88.فصل حال الناس عند أخذ الكتاب يوم القيامة
فصل حال الناس عند أخذ الكتاب يوم القيامة.
قال اللهّ تعالى: "يَوْمَ تَبْيَضُّ وجُوهٌ، وَتَسْوَدُ وُجُوه، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ، فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُون وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ". وقال تعالى: "وجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَة إِلى ربِّهَا نَاظِرَةٌ، وَوُجًوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَة". وقال تعالى: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَة ضَاحِكَة مُسْتَبْشِرَةٌ ووجُوهٌ يَوْمَئِدٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ قي تَرْهَقُهَا قَتَرَة أولَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةً". وقال تعالى: "لِلذِينَ أَحْسَنُوا الحسْنَى وَزِيَادةٌ، وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّة أولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ، كَأَنَّمَا أغشِيَتْ وُجُوههُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْل مُظْلِماً أولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ". وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن معمر، ومحمد بن عثمان، ابن كرامة، قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "يَوْمَ نَدْعُو كلَّ أنَاس بإِمَامِهِمْ، فَمَنْ أوتيَ كِتَابَهُ بِيَمينهِ فَأولَئِكَ يَقرءونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمونَ فَتِيلاً وَمَنْ كَانَ في هذه أعْمَى فَهُوَ في الآخِرَةِ أعْمَى وَأضَلُّ سَبِيلاً". قال: يدعى آخرهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمد له في جسده، ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ، يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه، فيرونه من بعيد، فيقولون: اللهم ائتنا بهذا، وبارك لنا في هذا، فيأتيهم، فيقول: أبشروا، فإن لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر فيسود وجهه، ويمد له في جسمه، فيراه أصحابه، فيقولون: نعوذ بالله من هذا، من شر هذا، اللهم لا تأتنا به، فيأتيهم، فيقولون: اللهم أخزه، فيقول: أبعدكم الله، فإِن لكل رجل منكم مثل هذا، ثم قال: لا نعرفه إلا بهذا الإِسناد، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا، عن العباس بن محمد، بن عبيد الله، بن موسى، العبسي به. وروى ابن أبي الدنيا: عن بعض السلف، وهو الحسن البصري، أنه قال: إذا قال الله تعالى للعبد: خذوه فغلوه، ابتدره سبعون ألف ملك، فتسلسل السلسلة من فيه، فتخرج من دبره، وينظم في سلسلة كما ينظم الخرز في الخيط، ويغمس في النار، غمسة، فيخرج عظاماً، فيقع، ثم تسجر تلك العظام في النار، ثم يعاد غضاً طرياً. وقال بعضهم: إذا قال الله: خذوه، ابتدره أكثر من ربيعة ومضر، وعن معتمر بن سليمان، عنأبيه، أنه قال: لا يبقى شيء إلا ذمه، فيقول: ما ترحمني? فيقول: كيف أرحمك، ولم يرحمك أرحم الراحمين?! .......................... ومن موسوعة الفقه الإسلامي 9- أحوال الناس يوم القيامة: أقسام الناس يوم القيامة: الناس يوم القيامة ثلاثة أقسام: الكفار والمنافقون.. والمؤمنون المتقون.. وعصاة الموحدين. الأول: أحوال الكفار يوم القيامة: أحوال الكفار عند خروجهم من القبور: قال الله تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [42] يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [43] خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [44]} [المعارج: 42- 44]. وقال الله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ [6] خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ [7] مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [8]} [القمر: 6- 8]. أحوال الكفار في عرصات القيامة: قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [42] مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ [43]} [إبراهيم: 42- 43]. وقال الله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [41] يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [42]} [النساء: 41- 42]. وقال الله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [26] وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [27]} [الفرقان: 26- 27]. وقال الله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [18]} [غافر: 18]. بطلان أعمال الكفار يوم القيامة: قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [23]} [الفرقان: 23]. وقال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ [18]} [إبراهيم: 18]. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [39]} [النور: 39]. دخول الكفار والمنافقين النار: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا [64] خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [65]} [الأحزاب: 64- 65]. وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [140]} [النساء: 140]. الثاني: أحوال المؤمنين المتقين يوم القيامة: أحوال المتقين عند خروجهم من القبور: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [30] نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [31] نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [32]} [فُصِّلَت: 30- 32]. وقال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [62] الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [63] لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [64]} [يونس: 62- 64]. أحوال المؤمنين المتقين في الموقف العظيم: قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [82]} [الأنعام: 82]. وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: الإمَامُ، العَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال إنِّي أخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». متفق عليه. دخول المؤمنين المتقين الجنة: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [14]} [الحج: 14]. الثالث: أحوال عصاة الموحدين يوم القيامة: 1- أحوال من أهمل الصلاة ومنع الزكاة: قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [4] الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [5] الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ [6] وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [7]} [الماعون: 4- 7]. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [34] يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [35]} [التوبة: 34- 35]. 2- أحوال من كتم ما أنزل الله من العلم: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [174]} [البقرة: 174]. .3- أحوال أهل الغلول: قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [161]} [آل عمران: 161]. 4- أحوال ذي الوجهين: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ الله ذَا الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ» متفق عليه. 5- أحوال أهل الغدر: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا جَمَعَ الله الأَوّلِينَ وَالآخرينَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ». متفق عليه. 10- الشفاعة: الشفاعة: هي سؤال العون للغير. أقسام الشفاعة: الشفاعة يوم القيامة قسمان: الأولى: شفاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم: وهي أنواع: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف، فيشفع فيهم، ويقضي الله بينهم، وهي المقام المحمود له، وهذه هي الشفاعة العظمى كما سبق. شفاعته صلى الله عليه وسلم في أناسٍ من أمته، فيدخلون الجنة بغير حساب، وهم السبعون ألفاً كما سبق. شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة. شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات من يدخل الجنة فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم. شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب أن يخفف عنه عذابه. شفاعته صلى الله عليه وسلم في جميع المؤمنين أن يدخلوا الجنة. عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ الله: «أنَا أوَّلُ النَّاسِ يَشْفَعُ فِي الجَنَّةِ، وَأنَا أكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعاً». أخرجه مسلم. وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ». متفق عليه. الثانية: شفاعة عامة: للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الملائكة والأنبياء والمؤمنين. وهذه الشفاعة تكون فيمن استحق النار أن لا يدخلها، وفيمن دخلها أن يخرج منها. قال الله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [26]} [النجم: 26]. وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ الله: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ، إِنْ شَاءَ اللهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لا يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً». متفق عليه. وَعَنْ أبي الدَّرْدَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: «يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» أخرجه أبو داود. شروط الشفاعة: يشترط لقبول الشفاعة شرطان: الأول: إذن الله في الشفاعة. الثاني: رضا الله عن الشافع والمشفوع له. قال الله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [26]} [النجم: 26]. حكم الشفاعة للكفار: لا يقبل الله شفاعة أحد من الكفار؛ لأنهم مخلدون في النار، ولو فرض أن أحداً شفع لكافر لم تنفعه الشفاعة. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [48]} [النساء: 48]. وقال الله تعالى: {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [46] حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [47] فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [48]} [المدَّثر: 46- 48]. وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: ألَمْ أقُلْ لَكَ لا تَعْصِنِي، فَيَقُولُ أبُوهُ: فَاليَوْمَ لا أعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أنْ لا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأيُّ خِزْيٍ أخْزَى مِنْ أبِي الأبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقال: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ». أخرجه البخاري. صفة طلب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فليطلبها من ربه، ويتبع ذلك بالعمل الصالح الموجب لها بإخلاص العبادة لله وحده، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وسؤال الوسيلة له. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قال: قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قال رَسُولُ الله: «لَقَدْ-ظَنَنْتُ يَا أبَا هُرَيْرَةَ- أنْ لا يَسْألَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قال لا إلَهَ إلا اللهُ، خَالِصاً مِنْ قَلْبِهِ، أوْ نَفْسِهِ». أخرجه البخاري. وَعَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِي الوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لاتَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله، وَأرْجُو أنْ أكُونَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سَألَ لِي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». أخرجه مسلم. 11.- الحساب: الحساب: هو أن يوقف الله عباده بين يديه يوم القيامة، ثم يجازيهم حسب أعمالهم. فيوقف الله عباده بين يديه، المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، ويعرِّفهم بأقوالهم وأعمالهم، ثم يجازيهم بحسب أعمالهم، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة بمثلها. من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب: وهؤلاء هم الصفوة من هذه الأمة، أهل كمال الإيمان والتقوى. عَنِ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَأجدُ النَّبِيَّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ العَشَرَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الخَمْسَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، هَؤُلاءِ أُمَّتِي؟ قال: لا، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قال: هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ ألْفاً قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قال: كَانُوا لا يَكْتَوُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». متفق عليه. وَعَنْ أَبي أُمَامَةَ البَاهِلِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: «وَعَدَنِي رَبي سُبْحَانَهُ أَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفاً لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلاَ عَذابَ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفاً وَثلاَث حَثيَاتٍ مِنْ حَثيَاتِ رَبي عَزَّ وَجَلَّ». أخرجه الترمذي وابن ماجه. لقاء الرب يوم القيامة: جميع الناس يلقون ربهم يوم القيامة للحساب والجزاء، وهم صنفان: الأول: أهل اللقاء المحبوب، وهم المؤمنون، وهم أسعد الخلق بهذا اللقاء كما قال الله سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [43] تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [44]} [الأحزاب: 43- 44]. الثاني: أهل اللقاء المكروه، وهم الكفار والمنافقون، وهم أشقى الخلق؛ لجرمهم وتكذيبهم بهذا اللقاء كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [6] فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [7] فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [8] وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا [9] وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ [10] فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا [11] وَيَصْلَى سَعِيرًا [12]} [الانشقاق: 6- 12]. ديوان الحساب يوم القيامة: الحساب يوم القيامة يكون على ثلاثة أشياء: جزء مدون فيه الأعمال الصالحة التي فعلها العبد.. وجزء مدون فيه المعاصي التي ارتكبها العبد.. وجزء مدون فيه نعم الله على العبد. قال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [6] فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [7] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [8]} [الزلزلة: 6- 8]. وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [92] عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [93]} [الحِجر: 92- 93]. وقال الله تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ [6] ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [7] ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [8]} [التكاثر: 6- 8]. قواعد محاسبة العباد يوم القيامة: لو عذب الله عز وجل جميع خلقه لم يكن ظالماً لهم؛ لأنهم عبيده وملكه، والمالك يتصرف في ملكه كيف شاء. ولكن الله كريم يقضي بالحق، ويحكم بالعدل، ويحب الإحسان. وقد بين الله في القرآن القواعد التي يحاسب الخلق بموجبها، وهي: أن الله يحكم بين عباده بالعدل ويوفيهم أجورهم كاملة: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [40]} [النساء: 40]. وقال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [6] فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [7] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [8]} [الزلزلة: 6- 8]. يجازي الله عباده بأعمالهم، ولا يأخذ أحداً بجريرة غيره: قال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [39] وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى [40] ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى [41]} [النجم: 39- 41]. وقال الله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [164]} [الأنعام: 164]. اطلاع العباد على ما فعلوه في الدنيا: قال الله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [30]} [آل عمران: 30]. وقال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا [13] اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [14]} [الإسراء: 13- 14]. يضاعف الله الحسنات دون السيئات: قال الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [160]} [الأنعام: 160]. وقال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [245]} [البقرة: 245]. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ الله، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قال: «إنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إلَى أضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً». متفق عليه. تبديل سيئات التائبين حسنات: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [68] يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [69] إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [70]} [الفرقان: 68- 70]. تكفير صغائر الذنوب لمن اجتنب الكبائر: قال الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [31]} [النساء: 31]. إقامة الشهود الذين يشهدون على الخلق بما عملوه: قال الله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [89]} [النحل: 89]. وقال الله تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [21] لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [22]} [ق: 21- 22]. وقال الله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [24] يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [25]} [النور: 24- 25]. عرض كتب الأعمال: قال الله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [47]} [الكهف: 47]. وقال الله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [28] هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [29]} [الجاثية: 28- 29]. عظمة موقف الحساب يوم القيامة: مشهد الحساب يوم القيامة مشهد عظيم؛ لما فيه من الخوف والهول، والوجل والرعب، فتطيش عقول الناس، وتصاب بالرعب الشديد، مما ترى في صحائف الأعمال من مثاقيل الذر من حقوق العباد. قال الله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا [48] وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [49]} [الكهف: 48- 49]. وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ [27] وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [28]} [الجاثية: 27- 28]. وقال الله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [69] وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [70]} [الزُّمَر: 69- 70]. وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [94]} [الأنعام: 94]. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [1] يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [2]} [الحج: 1- 2]. وقال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [6] فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [7] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [8]} [الزلزلة: 6- 8]. صفة الحساب يوم القيامة: الحساب يوم القيامة نوعان: حساب يسير.. وحساب عسير.. وتكريم.. وتوبيخ.. وعدل.. وعفو.. وستر وفضيحة. الأول: الحساب اليسير: وأهله لا يناقشون الحساب، وإنما تعرض عليهم ذنوبهم، ثم يتجاوز الله لهم عنها، وهؤلاء هم عامة المؤمنين. عَنْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّ رَسُولَ الله قال: «لَيْسَ أحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا هَلَكَ». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، ألَيْسَ قَدْ قال: اللهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} فَقال رَسُولُ الله: «إِنَّمَا ذَلِكِ العَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الحِسَابَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا عُذِّبَ». متفق عليه. وَعَنْ عَبدِالله بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأى فِي نَفْسِهِ أنَّهُ هَلَكَ، قال: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأنَا أغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ. وَأمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُ، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}». متفق عليه. الثاني: الحساب العسير: وأهله يناقشون الحساب، ويُسألون عن كل ما عملوه. وهؤلاء هم الكفار والمشركون، وبعض أهل الكبائر من المسلمين. قال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [30]} [الأنعام: 30]. وقال الله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ [130]} [الأنعام: 130]. وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [92] عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [93]} [الحِجر: 92- 93]. وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [65]} [يس: 65]. أول من يحاسب من الأمم يوم القيامة: أول من يحاسب من الأمم يوم القيامة أمة محمد صلى الله عليه وسلم. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ». متفق عليه. اول ما يحاسب عليه المسلم: أول ما يحاسب عليه العبد المسلم يوم القيامة من الأعمال الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله. وأول ما يقضى بين الناس في الحقوق الدماء. عَنْ عَبْدالله بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَوّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النّاسِ، يَوْمَ القِيَامَةِ، فِي الدّمَاءِ». متفق عليه. وَعن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَلاَتُهُ، فَإِنْ كَانَ أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: انظروا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَتُكْمِلُونَ بِهَا فَرِيضَتَهُ، ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى حِسَابِ ذَلِكَ» أخرجه أحمد وأبو داود. المحاسبون من الأمم: الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: الأول: من لا حساب عليه ولا عذاب من المؤمنين: وهؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهم السبعون ألفاً من هذه الأمة، وأهل كمال الإيمان والتقوى كما سبق. الثاني: من يحاسب ثم يدخل الجنة. وهؤلاء عامة المؤمنين، وعصاة الموحدين بعد عفو الله عن ذنوبهم، أو تطهيرهم في النار ثم خروجهم إلى الجنة. الثالث: من يحاسبون وتعرض عليهم أعمالهم توبيخاً لهم: وهؤلاء هم الكفار والمشركون. وهم متفاوتون في العذاب، ومن له حسنات يخفف عنه العذاب لكنه لا يدخل الجنة. قال الله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [49]} [الكهف: 49]. وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِيمَا رَوَى عَنِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «... يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ». أخرجه مسلم. ما يُسأل الناس عنه يوم القيامة: قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [36]} [الإسراء: 36]. وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [62]} [القصص: 62]. وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [65]} [القصص: 65]. وقال الله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [92] عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [93]} [الحِجر: 92- 93]. وقال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [34]} [الإسراء: 34]. وقال الله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [6] فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [7]} [الأعراف: 6- 7]. وقال الله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [90] وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [91] وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ [92] مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ [93] فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ [94] وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ [95]} [الشعراء: 90- 95]. وقال الله تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ [5] لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ [6] ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [7] ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [8]} [التكاثر: 5- 8]. وَعَنْ أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ». أخرجه الترمذي والدارمي. اقتصاص المظالم التي بين الخلق: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا المُفْلِسُ؟» قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي، يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ». أخرجه مسلم. وَعَنْ عَبْدِالله بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَوّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي الدّمَاءِ». متفق عليه. وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رَسُولُ الله: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأحد مِنْ عِرْضِهِ أوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ». أخرجه البخاري. وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ الله قال: «إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الجَنَّةِ أدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا». أخرجه البخاري. صفة أخذ الكتب: يعطى كل واحد من أهل الموقف كتابه، فمنهم من يعطى كتابه بيمينه وهم السعداء، ومنهم من يعطى كتابه بشماله من وراء ظهره وهم الأشقياء. قال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا [13] اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [14]} [الإسراء: 13- 14]. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [6] فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [7] فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [8] وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا [9] وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ [10] فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا [11] وَيَصْلَى سَعِيرًا [12]} [الانشقاق: 6- 12]. وقال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [18] فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [19] إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ [20] فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [21] فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ [22] قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ [23] كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [24] وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ [25] وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ [26] يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ [27]} [الحاقة: 18- 27]. رؤية الأعمال: تعرض أعمال العباد عليهم يوم القيامة، ويرى المرء عمله وهو يباشره، خيراً كان أو شراً، صغيراً كان أو كبيراً. قال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [6] فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [7] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [8]} [الزلزلة: 6- 8]. جزاء الأعمال في الدنيا والآخرة: قال الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [160]} [الأنعام: 160]. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: «إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ وَأَمَّا الكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا؟ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا». أخرجه مسلم. حكم أعمال الكفار: الكفار والمشركون والمنافقون لا يقبل الله قُرَبهم وطاعاتهم؛ لفقدها شرطها وهو الإيمان، وما عملوه لله يجازون به في الدنيا بصحة، وسعة رزق ونحو ذلك، وليس لهم في الآخرة إلا النار. قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ [18]} [إبراهيم: 18]. وقال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [23]} [الفرقان: 23]. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [39]} [النور: 39]. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! ابْنُ جُدْعَانَ، كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ المِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قال: «لا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ». أخرجه مسلم. حكم الأطفال يوم القيامة: أطفال المؤمنين يدخلون الجنة كما يدخلها الكبار على صورة أبيهم آدم، وكذلك أطفال المشركين. ومن لم يتزوج من الذكور والإناث فإنه يتزوج في الآخرة، فليس في الجنة أعزب. عَنْ سُمرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: «... وَأمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام. وَأمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ». قال: فَقَالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ الله، وَأوْلادُ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله: «وَأوْلادُ المُشْرِكِينَ». أخرجه البخاري. حكم أعمال من لا يعقل: كل من لا يعقل كالمجنون والخرف والأبله والأصم، ومن مات في الفترة ونحوهم، هؤلاء كلهم يُمتحنون يوم القيامة. عَنْ أبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله: «أَرْبَعَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، رَجُلٌ أَصَمُّ لاَ يَسْمَعُ شَيْئاً، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرَمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ، فَأَمَّا الأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِْسْلاَمُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئاً، وَأَمَّا الأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلاَمُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالبَعْرِ، وَأَمَّا الهَرَمُ فَيَقُولُ: رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الإِْسْلاَمُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئاً، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ، قال: فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلاَماً، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا» أخرجه أحمد. حساب الحيوانات يوم القيامة: يحشر الله يوم القيامة جميع الدواب، والبهائم، والوحوش، والطيور، ثم يقتص الله لبعضها من بعض، فيقتص للشاة الجماء من القرناء التي نطحتها. فإذا فرغ الله من القصاص بين الدواب قال لها كوني تراباً فتكون. قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [38]} [الأنعام: 38]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ». أخرجه مسلم. 12- الميزان: الميزان: هو ميزان حقيقي له لسان وكفتان، يوزن به العباد وأعمالهم يوم القيامة. حجم الميزان: الميزان لا يَقْدر قَدْره إلا الله عز وجل، وهو ميزان عظيم لو وضعت فيه السماوات والأرض لوسعهن. دقة الميزان: جعل الله الميزان يوم القيامة حَكَماً بين الناس؛ إظهاراً لكمال العدل الإلهي، وهو ميزان دقيق لا يزيد ولا ينقص مثقال ذرة. قال الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [47]} [الأنبياء: 47]. وقال الله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ [6] فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [7] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [8]} [الزلزلة: 6- 8]. نصب الموازين: توضع الموازين يوم القيامة لحساب الخلائق، ويتقدم الناس واحداً واحداً للحساب، فيحاسبهم ربهم، فإذا تم الحساب كان بعده وزن الأعمال. قال الله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [8] وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ [9]} [الأعراف: 8- 9]. وقال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ [6] فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [7] وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ [8] فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [9] وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ [10] نَارٌ حَامِيَةٌ [11]} [القارعة: 6- 11]. وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: «يُدْنَى المُؤْمِنُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكُفَّارُ وَالمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الخَلاَئِقِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله». متفق عليه. كيفية الوزن: الذي يوزن يوم القيامة هو العامل، وعمله، وصحف أعماله. توزن أعمال العباد يوم القيامة من حسنات وسيئات. فتوضع الحسنات في كفة الميزان، وتوضع السيئات في الكفة الأخرى، فمن رجحت حسناته بسيئاته أفلح ونجا، ومن رجحت سيئاته بحسناته خسر وهلك، ومن تساوت حسناته وسيئاته فهؤلاء أهل الأعراف، وهم في الجنة. قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا [103] الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [104] أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [105]} [الكهف: 103- 105]. وقال الله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [8] وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ [9]} [الأعراف: 8- 9]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله قَالَ: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. وَقَالَ: اقْرَءُوا إِن شِئْتُم: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}». متفق عليه. وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله العَظِيمِ». متفق عليه. وَعَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثقَلُ فِي المِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ». أخرجه أبو داود والترمذي. 13- الحوض: اسم الحوض: عَنْ أنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «بَيْنَمَا أنَا أسِيرُ فِي الجَنَّةِ، إِذَا أنَا بِنَهَرٍ، حَافَتَاهُ قِباب الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ عليه السلام قال: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي أعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإِذَا طِينُهُ، أوْ طِيبُهُ، مِسْكٌ أذْفَرُ». متفق عليه. صفة الحوض: عَنْ عَبْدِالله بْن عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلا يَظْمَأُ أبداً». متفق عليه. وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! مَا آنِيَةُ الحَوْضِ؟ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا أَلاَ فِي اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ المُصْحِيَةِ، آنِيَةُ الجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ، يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، مَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ». أخرجه مسلم. سعة الحوض: عَنْ أنَس بْن مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ الله قال: «إِنَّ قَدْرَ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ اليَمَنِ، وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الأبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ». متفق عليه. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالمَدِينَةِ». أخرجه مسلم. مَنْ يشرب من الحوض: يشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة كل من آمن به ومات على ذلك. عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أبَداً، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أقْوَامٌ أعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ». متفق عليه. وَعَنْ عَبْدِالله رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ». متفق عليه. من يطرد عن الحوض: يطرد عن الحوض كل كافر، وكل من ارتد عن الإسلام. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ، أنَّ رَسُولَ الله قال: «يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ القِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أصْحَابِي، فَيُجْلَوْنَ عَنِ الحَوْضِ، فَأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحَابِي؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لا عِلْمَ لَكَ بِمَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أدْبَارِهِمُ القَهْقَرَى». متفق عليه. وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُما قالتْ: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي عَلَى الحَوْضِ حَتَّى أنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقال: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، وَالله مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أعْقَابِهِمْ». متفق عليه. الرهط: من الثلاثة إلى العشرة. .14- الصراط: الصراط: هو الجسر المنصوب على ظهر جهنم ليعبر المؤمنون عليه إلى الجنة. .صفة الصراط: عَنْ أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ في حَديثِ الرؤيةِ: «... وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأكُونُ أنَا وَأُمَّتِي أوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَلا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللهمَّ! سَلِّمْ، سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأيْتُمُ السَّعْدَانَ؟». قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ الله. قال: «فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أنَّهُ لا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلا اللهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ المُؤْمِنُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ المُجَازَى حَتَّى يُنَجَّى». متفق عليه. .الذين يمرون على الصراط: الذين يمرون على الصراط هم المؤمنون. أما الكفار والمشركون فتتبع كل فرقة منهم ما كانت تعبد في الدنيا من الأصنام والأوثان والشياطين وغيرها من الآلهة الباطلة، فترد النار مع معبودها أولاً. ثم يبقى بعد ذلك من كان يعبد الله وحده في الظاهر، سواء كان صادقاً أم منافقاً. وهؤلاء الذين ينصب لهم الصراط. ثم يتميز المنافقون عن المؤمنين بامتناعهم عن السجود، وانقطاعهم عن المؤمنين في الظلمة، وَتَمَيُّز المؤمنين عنهم بالنور، فيعود المنافقون إلى الوراء إلى النار. ويعبر المؤمنون الصراط إلى الجنة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم وعموم المسلمين منهم. قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [71] ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [72]} [مريم: 71- 72]. وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ [96] إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [97] يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [98]} [هود: 96- 98]. وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ نَاساً فِي زَمَنِ رَسُولِ الله قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قال رَسُولُ الله: «نَعَمْ». قال: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْواً لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ صَحْواً لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟». قَالُوا: لا، يَا رَسُولَ الله!. قال: «مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أذَّنَ مُؤَذِّنٌ: لِيَتَّبِعْ كُلُّ أمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. فَلا يَبْقَى أحَدٌ، كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ الله سُبْحَانَهُ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأنْصَابِ إِلا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَغُبَّرِ أهْلِ الكِتَابِ. فَيُدْعَى اليَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ الله، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا! فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ: ألا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ الله، فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلا وَلَدٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا، يَا رَبَّنَا! فَاسْقِنَا، قال فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ: ألا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أتَاهُمْ رَبُّ العَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أدْنَى صُورَةٍ مِنِ الَّتِي رَأوْهُ فِيهَا. قال: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا! فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ. فَيَقُولُ: أنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِالله مِنْكَ، لا نُشْرِكُ بِالله شَيْئاً مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلاثاً حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أنْ يَنْقَلِبَ. فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، فَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ؟ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلا أذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أرَادَ أنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ. ثُمَّ يَرْفَعُونَ رؤُوسَهُمْ، وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأوْهُ فِيهَا أوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أنْتَ ربُّنا. ثُمَّ يُضْرَبُ الجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهمَّ! سَلِّمْ، سَلِّمْ». قِيلَ: يَا رَسُولَ الله! وَمَا الجِسْرُ؟ قال: «دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكٌ، تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ المُؤْمِنُونَ، كَطَرْفِ العَيْنِ وَكَالبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. حَتَّى إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ بِأشَدَّ مُنَاشَدَةً؟، فِي اسْتِقْصَاءِ الحَقِّ، مِنَ المُؤْمِنِينَ؟ يَوْمَ القِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمِ الَّذِينَ فِي النَّارِ. يَقُولُونَ: رَبَّنَا! كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً قَدْ أخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! مَا بَقِيَ فِيهَا أحَدٌ مِمَّنْ أمَرْتَنَا بِهِ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! لَمْ نَذَرْ فِيهَا أحَداً مِمَّنْ أمَرْتَنَا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أمَرْتَنَا أحَداً، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا! لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْراً». وَكَانَ أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الحَدِيثِ فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [40]} [النساء: 40]. فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «شَفَعَتِ المَلائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ المُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلا أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْماً لَمْ يَعْمَلُوا خَيْراً قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَماً، فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أفْوَاهِ الجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ألا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الحَجَرِ أوْ إِلَى الشَّجَرِ، مَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيْفِرُ وَأُخَيْضِرُ، وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أبْيَضَ؟». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! كَأنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالبَادِيَةِ. قال: «فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤْلُؤِ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِمُ، يَعْرِفُهُمْ أهْلُ الجَنَّةِ، هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ الله الَّذِينَ أدْخَلَهُمُ اللهُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الجَنَّةَ فَمَا رَأيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا! أعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أحَداً مِنَ العَالَمِينَ، فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أفْضَلُ مِنْ هَذَا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا! أيُّ شَيْءٍ أفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ، فَلا أسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أبَداً». متفق عليه. .صفة المرور على الصراط: يمر المؤمنون والمنافقون على الصراط، فيسقط المنافقون في النار، ويعبر المؤمنون الصراط إلى الجنة. قال الله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [12]} [الحديد: 12]. وقال الله تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [13] يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [14] فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [15]} [الحديد: 13- 15]. .وقت المرور على الصراط: يكون المرور على الصراط بعد الحساب، ووزن الأعمال، والفراغ من كل ذلك، ثم يضطر الناس إلى المرور على الصراط. ----------- |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق