السبت، 16 يونيو 2018

ص23. السيرة النبوية لابن كثير الجزء 7 بتصنيف الشاملة وآخر الكتاب والحمد لله رب العالمين


السيرة النبوية لابن كثير
الجزء 7 بتصنيف الشاملة
 السيرة النبوية لابن كثير   الجزء 7 بتصنيف الشاملة
ابن شهاب، قال: حدثنى أنس بن مالك أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها، فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم.
ثم علقه البخاري عن إبراهيم بن سعد الزهري المدنى وشعيب بن أبى جمرة وزياد ابن سعد الخراساني، وأخرجه مسلم من حديثه، وانفرد أبو داود بعبد الرحمن بن خالد ابن مسافر، كلهم عن الزهري كما قال أبو داود، خاتما من ورق.
والصحيح أن الذى لبسه يوما واحدا ثم رمى به إنما هو خاتم الذهب، لا خاتم الورق، لما ثبت في الصحيحين عن مالك عن عبدالله بن دينار، عن ابن عمر قال: كان
رسول الله يلبس خاتما من ذهب، فنبذه وقال: لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم.
وقد كان خاتم الفضة يلبسه كثيرا، ولم يزل في يده حتى توفى صلوات الله وسلامه عليه، وكان فصه منه، يعنى ليس فيه فص منفصل عنه، ومن روى أنه كان فيه صورة شخص فقد أبعد وأخطأ، بل كان فضة كله وفصه منه، ونقشه: محمد رسول الله ثلاثة أسطر: محمد سطر.
رسول سطر.
الله سطر.
وكأنه والله أعلم كان منقوشا وكتابته مقلوبة ليطبع على الاستقامة كما جرت العادة بهذا، وقد قيل: إن كتابته كانت مستقيمة، وتطبع كذلك، وفى صحة هذا نظر، ولست أعرف لذلك إسنادا لا صحيحا ولا ضعيفا.
وهذه الاحاديث التى أوردناها أنه عليه السلام كان له خاتم من فضة، ترد الاحاديث التى قدمناها في سنني أبى داود والنسائي من طريق أبى عتاب سهل بن حماد الدلال، عن أبى مكين نوح بن ربيعة، عن إياس بن الحارث بن معيقيب بن أبى فاطمة، عن جده قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوى عليه فضة.
ومما يزيده ضعفا الحديث الذى رواه أحمد وأبو داود الترمذي والنسائي من حديث
أبى طيبة عبدالله بن مسلم السلمى المروزى، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من شبه (1) فقال: مالى أجد منك ريح الاصنام ؟ فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال: مالى أرى عليك حلية أهل النار ؟ فطرحه، ثم قال: يا رسول الله من أي شئ أتخذه ؟ قال: اتخذه من ورق، ولا تتمه مثقالا.
* * * وقد كان عليه السلام يلبسه في يده اليمنى، كما رواه أبو داود والترمذي في الشمائل، والنسائي من حديث شريك: أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن القاضى، عن إبراهيم بن
عبدالرحمن بن عبدالله بن حسن، عن أبيه، عن على رضى الله عنه، عن رسول الله قال شريك: وأخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن أن رسول الله كان يتختم في يمينه.
وروى في اليسرى، رواه أبو داود من حديث عبد العزيز بن أبى رواد، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يساره، وكان فصه في باطن كفه.
قال أبو داود: رواه أبو إسحاق وأسامة بن زيد عن نافع في يمينه.
وحدثنا هناد، عن عبدة، عن عبيدالله، عن نافع: أن ابن عمر كان يلبس خاتمه في يده اليسرى.
ثم قال أبو داود: حدثنا عبدالله بن سعيد، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: رأيت على الصلت بن عبدالله بن نوفل بن عبدالمطلب خاتما في خنصره اليمنى، فقلت: ما هذا ؟ فقال: رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا، وجعل فصه على ظهرها.
__________
(1) الشبه: النحاس الاصفر.
(*)
قال: لا يخال ابن عباس إلا قد كان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه كذلك.
وهكذا رواه الترمذي من حديث محمد بن إسحاق به.
ثم قال محمد بن إسماعيل، يعنى البخاري: حديث ابن إسحاق عن الصلت حديث حسن.
وقد روى الترمذي في الشمائل، عن أنس وعن جابر وعن عبدالله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في اليمين.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبدالله الانصاري، حدثنا أبى، عن ثمامة، عن أنس بن مالك، أن أبا بكر لما استخلف كتب له وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر.
قال أبو عبد الله: وزاد أبو أحمد: حدثنا الانصاري، حدثنى أبى، حدثنا ثمامة، عن أنس قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في يده، وفى يد أبى بكر، وفى يد عمر بعد أبى بكر.
قال: فلما كان عثمان جلس على بئر أريس، فأخذ الخاتم فجعل يعبث به فسقط.
قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم يجده.
فأما الحديث الذى رواه الترمذي في الشمائل: حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن أبى يسر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتخذ خاتما من فضة فكان يختم به ولا يلبسه.
فإنه حديث غريب جدا.
وفى السنن من حديث ابن جريج عن الزهري عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه.
ذكر سيفه عليه السلام قال الامام أحمد: حدثنا شريح، حدثنا ابن أبى الزناد، عن أبيه، عن الاعمى عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذى رأى فيه الرؤيا يوم أحد، قال: رأيت في سيفى ذا الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم، ورأيت أنى مردف كبشا، فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أنى في درع حصينة فأولتها المدينة، ورأيت بقرا تذبح، فبقر والله خير فبقر والله خير.
فكان الذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبدالرحمن بن أبى الزناد عن أبيه به.
وقد ذكر أهل السنن أنه سمع قائل يقول: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا على.
وروى الترمذي من حديث هود بن عبدالله بن سعد، عن جده مزيدة بن جابر العبدى العصرى رضى الله عنه، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعلى سيفه ذهب وفضة.
الحديث.
ثم قال: هذا حديث غريب.
وقال الترمذي في الشمائل: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبى، عن قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن قال: كانت قبيعة (2) سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة.
وروى أيضا من حديث عثمان بن سعد عن ابن سيرين قال: صنعت سيفى على
__________
(1) الفل: ثلم يكون في حد السيف.
(2) القبيعة: ما على مقبض السيف من حديد أو فضة.
(*)
سيف سمرة، وزعم سمرة أنه صنع سيفه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حنفيا، وقد صار إلى آل على سيف من سيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قتل الحسين بن على رضى الله عنهما بكربلاء عند الطف كان معه، فأخذه على بن الحسين زين العابدين فقدم معه دمشق حين دخل على يزيد بن معاوية، ثم رجع معه إلى المدينة.
فثبت في الصحيحين عن المسور بن مخرمة أنه تلقاه إلى الطريق، فقال له: هل لك إلى من حاجة تأمرني بها ؟ قال: فقال: لا.
فقال: هل أنت معطى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنى أخشى أن يغلبك عليه القوم.
وايم الله إن أعطيتنيه لا يخلص إليه أحد حتى يبلغ نفسي.
* * * وقد ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم غير ذلك من السلاح.
من ذلك: الدروع كما روى غير واحد منهم السائب بن يزيد، وعبد الله بن الزبير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين.
وفى الصحيحين من حديث مالك، عن الزهري، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه قيل له: هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة.
فقال: اقتلوه.
وعند مسلم من حديث أبى الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء.
وقال وكيع عن مساور الوراق، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وعليه عمامة دسماء (1).
__________
(1) الدسماء: التى يضرب لونها إلى السواد.
(*)
ذكرهما الترمذي في الشمائل، وله من حديث الدراوردى، عن عبدالله، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدلها بين كتفيه.
وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبدالله بن محمد، حدثنا مخول بن إبراهيم، حدثنا إسرائيل، عن عاصم، عن محمد بن سيربن، عن أنس بن مالك، أنه كانت عنده عصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمات فدفنت معه بين جنبه وبين قميصه.
ثم قال البزار: لا نعلم رواه إلا مخول بن راشد، وهو صدوق فيه شيعية.
واحتمل على ذلك.
وقال الحافظ البيهقى بعد روايته هذا الحديث من طريق مخول هذا قال: وهو من الشيعة يأتي بأفراد عن إسرائيل لا يأتي بها غيره، والضعف على رواياته بين ظاهر.
ذكر نعله التى كان يمشى فيها عليه السلام
ثبت في الصحيح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية (1)، وهى التى لا شعر عليها.
وقد قال البخاري في صحيحه: حدثنا محمد، هو ابن مقاتل، حدثنا عبدالله، يعنى ابن المبارك، أنبأنا عيسى بن طهمان، قال: أخرج إلينا أنس بن مالك نعلين لهما قبالان، فقال يا ثابت: هذه نعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه في كتاب الخمس عن عبدالله بن محمد، عن أبى أحمد الزبيري، عن عيسى ابن طهمان، عن أنس، قال: أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان.
فحدثني ثابت البنانى بعد عن أنس أنهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) السبتية: المتخذة من جلود البقر.
(*)
وقد رواه الترمذي في الشمائل عن أحمد بن منيع، عن أبى أحمد الزبيري به.
وقال الترمذي في الشمائل: حدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن عبدالله بن الحارث، عن ابن عباس قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان مثنى شراكهما.
وقال أيضا: حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبى ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبى هريرة قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان.
وقال الترمذي: حدثنا محمد بن مرزوق أبو عبد الله، حدثنا عبدالرحمن بن قيس أبو معاوية، حدثنا هشام، عن محمد، عن أبى هريرة قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان وأبى بكر وعمر، وأول من عقد عقدا واحدا عثمان.
قال الجوهرى: قبال النعل بالكسر: الزمام الذى يكون بين الاصبع الوسطى والتى تليها.
قلت: واشتهر في حدود سنة ستمائة وما بعدها عند رجل من التجار يقال له: ابن أبى الحدرد نعل مفردة ذكر أنها نعل النبي صلى الله عليه وسلم، فسامها الملك الاشرف موسى ابن الملك العادل أبى بكر بن أيوب منه بمال جزيل فأبى أن يبيعها، فاتفق موته بعد حين فصارت إلى الملك الاشرف المذكور، فأخذها إليه وعظمها، ثم لما بنى دار الحديث الاشرفية إلى جانب القلعة، جعلها في خزانة منها، وجعل لها خادما، وقرر له من المعلوم كل شهر أربعون درهما، وهى موجودة إلى الآن في الدار المذكورة.
وقال الترمذي في الشمائل: حدثنا محمد بن رافع وغير واحد قالوا: حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا شيبان، عن عبدالله بن المختار، عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سلة (1) يتطيب منها.
__________
(1) السلة: الجونة (*)
صفة قدح النبي صلى الله عليه وسلم قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا شريك، عن عاصم قال: رأيت عند أنس قدح النبي صلى الله عليه وسلم فيه ضبة من فضة.
وقال الحافظ البيهقى: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبدالله، أخبرني أحمد بن محمد النسوي، حدثنا حماد بن شاكر، حدثنا محمد بن إسماعيل هو البخاري، حدثنا الحسن ابن مدرك، حدثنى يحيى بن حماد، أخبرنا أبو عوانة، عن عاصم الاحول قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك وكان قد انصدع فسلسله بفضة.
قال: وهو قدح جيد عريض من نضار (1).
قال أنس: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا.
قال: وقال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضه فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
فتركه.
وقال الامام أحمد: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا حجاج بن حسان، قال: كنا عند أنس فدعا بإناء فيه ثلاث ضبات حديد وحلقة من حديد، فأخرج من غلاف أسود وهو دون الربع وفوق نصف الربع، وأمر أنس بن مالك فجعل لنا فيه ماء فأتينا به فشربنا وصببنا على رؤوسنا ووجوهنا وصلينا على النبي صلى الله عليه وسلم.
انفرد به أحمد.
ذكر ما ورد في المكحلة التى كان عليه السلام يكتحل منها قال الامام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا عبدالله بن منصور، عن عكرمة، عن ابن
__________
(1) النضار: الخشب والاثل (*)
عباس، قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة يكتحل منها عند النوم ثلاثا في كل عين.
وقد رواه الترمذي وابن ماجه من حديث يزيد بن هارون، قال على بن المدينى: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قلت لعباد بن منصور: سمعت هذا الحديث من عكرمة ؟ فقال: أخبرنيه بن أبى يحيى عن داود بن الحصين عنه.
قلت: وقد بلغني أن بالديار المصرية مزارا فيه أشياء كثيرة من آثار النبي صلى الله عليه وسلم اعتنى بجمعها بعض الوزراء المتأخرين، فمن ذلك مكحلة وقيل: ومشط.
وغير ذلك فالله أعلم.
البردة قال الحافظ البيهقى: وأما البرد الذى عند الخلفاء فقد روينا عن محمد بن إسحاق بن يسار في قصة تبوك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أهل أيلة برده مع كتابه الذى كتب لهم أمانا لهم، فاشتراه أبو العباس عبدالله بن محمد بثلاثمائة دينار - يعنى
بذلك أول خلفاء بنى العباس وهو السفاح رحمه الله - وقد توارث بنو العباس هذه البردة خلفا عن سلف، كان الخليفة يلبسها يوم العيد على كتفيه، ويأخذ القضيب المنسوب إليه صلوات الله وسلامه عليه في إحدى يديه، فيخرج وعليه من السكينة والوقار ما يصدع به القلوب، ويبهر به الابصار، ويلبسون السواد في أيام الجمع والاعياد، وذلك اقتداء منهم بسيد أهل البدو والحضر، ممن يسكن الوبر والمدر.
لما أخرجه البخاري ومسلم إماما أهل الاثر، من حديث مالك عن الزهري، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر.
وفى رواية: وعليه عمامة سوداء، وفى رواية: قد أرخى طرفها بين كتفيه، صلوات الله وسلامه عليه
وقد قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن محمد، عن أبى بردة قال: أخرجت إلينا عائشة كساء وإزارا غليظا فقالت: قبض روح النبي صلى الله عليه وسلم في هذين.
وللبخاري من حديث الزهري عن عبيدالله بن عبدالله، عن عائشة وابن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا.
قلت: وهذه الاثواب الثلاثة لا يدرى ما كان من أمرها بعد هذا.
وقد تقدم أنه عليه السلام طرحت تحته في قبره الكريم قطيفة حمراء كان يصلى عليها، ولو تقصينا ما كان يلبسه في أيام حياته لطال الفصل، وموضعه كتاب اللباس من كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
ذكر أفراسه ومراكبه عليه الصلاة والسلام قال ابن إسحاق عن يزيد بن حبيب، عن مرثد بن عبدالله المزني، عن عبدالله
ابن رزين، عن على قال: كان للنبى صلى الله عليه وسلم فرس يقال له المرتجز، وحمار يقال له عفير، وبغلة يقال لها دلدل، وسيفه ذو الفقار، ودرعه ذو الفضول.
ورواه البيهقى من حديث الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن على نحوه.
قال البيهقى: وروينا في كتاب السنن أسماء أفراسه التى كانت عند الساعديين، لزاز واللحيف وقيل اللخيف والظرب، والذى ركبه لابي طلحة يقال له المندوب، وناقته القصواء والعضباء والجدعاء، وبغلته الشهباء، والبيضاء.
قال البيهقى: وليس في شئ من الروايات أنه مات عنهن، إلا ما روينا في بغلته
البيضاء، وسلاحه وأرض جعلها صدقة، ومن ثيابه، وبغلته، وخاتمه ما روينا في هذا الباب.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا زمعة بن صالح، عن أبى حازم، عن سهل بن سعد، قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وله جبة صوف في الحياكة.
وهذا إسناد جيد.
وقد روى الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثنا مجاهد، عن موسى، حدثنا على بن ثابت، حدثنا غالب الجزرى، عن أنس قال: لقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لينسج له كساء من صوف.
وهذا شاهد لما تقدم.
وقال أبو سعيد بن الاعرابي: حدثنا سعدان بن نصير، حدثنا سفيان بن عيينة.
عن الوليد بن كثير، عن حسين، عن فاطمة بنت الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وله بردان في الجف (1) يعملان.
وهذا مرسل.
وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا الحسن بن إسحاق التسترى، حدثنا أبو أمية
عمرو بن هشام الحرانى، حدثنا عثمان بن عبدالرحمن بن على بن عروة، عن عبدالملك ابن أبى سليمان، عن عطاء وعمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيف قائمته من فضة وقبيعته، كان يسمى ذا الفقار، وكان له قوس تسمى السداد وكانت له كنانة تسمى الجمع، وكانت له درع موشحة بالنحاس تسمى ذات الفضول وكانت له حربة تسعى السغاء، كان له مجن يسمى الذقن، وكان له ترس أبيض يسمى الموجز، وكان له فرس أدهم يسمى السكب، وكان له سرج يسمى الداج، وكان له بغلة شهباء يقال لها دلدل، وكانت له ناقة تسمى القصواء، وكان له حمار يقال له: يعفور،
__________
(1) وعاء من الجلود.
(*)
وكان له بساط يسمى الكر، وكان له نمرة تسمى النمر، وكانت له ركوة تسمى الصادر، وكانت له مرآة تسمى المرآة، وكان له مقراض يسمى الجاح، وكان له قضيب شوحط (1) يسمى الممشوق.
قلت: قد تقدم عن غير واحد من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة سوى بغلة وأرض جعلها صدقة، وهذا يقتضى أنه عليه السلام نجز العتق في جميع ما ذكرناه من العبيد والاماء، والصدقة في جميع ما ذكر من السلاح، والحيوانات، والاثاث، والمتاع مما أوردناه وما لم نورده.
وأما بغلته وهى الشهباء، وهى البيضاء أيضا والله أعلم، وهى التى أهداها له المقوقس صاحب الاسكندرية واسمه جريج بن ميناء فيما أهدى من التحف، وهى التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبها يوم حنين وهو في نحور العدو ينوه باسمه الكريم شجاعة وتوكلا على الله عزوجل، فقد قيل: إنها عمرت بعده حتى كانت عند على بن أبى طالب في أيام خلافته، وتأخرت أيامها حتى كانت بعد على عند عبدالله بن جعفر فكان يجش لها الشعير حتى تأكله من ضعفها بعد ذلك.
وأما حماره يعفور، ويصغر فيقال له عفير، فقد كان عليه السلام يركبه في بعض الاحايين.
وقد روى أحمد من حديث محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبى حبيب، عن يزيد ابن عبدالله العوفى، عن عبدالله بن رزين، عن على قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب حمارا يقال له عفير.
ورواه أبو يعلى من حديث عون بن عبدالله، عن ابن مسعود.
وقد ورد في أحاديث عدة أنه عليه السلام ركب الحمار.
__________
(1) الشوحط: شجر تتخذ منه القسى.
(*)
وفى الصحيحين أنه عليه السلام مر وهو راكب حمارا بمجلس فيه عبدالله بن أبى بن سلول وأخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الاوثان واليهود فنزل ودعاهم إلى الله عزوجل، وذلك قبل وقعة بدر، وكان قد عزم على عيادة سعد بن عبادة، فقال له عبدالله: لا أحسن مما تقول أيها المرء، فإن كان حقا فلا تغشنا به في مجالسنا، وذلك قبل أن يظهر الاسلام، ويقال إنه خمر أنفه لما غشيتهم عجاجة الدابة وقال: لا تؤذنا بنتن حمارك.
فقال له عبدالله بن رواحة: والله لريح حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب من ريحك.
وقال عبدالله: بل يا رسول الله اغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك، فتثاور الحيان وهموا أن يقتتلوا، فسكنهم رسول الله.
ثم ذهب إلى سعد بن عبادة فشكا إليه عبدالله بن أبى.
فقال: ارفق به يارسول الله، فو الذى أكرمك بالحق لقد بعثك الله بالحق، وإنا لننظم له الخرز لنملكه علينا، فلما جاء الله بالحق شرق بريقه.
وقد قدمنا أنه ركب الحمار في بعض أيام خيبر، وجاء أنه أردف معاذا على حمار.
ولو أوردناها بألفاظها وأسانيدها لطال الفصل والله أعلم.
وقد قدمنا أنه ركب الحمار في بعض أيام خيبر، وجاء أنه أردف معاذا على حمار.
ولو أوردناها بألفاظها وأسانيدها لطال الفصل والله أعلم.
فأما ما ذكره القاضى عياض بن موسى السبتى في كتابه الشفا، وذكره قبل إمام الحرمين في كتابه الكبير في أصول الدين وغيرهما أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار يسمى زياد بن شهاب، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعثه ليطلب له بعض أصحابه فيجئ إلى باب أحدهم فيقعقعه فيعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبه، وأنه ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم أنه سلالة سبعين حمارا كل منها ركبه نبى، وأنه لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب فتردى في بئر فمات، فهو حديث لا يعرف له إسناد بالكلية، وقد أنكره غير واحد من الحفاظ منهم عبدالرحمن بن أبى حاتم
وأبوه رحمهما الله، وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزى رحمه الله ينكره غير مرة إنكارا شديدا.
وقال الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى العنبري، حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، حدثنا إبراهيم بن سويد الجذوعى، حدثنى عبدالله بن أذين الطائى، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر حمار أسود فوقف بين يديه، فقال: من أنت ؟ قال: أنا عمرو بن فلان، كنا سبعة إخوة كلنا ركبنا الانبياء وأنا أصغرهم، وكنت لك فملكني رجل من اليهود، فكنت إذا ذكرتك كبوت به فيوجعني ضربا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنت يعفور.
هذا حديث غريب جدا.
وإلى هنا تنتهى السيرة النبوية للامام ابن كثير، والحمد لله الذى أعان عليه، ويتلوها جزء مفرد في شمائل الرسول وخصائصه وفضائله ودلائل نبوته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق