموا عليه بالحجارة.
[ قال يونس عن ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين، أنها كانت لا تمر على مكان أبى لهب هذا إلا تسترت بثوبها حتى تجوز (4) ] * * * قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد قال: ناحت قريش على قتلاهم، ثم قالوا:
__________
(1) تليق: تبقى.
(2) ثاورته: واثبته.
وفى ا: بادرته.
(3) العدسة: قرحه قاتلة كانت تتشاءم بها العرب.
(4) سقط من ا.
(*)
لا تفعلوا يبلغ (1) محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم، ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنسوا بهم لا يأرب (2) عليكم محمد وأصحابه في الفداء.
قلت: وكان هذا من تمام ما عذب الله به أحياءهم في ذلك الوقت وهو تركهم النوح على قتلاهم، فإن البكاء على الميت مما يبل فؤاد الحزين.
قال ابن إسحاق: وكان الاسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده، زمعة وعقيل والحارث، وكان يحب أن يبكى على بنيه قال: فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل، فقال لغلام له، وكان قد ذهب بصره، انظر هل أحل النحب ؟ هل بكت قريش على قتلاها ؟ لعلى أبكى على أبى حكيمة، يعنى ولده زمعة، فإن جوفى
قد احترق ! قال: فلما رجع إليه الغلام قال: إنما هي امرأة تبكى على بعير لها أضلته.
قال: فذاك حين يقول الاسود: أتبكى أن أضل (3) لها بعير * ويمنعها من النوم السهود فلا تبكى على بكر ولكن * على بدر تقاصرت الجدود (4) على بدر سراة بنى هصيص * ومخزوم ورهط أبى الوليد وبكى إن بكيت أبا عقيل (5) * وبكى حارثا أسد الاسود وبكيهم ولا تسمى جميعا * وما لابي حكيمة من نديد (6) ألا قد ساد بعدهم رجال * ولو لا يوم بدر لم يسودوا (7)
__________
(1) ابن هشام: فيبلغ.
(2) لا يأرب: لا يشتد.
(3) ابن هشام: أن يضل.
(4) البكر.
الفتى من الابل.
والجدود: الحظوظ.
(5) ابن هشام: على عقيل.
(6) تسمى: تسامى.
والنديد.
الشبيه.
(7) هنا إقواء.
(*)
فصل في بعث قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فداء أسراهم قال ابن إسحاق: وكان في الاسارى أبو وداعة بن ضبيرة السهمى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال، وكأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه " فلما قالت قريش: لا تعجلوا بفداء أسراكم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه، قال المطلب بن أبى وداعة، وهو الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عنى: صدقتم لا تعجلوا.
وانسل من الليل وقدم المدينة، فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم فانطلق به.
قلت: وكان هذا أول أسير فدى ثم بعثت قريش في فداء أسراهم فقدم مكرز
ابن حفص بن الاخيف في فداء سهيل بن عمرو، وكان الذى أسره مالك بن الدخشم أخو بنى سالم بن عوف، فقال في ذلك: أسرت سهيلا فلا أبتغى * أسيرا به من جميع الامم وخندف تعلم أن الفتى * فتاها سهيل إذا يظلم ضربت بذى الشفر حتى انثنى * وأكرهت نفسي على ذى العلم قال ابن إسحاق: وكان سهيل رجلا أعلم من شفته السفلى.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن عمرو بن عطاء أخو بنى عامر بن لؤى، أن عمر ابن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دعني أنزع ثنية سهيل بن عمرو يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أمثل به فيمثل الله بى وإن كنت نبيا ".
(31 - السيرة 2)
قلت: هذا حديث مرسل بل معضل.
قال ابن إسحاق: وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر في هذا: " إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه ".
قلت: وهذا هو المقام الذى قامه سهيل بمكة حين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد من العرب، ونجم النفاق بالمدينة وغيرها، فقام بمكة فخطب الناس وثبتهم على الدين الحنيف.
كما سيأتي في موضعه.
قال ابن إسحاق: فلما قاولهم فيه مكرز وانتهى إلى رضائهم، قالوا: هات الذى لنا.
قال: اجعلوا رجلى مكان رجله وخلوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه، فخلوا سبيل سهيل وحبسوا مكرزا عندهم.
وأنشد له ابن إسحاق في ذلك شعرا أنكره ابن هشام، فالله أعلم.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبدالله بن أبى بكر قال: وكان في الاسارى عمرو بن أبى سفيان صخر بن حرب.
قال ابن إسحاق: وكانت أمه بنت عقبة بن أبى معيط.
قال ابن هشام: بل كانت أمه أخت أبى معيط.
قال ابن هشام: وكان الذى أسره على بن أبى طالب.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبدالله بن أبى بكر قال: فقيل لابي سفيان: أفد عمرا ابنك، قال: أيجتمع على دمى ومالى ! قتلوا حنظلة وأفدى عمرا ؟ دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم.
قال: فبينما هو كذلك محبوس بالمدينة إذ خرج سعد بن النعمان بن أكال، أخو بنى عمرو بن عوف ثم أحد بنى معاوية، معتمرا ومعه مرية (1) له، وكان شيخا مسلما، في
__________
(1) مرية: تصغير امرأة.
(*)
غنم له بالبقيع، فخرج من هنالك معتمرا، ولم يظن أنه يحبس بمكة إنما جاء معتمرا، وقد كان عهد قريش أن قريشا لا يعرضون لاحد جاء حاجا أو معتمرا إلا بخير، فعدا عليه أبو سفيان بن حرب بمكة فحبسه بابنه عمرو، وقال في ذلك: أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه * تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا فإن بنى عمرو لئام أذلة * لئن لم يكفوا (1) عن أسيرهم الكبلا قال: فأجابه حسان بن ثابت يقول: لو كان سعد يوم مكة مطلقا * لاكثر فيكم قبل أن يؤسر القتلا بعضب حسام أو بصفراء نبعة * تحن إذا ما أنبضت تحفز النبلا (2) قال: ومشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبره، وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبى سفيان فيفكوا به صاحبهم، فأعطاهم النبي، فبعثوا به إلى أبى
سفيان فخلى سبيل سعد.
* * * قال ابن إسحاق: وقد كان في الاسارى أبو العاص بن الربيع بن عبدالعزى بن عبد شمس بن أمية، ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته زينب.
قال ابن هشام: وكان الذى أسره خراش بن الصمة أحد بنى حرام.
قال ابن إسحاق: وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة، وكانت أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد، وكانت خديجة هي التى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه بابنتها زينب وكان لا يخالفها، وذلك قبل الوحى.
وكان عليه السلام قد زوج ابنته رقية، أو أم كلثوم، من عتبة بن أبى لهب، فلما جاء الوحى قال أبو لهب: اشغلوا محمدا بنفسه.
وأمر ابنه عتبة فطلق ابنة رسول الله صلى
__________
(1) وتروى: يفكوا.
(2) الصفراء: القوس.
والنبع: شجر تصنع منه القسى.
تحن: يصوت وترها.
أنبضت: حركت.
(*)
الله عليه وسلم قبل الدخول، فتزوجها عثمان بن عفان رضى الله عنه.
ومشوا إلى أبى العاص فقالوا: فارق صاحبتك ونحن نزوجك بأى امرأة من قريش شئت.
قال: لا والله إذا لا أفارق صاحبتي وما أحب أن لى بامرأتي امرأة من قريش.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثنى عليه في صهره فيما بلغني.
قلت: الحديث بذلك في الثناء عليه في صهره ثابت في الصحيح، كما سيأتي.
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بمكة ولا يحرم، مغلوبا على أمره، وكان الاسلام قد فرق بين زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبى العاص، وكان لا يقدر على أن يفرق بينهما.
قلت: إنما حرم الله المسلمات على المشركين عام الحديبية سنة ست من الهجرة.
كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قال أبن إسحاق: حدثنى يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله في فداء أبى العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبى العاص حين بنى عليها.
قالت: فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال: " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذى لها فافعلوا ".
قالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذى لها.
* * * قال ابن إسحاق: فكان ممن سمى لنا ممن من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاسارى بغير فداء من بنى أمية: أبو العاص بن الربيع، ومن بنى مخزوم المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم أسره بعض بنى الحارث بن الخزرج، فترك في أيديهم حتى خلوا سبيله فلحق بقومه.
قال ابن إسحاق: وقد كان رسول صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه أن يخلى
سبيل زينب، يعنى أن تهاجر إلى المدينة، فوفى أبو العاص بذلك كما سيأتي.
وقد ذكر ذلك ابن إسحاق ها هنا فأخرناه لانه أنسب.
والله أعلم.
وقد تقدم ذكر افتداء العباس بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وعقيلا ونوفلا ابني أخويه بمائة أوقية من الذهب.
وقال ابن هشام: كان الذى أسر أبا العاص أبو أيوب خالد بن زيد.
قال ابن إسحاق: وصيفى بن أبى رفاعة بن عائذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم،
ترك في أيدى أصحابه، فأخذوا عليه ليبعثن لهم بفدائه فخلوا سبيله ولم يف لهم.
قال حسان بن ثابت في ذلك ما كان صيفي ليوفى أمانة * قفا ثعلب أعيا ببعض الموارد قال ابن إسحاق: وأبو عزة عمرو بن عبدالله بن عثمان بن أهيب بن حذافة بن جمح كان محتاجا ذا بنات، قال: يا رسول الله لقد عرفت مالى من مال، وإنى لذو حاجة وذو عيال فامنن على، فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عليه ألا يظاهر عليه أحدا، فقال أبو عزة يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك: من مبلغ عن الرسول محمدا * بأنك حق والمليك حميد وأنت امرؤ تدعو إلى الحق والهدى * عليك من الله العظيم شهيد وأنت امرؤ بوئت فينا مباءة * لها درجات سهلة وصعود فإنك من حاربته لمحارب * شقى ومن سالمته لسعيد ولكن إذا ذكرت بدرا وأهله * تأوب ما بى حسرة وقعود قلت: ثم إن أبا عزة هذا نقض ما كان عاهد الرسول عليه، ولعب المشركون بعقله، فرجع إليهم، فلما كان يوم أحد أسر أيضا، فسأل من النبي صلى الله عليه وسلم أن يمن عليه أيضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا أدعك تمسح عارضيك وتقول: خدعت محمدا مرتين ! " ثم أمر به فضربت.
عنقه كما سيأتي في غزوة أحد.
ويقال: إن فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " وهذا من الامثال التى لم تسمع إلا منه عليه السلام.
* * * قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، قال: جلس عمير بن وهب الجمحى مع صفوان بن أمية في الحجر بعد مصاب أهل بدر بيسير،
وكان عمير بن وهب شيطانا من شياطين قريش، وممن كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر.
قال ابن هشام: والذى أسره رفاعة بن رافع أحد بنى زريق.
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر، عن عروة فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله ما إن في العيش [ بعدهم ] خير.
قال له عمير: صدقت، أما والله لو لا دين على ليس عندي قضاؤه وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدى لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لى فيهم علة، ابني أسير في ايديهم.
قال: فاغتنمها صفوان بن أمية فقال: على دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعنى شئ ويعجز عنهم.
فقال له عمير: فاكتم على شأني وشأنك.
قال: سأفعل.
قال: ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسم، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله به وما أراهم في عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب وقد أناخ على باب المسجد متوشحا السيف.
فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر، وهو الذى حرش بيننا وحزرنا (1) للقوم يوم بدر.
__________
(1) حرزنا: قدرنا.
(*)
ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبى الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه.
قال: فأدخله على.
قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها وقال لمن كان معه من الانصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مأمون.
ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: " أرسله يا عمر، ادن يا عمير " فدنا ثم قال: أنعم صباحا.
وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم.
فقال رسول الله: " قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة " قال: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد.
قال: " فما جاء بك يا عمير ؟ " قال: جئت لهذا الاسير الذى في أيديكم فأحسنوا فيه.
قال: " فما بال السيف في عنقك ؟ " قال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئا !.
قال: " اصدقني ما الذى جئت له ؟ " قال: ما جئت إلا لذلك.
قال: " بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لو لا دين على وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك، على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك " فقال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحى، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فو الله إنى لاعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذى هداني للاسلام وساقني هذا المساق.
ثم شهد شهادة الحق.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقهوا أخاكم في دينه، وعلموه القرآن وأطلقوا أسيره " ففعلوا.
ثم قال: يا رسول الله إنى كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الاذى لمن كان
على دين الله، وأنا أحب أن تأذن لى فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى رسوله وإلى الاسلام لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذى أصحابك في دينهم.
فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلحق بمكة.
وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر.
وكان صفوان يسأل عنه الركبان، حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه، فحلف ألا يكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع أبدا.
قال ابن إسحاق: فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعو إلى الاسلام ويؤذى من خالفه أذى شديدا، فأسلم على يديه ناس كثير.
قال ابن إسحاق: وعمير بن وهب، أو الحارث بن هشام، هو الذى رأى عدو الله إبليس حين نكص على عقبيه يوم بدر وفر هاربا وقال: إنى برئ منكم إنى أرى ما لا ترون، وكان إبليس يومئذ في صورة سراقة بن مالك بن جعشم أمير مدلج.
فصل ثم إن الامام محمد بن إسحاق رحمه الله تكلم على ما نزل من القرآن في قصة بدر، وهو من أول سورة الانفال إلى آخرها، فأجاد وأفاد، وقد تقصينا الكلام على ذلك في كتابنا التفسير فمن أراد الاطلاع على ذلك فلينظره ثم، ولله الحمد والمنة.
فصل ثم شرع ابن إسحاق في تسمية من شهد بدرا من المسلمين، فسرد أسماء من شهدها من المهاجرين أولا، ثم أسماء من شهدها من الانصار أوسها وخزرجها إلى أن قال: فجميع من شهد بدرا من المسلمين من المهاجرين والانصار، من شهدها ومن ضرب له بسهمه وأجره، ثلاثمائة رجل وأربعة عشر رجلا.
من المهاجرين ثلاثة وثمانون.
ومن الاوس: أحد وستون رجلا.
ومن الخزرج: مائة وسبعون رجلا.
وقد سردهم البخاري في صحيحه (1) مرتبين على حروف المعجم بعد البداءة برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بأبى بكر وعثمان وعلى رضى الله عنهم.
وهذه تسمية من شهد بدرا من المسلمين مرتبين على حروف المعجم وذلك من كتاب الاحكام الكبير للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي وغيره، بعد البداءة باسم رئيسهم وفخرهم وسيد ولد آدم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) ذكر البخاري منهم أربعة وثلاثين غير رسول الله.
(*)
أسماء أهل بدر مرتبة على حروف المعجم حرف الالف أبى بن كعب النجارى سيد القراء، الارقم بن أبى الارقم، وأبو الارقم عبد مناف ابن أسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم المخزومى، أسعد بن يزيد بن الفاكه بن يزيد بن خلدة بن عامر بن العجلان.
أسود بن زيد بن ثعلبة بن عبيد بن غنم، كذا قال موسى بن عقبة.
وقال موى: سواد بن رزام بن ثعلبة بن عبيد بن عدى شك فيه، وقال سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق: سواد بن زريق بن ثعلبة، وقال ابن عائذ: سواد بن زيد.
أسير بن عمرو الانصاري أبو سليط، وقيل أسير بن عمرو بن أمية بن لوذان بن سالم بن ثابت الخزرجي، ولم يذكره موسى بن عقبة أنس بن قتادة بن ربيعة بن خالد بن الحارث الاوسي، كذا سماه موسى بن عقبة، و [ سماه ] الاموى في السيرة: أنيس.
قلت: وأنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم، لما روى عمر بن شبة النميري حدثنا محمد بن عبدالله الانصاري، عن أبيه، عن ثمامة بن أنس، قال: قيل لانس بن مالك أشهدت بدرا ؟ قال: وأين أغيب عن بدر لا أم لك !
وقال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عبدالله الانصاري، حدثنا أبى، عن مولى لانس ابن مالك، أنه قال لانس: شهدت بدرا ؟ قال: لا أم لك ! وأين أغيب عن بدر.
قال محمد بن عبدالله الانصاري: خرج أنس بن مالك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهو غلام يخدمه.
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزى في تهذيبه: هكذا قال الانصاري، ولم يذكر ذلك أحد من أصحاب المغازى.
أنس بن معاذ بن أنس بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، أنسة الحبشى مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوس بن نابت بن المنذر النجارى.
أوس بن خولى بن عبدالله بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج الخزرجي.
وقال موسى بن عقبة: أوس بن عبدالله بن الحارث بن خولى، أوس بن الصامت الخزرجي أخو عبادة بن الصامت، إياس بن البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر حليف بنى عدى بن كعب.
حرف الباء بجير بن أبى بجير حليف بنى النجار، بحاث (1) بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة البلوى حليف الانصار، بسبس بن عمرو بن ثعلبة بن خرشة بن زيد ابن عمرو بن سعيد بن ذبيان بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهنى حليف بنى ساعدة، وهو أحد العينين هو وعدى بن أبى الزغباء كما تقدم، بشر بن البراء بن معرور الخزرجي الذى مات بخيبر من الشاة المسمومة، بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي والد النعمان بن بشير، ويقال إنه أول من بايع الصديق، بشير بن عبد المنذر أبو لبابة الاوسي، رده عليه السلام من الروحاء واستعمله على المدينة وضرب له بسهمه وأجره.
حرف التاء تميم بن يعار بن قيس بن عدى بن أمية بن جدارة بن عوف بن الحارث بن
__________
(1) ويقال له: نحاب وهى رواية ابن إسحاق.
وما هنا قول ابن هشام.
(*)
الخزرج، تميم مولى خراش بن الصمة، تميم مولى بنى غنم بن السلم.
وقال ابن هشام: هو مولى سعد بن خيثمة.
حرف الثاء ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدى بن العجلان، ثابت بن ثعلبة، ويقال لثعلبة هذا: الجذع بن زيد بن الحارث بن حرام بن غنم بن كعب بن سلمة.
ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عسيرة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك ابن النجار النجارى، ثابت بن خنساء بن عمرو بن مالك بن عدى بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار النجارى.
ثابت بن عمرو بن زيد بن عدى بن سواد بن مالك بن غنم بن عدى بن النجار النجارى، ثابت بن هزال الخزرجي، ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك بن الاوس، ثعلبة بن عمرو بن عبيد بن مالك النجارى، ثعلبة بن عمرو بن محصن الخزرجي، ثعلبة بن عنمة (1) بن عدى بن نابى السلمى، ثقف بن عمرو من بنى حجر آل بنى سليم، وهو من حلفاء بنى كثير بن غنم بن دودان بن أسد.
حرف الجيم جابر بن خالد بن [ مسعود بن ] عبد الاشهل بن حارثة بن دينار بن النجار النجارى، جابر بن عبدالله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد بن عدى بن غنم بن كعب بن سلمة السلمى أحد الذين شهدوا العقبة.
قلت: فأما جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام السلمى أيضا، فذكره البخاري
فيهم في مسند عن سعيد بن منصور عن أبى معاوية عن الاعمش، عن أبى سفيان عن جابر، قال: كنت أمتح لاصحابي الماء يوم بدر.
__________
(1) ويقال: ابن غنمة كما في الاستيعاب.
(*)
وهذا الاسناد على شرط مسلم، لكن قال محمد بن سعد: ذكرت لمحمد بن عمر يعنى الواقدي، هذا الحديث فقال: هذا وهم من أهل العراق.
وأنكر أن يكون جابر شهد بدرا.
وقال الامام أحمد بن حنبل: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا زكريا بن إسحاق، حدثنا أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبدالله يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة ولم أشهد بدرا ولا أحدا، منعنى أبى، فلما قتل أبى يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غزاة.
ورواه مسلم عن أبى خيثمة عن روح.
جبار بن صخر السلمى، جبر بن عتيك الانصاري، جبير بن إياس الخزرجي.
حرف الحاء الحارث بن أنس بن رافع الخزرجي، الحارث بن أوس بن معاذ بن أخى سعد بن معاذ الاوسي، الحارث بن حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك بن الاوس، رده عليه السلام من الطريق وضرب له بسهمه وأجره، الحارث بن خزمة بن عدى بن أبى غنم ابن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج حليف لبنى زعورا بن عبد الاشهل، الحارث بن الصمة الخزرجي، رده عليه السلام لانه كسر من الطريق، وضرب له بسهمه وأجره، الحارث بن عرفجة الاوسي، الحارث بن قيس بن خلدة أبو خالد الخزرجي، الحارث ابن النعمان بن أمية الانصاري، حارثة بن سراقة النجارى أصابه سهم غرب وهو في النظارة فرفع إلى الفردوس، حارثة بن النعمان بن رافع الانصاري حاطب بن ابى بلتعة
اللخمى حليف بنى أسد بن عبدالعزى بن قصى.
حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية الاشجعى من بنى دهمان.
هكذا ذكره ابن هشام عن غير ابن إسحاق.
وقال الواقدي: حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود،
كذا ذكره ابن عائذ في مغازيه.
وقال ابن أبى حاتم: حاطب بن عمرو بن عبد شمس، سمعته من أبى وقال: هو رجل مجهول.
الحباب بن المنذر الخزرجي، ويقال كان لواء الخزرج معه يومئذ.
حبيب بن أسود مولى بنى حرام من بنى سلمة، وقال موسى بن عقبة: حبيب ابن سعد بدل أسود، وقال ابن أبى حاتم: حبيب بن أسلم مولى آل جشم بن الخزرج، أنصارى بدرى.
حريث بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه الانصاري، أخو عبدالله بن زيد الذى أرى النداء، الحصين بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، حمزة بن عبدالمطلب بن هاشم عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حرف الخاء خالد بن البكير أخو إياس المتقدم.
خالد بن زيد أبو أيوب النجارى، خالد بن قيس بن مالك بن العجلان الانصاري، خارجة بن الحمير حليف بنى خنساء من الخزرج، وقيل اسمه حارثة بن الحمير وسماه ابن عائذ خارجة.
فالله أعلم.
خارجة بن زيد الخزرجي صهر الصديق، خباب بن الارت حليف بنى زهرة، وهو من المهاجرين الاولين وأصله من بنى تميم ويقال من خزاعة، خباب مولى عتبة بن غزوان من المهاجرين الاولين، خراش بن الصمة السلمى، خبيب بن إساف بن عنبة الخزرجي، خريم بن فاتك ذكره البخاري فيهم، خليفة بن عدى الخزرجي، خليد بن قيس بن النعمان بن سنان بن عبيد الانصاري السلمى، خنيس بن حذافة بن قيس بن عدى بن
سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى السهمى، قتل يومئذ فتأيمت منه حفصة بنت عمر بن الخطاب، خوات بن جبير الانصاري ضرب له بسهمه وأجره لم يشهدها بنفسه، خولى بن أبى خولى العجلى حليف بنى عدى من المهاجرين الاولين،
خلاد بن رافع، وخلاد بن سويد، وخلاد بن عمرو بن الجموح الخزرجيون.
حرف الذال ذكوان بن عبد قيس الخزرجي، ذو الشمالين بن عبد بن عمرو بن نضلة من غبشان ابن سليم بن ملكان بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من بنى خزاعة حليف لبنى زهرة قتل يومئذ شهيدا.
قال ابن هشام: واسمه عمير وإنما قيل له ذو الشمالين لانه كان أعسر.
حرف الراء رافع بن الحارث الاوسي، رافع بن عنجدة.
قال ابن هشام: هي أمه، رافع بن المعلى بن لوذان الخزرجي قتل يومئذ، ربعى بن رافع بن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد بن عجلان بن ضبيعة وقال موسى بن عقبة: ربعى بن أبى رافع، ربيع بن إياس الخزرجي، ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم دودان ابن أسد بن خزيمة حليف لبنى عبد شمس بنى عبد مناف وهو من المهاجرين الاولين، رخيلة بن ثعلبة بن خالد بن ثعلبة بن عامر بن بياضة الخزرجي، رفاعة بن رافع الزرقى أخو خلاد بن رافع، رفاعة بن عبد المنذر بن زنير الاوسي أخو أبى لبابة، رفاعة بن عمرو بن زيد الخزرجي.
حرف الزاى الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصى، ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه.
زياد بن عمرو.
وقال موسى بن عقبة: زياد بن الاخرس بن عمرو الجهنى.
وقال الواقدي: زياد بن كعب بن عمرو بن عدى بن رفاعة بن كليب بن برذعة بن
عدى بن عمرو بن الزبعرى بن رشدان بن قيس بن جهينة.
زياد بن لبيد الزرقى، زياد بن المزين بن قيس الخزرجي، زيد بن أسلم بن ثعلبة ابن عدى بن عجلان بن ضبيعة، زيد بن حارثة بن شرحبيل مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضى الله عنه، زيد بن الخطاب بن نفيل أخو عمر بن الخطاب رضى الله عنهما، زيد بن سهل بن الاسود بن حرام النجارى أبو طلحة رضى الله عنه.
حرف السين سالم بن عمير الاوسي، سالم بن [ غنم بن ] عوف الخزرجي، سالم بن معقل مولى أبى حذيفة، السائب بن عثمان بن مظعون الجمحى، شهد مع أبيه، سبيع بن قيس بن عيشة الخزرجي، سبرة بن فاتك ذكره البخاري، سراقة بن عمرو النجارى، سراقة بن كعب النجارى أيضا، سعد بن خولة مولى بنى عامر بن لؤى من المهاجرين الاولين، سعد بن خيثمة الاوسي قتل يومئذ شهيدا، سعد بن الربيع الخزرجي الذى قتل يوم أحد شهيدا، سعد بن زيد بن مالك الاوسي، وقال الواقدي: سعد بن زيد بن الفاكه الخزرجي، سعد بن سهيل بن عبد الاشهل النجارى، سعد بن عبيد الانصاري، سعد بن عثمان بن خلدة الخزرجي أبو عبادة، وقال ابن عائذ: أبو عبيدة.
سعد بن معاذ الاوسي وكان لواء الاوس معه.
سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي، ذكره غير واحد منهم عروة والبخاري وابن أبى حاتم والطبراني فيمن شهد بدرا، ووقع في صحيح مسلم ما يشهد بذلك حين شاور النبي صلى الله عليه وسلم في ملتقى النفير من قريش، فقال سعد بن عبادة: كأنك تريدنا يا رسول الله الحديث.
والصحيح أن ذلك سعد بن معاذ.
والمشهور أن أسعد بن عبادة رده من الطريق، قيل: لاستنابته على المدينة وقيل لذعته حية فلم يتمكن من الخروج إلى بدر.
حكاه السهيلي عن بن قتيبة فالله أعلم.
سعد بن أبى وقاص.
مالك بن أهيب الزهري أحد العشرة، سعد بن مالك أبو سهل، قال الواقدي: تجهز ليخرج فمرض فمات قبل الخروج سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى ابن عم عمر بن الخطاب، يقال: قدم من الشام بعد مرجعه من بدر فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره.
سفيان بن بشر بن عمرو الخزرجي، سلمة بن أسلم بن حريش الاوسي، سلمة بن ثابت بن وقش بن زغبة، سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة، سليم بن الحارث النجارى، سليم بن عمرو السلمى، سليم بن قيس بن فهد الخزرجي، سليم بن ملحان أخو حرام بن ملحان النجارى، سماك بن أوس بن خرشة أبو دجانة، ويقال سماك بن خرشة، سماك بن سعد بن ثعلبة الخزرجي وهو أخو بشير بن سعد المتقدم.
سهل بن حنيف الاوسي، سهل بن عتيك النجارى، سهل بن قيس السلمى، سهيل بن رافع النجارى الذى كان له ولاخيه موضع المسجد النبوى كما تقدم، سهيل بن وهب الفهرى، وهو ابن بيضاء وهى أمه، سنان بن أبى سنان بن محصن بن حرثان من المهاجرين حليف بنى عبد شمس بن عبد مناف، سنان بن صيفي السلمى، سواد بن زريق بن زيد الانصاري.
وقال الاموى: سواد بن رزام.
سواد بن غزية بن أهيب البلوى، سويبط بن سعد بن حرملة العبدرى، سويد بن مخشى أبو مخشى الطائى حليف بنى عبد شمس، وقيل اسمه أزيد بن حمير.
حرف الشين شجاع بن وهب بن ربيعة الاسدي، أسد بن خزيمة حليف بنى عبد شمس من
المهاجرين الاولين.
شماس بن عثمان المخزومى.
قال ابن هشام: واسمه عثمان بن عثمان وإنما (32 - السيرة 2)
سمى شماسا لحسنه وشبهه شماسا كان في الجاهلية، شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: لم يسهم له وكان على الاسرى فأعطاه كل رجل ممن له في الاسرى شيئا، فحصل له أكثر من سهم.
حرف الصاد صهيب بن سنان الرومي من المهاجرين الاولين، صفوان بن وهب بن ربيعة الفهرى أخو سهيل بن بيضاء، قتل شهيدا يومئذ، صخر بن أمية بن خنساء السلمى.
حرف الضاد ضحاك بن حارثة بن زيد السلمى، ضحاك بن عبد عمرو النجارى، ضمرة بن عمرو الجهنى.
وقال موسى بن عقبة: ضمرة بن كعب بن عمرو حليف الانصار، وهو أخو زياد بن عمرو.
حرف الطاء طلحة بن عبيد الله التيمى أحد العشرة قدم من الشام بعد مرجعهم من بدر، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، طفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف من المهاجرين، وهو أخو حصيب وعبيدة، طفيل بن مالك بن خنساء السلمى طفيل بن النعمان بن خنساء السلمى ابن عم الذى قبله، طليب بن عمير بن وهب بن أبى كبير بن عبد بن قصى.
ذكره الواقدي.
حرف الظاء ظهير بن رافع الاوسي ذكره البخاري.
حرف العين عاصم بن ثابت بن أبى الاقلح الانصاري، الذى حمته الدبر (1) حين قتل بالرجيع عاصم بن عدى بن الجد بن عجلان، رده عليه السلام من الروحاء وضرب له بسهمه وأجره، عاصم بن قيس بن ثابت الخزرجي، عاقل بن البكير أخو إياس وخالد وعامر، وعامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس النجارى، عامر بن الحارث الفهرى كذا ذكره سلمة عن ابن اسحاق وابن عائذ.
وقال موسى بن عقبة وزياد عن ابن إسحاق: عمرو بن الحارث، عامر بن ربيعة بن مالك العنزي حليف بنى عدى من المهاجرين، عامر بن سلمة بن عامر ابن عبدالله البلوى القضاعى حليف بنى سالم بن مالك بن سالم بن غنم.
قال ابن هشام: ويقال عمر بن سلمة، عامر بن عبدالله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر أبو عبيدة بن الجراح أحد العشرة من المهاجرين الاولين، عامر بن فهيرة مولى أبى بكر، عامر بن مخلد النجارى، عائذ بن ماعض بن قيس الخزرجي، عباد بن بشر بن وقش الاوسي، عباد بن قيس بن عامر الخزرجي، عباد بن قيس بن عيشة الخزرجي أخو سبيع المتقدم، عباد بن الخشخاش القضاعى، عبادة بن الصامت الخزرجي، عبادة بن قيس بن كعب بن قيس، عبدالله بن أمية بن عرفطة، عبدالله بن ثعلبة بن خزمة أخو بحاث المتقدم، عبدالله بن جحش بن رئاب الاسدي، عبدالله بن جبير ابن النعمان الاوسي.
عبدالله بن الجد بن قيس السلمى، عبدالله بن حق بن أوس الساعدي.
وقال موسى بن عقبة والواقدى وابن عائذ: عبد رب بن حق، وقال ابن هشام: عبد ربه بن حق.
__________
(1) الدبر: النحل.
(*)
عبدالله بن الحمير حليف لبنى حرام، وهو أخو خارجة بن الحمير من أشجع، عبدالله
ابن الربيع بن قيس الخزرجي، عبدالله بن رواحة الخزرجي عبدالله بن زيد بن عبد ربه ابن ثعلبة الخزرجي، الذى أرى النداء.
عبدالله بن سراقة العدوى لم يذكره موسى بن عقبة ولا الواقدي ولا ابن عائذ، وذكره ابن إسحاق وغيره.
عبدالله بن سلمة بن مالك العجلان حليف الانصار، عبدالله بن سهل بن رافع أخو بنى زعورا، عبدالله بن سهيل بن عمرو خرج مع أبيه والمشركين ثم فر من المشركين إلى المسلمين فشهدها معهم، عبدالله بن طارق بن مالك القضاعى حليف الاوس، عبدالله بن عامر من بلى، ذكره ابن إسحاق.
عبدالله بن عبدالله بن أبى بن سلول الخزرجي وكان أبوه رأس المنافقين، عبدالله ابن عبد الاسد بن هلال بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم أبو سلمة زوج أم سلمة، قتل يومئذ، عبدالله بن عبد مناف بن النعمان السلمى، عبدالله بن عبس، عبدالله بن عثمان ابن عامر بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة بن كعب أبو بكر الصديق رضى الله عنه، عبدالله بن عرفطة بن عدى الخزرجي.
عبدالله بن عمر بن حرام السلمى أبو جابر، عبدالله بن عمير بن عدى الخزرجي، عبدالله بن قيس بن خالد النجارى، عبدالله بن قيس بن صخر بن حرام السلمى.
عبدالله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار، جعله النبي صلى الله عليه وسلم مع عدى بن أبى الزغباء على النفل يوم بدر.
عبدالله بن مخرمة بن عبدالعزى من المهاجرين الاولين، عبدالله بن مسعود الهذلى حليف بنى زهرة من المهاجرين الاولين، عبدالله بن مظعون الجمحى من المهاجرين الاولين، عبدالله بن النعمان بن بلدمة السلمى، عبدالله بن أنيسة بن النعمان السلمى،
عبد الرحمن بن جبر بن عمرو أبو عبيس الخزرجي، عبدالرحمن بن عبدالله بن
ثعلبة أبو عقيل القضاعى البلوى.
عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب الزهري أحد العشرة رضى الله عنهم، عبس بن عامر بن عدى السلمى، عبيد بن التيهان أخو أبو الهيثم بن التيهان، ويقال عتيك بدل عبيد.
عبيد بن ثعلبة من بنى غنم بن مالك، عبيد بن زيد بن عامر بن عمرو بن العجلان بن عامر، عبيد بن أبى عبيد.
عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف أخو الحصين والطفيل، وكان أحد الثلاثة الذين بارزوا يوم بدر فقطعت يده ثم مات بعد المعركة، رضى الله عنه.
عتبان بن مالك بن عمرو الخزرجي، عتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية البهرانى حليف بنى أمية بن لوذان، عتبة بن عبدالله بن صخر السلمى، عتبة بن غزوان بن جابر من المهاجرين الاولين.
عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الاموى أمير المؤمنين أحد الخلفاء الاربعة وأحد العشرة، تخلف على زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرضها حتى ماتت فضرب له بسهمه وأجره.
عثمان بن مظعون الجمحى أبو السائب، أخو عبدالله وقدامة من المهاجرين الاولين عدى بن أبى الزغباء الجهنى، وهو الذى أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسبس بن عمرو بين يديه عينا.
عصمة بن الحصين بن وبرة بن خالد بن العجلان، عصيمة حليف لبنى الحارث بن سوار من أشجع، وقيل من بنى أسد بن خزيمة، عطية بن نويرة بن عامر بن عطية الخزرجي، عقبة بن عامر بن نابى السلمى، عقبة بن عثمان بن خلدة الخزرجي أخو سعد بن عثمان.
عقبة بن عمرو أبو مسعود البدرى، وقع في صحيح البخاري أنه شهد بدرا وفيه نظر
عند كثير من أصحاب المغازى، ولهذا لم يذكروه.
عقبة بن وهب بن ربيعة الاسدي، أسد خزيمة، حليف لبنى عبد شمس وهو أخو شجاع بن وهب من المهاجرين الاولين، عقبة بن وهب بن كلدة حليف بنى غطفان.
عكاشة بن محصن الغنمى من المهاجرين الاولين، وممن لا حساب عليه.
على بن أبى طالب الهاشمي أمير المؤمنين، أحد الخلفاء الاربعة، وأحد الثلاثة الذين بارزوا يومئذ رضى الله عنه.
عمار بن ياسر العنسى المذحجي من المهاجرين الاولين، عمارة بن حزم بن زيد النجارى.
عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أحد الخلفاء الاربعة وأحد الشيخين المقتدى بهما رضى الله عنهما.
عمر بن عمرو بن إياس من أهل اليمن حليف لبنى لوذان بن عمرو بن سالم، وقيل هو أخو ربيع وورقة، عمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدى بن مالك بن عدى بن عامر أبو حكيم.
عمرو بن الحارث بن زهير بن أبى شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبشة بن الحارث بن فهر الفهرى، عمرو بن سراقة العدوى من المهاجرين، عمرو بن أبى سرح الفهرى من المهاجرين.
وقال الواقدي وابن عائذ: معمر بدل عمرو.
عمرو بن طلق بن زيد بن أمية بن سنان بن كعب بن غنم، وهو في بنى حرام، عمرو ابن الجموح بن حرام الانصاري، عمرو بن قيس بن زيد بن سواد بن مالك بن غنم.
ذكره الواقدي والاموى.
عمرو بن قيس بن مالك بن عدى بن خنساء بن عمرو بن مالك بن عدى بن عامر أبو خارجة، ولم يذكره موسى بن عقبة.
عمرو بن عامر بن الحارث الفهرى ذكره موسى بن عقبة، عمرو بن معبد بن
الازعر الاوسي، عمرو بن معاذ الاوسي أخو سعد بن معاذ، عمير بن الحارث بن ثعلبة ويقال عمرو بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة السلمى، عمير بن حرام بن الجموح السلمى، ذكره ابن عائذ والواقدى.
عمير بن الحمام بن الجموح ابن عم الذى قبله، قتل يومئذ شهيدا، عمير بن عامر بن مالك ابن الخنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن أبو داود المازنى.
عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو، وسماه الاموى وغيره: عمرو بن عوف.
وكذا وقع في الصحيحين في حديث بعث أبى عبيدة إلى البحرين.
عمير بن مالك بن أهيب الزهري أخو سعد بن أبى وقاص قتل يومئذ شهيدا، عنترة مولى بنى سليم وقيل إنه منهم، فالله أعلم.
عوف بن الحارث بن رفاعة بن الحارث النجارى وهو ابن عفراء بنت عبيد بن ثعلبة النجارية قتل يومئذ شهيدا، عويم بن ساعدة الانصاري من بنى أمية بن زيد، عياض بن غنم الفهرى من المهاجرين الاولين.
رضى الله عنهم أجمعين.
حرف الغين غنام بن أوس الخزرجي.
ذكره الواقدي وليس بمجمع عليه.
حرف الفاء الفاكه بن بشر بن الفاكه الخزرجي، فروة بن عمرو بن ودفة (1) الخزرجي.
حرف القاف قتادة بن النعمان الاوسي.
قدامة بن مظعون الجمحى من المهاجرين أخو عثمان وعبد الله
__________
(1) في الاشتقاق 461: ابن وذقة.
قال: والوذقة زعموا الروضة.
(*)
قطبة بن عامر بن حديدة السلمى.
قيس بن السكن النجارى، قيس بن أبى صعصعة عمرو بن زيد المازنى كان على الساقة يوم بدر.
قيس بن محصن بن خالد الخزرجي، قيس ابن مخلد بن ثعلبة النجارى.
حرف الكاف كعب بن حمان (1) ويقال جمار ويقال جماز.
وقال ابن هشام: كعب بن غبشان (2) ويقال: كعب بن مالك بن ثعلبة بن جماز.
وقال الاموى: كعب بن ثعلبة بن حبالة بن غنم الغساني من حلفاء بنى الخزرج بن ساعدة.
كعب بن زيد بن قيس النجارى، كعب بن عمرو أبو اليسر السلمى، كلفة بن ثعلبة أحد البكائين ذكره موسى بن عقبة، كناز بن حصين بن يربوع أبو مرثد الغنوى، من المهاجرين الاولين.
حرف الميم مالك بن الدخشم ويقال ابن الدخشن الخزرجي، مالك بن أبى خولى الجعفي حليف بنى عدى، مالك بن ربيعة أبو أسيد الساعدي، مالك بن قدامة الاوسي، مالك بن عمرو أخو ثقف بن عمرو وكلاهما مهاجري، وهما من حلفاء بنى تميم بن دودان بن أسد، مالك بن قدامة الاوسي، مالك بن مسعود الخزرجي، مالك بن ثابت بن نميلة المزني حليف لبنى عمرو بن عوف، مبشر بن عبد المنذر بن زنبر الاوسي أخو أبى لبابة ورفاعة، قتل يومئذ شهيدا، المجذر بن ذياد (3) البلوى مهاجري، محرز بن عامر النجارى، محرز ابن نضلة الاسدي حليف بنى عبد شمس مهاجري، محمد بن مسلمة حليف بنى عبد
__________
(1) ابن هشام: ابن حمار.
(2) ابن هشام: ويقال: كعب بن جماز وهو من غبشان.
(3) الاصل زياد.
وهو تحريف وما أثبته عن الاشتقاق لابن دريد 550.
(*)
الاشهل، مدلج ويقال مدلاج بن عمرو أخو ثقف بن عمرو مهاجري، مرثد بن أبى مرثد الغنوى، مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف من المهاجرين الاولين، وقيل اسمه عوف، مسعود بن أوس الانصاري النجارى، مسعود بن خلدة الخزرجي، مسعود بن ربيعة القارى حليف بنى زهرة مهاجري، مسعود بن سعد ويقال
ابن عبد سعد بن عامر بن عدى بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث، مسعود بن سعد بن قيس الخزرجي، مصعب بن عمير العبدرى مهاجري كان معه اللواء يومئذ، معاذ بن جبل الخزرجي، معاذ بن الحارث النجارى وهذا هو ابن عفراء أخو عوف ومعوذ، معاذ بن عمرو بن الجموح الخزرجي، معاذ بن ماعض الخزرجي أخو عائذ.
معبد بن عباد بن قشير بن القذم (1) بن سالم بن غنم، ويقال معبد بن عبادة بن قيس وقال الواقدي: قشعر بدل قشير.
وقال ابن هشام: قشعر أبو خميصة.
معبد بن قيس بن صخر السلمى أخو عبدالله بن قيس، معتب بن عبيد بن إياس البلوى القضاعى، معتب بن عوف الخزاعى، حليف بنى مخزوم من المهاجرين، معتب بن قشير الاوسي، معقل بن المنذر السلمى، معمر بن الحارث الجمحى من المهاجرين، معن ابن عدى الاوسي، معوذ بن الحارث الجمحى وهو ابن عفراء، أخو معاذ بن عوف، معوذ ابن عمرو بن الجموح السلمى لعله أخو معاذ بن عمرو، المقداد بن عمرو البهرانى، وهو المقداد ابن الاسود من المهاجرين الاولين وهو ذو المقال المحمود، ابن المتقدم ذكره وكان أحد الفرسان يومئذ، مليل بن وبرة الخزرجي، المنذر بن عمرو بن خنيس الساعدي، المنذر بن قدامة بن عرفجة الحزرجى، المنذر بن محمد بن عقبة الانصاري من بنى جحجبى مهجع مولى عمر بن الخطاب أصله من اليمن وكان أول قتيل من المسلمين يومئذ.
__________
(1) الاصل: الفدم.
وما أثبته من الاشتقاق 459.
والقذم: السيد المعطاء.
(*)
حرف النون نصر بن الحارث بن عبد رزاح بن ظفر بن كعب، نعمان بن عبد عمرو النجارى، وهو أخو الضحاك.
نعمان بن عمرو بن رفاعة النجارى، نعمان بن عصر بن الحارث حليف لبنى الاوس، نعمان بن مالك بن ثعلبة الخزرجي، ويقال له قوقل، نعمان بن يسار مولى لبنى عبيد، ويقال نعمان بن سنان.
نوفل بن عبيد الله بن نضلة الخزرجي.
حرف الهاء هانئ بن نيار أبو بردة البلوى، خال البراء بن عازب.
هلال بن أمية الواقفى، وقع ذكره في أهل بدر في الصحيحين في قصة كعب بن مالك، ولم يذكره أحد من أصحاب المغازى.
هلال بن المعلى الخزرجي، أخو رافع بن المعلى.
حرف الواو واقد بن عبدالله التميمي، حليف بنى عدى من المهاجرين، وديعة بن عمرو بن جراد الجهنى، ذكره الواقدي وابن عائذ، ورقة بن إياس بن عمرو الخزرجي أخو ربيع بن إياس، وهب بن سعد بن أبى سرح، ذكره موسى بن عقبة وابن عائذ والواقدى في بنى عامر بن لؤى ولم يذكره ابن اسحاق.
حرف الياء يزيد بن الاخنس بن جناب بن حبيب بن جرة السلمى.
قال السهيلي: شهد هو وأبوه وابنه يعنى بدرا، ولا يعرف لهم نظير في الصحابة، ولم يذكرهم ابن إسحاق والاكثرون، لكن شهدوا معه بيعة الرضوان.
يزيد بن الحارث بن قيس الخزرجي، وهو الذى يقال له ابن فسحم (1) وهى أمه، قتل يومئذ شهيدا ببدر، يزيد بن عامر بن حديدة أبو المنذر السلمى، يزيد بن المنذر بن سرح السلمى وهو أخو معقل بن المنذر.
باب الكنى أبو أسيد مالك بن ربيعة تقدم، أبو الأعور بن الحارث بن ظالم النجارى، وقال ابن هشام: أبو الأعور الحارث بن ظالم.
وقال الواقدي: أبو الأعور كعب بن الحارث ابن جندب بن ظالم، أبو بكر الصديق عبدالله بن عثمان، تقدم، أبو حبة بن عمرو بن
ثابت، أحد بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف الانصاري.
أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة من المهاجرين وقيل اسمه مهشم، أبو الحمراء مولى الحارث بن رفاعة بن عفراء، أبو خزيمة ابن أوس بن أصرم النجارى، أبو سبرة مولى أبى رهم بن عبدالعزى من الهاجرين، أبو سنان بن محصن بن حرثان، أخو عكاشة ومعه ابنه سنان من المهاجرين.
أبو الصياح بن النعمان وقيل: عمير بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس ابن ثعلبة، رجع من الطريق وقتل يوم خيبر، رجع لجرح أصابه من حجر فضرب له بسهمه، أبوعرفجة من حلفاء بنى جحجبى، أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو لبابة بشير بن عبد المنذر، تقدم، أبو مرثد الغنوى كناز بن حصين تقدم، أبو مسعود البدرى عقبة بن عمرو تقدم، أبو مليل بن الازعر بن زيد الاوسي.
فصل فكان جملة من شهد بدرا من المسلمين ثلثمائة وأربعة عشر رجلا، منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) الاصل: قسحم.
وصوابه عن القاموس.
وفسحم أمه.
(*)
كما قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق، سمعت البراء بن عازب يقول: حدثنى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم ممن شهد بدرا، أنهم كانو عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، بضعة عشر وثلاثمائة.
قال البراء: لا والله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن.
ثم رواه البخاري من طريق إسرائيل وسفيان الثوري، عن أبى إسحاق عن البراء نحوه.
قال ابن جرير: وهذا قول عامة السلف أنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا.
وقال أيضا: حدثنا محمود، حدثنا وهب، عن شعبة، عن أبى إسحاق، عن البراء،
قال: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر، وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين، والانصار نيفا وأربعين ومائتين.
هكذا وقع في هذه الرواية.
وقال ابن جرير: حدثنى محمد بن عبيد المحاربي، حدثنا أبو مالك الجبنى، عن الحجاج، وهو ابن أرطاة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: كان المهاجرون يوم بدر سبعين رجلا، وكان الانصار مائتين وستة وثلاثين رجلا، وكان حامل راية النبي صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب، وحامل راية الانصار سعد بن عبادة.
وهذا يقتضى أنهم كانوا ثلثمائة وستة رجال.
قال ابن جرير: وقيل: كانوا ثلثمائة وسبعة رجال.
قلت: وقد يكون هذا عد معهم النبي صلى الله عليه وسلم والاول عدهم بدونه فالله أعلم.
وقد تقدم عن ابن إسحاق أن المهاجرين كانوا ثلاثة وثمانين رجلا، وأن الاوس أحد وستون رجلا.
والخزرج مائة وسبعون رجلا وسردهم.
وهذا مخالف لما ذكره البخاري، ولما روى عن ابن عباس فالله أعلم.
وفى الصحيح، عن أنس أنه قيل له: شهدت بدرا ؟ فقال: وأين أغيب.
وفى سنن أبى داود عن سعيد بن منصور، عن أبى معاوية، عن الاعمش، عن أبى سفيان طلحة بن نافع، عن جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام أنه قال: كنت أمتح لاصحابي الماء يوم بدر.
وهذان لم يذكرهما البخاري ولا الضياء.
فالله أعلم.
* * * قلت: وفى الذين عدهم ابن إسحاق في أهل بدر من ضرب له بسهم في مغنمها وإنه
لم يحضرها، تخلف عنها لعذر أذن له في التخلف بسببها، وكانوا ثمانية أو تسعة وهم: عثمان بن عفان تخلف على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرضها حتى ماتت فضرب له بسهمه وأجره، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كان بالشام فضرب له بسهمه وأجره.
وطلحة بن عبيد الله كان بالشام أيضا فضرب له بسهمه وأجره.
وأبو لبابة بشير بن عبد المنذر رده رسول الله صلى الله عليه وسلم من الروحاء حين بلغه خروج النفير من مكة، فاستعمله على المدينة وضرب له بسهمه وأجره.
والحارث بن حاطب بن عبيد بن أمية، رده رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا من الطريق وضرب له بسهمه وأجره.
والحارث بن الصمة، كسر بالروحاء فرجع فضرب له بسهمه زاد الواقدي: وأجره.
وخوات بن جبير لم يحضر الوقعة وضرب له بسهمه وأجره.
وأبو الصياح بن ثابت، خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصاب ساقه فصيل حجر فرجع وضرب له بسهمه وأجره.
قال الواقدي: وسعد أبو مالك، تجهز ليخرج فمات وقيل: إنه مات بالروحاء فضرب له بسهمه وأجره.
وكان الذين استشهدوا من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلا، من المهاجرين ستة وهم: عبيدة بن الحارث بن المطلب، قطعت رجله فمات بالصفراء رحمه الله، وعمير بن أبى وقاص، أخو سعد بن أبى وقاص الزهري قتله العاص بن سعيد وهو ابن ست عشرة سنة، ويقال إنه كان قد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجوع لصغره فبكى فأذن له في الذهاب فقتل رضى الله عنه، وحليفهم ذو الشمالين ابن عبد عمرو الخزاعى، وصفوان بن بيضاء، وعاقل بن البكير الليثى حليف بنى عدى، ومهجع مولى عمر بن الخطاب وكان
أول قتيل قتل من المسلمين يومئذ.
ومن الانصار ثمانية وهم: حارثة بن سراقة رماه حبان بن العرقة بسهم فأصاب حنجرته فمات، ومعوذ وعوف ابنا عفراء، ويريد بن الحارث، ويقال: ابن فسحم، وعمير بن الحمام، ورافع بن المعلى بن لوذان، وسعد بن خيثمة، ومبشر بن عبد المنذر رضى الله عن جميعهم.
وكان مع المسلمين سبعون بعيرا كما تقدم.
قال ابن إسحاق: وكان معهم فرسان على أحدهما المقداد بن الاسود واسمها بعزجة، ويقال سبحة، وعلى الاخرى الزبير بن العوام واسمها اليعسوب.
وكان معهم لواء يحمله مصعب بن عمير، ورايتان يحمل إحداهما للمهاجرين على ابن أبى طالب، والتى للانصار يحملها سعد بن عبادة.
وكان رأس مشورة للمهاجرين أبو بكر الصديق، ورأس مشورة الانصار سعد ابن معاذ.
* * * وأما جمع المشركين: فأحسن ما يقال فيهم: إنهم كانوا ما بين التسعمائة إلى الالف وقد نص عروة وقتادة أنهم كانوا تسعمائة وثلاثين رجلا.
وقال الواقدي: كانوا تسعمائة وثلاثين رجلا.
وهذا التحديد يحتاج إلى دليل، وقد تقدم في بعض الاحاديث أنهم كانوا أزيد من ألف، فلعله عدد أتباعهم معهم والله أعلم.
وقد تقدم الحديث الصحيح عند البخاري عن البراء أنه قتل منهم سبعون وأسر سبعون.
وهذا قول الجمهور، ولهذا قال كعب بن مالك في قصيدة له:
فأقام بالعطن المعطن منهم * سبعون عتبة منهم والاسود وقد حكى الواقدي الاجماع على ذلك.
وفيما قاله نظر، فإن موسى بن عقبة وعروة ابن الزبير قالا خلاف ذلك، وهما من أئمة هذا الشأن، فلا يمكن حكاية الاتفاق بدون قولهما، وإن كان قولهما مرجوحا بالنسبة إلى الحديث الصحيح.
والله أعلم.
وقد سرد أسماء القتلى والاسارى ابن إسحاق وغيره، وحرر ذلك الحافظ الضياء في أحكامه جيدا.
وقد تقدم في غضون سياقات القصة ذكر أول من قتل منهم، وهو الاسود بن عبد الاسد المخزومى، وأول من فر وهو خالد بن الاعلم الخزاعى، أو العقيلى، حليف بنى مخزوم، وما أفاده ذلك، فإنه أسر، وهو القائل في شعره: ولسنا على الاعقاب تدمى كلومنا * ولكن على أقدامنا يقطر الدم فما صدق في ذلك.
وأول من أسروا عقبة بن أبى معيط والنضر بن الحارث، قتلا صبرا بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين الاسارى، وقد اختلف في أيهما قتل أولا على قولين.
وأنه عليه السلام أطلق جماعة من الاسارى مجانا بلا فداء، منهم أبو العاص بن
الربيع الاموى، والمطلب بن حنطب بن الحارث المخزومى، وصيفى بن أبى رفاعة كما تقدم، وأبو عزة الشاعر، ووهب بن عمير بن وهب الجمحى كما تقدم، وفادى بقيتهم حتى عمه العباس أخذ منه أكثر مما أخذ من سائر الاسرى، لئلا يحابيه لكونه عمه، مع أنه قد سأله الذين أسروه من الانصار أن يتركوا له فداءه فأبى عليهم ذلك، وقال: لا تتركوا منه درهما.
وقد كان فداؤهم متفاوتا، فأقل ما أخذ أربعمائة، ومنهم من أخذ منه أربعون
أوقية من ذهب.
قال موسى بن عقبة: وأخذ من العباس مائة أوقية من ذهب.
ومنهم من استؤجر على عمل بمقدار فدائه كما قال الامام أحمد: حدثنا على بن عاصم، قال: قال داود: حدثنا عكرمة، عن ابن عباس قال: كان ناس من الاسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الانصار الكتابة، قال: فجاء غلام يوما يبكى إلى أمه فقالت: ما شأنك ؟ فقال: ضربني معلمي فقالت: الخببث يطلب بذحل (1) بدر ! والله لا تأتيه أبدا.
انفرد به أحمد وهو على شرط السنن.
وتقدم بسط ذلك كله ولله الحمد والمنة.
فصل في فضل من شهد بدرا من المسلمين قال البخاري في هذا الباب: حدثنا عبدالله بن محمد، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق، عن حميد، سمعت أنسا يقول: أصيب حارثة يوم بدر فجاءت أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة منى فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الاخرى فترى ما أصنع.
فقال: " ويحك أو هبلت أو جنة واحدة هي ؟ إنها جنان كثيرة وإنه في جنة الفردوس ".
__________
(1) الذحل: الثأر.
وفى الاصل: بدخل.
محرفة.
(*)
تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وقد روى من غير هذا الوجه من حديث ثابت وقتادة عن أنس، وأن حارثة كان في النظارة وفيه: " إن ابنك أصاب الفردوس الاعلى ".
وفى هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر، فإن هذا الذى لم يكن في بحبوحة القتال (1) ولا في حومة الوغى، بل كان من النظارة من بعيد، وإنما أصابه سهم غرب وهو يشرب من الحوض، ومع هذا أصاب بهذا الموقف الفردوس التى هي أعلى الجنان وأوسط
الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة التى أمر الشارع أمته إذا سألوا الله الجنة أن يسألوه إياها.
فإذا كان هذا حال هذا، فما ظنك بمن كان واقفا في نحر العدو، وعدوهم على ثلاثة أضعافهم عددا وعددا ؟ ! ثم روى البخاري ومسلم جميعا عن إسحاق بن راهويه، عن عبدالله بن إدريس، عن حصين بن عبدالرحمن، عن سعد بن عبيدة، عن أبى عبد الرحمن السلمى، عن على بن أبى طالب قصة حاطب بن أبى بلتعة وبعثه الكتاب إلى أهل مكة عام الفتح، وأن عمر استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب عنقه فإنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ".
ولفظ البخاري: " أليس من أهل بدر ؟ ولعل الله أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو قد غفرت لكم ".
فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم.
__________
(1) تبحبح: تمكن في المقام والحلول.
وبحبوحة المكان وسطه.
وفى الاصل: بحبحة.
محرفة (*) (33 - السيرة 2)
وروى مسلم عن قتيبة، عن الليث، عن أبى الزبير، عن جابر، أن عبدا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا قال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذبت، لا يدخلها، إنه شهد بدرا والحديبية ".
وقال الامام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا أبو بكر بن عياش، حدثنى
الاعمش، عن أبى سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لن يدخل النار رجل شهد بدرا أو الحديبية ".
تفرد به أحمد وهو على شرط مسلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد، أنبأنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبى النجود، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال: إن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ".
ورواه أبو داود عن أحمد بن سنان، وموسى بن إسماعيل، كلاهما عن يزيد ابن هارون به.
وروى البزار في مسنده: حدثنا محمد بن مرزوق، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا عكرمة، عن يحيى بن أبى كثير، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنى لارجو أن لا يدخل النار من شهد بدرا إن شاء الله ".
ثم قال: لا نعلمه يروى عن أبى هريرة إلا من هذا الوجه.
قلت: وقد تفرد البزار بهذا الحديث ولم يخرجوه، وهو على شرط الصحيح.
والله أعلم.
وقال البخاري في باب شهود الملائكة بدرا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم،
حدثنا جرير، عن يحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقى، عن أبيه، وكان أبوه من أهل بدر، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال: من أفضل المسلمين، أو كلمة نحوها.
قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة انفرد به البخاري.
فصل في قدوم زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة من مكة إلى المدينة بعد وقعة بدر بشهر، بمقتضى ما كان شرط زوجها أبو العاص للنبى صلى الله عليه وسلم كما تقدم قال ابن إسحاق: ولما رجع أبو العاص إلى مكة وقد خلى سبيله، يعنى كما تقدم، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الانصار مكانه فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها فتأتياني بها.
فخرجا مكانهما وذلك بعد بدر بشهر أو شيعه (1).
فلما قدم ابو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فخرجت تجهز.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبدالله بن أبى بكر، قال: حدثت عن زينب أنها قالت: بينا أنا أتجهز لقيتني هند بنت عتبة فقالت: يا ابنة محمد، ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك ؟ قالت: فقلت: ما أردت ذلك.
فقالت: أي ابنة عم، لا تفعلي، إن كان لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك أو بمال تتبلغين به إلى أبيك فإن عندي حاجتك فلا تضطنى (2) منى فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال.
قالت: والله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل.
قالت: ولكني خفتها فأنكرت أن أكون أريد ذلك.
قال ابن إسحاق: فتجهزت، فلما فرغت من جهازها قدم إليها أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيرا فركبته وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهارا يقود بها وهى في هودج لها، وتحدث بذلك رجال من قريش، فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذى طوى، وكان أول
__________
(1) شيعه: قريب منه.
(2) لا تضطنى: لا تنقبضي منى.
وأصله: اضطنأ.
(*)
من سبق إليها هبار بن الاسود بن المطلب بن أسد بن عبدالعزى الفهرى، فروعها هبار
بالرمح وهى في الهودج، وكانت حاملا فيما يزعمون فطرحت، وبرك حموها كنانة ونثر كنانته ثم قال: والله لا يدنو منى رجل إلا وضعت فيه سهما.
فتكركر الناس عنه.
وأتى أبو سفيان في جلة من قريش فقال: يا أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك.
فكف، فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال: إنك لم تصب، خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذ خرجت بابنته إليه علانية على رءوس الناس من بين إظهرنا، أن ذلك عن ذل أصابنا، وأن ذلك ضعف منا ووهن، ولعمري ما لنا بحبسها من أبيها من حاجة وما لنا من ثؤرة (1)، ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الاصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسلها سرا وألحقها بأبيها.
قال: ففعل.
وقد ذكر ابن إسحاق أن أولئك النفر الذين ردوا زينب لما رجعوا إلى مكة قالت هند تذمهم على ذلك: أفى السلم أعيارا جفاء وغلظة * وفى الحرب أشباه النساء العوارك (2) وقد قيل إنها قالت ذلك للذين رجعوا من بدر بعد ما قتل منهم الذين قتلوا.
قال ابن إسحاق: فأقامت ليالى، حتى إذا هدأت الاصوات خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه، فقدما بها ليلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * * وقد روى البيهقى في الدلائل من طريق عمر بن عبدالله بن عروة بن الزبير، عن
__________
(1) الثؤرة: طلب الثأر.
(2) العوارك: الحوائض.
(*)
عروة، عن عائشة فذكر قصة خروجها وردهم لها ووضعها ما في بطنها، وأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة وأعطاه خاتمه لتجئ معه فتلطف زيد فأعطاه راعيا من مكة فأعطى الخاتم لزينب، فلما رأته عرفته فقالت: من دفع إليك هذا ؟ قال: رجل في ظاهر مكة.
فخرجت زينب ليلا فركبت وراءه حتى قدم بها المدينة.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هي أفضل بناتى أصيبت في ".
قال: فبلغ ذلك على بن الحسين بن زين العابدين، فأتى عروة فقال: ما حديث بلغني أنك تحدثته ؟ فقال عروة: والله ما أحب أن لى ما بين المشرق والمغرب وأنى أنتقص فاطمة حقا هو لها، وأما بعد ذلك أن لا أحدث به أبدا.
قال ابن إسحاق: فقال في ذلك عبدالله بن رواحة أو أبو خيثمة أخو بنى سالم بن عوف.
قال ابن هشام: هي لابي خيثمة: أتانى الذى لا يقدر الناس قدره * لزينب فيهم من عقوق ومأثم وإخراجها لم يخز فيها محمد * على مأقط وبيننا عطر منشم (1) وأمسى أبو سفيان من حلف ضمضم * ومن حربنا في رغم أنف ومندم قرنا ابنه عمرا ومولى يمينه * بذى حلق جلد الصلاصل محكم (2) فأقسمت لا تنفك منا كتائب * سراة خميس من لهام مسوم (3) نروع قريش الكفر حتى نعلها (4) * بخاطمة فوق الانوف بميسم
__________
(1) المأقط: معترك الحرب، وعطر منشم: كناية عن شدة الحرب.
ومنشم: كانت امرأة تبيع العطر فيشترى منها للموتى، حتى تشاءموا بها.
(2) ذو حلق: أراد به الغل.
والصلاصل جمع صلصلة، وهى صلصلة الحديد.
(3) اللهام: الكثير.
والمسوم: المعلم.
(4) نروع: نفزع.
ونعلها: نذيقها الحرب مرة بعد مرة.
(*)
ننزلهم أكناف نجد ونخلة * وإن يتهموا بالخيل والرجل نتهم يد (1) الدهر حتى لا يعوج سربنا * ونلحقهم آثار عاد وجرهم ويندم قوم لم يطيعوا محمدا * على أمرهم وأى حين تندم فأبلغ أبا سفيان إما لقيته * لئن أنت لم تخلص سجودا وتسلم فأبشر بخزى في الحياة معجل * وسربال قار خالدا في جهنم قال ابن إسحاق: ومولى يمين أبى سفيان الذى عناه الشاعر هو عامر بن الحضرمي.
وقال ابن هشام: إنما هو عقبة بن عبد الحارث بن الحضرمي، فأما عامر بن الحضرمي فإنه قتل يوم بدر.
* * * قال ابن إسحاق: وقد حدثنى يزيد بن أبى حبيب، عن بكير بن عبدالله بن الاشج، عن سليمان بن يسار، عن أبى إسحاق الدوسى، عن أبى هريرة.
قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية أنا فيها فقال: " إن ظفرتم بهبار بن الاسود والرجل الذى سبق معه إلى زينب فحرقوهما بالنار ".
فلما كان الغد بعث إلينا فقال: إنى قد كنت أمرتكم بتحريق هذين الرجلين إن أخذتموها، ثم رأيت أنه لا ينبغى لاحد أن يحرق بالنار إلا الله عزوجل، فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما ".
تفرد به ابن إسحاق وهو على شرط السنن ولم يخرجوه.
وقال البخاري: حدثنا قتيبة حدثنا الليث، عن بكير، عن سليمان بن يسار، عن أبى هريرة أنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: " إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار " ثم قال حين أردنا الخروج: إنى أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما.
__________
(1) يد الدهر: مد زمانه.
وفى الاصل: يدى.
وما أثبته عن ابن هشام.
(*)
وقد ذكر ابن إسحاق أن أبا العاص أقام بمكة على كفره واستمرت زينب عند أبيها بالمدينة، حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص في تجارة لقريش، فلما قفل من الشام لقيته سرية فأخذوا ما معه وأعجزهم هربا، وجاء تحت الليل إلى زوجته زينب فاستجار بها فأجارته.
فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح وكبر وكبر الناس صرخت من صفة النساء: أيها الناس أجرت أبا العاص بن الربيع فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس فقال: " أيها الناس هل سمعتم الذى سمعت ؟ " قالوا: نعم.
قال: " أما والذى نفس محمد بيده ما علمت بشئ حتى سمعت ما سمعتم، وإنه يجير على المسلمين أدناهم ".
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته زينب فقال: " أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له " قال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحثهم على رد ما كان معه، فردوه بأسره لا يفقد منه شيئا.
فأخذه أبو العاص فرجع به إلى مكة، فأعطى كل إنسان ما كان له ثم قال: يا معشر قريش، هل بقى لاحد منكم عندي مال لم يأخذه ؟ قالوا: لا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما.
قال: فإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعنى عن الاسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أنى إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت.
ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: فحدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على النكاح الاول ولم يحدث شيئا.
وهذا الحديث قد رواه الامام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث محمد ابن إسحاق، وقال الترمذي: ليس بإسناده بأس.
ولكن لا نعرف وجه هذا الحديث، ولعله قد جاء من قبل حفظ داود بن الحصين وقال السهيلي: لم يقل به أحد من الفقهاء فيما علمت.
وفى لفظ: ردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ست سنين، وفى رواية: بعد سنتين بالنكاح الاول، رواه ابن جرير.
وفى رواية: لم يحدث نكاحا.
وهذا الحديث قد أشكل على كثير من العلماء، فإن القاعدة عندهم أن المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر، فإن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة، وإن كان بعده انتظر إلى انقضاء العدة، فإن أسلم فيها استمر على نكاحها، وإن انقضت ولم يسلم انفسخ نكاحها وزينب رضى الله عنها أسلمت حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجرت بعد بدر بشهر، وحرم المسلمات على المشركين عام الحديبية سنة ست، وأسلم أبو العاص قبل الفتح سنة ثمان فمن قال: ردها عليه بعد ست سنين، أي من حين هجرتها فهو صحيح.
ومن قال: بعد سنتين.
أي من حين حرمت المسلمات على المشركين فهو صحيح أيضا.
وعلى كل تقدير فالظاهر انقضاء عدتها في هذه المدة التى أقلها سنتان من حين التحريم أو قريب منها، فكيف ردها عليه بالنكاح الاول ؟ * * * فقال قائلون: يحتمل أن عدتها لم تنقض، وهذه قصة يمين يتطرق إليها الاحتمال.
وعارض آخرون هذا الحديث بالحديث الاول الذى رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد بنته على أبى العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد.
قال الامام أحمد: هذا حديث ضعيف واه ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب، إنما سمعه من محمد بن عبيد الله العرزمى، والعرزمى لا يساوى حديثه شيئا، والحديث الصحيح الذى روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها على النكاح الاول.
وهكذا قال الدار قطني: لا يثبت هذا الحديث، والصواب حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بالنكاح الاول.
وقال الترمذي: هذا حديث في إسناده مقال.
و [ الذى ] العمل عليه عند أهل العلم، أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم زوجها أنه أحق بها ما كانت في العدة، وهو قول مالك والاوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال آخرون: بل الظاهر انقضاء عدتها، ومن روى أنه جدد لها نكاحا فضعيف.
* * * ففى قضية زينب، والحالة هذه، دليل على أن المرأة إذا أسلمت وتأخر إسلام زوجها حتى انقضت عدتها، فنكاحها لا ينفسخ بمجرد ذلك، بل يبقى بالخيار إن شاءت تزوجت غيره وإن شاءت تربصت وانتظرت إسلام زوجها أي وقت كان، وهى امرأته ما لم تتزوج.
وهذا القول فيه قوة وله حظ من جهة.
الفقه والله أعلم.
ويستشهد لذلك بما ذكره البخاري حيث قال: نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن: حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام، عن ابن جريح، عن عطاء، عن ابن عباس، كان المشركون على منزلتين من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كانوا مشركي أهل الحرب يقاتلونهم ويقاتلونه، ومشركى أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه.
فكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حل لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه، وإن هاجر عبد منهم أو
أمة فهما حران ولهما ما للمهاجرين.
ثم ذكر من أهل العهد مثل حديث مجاهد.
هذا لفظه بحروفه.
فقوله: " فكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر " يقتضى أنها كانت تستبرئ بحيضة لا تعتد بثلاثة قروء، وقد ذهب قوم إلى هذا.
وقوله: فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه، يقتضى أنه وإن هاجر بعد انقضاء مدة الاستبراء والعدة أنها ترد إلى زوجها الاول ما لم تنكح زوجا غيره، كما هو الظاهر من قصة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وكما ذهب إليه من ذهب من العلماء.
والله أعلم.
فصل فيما قيل من الاشعار في غزوة بدر العظمى (1) فمن ذلك ما ذكره ابن إسحاق، عن حمزة بن عبدالمطلب، وأنكرها ابن هشام: ألم تر أمرا كان من عجب الدهر * وللحين أسباب مبينة الامر وما ذاك إلا أن قوما أفادهم (2) * فحانوا (3) تواص بالعقوق وبالكفر عشية راحوا نحو بدر بجمعهم * وكانوا رهونا للركية من بدر (4) وكنا طلبنا العير لم نبغ غيرها * فساروا إلينا فالتقينا على قدر فلما التقينا لم تكن مثنوية (5) * لنا غير طعن بالمثقفة السمر وضرب ببيض يختلى الهام حدها * مشهرة الالوان بينة الاثر (6) ونحن تركنا عتبة الغى ثاويا * وشيبة في قتلى تجرجم في الجفر (7) وعمرو ثوى فيمن ثوى من حماتهم * فشقت جيوب النائحات على عمرو جيوب نساء من لؤى بن غالب * كرام تفرعن الذوائب من فهر
أولئك قوم قتلوا في ضلالهم * وخلوا لواء غير محتضر النصر لواء ضلال قاد إبليس أهله * فخاس بهم إن الخبيث إلى غدر وقال لهم إذ عاين الامر واضحا * برئت إليكم ما بى اليوم من صبر
__________
(1) أكثر ما ذكره ابن اسحق من الاشعار التى قيلت في غزوة بدر مصنوع مختلق، لا تبدو عليه مسحة ذلك العصر، كما نبه على ذلك ابن هشام، وهو من صنع بعض النظامين الذين كانوا يتصورون الحادث ثم يصوغون الاشعار على مقتضاه.
(2) أفادهم: أهلكهم.
(3) الاصل: فخافوا.
وما أثبته عن ابن هشام.
(4) رهونا: جمع رهن، والركبة: البئر التى لم تطو بالحجارة.
(5) المثنوية: أراد الرجوع.
(6) يختلى: يقطع.
والاثر: فرند السيف.
(7) تجرجم: تسقط.
والجفر: البئر لم تطو.
(*)
فإنى أرى ما لا ترون وإنني * أخاف عقاب الله والله ذو قسر فقدمهم للحين حتى تورطوا * وكان بما لم يخبر القوم ذا خبر فكانوا غداة البئر ألفا وجمعنا * ثلاث مئين كالمسدمة (1) الزهر وفينا جنود الله حين يمدنا * بهم في مقام ثم مستوضح الذكر فشد بهم جبريل تحت لوائنا * لدا مأزق فيه مناياهم تجرى وقد ذكر ابن إسحاق جوابها من الحارث بن هشام تركناها عمدا.
* * * وقال على بن أبى طالب وأنكرها ابن هشام: ألم تر أن الله أبلى رسوله * بلاء عزيز ذى اقتدار وذى فضل بما أنزل الكفار دار مذلة * فلاقوا هوانا من أسار ومن قتل فأمسى رسول الله قد عز نصره * وكان رسول الله أرسل بالعدل فجاء بفرقان من الله منزل * مبينة آياته لذوى العقل
فآمن أقوام بذاك وأيقنوا * فأمسوا بحمد الله مجتمعي الشمل وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم * فزادهم ذو العرش خبلا على خبل وأمكن منهم يوم بدر رسوله * وقوما غضابا فعلهم أحسن الفعل بأيديهم بيض خفاف عصوا بها * وقد حادثوها بالجلاء والصقل فكم تركوا من ناشئ ذى حمية * صريعا ومن ذى نجدة منهم كهل تبيت عيون النائحات عليهم * تجود بأسبال الرشاش وبالوبل (2) نوائح تنعى عتبة الغى وابنه * وشيبة تنعاه وتنعى أبا جهل وذا الرجل (3) تنعى وابن جدعان فيهم * مسلبة حرى مبينة الثكل
__________
(1) المسدم: الفحل الهائج.
والزهر: المشرقة اللون.
(2) الرشاش: المطر الضعيف.
والوبل: الكثير.
استعاره للدمع.
(3) يريد بذى الرجل الاسود بن عبد الاسد الذى قطعت رجله وهو يقتحم الحوض.
(* (
ثوى منهم في بئر بدر عصابة * ذوو نجدات في الحروب وفى المحل دعا الغى منهم من دعا فأجابه * وللغى أسباب مرمقة الوصل (1) فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل * عن الشغب والعدوان في أسفل السفل (2) وقد ذكر ابن إسحاق نقيضتها من الحارث أيضا تركناها قصدا.
* * * وقال كعب بن مالك: عجبت لامر الله والله قادر * على ما أراد ليس لله قاهر قضى يوم بدر أن نلاقى معشرا * بغوا وسبيل البغى بالناس جائر وقد حشدوا واستنفروا من يليهم * من الناس حتى جمعهم متكاثر وسارت إلينا لا تحاول غيرنا * بأجمعها كعب جميعا وعامر
وفينا رسول الله والاوس حوله * له معقل منهم عزيز وناصر وجمع بنى النجار تحت لوائه * يمشون في الماذى (3) والنقع ثائر فلما لقيناهم وكل مجاهد * لاصحابه مستبسل النفس صابر شهدنا بأن الله لا رب غيره * وأن رسول الله بالحق ظاهر وقد عريت بيض خفاف كأنها * مقاييس يزهيها لعينيك شاهر بهن أبدنا جمعهم فتبددوا * وكان يلاقى الحين من هو فاجر فكب أبو جهل صريعا لوجهه * وعتبة قد غادرته وهو عاثر وشيبة والتيمي غادرت في الوغى * وما منهم إلا بذى العرش كافر فأمسوا وقود النار في مستقرها * وكل كفور في جهنم صائر
__________
(1) مرمقة: ضعيفة واهية.
(2) ابن هشام: في أشغل الشغل.
(3) الماذى: الدرع اللينة السهلة، وتطلق على السلاح كله.
(*)
تلظى عليهم وهى قد شب حميها * بزبر الحديد والحجارة ساجر وكان رسول الله قد قال أقبلوا * فولوا وقالوا إنما أنت ساحر لامر أراد الله أن يهلكوا به * وليس لامر حمه الله زاجر وقال كعب في يوم بدر: ألا هل أتى غسان في نأى دارها * وأخبر شئ بالامور عليمها بأن قد رمتنا عن قسى عداوة * معد معا جهالها وحليمها لانا عبدنا الله لم نرج غيره * رجاء الجنان إذ أتانا زعيمها نبى له في قومه إرث عزة * وأعراق صدق هذبتها أرومها فساروا وسرنا فالتقينا كأننا * أسود لقاء لا يرجى كليمها
ضربناهم حتى هوى في مكرنا * لمنخر سوء من لؤى عظيمها فولوا ودسناهم ببيض صوارم * سواء علينا حلفها وصميمها وقال كعب أيضا: لعمر أبيكا يا بنى لؤى * على زهو لديكم وأنتحاء لما حامت فوارسكم ببدر * ولا صبروا به عند اللقاء وردناه ونور الله يجلو * دجى الظلماء عنا والغطاء رسول الله يقدمنا بأمر * من امر الله أحكم بالقضاء فما ظفرت فوارسكم ببدر * وما رجعوا إليكم بالسواء فلا تعجل أبا سفيان وارقب * جياد الخيل تطلع من كداء بنصر الله روح القدس فيها * وميكال فيا طيب الملاء * * * وقال حسان بن ثابت، قال ابن هشام ويقال هي لعبد الله بن الحارث السهمى:
مستشعرى حلق الماذى يقدمهم * جلد النحيزة ماض غير رعديد (1) أعنى رسول إله الخلق فضله * على البرية بالتقوى وبالجود وقد زعمتم بأن تحموا ذماركم * وماء بدر زعمتم غير مورود [ ثم وردنا ولم نسمع لقولكم * حتى شربنا رواء غير تصريد (2) ] مستعصمين بحبل غير منجذم * مستحكم من حبال الله ممدود فينا الرسول وفينا الحق نتبعه * حتى الممات ونصر غير محدود واف وماض شهاب يستضاء به * بدر أنار على كل الاماجيد وقال حسان بن ثابت أيضا: ألا ليت شعرى هل أتى أهل مكة * إبادتنا الكفار في ساعة العسر
قتلنا سراة القوم عند مجالنا * فلم يرجعوا إلا بقاصمة الظهر قتلنا أبا جهل وعتبة قبله * وشيبة يكبو لليدين وللنحر قتلنا سويدا ثم عتبة بعده * وطعمة أيضا عند ثائرة القتر (3) فكم قد قتلنا من كريم مسود (4) * له حسب في قومه نابه الذكر تركناهم للعاويات ينبنهم (5) * ويصلون نارا بعد حامية القعر لعمرك ما حامت فوارس مالك * وأشياعهم يوم التقينا على بدر وقال عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب في يوم بدر، في قطع رجله في مبارزته هو وحمزة وعلى مع عتبة وشيبة والوليد بن عتبة.
وأنكرها ابن هشام: ستبلغ عنا أهل مكة وقعة * يهب لها من كان عن ذاك نائيا
__________
(1) الماذى: الدروع اللينة.
والمستشعر: اللابس على جسمه بغير حاجز.
والنحيزة: الطبيعة.
والرعديد: الجبان.
(2) من ابن هشام.
(3) القتر: الغبار.
(4) ابن هشام: مرزأ.
(5) ينبنهم: يعاودنهم.
(*)
بعتبة إذ ولى وشيبة بعده * وما كان فيها بكر عتبة راضيا فإن تقطعوا رجلى فإنى مسلم * أرجى بها عيشا من الله دانيا مع الحور أمثال التماثيل أخلصت * من الجنة العليا لمن كان عاليا وبعت بها عيشا تعرفت صفوه * وعاجلته حتى فقدت الا دانيا فأكرمني الرحمن من فضل منه * بثوب من الاسلام غطى المساويا وما كان مكروها إلى قتالهم * غداة دعا الاكفاء من كان داعيا ولم يبغ إذ سألوا النبي سواءنا * ثلاثتنا حتى حضرنا المناديا لقيناهم كالاسد تخطر بالقنا * نقاتل في الرحمن من كان عاصيا
فما برحت أقدامنا من مقامنا * ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا (1) * * * وقال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت أيضا يذم الحارث بن هشام على فراره يوم بدر وتركه قومه لا يقاتل دونهم: تبلت فؤادك في المنام خريدة (2) * تشفى (3) الضجيع ببارد بسام كالمسك تخلطه بماء سحابة * أو عاتق كدم الذبيح مدام نفج الحقيبة بوصها متنضد * بلهاء غير وشيكة الاقسام (4) بنيت على قطن أجم كأنه * فضلا إذا قعدت مداك رخام (5) وتكاد تكسل أن تجئ فراشها * في جسم خرعبة (6) وحسن قوام
__________
(1) المنائيا: المنايا، فزيدت فيه الهمزة.
(2) الخريدة: الحسناء الناعمة.
(3) رواية الديوان: تسقى.
(4) نفج: عالية.
وأراد بالحقيبة الارداف.
والبوص: الردف.
ومتنضد: يعلو بعضه بعضا.
والبلهاء: الغافلة.
والاقسام: جمع قسم.
أي أنها لا تمضى قسمها.
(5) القطن: الوسط.
والاجم: الذى لا عظام فيه.
وفضلا: نصب على الحال.
والمداك: مدق الطيب.
(6) الخرعبة: الحسنة القوام.
(*) (34 - السيرة 2)
أما النهار فلا أفتر ذكرها * والليل توزعني بها أحلامي أقسمت أنساها وأترك ذكرها * حتى تغيب في الضريح عظامي بل من لعاذلة تلوم سفاهة * ولقد عصيت على الهوى لوامى بكرت إلى بسحرة بعد الكرى * وتقارب من حادث الايام زعمت بأن المرء يكرب عمره * عدم لمعتكر من الاصرام (1)
إن كنت كاذبة الذى حدثتني * فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الاحبة أن يقاتل دونهم * ونجا برأس طمرة ولجام (2) يذر العناجيج الجياد بقفرة * مر الدموك بمحصد ورجام (3) ملات به الفرجين فارمدت به * وثوى أحبته بشر مقام وبنو أبيه ورهطه في معرك * نصر الاله به ذوى الاسلام طحنتهم والله ينفذ أمره * حرب يشب سعيرها بضرام لو لا الاله وجريها لتركنه * جزر السباع ودسنه بحوامى (4) من بين مأسور يشد وثاقه * صقر إذا لاقى الاسنة حامى ومجدل لا يستجيب لدعوة * حتى تزول شوامخ الاعلام بالعار والذل المبين إذا رأى * بيض السيوف تسوق كل همام بيدى أغر إذا انتمى لم يخزه * نسب القصار سميدع (5) مقدام بيض إذا لاقت حديدا صممت * كالبرق تحت ظلال كل غمام
__________
(1) يكرب: يحزن.
والاصرام: جمع الجمع لصرمة، وهى القطعة من الابل ما بين العشرين إلى الاربعين.
والمعتكر: المختلط لا يستطاع عده.
(2) الطمرة: الفرس الجواد.
(3) العناجيج: جياد الخيل.
والدموك: البكرة السريعة المر يسقى بها على السانية.
والمحصد: الحبل المفتول.
والرجام: حجر يشد بطرف الدلو لتسرع في البئر.
يصف الفرس بسرعة الجرى.
هذا وفى الاصل: " مر الذمول " وهو تحريف.
صوابه من ابن هشام والديوان.
(4) الحوامى: ميامن الحافر ومياسره.
(5) السميدع: السيد.
(*)
قال ابن هشام: تركنا في آخرها ثلاث أبيات أقذع فيها.
قال ابن هشام: فأجابه الحارث بن هشام أخو أبى جهل عمرو بن هشام فقال: القوم (1) أعلم ما تركت قتالهم * حتى رموا فرسى (2) بأشقر مزبد
وعرفت أنى إن أقاتل واحدا * أقتل ولا ينكى عدوى مشهدى فصددت عنهم والاحبة فيهم * طمعا لهم بعقاب يوم مفسد وقال حسان أيضا: يا حار قد عولت غير معول * عند الهياج وساعة الاحساب إذ تمتطي سرح اليدين نجيبة * مرطى الجراء طويلة الاقراب (3) والقوم خلفك قد تركت قتالهم * ترجو النجاء وليس حين ذهاب ألا عطفت على ابن أمك إذ ثوى * قعص الاسنة (4) ضائع الاسلاب عجل المليك له فأهلك جمعه * بشنار مخزية وسوء عذاب وقال حسان أيضا: لقد علمت قريش يوم بدر * غداة الاسر والقتل الشديد بأنا حين تشتجر العوالي * حماة الحرب يوم أبى الوليد قتلنا أبنى ربيعة يوم سارا * إلينا في مضاعفة الحديد وفر بها حكيم يوم جالت * بنو النجار تخطر كالاسود وولت عند ذاك جموع فهر * وأسلمها الحويرث من بعيد لقد لاقيتم ذلا وقتلا * جهيزا نافذا تحت الوريد وكل القوم قد ولوا جميعا * ولم يلووا على الحسب التليد
__________
(1) ابن هشام: الله أعلم.
(2) ابن هشام: حتى حبوا مهرى.
(3) السرح: السريعة.
ومرطى الجراء: سريعة الجرى.
والاقراب جمع قرب وهو الخاصرة، أو من الشاكلة إلى مراق البطن.
(4) القعص: أن يصاب برمية فيموت مكانه.
(*)
وقالت هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب ترثى عبيدة بن الحارث بن المطلب: لقد ضمن الصفراء مجدا وسؤددا * وحلما أصيلا وافر اللب والعقل عبيدة فابكيه لاضياف غربة * وأرملة تهوى لاشعث كالجذل وبكية للاقوام في كل شتوة * إذا احمر آفاق السماء من المحل وبكية للايتام والريح زفزف * وتشبيب قدر طالما أزبدت تغلى فإن تصبح النيران قد مات ضوؤها * فقد كان يذكيهن بالحطب الجزل لطارق ليل أو لملتمس القرى * ومستنبح أضحى لديه على رسل * * * وقال الاموى في مغازيه: حدثنى سعيد بن قطن قال: قالت: عاتكة بنت عبدالمطلب في رؤياها التى رأت وتذكر بدرا: ألما تكن رؤياي حقا ويأتكم * بتأويلها فل من القوم هارب رأى فأتاكم باليقين الذى رأى * بعينيه ما تفرى السيوف القواضب فقلتم ولم أكذب عليكم وإنما * يكذبنى بالصدق من هو كاذب وما جاء إلا رهبة الموت هاربا * حكيم وقد اعيت عليه المذاهب أقامت سيوف الهند دون رءوسكم * وخطية (1) فيها الشبا والتغالب كأن حريق النار لمع ظبانها * إذا ما تعاطتها الليوث المشاغب ألا بأبى يوم اللقاء محمدا * إذا عض من عون الحروب الغوارب مرى بالسيوف المرهفات نفوسكم * كفاحا كما تمرى السحاب الجنائب (2) فكم بردت أسيافه من مليكة * وزعزع ورد بعد ذلك صالب
__________
(1) الخطية: الرماح (2) الجنائب: الرياح التى تهب جنوبا، وهو تمرى السحاب تستنزل مطره.
وأصل المرى مسح ضرع الناقة ليدر لبنها.
(*)
فما بال قتلى في القليب ومثلهم * لدى ابن أخى أسرى له ما يضارب فكانوا نساء أم أتى لنفوسهم * من الله حين ساق والحين حالب فكيف رأى عند اللقاء محمدا * بنو عمه والحرب فيها التجارب ألم يغشكم ضربا يحار لوقعة الجبان وتبذو بالنهار الكواكب حلفت لئن عادوا لنصطلينهم * بحارا تردى تجر فيها (1) المقانب كأن ضياء الشمس لمع ظباتها * لها من شعاع النور قرن وحاجب وقالت عاتكة أيضا فيما نقله الاموى: هلا صبرتم للنبى محمد * ببدر ومن يغشى الوغى حق صابر ولم ترجعوا عن مرهفات كأنها * حريق بأيدى المؤمنين بواتر ولم تصبروا للبيض حتى أخذتم * قليلا بأيدى المؤمنين المشاعر ووليتم نفرا وما البطل الذى * يقاتل من وقع السلاح بنافر أتاكم بما جاء النبيون قبله * وما ابن أخى البر الصدوق بشاعر سيكفى الذى ضيعتم من نبيكم * وينصره الحيان عمرو وعامر * * * وقال طالب بن أبى طالب يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرثى أصحاب القليب من قريش الذين قتلوا يومئذ من قومه، وهو بعد على دين قومه إذ ذاك: ألا إن عينى أنفدت دمعها سكبا * تبكى على كعب وما إن ترى كعبا ألا إن كعبا في الحروب تخاذلوا * وأرداهم ذا الدهر واجترحوا ذنبا وعامر تبكى للملمات غدوة * فيا ليت شعرى هل أرى (2) لهم قربا
__________
(1) المطبوعة: تجربتها.
وهو تحريف.
(2) ابن هشام: لهما.
(*)
[ هما أخواى لن يعدا لغية * تعد ولن يستام جارهما غصبا (1) ] فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا (2) * فدا لكما لا تبعثوا بيننا حربا ولا تصبحوا من بعد ود وألفة * أحاديث فيها كلكم يشتكى النكبا ألم تعلموا ما كان في حرب داحس * وحرب (3) أبى يكسوم إذ ملا والشعبا فلو لا دفاع الله لا شئ غيره * لاصبحتم لا تمنعون لكم سربا فما إن جنينا في قريش عظيمة * سوى أن حمينا خير من وطى التربا أخا ثقة في النائبات مرزا * كريما نثاه لا بخيلا ولا ذربا (4) يطيف به العافون يغشون بابه * يؤمون نهرا لا نزورا ولا صربا (5) فو الله لا تنفك نفسي حزينة * تململ حتى تصدقوا الخزرج الضربا فصل وقد ذكر ابن إسحاق أشعارا من جهة المشركين قوية الصنعة يرثون بها قتلاهم يوم بدر.
فمن ذلك قول ضرار بن الخطاب بن مرداس أخى بنى محارب بن فهر، وقد أسلم بعد ذلك، والسهيلى في روضه يتكلم على أشعار من أسلم منهم بعد ذلك: عجبت لفخر الاوس والحين دائر * عليهم غدا والدهر فيه بصائر وفخر بنى النجار إن كان معشر * أصيبوا ببدر كلهم ثم صائر فإن تك قتلى غودرت من رجالنا * فإنا رجالا بعدهم سنغادر
__________
(1) من ابن هشام.
(2) الاصل: ونوفل.
وهو تحريف.
(3) ابن هشام: وجيش أبى يكسوم.
(4) النثا: العطاء.
والذرب: الفاسد.
(5) الصرب: المنقطع.
(*)
وتردى بنا الجرد العناجيج (1) وسطكم * بنى الاوس حتى يشفى النفس ثائر
ووسط بنى النجار سوف نكرها * لها بالقنا والدارعين زوافر فنترك صرعى تعصب الطير حولهم * وليس لهم إلا الامانى ناصر وتبكيهم من أرض يثرب نسوة * لهن بها ليل عن النوم ساهر وذلك أنا لا تزال سيوفنا * بهن دم ممن يحاربن مائر (2) فإن تظفروا في يوم بدر فإنما * بأحمد أمسى جدكم وهو ظاهر وبالنفر الاخيار هم أولياؤه * يحامون في اللاواء (3) والموت حاضر يعد أبو بكر وحمزة فيهم * ويدعى على وسط من أنت ذاكر أولئك لا من نتجت من ديارهم * بنو الاوس والنجار حين تفاخر ولكن أبوهم من لؤى بن غالب * إذ عدت الانساب كعب وعامر هم الطاعنون الخيل في كل معرك * غداة الهياج الاطيبون الاكابر فأجابه كعب بن مالك بقصيدته التى أسلفناها وهى قوله: عجبت لامر الله والله قادر * على ما أراد ليس لله قاهر قال ابن إسحاق: وقال أبو بكر واسمه شداد بن الاسود بن شعوب.
قلت: وقد ذكر البخاري أنه خلف على امرأة أبى بكر الصديق حين طلقها الصديق وذلك لما حرم الله المشركات على المسلمين واسمها أم بكر: تحيى بالسلامة أم بكر * وهل لى بعد قومي من سلام فماذا بالقليب قليب بدر * من القينات والشرب الكرام
__________
(1) العناجيج: جياد الخيل.
(2) المائر: السائل.
(3) اللاواء: شدة البأس.
(*)
وماذا بالقليب قليب بدر * من الشيزى تكلل بالسنام (1) وكم لك بالطوى طوى بدر * من الحومات والنعم المسام (2)
وكم لك بالطوى طوى بدر * من الغايات والدسع (3) العظام وأصحاب الكريم أبى على * أخى الكأس الكريمة والندام وإنك لو رأيت أبا عقيل * وأصحاب الثنية من نعام (4) إذا لظللت من وجد عليهم * كأم السقب جائله المرام (5) يخبرنا الرسول لسوف نحيا * وكيف حياة أصداء وهام قلت: وقد أورد البخاري بعضها في صحيحه ليعرف به حال قائلها.
* * * قال ابن إسحاق: وقال أمية بن أبى الصلت يرثى من قتل من قريش يوم بدر: ألا بكيت على الكرا * م بنى الكرام أولى الممادح كبكا الحمام على فرو * ع الايك في الغصن الجوانح (6) يبكين حرى مستكي * نات يرحن مع الروائح أمثالهن الباكيا * ت المعولات من النوائح من يبكيهم يبكى على * حزن ويصدق كل مادح ماذا ببدر فالعقن * قل من مرازبة جحاجح (7) فمدافع البرقين فالحنان من طرف الاواشح (8)
__________
(1) الشيزى: جفان من خشب.
والسنام لحم ظهر البعير.
وأراد أصحابها المطعمين فيها.
(2) الحومات: جمع حومة، وهو القطعة من الابل.
(3) الدسع: العطايا.
(4) النعام: موضع.
(5) السقب: ولد الناقة حين تضعه.
(6) الجوانح: الموائل.
(7) العقنقل: الكثيب المنعقد من الرمل.
والمرازبة: الرؤساء.
والجحاجح: السادة.
(8) البرقين والحنان والاواشح: مواضع.
(*)
شمط وشبان بها * ليل مغاوير وحاوح (1)
ألا ترون لما أرى * ولقد أبان لكل لامح أن قد تغير بطن مكة فهى موحشة الاباطح من كل بطريق لبطريق نقى الود (2) واضح دعموص أبواب الملو * ك وجائب للخرق فاتح (3) ومن السراطمة الخلا * جمة الملاوثة المناجح (4) القائلين الفاعل * ين الآمرين بكل صالح المطعمين الشحم فو * ق الخبز شحما كالانافح (5) نقل الجفان مع الجفا * ن إلى جفان كالمناضح (6) ليست بأصفار لمن * يعفو ولا رح رحارح (7) للضيف ثم الضيف بعد الضيف والبسط السلاطح (8) وهب المئين من المئي * ن إلى المئين من اللواقح سوق المؤبل للمؤبل صادرات عن بلادح (9) لكرامهم فوق الكرا * م مزية وزن الرواجح كمثاقل الارطال بال * قسطاس بالايدي الموائح خذلتهم فئة وهم * يحمون عورات الفضائح
__________
(1) الوحاوح: جمع وحواح وهو القوى.
(2) ابن هشام: نقى اللون.
(3) الدعموص: دويبة تغوص في الماء.
يصفهم بكثرة الدخول على الملوك.
والخرق: الفلاة الواسعة.
(4) السرامطة: جمع سرطم وهو الواسع الحلق.
والخلاجمة: جمع خلجم وهو الضخم الطويل.
(5) الانافح جمع إنفحة.
وهو شجر كالباذنجان.
والانفحة أيضا: شئ يستخرج من بطن الجدى الرضيع أصفر فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن.
(6) المناضح: الحياض.
(7) الرح: الجفان الواسعة.
والرحارح: جمع رحراح، وهو الواسع
المنبسط، يريد أنها عميقة.
(8) السلاطح: العريضة.
(9) بلادح: موضع.
(*)
الضاربين التقدمي * ة بالمهندة الصفائح (1) ولقد عناني صوتهم * من بين مستسق وصائح لله در بنى على أيم منهم وناكح إن لم يغيروا غارة * شعواء تحجر كل نابح بالمقربات المبعدا * ت الطامحات مع الطوامح مردا على جرد إلى * أسد مكالبة كوالح (2) ويلاق قرن قرنه * مشى المصافح للمصافح بزهاء ألف ثم أل * ف بين ذى بدن ورامح قال ابن هشام: تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * * قلت: هذا شعر المخذول المعكوس المنكوس، الذى حمله كثرة جهله وقلة عقله على أن مدح المشركين وذم المؤمنين.
واستوحش بمكة من أبى جهل بن هشام وأضرابه من الكفرة اللئام والجهلة الطغام ولم يستوحش بها من عبدالله ورسوله وحبيبه وخليله، فخر البشر ومن وجهه أنور من القمر، ذى العلم الاكمل والعقل الاشمل، ومن صاحبه الصديق المبادر إلى التصديق، والسابق إلى الخيرات وفعل المكرمات، وبذل الالوف والمئات في طاعة رب الارض والسموات.
وكذلك بقية أصحابه الغر الكرام، الذين هاجروا من دار الكفر والجهل إلى
__________
(1) التقدمية: المقدمة.
يصفهم بالتقدم في القتال أول الجيش.
(2) المكالبة: بهم الشرة والحدة.
والكوالح: جمع كالح.
وهو المتجهم العابس.
(*)
دار العلم والاسلام.
رضى الله عن جميعهم ما اختلط الضياء والظلام.
وما تعاقبت الليالى والايام.
وقد تركنا أشعارا كثيرة أوردها ابن إسحاق رحمه الله خوف الاطالة وخشية الملالة.
وفيما أوردنا كفاية.
ولله الحمد والمنة.
وقد قال الاموى في مغازيه: سمعت أبى، حدثنا سليمان بن أرقم، عن ابن سيرين، عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عن شعر الجاهلية.
قال سليمان: فذكر ذلك الزهري فقال: عفا عنه إلا قصيدتين، كلمة أمية التى ذكر فيها أهل بدر، وكلمة الاعشى التى يذكر فيها الاخوص.
وهذا حديث غريب، وسليمان بن أرقم هذا متروك.
والله أعلم.
فصل في غزوة بنى سليم في سنة ثنتين من الهجرة النبوية قال ابن إسحاق: وكان فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر في عقب شهر رمضان، أو في شوال.
ولما قدم المدينة لم يقم بها إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بنى سليم.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، أو ابن أم مكتوم الاعمى.
قال ابن إسحاق: فبلغ ماء من مياههم يقال له الكدر، فأقام عليه ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا، فأقام بها بقية شوال وذا القعدة، وأفدى في إقامته تلك جل
الاسارى من قريش.
فصل [ في ] غزوة السويق في ذى الحجة منها، وهى غزوة قرقرة الكدر قال السهيلي: والقرقرة: الارض الملساء.
والكدر: طير في ألوانها كدرة.
قال ابن إسحاق: وكان أبو سفيان كما حدثنى محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد بن رومان، ومن لا أتهم، عن عبدالله بن كعب بن مالك، وكان من أعلم الانصار، حين رجع إلى مكة ورجع فل قريش من بدر، نذر ألا يمس رأسة ماء من جنابة حتى يغزو محمدا.
فخرج في مائتي راكب من قريش لتبر يمينه، فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له نيب من المدينة على بريد أو نحوه.
ثم خرج من الليل حتى أتى بنى النضير تحت الليل فأتى حيى بن أخطب فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له وخافه، فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم، وكان سيد بنى النضير في زمانه ذلك وصاحب كنزهم، فاستأذن عليه فأذن له فقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس.
ثم خرج في عقب ليله حتى أتى أصحابه، فبعث رجالا من قريش، فأتوا ناحية منها يقال لها العريض فحرقوا في أصوار من نخل بها، ووجدوا رجلا من الانصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما، وانصرفوا راجعين.
فنذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة أبا لبابة بشير بن عبد المنذر.
قال ابن إسحاق: فبلغ قرقرة الكدر، ثم انصرف راجعا وقد فاته أبو سفيان وأصحابه.
ووجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أزوادا كثيرة قد ألقاها المشركون يتخففون منها وعامتها سويق، فسميت غزوة السويق.
قال المسلمون: يا رسول الله أنطمع أن تكون هذه لنا غزوة ؟ قال: نعم.
قال ابن إسحاق: وقال أبو سفيان فيما كان من أمره هذا، ويمدح سلام بن مشكم اليهودي: وإنى تخيرت المدينة واحدا * لحلف فلم أندم ولم أتلوم سقاني فروانى كميتا (1) مدامة * على عجل منى سلام (2) بن مشكم ولما تولى الجيش قلت ولم أكن * لافرحه (3): أبشر بعز ومغنم تأمل فإن القوم سر وإنهم * صريح لؤى لا شماطيط (4) جرهم وما كان إلا بعض ليلة راكب * أتى ساعيا من غير خلة معدم فصل في دخول على بن أبى طالب رضى الله عنه على زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في سنة ثنتين بعد وقعة بدر، لما رواه البخاري ومسلم من طريق الزهري، عن على بن الحسين، عن أبيه الحسين بن على، عن على بن أبى طالب قال: كانت لى شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا مما أفاء الله من الخمس يومئذ، فلما أردت أبتنى فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم واعدت رجلا
__________
(1) الكميت: الخمر التى فيها سواد وحمرة.
(2) خففت اللام لضرورة الشعر.
(3) لافرحه: لاثقل عليه.
(4) الشماطيط: القوم المفرقة.
(*)
صواغا من بنى قينقاع أن يرتحل معى فنأتي بإذخر، فأردت أن أبيعه من الصواغين فأستعين به في وليمة عرسي، فبينا أنا أجمع لشارفى من الاقتاب والغرائر والحبال، وشارفاى مناختان إلى جنب حجرة رجل من الانصار حتى جمعت ما جمعت، فإذا أنا بشار في قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عينى حين رأت المنظر، فقلت: من فعل هذا ؟ قالوا: فعله حمزة بن عبدالمطلب، وهو في هذا البيت وهو في شرب من الانصار وعنده قينته وأصحابه، فقالت في غنائها: * ألا يا حمز للشرف النواء * فوثب حمزة إلى السيف فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما.
قال على: فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم الذى لقيت، فقال: ما لك ؟ فقلت: يا رسول الله ما رأيت كاليوم ! عدا حمزة على ناقتي فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما، وها هو ذا في البيت معه شرب.
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتداه، ثم انطلق يمشى واتبعته أنا وزيد بن حارثة، حتى جاء البيت الذى فيه حمزة فاستأذن عليه فأذن له، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه، فنظر حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم، صعد النطر فنظر إلى ركبتيه ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لابي ! فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل، فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى فخرج وخرجنا معه.
هذا لفظ البخاري في كتاب المغازى، وقد رواه في أماكن أخر من صحيحه بألفاظ كثيرة.
وفى هذا دليل على ما قدمناه من أن غنائم بدر قد خمست، لا كما زعمه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الاموال " من أن الخمس إنما نزل بعد قسمتها، وقد خالفه في ذلك جماعة منهم البخاري وابن جرير، وبينا غلطه في ذلك في التفسير وفيما تقدم والله أعلم.
وكان هذا الصنع من حمزة وأصحابه رضى الله عنهم قبل أن تحرم الخمر، بل قد قتل حمزة يوم أحد كما سيأتي، وذلك قبل تحريم الخمر.
والله أعلم.
وقد يستدل بهذا الحديث من يرى أن عبارة السكران مسلوبة لا تأثير لها لا في طلاق ولا إقرار ولا غير ذلك، كما ذهب إليه من ذهب من العلماء، كما هو مقرر في كتاب الاحكام.
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن ابن أبى نجيح، عن أبيه، عن رجل سمع عليا يقول: أردت أن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فقلت: ما لى من شئ، ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبتها إليه، فقال: " هل لك من شئ ؟ " قلت: لا قال: " فأين درعك الحطمية (1) التى أعطيتك يوم كذا وكذا ؟ قال: هي عندي.
قال فأعطنيها.
قال: فأعطيتها إياه.
هكذا رواه أحمد في مسنده، وفيه رجل مبهم.
وقد قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، حدثنا عبدة، حدثنا سعيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما تزوج على فاطمة رضى الله عنهما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطها شيئا.
قال: ما عندي شئ.
قال: أين درعك الحطمية ؟ ورواه النسائي، عن هارون بن إسحاق، عن عبدة بن سليمان، عن سعيد بن أبى عروبة عن أيوب السختيانى به.
__________
(1) منسوبة إلى بطن من عبدالقيس يقال لهم حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع.
(*)
وقال أبو داود: حدثنا كثير بن عبيد الحمصى، حدثنا أبو حيوة، عن شعيب بن ابى حمزة، حدثنى غيلان بن أنس، من أهل حمص، حدثنى محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن عليا لما تزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئا، فقال: يا رسول الله ليس لى شئ.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أعطها درعك " فأعطاها درعه ثم دخل بها.
وقال البيهقى في الدلائل: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الاصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثنى عبدالله بن أبى نجيح، عن مجاهد، عن على، قال: خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت مولاة لى: هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: لا.
قالت: فقد خطبت، فما يمنعك أن تأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيزوجك.
فقلت: وعندي شئ أتزوج به ! فقالت: إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجك.
قال: فو الله ما زالت ترجينى حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما أن قعدت بين يديه أفحمت فو الله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما جاء بك ؟ ألك حاجة ؟ " فسكت فقال: " لعلك جئت تخطب فاطمة ؟ "، فقلت: نعم.
فقال: " وهل عندك من شئ تستحلها به ؟ " فقلت: لا والله يا رسول الله.
فقال " ما فعلت درع سلحتكها ؟ ".
فو الذى نفس على بيده إنها لحطمية ما قيمتها أربعة دراهم، فقلت: عندي.
فقال: " قد زوجتكها فابعث إليها بها فاستحلها بها ".
فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: فولدت فاطمة لعلى حسنا وحسينا ومحسنا - مات صغيرا - وأم كثلوم وزينب.
ثم روى البيهقى من طريق عطاء بن السائب، عن أبيه عن على قال: جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل وقربة ووسادة أدم حشوها إذخر.
ونقل البيهقى عن كتاب المعرفة لابي عبدالله بن منده، أن عليا تزوج فاطمة بعد سنة من الهجرة وابتنى بها بعد ذلك بسنة أخرى.
قلت: فعلى هذا يكون دخوله بها في أوئل السنة الثالثة من الهجرة، فظاهر سياق حديث الشارفين يقتضى أن ذلك عقب وقعة بدر بيسير، فيكون ذلك كما ذكرناه في أواخر السنة الثانية.
والله أعلم.
فصل في ذكر جمل من الحوادث في سنة ثنتين من الهجرة تقدم ما ذكرناه من تزويجه عليه السلام بعائشة أم المؤمنين رضى الله عنها، وذكرنا ما سلف من الغزوات المشهورة، وقد تضمن ذلك وفيات أعيان من المشاهير من المؤمنين والمشركين.
فكان ممن توفى فيها: الشهداء يوم بدر، وهم أربعة عشر ما بين مهاجري وأنصاري، تقدم تسميتهم، والرؤساء من مشركي قريش وقد كانوا سبعين رجلا على المشهور، وتوفى بعد الوقعة بيسير أبو لهب عبدالعزى بن عبدالمطلب، لعنه الله.
كما تقدم.
ولما جاءت البشارة إلى المؤمنين من أهل المدينة مع زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة بما أحل الله بالمشركين وبما فتح على المؤمنين، وجدوا رقية بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد توفيت وساروا عليها التراب.
وكان زوجها عثمان بن عفان قد أقام عندها يمرضها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك.
ولهذا ضرب له بسهمه في مغانم بدر وأجره عند الله يوم القيامة.
(35 - السيرة - 2)
ثم زوجه بأختها الاخرى أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان يقال لعثمان بن عفان ذو النورين.
ويقال: إنه لم يغلق أحد على ابنتى نبى واحدة بعد الاخرى غيره رضى الله عنه وأرضاه.
وفيها حولت القبلة كما تقدم، وزيد في صلاة الحضر، على ما سلف.
وفيها فرض الصيام، صيام رمضان، كما تقدم.
وفيها فرضت الزكاة ذات النصب وفرضت زكاة الفطر.
وفيها خضع المشركون من أهل المدينة واليهود الذين هم بها من بنى قينقاع وبنى النضير وبنى قريظة ويهود بنى حارثة وصانعوا المسلمين، وأظهر الاسلام طائفة كثيرة من المشركين واليهود وهم في الباطن منافقون، منهم من هو على ما كان عليه، ومنهم من انحل بالكلية فبقى مذبذبا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كما وصفهم الله في كتابه.
قال ابن جرير: وفيها كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعاقل (1) وكانت معلقة بسيفه.
قال ابن جرير: وقيل إن الحسن بن على ولد فيها.
قال: وأما الواقدي فإنه زعم أن ابن أبى سبرة حدثه عن إسحاق بن عبدالله عن أبى جعفر، أن على بن أبى طالب بنى بفاطمة في ذى الحجة منها.
قال: فإن كانت هذه الرواية صحيحة فالقول الاول باطل.
وإلى هنا ينتهى الجزء الثاني من السيرة النبوية لابن كثير
ثم زوجه بأختها الاخرى أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان يقال لعثمان بن عفان ذو النورين.
ويقال: إنه لم يغلق أحد على ابنتى نبى واحدة بعد الاخرى غيره رضى الله عنه وأرضاه.
وفيها حولت القبلة كما تقدم، وزيد في صلاة الحضر، على ما سلف.
وفيها فرض الصيام، صيام رمضان، كما تقدم.
وفيها فرضت الزكاة ذات النصب وفرضت زكاة الفطر.
وفيها خضع المشركون من أهل المدينة واليهود الذين هم بها من بنى قينقاع وبنى النضير وبنى قريظة ويهود بنى حارثة وصانعوا المسلمين، وأظهر الاسلام طائفة كثيرة من المشركين واليهود وهم في الباطن منافقون، منهم من هو على ما كان عليه، ومنهم من انحل بالكلية فبقى مذبذبا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كما وصفهم الله في كتابه.
قال ابن جرير: وفيها كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعاقل (1) وكانت معلقة بسيفه.
قال ابن جرير: وقيل إن الحسن بن على ولد فيها.
قال: وأما الواقدي فإنه زعم أن ابن أبى سبرة حدثه عن إسحاق بن عبدالله عن أبى جعفر، أن على بن أبى طالب بنى بفاطمة في ذى الحجة منها.
قال: فإن كانت هذه الرواية صحيحة فالقول الاول باطل.
وإلى هنا ينتهى الجزء الثاني من السيرة النبوية لابن كثير ويليه الجزء الثالث، وأوله سنة ثلاث من الهجرة
__________
(1) كتب الرسول بين قريش والانصار كتابا فيه: أنهم يتعاقلون بينهم معاقلهم الاولى، أي يكونون على ما كانوا عليه في الديات.
(*)
السيرة النبوية - ابن كثير ج 3
السيرة النبوية
ابن كثير ج 3
السيرة النبوية للامام أبى الفداء إسماعيل بن كثير 701 - 774 ه تحقيق مصطفى عبد الواحد الجزء الثالث 1293 ه = 1976 م دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع هاتف 236769 - 246161 ص.
ب 5769 بيروت - لبنان
جميع الحقوق محفوطة
بسم الله الرحمن الرحيم سنة ثلاث من الهجرة في أولها كانت غزوة نجد ويقال لها غزوة ذى أمر.
قال ابن إسحاق: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق أقام بالمدينة بقية ذى الحجة أو قريبا منها، ثم غزا نجدا يريد غطفان، وهى غزوة ذى أمر (1).
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة عثمان بن عفان.
قال ابن إسحاق: فأقام بنجد صفرا كله، أو قريبا من ذلك، ثم رجع ولم يلق كيدا.
وقال الواقدي: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان من بنى ثعلبة ابن محارب تجمعوا بذى أمر يريدون حربه، فخرج إليهم من المدينة يوم الخميس لثنتى عشرة خلت من ربيع الاول سنة ثلاث، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان، فغاب أحد عشر يوما، وكان معه أربعمائة وخمسون رجلا.
وهربت منه الاعراب في رءوس الجبال حتى بلغ ماء يقال له ذو أمر فعسكر به، وأصابهم مطر كثير فابتلت ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل تحت شجرة هناك ونشر ثيابه لتجف، وذلك بمرأى من المشركين، واشتغل المشركون في شئونهم.
__________
(1) ذو أمر: موضع من ديار غطفان.
وقال ابن سعد: بناحية النخيل.
(*)
فبعث المشركون رجلا شجاعا منهم يقال له غورث بن الحارث أو دعثور بن الحارث فقالوا: قد أمكنك الله من قتل محمد.
فذهب ذلك الرجل ومعه سيف صقيل، حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهورا، فقال: يا محمد من يمنعك منى اليوم ؟ قال: الله.
ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده.
فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من يمنعك منى ؟ قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله لا أكثر عليك جمعا أبدا.
فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه.
فلما رجع إلى أصحابه فقالوا: ويلك، مالك ؟ فقال: نظرت إلى رجل طويل فدفع في صدري فوقعت لظهري فعرفت أنه ملك، وشهدت أن محمدا رسول الله، والله لا أكثر عليه جمعا.
وجعل يدعو قومه إلى الاسلام.
قال: ونزل في ذلك قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم (1) " الآية.
قال البيهقى: وسيأتى في غزوة ذات الرقاع قصة تشبه هذه، فلعلهما قصتان.
قلت: إن كانت هذه محفوظة فهى غيرها قطعا، لان ذلك الرجل اسمه غورث ابن الحارث أيضا لم يسلم بل استمر على دينه، ولم يكن عاهد النبي صلى الله عليه وسلم ألا يقاتله.
والله أعلم.
غزوة الفرع من بحران قال ابن إسحاق: فأقام بالمدينة ربيعا الاول كله أو إلا قليلا منه ثم غدا (2)
__________
(1) سورة المائدة 11.
(2) ابن هشام: ثم غزا.
(*)
يريد قريشا، قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.
قال ابن إسحاق: حتى بلغ بحران (1)، وهو معدن بالحجاز من ناحية الفرع (2).
وقال الواقدي: إنما كانت غيبته عليه السلام عن المدينة عشرة أيام.
فالله أعلم.
خبر يهود بنى قينقاع من أهل المدينة وقد زعم الواقدي أنها كانت في يوم السبت النصف من شوال سنة ثنتين من الهجرة.
فالله أعلم.
وهم المرادون بقوله تعالى: " كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم " (3).
قال ابن إسحاق: وقد كان فيما بين ذلك من غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بنى قينقاع.
قال: وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم في سوقهم ثم قال: يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا، فإنكم قد
عرفتم أنى نبى مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم.
فقالوا: يا محمد إنك ترى أنا قومك ؟ ! لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس.
قال ابن إسحاق: فحدثني مولى لزيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير، وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما نزلت هؤلاء الآيات إلا فيها: " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد.
قد كان لكم آية في فئتين التقتا " يعنى أصحاب بدر
__________
(1) بحران: بضم الباء وفتحها وهى أول قرية مارت اسماعيل وأمه التمر بمكة.
(2) الفرع: بضم الفاء والراء وفى المواهب بفتحهما.
(3) سورة الحشر 15.
(*)
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش: " فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء، إن في ذلك لعبرة لاولى الابصار (1) ".
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن بنى قينقاع كانوا أول يهود نقضوا العهد وحاربوا فيما بين بدر وأحد.
قال ابن هشام: فذكر عبدالله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبى عون، قال: كان [ من (2) ] أمر بنى قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بنى قينقاع، وجلست إلى صائغ هناك منهم فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها، فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهوديا، فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فأغضب (2) المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بنى قينقاع.
* * *
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه.
فقام إليه عبدالله بن أبى بن سلول حين أمكنه الله منهم فقال: يا محمد أحسن في موالى.
وكانوا حلفاء الخزرج.
قال: فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد أحسن في موالى فأعرض عنه.
قال: فأدخل يده في جيب درع النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام: وكان يقال لها ذات الفضول.
فقال له رسول الله صلى الله
__________
(1) سورة آل عمران 13.
(2) من ابن هشام.
(3) ابن هشام: فغضب.
(*)
عليه وسلم: أرسلني.
وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا ثم قال: ويحك أرسلني.
قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد منعوني من الاحمر والاسود، تحصدهم في غداة واحدة ! إنى والله امرؤ أخشى الدوائر.
قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك.
قال ابن هشام: واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في محاصرته إياهم أبا لبابة بشير بن عبد المنذر، وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة.
قال ابن إسحاق: وحدثني أبى، عن عبادة بن الوليد، عن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبدالله بن أبى وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من بنى عوف له من حلفهم مثل الذي لهم من عبدالله بن أبى، فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وقال: يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم.
قال: وفيه وفى عبدالله بن أبى نزلت الآيات من المائدة: " يا أيها الذين آمنوا
لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض " الآيات حتى قوله: " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة " يعنى عبدالله ابن أبى إلى قوله " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " يعنى عبادة بن الصامت.
وقد تكلمنا على ذلك في التفسير.
سرية زيد بن حارثة إلى عير قريش (1) صحبة أبى سفيان أيضا، وقيل صحبة صفوان قال يونس بن (2) بكير، عن ابن إسحاق: وكانت بعد وقعة بدر بستة أشهر.
قال ابن إسحاق: وكان من حديثها أن قريشا خافوا طريقهم التى كانو يسلكون إلى الشام حين كان من وقعة بدر ما كان، فسلكوا طريق العراق، فخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان ومعه فضة كثيرة، وهى عظم تجارتهم، واستأجروا رجلا من بكر بن وائل يقال له فرات بن حيان، يعنى العجلى حليف بنى سهم، ليدلهم على تلك الطريق.
قال ابن إسحاق: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، فلقيهم على ماء يقال له القردة (3)، فأصاب تلك العير وما فيها وأعجزه الرجال، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال في ذلك حسان بن ثابت: دعوا فلجات الشام قد حال دونها * جلاد كأفواه المخاض الاوارك (4) بأيدى رجال هاجروا نحو ربهم * وأنصاره حقا وأيدي الملائك إذا سلكت للغور من بطن عالج * فقولا لها ليس الطريق هنالك (5) قال ابن هشام: وهذه القصيدة في أبيات لحسان، وقد أجابه فيها أبو سفيان ابن الحارث.
وقال الواقدي: كان خروج زيد بن حارثة في هذه السرية مستهل جمادى الاولى
على رأس ثمانية وعشرين شهرا من الهجرة، وكان رئيس هذه العير صفوان بن أمية.
__________
(1) ابن هشام: إلى القردة.
(2) الاصل: عن بكير.
وهو تحريف.
(3) القردة: ماء من مياه نجد.
(4) الفلجات جمع فلجة، وهى النهر الصغير.
وقال السهيلي: الفلجات جمع فلج وهو العين الجارية.
قال: والمخاض: واحدتها خلفة من غير لفظها، وهى الحامل، وقد قيل في الواحد: ماخض.
والاوارك: التى رعت الاراك واشتكت من أكله.
(5) الغور: ما انخفض من الارض.
وعالج: موضع كثير الرمل.
(*)
وكان سبب بعثه زيد بن حارثة أن نعيم بن مسعود قدم المدينة ومعه خبر هذه العير وهو على دين قومه، واجتمع بكنانة بن أبى الحقيق في بنى النضير ومعهم سليط بن النعمان من أسلم، فشربوا، وكان ذلك قبل أن تحرم الخمر، فتحدث بقضية العير نعيم بن مسعود وخروج صفوان بن أمية فيها وما معه من الاموال، فخرج سليط من ساعته فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث من وقته زيد بن حارثة فلقوهم فأخذوا الاموال وأعجزهم الرجال، وإنما أسروا رجلا أو رجلين، وقدموا بالعير فخمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ خمسها عشرين ألفا، وقسم أربعة أخماسها على السرية.
وكان فيمن أسر الدليل فرات بن حيان، فأسلم.
رضى الله عنه.
قال ابن جرير: وزعم الواقدي أن في ربيع من هذه السنة تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخلت عليه في جمادى الآخرة منها.
مقتل كعب بن الاشرف اليهودي وكان من بنى طئ، ثم أحد بنى نبهان ولكن أمه من بنى النضير.
هكذا ذكره ابن إسحاق قبل جلاء بنى النضير، وذكره البخاري والبيهقي بعد قصة بنى النضير، والصحيح ما ذكره ابن إسحاق، لما سيأتي، فإن بنى النضير إنما كان أمرها بعد وقعة أحد، وفى محاصرتهم حرمت الخمر كما سنبينه بطريقه إن شاء الله.
قال البخاري في صحيحه: " قتل كعب بن الاشرف " حدثنا على بن عبدالله،
حدثنا سفيان، قال عمرو: سمعت جابر بن عبدالله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لكعب بن الاشرف ؟ فإنه قد آذى الله ورسوله.
فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله ؟ قال: نعم.
قال: فأذن لى أن أقول شيئا.
قال: قل.
فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وإنه قد عنانا (1) وإنى قد أتيتك أستسلفك.
قال: وأيضا والله لتملنه.
قال: إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شئ يصير شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا (2).
قال: نعم أرهنوني.
قلت: أي شئ تريد ؟ قال: أرهنوني نساءكم.
فقالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب ! قال: فأرهنونى أبناءكم.
قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين ! هذا عار علينا، ولكن نرهنك اللامة.
قال سفيان: يعنى السلاح (3).
فواعده أن يأتيه ليلا، فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة (4) وهو أخو كعب من الرضاعة، فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة ؟ وقال غير عمرو (5): قالت: أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم.
قال: إنما هو أخى محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لو دعى إلى طعنة بليل لاجاب ! قال: ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين، فقال: إذا ما جاء فإبى مائل (6) بشعره فأشمه، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه.
وقال: مرة، ثم أشمكم (7).
فنزل إليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح الطيب فقال (8): ما رأيت كاليوم ريحا، أي أطيب.
وقال غير عمرو: قال (9): عندي أعطر نساء العرب
وأجمل العرب.
__________
(1) عنانا: أتعبنا.
(2) زاد في بعض روايات البخاري: وسقا أو وسقين.
(3) اللامه في اللغة: الدرع.
وإطلاق السلاح عليها من إطلاق اسم الكل على البعض.
وقصدوا من ذلك ألا ينكر عليهم السلاح حين يأتونه به.
(4) هو سلكان بن سلامة.
(5) غير عمرو: أي رواية أخرى غير رواية عمرو بن دينار.
(6) وتروى: قائل بشعره.
أي آخذ.
(7) أشمكم: أمكنكم من الشم.
(8) أي محمد بن مسلمة.
(9) أي كعب.
(*)
قال عمرو: فقال: أتأذن لى أن أشم رأسك ؟ قال: نعم.
فشمه ثم أشم أصحابه، ثم قال: أتأذن لى ؟ قال: نعم.
فلما أستمكن منه قال: دونكم.
فقتلوه.
ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه.
* * * وقال محمد بن إسحاق: كان من حديث كعب بن الاشرف، وكان رجلا من طئ ثم أحد بنى نبهان وأمه من بنى النضير، أنه لما بلغه الخبر عن مقتل أهل بدر حين قدم زيد بن حارثة و عبدالله بن رواحة، قال: والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الارض خير من ظهرها.
فلما تيقن عدو الله الخبر خرج إلى مكة، فنزل على المطلب بن أبى وداعة بن ضبيرة السهمى، وعنده عاتكة بنت أبى العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فأنزلته وأكرمته، وجعل يحرض على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الاشعار ويندب من قتل من المشركين يوم بدر.
فذكر ابن إسحاق قصيدته التى أولها: طحنت رحى بدر لمهلك أهله * ولمثل بدر تستهل وتدمع وذكر جوابها من حسان بن ثابت رضى الله عنه ومن غيره.
ثم عاد إلى المدينة فجعل يشبب بنساء المسلمين ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقال موسى بن عقبة: وكان كعب بن الاشرف أحد بنى النضير أو فيهم، قد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء وركب إلى قريش فاستغراهم، وقال له أبو سفيان وهو بمكة: أناشدك أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه ؟ وأينا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق ؟ إنا نطعم الجزور الكوماء ونسقى اللبن على الماء ونطعم ما هبت الشمال.
فقال له كعب بن الاشرف: أنتم أهدى منهم سبيلا ! قال فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا " وما بعدها.
قال موسى ومحمد بن إسحاق: وقدم المدينة يعلن بالعداوة ويحرض الناس على الحرب، ولم يخرج من مكة حتى أجمع أمرهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يشبب بأم الفضل بن الحارث وبغيرها من نساء المسلمين.
قال ابن إسحاق: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حدثنى عبدالله بن المغيث ابن أبى بردة: من لابن الاشرف ؟ فقال له محمد بن مسلمة أخو بنى عبد الاشهل: أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله.
قال: فافعل إن قدرت على ذلك.
قال: فرجع محمد بن مسلمة، فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق نفسه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال له: لم تركت الطعام
والشراب ؟ فقال: يا رسول الله قلت لك قولا لا أدرى هل أفى لك به أم لا.
قال: إنما عليك الجهد.
قال: يا رسول الله، إنه لا بد لنا أن نقول.
قال: فقولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك.
قال: فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسلكان بن سلامة بن وقش، وهو أبو نائلة أحد بنى عبد الاشهل، وكان أخا كعب بن الاشرف من الرضاعة، وعبد ؟ بن بشر بن
وقش أحد بنى عبد الاشهل، والحارث بن أوس بن معاذ أحد بنى عبد الاشهل وأبو عبس بن جبر أخو بنى حارثة.
قال: فقدموا بين أيديهم إلى عدو الله كعب سلكان بن سلامة أبا نائلة، فجاءه فتحدث معه ساعة فتناشدا شعرا، وكان أبو نائلة يقول الشعر، ثم قال: ويحك يابن الاشرف ! إنى قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عنى.
قال: أفعل.
قال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء، عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبيل، حتى ضاع العيال وجهدت الانفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا.
فقال كعب: أنا ابن الاشرف ! أما والله لقد كنت أخبرك يابن سلامة أن الامر يصير إلى ما أقول.
فقال له سلكان: إنى قد أرذت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك وتحسن في ذلك.
قال: ترهنوني أبناءكم ؟ قال: لقد أردت أن تفضحنا، إن معى أصحابا لى على مثل رأيى، وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء.
وأراد سلكان ألا ينكر السلاح إذا جاءوا بها.
فقال: إن في الحلقة لوفاء.
قال: فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره، وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه، فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: فحدثني ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال: " انطلقوا على
اسم الله، اللهم أعنهم " ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته وهو في ليلة مقمرة، فانطلقوا حتى انتهوا إلى حصنه.
فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفته، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: أنت امرؤ محارب، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة، قال: إنه أبو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني.
فقالت: والله إنى لاعرف في صوته الشر.
قال: يقول لها كعب: لو دعى الفتى لطعنة أجاب ! فنزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه، ثم قالوا: هل لك يا ابن الاشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا هذه ؟ قال: إن شئتم.
فخرجوا فمشوا ساعة.
ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه، ثم شم يده فقال: ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط.
ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفودى رأسه ثم قال: اضربوا عدو الله ! فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا.
قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولا (1) في سيفى فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نار، قال: فوضعته في ثنته (2) ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته (3)، فوقع عدو الله.
وقد أصيب الحارث بن أوس بجرح في رجله أو في رأسه أصابه بعض سيوفنا.
قال: فخرجنا حتى سلكنا على بنى أمية بن زيد ثم على بنى قريظة ثم على بعاث، حتى أسندنا في حرة العريض، وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ونزفه الدم، فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارنا فاحتملناه، فجئنا به رسول الله الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلى، فسلمنا عليه، فخرج إلينا فأخبرناه بقتل عدو الله وتفل رسول الله صلى
__________
(1) المغول: فصل طويل.
(2) الثنة: ما بين السرة والعانة.
(3) الاكتفا: غايته.
(*)
الله عليه وسلم على جرح صاحبنا، ورجعنا إلى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود بوقعتنا بعدو الله، فليس بها يهودى إلا وهو خائف على نفسه.
قال ابن جرير: وزعم الواقدي أنهم جاءوا برأس كعب بن الاشرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: وفى ذلك يقول كعب بن مالك: فغودر منهم كعب صريعا * فذلت بعد مصرعه النضير على الكفين ثم وقد علته * بأيدينا مشهرة ذكور بأمر محمد إذ دس ليلا * إلى كعب أخا كعب يسير فما كره فأنزله بمكر * ومحمود أخو ثقة جسور قال ابن هشام: وهذه الابيات في قصيدة له في يوم بنى النضير ستأتي.
قلت: كان قتل كعب بن الاشرف على يدى الاوس بعد وقعة بدر، ثم إن الخزرج قتلوا أبا رافع بن أبى الحقيق بعد وقعة أحد، كما سيأتي بيانه إن شاء الله وبه الثقة.
وقد أورد ابن إسحاق شعر حسان بن ثابت: لله در عصابة لاقيتهم * يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الاشرف يسرون بالبيض الخفاف إليكم * مرحا كأسد في عرين مغرف
حتى أتوكم في محل بلادكم * فسقوكم حتفا ببيض ذفف مستبصرين لنصر دين نبيهم * مستصغرين لكل أمر مجحف قال محمد بن إسحاق: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه ".
فوثب عند ذلك محيصة بن مسعود الاوسي على ابن سنينة، رجل من تجار يهود
كان يلابسهم ويبايعهم، فقتله، وكان أخوه حويصة بن مسعود أسن منه ولم يسلم بعد، فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول: أي عدو الله أقتلته ؟ ! أما والله لرب شحم في بطنك من ماله ! قال محيصة: فقلت والله لقد أمرنى بقتله من لو أمرنى بقتلك لضربت عنقك ! قال: فو الله إن كان لاول إسلام حويصة وقال: والله لو أمرك محمد بقتلى لتقتلني ؟ قال: نعم، والله لو أمرنى بضرب عنقك لضربتها ! قال: فو الله إن دينا بلغ بك هذا لعجب ! فأسلم حويصة.
قال ابن إسحاق: حدثنى بهذا الحديث مولى لبنى حارثة عن ابنة محيصة، عن أبيها.
وقال في ذلك محيصة: يلوم ابن أم (1) لو أمرت بقتله * لطبقت ذفراه بأبيض قارب (2) حسام كلون الملح أخلص صقله * متى ما أصوبه فليس بكاذب وما سرنى أنى قتلتك طائعا * وأن لنا ما بين بصرى ومأرب وحكى ابن هشام، عن أبى عبيدة، عن أبى عمرو المدنى، أن هذه القصة كانت بعد مقتل بنى قريظة، فإن المقتول كان كعب بن يهوذا، فلما قتله محيصة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بنى قريظة قال له أخوه حويصة ما قال، فرد عليه
محيصة بما تقدم، فأسلم حويصة يومئذ.
فالله أعلم.
تنبيه: ذكر البيهقى والبخاري قبله خبر بنى النضير قبل وقعة أحد، والصواب إيرادها بعد ذلك، كما ذكر ذلك محمد بن إسحاق وغيره من أئمة المغازى.
وبرهانه: أن الخمر حرمت ليالى حصار بنى النضير، وثبت في الصحيح أنه اصطبح
__________
(1) ابن هشام: ابن أمي.
(2) الذفرى: عظم ناتئ خلف الاذن وفى ابن هشام: قاضب.
وهو القاطع.
(*)
الخمر جماعة ممن قتل يوم أحد شهيدا، فدل على أن الخمر كانت إذ ذاك حلالا، وإنما حرمت بعد ذلك، فتبين ما قلناه من أن قصة بنى النضير بعد وقعة أحد.
والله أعلم.
تنبيه آخر: خبر يهود بنى قينقاع بعد وقعة بدر.
كما تقدم.
وكذلك قتل كعب ابن الاشرف اليهودي على يدى الاوس.
وخبر بنى النضير بعد وقعة أحد كما سيأتي.
وكذلك مقتل أبى رافع اليهودي تاجر أهل الحجاز على يدى الخزرج.
وخبر يهود بنى قريظة بعد يوم الاحزاب وقصة الخندق.
كما سيأتي.
غزوة أحد في شوال سنة ثلاث " فائدة " ذكرها المؤلف في تسمية أحد.
قال: سمى أحد أحدا لتوحده من بين تلك الجبال.
وفى الصحيح: " أحد جبل يحبنا ونحبه " قيل: معناه أهله.
وقيل: لانه كان يبشره بقرب أهله إذا رجع من سفره، كما يفعل المحب.
وقيل: على ظاهره كقوله: " وإن منها لما يهبط من خشية الله ".
وفى الحديث عن أبى عبس بن جبر: " أحد يحبنا ونحبه، وهو على باب الجنة،
وعير يبغضنا ونبغضه.
وهو على باب من أبواب النار ".
قال السهيلي مقويا لهذا الحديث: وقد ثبت أنه عليه السلام قال: " المرء مع من أحب ".
وهذا من غريب صنع السهيلي.
فإن هذا الحديث إنما يراد به الناس، ولا يسمى الجبل امرءا.
وكانت هذه الغزوة في شوال سنة ثلاث.
قاله الزهري وقتادة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق ومالك.
قال ابن إسحاق: للنصف من شوال.
وقال قتادة: يوم السبت الحادى عشر منه.
قال مالك: وكانت الوقعة في أول النهار، وهى على المشهور التى أنزل الله فيها قوله تعالى: " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم.
إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما، وعلى الله فليتوكل المؤمنون.
ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون.
إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن
يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين.
بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين " الآيات وما بعدها إلى قوله: " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه، حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب (1) ".
وقد تكلمنا على تفاصيل ذلك كله في كتاب التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة.
ولنذكر هاهنا ملخص الوقعة مما ساقه محمد بن إسحاق وغيره من علماء هذا الشأن رحمه الله.
* * *
وكان من حديث أحد، كما حدثنى محمد بن مسلم الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحصين بن عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، وغيرهم من علمائنا، كلهم قد حدث ببعض هذا الحديث عن يوم أحد، وقد اجتمع حديثهم كلهم فيما سقت.
قالوا - أو من قال منهم -: لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب ورجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبدالله بن أبى ربيعة وعكرمة بن أبى جهل وصفوان ابن أمية، في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: يا معشر قريش، إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثارا.
ففعلوا.
قال ابن إسحاق: ففيهم كما ذكر لى بعض أهل العلم أنزل الله تعالى: " إن الذين
__________
(1) سورة آل عمران 121 - 179 (*)
كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون (1) ".
قالوا: فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة.
وكان أبو عزة عمرو بن عبدالله الجمحى قد من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وكان فقيرا ذا عيال وحاجة، وكان في الاسارى، فقال له صفوان بن أمية: يا أبا عزة، إنك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك واخرج معنا.
فقال: إن محمدا قد من على فلا أريد أن أظاهر عليه.
قال: بلى، فأعنا بنفسك، فلك الله إن رجعت أن أغنيك، وإن قتلت أن أجعل بناتك مع بناتى يصيبهن ما أصابهن من
عسر ويسر.
فخرج أبو عزة يسير في تهامة ويدعو بنى كنانة ويقول: أيا (2) بنى عبد مناة الرزام (3) * أنتم حماة وأبوكم حام لا يعدونى نصركم بعد العام * لا تسلموني لا يحل إسلام قال: وخرج نافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح إلى بنى مالك بن كنانة يحرضهم ويقول: يا مال (4) مال الحسب المقدم * أنشد ذا القربى وذا التذمم من كان ذا رحم ومن لم يرحم * الحلف وسط البلد المحرم عند حطيم الكعبة المعظم قال: ودعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيا يقال له وحشى يقذف بحربة له قذف
__________
(1) سورة الانفال 36.
(2) ابن هشام: إيها.
(3) الرزام: جمع رازم، وهو الذى يثبت في الحرب لا يبرح.
(5) يا مال: يريد يا مالك فحذف آخره للترخيم.
(*)
الحبشة، قلما يخطئ بها، فقال له: اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمى طعيمة بن عدى فأنت عتيق.
* * * قال: فخرجت قريش بحدها وحديدها وجدها وأحابيشها، ومن تابعها من بنى كنانة وأهل تهامة، وخرجوا معهم بالظعن (1) التماس الحفيظة وألا يفروا.
وخرج أبو سفيان صخر بن حرب، وهو قائد الناس، ومعه زوجته هند بنت عتبة بن ربيعة.
وخرج عكرمة بن أبى جهل بزوجته ابنة عمه أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة.
وخرج عمه الحارث بن هشام بزوجته فاطمة بنت الوليد بن المغيرة.
وخرج صفوان بن أمية ببرزة بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية، وخرج عمرو ابن العاص بربطة بنت منبه بن الحجاج، وهى أم ابنه عبدالله بن عمرو.
وذكر غيرهم ممن خرج بامرأته.
قال: وكان وحشى كلما مر بهند بنت عتبة أو مرت به تقول: ويها أبا دسمة اشف واشتف.
يعنى تحرضه على قتل حمزة بن عبدالمطلب.
قال: فأقبلوا حتى نزلوا بعينين بجبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة.
فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قال لهم: " قد رأيت والله خيرا، رأيت بقرا تذبح، ورأيت في ذباب سيفى ثلما، ورأيت أنى أدخلت يدى في درع حصينة.
فأولتها المدينة ".
وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم جميعا عن أبى كريب، عن أبى أسامة، عن
__________
(1) الظعن: جمع ظعينة وهى المرأة ما دامت في هودج.
(*)
بريد بن عبدالله بن أبى بردة، عن أبى بردة، عن أبى موسى الاشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رأيت في المنام أنى أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلى (1) إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب.
ورأيت في رؤياي هذه أنى هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها أيضا بقرا، والله خير (2)، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذى أتانا بعد يوم بدر ".
وقال البيهقى: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ، أخبرنا الاصم، أخبرنا محمد بن عبدالله بن عبد الحكم، أخبرنا ابن وهب، أخبرني ابن أبى الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن
عبدالله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: تعقل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر.
قال ابن عباس: وهو الذى رأى فيه الرؤيا يوم أحد.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه المشركون يوم أحد كان رأيه أن يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا: نخرج يا رسول الله إليهم نقاتلهم بأحد.
ورجوا أن يصيبهم من الفضيلة ما أصاب أهل بدر.
فما زالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لبس أداته، ثم ندموا وقالوا: يا رسول الله أقم، فالرأى رأيك.
فقال لهم: ما ينبغى لنبى أن يضع أداته بعد ما لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه.
قال: وكان قال لهم يومئذ قبل أن يلبس الاداة: إنى رأيت أنى في درع حصينة،
__________
(1) وهلى: أول ظنى.
(2) قال القسطلانى: والله خير: رفع مبتدأ أو خبر، وفيه حذف تقديره: وصنع الله خير.
(*)
فأولتها المدينة، وأنى مردف كبشا وأولته كبش الكتيبة، ورأيت أن سيفى ذا الفقار فل، فأولته فلا فيكم، ورأيت بقرا يذبح، فبقر (1)، والله خير.
رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبدالرحمن بن أبى الزناد عن أبيه به.
وروى البيهقى من طريق حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن أنس مرفوعا قال: رأيت فيما يرى النائم كأنى مردف كبشا، وكأن ضبة سيفى انكسرت، فأولت أنى أقتل كبش القوم، وأولت كسر ضبة سيفى قتل رجل من عترتي.
فقتل حمزة، وقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة، وكان صاحب اللواء.
* * * وقال موسى بن عقبة: ورجعت قريش فاستجلبوا من أطاعهم من مشركي العرب،
وسار أبو سفيان بن حرب في جمع قريش، وذلك في شوال من السنة المقبلة من وقعة بدر، حتى نزلوا ببطن الوادي الذى قبلى أحد، وكان رجال من المسلمين لم يشهدوا بدرا قد ندموا على ما فاتهم من السابقة، وتمنوا لقاء العدو ليبلوا ما أبلى إخوانهم يوم بدر.
فلما نزل أبو سفيان والمشركون بأصل أحد فرح المسلمون الذين لم يشهدوا بدرا بقدوم العدو عليهم، وقالوا: قد ساق الله علينا أمنيتنا.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى ليلة الجمعة رؤيا فأصبح، فجاءه نفر من أصحابه فقال لهم: " رأيت البارحة في منامي بقرا تذبح، والله خير، ورأيت سيفى ذا الفقار انقصم من عند ضبته، أو قال: به فلول، فكرهته، وهما مصيبتان، ورأيت أنى في درع حصينة وأنى مردف كبشا ".
فلما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم برؤياه، قالوا: يا رسول الله، ماذا
__________
(1) يريد بالبقر هنا: مصدر بقره يبقره بقرا، أي شق بطنه.
(*)
أولت رؤياك ؟ قال: " أولت البقر الذى رأيت بقرا فينا وفى القوم، وكرهت ما رأيت بسيفي ".
ويقول رجال: كان الذى رأى بسيفه: الذى أصاب وجهه، فإن العدو أصاب وجهه يومئذ، وقصموا رباعيته وخرقوا شفته، يزعمون أن الذى رماه عتبة بن أبى وقاص، وكان البقر من قتل من المسلمين يومئذ.
وقال: أولت الكبش أنه كبش كتيبة العدو يقتله الله، وأولت الدرع الحصينة المدينة، فامكثوا واجعلوا الذرارى في الآطام، فإن دخل علينا القوم في الازقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت.
وكانوا قد سكوا أزقة المدينة بالبنيان حتى [ صارت ] كالحصن.
فقال الذين لم يشهدوا بدرا: كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله، فقد ساقه الله
إلينا وقرب المسير.
وقال رجل من الانصار: متى نقاتلهم يا رسول الله إذا لم نقاتلهم عند شعبنا ؟ وقال رجال: ماذا نمنع إذا لم نمنع الحرب بروع ؟ وقال رجال قولا صدقوا به ومضوا عليه، منهم حمزة بن عبدالمطلب، قال: والذى أنزل عليك الكتاب لنجادلهم.
وقال نعيم بن مالك بن ثعلبة، وهو أحد بنى سالم: يا نبى الله لا تحرمنا الجنة، فوالذي نفسي بيده لادخلنها.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم ؟ قال: بأنى أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت.
واستشهد يومئذ.
وأبى كثير من الناس إلا الخروج إلى العدو، ولم يتناهوا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيه، ولو رضوا بالذى أمرهم كان ذلك، ولكن غلب القضاء والقدر.
وعامة من أشار عليه بالخروج رجال لم يشهدوا بدرا، قد علموا الذى سبق لاصحاب بدر من الفضيلة.
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة وعظ الناس وذكرهم، وأمرهم بالجد والجهاد، ثم انصرف من خطبته وصلاته، فدعا بلامته فلبسها، ثم أذن في الناس بالخروج.
فلما رأى ذلك رجال من ذوى الرأى قالوا: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمكث بالمدينة وهو أعلم بالله وما يريد ويأتيه الوحى من السماء.
فقالوا: يا رسول الله امكث كما أمرتنا.
فقال: ما ينبغى لنبى إذا أخذ لامة الحرب وأذن بالخروج إلى العدو أن يرجع حتى يقاتل، وقد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم
إلا الخروج، فعليكم بتقوى الله والصبر عند البأس إذا لقيتم العدو وانظروا ماذا أمركم الله به فافعلوا.
قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، فسلكوا على البدائع وهم ألف رجل، والمشركون ثلاثة آلاف، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأحد.
ورجع عنه عبدالله بن أبى بن سلول في ثلاثمائة، فبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة.
قال البيهقى: هذا هو المشهور عند أهل المغازى، أنهم بقوا في سبعمائة مقاتل.
قال: والمشهور عن الزهري أنهم بقوا في أربعمائة مقاتل.
كذلك رواه يعقوب بن سفيان عن أصبغ، عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، وقيل عنه بهذا الاسناد سبعمائة.
فالله أعلم.


 
روابط عرض كتاب السيرة النبوية لابن كثير
ترجمة ابن كثير الحافظ
1.السيرة النبوية لابن كثير ج1 /1.
2.السيرة النبوية لابن كثير ج1 /2.
3.ج1/ 3 السيرة النبوية لابن كثير الحافظ.
4.السيرة النبوية لابن كثير ج1//4
5.السيرة النبوية لاب كثير ج2//1..
6.السيرة النبوية لاب كثير ج2//2..
7.السيرة النبوية لابن كثير ج2//3.
8.السيرة النبوية لابن كثير ج2//4.
9.السيرة النبوية لابن كثير ج3 /1 .
10.السيرة النبوية لابن كثير ج3 /2 .
11.السيرة النبوية لابن كثير ج3 /3 .
12.السيرة النبوية لابن كثير ج3 /4 .
13..السيرة النبوية لابن كثير ج4 ا ج4//1.
14.السيرة النبوية لابن كثير ج4 ا ج4//2.
15.السيرة النبوية لابن كثير 4//3.ذكر خروجه عليه ال...
ص16.بالمدونة كتاب السيرة النبوية لابن كثير بترقيم...
ص17.بالمدونة كتاب السيرة النبوية لابن كثير بترقيم...
ص18.بالمدونة كتاب السيرة النبوية لابن كثير بترقيم...
ص19.السيرة النبوية لابن كثير الجزء السادس -ج6//1
ص20. ج6//2 السيرة النبوية لابن كثير
ص21.ج6//3 السيرة النبوية لابن كثير
ص22.ج6//4 السيرة النبوية لابن هشام الحافظ
الروابط الي الجزء 6
ص23.السيرة النبوية لابن كثير الجزء 7 بتصنيف الشاملة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق