الأحد، 10 يونيو 2018

9.ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بالغيوب المستقبلة بعد زماننا هذا

9.ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بالغيوب المستقبلة بعد زماننا هذا

ذِكْرُ إِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ زَمَانِنَا هَذَا

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ ، حَدَّثَنَا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ الْيَشْكُرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ ، قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ ، ثُمَّ نَزَلَ [ ص: 29 ] فَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا ، حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ ، فَحَدَّثَنَا بِمَا كَانَ ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا .

وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُنْفَرِدًا بِهِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مِنْ " صَحِيحِهِ " ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ ، وَحَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ النَّبِيلِ ، عَنْ عَزْرَةَ ، عَنْ عِلْبَاءَ ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ - وَهُوَ عَمْرُو بْنُ أَخْطَبَ . بْنِ رِفَاعَةَ - الْأَنْصَارِيِّ بِهِ .

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ " صَحِيحِهِ " : رُوِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى غُنْجَارٍ ، عَنْ رَقَبَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا ، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ ، حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مُنَازِلَهُمْ ، وَأَهْلُ النَّارِ مُنَازِلَهُمْ ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ . هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ عَنْ عِيسَى غُنْجَارٍ ، عَنْ رَقَبَةَ وَهُوَ ابْنُ مَصْقَلَةَ ، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي " الْأَطْرَافِ " : وَإِنَّمَا رَوَاهُ عِيسَى غُنْجَارٌ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ رَقَبَةَ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

[ ص: 30 ] وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفِتَنِ مِنْ " سُنَنِهِ " : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا ، فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَهُ ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ . وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ ذَاتَ يَوْمٍ بِنَهَارٍ ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَنَا إِلَى أَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ ، فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِمَّا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا حَدَّثَنَاهُ ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَ ، وَنَسِيَ ذَلِكَ مَنْ نَسِيَ ، فَكَانَ مِمَّا قَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا ، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ " . وَذَكَرَ تَمَامَهَا إِلَى أَنْ قَالَ : " وَقَدْ دَنَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ ، وَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا مِثْلُ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ " .

عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ التَّيْمِيُّ لَهُ غَرَائِبُ وَمُنْكَرَاتٌ ، وَلَكِنْ لِهَذَا الْحَدِيثِ [ ص: 31 ] شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ . وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بَعْضُهُ ، وَفِيهِ الدِّلَالَةُ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ; أَنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مَضَى مِنْهَا شَيْءٌ يَسِيرٌ جِدًّا ، وَمَعَ هَذَا لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ مَا بَقِيَ عَلَى التَّعْيِينِ وَالتَّحْدِيدِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، كَمَا لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ مَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . وَالَّذِي فِي كُتُبِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ تَحْدِيدِ مَا سَلَفَ بِأُلُوفٍ وَمِئِينَ مِنَ السِّنِينَ قَدْ نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَخْطِئَتِهِمْ فِيهِ ، وَتَغْلِيطِهِمْ ، وَهُمْ جَدِيرُونَ بِذَلِكَ حَقِيقُونَ بِهِ . وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ : " الدُّنْيَا جُمْعَةٌ مِنْ جُمَعِ الْآخِرَةِ " . وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ . وَكَذَا كُلُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ تَحْدِيدٌ بِوَقْتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى التَّعْيِينِ ، لَا يَثْبُتُ إِسْنَادُهُ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا إِلَى قَوْلِهِ : أَوْ ضُحَاهَا [ النَّازِعَاتِ : 42 - 44 ] وَقَالَ تَعَالَى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ إِلَى قَوْلِهِ : وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [ الْأَعْرَافِ : 187 ] ، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [ الْقَمَرِ : 1 ] .

وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، [ ص: 32 ] قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ " . وَفِي رِوَايَةٍ : " إِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي " . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اقْتِرَابِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا ، وَقَالَ تَعَالَى : اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [ الْأَنْبِيَاءِ : 1 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [ النَّحْلِ : 1 ] وَقَالَ تَعَالَى : يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ [ الشُّورَى : 18 ] .

وَفِي " الصَّحِيحِ " أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ : " إِنَّهَا كَائِنَةٌ ، فَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا " ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَمْ أُعِدَّ لَهَا كَثِيرَ صَلَاةٍ وَلَا عَمَلٍ ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . فَقَالَ : " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ " . فَمَا فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ .

وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَنَظَرَ إِلَى غُلَامٍ فَقَالَ : " لَنْ يُدْرِكَ هَذَا الْهَرَمُ حَتَّى تَأْتِيَكُمْ سَاعَتُكُمْ " . وَالْمُرَادُ : انْخِرَامُ قَرْنِهِمْ ، وَدُخُولُهُمْ فِي عَالَمِ الْآخِرَةِ ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ فَقَدْ دَخَلَ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ : مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ . وَهَذَا الْكَلَامُ بِهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ ، وَقَدْ يَقُولُ هَذَا بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ ، وَيُشِيرُونَ بِهِ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الزَّنْدَقَةِ وَالْبَاطِلِ . فَأَمَّا السَّاعَةُ الْعُظْمَى وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَهَذَا مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِ وَقْتِهِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : " خَمْسٌ لَا [ ص: 33 ] يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ " . ثُمَّ قَرَأَ : إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [ لُقْمَانَ : 34 ] . وَقَدْ سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِسْلَامِ فَأَخْبَرَهُ بِهِ ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الْإِيمَانِ فَأَخْبَرَهُ بِهِ ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الْإِحْسَانِ فَأَخْبَرَهُ بِهِ ، فَلَمَّا سَأَلَهُ عَنِ السَّاعَةِ ، قَالَ لَهُ : " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " . قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَشْرَاطِهَا . فَأَخْبَرَهُ عَنْ ذَلِكَ . كَمَا سَيَأْتِي إِيرَادُهُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ ، مَعَ أَمْثَالِهِ وَأَشْكَالِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق