الأحد، 10 يونيو 2018

49.ذكر أمر هذه النار وحشرها الناس إلى أرض الشام

49. ذكر أمر هذه النار وحشرها الناس إلى أرض الشام
[ ص: 328 ] ذِكْرُ أَمْرِ هَذِهِ النَّارِ ، وَحَشْرِهَا النَّاسَ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ

ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ : رَاغِبِينَ وَرَاهِبِينَ . وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ . وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ . وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا ، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا ، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا ، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا " .

وَرَوَى أَحْمَدُ ، عَنْ عَفَّانَ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوَّلِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ; فَقَالَ : " نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ " . الْحَدِيثَ بِطُولِهِ ، وَهُوَ فِي " الصَّحِيحِ " .

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، عَنْ حَسَنٍ ، وَعَفَّانَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ; صِنْفٌ مُشَاةٌ ، وَصِنْفٌ رُكْبَانٌ ، وَصِنْفٌ عَلَى وُجُوهِهِمْ " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ؟ قَالَ : " إِنَّ [ ص: 329 ] الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، أَمَا إِنَّهُمْ يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كُلَّ حَدَبٍ وَشَوْكٍ " .

وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ " ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ ، يَنْحَازُ النَّاسُ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ ، لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ إِلَّا شِرَارُ أَهْلِهَا ، تَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ ، وَتَقْذَرُهُمْ نَفْسُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ ، تَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ ، تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا ، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا ، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ " . وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، بِنَحْوِهِ .

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ " : أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُرْفِيُّ بِبَغْدَادَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْقُرَشِيُّ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ ، حدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ [ ص: 330 ] الْحُبَابِ ، أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ الْقُرَشِيُّ ( ح ) .

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَنْبَأَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ : سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا [ الْإِسْرَاءِ : 97 ] . فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ : حَدَّثَنِي الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَفْوَاجٍ ، فَوْجٍ طَاعِمِينَ كَاسِينَ رَاكِبِينَ ، وَفَوْجٍ يَمْشُونَ وَيَسْعَوْنَ ، وَفَوْجٍ تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى وُجُوهِهِمْ . قُلْنَا : قَدْ عَرَفْنَا هَذَيْنِ ، فَمَا بَالُ الَّذِينَ يَمْشُونَ وَيَسْعَوْنَ؟ قَالَ : " يُلْقِي اللَّهُ الْآفَةَ عَلَى الظَّهْرِ حَتَّى لَا يَبْقَى ذَاتُ ظَهْرٍ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطِي الْحَدِيقَةَ الْمُعْجِبَةَ بِالشَّارِفِ ذَاتِ الْقَتَبِ " . لَفْظُ الْحَاكِمِ .

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ تِلَاوَةَ أَبِي ذَرٍّ لِلْآيَةِ ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ : " فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا " .

وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ بَهْزٍ وَغَيْرِهِ ، عَنْ أَبِيهِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : [ ص: 331 ] " تُحْشَرُونَ هَهُنَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى نَحْوِ الشَّامِ - مُشَاةً ، وَرُكْبَانًا ، وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ ، وتُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامُ ، فَأَوَّلُ مَا يُعْرِبُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ وَكَفُّهُ " . وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، بِنَحْوِهِ ، وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .

وَقَالَ أَحْمَدُ : ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ ، ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ . : ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ رَافِعِ بْنِ بِشْرٍ السُّلَمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ؟ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ حَبْسِ سَيَلٍ تَسِيرُ سَيْرَ بَطِيئَةِ الْإِبِلِ ، تَسِيرُ النَّهَارَ وَتُقِيمُ اللَّيْلَ ، تَغْدُو وَتَرُوحُ ، يُقَالُ : غَدَتِ النَّارُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَاغْدُوا ، قَالَتِ النَّارُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَقِيلُوا ، رَاحَتِ النَّارُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَرُوحُوا . مَنْ أَدْرَكَتْهُ أَكَلَتْهُ " . تَفَرَّدَ بِهِ . وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ بِشْرٍ أَبِي رَافِعٍ السُّلَمِيِّ ، وَفِيهِ . " تُضِيءُ لَهَا أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِبُصْرَى " .

[ ص: 332 ] فَهَذِهِ السِّيَاقَاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَشْرَ هُوَ حَشْرُ الْمَوْجُودِينَ فِي آخِرِ الدُّنْيَا مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ إِلَى مَحَلَّةِ الْمَحْشَرِ ، وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ ، وَأَنَّهُمْ يَكُونُونَ عَلَى أَصْنَافٍ ثَلَاثَةٍ; فَقِسْمٍ طَاعِمِينَ كَاسِينَ رَاكِبِينَ ، وَقِسْمٍ يَمْشُونَ تَارَةً وَيَرْكَبُونَ أُخْرَى ، وَهُمْ يَعْتَقِبُوَنَ عَلَى الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " : " اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ " . إِلَى أَنْ قَالَ : " وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ " . يَعْتَقِبُونَهُ مِنْ قِلَّةِ الظَّهْرِ ، كَمَا تَقَدَّمَ . وَكَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ، " وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ " . وَهِيَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ ، فَتُحِيطُ بِالنَّاسِ مِنْ وَرَائِهِمْ ، تَسُوقُهُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ ، وَمَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ أَكَلَتْهُ .

وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ آخِرِ الدُّنْيَا ، حَيْثُ يَكُونُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالرُّكُوبُ مَوْجُودًا ، وَالْمُشْتَرَى وَغَيْرُهُ ، وَحَيْثُ تُهْلِكُ الْمُتَخَلِّفِينَ مِنْهُمُ النَّارُ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا بَعْدَ نَفْخَةِ الْبَعْثِ لَمْ يَبْقَ مَوْتٌ ، وَلَا ظَهْرٌ يُشْتَرَى ، وَلَا أَكْلٌ وَلَا شُرْبٌ وَلَا لُبْسٌ فِي الْعَرَصَاتِ .

وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ الْحَافِظَ أَبَا بَكْرٍ الْبَيْهَقِيَّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لِأَكْثَرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حَمَلَ هَذَا الرُّكُوبَ عَلَى أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَصَحَّحَ ذَلِكَ ، وَضَعَّفَ مَا قُلْنَاهُ ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [ مَرْيَمَ : 85 ، 86 ] .

[ ص: 333 ] وَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ادَّعَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِالْحَدِيثِ ، وَفِيهِ أَنَّ مِنْهُمْ : " اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ " ، وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِلَّةِ الظَّهْرِ؟! هَذَا لَا يَلْتَئِمُ مَعَ هَذَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، فَإِنَّ نَجَائِبَ الْمُتَّقِينَ مِنَ الْجَنَّةِ ، يَرْكَبُونَهَا مِنَ الْعَرَصَاتِ إِلَى الْجَنَّاتِ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ .

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ الْوَارِدُ مِنْ طُرُقٍ ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَعَائِشَةُ ، وَغَيْرُهُمْ : " إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا : كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [ الْأَنْبِيَاءِ : 104 ] " . فَذَلِكَ حَشْرٌ غَيْرُ هَذَا ، ذَاكَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَعْدَ نَفْخَةِ الْبَعْثِ ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ، أَيْ غَيْرَ مُخْتَتَنِينَ ، وَكَذَلِكَ حَشْرُ الْكَافِرِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا; أَيْ عِطَاشًا .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى : وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [ الْإِسْرَاءِ : 97 ] . فَذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُمْ حِينَ يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ مِنْ مُقَامِ الْمَحْشَرِ ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مَوَاضِعِهِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ : أَنَّ الْأَمْوَاتَ لَا يَشْعُرُونُ بِشَيْءٍ مِمَّا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ بِسَبَبِ نَفْخَةِ الْفَزَعِ ، وَأَنَّ الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى إِنْمَّا هُمُ الشُّهَدَاءُ ، [ ص: 334 ] لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَهُمْ يَشْعُرُونَ بِهَا وَلَا يَفْزَعُونَ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ لَا يُصْعَقُونَ بِسَبَبِ نَفْخَةِ الصَّعْقِ .

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُسْتَثْنَيْنَ مِنْهَا عَلَى أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا هَذَا ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِيهِ ، وَقِيلَ : بَلْ هُمْ جِبْرِيلُ ، وَمِيكَائِيلُ ، وَإِسْرَافِيلُ ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ . وَقِيلَ : وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ . وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ أَنَّهُ يَطُولُ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مُدَّةُ مَا بَيْنَ نَفْخَةِ الْفَزَعِ ، وَنَفْخَةِ الصَّعْقِ ، وَهُمْ يُشَاهِدُونَ تِلْكَ الْأَهْوَالَ ، وَالْأُمُورَ الْعِظَامَ .

----------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق