الثلاثاء، 12 يونيو 2018

4.كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة لابن كثير



قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: حدثنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا أحمد بن حازم ابن أبي غرزة، حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا ابن فضيل، عن سليمان بن يزيد، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه، فإذا كان ذلك عرفها المتنفلون، يقوم أحدهم فيقرأ حزبه، ثم ينام، ثم يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام، فبينما هم كذلك، صاح الناس بعضهم في بعض، فقالوا: ما هذا? فيفزعون إلى المساجد، فإذا همٍ بالشمس قد طلعت حتى صارت في وسط السماء، رجعت وطلعت من مطلعها، قال فحينئذ لا ينفع نفساً إيمانها".
ثم سأل ابن مردويه من طريق سفيان الثوري، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم ما آية طلوع الشمس من مغربها? قال: "تطول تلك الليلة حتى تكون قمر ليلتين فيتنبه الذين كانوا يصلون فيها، يعملون كما كانوا يعملون قبلها، والنجوم لا ترى، قد باتت مكانها، يرقدون ثم يقومون فيصلون، ثم يرقدون ثم يقومون فيصلون، ثم يرقدون ثم يقومون، يتطاول الليل فيفزع الناس، ولا يصبحون، فبينما هم ينتظرون طلوع الشمس من مشرقها إذ طلعت من مغربها، فإذا رآها الناس آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم".
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في البعث والنشور: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي، أخبرنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل المروزي، حدثنا عبد الله بن حماد الآملي، حدثنا محمد بن عمران، حدثني أبي، حدثني ابن أبي ليلى، عن إسماعيل بن رجاء، عن سعيد بن إياس، عن عبد الله بن مسعود أنه قال ذات يوم لجلسائه: أرأيتم قول الله: "تَغْرُبُ في عَيْن حَميَةٍ". ماذا يعني بها? قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إنها إذا غربت سجدت له وسبحته وعظمته، ثم كانت تحت العرش، فإِذا حضرها طلوعها سجدت له وسبحته وعظمته، ثم استأذنت، فإذا كان اليوم الذي تحبس فيه سجدت له وسبحته وعظمته ثم استأذنته فيقال لها: تأتي فتحبس قدر ليلتين، قال: ويفزع المتهجدون، وينادي الرجل تلك الليلة جاره يا فلان ما شأننا الليلة? لقد نمت حتى شبعت، وصليت حتى اعييت? ثم يقال لها: اطلعي من حيث غربت، فذلك "يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل" الآية.
لا تقبل هجرة المهاجرين والعدو يقاتلهم
وقال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، يرده إِلى مالك بن عامر، عن ابن السعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنفع الهجرة ما دام العدو يقاتل".
قال معاوية وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الهجرة خصلتان، إحداهما أن تهجر الشر، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من الغرب، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه، وكفى الناس العمل".
وهذا إسناد جيد قوي ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب.
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي، وصححه والنسائي وابن ماجه، من طريق عاصم ابن أبي منجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله فتح باباً قبل المغرب عرضه سبعون أو أربعون ذراعاً للتوبة، لا يغلق حتى تطلع الشمس".
فهذه الأحاديث المتواترة مع الآية الكريمة دليل على أن من أحدث إيماناً أو توبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا يقبل منه، وإنما كان كذلك والله أعلم لأن ذلك من أكبر أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ودنوها، فعومل ذلك الوقت معاملة يوم القيامة كما قال تعالى: "هَلْ يَنْطرُونَ إلاَّ أن تَأتِيَهُمْ المَلاَئِكَةُ أوْ يَأتِيَ رَبًّكَ أوْ يَأتي بَعْضُ آيَاتِ ربك يَوْمَ يَأتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبك لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل".
وقال تعالى: "فَلًما رَأوْا بأسَنَا قَالُوا آمًنّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لًمّا رَأوْا بَأسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتي قَدْ خَلتْ في عِبَاده وخَسِرَ هُنَالكَ الكَافِرُونَ".
وقال تعالى: "هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ السَّاعَةَ أنْ تَأتِيَهُمْ بَغْتَةً وهُمْ لاَ يَشْعُرُون".
وقد حكى البيهقي عن الحاكم أنه قال: أول الآيات ظهوراً خروج الدجال، ثم نزول عيسى ابن مريم، ثم فتح يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها، قال: لأنها إذا طلعت من مغربها آمن من عليها، فلو كان نزول عيسى بعدها لم يكن كافراً، وهذا الذي قاله فيه نظر لأن إيمان أهل الأرض يومئذ لا ينفع جميعهم ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، فمن أحدث إيماناً أو توبة يومئذ لم تقبل حتى يكون مؤمناً أو تائباً قبل ذلك، وكذلك قوله تعالى في قصة نزول عيسى في آخر الزمان: "وإِنْ مِنْ أهْل الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤمِنَنَّ بِه قَبْلَ مَوْتهِ".
أي قبل موت عيسى وبعد نزوله يؤمن جميع أهل الكتاب به إيماناً ضرورياً بمعنى أنهم يتحققون أنه عبد الله ورسوله، فالنصراني يعلم كذب نفسه في دعواه فيه الربوبية والنبوة، واليهودي يعلم أنه نبي رسول من الله لا ولد ريبة كما كان المجرمون منهم يزعمون ذلك، فعليهم لعائن الله وغضبه المدرك.
ذكر الدخان الذي يكون قبل يوم القيامة
قال تعالى: "فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأتي السَّماءُ بِدُخَانٍ مُبِين يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مبِين ثَمّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعًلّمٌ مَجْنُونٌ إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُون".
وقد تكلمنا على تفسير هذه الآيات في سورة الدخان بما فيه مقنع.
وقد نقل البخاري، عن ابن مسعود أنه فسر ذلك بما كان لقريش من شدة الجوع بسبب القحط الذي دعا عليهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أحدهم يرى كأن فيما بينه وبين السماء دخاناً من شدة الجوع، وهذا التفسير غريب جداً ولم ينقل مثله عن أحد من الصحابة غيره.
وقد حاول بعض العلماء المتأخرين رد ذلك ومعارضته بما ثبت في حديث أبي شريحة حذيفة بن أسيد: "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات فذكر فيهن الدجال والدخان والدابة، وكذلك في حديث أبي هريرة: "بادروا بالأعمال ستاً" فذكر فيهن هذه الثلاث، والحديثان في صحيح مسلم مرفوعان، والمرفوع مقدم على كل موقوف.
وفي ظاهر القرآن ما يدل على وجود دخان من السماء يغشى الناس، وهذا أمر محقق عام وليس كما روي عن ابن مسعود أنه خيال في أعين قريش من شدة الجوع قال اللّه تعالى: "فَارْتَقِبْ يَوْمَ تأتي السَّماءُ بِدُخَانٍ مُبِين".
أي واضح جلي وليس خيالاً من شدة الجوع. "رَبَّنا اكْشِفْ عَنَّا العَذابَ إِنَّا مُؤمِنُون".
أي ينادي أهل ذلك الزمان ربهم بهذا الدعاء، يسألون كشف هذه الشدة عنهم، فإنهم قد آمنوا وارتقبوا ما وعدوا من الأمور الغيبية الكائنة بعد ذلك يوم القيامة، حيث يمكن رفعه، ويمكن استدراك التوبة والإِنابة، والله أعلم.
وقد روى البخاري، عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، عن الأعمش ومنصور، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في كندة قال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ففزعنا، فأتينا ابن مسعود قال: وكان متكئاً فغضب فجلس وقال: يا أيها الناس: من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قُلْ مَا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْر وَمَا أنَا مِنَ الْمُتَكَلّمِين".
إن قريشاً أبطأوا عن الإسلام، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، وحتى كان الرجل يرى بينه وبين الأرض الدخان، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم، وقومك قد هلكوا، فادع الله فقرأ هذه الآية: "فَارْتَقِبُ يَوْمَ تَأتي السَّماءُ بِدُخَّانٍ مُبِين يغْشىَ النَّاسَ هذا عَذابٌ ألِيمٌ رَبَّنا اكشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ"، أفنكشف عنكم عذاب الآخرة إذا جاء? لقد كشف عنهم عذاب الدنيا ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله: "يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى".
فذلك يوم بدر، فسوف يكون لزاماً: "الم غلِبَتِ الرُّومُ في أدْنَى الأرْض وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ".
قد مضى، فقد مضت الأربع، وقد أخرجه البخاري أيضاً، ومسلم، من حديث الأعمش، ومنصور به نحوه، وفي رواية فقد مضى القمر، والدخان، والروم، واللزام، وقد ساقه البخاري من طرق كثيرة، بألفاظ متعددة، وقول هذا القاص: إن هذا الدخان يكون قبل يوم القيامة ليس بجيد، ومن هنا تسلط عليه ابن مسعود بالرد، بل قبل يوم القيامة وجود هذا الدخان، كما يكون وجود هذه الآيات نم الدابة والدجال، والدخان، ويأجوج ومأجوج، كما دلت عليه الأحاديث عن أبي شريحة، وأبي هريرة، وغيرهما من الصحابة، وكما جاء مصرحاً به في الحديث الذي رواه، وأما النار التي تكون قبل يوم القيامة فقد تقدم في الصحيح أنها تخرج من قصر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتأكل من تخلف منهم.
ذكر كثرة الصواعق عند اقتراب الساعة
قال الإِمام أحمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا عمارة، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول من صعق قبلكم الغداة فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان".
ذكر وقوع المطر الشديد قبل يوم القيامة
قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده، حدثنا إسحاق، حدثنا خالد، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تمطر السماء مطراً لا تكن منه بيوت المدر ولا تكن منه بيوت الشعر".
وقال الإِمام أحمد: حدثنا مؤمل، حدثنا حماد، حدثنا علي بن زيد، عن خالد بن الحويرث، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآيات خرزات منظومات في سلك، فانقطع السلك، فتبع بعضها بعضاً". انفرد به أحمد.
ذكر أمور لا تقع الساعة حتى يقع منها ما لم يكن قد وقع بعد
وقد تقدم في الأحاديث السابقة من هذا شيء كثير، ولنذكر شيئاً آخر من ذلك، ولنورد شيئاً من أشراط الساعة، وما يدل على اقترابها، وبالله المستعان.
من علامات الساعة تطاول الناس في البنيان
تقدم ما رواه البخاري، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان، ولا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة، ولا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان وتكثر الفتن ويكثر الهرج، ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، ولا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول ليتني مكانك ولا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ولا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال حتى يهم رب المال من يقبله منه".
ورواه مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة.
وتقدم الحديث عن أبي هريرة، وأبي بريدة وأبي بكرة وغيرهم رضي الله عنهم: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك عراض الوجوه ذلف الانوف كأن وجوههم المجان المطرقة ينتعلون الشعر". الحديث وهم بنو قنطورا وهي جارية الخليل عليه الصلاة والسلام.
من علامات الساعة قلة العلم وكثرة الجهل وانتشاره
وفي الصحيحين من حديث شعبة عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنى، وتشرب الخمر، ويذهب الرجال، وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد".
من علامات الساعة أن تفيض أرض العرب بالخير والثراء والذهب
وقال سفيان الثوري: عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تذهب الأيام والليالي حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً، وحتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، وبنحو واحد" وأخرجه مسلم من وجه آخر عن سهيل.
إشارة نبوية الى ردة بعض العرب عن الإسلام قبل قيام الساعة
وروى البخاري عن أبي اليمان، عن شعيب، وأخرج مسلم من حديث معمر كلاهما عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات النساء دوس حول ذي الخلصة طاغية دوس الذي كانوا يعبدون في الجاهلية".
وفي صحيح مسلم من حديث الأسود بن العلاء، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى".
فقلت يا رسول الله: إن كنت لأظن حين أنزل الله: "هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدين الْحقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّين كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون".
أن ذلك تام، فقال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث الله ريحاً طيبة يتوفى بها كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم".
روى جزء الأنصاري، عن حميد، عن أنس، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أول أشراط الساعة? فقال: "نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب". الحديث بتمامه.
ورواه البخاري من حديث حميد، عن أنس، وفي حديث أبي زرعة عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً بارزاً للناس إذ أتاه أعرابي فسأله عن الإِيمان، الحديث إلى أن قال: يا رسول الله فمتى الساعة? فقال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ولكن سأحدثك عن أشراطها، إذا ولدت الأمة ربتها. وإذا كان الحفاة العراة العالة رعاء الشاة رؤوس الناس، فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم قرأ: "إِنَّ اللَّهَ عنده عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَام وَمَا تدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدَاً وَمَا تَدْرِي نَفْسن بِأَيِّ أرْض تَمُوتُ إِنَّ اللَّه عَلِيم خَبِير".
ثم انصرف الرجل، فقال: "ردوه عليَّ "، فلم يروا شيئاً، فقال: "هذا جبريل جاء ليعلم الناس أمور دينهم". أخرجاه في الصحيحين.
وعند مسلم عن عمر بن الخطاب نحو من هذا بأبسط منه.
فقوله عليه الصلاة والسلام: "أن تلد الأمة ربتها"، يعني به أن الإماء تكون في آخر الزمان هن المشار إليهن بالحشمة فتكون الأمة تحت الرجل الكبير دون غيرها من الحرائر، ولهذا قرن ذلك بقوله: "وأن ترى الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان" يعني بذلك أنهم يكونون رؤوس الناس، قد كثرت أموالهم، وامتدت وجاهتهم، ليس لهم دأب ولا همة إلا التطاول في البناء.
من علامات الساعة تكثف الدنيا عند من لا خلق له ولا دين
وهذا كما في الحديت المتقدم: "لا تقوم الساعة حتى يكون أحظى الناس بالدنيا لكع بن لكع".
من علامات الساعة إسناد الأمور لغير أربابها
وفي الحديث الآخر: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
وفي الحديث الآخر: "لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة رذالها".
ومن فسر هذا بكثرة السراري لكثرة الفتوحات، فقد كان هذا في صدر هذه الأمة كبير جداً، وليس هذا بهذه الصفة من أشراط الساعة المتاخمة لوقتها، والله تعالى أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب البعث والنشور: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا: حدثنا عبد الباقي بن قانع الحافظ حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم العسكري، حدثنا سيف بن مسكين، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: خرجت في طلب العلم، فقدمت الكوفة فإذا أنا بعبد الله بن مسعود، فقلت: يا أبا عبد الرحمن هل للساعة من علم تعرف به فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "إن من أشراط الساعة أن يكون الولد غليظاً والمطر قيظاً وتفشو الأسرار، ويصدق الكاذب، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويسود كل قبيلة منافقوها وكل سوق فجارها، وتزخرف المحاريب، وتخرب القلوب، ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ويخرب عمران الدنيا، ويعمر خرابها، وتظهر الفتنة، وأكل الربا، وتظهر المعازف والكنوز، وتشرب الخمر، وتكثر الشرط، والغمازون، والهمازون" ثم قال البيهقي: هذا إسناد فيه ضعف إلا أن أكثر ألفاظه قد روي بأسانيد أخر متفرقة.
قلت: قد تقدم في أول هذا الكتاب فصل، فيه ما يقع من الشرور في آخر الزمان، وفيه شواهد كثيرة لهذا الحديث.
من علامات الساعة إضاعة الأمانة
وفي صحيح البخاري من حديث عطاء بن يسار، عن أبي هريرة أن أعرابياً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة فقال: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: يا رسول الله: وكيف إضاعتها? قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
وقال الإِمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن واصل، عن أبي وائل، عن عبد الله، وأحسبه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بين يدي الساعة أيام الهرج أيام يزول فيها العلم ويظهر فيها الجهل". فقال أبو موسى: الهرج بلسان الجيش القتل.
وروى الإِمام أحمد عن أبي اليمان، عن شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين، عن شهر، عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يخرج الرجل من عند أهله فيخبره شراك نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده".
وروى أيضاً عن يزيد بن هارون، عن القاسم بن الفضل الحداي، عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإِنس، وتكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده".
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، هو ابن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: كنا نتحدث أنه لا تقوم الساعة حتى لا تمطر السماء، ولا تنبت الأرض، وحتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد، وحتى إن المرأة لتمر بالبعل، فينظر إليها فيقول: لقد كان لهذا المرأة رجل.
قال الإِمام أحمد ذكره حماد مرة هكذا وقد ذكره عن ثابت، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك فيه، وقد قال أيضاً عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحسب إسناداً جيداً ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا هشام، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك يرفع الحديث: "لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويقل الرجال، وتكثر النساء، وحتى يكون قيم خمسين امرأة رجل واحد". تقدم له شاهد في الصحيح.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجِ حين زاغت الشمس فصلّى الظهر، فلما سلم قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها أموراً عظاماً وذكر تمام الحديث.
إشارة نبوية الى نزع البركة من الوقت قبل قيام الساعة
وقال الإِمام أحمد: حدثنا هاشم، وأبو كامل، قالا: حدثنا زهير، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة" والسعفة الخوصة.
زعم سهيل أن هذا الإِسناد على شرط مسلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا كامل، عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن تذهب الدنيا حتى تصير لكع بن لكع". إسناده جيد قوي.
من علامات الساعة نطق الرويبضة
وقال أحمد: حدثنا يونس، وشريح، قالا: حدثنا فليح، عن سعيد بن عبد الله بن السباق، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قبل الساعة سنون خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة".
قال شريح: وينظر فيها الرويبضة، وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وقال أحمد: حدثنا هودة، حدثنا عوف، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أشراط الساعة أن يرى رعاء الشاة رؤوس الناس، وأن ترى الحفاة العراة الجوع يتبارون في البناء، وأن تلد الأمة ربتها أو ربها". وهذا إسناد جيد لم يخرجوه من هذا الوجه.
وقال أحمد: حدثنا عمار بن محمد، عن الصلت بن قوتب، عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقوم الساعة حتى لا تنطح ذات قرن جماء". تفرد به أحمد ولا بأس بإسناده.
وقال أحمد: حدثنا يحيى بن عجلان، سمعت أبي يحدث، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويظهر الجهل، ويكثر الهرج، قيل وما الهرج? قال: القتل". تفرّد به أحمد وهو على شرط مسلم.
وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل منه صدقة ماله، وحتى يقبض العلم، ويقترب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج" قالوا: الهرج أيما يا رسول الله? قال: القتل القتل".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، دعواهما واحدة، وتكون بينهما مقتلة عظيمة".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً". وهذا ثابت في الصحيح.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا القاسم بن الحكم، عن سليمان بن داود اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي بعثني بالحق لا تنقضي هذه الدنيا حتى يقع بهم الخسف، والقذف، والمسخ، قالوا: ومتى ذلك يا رسول الله? قال: إذا رأيت النساء ركبن الفروج، وكثرت القينات، وكثرت شهادة الزور، واستغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء".
وروى الطبراني: من حديث كثير بن مرة، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من علامات الساعة أن تعزب العقول، وتنقص الأحلام".
وقال الإِمام أحمد: حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا بشير بن سليمان، وهو أبو إسماعيل، عنسيار أبي الحكم، عن طارق بن شهاب، قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فجاء رجل فقال: قد أقيمت الصلاة، فقام وقمنا معه، فلما دخلنا المسجد رأينا الناس ركوعاً في مقدم المسجد، فكبَّر وركع. فكبرنا وركعنا، ثم سجد، وسجدنا، ثم سلم، وسلمنا، وصنعنا مثل الذي صنع، فمر رجل يسرع فقال: عليك السلام يا أبا عبد الرحمن، فقال: صدق الله، وبلغ رسوله، فلما صلينا ورجعنا، دخل إلى أهله وجلسنا، فقال بعضنا لبعض: أما سمعتم رده على الرجل صدق الله وبلغ رسولهَ. أيكم يسأله. فقال طارق: أنا أسأله، فسأله حين خرج، فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة. حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور الجهل".
روى أحمد عن عبد الرزاق عن بشير عن يسار: أبو الحكم لم يرو عن طارق شيئاً.
صفة أهل آخر الزمان
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن الحسن، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريعته من أهل الأرض، فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً".
وحدثنا عفان، حدثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن عبد الله بن عمرو، يرفعه، وقال: "حتى يأخذ الله شريعته من الناس".
إن من البيان لسحراً
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا قيس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبد الله بن مسعود، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من البيان سحراً، وشرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون قبورهم مساجد". وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجوه من هذا الوجه.
الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس
وقال الإِمام أحمد: حدثنا بهز، حدثنا شعبة، حدثنا علي بن الأقمر، سمعت أبا الأحوص حدث عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس" ورواه مسلم، عن إبراهيم بن حرب، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان.
قبيل قيام الساعة تهدر آدمية الإنسان
وقد تقدم في الأحاديث السابقة: "أنه تقل الرجال، وتكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد يلذن به. وأنهم يتسافدون في الطرقات كما تتسافد البهائم".
وقد أوردناها بأسانيدها، وألفاظها، بما أغنى عن إعادتها ها هنا، ولله الحمد.
لا تقوم الساعة على موحد
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا ثابت عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله".
ورواه مسلم، عن زهير بن حرب، عن عفان به، ولفظه: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله".
قال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله". وكذا رواه مسلم، عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق وقال أحمد: وحدثنا ابن عدي، عن حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله".
وهذا إسناد ثلاثي على شرط الصحيحين، وإنما رواه الترمذي، عن بندار، عن محمد بن عبد الله بن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، مرفوعاً، وقال: حسن، ثم رواه محمد بن المثنى، عن خالد الحارث، عن حميد، عن أنس، موقوفاً قال: وهذا أصح من الأول.
لا تقوم الساعة إلا على من لا ينكر منكراً ولا يأمر بمعروف
وفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى لا يقال في الأرض الله الله".
قولان: أحدهما: أن معناه أن أحداً لا ينكر منكراً، يعني لا يزجر أحد أحداً إذا رآه قد تعاطى منكراً، وعبَّر عن ذلك بقوله: "حتى لا يقال الله الله" كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو: "فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً".
والقول الثاني: حتى لا يذكر الله في الأرض، ولا يعرف اسمه فيها، وذلك عند فساد الزمان، ودمار نوع الإنسان، وكثرة الكفر، والفسق والعصيان، وهذا كما في الحديث الآخر: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله".
شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء
وكما تقدم في الحديث الآخر: "إن الشيخ الكبير يقول: أدركت الناس وهم يقولون: لا إله إلا الله، ثم يتفاقم الأمر ويتزايد الحال، حتى يترك ذكر الله في الأرض، وينسى بالكلية، فلا يعرف فيها وأولئك شرار الناس وعليهم تقوم الساعة".
كما تقدم في الحديث: "ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس".
وفي اللفظ الآخر: "وشرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء".
وفي حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزداد الناس إلا شحاً، ولا يزداد الزمان إلا شدة، ولا تقوم الساعة إلى على شرار الناس".
وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه، عن عائشة، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "يا عائشة: قومك أسرع أمتي لحاقاً بي، قالت: فلما جلس قلت: يا رسول الله: جعلني الله فداك، لقد دخلت وأنت تقول كلاماَ أذعرني قال: وما هو? قالت: تزعم أن قومي أسرع أمتك لحاقاً بك. قال: نعم قالت: وعم ذاك? قال: تستجلبهم المنايا. قالت: فقلت: وكيف الناس بعد ذلك? قال: "دباً يأكل شداده ضعافه، حتى تقوم عليهم الساعة".
والدبا الجنادب التي لم تنبت أجنحتها. تفرّد به أحمد.
قرب الساعة
ذكر طرق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "بعثت أنا والساعة كهاتين"
رواية عن أنس بن مالك، رضي اللّه تعالى عنه
قال الإِمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله يعني بن أبي المهاجر الدمشقي قال: قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فسأله: ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام يذكر به الساعة? قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنتم والساعة كهاتين". تفرّد به أحمد من هذا الوجه.
طريق أخرى عنه
قال أحمد: حدثنا هاشم عن شعبة، عن أبي التياح، وقتادة، وحمزة، وهو ابن عمرو الضبي، أنهم سمعوا أنس بن مالك يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم "بعثت أنا والساعة هكذا".
وأشار بالسبابة والوسطى، وأخرجه مسلم من حديث شعبة، عن حمزة الضبي، هذا وأبي التياح، كلاهما عن أنس به.
روى الإِمام أحمد: عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق عن زياد بن أبي زياد المدني، عن أنس بن مالك أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين".
ومد إصبعيه السبابة والوسطى. تفرّد به أحمد.
طريق أخرى
قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي التياح، سمعت أنس بن مالك يروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين". وبسط إصبعيه السبابة والوسطى.
وأخرجاه في الصحيحين، من حديث شعبة، عن أبي التياح يزيد بن حميد، وزاد مسلم، وحمزة الضبي، عن أنس به.
طريق أخرى
قال أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين". وأشار بالوسطى والسبابة.
وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، من حديث شعبة به.
وفي رواية لمسلم، عن شعبة، عن قتادة، وأبي التياح، كلاهما عن أنس به، وقال الترمذي: حسن صحيح.
قال مسلم في صحيحه، حدثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن معبد بن بلال العزى، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين". تفرّد به مسلم.
رواية جابر بن عبد الله رضي اللّه تعالى عنه
قال أحمد: حدثنا مصعب بن سلام، حدثنا جعفر، هو ابن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".
ثم يرفع صوته، وتحمر وجنتاه، ويشتد غضبه، إذ ذكر الساعة، كأنه منذر جيش، ثم يقول: "أتتكم الساعة، بعثت أنا والساعة هكذا". وأشار بإصبعه السبابة والوسطى. "صبحتكم الساعة ومستكم". وقد رواه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، من طرق عن جعفر بن محمد به، وعند مسلم قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين".
رواية سهل بن سعد رضي اللّه تعالى عنه
قال مسلم: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، واللفظ حدثنا يعقوب، عن ابن عبد الرحمن، عن أبي حازم، أنه سمع سهلاً يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعيه اللتين تليان الإِبهام، وهما السبابة والوسطى، وهو يقول: "بعثت أنا والساعة هكذا". تفرّد به مسلم.
رواية أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه
قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو هشام، حدثنا أبو بكر حدثنا ابن حصين، عن ابن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين" وضم أصابعه.
وقد روى البخاري: عن يحيى بن يوسف، عن أبي بكر بن عباس، عن أبي حصين عثمان بن عاصم، عن أبي صالح ذكوان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين".
ثم قال البخاري: وتابعه إسرائيل: ورواه ابن ماجة عن هناد بن السري، وأبو هاشم الرفاعي، عن أبي بكر بن عياش. به، وقال: وجمع بين إصبعيه.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي جبيرة بن الضحاك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت في قسم الساعة".
يقول: حين بدت في أول وقتها، وهذا إسناد جيد، وليس هو في شيء من الكتب، ولا رواه أحمد بن حنبل، وإنما روي لأبي جبيرة حديث آخر في النهي عن التنابز بالألقاب.
حديث في قرب يوم القيامة بالنسبة إلى ما سلف من الأزمنة
قال الإِمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر يقول: "إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أعطى أهل التوراة التوراة، فعملوا بها حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطاً، ثم أعطى أهل الإِنجيل الإِنجيل، فعملوا به حتى صلاة العصر، فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أعطيتم القرآن، فعملتم به حتى غربت الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين، فقال أهل التوراة والإِنجيل، ربنا هؤلاء أقل عملاً وأكثر أجراً، فقال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء قالوا: لا، قال: فذاك فضلي أوليه من أشاء". وهكذا رواه البخاري عن أبي اليمان.
وللبخاري من حديث سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمِ: "إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس ومثلكم ومثل اليهود والنصارى". فذكر الحديث بتمامه وطوله.
طريق أخرى عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنه
قال الإِمام أحمد: حدثنا الفضل بن دكين: حدثنا شريك، قال: سمعت سلمة بن كهيل يحدث عن مجاهد، قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم والشمس على قعيقعان بعد العصر فقال: "ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى منه" تفرّد به أحمد، وهذا إسناد حسن لا بأس به.
طريق أخرى عنه
قال أحمد: حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثني كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، أنه كان واقفاً بعرفات، فنظر إلى الشمس حتى نزلت مثل الترس للغروب، فبكى، واشتد بكاؤه، فقال له رجل عنده: يا أبا عبد الرحمن قد وقفت معي مراراً فلم تصنع هذا? فقال: "أيها الناس لم يبق من دنياكم فيما مضى منها، إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه". تفرّد به أحمد.
طريق أخرى عن ابن عمر
قال الإِمام أحمد: حدثنا يونس بن حماد، يعني ابن عمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغربان الشمس".
ورواه البخاري، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد به نحوه بأبسط منه.
وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني، من حديث عطية العوفي، ووهب بن كيسان عن ابن عمر،
عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحو ذلك، وهذا كله يدل على أن ما بقي بالنسبة إلى ما مضى كالشيء اليسير، لكن لا يعلم مقدار ما بقي إلا الله عز وجل. ولم يجىء فيه تحديد يصح سنده عن المعصوم، حتى يصار إليه، ويعلم نسبة ما بقي بالنسبة إليه، ولكنه قليل جداً بالنسبة إلى الماضي، وتعيين وقت الساعة لم يأت به حديث صحيح، بل إن الآيات والأحاديث دالة على أن علم ذلك مما استأثر الله سبحانه وتعالى به، دون أحد من خلقه، كما سيأتي تقريره في أول الجزء الآتي بعد هذا، إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان.
إشارة نبوية إلى أنه لن يبقى بعد مائة سنة أحد من الموجودين على ظهر الأرض وقتذاك
فأما الحديث الذي رواه الإِمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده قائلاً، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سالم بن عبد الله، وأبو بكر بن أبي خيثمة أن عبد الله بن عمر قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: "أرأيتم ليلتكم هذه? فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد، قال عبد الله: فوهل الناس في مقالة النبي صلى الله عليه وسلم تلك إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحداً، يريد بذلك أنه ينخرم ذلك القرن".
وهكذا رواه البخاري عن أبي اليمان بسنده ولفظه سواء، ورواه مسلم، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن أبي اليمان الحكم، عن نافع، عن شعيب به، فقد فسّر الصحابي المراد من الحديث بما فهمه، وهو أولى بالفهم من كل أحد، من أنه صلى الله عليه وسلم يريد أنه يخرم قرنه ذلك فلا يبقى ممن هو كائن على وجه الأرض من ذلك الزمان أحد إلى مائة سنة، وقد اختلف العلماء هل ذلك خاص بذلك القرن أو عام في كل قرن لا يبقى أحد أكثر من مائة سنة. على قولين، والتخصيص بذلك القرن المبين الأول أولى، فإنه قد شوهد بعض الناس جاوز مائة سنة، وذلك في طائفة من المعمرين، كما أوردنا في التاريخ، ولكنه قليل في الناس فالله أعلم، ولهذا الحديث طرق أخر عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً.
رواية جابر بن عبد الله رضي اللّه تعالى عنه
قال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا المبارك: حدثنا الحسن، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الساعة قبل أن يموت بشهر فقال: "تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، والذي نفسي بيده ما أعلم اليوم نفساً يأتي عليها مائة سنة".
تفرّد به أحمد: وهذا إسناد حسن جيد. رجاله ثقات، أبو النضر هاشم بن قاسم من رجال الصحيحين، ومبارك بن فضالة حديثه عند أهل السنن، والحسن بن أبي الحسن البصري من الأئمة الثقات الكبار، وروايته مخرجة في الصحاح كلها وغيرها.
طريق أخرى عن جابر
قال الإِمام أحمد: حدثنا حجاج: قال ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بشهر يقول: "تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة".
وكذلك رواه مسلم، عن هارون بن عبد الله، وحجاج بن الشاعر، عن حجاج بن محمد الأعور، عن محمد بن حاتم، عن محمد بن أبي بكرة، كلاهما عن ابن جريج عنه.
باب قرب قيام الساعة
وقال مسلم في الصحيح: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة، فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال: "إن يعش هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم ساعتكم". تفرّد به مسلم رحمه الله.
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة? وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة". تفرّد به مسلم من هذا الوجه.
قال مسلم: وحدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد يعني ابن زيد،  حدثنا معبد بن بلال العربي، عن أنس بن مالك، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: متى تقوم الساعة? قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة فقال: "إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة".
قال أنس: ذاك الغلام من أترابي يومئذ. تفرّد به مسلم أيضاً من هذا الوجه.
قال مسلم: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس، قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقراني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة".
ورواه البخاري، عن عمرو بن عاصم، عن همام به.
وهذه الروايات تدل على تعداد هذا السؤال والجواب، وليس المراد تحديد وقت الساعة العظمى، إلى وقت هرم ذاك المشار إليه، وإنما المراد أن ساعتهم وهو انقراض قرنهم وعصرهم قصاراه أنهى إلى مدة عمر ذلك الغلام، كما تقدم. وفي الحديث: "تسألوني عن الساعة، فإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة".
ويؤيد ذلك رواية عائشة: "قامت عليكم ساعتكم".
وذلك أن من مات فقد دخل في حكم القيامة فعالم البروج قريب من عالم يوم القيامة، وفيه من الدنيا أيضاً، ولكن هو أشبه بالآخرة، ثم إذا تناهت المدة المضروبة للدنيا، أمر الله بقيام الساعة، فيجمع الأولون والآخرون لميقات يوم معلوم، كما سيأتي بيان ذلك من الكتاب والسنّة وبالله المستعان.
ذكر الساعة واقترابها وأنها آتية لا ريب فيها وأَنها لا تأتي إلا بغتة ولا يعلم وقتها على التعيين إلا اللّه تعالى
قال الله تعالى: "اقترَبَ لِلنَّاس حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُون".
وقال تعالى: "أتى أمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوه".
وقال تعالى: "يَسْألُكَ النَّاسُ عَن السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّه وَمَا يدرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَريباً".
وقال تعالى: "سَأل سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافع مِنَ اللَّهِ ذِي المعَارِج تَعْرُجُ المَلاَئِكَةُ والرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْل وَتَكُونُ الجِبَالُ كالْعِهْن وَلاَ يَسْألُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُم".
وقال تعالى: "اقتَربَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ".
وقال تعالى: "وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ مسَاعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعَارَفونَ بَيْنهمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كًذّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين".
وقال تعالى: "اللَّهُ الَّذِي أنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ والْمِيزَانِ وَمَا يدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيب يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمنوا مُشفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ألاَ إِنَّ الَّذِينَ يُمَارونَ في السَّاعَةِ لَفِي ضَلال بَعيدٍ".
وقال تعالى: "يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَبِثْتم إِلاَّ عَشْراً نَحْنُ أَعلمُ بِما يَقُولُونَ إِذ يَقُولُ أمثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً".
وقال تعالى: "قُلْ كَمْ لَبِثْتمْ فِي الأَرْض عَدَدَ سِنِينَ قَالوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم فَاسْأَلِ الْعَادِّين قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ".
وقال تعالى: "يَسْألُونَكَ عَن السَّاعَةِ أيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْد ربِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُو َثَقُلَت في السَّمواتِ والأَرْض لاَ تَأتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْألونك كَأنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا علمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لاَ يَعْلَمُونَ".
وقال تعالى: "يَسْألُونَكَ عَن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها".
وقال تعالى: "إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَاد أخْفِيهَا لِتُجْزَى كًلُّ نَفْس بمَا تَسْعَى فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِن بِهَا واتَّبَعَ هَواه فَتَرْدَى".
وقال تعالى: "قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَمواتِ وَالأَرْض الغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أيَّانَ يُبْعَثونَ بل ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُون".
وقال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ عِندَه عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَام وَمَا تدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكسب غداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أرْض تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمَ خَبِير".
ولهذا لما سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الساعة وهو في صورة أعرابي قال له صلى الله عليه وسلم: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل".
يعني قد استوى فيها علم كل مسؤول وسائل، لأنه إن كانت الألف واللام في المسؤول والسائل للعهد عائدة عليه وعلى جبريل، فكل أحد ممن سواهما لا يعلم ذلك بطريق الأولى والأخرى، وإِن كانت للجنس عمت بطريق اللفظ والله سبحانه وتعالى أعلم قال:
ذكر شيء من أشراطها
"في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم قرأ: "إن اللّه عنده علم الساعة".
وقال تعالى: "وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أنتُمْ بِمُعْجِزِينَ".
وقال تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَروا لاَ تَأتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَربِّي لِتَأتِيَنَّكًمْ عَالِم الْغَيْبِ لاَ يَعْزبُ عَنْهُ مثْقَال ذرَّةٍ فِي السَّمواتِ وَلاَ فِي الأرْض وَلاَ أصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلاَ أكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِين لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرزْقٌ كَريمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعْجِزِين أولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ ألِيم".
وقال تعالى: "زعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لتُبْعَثنُّ ثُمّ لتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ".
فهذه ثلاث آيات، يأمر الله فيها رسوله أن يقسم بالله على العباد وليس لهن رابعة مثلهن، ولكن في معناهن كثير. قال الله تعالى: "وَأقْسُمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنّ أكْثَرَ النَّاس لاَ يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ولبيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِين إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أنْ نَقولَ لَهُ كُنْ فَيَكونُ".
وقال تعالى: "مَا خَلْقكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْس وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ".
وقال تعالى: "لَخَلْقُ السَّمواتِ والأَرْض أَكبَرُ مِنْ خَلْق النَّاس وَلَكِنَّ أكْثَرَ النَّاس لاَ يَعْلَمُونَ وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلاَ الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّزونَ إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لاَ يُؤْمِنُونَ".
وقال تعالى: "أ أَنْتُمْ أشَدُّ خَلْقاً أَم السَّماءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسًوّاهَا وَأغطَشَ لَيْلَهَا وأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكمْ".
وقال تعالى: "وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَصُماً مَأوَاهُمْ جَهَنَّمْ كُلّمَا خَبَتْ زِدْنَاهمْ سَعِيراً ذَلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأنَّهُمْ كَفَروا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أئِذَا كُنَّا عِظَاماً و رُفَاتاً أئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً".
وقال تعالى: "أوْلَمْ يَرَوا أنَّ اللَّهَ الَّذي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرْضَ قَادر عَلَى أن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أجَلاً لاَ رَيْبَ فِيهِ فَأبَى الظالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً".
وقال تعالى: "أو لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأرْضَ بِقَادرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الخلاَّقُ الْعَلِيمُ إنَّمَا أمْرُهُ إِذَا أرَادَ شَيْئاً أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذي بِيدهِ مَلَكُوتُ كل شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون".
وقال تعالى: "أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ اللَّهَ الَّذي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأرْض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلقِهِنَّ بِقَادرٍ عَلَى أنْ يُحْييِ المَوتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير".
وقال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالأرْضُ بِأمْرِهِ ثمَّ إِذَا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْض إِذَا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ".
وقال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّموَاتِ وَالأرْض وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم".
وقال تعالى: "وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْييِ العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أنْشَأَهَا أوَّلَ مًرّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ".
وقال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أنَّكَ الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أحْيَاهَا لَمُحيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كل شَيْءٍ قَدِيرٌ".
وقال تعالى: يا أيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثَم مِنْ مُضْغَةٍ مُخلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَام مَا نَشَاءُ إِلَى أجَل مُسَمَّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أرذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْم شَيْئاً وَتَرَى الأرْضَ هَامِدة فَإذَا أنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْج بَهِيج ذلِكَ بِأنَّ اللّه هُوَ الْحَقُّ وَأنَّهُ يُحيِي المَوْتَى واَنَّهُ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأنَّ السَّاعَةَ آتِيَة لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ".
وقال تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِين ثُمَّ جَعَلْنَاهً نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِين ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً ثمَّ أنْشَأنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمِيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ولَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَمَا كنَّا عَن الْخَلْق غَافِلِين".
فيستدل بإحياء الأرض الميتة على إحياءَ الأجساد بعد فنائها، وتمزقها وصيرورتها تراباً، وعظاماً، ورفاتاً، وكذلك يستدل ببدء الخلق على الإعادة كما قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأ الْخَلْقَ ثَمّ يُعِيده وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّموَاتِ وَالأًرْض وَهوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".
وقال تعالى: "قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِىءُ النَّشْأةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِير".
وقال تعالى: "والذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماء مَاءً بِقدَرٍ فأَنْشَرْنَا بِهِ بَلدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ".
وقال تعالى: "واللّه الَّذِي أرْسَلَ الرِّيَاحَ فتثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاه إِلَى بَلَدٍ مَيِّت فأَحْيَيْنَا بهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ".
وقال تعلى: "فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِق يَخْرُجُ مِنْ بَيْن الصُّلْبِ وَالترائِبِ إِنَّه
عَلَى رَجْعِهِ لَقَادرٌ يَوْمَ تُبْلَى السرًّائِرُ فَمَالَهُ مِنْ قُوّة وَلاَ نَاصِر وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْع وَالأرْض ذَاتِ الصدع إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ إِنَّهُمْ يَكِيدونَ كَيْداً وَأكِيد كَيْداً فَمَهِّل الكافِرِينَ أمْهِلْهُمْ روَيْداً".
وقال تعالَى: "وَهُوَ الَّذِي يُرْسَلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتى إِذا أقلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيت فَأنَزَلَنَا بِهِ الْمَاءَ فَأخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرج الموتَى لَعًلّكُمُ تَذَكَّرُونَ".
وقال تعالى إخباراً عن الكافرين أَنهم قالوا: "أئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصً الأرْضَ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ".
وقال تعالى: "أفَرَأيْتمْ مَا تُمْنُونَ أ أنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقينَ عَلَى أنْ نُبَدِّلَ أمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ في مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرونَ".
وقال تعالى: "نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَددْنَا أسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أمْثَالَهمْ تَبْدِيلا".
وقال تعالى: "كلاّ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمّا يَعْلَمُونَ فَلاَ أقْسِمُ بِرَبِّ المَشَارِق والمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادرُونَ عَلَى أنْ نُبدلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقينَ".
وقال تعالى: "وَقَالُواْ أئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَ رفَاتاً أئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أوْ حَدِيداً أوْ خَلْقاً مِمّا يَكْبُرُ في صُدورِكمْ فَسَيَقولُونَ مَنْ يعِيدُنَا قل الَّذِي فَطَرَكُمْ أوَّلَ مًرّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤوسَهمْ وَيَقولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ قَرِيباً يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدهِ وَتَظُنونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَليلاً".
وقال تعالى: "يَقُولونَ أئنَّا لَمردودونَ في الحَافِرَة أئِذا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً قَالوا تِلْكَ إِذا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ وَاحدةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَة".
وقد ذكر تعالى إحياء الموتى في سورة البقرة في خمسة مواضع في قصة بني إسرائيل في قتل بعضهم بعضاً لما عبدوا العجل قال الله تعالى: "ثُمَّ بَعَثناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ".
وفي قصة البقرة: "فَقُلْنَا اضْربُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوتَى ويُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعًلّكُمْ تَعْقِلُونَ".
وفي قصة البقرة: "ألَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ ألُوفٌ حَذْرَ المَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّه مُوتُوا ثُمَّ أحْيَاهمْ إِنَّ اللّه لذُو فَضْل عَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أكْثَرَ النَّاس لاَ يَشْكُرُونَ".
وفي قصة العزيز أَو غيره حيث قال تعالى: "أوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أنَّى يُحْيي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتهَا فَأمَاتَهُ اللّهُ مَائِةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أو بَعْضَ يَوْم قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مائَةَ عَام فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسًنّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاس وانظُرْ إلى العِظَام كَيْفَ ننْشِرُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أعْلَمُ أنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
والخامسة قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ أرِني كَيْفَ تُحْيي المَوْتَى قَالَ أوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أرْبَعَة مِنَ الطّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءَاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأتِينَكَ سَعْياً واعْلَمْ أنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
وذكرتعالى قصة أهل الكهف، وكيف كان إيقاظهم من نومهم الذي دام ثلاثمائة سنة شمسية، وهي ثلاثمائة وتسع سنين بالقمرية وقال فيها: "وَكَذَلِكَ أعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أنْ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَأنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا".
ذكر زوال الدنيا وإِقبال الآخرة
أول شيء يطرق أهل الدنيا بعد وقوع أشراط الساعة نفخة الفزع، وذلك أن الله سبحانه وتعالى يأمر إسرافيل فينفخ في الصور نفخة الفزع، فينظر لها فلا يبقى أحد من أهل الأرض إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً، أي رفع صفحة عنقه وأمال الأخرى يستمع هذا الأمر العظيم، الذي قد هال الناس وِأزعجهم عما كانوا فيه من أمر الدنيا، وشغلهم بها، وفي وقوع هذا الأمر العظيم قال الله تعالى: "وَيَوْمَ يُنْفخُ في الصُورِ فَفَزِعٍ مَنْ في السَّموَاتِ وَمَنْ في الأرْض إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللّهُ وَكُلٌّ أتُوه دَاخِرِينَ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامدَةً وَهِيَ تَمُرّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ".
وقال تعالى: "وَمَا يَنْطرُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاق".
وقال تعالى: "فَإِذا نُقِرَ في النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الكَافِرينَ غَيْرُ يَسِير".
وقال تعالى: "قَوْلَهُ الحَقُّ وَلَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ والشهَادةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ".
ثم بعد ذلك بمدة، يأمره تعالى فينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض، إِلا من شاء الله، ثم يأمره، فينفخ فيه أخرى، فيقوم الناس لرب العالمين.
وقال تعالى: "وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ في السَّمواتِ وَمَنْ في الأرْض إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثمَّ نَفِخَ فِيهِ أخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَام يَنْظُرُونَ وأشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيء بِالنَّبِيِّينَ والشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ وَوُفيَتْ كُلِّ نَفْس مَا عَمِلتْ وَهُوَ أعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ". وقال تعالى: "وَيَقُولُونَ مَتَى هذَا الوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحدَةً تأخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصمُونَ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ وَنًفِخَ في الصورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ إِلَى ربِّهِمْ يَنْسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصدقَ الْمُرْسَلُونَ إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحدَةً فإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ فَالْيَومَ لاَ تُظْلَمً نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".
وقال تعالى: "فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحدةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَة".
وقال تعالى: "وَمَا أمْرُنَا إِلاَّ وَاحدةٌ كَلَمْح بالْبَصَرِ".
وقال تعالى: "وَنُفِخَ في الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً".
وقال تعالى: "فإِذَا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحدَة وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحدة فَيُوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الوَاقِعَةً وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالمَلَكُ عَلَى أرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذ ثَمَانِيةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُون لاَ تَخْفى مِنْكُمْ خَافِيةٌ".
وقال تعالى: "يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَتَأتُونَ أفْوَاجاً وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً".
وقال تعالى: "يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً".
وقد قال الإِمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا سليمان التميمي، عن أسلم العجلي، عن بشر بن سفيان، عن عبد الله بن عمرو قال: قال أعرابي يا رسول الله ما الصور? قال: "قرن ينفخ فيه"
توقع قيام الساعة بين لحظة وأخرى
ثم رواه عن يحيى بن سعيد القطان، عن سليمان بن طرخان التميمي، به. وأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، من طرق عن سليمان التميمي، عن أسلم العجلي، به.
وقال الترمذي حسن ولا نعرفه إِلا من حديث أسلم العجلي.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا أسباط، حدثنا مطرف، عن عطية، عن ابن عباس. في قوله: "فإِذا نقر في الناقور" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمرفينفخ?".
فقال أصحاب محمد: يا رسول الله: كيف نقول? قال: قولوا: "حسبنا الله وِنعم الوكيل على الله توكلنا". انفرد به أحمد.
وقد رواه أبو كدينة عن يحيى بن المهلب، عن مطرف به، وقال الإِمام أحمد: حدثنا سفيان، عن مطرف، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر، متى يؤمر? قال المسلمون: يا رسول الله: فما نقول? قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا".
وأخرجه الترمذي، عن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، وقال: حسن.
ثم رواه من حديث خالد بن طهمان، عن عطية، عن أبي سعيد به، وحسنه أيضاً، وقال شيخنا أبو حجاج المزي في الأطراف، ورواه إسماعيل بن إبراهيم، أبو يحيى التميمي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، كذا قال رحمه الله.
وهكذا رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب الأهوال فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فينفخ." قلنا: يا رسول اللهّ: ما نقول? قال: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل".
وقد قال أبو يعلى الموصلي في مسند أبي هريرة: روى أبو صالح، عن أبي هريرة، وعن عمران، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم أو كيف أنتم- شك أبو صالح- وصاحب الصور قد التقم القرن بفيه، وأصغى سمعه، وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر، فينفخ" قالوا: يا رسول الله: كيف نقول? قال: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا".
وقال الإِمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن سعد الطائي، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور فقال: "عن يمينه جبريل، وعن يساره ميكائيل، عليهم الصلاة والسلام".
وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عباد بن العوام، عن حجاج، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن صاحبي الصور بأيدهما أو في أيديهما قرنان: يلاحظان متى يؤمران"?.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن التيمي، عن أسلم، عن أبي مرية، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "النفاخان في السماء الثانية، رأس أحدهما بالمغرب، ورجلاه بالمشرق، ينتظران متى يؤمران ينفخان في الصور فينفخان". تفرد به أحمد.
وأبو مرية هذا اسمه عبد الله بن عمرو العجلي، وليس بالمشهور، ولعل هذين الملكين أحدهما هو إسرافيل وهو الذي ينفخ في الصور، كما سيأتي بيانه في حديث الصور بطوله، والاخر هو الذي ينقر في الناقور، وقد يكون الصور، والناقور اسم جنس يعم أفراداً كثيرين، والألف واللام فيهما للعهد، ويكون لكل واحد منهما أتباع، يفعلون كفعله، والله أعلم بالصواب.
وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا عبد الله بن جرير، حدثنا موسى بن إسماعيل: أخبرنا عبد الواحد بن زياد، أخبرنا عبد الله بن عبد الله الأصم، أخبرنا يزيد بن الأصم، قال: قال ابن عباس: إن صاحب الصور لم يطرف منذ وكّل به، كأن عينيه كوكبان دريان، ينظرتجاه العرش مخافة أن يؤمرأن ينفخ فيه قبل أن يرتد إليه طرفه.
وحدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر، حدثنا مروان بن معاوية، عن عبد الله بن عبد الله بن الأصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أطرق صاحب الصور منذ وكّل به، ينظرنحو العرش مخافة أن يؤمرقبل أن يرتد إليه طرفه، كأنه عينيه كوكبان دريان".
حديث الصور بطوله تصوير لمشاهد القيامة
أو لبعض مشاهدهاقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا عمرو بن الضحاك بن مجالد، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مجالد، حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع، عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طائفة من أصحابه قال: "إِن الله تعالى لما فرغ من خلق السموات والأرض، خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخصاً إلى العرش ببصره، ينتظرمتى يؤمر? قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الصور? قال: قرن.
قال: كيف هو? قال: عظيم. قال: والذي بعثني بالحق إن عظم دائرة فيه لعرض السموات والأرض، ينفخ فيه ثلاث نفخات، الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول: انفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السموات والأرض، إلا من شاء الله، ويأمره تعالى فيمدها ويطيلها ولا يفتر، وهي التي يقول الله فيها: "وَمَا يَنْظر هؤلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحدةً ما لها مِنْ فَوَاق".
فتسير الجبال سير السحاب، فتكون سراباً، وترتج الأرض بأهلها رجاً، فتكون كالسفينة في البحر، تضربها الأمواج، تكفأ بأهلها كالقنديل المعلق بالعرش، ترجه الأرواح، ألا وهو الذي يقول الله تعالى فيه: "يَوْمَ تَرْجفُ الرَاجِفَةُ تَتبَعهَا الرَّادِفةُ قلوبٌ يومَئِذ واجِفةٌ".
فتميد الأرض بأهلها، وتذهل المراضع، وتضع كل الحوامل، وتشيب الولدان، ويطير الناس هاربين من الفزع، فتلقاهم الملائكة، فتضرب وجوههم فيرجعون، ثم يولون مدبرين، ما لهم من الله من عاصم، ينادي بعضهم بعضاً، فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض بصدعين، من قطر إلى قطر، فرأوا أمراً عظيماً، لم يروا مثله، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم، نظروا في السماء فإذا هي كالمهل، ثم انشقت السماء، فانتثرت نجومها، وخسفت شمسها، وقمرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك".
قال أبو هريرة: من استثناه الله حين يقول: "ففزع من في السموات ومن في الأرض إِلا من شاء الله" قال: أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، وهم أحياء، عند ربهم يرزقون، فوقاهم الله فزع ذلك اليوم، وآمنهم منه، وهو عذاب الله، يبعثه على شرار خلقه هو الذي يقول الله فيه يَايًّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ ربّكم إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شيءٌ عظيم يَومَ تَرَونها تَذهَلُ كلُّ مُرضِعةٍ عمّا أرْضَعَتْ وَتضعً كل ذات حَمْل حَمْلَها وتَرَى الناس سُكارَى وما هم بِسُكارى ولكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَديدٌ.
فيمكثون في ذلك العذاب ما شاء الله، إلا أنه يطول، ثم يأمر الله إسرافيل فينفخ نفخة الصعق? فيصعق أهل السموات والأرض? إلا من شاء الله? فإذا هم خمدوا، جاء ملك الموت إلى الجبارة فيقول: يا رب: مات أهل السموات والأرض إلا من شئت، فيقول الله: وهو أعلم بمن بقي? فمن بقي? فيقول: يا رب: بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل وميكاثيل، وبقيت أنا? فيقول الله: ليمت جبريل وميكائيل، فينطق الله العرش فيقول: يا رب يموت جبريل وميكائيل? فيقول: اسكت، فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي، فيموتان، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار عز وجل فيقول: يا رب: قد مات جبريل وميكائيل? وبقيت أنا وحملة العرش فيقول الله: فليمت حملة عرشي فيموتون، ويأمر الله العرش فيقبض الصور من إسرافيل ثم يأتي ملك الموت إِلى الجبار فيقول: يا رب قد مات حملة عرشك فيقول: وهو أعلم بمن بقي، فمن بقي? فيقول يا رب: بقيت أنت الحي الذي لا تموت وبقيت أنا، فيقول الله: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت فمت، فيموت، فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد كان آخراً كما كان أولاً، طوى السموات والأرض كطي السجل للكتاب ثم دحاها ثم لفها ثلاث مرات، وقال: أنا الجبار ثلاثاً. ثم هتف بصوته: لمن الملك اليوم? ثلاث مرات فلا يجيبه أحد، فيقول لنفسه: لله الواحد القهار، ويبدل الأرض غير الأرض والسموات، فيبسطها، ويسطحها، ويمدها مد الأديم العكاظي، لا ترى فيها عوجاَ ولا أمتاً، ثم يزجر الله الخلق زجرة، فإذا هم في مثل ما كانوا فيه في الأولى، من كان في بطنها كان في بطنها، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها، ثم ينزل الله عليكم من ماء من تحت العرش ثم يأمر الله السماء أن تمطر فتمطر أربعين يوماً، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعاً، ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت، فتنبت كنبات البقل، حتى إذا تكاملت أجسادهم، فكانت كما كانت، قال اللّه: "ليحيي جبريل وميكائيل، فيحييان، ثم يدعو الله بالأرواح، فيؤتى بها تتوهج أرواح المسلمين نوراً، والأخرى ظلمة، فيقبضها جميعاً، ثم يلقيها في الصور، ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث، فينفخ نفخة البعث، فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول الله: "وعزتي وجلالي، ليرجعن كل روح إلى جسده، فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد، فتدخل في الخياشيم، ثم تمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ ثم تنشق الأرض عنكم، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، فتخرجون منها سراعاً إلى ربكم تنسلون. "مُهْطِعينَ إِلى الدَّاع يَقُولُ الْكَافِرونَ هذَا يوم عسيرٌ".
حفاة، عراة، غلفاً غرلاً، ثم تقفون موقفاً واحداً، مقدار سبعين عاماً لا ينظر إليكم، ولا يقضى بينكم، فتبكون حتى تنقطع الدموع، ثم تدمعون دماء وتعرقون حتى يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم، أو يبلغ الأذقان، فتضجون، وتقولون: من يشفع لنا إلى ربنا ليقضي بيننا? فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلاً، فيأتون آدم، فيطلبون إليه ذلك، فيأبى، فيقول: حفاة عراة غلفاً غرلاً ثم تقفون موقفاً واحداً، مقدار سبعين عاماً. ما أنا صاحب ذلك، ثم يسعون للأنبياء نبياً نبياً، كلما جاءوا نبياً أبى عليهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حتى تأتوني، فأنطلق، حتى آتي الفحص، فأخر ساجداً. قال أبو هريرة: يا رسول الله: ما الفحص قال: موضع قدام العرش حتى يبعث اللّه إلي ملكاً، فيأخذ بعضدي، فيرفعني، فيقول لي: يا محمد: فأقول: نعم لبيك يا رب، فيقول ما شأنك?- وهو أعلم- فأقول: يا رب وعدتني الشفاعة، فشفعني في خلقك، فاقض بينهم، فيقول شفعتك، أنا آتيكمِ، فأقضي بينكم"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأرجع فأقف مع الناس، فبينما نحن وقوف، إذا سمعنا حساً من السماء شديداً، فينزل أهل السماء الدنيا مثل من في الأرض من الجن والإِنس، حتى إذا دنوا من الأرض، أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم، وقلنا لهم: أفيكم ربنا? قالوا: لا وهو آت، ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار تبارك وتعالى في ظلل من الغمام والملائكة، ويحمل عرشه يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى، والأرض والسموات إلى حجرهم والعرش على مناكبهم، لهم زجل من تسبيحهم، يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، فيضع اللّه كرسيه حيث شاء من أرضه، ثم يهتف بصوته، فيقول: يا معشر الجن والإِنس، إني قد أنصت لكم من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا، أسمع قولكم، وأرى أعمالكم، فأنصتوا إلي، فإنما هي أعمالكم، وصحفكم، تقرأ عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إِلا نفسه، ثم يأمر الله جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم". ثم يقول: "وامتازوا اليوم أيها المجرمون".
"ألَمْ أعْهَدْ إِلَيْكمْ يَا بَنِي آدَمَ أن لاَ تَعْبدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وأن اعبُدوني هذَا صراطٌ مُسْتَقِيم وَلَقَدْ أضلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هذه جَهَنَّمُ الَّتي كُنْتُمْ تُوعَدونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرونَ".
فيميز الله الناس، وينادي الأمم داعياً لكل أمة إلى كتابها، والأمم جاثية من الهول قال الله تعالى: "وَتَرَى كُل أمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمة تدْعَى إِلَى كِتابِهَا الْيَوْم تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".
فيقضي الله بين خلقه إلا الثقلين، الإِنس والجن، فيقضي بين الوحوش والبهائم، حتى أنه ليقيد الجماء من ذات القرن، فإذا فرغ الله من ذلك، فلم تبق تبعة عند واحدة لأخرى، قال الله لها: كوني تراباً، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً، ثم يقضي الله بين العباد، فيكون أول ما يقضى فيه الدماء، فيأتي كل قتيل في سبيل الله، ويأمر الله من قتل فيحمل رأسه تشخب أوداجه، فيقول: يا رب فيم قتلني هذا? فيقول الله تعالى وهو أعلم: فيم قتلته? فيقول: قتلته يا رب لتكون العزة لك، فيقول الله: صدقت، فيجعل الله وجهه مثل نور السموات، ثم تسبقه الملائكة إلى الجنة، ثم يأتي كل من كان يقتل على غير ذلك ويأمر من قتل فيحمل رأسه تشخب أوداجه، فيقول يا رب فيم قتلني هذا? فيقول الله وهو أعلم: فيم قتلته فيقول: يا رب قتلته لتكون العزة لي، فيقول الله: تعست، ثم ما تبقى نفس قتلها قاتل إِلا قتل بها، ولا مظلمة إلا أخذ بها، وكان في مشيئة الله إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه، ثم يقضي الله بين من بقي من خلقه، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء أن يخلص اللبن من الماء، فإذا فرغ الله من ذلك، نادى مناد يسمع الخلائق كلهم، فقال: ليلحق كل قوم بآلهتهم وماكانوا يعبدون من دون الله، فلا يبقى أحد عبد من دون الله شيئاً إِلا مثلت له الهيئة بين يديه، فيجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير، ويجعل ملك من الملائكة على صورة عيسى، فيتبع هذا اليهود، ويتبع هذا النصارى ثم قادتهم آلهتهم إلى النار فهذا الذي يقول الله تعالى: "لَوْ كَانَ هؤلاَءَ آلِهَةً مَا وَردوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُون".
فإذا لم يبق إِلا المؤمنون، فيهم المنافقون، جاءهم الله فيما شاء من هيئة، فقال: يا أيها الناس،
ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم، وما كنتم تعبدون، فيقولون: والله ما لنا إلا الله، ما كنا نعبد غيره، فينصرف عنهم- وهو الله- فيمكث ما شاء الله أن يمكث، ثم يأتيهم فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا بآلهتكم، وما كنتم تعبدون، فيقولون: والله ما لنا إلا الله، وما كنا نعبد غيره، فيكشف عن ساقه، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون به أنه ربهم، فيخرون سجداً على وجوههم ويخر كل منافق على قفاه، ويجعل الله أصلابهم كصياصي البقر، ثم يأذن الله لهم فيرفعون رؤوسهم، ويضرب الله بالسراط بين ظهراني جهنم، كقد الشعر، أو كعقد الشعر، وكحد السيف، عليه كلاليب وخطاطيف، وحسك كحسك السعدان، ودونه جسر دحض مزلة فيمرون كطرف البصر، أو كلمح البرق، أو كمر الريح، أو كجياد الخيل، أو كجياد الركاب، أو كجياد الرجال، فناج سالم، وناج مخدوش، ومكدوح على وجهه في جهنم، فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة، قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا فيدخلنا الجنة فيقولون: من أحق بذلك من أبيكمٍ آدم? إنه خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلاً، فيأتون آدم، فيطلبون ذلك إليه، فيذكر ذنباً، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بنوح، فإنه أول رسله إلى خلقه، فيؤتى نوحٍ، فيطلبون ذلك إليه فيذكر شيئاً ويقول: ما أنا بصاحبكم، عليكم بموسى، فيطلبون ذلك إليه فيذكر ذنباً، ويقول لست بصاحب ذلك، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم، فيطلبون ذلك إليه، فيقول ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيأتوني، ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدتهن، فانطلق فآتي الجنة، فآخذ بحلقة الباب، ثم أستفتح فيفتح لي، فأحيي ويرحب بي، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجداً، فيأذن الله لي من حمده ومجده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول لي الله: أرفع رأسك يا محمد واشفع تشفع، وسل تعط، فإذا رفعت رأسي قال الله وهو أعلم: ما شأنك? فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة، يدخلون الجنة، فيقول الله عز وجل: قد شفعتك، وأذنت لهم في دخول الجنة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم".
فيدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة كما ينشئهن الله، واثنتين آدميتين، لهما فضل على من شاء الله بعبادتهما اللّه في الدنيا، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة، على سريرمن ذهب مكلل باللؤلؤ، له سبعون درجة من سندس واستبرق، ويضع يده بين كتفيها، ثم ينظر من صدرها ما وراء ثيابها من جلدها ولحمها، وإنه لينظر إلى لحم ساقها، كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوتة، كبده لها مراة وكبدها له مرآة، فبينما هو عندها، لا يملها ولا تمله إذ نودي: إنا قد عرفنا أنك لا تمل، ولا تمل، إِلا أن لك أزواجاً غيرها، فيخرج، فيأتيهن واحدة واحدة، كلما جاء واحدة قالت والله ما في الجنة أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلي منك، قال: وإذا وقع أهل النار في النار، وقع فيها خلق من خلق ربك، أوبقتهم أعمالهم، فمنهم من تأخذه إلى قدميه لا يجاوز ذلك منهم، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من تأخذ جسده كله، إلا وجهه قد حرم الله صوره عليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأقول: "يا رب شفعني فيمن وقع في النار من أمتي، فيقول الله عز وجل: أخرجوا من عرفتم، فيخرج أولئك، حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يأذن اللّه لي في الشفاعة، فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع، فيقول الله: أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيماناً، فيخرج أولئك، حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يشفع الله فيقول أخرجوا من وجدتم في قلبه إيماناً ثلثي دينار، ثم يقول: وثلث دينار، ثم يقول: قيراطاً، ثم يقول: حبة من خردل، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيراً قط، وحتى لا يبقى أحد له شفاعة إِلا شفع، حتى إن إبليس ليتطاول لما يرى من رحمة الله رجاء أن يشفع له، ثم يقول الله: بقيت أنا، وأنا أرحم الراحمين، فيدخل يده في جهنم، فيخرج منها ما لا يحصيه غيره، كأنهم حب فيبثهم اللهّ على نهر يقال له نهر الحيوان، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، مما يلي الشمس أخضر، ومما يلي الظل منها أصفر، فينبتون حتى يكونوا أمثال الدر، مكتوباً في رقابهم الجهنميون عتقاء الرحمن عز وجل يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب، ما عملوا الله خيراً قط، فيبقون في الجنة.
إلى هنا كان في أصل أبي بكر العربي، عن أبي يعلى رحمه الله، وهو حديث مشهور، رواه جماعات من الأئمة في كتبهم، كابن جرير في تفسيره، والطبراني في المطولات، والحافظ البيهقي في كتابه: البعث والنشور، والحافظ أبي موسى المديني في المطولات أيضاً من طرق متعددة عن إسماعيل ابن رافع قاص أهل المدينة، وقد تكلم فيه بسببه وفي بعض سياقه نكارة واختلاف، وقد بينت طرقه في جزء منفرد.
قلت: وإسماعيل بن رافع المديني ليس في الوضاعين، وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة، فجمعه وساقه سياقة واحدة، فكان يقص به على أهل المدينة، وقد حضره جماعة من أعيان الناس في عصره ورواه عنه جماعة من الكبار كأبي عاصم النبيل والوليد بن مسلم، ومَكي بن إبراهيم، ومحمد بن شعيب بن سابور، وعبده بن سليمان، وغيرهم، واختلف عليه، فتارة يقول: عن محمد بن زياد، عن محمد بن كعب، عن رجل، عن أبي هريرة، وتارة يسقط الرجل، وقد رواه إسحاق بن راهويه، عن عبده بن سليمان، عن إسماعيل بن رافع، عن محمد بن زيد، عن أبي زياد، عن رجل من الأنصار، عن محمد بن كعب، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بطوله: ومنهم من أسقط الرجل الأول، قال شيخنا الحافظ المزي، وهذا أقرب، قال: وقد رواه عن إسماعيل بن رافع عن الوليد بن مسلم، وله عليه مصنف، بين شواهده من الأحاديث الصحيحة، وقال الحافظ ابن موسى المديني بعد إيراده له بتمامه: وهذا الحديث وإن كان في إسناده من تكلم فيه فعامة ما فيه يروى مفرقاً من أسانيد ثابتة ثم تكلم على غريبه.
قلت: ونحن نتكلم عليه فصلاً فصلاً وبالله المستعان.
فصل
نفخات الصور لا يبقي من الإِنسان بعد موته إِلا عجب ذنبه
النفخات في الصور ثلاث نفخات، نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة البعث، كما تقدم بيان ذلك في حديث الصور بطوله.
وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين النفختين أربعون يوماً، قال: أبيت. قال: أربعون شهراً. قال: أبيت. قال: أربعون سنة. قال: ثم ينزل من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، قال: وليس من الإِنسان شيء إِلا يبلى، إِلا عظماً واحداً، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة".
ورواه البخاري من حديث الأعمش، وحديث عجب الذنب وأنه لا يبلى وأن الخلق بدؤوا منه ومنه يركبون يوم القيامة، ثابت من رواية أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة.
ورواه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق.
ورواه أحمد، عن يحيى القطان، عن محمد بن عجلان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل ابن آدم يبلى ويأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب". انفرد به أحمد وهو على شرط مسلم.
ورواه أحمد أيضاً من حديث إبراهيم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة مرفوعاً بنحوه.
وقال أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يأكل التراب كل شيء من الإِنسان إلا عجب ذنبه، قيل وما هو يا رسول الله? قال: مثل حبة خردل، منه ينبتون".
والمقصود هنا ذكر النفختين، وأن بينهما إما أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة، وهاتان النفختان هما والله أعلم، نفخة، الصعق، ونفخة القيام للبعث والنشور، بدليل إنزال الماء بينهما، وذكر عجب الذنب الذي منه يخلق الإِنسان ومنه يركب عند بعثه يوم القيامة، ويحتمل أن يكون المراد منهما ما بين نفخة الصعق، ونفخة الفزع وهو الذي يريد ذكره في هذا المقام، وعلى كل تقدير، فلا بد من مدة بين نفختي الفزع والصعق، وقد ذكر في حديث الصور أنه يكون فيها أمور عظام.
من أهوال يوم القيامة
من ذلك زلزلة الأرض، وارتجاجها وميدانها، بأهلها يميناً وشمالاً، قال الله تعالى: "إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالها وأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقَالَها وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَها".
وقال تعالى: "يا أيُهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنْ زَلزَلةَ السًاعَةِ شَيءٌ عَظِيم يَوْمَ تَرْونَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاس سُكَارَىَ وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ".
وقال تعالى: "إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَة لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَة خافِضَةٌ رَافِعَةٌ إِذَا رُجَّت الأرض رَجّاً وبَسّتِ الْجِبَالُ بَساً فَكَانَتْ هَبَاءَ مُنْبَثّاً وَكُنْتُمْ أزْواجاً ثَلاَثَةً".
ولما كانت هذه النفخة، أعني نفخة الفزع أولى مبادىء القيامة، كان اسم يوم القيامة صادقاً على ذلك كله.
كما ثبت في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوباً بينهما فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها".
وهذا إنما يتجه على ما قبل نفخة الفزع بأنها الساعة لما كانت أول مبادئها، وتقدم في الحديث في صفة أهل آخر الزمان أنهم شرار الناس، وعليهم تقوم الساعة.
وقد ذكر في حديث ابن رافع في حديث الصور المتقدم، أن السماء تنشق فيما بين نفختي الفزع والصعق، وأن نجومهما تتناثر، وتخسف شمسها وقمرها، والظاهر- والله أعلم- أن هذا إنما يكون بعد نفخة الصعق.
قال تعالى: "يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأرْض والسَّموَاتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ الوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَتَرَى الْمجْرِمِينَ يَوْمَئِذ مُقَرَّنِينَ في الأصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ".
وقال تعالى: "إِذا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِربِّهَا وَحُقَّتْ".
وقال تعالى: "فإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أيْنَ الْمَفَرّ كلا لاَ وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المُسْتَقَرّ يُنَبّؤاْ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذ بِمَا قَدّمَ وَأخَّر بَل الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ ألْقَى مَعَاذِيرَهُ".
وسيأتي تقرير أن هذا كله كائن، بعد نفخة الصعق، وأما زلزال الأرض، وانشقاقها بسبب تلك الزلزلة، وفرار الناس إلى أقطارها، وأرجائها، فمناسب أن يكون بعد نفخة الفزع وقبل الصعق، قال الله تعالى إخباراً عن مؤمن آل فرعون أنه قال: "وَيَا قوْم إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التنَادِ يَوْمَ تُوَلًّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِم".
وقال تعالى: "يَا مَعْشَرَ الجِنِّ والإِنْس إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذوا مِنْ أَقْطَارِ السَّموَاتِ وَالأَرْض فَانْفُذُوا لاَ تَنفذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ فَبِأَيَ آلاءِ رَبكمَا تُكَذِّبَانِ يُرسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نار ونُحاسٌ فَلاَ تَنْتَصِرَان فبَأيِّ آلاء ربِّكمَا تُكَذِّبَانِ".
وقد تقدم الحديث، في مسند أحمد، وصحيح مسلم، والسنن الأربعة، عن أبي شريحة حذيفة بن أسيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الساعة لن تقوم حتى تروا عشر آيات" فذكرها إلى أن قال: "وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن، تسوق الناس إلى المحشر". وهذه النار تسوق الموجودين في آخر الزمان من سائر أقصار الأرض إلى أرض الشام منها وهي بقعة المحشر والنشر.
ذكر أمر هذه النار وحشرها الناس إلى أرض الشام
ثبت في الصحيحين، من حديث وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس على ثلاث طرائق، راغبين، وراهبين، واثنان على بعير وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، فتقتل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث أمسوا". وروى أحمد، عن عفان، عن ثابت بن أنس، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول أشراط الساعة فقال: "نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب". الحديث بطوله وهو في الصحيح.
يحشر الناس يوم القيامة أصنافاً ثلاثة

وروى الإِمام أحمد، عن حسن وعفان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أوس بن خالد، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف، صنف مشاة، وصنف ركبان، وصنف على وجوههم، قالوا يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم? قال: "إن الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك".
وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده، عن حماد بن سلمة بنحو من هذا السياق.
وقال الإِمام أحمد: عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلَّف".
ورواه الطبراني من حديث المهلب بن أبي صفرة، عن عبد الله بن عمرو بنحوه.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد اللهّ الخرقي ببغداد، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي، حدثنا الحسن بن علي بن عفان: حدثنا زيد بن الحباب: أخبرني الوليد بن جميع القرشي، قال: وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، حدثنا سعيد بن مسعود، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا أبو الوليد، عن عبد الله بن جميع، عن أبي الطفيل عامر بن وائلة، عن أبي شريحة حذيفة بن أسيد الغفاري، سمعت أبا ذر الغفاري وقد تلا هذه الآية: "وَنَحْشُرهمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجوهِهِمْ عُمْيَاَ وَبُكْماً وصُمّاً".
يقول: حدثني الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "إن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج، فوج طاعمين كاسين راكبين، وفوج يمشون ويسعون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم، قلنا: قد عرفنا هذين، فما بال الذين يمشون ويسعون? قال: يلقي الله الآفة على الظهر، حتى تبقى ذات ظهر، حتى إن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالممارن ذات القتب" لفظ الحاكم.
وهكذا رواه الإِمام أحمد، عن يزيد بن هارون، ولم يذكر تلاوة أبي ذر الآية وزاد في آخره فلا يقدر عليها.
وفي مسند الإِمام أحمد، من حديث بهز، وغيره، عن أبيه حكيم بن معاوية، عن جده معاوية بن حميدة القشيري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يحشرون هاهنا- وأومأ بيده إلى نحو الشام- مشاة وركباناً، ويمرون على وجوههم ويعرضون على الله، وعلى أفواههم الفدام".
وقد رواه الترمذي، عن أحمد بن منيع، عن يزيد بن هارون، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، بنحوه. وقال: حسن صحيح.
فهذه السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيِا، من أقطار محلة الحشر، وهي أرض الشام، وأنهم يكونون على أصناف ثلاثة، فقسم يحشرون طاعمين كاسين راكبين، وقسم يمشون تارة ويركبون أخرى، وهم يعتقبون على البعير الواحد، كما تقدم في الصحيحين اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير، يعني يعتقبونه من قلة الظهر، كما تقدم، كما جاء مفسراً في الحديث الآخر، وتحشر بقيتهم النار، وهي التي تخرج من قعر عدن، فتحيط بالناس من ورائهم تسوقهم من كل جانب، إلى أرض المحشر، ومن تخلف منهم أكلته النار، وهذا كله مما يدل على أن هذا في آخر الدنيا، حيث الأكل والشرب، والركوب على الظهر المستوي وغيره، وحيث يهلك المتخلفون منهم بالنار، ولو كان هذا بعد نفخة البعث، لم يبق موت ولا ظهر يسري، ولا أكل ولا شرب، ولا لبس في العرصات، والعجب كل العجب أن الحافظ أبا بكر البيهقي بعد روايته لأكثر هذه الأحاديث، حمل هذا الركوب على أنه يوم القيامة، وصححِ ذلك، وضعف ما قلناه، واستدل على ما قاله بقوله تعالى: "يَوْمَ نَحْشًرُ الْمُتّقِينَ إِلَى الرحمن وَفْداً وَنسُوقُ المُجْرمينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً".
يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً
وكيف يصح ما ادعاه في تفسير الآية بالحديت وفيه: "إن منهم اثنين على بعير، وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير" وقد جاء التصريح بأن ذلك من قلة الظهر. هذا لا يلتثم مع هذا، والله أعلم، تلك نجائب من الجنة يركبها المؤمنون من العرصات إلى الجنات، على غير هذه الصفة كما سيأتي تقرير ذلك في موضعه.
فأما الحديث الآخر، الوارد من طرق أخر، عن جماعة من الصحابة، منهم ابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وغيرهم. "إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً": "كَمَا بَدَأنَا أوَّلَ خَلْق نُعِيده".
فذلك حشر غير هذا، هذا يوم القيامة، بعد نفخة البعث، يقوم الناس من قبورهم حفاة عراة غرلاً، أيّ غير مختنين، وكذلك يحشر الكافرون إلى جهنم ورداً أي عطاشاً وقوله: "وَنَحْشُرهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأوَاهُمْ جَهًنّمُ كُلُمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً".
فذلك حين يؤمر بهم إلى النار، من مقام الحشر، كما سيأتي بيان ذلك كله في موضعه إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان.
وقد ذكر في حديث الصور أن الأموات لا يشعرون بشيء مما يقع، مما ذكر، بسبب نفخة الفزع، وإن الذين استثنى الله فيها، إنما هم الشهداء، لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، فهم يشعرون بها، ولا يفزعون منها، وكذلك لا يصعقون بسبب نفخة الصعق.
وقد اختلف المفسرون في المستثنين منها على أقوال، أحدها: كما جاء مصرحاً به، أنهم الشهداء، وقيل: بل هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، قيل: وحملة العرش أيضاً، قيل: وغير ذلك، فالله أعلم.
وقد ذكر في هذا الحديت، أعني حديث الصور، أنه يطول على أهل الدنيا مدة ما بين نفخة الفزع ونفخة الصعق، وهم يشاهدون تلك الأهوال، والأمور العظام، فيموت بسبب ذلك جميع الموجودين، من أهل السموات، ومن في الأرض، من الإنس والجن، والملائكة، إِلا من شاء الله، فقيل: هم حملة العرش، وجبريل، وميكائيل، وإسرا فيل، وقيل: هم الشهداء، وقيل: غير ذلك قال الله تعالى: "وَنُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ في السَّموَاتِ وَمَنْ في الأرْض إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثمَّ نُفِخَ فِيهِ أخْرَى فَإذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُون".
وقال تعالى: "فإِذَا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَة وَاحدَة وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَةً وَاحدَةً فَيَومَئِذٍ وَقَعَتِ الوَاقِعَة وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذ واهِيةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ ربئك فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ".
تقدم في حديث الصور: "إن الله تعالى يقول لإِسرافيل: انفخ نفخة الصعق، فينفخ فيصعق من في السموات والأرض، إِلا من شاء الله، فيقول الله لملك الموت: وهو أعلم بمن بقي فمن بقي? فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا يموت، وبقيت حملة عرشك، وبقي جبريل وميكائيل، فيأمره الله أن يقبض روح جبريل وميكائيل، ثم يأمر الله سبحانه وتعالى بقبض حملة العرش، ثم يأمره أن يموت، وهو آخر من يموت من الخلائق".
وروى أبو بكر بن أبي الدنيا، من طريق إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، من قوله فيما بلغه، وعنه، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول لملك الموت: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمت ثم لا تحيا".
وقال محمد بن كعب فيما بلغه فيقول له: مت موتاً لا تحيا بعده أبداً فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السموات والأرض لماتوا فزعاً.
قال الحافظ أبو موسى المديني: لم يتابع إسماعيل بن رافع على هذه اللفظة، ولم يقلها أكثر الرواة، قلت: وقد قال بعضهم في معنى هذا: مت موتاً لا تحيا بعده أبداً، يعني ثم لا يكون بعد هذا ملك موت أبداً، لأنه لا موت بعد هذا اليوم، كما ثبت في الصحيح: "يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل النار خلود ولا موت". ويا أهل الجنة خلود ولا موت".
وسيأتي الحديث،.... فملك الموت فان حتى لا يكون بعد ذلك ملك موت أبداً، والله أعلم. وبتقدير صحة هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم فظاهر ذلك أنه لا يحيى بعد ذلك أبداً، وهذا التأويل بعيد بتقدير صحة الحديث، والله أعلم بالصواب.
فصل
في حديث الصور

قال في حديث الصور: فإذا لم يبق إلا اللّه الواحد القهار، الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، كان اخراً كما كان أولاً، طوى السموات والأرض، كطي السجل للكتاب، ثم دحاهما، ثم لفهما ثلاث مرات، وقال: "أنا الجبار" ثلاثاً ثم ينادي: لمن الملك اليوم. ثلاث مرات، فلا يجيبه أحد، ثم يقول مجيباً لنفسه: للّه الواحد القهار وقد قال الله تعالى: "وَمَا قَدَرُوا اللّه حًقّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُة يَوْمَ الْقِيَامَةِ والسَّموَاتِ مَطْوِيَّاتٌ بيَمِييهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ".
وقال تعالى: "يَوْمَ نَطوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَلَ خَلْقٍ نُعِيد وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلين".
وقال تعالى: "هُوَ الأَولُ والآخِرُ والظَّاهر والْباطنُ وَهُوَ بكلِّ شَيْءٍ عَليمٌ".
وقال تعالى: "رَفِيع الدَّرَجَاتِ ذو الْعَرْش يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِن عِبَاده لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَق يَوْمَ هُمْ بَارِزونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنهمْ شَيْءٌ لِمَن الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ تُجْزَى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ".
وثبت في الصحيحين من حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أنا الجبار، أين ملوك الأرض? أين الجبارون? أين المتكبرون?.
وفيهما أيضاً من حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يقبض السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك". وفي مسند الإمام أحمد، وصحيح مسلم، من حديث عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: "وَمَا قدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ والسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمينهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ".
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا بيده، يحركها، يقبل بها ويدير، يمجد الرب نفسه، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم، فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حيث قلنا ليخرنّ به وهذا لفظ أحمد.
وقد ذكرنا الأحاديث المتعلقة بهذا المقام عند هذه الآية من كتابنا التفسير بأسانيدها وألفاظها بما فيه كفاية ولله الحمد.
فصل يتبع ان شاء الله ب5



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق