الجمعة، 15 يونيو 2018

9.السيرة النبوية لابن كثير ج3 /1 .


 

ص 9 .الجزء 3 بترقيم الشاملة السيرة النبوية لابن كثير ج1/3 .

ثم أخذ بيد على بن أبى طالب فقال: " هذا أخى ".
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين الذى ليس له خطير ولا نظير من العباد، وعلى بن أبى طالب أخوين.
وكان حمزة بن عبدالمطلب أسد الله وأسد رسوله وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوين، وإليه أوصى حمزة يوم أحد، وجعفر بن أبى طالب ذو الجناحين ومعاذ بن جبل أخوين.
قال ابن هشام: كان جعفر يومئذ غائبا بأرض الحبشة.
قال ابن إسحاق: وكان أبو بكر وخارجة بن زيد الخزرجي أخوين، وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخوين، وأبو عبيدة وسعد بن معاذ أخوين، وعبد الرحمن ابن عوف وسعد بن الربيع أخوين، والزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وقش أخوين، ويقال: بل كان الزبير وعبد الله بن مسعود أخوين، وعثمان بن عفان وأوس بن ثابت بن المنذر النجارى أخوين، وطلحة [ بن عبيد الله ] وكعب بن مالك أخوين، وسعيد بن زيد وأبى بن كعب أخوين، ومصعب بن عمير وأبو أيوب أخوين، وأبو حذيفة ابن عتبة وعباد بن بشر أخوين، وعمار وحذيفة بن اليمان العبسى حليف عبد الاشهل أخوين.
ويقال: بل كان عمار وثابت بن قيس بن شماس أخوين.
قلت: وهذا السند من وجهين.
قال: وأبو ذر برير بن جنادة، والمنذر بن عمرو المعنق ليموت (1) أخوين، وحاطب بن أبى بلتعة وعويم بن ساعدة أخوين، وسلمان وأبو الدرداء أخوين، وبلال وأبو رويحة عبدالله بن عبدالرحمن الخثعمي ثم أحد الفزع (2) أخوين.
__________
(1) هو المنذر بن عمرو بن خنيس، قتل يوم بئر معونة أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقال له: أعنق ليموت، أي سار مسرعا.
(2) ويروى القزع بالقاف.
(*)
قال: فهؤلاء من سمى لنا ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم من أصحابه.
رضى الله عنهم.
* * * قلت: وفى بعض ما ذكره نظر.
أما مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى، فإن من العلماء من ينكر ذلك ويمنع صحته، ومستنده في ذلك أن هذه المؤاخاة إنما شرعت لاجل ارتفاق بعضهم من بعض وليتألف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لاحد منهم، ولا مهاجري لمهاجري آخر، كما ذكره من مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة.
اللهم إلا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل مصلحة على إلى غيره، فإنه كان ممن ينفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من صغره في حياة أبيه أبى طالب، كما تقدم عن مجاهد وغيره.
وكذلك يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد بن حارثة فآخاه بهذا الاعتبار.
والله أعلم.
وهكذا ذكره لمؤاخاة جعفر ومعاذ بن جبل فيه نظر، كما أشار إليه عبدالملك بن هشام، فإن جعفر بن أبى طالب إنما قدم في فتح خيبر في أول سنة سبع كما سيأتي بيانه،
فكيف يؤاخى بينه وبين معاذ بن جبل أول مقدمه عليه السلام إلى المدينة ؟ اللهم إلا أن يقال إنه أرصد لاخوته إذا قدم حين يقدم.
وقوله: " وكان أبو عبيدة وسعد بن معاذ أخوين " يخالف ما رواه الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، حدثنا ثابت، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أبى عبيدة بن الجراح وبين أبى طلحة.
وكذا وراه مسلم منفردا به، عن حجاج بن الشاعر، عن عبد الصمد بن عبد الوارث به.
وهذا أصح مما ذكره ابن إسحاق من مؤاخاة أبى عبيدة وسعد بن معاذ.
والله أعلم.
* * * وقال البخاري: باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه.
وقال عبدالرحمن بن عوف: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينى وبين سعد بن الربيع لما قدمنا المدينة.
وقال أبو جحيفة: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان الفارسى وأبى الدرداء رضى الله عنهما.
حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن حميد، عن أنس، قال: قدم عبدالرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الانصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبدالرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلنى على السوق.
فربح شيئا من أقط وسمن، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر من صفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مهيم يا عبدالرحمن ؟ قال: يا رسول الله تزوجت امرأة من الانصار.
قال: " فما سقت فيها ؟ " قال: وزن نواة من
ذهب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أولم ولو بشاة ".
تفرد به من هذا الوجه.
وقد رواه أيضا في مواضع أخر، ومسلم من طرق عن حميد به.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، حدثنا ثابت وحميد، عن أنس، أن عبدالرحمن بن عوف قدم المدينة فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد ابن الربيع الانصاري، فقال له سعد: أي أخى، أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالى فخذه، وتحتي امرأتان فانظر أيهما أعجب إليك حتى أطلقها.
فقال عبدالرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق.
فدلوه فذهب فاشترى وباع فربح فجاء بشئ من أقط وسمن.
ثم لبث ما شاء الله أن يلبث فجاء وعليه ودع زعفران فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مهيم ؟ " فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة، قال: " ما أصدقتها ؟ " قال: وزن نواة من ذهب، قال " أولم ولو بشاة ".
قال عبدالرحمن: فلقد رأيتنى ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب ذهبا وفضة.
وتعليق البخاري هذا الحديث عن عبدالرحمن بن عوف غريب، فإنه لا يعرف مسندا إلا عن أنس، اللهم إلا أن يكون أنس تلقاه عنه.
فالله أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا حميد، عن أنس، قال: قال المهاجرون: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلا من كثير، لقد كفونا المؤونة وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالاجر كله.
قال: " لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم ".
هذا حديث ثلاثى الاسناد على شرط الصحيحين، ولم يخرجه أحد من أصحاب
الكتب الستة من هذا الوجه، وهو ثابت في الصحيح من [ غيره ].
وقال البخاري: أخبرنا الحكم بن نافع، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الاعرج، عن أبى هريرة، قال: قالت الانصار: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل.
قال: لا.
قالوا: أفتكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة.
قالوا: سمعنا وأطعنا.
تفرد به.
وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للانصار " إن إخوانكم قد تركوا الاموال والاولاد وخرجوا إليكم " فقالوا: أموالنا بيننا
قطائع.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أو غير ذلك ؟ " قالوا وما ذاك يا رسول الله ؟ قال: " هم قوم لا يعرفون العمل، فتكفونهم وتقاسمونهم.
الثمر ".
قالوا نعم.
وقد ذكرنا ما ورد من الاحاديث والآثار في فضائل الانصار وحسن سجاياهم عند قوله تعالى: " والذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم " الآية.
فصل في موت أبى أمامة أسعد بن زرارة ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، أحد النقباء الاثنى عشر ليلة العقبة على قومه بنى النجار، وقد شهد العقبات الثلاث، وكان أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الثانية في قول، وكان شابا، وهو أول من جمع بالمدينة في نقيع الخضمات في هزم النبيت.
كما تقدم قال محمد بن إسحاق: وهلك في تلك الاشهر أبو أمامة أسعد بن زرارة والمسجد يبنى، أخذته الذبحة أو الشهقة.
وقال ابن جرير في التاريخ: أخبرنا محمد بن عبدالاعلى، حدثنا يزيد بن زريع،
عن معمر، عن الزهري، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة في الشوكة.
رجاله ثقات.
قال ابن إسحاق: حدثنى عبدالله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أسعد بن زرارة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " بئس الميت أبو أمامة ليهود ومنافقي العرب، يقولون: لو كان نبيا لم يمت صاحبه، ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئا "، وهذا يقتضى أنه أول من مات بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد زعم أبو الحسن بن الاثير في الغابة أنه مات في شوال بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم بسبعة أشهر.
فالله أعلم.
وذكر محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أن بنى النجار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم لهم نقيبا بعد أبى أمامة أسعد بن زرارة فقال: " أنتم أخوالى وأنا بما فيكم وأنا نقيبكم " وكره أن يخص يها بعضهم دون بعض، فكان من فضل بنى النجار الذى يعتدون به على قومهم أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبهم.
قال ابن الاثير: وهذا يرد قول أبى نعيم وابن منده في قولهما: إن أسعد بن زرارة كان نقيبا على بنى ساعدة، إنما كان على بنى النجار.
وصدق ابن الاثير فيما قال.
وقد قال أبو جعفر بن جرير في التاريخ: كان أول من توفى بعد مقدمه عليه الصلاة السلام المدينة من المسلمين، فيما ذكر، صاحب منزله كلثوم بن الهدم، لم يلبث بعد مقدمه إلا يسيرا حتى مات، ثم توفى بعده أسعد بن زرارة وكانت وفاته في سنة مقدمه
قبل أن يفرغ بناء المسجد، بالذبحة أو الشهقة.
قلت: وكلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف، بن عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس، الانصاري الاوسي، وهو من بنى عمرو بن عوف وكان شيخا كبيرا أسلم قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل بقباء نزل في منزل هذا في الليل،
وكان يتحدث بالنهار مع أصحابه في منزل سعد بن الربيع رضى الله عنهما إلى أن ارتحل إلى دار بنى النجار كما تقدم.
قال ابن الاثير: وقد قيل إنه أول من مات من المسلمين بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعده أسعد بن زرارة.
ذكره الطبري.
فصل في ميلاد عبدالله بن الزبير في شوال سنة الهجرة فكان أول مولود ولد في الاسلام من المهاجرين، كما أن النعمان بن بشير أول مولود ولد للانصار بعد الهجرة رضى الله عنهما.
وقد زعم بعضهم أن ابن الزبير ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا.
قاله أبو الأسود.
ورواه الواقدي عن محمد بن يحيى بن سهل بن أبى حثمة عن أبيه، عن جده.
وزعموا أن النعمان ولد قبل الزبير بستة أشهر على رأس أربعة عشر شهرا من الهجرة.
والصحيح ما قدمنا.
فقال البخاري: حدثنا زكريا بن يحيى، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء، أنها حملت بعبد الله بن الزبير، قالت: فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة فنزلت بقباء فولدته بقباء، ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه، فكان أول شئ
دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنكه بتمرة، ثم دعا له وبرك عليه.
فكان أول مولود ولد في الاسلام.
تابعه خالد بن مخلد، عن على ابن مسهر، عن هشام، عن أبيه، عن أسماء أنها هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهى حبلى.
حدثنا قتيبة، عن أبى أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: أول مولود ولد في الاسلام عبدالله بن الزبير، أتوا به النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم تمرة فلاكها ثم أدخلها في فيه، فأول ما دخل بطنه ريق النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا حجة على الواقدي وغيره، لانه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مع عبدالله بن أريقط لما رجع إلى مكة زيد بن حارثة وأبا رافع ليأتوا بعياله وعيال أبى بكر، فقدموا بهم إثر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء حامل متم، أي مقرب قد دنا وضعها لولدها، فلما ولدته كبر المسلمون تكبيرة عظيمة فرحا بمولده، لانه كان قد بلغهم عن اليهود أنهم سحروهم حتى لا يولد لهم بعد هجرتهم ولد، فأكذب الله اليهود فيما زعموا.
فصل وبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة في شوال من هذه السنة قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن عبدالله بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بى في شوال، فأى نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده منى ؟ وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال.
ورواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن سفيان الثوري به.
وقال الترمذي: حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث سفيان الثوري.
فعلى هذا يكون دخوله بها عليه السلام بعد الهجرة بسبعة أشهر، أو ثمانية أشهر.
وقد حكى القولين ابن جرير، وقد تقدم في تزويجه عليه السلام بسودة كيفية تزويجه ودخوله بعائشة بعد ما قدموا المدينة، وأن دخوله بها كان بالسنح نهارا.
وهذا خلاف ما يعتاده الناس اليوم، وفى دخوله عليه السلام بها في شوال رد لما يتوهمه بعض الناس من كراهية الدخول بين العيدين خشية المفارقة بين الزوجين، وهذا ليس بشئ لما قالته عائشة رادة على من توهمه من الناس في ذلك الوقت: تزوجني في شوال، وبنى بى في شوال، أي دخل بى في شوال، فأى نسائه كان أحظى عنده منى ؟ فدل هذا على أنها فهمت منه عليه السلام أنها أحب نسائه إليه، وهذا الفهم منها صحيح لما دل على ذلك من الدلائل الواضحة، ولو لم يكن إلا الحديث الثابت في صحيح البخاري عن عمرو بن العاص: قلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك ؟ قال: " عائشة " قلت: من الرجال ؟ قال: " أبوها ".
فصل قال ابن جرير: وفى هذه السنة، يعنى السنة الاولى من الهجرة، زيد في صلاة الحضر، فيما قيل، ركعتان، وكانت صلاة الحضر والسفر ركعتين، وذلك بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر من ربيع الآخر لمضى ثنتى عشرة ليلة مضت.
وقال: وزعم الواقدي أنه لا خلاف بين أهل الحجاز فيه.
قلت: قد تقدم الحديث الذى رواه البخاري من طريق معمر عن الزهري عن عروة، عن عائشة قالت: فرضت الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر.
وروى من طريق الشعبى عن مسروق عنها.
وقد حكى البيهقى عن الحسن البصري، أن صلاة الحضر أول ما فرضت فرضت أربعا.
والله أعلم.
وقد تكلمنا على ذلك في تفسير سورة النساء عند قوله تعالى " وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة (1) " الآية.
فصل في الاذان ومشروعيته عند مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة النبوية قال ابن إسحاق: فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين واجتمع أمر الانصار، استحكم أمر الاسلام، فقامت الصلاة وفرضت الزكاة والصيام، وقامت الحدود وفرض الحلال والحرام وتبوأ الاسلام بين أظهرهم.
وكان هذا الحى من الانصار هم الذين تبوأوا الدار والايمان.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها بغير دعوة، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل بوقا كبوق يهود الدى يدعون به لصلاتهم.
ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين للصلاة.
فبينما هم على ذلك رأى عبدالله بن زيد بن ثعلية بن عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج النداء، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه طاف بى هذه الليلة طائف، مر بى رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده، فقلت:
__________
(1) سورة النساء 101.
(*)
يا عبدالله أتبيع هذا الناقوس ؟ فقال: وما تصنع به ؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة.
قال: ألا أدلك على خير من ذلك ؟ قلت: وما هو ؟ قال: تقول، الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حى على الصلاة حى على الصلاة، حى على الفلاح حى على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها فإنه أندى صوتا منك ".
فلما أذن بها بلال سمعه عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر رداءه وهو يقول: يا نبى الله والذى بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذى رأى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلله الحمد.
قال ابن إسحاق: فحدثني بهذا الحديث محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن محمد بن عبدالله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه، عن أبيه.
وقد روى هذا الحديث أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة من طرق عن محمد بن إسحاق به، وصححه الترمذي وابن خزيمة وغيرهما.
وعند أبى داود أنه علمه الاقامة، قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حى على الصلاة، حى على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
وقد روى ابن ماجه هذا الحديث عن أبى عبيد محمد بن عبيد بن ميمون عن محمد بن سلمة الحرانى عن ابن إسحاق كما تقدم.
ثم قال: قال أبو عبيد: وأخبرني أبو بكر الحكمى أن عبدالله بن زيد الانصاري
قال في ذلك: الحمد لله ذى الجلال وذى الاكرام حمدا على الاذان كبيرا إذ أتانى به البشير من الله فأكرم بن لدى بشيرا في ليال والى بهن ثلاث * كلما جاء زادني توقيرا قلت: وهذا الشعر غريب، وهو يقتضى أنه رأى ذلك ثلاث ليال حتى أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله أعلم.
ورواه الامام أحمد، من حديث محمد بن إسحاق قال: وذكر الزهري عن سعيد ابن المسيب عن عبدالله بن زيد به نحو رواية ابن إسحاق.
عن محمد بن إبراهيم التيمى ولم يذكر الشعر.
وقال ابن ماجه: حدثنا محمد بن خالد بن عبدالله الواسطي، حدثنا أبى عن عبدالرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار الناس لما يهمهم من الصلاة، فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود، ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى.
فأرى النداء تلك الليلة رجل من الانصار يقال له: عبدالله بن زيد وعمر بن الخطاب، فطرق الانصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن به.
قال الزهري: وزاد بلال في نداء صلاة الغداة: " الصلاة خير من النوم " مرتين، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول الله رأيت مثل الذى رأى ولكنه سبقني.
وسيأتى تحرير هذا الفصل في باب الاذان من كتاب الاحكام الكبير.
إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
فأما الحديث الذى أورده السهيلي بسنده من طريق البزار، حدثنا محمد بن عثمان بن مخلد،
حدثنا أبى، عن زياد بن المنذر، عن محمد بن على بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن على بن أبى طالب، فذكر حديث الاسراء وفيه: فخرج ملك من وراء الحجاب فأذن بهذا الاذان، وكلما قال كلمة صدقه الله تعالى، ثم أخذ الملك بيد محمد صلى الله عليه وسلم فقدمه، فأم بأهل السماء وفيهم آدم ونوح.
ثم قال السهيلي: وأخلق بهذا الحديث أن يكون صحيحا لما يعضده ويشاكله من حديث الاسراء.
فهذا الحديث ليس كما زعم السهيلي أنه صحيح، بل هو منكر، تفرد به زياد بن المنذر أبو الجارود الذى تنسب إليه الفرقة الجارودية، وهو من المتهمين.
ثم لو كان هذا قد سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء لاوشك أن يأمر به بعد الهجرة في الدعوة إلى الصلاة.
والله أعلم.
* * * قال ابن هشام: وذكر ابن جريج قال: قال لى عطاء: سمعت عبيد بن عمير يقول: ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه [ بالناقوس ] للاجتماع للصلاة، فبينا عمر ابن الخطاب يريد أن يشترى خشبتين للناقوس إذ رأى عمر في المنام: لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا للصلاة.
فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بما رأى، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحى بذلك، فما راع عمر إلا بلال يؤذن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره بذلك: " قد سبقك بذلك الوحى ".
وهذا يدل على أنه قد جاء الوحى بتقرير ما رآه عبدالله بن زيد بن عبد ربه، كما صرح به بعضهم، والله تعالى أعلم.
(22 - السيرة 2)
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن
امرأه من بنى النجار، قالت: كان بيتى من أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يوذن عليه للفجر كل غداة، فيأتى بسحر فيجلس على البيت ينتظر الفجر، فإذا رآه تمطى ثم قال: اللهم أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك.
قالت: ثم يؤذن قالت: والله ما علمته كان تركها ليلة واحدة.
يعنى هذه الكلمات.
ورواه أبو داود من حديثه منفردا به.
فصل في سرية حمزة بن عبدالمطلب رضى الله عنه قال ابن جرير: وزعم الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد في هذه السنة في شهر رمضان، على رأس سبعة أشهر من مهاجره، لحمزة بن عبدالمطلب لواء أبيض في ثلاثين رجلا من المهاجرين، ليعترض لعيرات قريش، وأن حمزة لقى أبا جهل في ثلاثمائة رجل من قريش، فحجز بينهم مجدي بن عمرو، ولم يكن بينهم قتال.
قال: وكان الذى يحمل لواء حمزة أبو مرثد الغنوى.
فصل في سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب قال ابن جرير: وزعم الواقدي أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد في هذه السنة على رأس ثمانية أشهر في شوال لعبيدة بن الحارث لواء أبيض، وأمره بالمسير إلى بطن رابغ.
وكان لواؤه مع مسطح بن أثاثة، فبلغ ثنية المرة وهى بناحية الجحفة، في ستين من المهاجرين ليس فيهم أنصارى، وأنهم التقوا هم والمشركون على ماء يقال له أحياء، وكان بينهم الرمى دون المسايفة (1).
قال الواقدي: وكان المشركون مائتين عليهم أبو سفيان
صخر بن حرب وهو المثبت وعندنا، وقيل كان عليهم مكرز بن حفص.
فصل قال الواقدي: وفيها، يعنى في السنة الاولى في ذى القعدة، عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبى وقاص إلى الخرار لواء أبيض يحمله المقداد ابن الاسود.
فحدثني ابو بكر بن إسماعيل، عن أبيه، عن عامر بن سعد، [ عن أبيه ] قال: خرجت في عشرين رجلا على أقدامنا، أو قال: أحد وعشرين رجلا، فكنا نكمن النهار ونسير الليل، حتى صبحنا الخرار صبح خامسة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى ألا أجاوز الخرار، وكانت العير قد سبقتني قبل ذلك بيوم.
قال الواقدي: كانت العير ستين، وكان من مع سعد كلهم من المهاجرين.
قال أبو جعفر بن جرير: وعند ابن إسحاق أن هذه السرايا الثلاث التى ذكرها الواقدي كلها في السنة الثانية من الهجرة من وقت التاريخ.
قلت: كلام ابن إسحاق ليس بصريح فيما قاله أبو جعفر لمن تأمله، كما سنورده في أول كتاب المغازى في أول السنة الثانية من الهجرة، وذلك تلو ما نحن فيه إن شاء الله.
__________
(1) المطبوعة: المسابقة.
وهو تحريف.
(*)
ويحتمل أن يكون مراده أنها وقعت هذه السرايا في السنة الاولى، وسنزيدها بسطا وشرحا إذا انتهينا إليها إن شاء الله تعالى.
والواقدى عنده زيادات حسنة، وتاريخ محرر غالبا، فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار وهو صدوق في نفسه مكثار، كما بسطنا القول في عدالته وجرحه في كتابنا الموسوم " بالتكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل " ولله الحمد والمنة.
فصل وممن ولد في هذه السنة المباركة، وهى الاولى من الهجرة، عبدالله بن الزبير، فكان أول مولود ولد في الاسلام بعد الهجرة، كما رواه البخاري عن أمه أسماء وخالته عائشة أم المؤمنين ابنتى الصديق رضى الله عنهما.
ومن الناس من يقول: ولد النعمان بن بشير قبله بستة أشهر، فعلى هذا يكون ابن الزبير أول مولود ولد بعد الهجرة من المهاجرين ومن الناس من يقول إنهما ولدا في السنة الثانية من الهجرة.
والظاهر الاول، كما قدمنا بيانه، ولله الحمد والمنة، وسنشير في آخر السنة الثانية إلى القول الثاني إن شاء الله تعالى.
قال ابن جرير: وقد قيل إن المختار بن أبى عبيد وزياد بن سمية ولدا في هذه السنة الاولى (1) فالله أعلم.
وممن توفى في هذه السنة الاولى من الصحابة، كلثوم بن الهدم الاوسي، الذى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسكنه بقباء إلى حين ارتحل منها إلى دار بنى
__________
(1) الاصل: في هذه السنة الثانية.
والتصويب من تاريخ الطبري.
(*)
النجار كما تقدم، وبعده، فيها، أبو أمامة أسعد بن زرارة نقيب بنى النجار، توفى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبنى المسجد، كما تقدم رضى الله عنهما وأرضاهما.
قال ابن جرير: وفى هذه السنة، يعنى الاولى من الهجرة، مات أبو أحيحة بماله بالطائف، ومات الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمى فيها بمكة.
قلت: وهؤلاء ماتوا على شركهم لم يسلموا لله عزوجل.
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر ما وقع في السنة الثانية من الهجرة وقع فيها كثير من المغازى والسرايا، ومن أعظمها وأجلها بدر الكبرى التى كانت في رمضان منها، وقد فرق الله بها بين الحق والباطل، والهدى والغى.
وهذا أوان ذكر المغازى والبعوث فنقول وبالله المستعان: كتاب المغازى قال الامام محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة، بعد ذكر أحبار اليهود ونصبهم العداوة للاسلام وأهله، وما نزل فيهم من الآيات، فمنهم حيى بن أخطب وأخواه أبو ياسر وجدى، وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع بن أبى الحقيق، وسلام بن أبى الحقيق وهو أبو رافع الاعور، تاجر أهل الحجاز وهو الذى قتله الصحابة بأرض خيبر كما سيأتي، والربيع بن الربيع أبى الحقيق، وعمرو بن جحاش، وكعب بن الاشرف وهم من طئ ثم أحد بنى نبهان وأمه من بنى النضير، وقد قتله الصحابة قبل أبى رافع كما سيأتي، وحليفاه الحجاج بن عمر وكردم بن قيس لعنهم الله.
فهؤلاء من بنى النضير.
ومن بنى ثعلبة بن الفطيون (1) عبدالله بن صوريا، ولم يكن بالحجاز بعد أعلم بالتوراة منه، قلت: وقد قيل إنه أسلم.
__________
(1) الفطيون: كلمة عبرانية تطلق على كل من ولى أمر اليهود وملكهم.
(*)
وابن صلوبا، ومخيريق، وقد أسلم يوم أحد كما سيأتي، وكان حبر قومه.
ومن بنى قينقاع زيد بن اللصيت، وسعد بن حنيف، ومحمود بن سيحان (1) وعزيز بن أبى عزيز وعبد الله بن ضيف، وسويد بن الحارث، ورفاعة بن قيس، وفنحاص، وأشيع، ونعمان بن أضا، وبحري بن عمرو، وشأس بن عدى، وشأس بن قيس، وزيد بن الحارث، ونعمان بن عمرو (2) وسكين بن أبى سكين، وعدى
بن زيد، ونعمان بن أبى أوفى، أبو أنس، ومحمود بن دحية، ومالك بن صيف.
وكعب بن راشد، وعازر، ورافع بن أبى رافع، وخالد وأزار بن أبى أزار.
قال ابن هشام: ويقال آزر بن أبى آزر، ورافع بن حارثة، ورافع بن حريملة، ورافع بن خارجة ومالك بن عوف، ورفاعة بن زيد بن التابوت، وعبد الله بن سلام.
قلت: وقد تقدم إسلامه رضى الله عنه.
قال ابن إسحاق: وكان حبرهم وأعلمهم، وكان اسمه الحصين، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله.
قال ابن إسحاق: ومن بنى قريظة الزبير بن باطا بن وهب، وعزال بن شمويل (3) وكعب بن أسد، وهو صاحب عقدهم الذى نقضوه عام الاحزاب، وشمويل بن زيد، وحبل بن عمرو بن سكينة، والنحام بن زيد، وكردم (4) بن كعب، ووهب بن زيد ونافع بن أبى نافع، وعدى بن زيد، والحارث بن عوف، وكردم بن زيد، وأسامة بن حبيب، ورافع بن رميلة، وجبل بن أبى قشير، ووهب بن يهوذا: قال: ومن بنى زريق، لبيد بن أعصم، وهو الذى سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن يهود بنى حارثة: كنانة بن صوريا، ومن يهود بنى عمرو بن عوف قردم ابن عمرو، ومن يهود بنى النجار، سلسلة بن برهام.
__________
(1) الاصل: شيخان.
وما أثبته عن ابن هشام.
(2) الاصل: عمير.
وما أثبته من ابن هشام.
(3) ا.
شموال.
(4) ابن هشام: قردم.
(*)
قال ابن إسحاق: فهؤلاء أحبار يهود وأهل الشرور والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى الله عنهم، وأصحاب المسألة الذين يكثرون الاسئلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه التعنت والعناد والكفر.
قال: وأصحاب النصر لامر الاسلام ليطفئوه، إلا ما كان من عبدالله بن سلام ومخيريق.
* * * ثم ذكر إسلام عبدالله بن سلام، وإسلام عمته خالدة، كما قدمناه.
وذكر إسلام مخيريق يوم أحد كما سيأتي، وأنه قال لقومه، وكان يوم السبت، يا معشر يهود والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق.
قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم.
ثم أخذ سلاحه وخرج وعهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت هذا اليوم فأموالى لمحمد يرى فيها ما أراه الله.
وكان كثير الاموال.
ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتل حتى قتل رضى الله عنه.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما بلغني: " مخيريق خير يهود ".
فصل ثم ذكر ابن إسحاق من مال إلى هؤلاء الاضداد من اليهود من المنافقين من الاوس والخزرج.
فمن الاوس: زوى بن الحارث، وجلاس بن سويد بن الصامت الانصاري، وفيه نزل: " يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم (1) " وذلك أنه قال حين تخلف عن غزوة تبوك: لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمر.
__________
(1) سورة التوبة.
(*)
فنماها ابن امرأته عمير بن سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكر الجلاس ذلك وحلف ما قال، فنزل فيه ذلك.
قال: وقد زعموا أنه تاب وحسنت توبته حتى عرف منه الاسلام والخير.
قال: وأخوه الحارث بن سويد، وهو الذى قتل المجذر بن ذياد البلوى وقيس بن زيد أحد بنى ضبيعة يوم أحد، خرج مع المسلمين وكان منافقا، فلما التقى الناس عدا عليهما فقتلهما ثم لحق بقريش.
قال ابن هشام: وكان المجذر قد قتل أباه سويد بن الصامت في بعض حروب الجاهلية، فأخذ بثأر أبيه منه يوم أحد.
كذا قال ابن هشام.
وقد ذكر ابن إسحاق أن الذى قتل سويد بن الصامت إنما هو معاذ بن عفراء قتله في غير حرب قبل يوم بعاث، رماه بسهم فقتله.
وأنكر ابن هشام أن يكون الحارث قتل قيس بن زيد، قال: لان ابن اسحاق لم يذكره في قتلى أحد.
قال ابن إسحاق: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب بقتله إن هو ظفر به، فبعث الحارث إلى أخيه الجلاس يطلب له التوبة ليرجع إلى قومه، فأنزل الله، فيما بلغني عن ابن عباس: " كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدى القوم الظالمين (1) " إلى آخر القصة.
قال: وبجاد بن عثمان بن عامر، ونبتل بن الحارث، وهو الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب أن ينظر إلى شيطان فلينظر إلى هذا " وكان جسيما أدلم (2) ثائر شعر الرأس أحمر العينين أسفع (3) الخدين، وكان يسمع الكلام من
__________
(1) سورة آل عمران 86.
(2) الادلم: المسترخى الشفتين أو الشديد السواد.
(3) السفعة: حمرة تضرب إلى السواد.
(*)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينقله إلى المنافقين، وهو الذى قال: إنما محمد أذن، من حدثه بشئ صدقه.
فأنزل الله فيه: " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن (1) " الآية.
قال: وأبو حبيبة بن الازعر، وكان ممن بنى مسجد الضرار، وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير، وهما اللذان عاهدا الله لئن آتانا من فضله لنصدقن، ثم نكثا، فنزل فيهما ذلك، ومعتب هو االذى قال يوم أحد: لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا ها هنا.
فنزلت فيه الآية.
وهو الذى قال يوم الاحزاب: كان محمد يعدنا أنا نأكل كنوز كسرى وقيصر.
وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط.
فنزل فيه: " وإذ يقول المنافقون والذين
في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا (2) ".
قال ابن إسحاق: والحارث بن حاطب.
قال ابن هشام: ومعتب بن قشير، وثعلبة والحارث ابنا حاطب، وهم (3) من بنى أمية بن زيد، من أهل بدر، وليسوا من المنافقين، فيما ذكر لى من أثق به من أهل العلم.
قال: وقد ذكر ابن إسحاق ثعلبة والحارث في بنى أمية بن زيد، في أسماء أهل بدر.
قال ابن إسحاق: وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف، وبحزج، وكان ممن بنى مسجد الضرار وعمرو بن خذام (4) وعبد الله بن نبتل، وجارية بن عامر بن العطاف، وابناه يزيد (5) ومجمع ابنا جارية، وهم ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع غلاما حدثا قد جمع أكثر القرآن و [ كان ] يصلى بهم فيه، فلما خرب مسجد الضرار كما سيأتي بيانه بعد غزوة تبوك، وكان في أيام عمر سأل أهل قباء عمر أن يصلى بهم مجمع فقال: لا والله، أو ليس إمام المنافقين في مسجد الضرار ؟ !
__________
(1) سورة التوبة 61.
(2) سورة الاحزاب.
(3) الاصل: وهما.
وما أثبته عن ابن هشام.
(4) الاصل: حزام.
وما أثبته عن ابن هشام.
(5) ابن هشام: زيد (*)
فحلف بالله ما علمت بشئ من أمرهم.
فزعموا أن عمر تركه فصلى بهم.
قال: ووديعة بن ثابت، وكان ممن بنى مسجد الضرار، وهو الذى قال: إنما كنا نخوض ونلعب.
فنزل فيه ذلك.
قال: وخذام بن خالد، وهو الذى أخرج مسجد الضرار من داره.
قال ابن هشام، مستدركا على ابن إسحاق في منافقي بنى النبيت من الاوس: وبشر ورافع ابنا زيد.
قال ابن إسحاق: ومربع بن قيظى، وكان أعمى، وهو الذى قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجاز في حائطه وهو ذاهب إلى أحد: لا أحل لك إن كنت نبيا
أن تمر في حائطي.
وأخذ في يده حفنة من تراب ثم قال: والله لو أعلم أنى لا أصيب بها غيرك لرميتك بها.
فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوه فهذا الاعمى أعمى القلب أعمى البصر (1) " وقد ضربه سعد بن زيد الاشهلى بالقوس فشجه.
قال: وأخوه أوس بن قيظى، وهو الذى قال: إن بيوتنا عورة.
قال الله: " وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا (2) " قال: وحاطب بن أمية بن رافع، وكان شيخا جسيما قد عسا (3) في جاهليته، وكان له ابن من خيار المسلمين يقال له يزيد بن حاطب أصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات، فحمل إلى دار بنى ظفر.
فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أنه اجتمع إليه من بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو يموت، فجعلوا يقولون: أبشر بالجنة يا بن حاطب.
قال: فنجم نفاق أبيه فجعل يقول: أجل ! جنة من حرمل، غررتم والله هذا المسكين من نفسه !
__________
(1) ابن هشام: أعمى البصيرة.
(2) سورة الاحزاب 13.
(3) عسا: أسن وكبر.
(*)
قال وبشير بن أبيرق أبو طعمة سارق الدرعين، الذى أنزل الله فيه: " ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم (1) " الآيات.
قال: وقزمان حليف لبنى ظفر، الذى قتل يوم أحد سبعة نفر، ثم لما آلمته الجراحة قتل نفسه وقال: والله ما قاتلت إلا حمية على قومي.
ثم مات لعنه الله.
قال ابن إسحاق: ولم يكن في بنى عبد الاشهل منافق ولا منافقة يعلم، إلا أن الضحاك بن ثابت كان يتهم بالنفاق وحب يهود.
فهؤلاء كلهم من الاوس.
* * * قال ابن إسحاق: ومن الخزرج: رافع بن وديعة، وزيد بن عمرو، وعمرو بن
قيس، وقيس بن عمرو بن سهل، والجد بن قيس، وهو الذى قال: ائذن لى ولا تفتني.
وعبد الله بن أبى سلول، وكان رأس المنافقين ورئيس الخزرج والاوس أيضا، كانوا قد أجمعوا على أن يملكوه عليهم في الجاهلية، فلما هداهم الله للاسلام قبل ذلك، شرق اللعين بريقه وغاظه ذلك جدا، وهو الذى قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل.
وقد نزلت فيه آيات كثيرة جدا، وفيه وفى وديعة، رچل من بنى عوف، ومالك ابن أبى قوقل وسويد وداعس، وهم من رهطه نزل قوله تعالى: " لئن أخرجوا لا يخرجون معهم (2) " الآيات حين مالوا في الباطن إلى بنى النضير.
__________
(1) سورة النساء 107.
(2) سورة الحشر 12.
(*)
فصل ثم ذكر ابن إسحاق من أسلم من أحبار اليهود على سبيل التقية، فكانوا كفارا في الباطن، فأتبعهم بصنف المنافقين، وهم من شرهم: سعد بن حنيف، وزيد بن اللصيت، وهو الذى قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم: يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدرى أين ناقته ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله لا أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلنى الله عليها، فهى في هذا الشعب قد حبستها شجرة بزمامها " فذهب رجال من المسلمين فوجدوها كذلك.
قال: ونعمان بن أوفى، وعثمان بن أوفى، ورافع بن حريملة، وهو الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات - فيما بلغنا -: " قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين ".
ورفاعة بن زيد بن التابوت، وهو الذى هبت الريح الشديدة يوم موته عند مرجع
رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك فقال: " إنها هبت لموت عظيم من عظماء الكفار " فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة قد مات في ذلك اليوم.
وسلسلة بن برهام، وكنانة بن صوريا.
فهؤلاء من أسلم من منافقي اليهود.
* * * قال: فكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد، ويسمعون أحاديث المسلمين، ويسخرون ويستهزئون بدينهم.
فاجتمع في المسجد يوما منهم أناس، فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم قد لصق بعضهم إلى بعض، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجوا من المسجد إخراجا عنيفا.
فقام أبو أيوب إلى عمرو بن قيس أحد بنى النجار، وكان صاحب آلهتهم في الجاهلية، فأخذ برجله فسحبه حتى أخرجه وهو يقول، لعنه الله: أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بنى ثعلبة.
ثم أقبل أبو أيوب إلى رافع بن وديعة النجارى فلببه بردائه، ثم نتره نترا شديدا ولطم وجهه فأخرجه من المسجد وهو يقول: أف لك منافقا خبيثا.
وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو، وكان طويل اللحية، فأخذ بلحيته وقاده بها قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد، ثم جمع عمارة يديه جميعا فلدمه بهما لدمة (1) في صدره خر منها، قال يقول: خدشتني يا عمارة.
فقال عمارة.
أبعدك الله يا منافق، فما أعد الله لك من العذاب أشد من ذلك، فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقام أبو محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك
ابن النجار، وكان بدريا، إلى قيس بن عمرو بن سهل، وكان شابا وليس في المنافقين شاب سواه، فجعل يدفع في قفاه حتى أخرجه.
وقام رجل من بنى خدرة (2) إلى رجل يقال له الحارث بن عمرو، وكان ذا جمة، فأخذ بجمته فسحبه سحبا عنيفا على ما مر به من الارض حتى أخرجه، فجعل يقول
__________
(1) اللدم: الضرب ببطن الكف.
(2) ابن هشام: من بلخدرة.
(*)
المنافق: قد أغلظت يا أبا الحارث، فقال: إنك أهل لذلك أي عدو الله لما أنزل فيك، فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك نجس.
وقام رجل من بنى عمرو بن عوف إلى أخيه زوى بن الحارث فأخرجه إخراجا عنيفا وأفف منه وقال: غلب عليك الشيطان وأمره.
ثم ذكر ابن إسحاق ما نزل فيهم من الآيات من سورة البقرة، ومن سورة التوبة، وتكلم على تفسير ذلك فأجاد وأفاد.
رحمه الله.
ذكر أول المغازى وهى غزوة الابواء ويقال لها غزوة ودان وأول البعوث وهو بعث حمزة بن عبدالمطلب أو عبيدة بن الحارث كما سيأتي في المغازى.
قال البخاري: كتاب المغازى.
قال ابن إسحاق: أول ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الابواء، ثم بواط، ثم العشيرة.
ثم روى عن زيد بن أرقم أنه سئل: كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: تسع عشرة، شهد منها سبع عشرة أولهن العسيرة، أو العشيرة.
وسيأتى الحديث بإسناده ولفظه والكلام عليه عند غزوة العشيرة إن شاء الله وبه الثقة.
وفى صحيح البخاري عن بريدة قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة.
ولمسلم عنه: أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة.
وفى رواية له عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة.
وقاتل في ثمان منهن.
وقال الحسين بن واقد، عن ابن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا سبع عشرة غزوة وقاتل في ثمان، يوم بدر، وأحد، والاحزاب، والمريسيع، وقديد وخيبر، ومكة، وحنين.
وبعث أربعا وعشرين سرية.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي التنوخى، حدثنا الهيثم ابن حميد، أخبرني النعمان، عن مكحول، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا ثمانى
عشرة غزوة، قاتل في ثمانى غزوات، أولهن بدر، ثم أحد، ثم الاحزاب، ثم قريظة، ثم بئر معونة (1)، ثم غزوة بنى المصطلق من خزاعة، ثم غزوة خيبر، ثم غزوة مكة، ثم حنين والطائف.
قوله: " بئر معونة " بعد قريظة فيه نظر، والصحيح أنها بعد أحد كما سيأتي.
قال يعقوب: حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، سمعت سعيد بن المسيب يقول: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانى عشرة غزوة.
وسمعته مرة أخرى يقول: أربعا وعشرين.
فلا أدرى أكان ذلك وهما أو شيئا سمعه بعد ذلك.
وقد روى الطبراني عن الدبرى (2)، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري.
قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين غزوة.
وقال عبدالرحمن بن حميد في مسنده: حدثنا سعيد بن سلام، حدثنا زكريا بن
إسحاق، حدثنا أبو الزبير، عن جابر، قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين غزوة.
وقد روى الحاكم من طريق هشام، عن قتادة، أن مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه كانت ثلاثا وأربعين.
ثم قال الحاكم: لعله أراد السرايا دون الغزوات، فقد ذكرت في " الاكليل " على الترتيب بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه زيادة على المائة.
قال: وأخبرني الثقة من أصحابنا ببخارى أنه قرأ في كتاب أبى عبد الله محمد بن نصر، السرايا والبعوث دون الحروب نيفا وسبعين.
__________
(1) بئر معونة لم تكن غزوة ولم يشهدها الرسول صلوات الله عليه، بل وقع فيها العدوان على البعث الذى أرسله إلى نجد في حماية أبى البراء ملاعب الاسنة، ثم غدر بهم عامر بن الطفيل ولعلها أقحمت على الثمانية.
(2) هو أبو يعقوب اسحق بن إبراهيم بن عباد الدبرى، راوي كتب عبد الرزاق عنه، روى عنه الطبرنى وغيره.
وفى الاصل: الدرى.
محرفة.
(*) (23 - السيرة - 2)
وهذا الذى ذكره الحاكم غريب جدا، وحمله كلام قتادة على ما قال فيه نظر.
* * * وقد روى الامام أحمد عن أزهر بن القاسم الراسبى، عن هشام الدستوائى (1) عن قتادة، أن مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ثلاث وأربعون.
أربع وعشرون بعثا، وتسع عشرة غزوة، خرج في ثمان منها بنفسه: بدر، وأحد، والاحزاب، والمريسيع، وخيبر، وفتح مكة، وحنين، [ والطائف ].
وقال موسى بن عقبة، عن الزهري: هذه مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم التى قاتل فيها: يوم بدر في رمضان سنة ثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم
قاتل يوم الخندق، وهو يوم الاحزاب وبنى قريظة، في شوال من سنة أربع، ثم قاتل بنى المصطلق وبنى لحيان في شعبان سنة خمس، ثم قاتل يوم خيبر سنة ست، ثم قاتل يوم الفتح في رمضان سنة ثمان، ثم قاتل يوم حنين وحاصر أهل الطائف في شوال سنة ثمان، ثم حج أبو بكر سنة تسع، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر، وغزا ثنتى عشرة غزوة ولم يكن فيها قتال، وكانت أول غزاة غزاها الابواء.
وقال حنبل بن هلال، عن إسحاق بن العلاء، عن عبدالله بن جعفر الرقى، عن مطرف بن مازن اليماني، عن معمر، عن الزهري قال: أول آية نزلت في القتال: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " الآية بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.
فكان أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، يوم الجمعة لسبع عشرة من رمضان.
__________
(1) هو أبو بكر هشام بن أبى عبدالله الدستوائى البصري البكري، كان يبيع الثياب الدستوائية فنسب إليها.
روى عن قتادة وأبى الزبير المكى.
مات سنة ثلاث أو أربع وخمسين ومائة.
اللباب 1 / 419 (*)
إلى أن قال: ثم غزا بنى النضير، ثم غزا أحدا في شوال، يعنى من سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع، ثم قاتل بنى لحيان في شعبان سنة خمس، ثم قاتل يوم الفتح في شعبان سنة ثمان، وكانت حنين في رمضان سنة ثمان.
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة غزوة لم يقاتل فيها، فكانت أول غزوة غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الابواء، ثم العشيرة، ثم غزوة غطفان، ثم غزوة بنى سليم، ثم غزوة الابواء، ثم غزوة بدر الاولى، ثم غزوة الطائف، ثم غزوة الحديبية، ثم غزوة الصفراء، ثم غزوة تبوك آخر غزوة.
ثم ذكر البعوث.
هكذا كتبته من تاريخ الحافظ ابن عساكر، وهو غريب جدا، والصواب ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله مرتبا.
وهذا الفن مما ينبغى الاعتناء به والاعتبار بأمره والتهيؤ له، كما رواه محمد بن عمر الواقدي، عن عبدالله بن عمر بن على، عن أبيه، سمعت على بن الحسين يقول: كنا نعلم مغازى النبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن.
قال الواقدي: وسمعت محمد بن عبدالله يقول: سمعت عمى الزهري يقول: في علم المغازى علم الآخرة والدنيا.
* * * وقال محمد بن إسحاق في المغازى، بعد ذكره ما تقدم مما سقناه عنه، من تعيين رءوس الكفر من اليهود والمنافقين، لعنهم الله أجمعين وجمعهم في أسفل سافلين.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تهيأ لحربه وقام فيما أمره الله به من جهاد عدوه وقتال من أمره به ممن يليه من المشركين.
قال: وقد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين حين أشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل، لثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الاول، ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وخمسين سنة، وذلك بعد أن بعثه الله بثلاث عشرة سنة.
فأقام بقية شهر ربيع الاول وشهر ربيع الآخر وجمادين ورجبا وشعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وذا الحجة، وولى تلك الحجة المشركون، والمحرم.
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا في صفر على رأس اثنى عشر شهرا من مقدمه المدينة.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة سعد بن عبادة.
قال ابن إسحاق: حتى بلغ ودان وهى غزوة الابواء.
قال ابن جرير: ويقال لها
غزوة ودان أيضا.
يريد قريشا وبنى ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فوادعته فيها بنو ضمرة، وكان الذى وادعه منهم مخشى بن عمرو الضمرى، وكان سيدهم في زمانه ذلك.
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيدا، فأقام بها بقية صفر وصدرا من شهر ربيع الاول.
قال ابن هشام: وهى أول غزوة غزاها عليه السلام.
قال الواقدي: وكان لواؤه مع عمه حمزة، وكان أبيض.
قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامه ذلك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد المناف بن قصى في ستين، أو ثمانين، راكبا من المهاجرين، ليس فيهم من الانصار أحد، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة فلقى بها جمعا عظيما من قريش، فلم يكن بينهم قتال، إلا أن سعد بن أبى وقاص قد رمى يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمى به في سبيل الله في الاسلام.
ثم انصرف القوم عن القوم، وللمسلمين حامية، وفر من المشركين إلى المسلمين
المقداد بن عمرو البهرانى حليف بنى زهرة، وعتبة بن غزوان بن جابر المازنى حليف بنى نوفل بن عبد مناف، وكانا مسلمين ولكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار.
قال ابن إسحاق: وكان على المشركين يومئذ عكرمة بن أبى جهل.
وروى ابن هشام عن [ ابن (1) ] أبى عمرو بن العلاء، عن أبى عمرو المدنى أنه قال: كان عليهم مكرز بن حفص.
قلت: وقد تقدم عن حكاية الواقدي قولان: أحدهما أنه مكرز، والثانى أنه أبو سفيان صخر بن حرب، وأنه رجح أنه أبو سفيان.
فالله أعلم.
* * *
ثم ذكر ابن إسحاق القصيدة المنسوبة إلى أبى [ بكر ] الصديق في هذه السرية التى أولها: أمن طيف سلمى بالبطاح الدمائث (2) * أرقت وأمر في العشيرة حادث ترى من لؤى فرقة لا يصدها * عن الكفر تذكير ولا بعث باعث رسول أتاهم صادق فتكذبوا * عليه وقالوا لست فينا بماكث إذا ما دعوناهم إلى الحق أدبروا * وهروا هرير المجحرات اللواهث (3) القصيدة إلى آخرها، وذكر جواب عبدالله بن الزبعرى في مناقضتها التى أولها: أمن رسم دار أقفرت بالعثاعث (4) * بكيت بعين دمعها غير لابث ومن عجب الايام، والدهر كله * له عجب من سابقات وحادث
__________
(1) من ابن هشام.
(2) الدمائث: اللينة.
(3) هروا.
وثبوا.
والمجحرات: الكلاب التى ألجئت إلى أجحارها.
(4) العثاعث: أكداس الرمل، جمع عثعث.
(*)
لجيش أتانا ذى عرام يقوده * عبيدة يدعى في الهياج ابن حارث لنترك أصناما بمكة عكفا * مواريث موروث كريم لوارث وذكر تمام القصيدة، وما منعنا من إيرادها بتمامها إلا أن الامام عبد الملك بن هشام رحمه الله وكان إماما في اللغة، ذكر أن كثر أهل العلم بالشعر ينكر هاتين القصيدتين.
قال ابن إسحاق: وقال سعد بن أبى وقاص في رميته تلك فيما يذكرون: ألا هل أتى رسول الله أنى * حميت صحابتي بصدور نبلى أذود بها أوائلهم ذيادا * بكل حزونة وبكل سهل فما يعتد رام في عدو * بسهم يا رسول الله قبلى
وذلك أن دينك دين صدق * وذو حق أتيت به وفضل (1) ينجى المؤمنون به ويخزى * به الكفار عند مقام مهل (2) فمهلا قد غويت فلا تعبنى * غوى الحى ويحك يا بن جهل قال أبن هشام: وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لسعد.
قال ابن إسحاق: فكانت راية عبيدة، فيما بلغنا أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاسلام لاحد من المسلمين.
وقد خالفه الزهري وموسى بن عقبة والواقدى، فذهبوا إلى أن بعث حمزة قبل بعث عبيدة بن الحارث.
والله أعلم.
وسيأتى في حديث سعد بن أبى وقاص أن أول أمراء السرايا عبدالله بن جحش الاسدي.
قال ابن إسحاق: وبعض العلماء يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه حين أقبل من غزوة الابواء قبل أن يصل إلى المدينة.
وهكذا حكى موسى بن عقبة عن الزهري.
__________
(1) ابن هشام: وعدل.
(2) وتروى: سهل.
(*)
فصل قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامه ذلك حمزة بن عبدالمطلب بن هاشم إلى سيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكبا من المهاجرين، ليس فيهم من الانصار أحد، فلقى أبا جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلاثمائة راكب من أهل مكة، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهنى، وكان موادعا للفريقين جميعا، فانصرف بعض القوم عن بعض ولم يكن بينهم قتال.
قال ابن إسحاق: وبعض الناس يقول: كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحد من المسلمين، وذلك أن بعثه وبعث عبيدة كانا معا، فشبه ذلك على الناس.
قلت: وقد حكى موسى بن عقبة عن الزهري، أن بعث حمزة قبل عبيدة بن
الحارث، ونص على أن بعث حمزة كان قبل غزوة الابواء، فلما قفل عليه السلام من الابواء بعث عبيدة بن الحارث في ستين من المهاجرين.
وذكر نحو ما تقدم.
وقد تقدم عن الواقدي أنه قال: كانت سرية حمزة في رمضان من السنة الاولى، وبعدها سرية عبيدة في شوال منها.
والله أعلم.
وقد أورد ابن إسحاق عن حمزة رضى الله عنه شعرا يدل على أن رايته أول راية عقدت في الاسلام، لكن قال ابن إسحاق: فإن كان حمزة قال ذلك فهو كما قال، لم يكن يقول إلا حقا، والله أعلم أي ذلك كان.
فأما ما سمعنا من أهل العلم عندنا: فعبيدة أول، والقصيدة هي قوله: ألا يا لقومي للتحلم والجهل * وللنقص من رأى الرجال وللعقل وللراكبينا بالمظالم لم نطأ * لهم حرمات من سوام ولا أهل
كأنا تبلناهم ولا تبل (1) عندنا * لهم غير أمر بالعفاف وبالعدل وأمر بإسلام فلا يقبلونه * وينزل منهم مثل منزلة الهزل فما برحوا حتى انتدبت لغارة * لهم حيث حلوا أبتغى راحة الفضل بأمر رسول الله أول خافق * عليه لواء لم يكن لاح من قبلى لواء لديه النصر من ذى كرامة * إله عزيز فعله أفضل الفعل عشية ساروا حاشدين وكلنا * مراجله من غيظ أصحابه تغلى فلما تراءينا أناخوا فعقلوا * مطايا وعقلنا مدى غرض النبل وقلنا لهم حبل الاله نصيرنا * وما لكم إلا الضلالة من حبل فثار أبو جهل هنالك باغيا * فخاب ورد الله كيد أبى جهل وما نحن إلا في ثلاثين راكبا * وهم مائتان بعد واحدة فضل فيال لؤى لا تطيعوا غواتكم * وفيئوا إلى الاسلام والمنهج السهل
فإنى أخاف أن يصب عليكم * عذاب فتدعوا بالندامة والثكل قال: فأجابه أبو جهل بن هشام لعنه الله فقال: عجبت لاسباب الحفيظة والجهل * وللشاغبين بالخلاف وبالبطل وللتاركين ما وجدنا جدودنا * عليه ذوى الاحساب والسؤدد الجزل ثم ذكر تمامها.
قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هاتين القصيدتين لحمزة رضى الله عنه ولابي جهل لعنه الله.
__________
(1) تبلناهم: عاديناهم.
وفى الاصل: بتلناهم محرفة.
(*)
غزوة بواط من ناحية رضوى قال ابن إسحاق: ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الاول، يعنى من السنة الثانية، يريد قريشا.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون.
وقال الواقدي: استخلف عليها سعد بن معاذ.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتي راكب، وكان لواؤه مع سعد بن أبى وقاص وكان مقصده أن يعترض لعير قريش وكان فيه أمية بن خلف ومائة رجل وألفان وخمسمائة بعير.
قال ابن إسحاق: حتى بلغ بواط من ناحية رضوى، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا، فلبث بها بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى [ الاولى ].
غزوة العشيرة ثم غزا قريشا.
يعنى (1) بذلك الغزوة التى يقال لها غزوة العشيرة وبالمهملة، والعشير وبالمهملة، والعشيراء وبالمهملة (2).
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبد الاسد.
قال الواقدي: وكان لواؤه مع حمزة بن عبدالمطلب.
قال: وخرج عليه السلام يتعرض لعيرات قريش ذاهبة إلى الشام.
قال ابن إسحاق: فسلك على نقب بنى دينار، ثم على فيفاء الخيار، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها ذات الساق، فصلى عندها فثم مسجده، فصنع له عندها
__________
(1) أي ابن إسحق.
(2) يريد حكاية الاقوال التى وردت في اسم تلك الغزوة، فهى: العشيرة مصغرة وتروى بالسين.
والعشير مصغرة بدون هاء في آخره وتروى كذلك بالسين.
والعشيراء مصغرة ممدودة وتروى بالسين.
(*)
طعام فأكل منه وأكل الناس معه، فرسوم (1) أثافى البرمة معلوم هناك، واستسقى له من ماء يقال له المشيرب.
ثم ارتحل فترك الخلائق (3) بيسار وسلك شعبة عبدالله، ثم صب للشاد (3) حتى هبط يليل (4)، فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة، ثم سلك فرش ملل حتى لقى الطريق بصخيرات اليمام، ثم اعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة من بطن ينبع.
فأقام بها جمادى الاولى وليالي من جمادى الآخرة، ووادع فيها بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا.
وقد قال البخاري: حدثنا عبدالله، حدثنا وهب، حدثنا شعبة، عن أبى إسحاق، قال: كنت إلى جنب زيد بن أرقم فقيل له: كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة ؟ قال: تسع عشرة.
قلت (5): كم غزوة أنت معه ؟ قال: سبع عشرة غزوة.
قلت: فأيهن كان أول ؟ قال العشير، أو العسير.
فذكرت لقتادة فقال: العشير.
وهذا الحديث ظاهر في أن أول الغزوات العشيرة، ويقال بالسين، وبهما مع خذف التاء، وبهما مع المد.
اللهم إلا أن يكون المراد [ أول ] غزاة شهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم العشيرة، وحينئذ لا ينفى أن يكون قبلها غيرها لم يشهدها
زيد بن أرقم، وبهذا يحصل الجمع بين ما ذكره محمد بن إسحاق وبين هذا الحديث.
والله أعلم.
قال محمد بن إسحاق: ويومئذ (6) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى ما قال.
__________
(1) ابن هشام: فموضع.
(2) الخلائق جمع خلية وهى البئر التى لا ماء فيها، وهى آبار معلومة.
الروض (3) صوبها الخشنى بأنها: صب لليسار.
(4) الاصل: ملل وهو تحريف.
وما أثبته عن ابن هشام.
ويليل: قرية قرب وادى الصفراء من أعمال المدينة.
(5) البخاري: قيل، والقائل هو أبو إسحق السبيعى.
(6) ابن هشام: وفى تلك الغزوة قال.
(*)
فحدثني يزيد بن محمد بن خيثم (1)، عن محمد بن كعب القرظى، حدثنى أبو يزيد محمد ابن خيثم (1)، عن عمار بن ياسر، قال: كنت أنا وعلى بن أبى طالب رفيقين في غزوة العشيرة [ من بطن ينبع (2) ] فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بها شهرا، فصالح بها بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة فوادعهم، فقال لى على بن أبى طالب: هل لك يا أبا اليقظان أن نأتى هؤلاء النفر من بنى مدلج يعملون في عين لهم، ننظر كيف يعملون ؟ فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة فغشينا النوم، فعمدنا إلى صور (3) من النخل في دقعاء (4) من الارض فنمنا فيه، فو الله ما أهبنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركنا بقدمه، فجلسنا وقد تتربنا من تلك الدقعاء، فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى: [ مالك (5) ] يا أبا تراب ؟ لما عليه من التراب، فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال: " ألا أخبركم بأشقى الناس رجلين ؟ " قلنا: بلى يا رسول الله.
فقال " أحيمر ثمود الذى عقر الناقة، والذى يضربك يا على على هذه، ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسه (6)، حتى تبل منها هذه، ووضع يده على لحيته ".
وهذا حديث غريب من هذا الوجه له شاهد من وجه آخر في تسمية على أبا تراب،
كما في صحيح البخاري، أن عليا خرج مغاضبا فاطمة، فجاء المسجد فنام فيه فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عنه فقالت خرج مغاضبا فجاء إلى المسجد فأيقظه وجعل يمسح التراب عنه ويقول: " قم أبا تراب قم أبا تراب ".
__________
(1) الاصل: خثيم.
وما أثبته عن ابن هشام.
(2) ليست في ابن هشام.
وبعدها اختلاف كثير عن نص ابن هشام.
(3) الصور: صغار النحل.
(4) الدقعاء: التراب.
(5) من ابن هشام.
(6) هامش ابن هشام: على قرنه.
(*)
غزوة بدر الاولى قال ابن إسحاق: ثم لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من العشيرة إلا ليالى قلائل لا تبلغ العشر، حتى أغار كرز بن جابر الفهرى على سرح (1) المدينة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ واديا يقال له سفوان من ناحية بدر، وهو غزوة بدر الاولى، وفاته كرز فلم يدركه.
وقال الواقدي: وكان لواؤه مع على بن أبى طالب.
قال ابن هشام والواقدى: وكان قد استخلف على المدينة زيد بن حارثة.
قال ابن إسحاق: فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقام جمادى ورجبا وشعبان، وقد كان بعث بين يدى ذلك سعدا في ثمانية رهط من المهاجرين، فخرج حتى بلغ الخرار من أرض الحجاز.
قال ابن هشام: ذكر بعض أهل العلم أن بعث سعد هذا كان بعد حمزة.
ثم رجع ولم يلق كيدا.
هكذا ذكره ابن إسحاق مختصرا وقد تقدم ذكر الواقدي لهذه البعوث الثلاثة، أعنى بعث حمزة في رمضان، وبعث عبيدة في شوال، وبعث سعد في ذى القعدة كلها في السنة الاولى.
وقد قال الامام أحمد: حدثنى عبد المتعال بن عبد الوهاب، حدثنى يحيى بن سعيد، وقال عبدالله بن الامام أحمد: وحدثني سعيد بن يحيى بن سعيد الاموى، حدثنا أبى، حدثنا المجالد، عن زياد بن علاقة، عن سعد بن أبى وقاص، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءته جهينة فقالوا: إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق حتى
__________
(1) الشرح: ما يرعى من النعم.
(*)
نأتيك وقومنا، فأوثق لهم، فأسلموا.
قال: فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب ولا نكون مائة، وأمرنا أن نغير على حى من بنى كنانة إلى جنب جهينة، فأغرنا عليهم وكانوا كثيرا فلجأنا إلى جهينة فمنعونا وقالوا: لم تقاتلون في الشهر الحرام ؟ فقال بعضنا لبعض: ما ترون ؟ فقال بعضنا: نأتى نبى الله فنخبره.
وقال قوم: لا بل نقيم ها هنا.
وقلت أنا في أناس معى: لا بل نأتى عير قريش فنقطعها.
وكان الفئ إذ ذاك من أخذ شيئا فهو له.
فانطلقنا إلى العير وانطلق أصحابنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبروه الخبر فقام غضبان محمر الوجه، فقال: " أذهبتم من عندي جميعا ورجعتم متفرقين ! إنما أهلك من كان قبلكم الفرقة، لابعثن عليكم رجلا ليس بخيركم أصبركم على الجوع والعطش ".
فبعث علينا عبد الله بن جحش الاسدي، فكان أول أمير في الاسلام.
وقد رواه البيهقى في الدلائل من حديث يحيى بن أبى زائدة، عن مجالد به نحوه.
وزاد بعد قولهم لاصحابه: لم تقاتلون في الشهر الحرام ؟ فقالوا: نقاتل في الشهر الحرام من أخرجنا من البلد الحرام.
ثم رواه من حديث أبى أسامة، عن مجالد، عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك، عن سعد بن أبى وقاص، فذكر نحوه فأدخل بين سعد وزياد قطبة بن مالك
وهذا أنسب.
والله أعلم.
وهذا الحديث يقتضى أن أول السرايا عبدالله بن جحش الاسدي، وهو خلاف ما ذكره ابن إسحاق أن أول الرايات عقدت لعبيدة بن الحارث بن المطلب، وللواقدي حيث زعم أن أول الرايات عقدت لحمزة بن عبد المطلب.
والله أعلم.
باب سرية عبدالله بن جحش التى كان سببها (1) لغزوة بدر العظمى، وذلك يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن جحش بن رئاب الاسدي في رجب مقفله من بدر الاولى، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين، ليس فيهم من الانصار أحد، وهم أبو حديفة بن عتبة، وعكاشة بن محصن بن حرثان حليف بنى أسد بن خزيمة، وعتبة بن غزوان حليف بنى نوفل، وسعد بن أبى وقاص الزهري، وعامر بن ربيعة الوائلي حليف بنى عدى، وواقد بن عبدالله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع التميمي حليف بنى عدى أيضا، وخالد بن البكير أحد بنى سعد بن ليث حليف بنى عدى أيضا، وسهل بن بيضاء الفهرى، فهؤلاء سبعة ثامنهم أميرهم عبدالله بن جحش رضى الله عنه.
وقال يونس عن ابن إسحاق: كانوا ثمانية وأميرهم التاسع.
فالله أعلم.
قال ابن إسحاق: وكتب له كتابا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه فيمضى لما أمره به، ولا يستكره من أصحابه أحدا.
فلما سار بهم يومين فتح الكتاب فإذا فيه: " إذا نظرت في كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم ".
فلما نظر في الكتاب قال: سمعا وطاعة.
وأخبر أصحابه بما في الكتاب.
وقال: قد نهانى أن أستكره أحدا
منكم، فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) كذا، ولعلها: التى كانت سببا.
(*)
فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف منهم أحد، وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران، أضل سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه فتخلفا في طلبه، ومضى عبدالله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل نخلة.
فمرت عير لقريش فيها عمرو بن الحضرمي، قال ابن هشام: واسم الحضرمي عبدالله ابن عباد [ أحد (1) ] الصدف (2).
وعثمان بن عبدالله بن المغيرة المخزومى، وأخوه نوفل والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة.
فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم، فأشرف لهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا، وقال عمار: لا بأس عليكم منهم.
وتشاور الصحابة فيهم، وذلك في آخر يوم من رجب فقالوا: والله لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن به منكم، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام.
فتردد القوم وهابوا الاقدام عليهم.
ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم، فرمى واقد بن عبدالله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبدالله والحكم بن كيسان، وأفلت القوم نوفل بن عبدالله فأعجزهم.
وأقبل عبدالله بن جحش وأصحابه بالعير والاسرين، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر بعض آل عبدالله بن جحش أن عبدالله قال لاصحابه: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما غنمنا الخمس.
فعزله وقسم الباقي بين أصحابه، وذلك قبل أن
ينزل الخمس.
قال: ولما نزل الخمس نزل كما قسمه عبدالله بن جحش.
كما قاله ابن إسحاق.
__________
(1) من ابن هشام (2) قال ابن هشام: واسم الصدف: عمرو بن مالك.
(*)
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام " فوقف العير والاسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا.
فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقط (1) في أيدى القوم وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا، وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الاموال وأسروا فيه الرجال.
فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان.
وقالت يهود: تفائل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبدالله.
عمرو: عمرت الحرب، والحضرمى: حضرت الحرب.
وواقد أبن عبدالله: وقدت الحرب.
فجعل الله ذلك عليهم لا لهم.
فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم: " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل: قتال فيه كبير، وصد عن سبيل الله وكفر به، والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله، والفتنة أكبر من القتل، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا (2) ".
أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام، فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به وعن المسجد الحرام، وإخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم، والفتنة أكبر من القتل.
أي قد كانوا يفتنون المسلم عن دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه، فذلك أكبر عند الله من القتل، ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين، ولهذا قال الله تعالى: " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن
دينكم إن استطاعوا " الآية.
* * *
__________
(1) ابن هشام: سقط.
(2) سورة البقرة 217.
(*)
قال ابن إسحاق: فلما نزل القرآن بهذا الامر وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق، قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والاسيرين، وبعثت قريش في فداء عثمان والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا "، يعنى سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان " فإنا نخشاكم عليهما.
فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم ".
فقدم سعد وعتبة، فأفداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه، وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا، وأما عثمان بن عبدالله فلحق بمكة فمات بها كافرا.
قال ابن إسحاق: فلما تجلى عن عبدالله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الاجر، فقالوا: يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزاة نعطى فيها أجر المجاهدين ؟ فأنزل الله فيهم: " إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم " (1) فوضعهم (2) الله من ذلك على أعظم الرجاء.
قال ابن إسحاق: والحديث في ذلك عن الزهري ويزيد بن رومان، عن عروة ابن الزبير.
وهكذا ذكر موسى بن عقبة في مغازيه، عن الزهري، وكذا روى شعيب عن الزهري، عن عروة، نحوا من هذا وفيه: وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين والمشركين.
وقال عبدالملك بن هشام: هو أول قتيل قتله المسلمون، وهذه أول غنيمة غنمها
__________
(1) سورة البقرة 218.
(2) الاصل: فوصفهم.
وما أثبته عن ابن هشام.
(*) (24 - السيرة 2)
المسلمون، وعثمان والحكم بن كيسان أول من أسره المسلمون.
* * * قلت: وقد تقدم فيما رواه الامام أحمد عن سعد بن أبى وقاص أنه قال: فكان عبدالله بن جحش أول أمير في الاسلام.
وقد ذكرنا في التفسير لما أورده ابن إسحاق شواهد مسندة.
فمن ذلك ما رواه الحافظ أبو محمد بن أبى حاتم، حدثنا أبى، حدثنا محمد بن أبى بكر المقدمى، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، حدثنى الحضرمي، عن أبى السوار، عن جندب بن عبدالله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة ابن الجراح، أو عبيدة بن الحارث، فلما ذهب بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس، فبعث عليهم مكانه عبدالله بن جحش وكتب له كتابا، وأمره ألا يقرأه حتى يبلغ مكان كذا وكذا.
وقال: " لا تكرهن أحدا على المسير معك من أصحابك ".
فلما قرأ الكتاب استرجع وقال: سمعا وطاعة لله ولرسوله.
فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب، فرجع منهم رجلان وبقى بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو من جمادى، فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام ! فأنزل الله: " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " الآية.
وقال اسماعيل بن عبدالرحمن السدى الكبير في تفسيره، عن أبى مالك، عن أبى صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، عن جماعة من الصحابة
" يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " وذلك أن رسول الله صلى عليه وسلم بعث سرية وكانوا سبعة نفر عليهم عبدالله بن جحش، وفيهم عمار بن ياسر، وأبو حذيفة بن عتبة، وسعد بن أبى وقاص، وعتبة بن غزوان، وسهل بن بيضاء
وعامر بن فهيرة، وواقد بن عبدالله اليربوعي حليف لعمر بن الخطاب.
وكتب لابن جحش كتابا وأمره ألا يقرأه حتى ينزل بطن ملل، فلما نزل بطن ملل فتح الكتاب، فإذا فيه: أن سر حتى تنزل بطن نخلة.
فقال لاصحابه: من كان يريد الموت فليمض وليوص، فإننى موص وماض لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فسار، وتخلف عنه سعد وعتبة أضلا راحلة لهما فأقاما يطلبانها، وسار هو وأصحابه حتى نزل بطن نخلة، فإذا هو بالحكم بن كيسان والمغيرة بن عثمان وعبد الله ابن المغيرة.
فذكر قتل واقد لعمرو بن الحضرمي، ورجعوا بالغنيمة والاسيرين، فكانت أول غنيمة غنمها المسلمون.
وقال المشركون: إن محمدا يزعم أنه يتبع طاعة الله، وهو أول من استحل الشهر الحرام وقتل صاحبنا في رجب.
وقال المسلمون: إنما قتلناه في جمادى.
قال السدى: وكان قتلهم له في أول ليلة من رجب وآخر ليلة من جمادى الآخرة.
* * * قلت: لعل جمادى كان ناقصا فاعتقدوا بقاء الشهر ليلة الثلاثين، وقد كان الهلال رؤى تلك الليلة.
فالله أعلم.
وهكذا روى العوفى، عن ابن عباس، أن ذلك كان في آخر ليلة من جمادى، وكانت أول ليلة من رجب ولم يشعروا.
وكذا تقدم في حديث جندب الذى رواه ابن أبى حاتم.
وقد تقدم في سياق ابن إسحاق أن ذلك كان آخر ليلة من رجب، وخافوا إن لم يتداركوا هذه الغنيمة وينتهزوا هذه الفرصة دخل أولئك في الحرم فيعتذر عليهم ذلك، فأقدموا عليهم عالمين بذلك.
وكذا قال الزهري عن عروة.
رواه البيهقى.
فالله أعلم أي ذلك كان.
قال الزهري عن عروة: فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقل ابن الحضرمي وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه، حتى أنزل الله براءة.
رواه البيهقى.
* * * قال ابن إسحاق: فقال ابو بكر الصديق في غزوة عبدالله بن جحش، جوابا للمشركين فيما قالوا من إحلال الشهر الحرام.
قال ابن هشام: هي لعبد الله بن جحش: تعدون قتلا في الحرام عظيمة * وأعظم منه لو يرى الرشد راشد صدودكم عما يقول محمد * وكفر به والله راء وشاهد وإخراجكم من مسجد الله أهله * لئلا يرى لله في البيت ساجد فإنا وإن عيرتمونا بقتله * وأرجف بالاسلام باغ وحاسد سقينا من ابن الحضرمي رماحنا * بنخلة لما أوقد الحرب واقد دما وابن عبدالله عثمان بيننا * ينازعه غل من القيد عاند فصل في تحويل القبلة في سنة ثنتين من الهجرة قبل وقعة بدر وقال بعضهم: كان ذلك في رجب من سنة ثنتين.
وبه قال قتادة وزيد بن أسلم وهو رواية عن محمد بن إسحاق.
وقد روى أحمد بن ابن عباس ما يدل على ذلك، وهو ظاهر حديث البراء بن عازب كما سيأتي.
والله أعلم.
وقيل في شعبان منها.
قال ابن إسحاق بعد غزوة عبدالله بن جحش: ويقال صرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.
وحكى هذا القول ابن جرير من طريق السدى، فسنده عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة.
قال الجمهور الاعظم: إنما صرفت في النصف من شعبان، على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة.
ثم حكى عن محمد بن سعد، عن الواقدي، أنها حولت يوم الثلاثاء النصف من شعبان، وفى التحديد نظر.
والله أعلم.
وقد تكلمنا على ذلك مستقصى في التفسير عند قوله تعالى: " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها، فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعلمون ".
وما قبلها وما بعدها، من اعتراض سفهاء اليهود والمنافقين والجهلة الطغام على ذلك، لانه أول نسخ وقع في الاسلام.
هذا وقد أحال الله قبل ذلك في سياق القرآن تقرير جواز النسخ عند قوله " ما ننسخ من آية أو ننسها، نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير ".
وقد قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، سمع زهيرا، عن أبى إسحاق، عن البراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشرا شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها إلى الكعبة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة.
فداروا كما هم قبل البيت.
وكان الذى مات على القبلة قبل أن تحول رجال قتلوا، لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله
" وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم "
رواه مسلم من وجه آخر.
وقال ابن أبى حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا الحسن بن عطية، حدثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن البراء، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر، أو سبعة عشر شهرا، وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة، فأنزل الله: " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها، فول وجهك شطر المسجد الحرام ".
قال: فوجه نحو الكعبة.
قال السفهاء من الناس، وهم اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها ؟ فأنزل الله: " قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم " * * * وحاصل الامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه، كما رواه الامام أحمد عن ابن عباس رضى الله عنه، فلما هاجر إلى المدينة لم يمكنه ان يجمع بينهما، فصلى إلى بيت المقدس أول مقدمه المدينة واستدبر الكعبة ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وهذا يقتضى أن يكون ذلك إلى رجب من السنة الثانية.
والله أعلم.
وكان عليه السلام يحب أن يصرف قبلته نحو الكعبة، قبلة إبراهيم، وكان يكثر الدعاء والتضرع والابتهال إلى الله عزوجل، فكان مما يرفع يديه وطرفه إلى السماء سائلا ذلك فأنزل الله عزوجل: " قد نرى تقلب وجهك في السماء، فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام " الآية.
فلما نزل الامر بتحويل القبلة خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين وأعلمهم بذلك، كما رواه النسائي عن أبى سعيد بن المعلى، وأن ذلك كان وقت الظهر.
وقال بعض الناس: نزل تحويلها بين الصلاتين.
قاله مجاهد وغيره.
ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين عن البراء، أن أول صلاة صلاها عليه السلام إلى الكعبة بالمدينة العصر.
والعجب أن أهل قباء لم يبلغهم خبر ذلك إلى صلاة الصبح من اليوم الثاني، كما ثبت في الصحيحين، عن ابن عمر، قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها.
وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة.
وفى صحيح مسلم عن أنس بن مالك نحو ذلك * * * والمقصود أنه لما نزل تحويل القبلة إلى الكعبة، ونسخ به الله تعالى حكم الصلاة إلى بيت المقدس، طعن طاعنون من السفهاء والجهلة والاغبياء، قالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها ؟ هذا والكفرة من أهل الكتاب يعلمون أن ذلك من الله، لما يجدونه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم، من أن المدينة مهاجره، وأنه سيؤمر بالاستقبال إلى الكعبة كما قال: " وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم " الآية.
وقد أجابهم الله تعالى مع هذا كله عن سؤالهم، ونعتهم فقال: " سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها.
قل: لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم " أي هو المالك المتصرف، الحاكم الذى لا معقب لحكمه، الذى يفعل ما يشاء في خلقه، ويحكم ما يريد في شرعه، وهو الذى يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم، ويضل من يشاء عن الطريق القويم، وله في ذلك الحكمة التى يجب لها الرضا والتسليم.
ثم قال تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " أي خيارا " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " أي وكما اخترنا لكم أفضل الجهات في صلاتكم وهديناكم إلى قبلة أبيكم إبراهيم والد الانبياء، بعد التى كان يصلى بها موسى فمن قبله من المرسلين، كذلك جعلناكم خيار الامم وخلاصة العالم وأشرف الطوائف وأكرم التالد والطارف، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الناس لاجماعهم عليكم وإشارتهم يومئذ بالفضيلة إليكم.
كما ثبت في صحيح البخاري، عن أبى سعيد مرفوعا، من استشهاد نوح بهذه الامة يوم القيامة، وإذا استشهد بهم نوح مع تقدم زمانه فمن بعده بطريق الاولى والاحرى.
ثم قال تعالى مبينا حكمته في حلول نقمته بمن شك وارتاب بهذه الواقعة، وحلول نعمته على من صدق وتابع هذه الكائنة، فقال: " وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ".
قال ابن عباس: إلا لنرى من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.
" وإن كانت لكبيرة " أي وإن كانت هذه الكائنة لعظيمة الموقع كبيرة المحل شديدة الامر، إلا على الذى هدى الله، أي فهم مؤمنون بها مصدقون لها، لا يشكون ولا يرتابون، بل يرضون ويؤمنون ويعملون، لانهم عبيد للحاكم العظيم، القادر المقتدر الحليم الخبير، اللطيف العليم.
وقوله: " وما كان الله ليضيع إيمانكم " أي بشرعته استقبال بيت المقدس والصلاة إليه: " إن الله بالناس لرءوف رحيم ".
والاحاديث والآثار في هذه كثيرة جدا يطول استقصاؤها، وذلك مبسوط في التفسير، وسنزيد بذلك بيانا في كتابنا " الاحكام الكبير ".
وقد روى الامام أحمد، حدثنا على بن عاصم، حدثنا حصين بن عبدالرحمن، عن عمرو بن قيس، عن محمد بن الاشعث، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعنى في أهل الكتاب: " إنهم لم يحسدونا على شئ كما يحسدوننا على يوم الجمعة التى هدانا الله إليها وضلوا عنها، وعلى القبلة التى هدانا الله لها وضلوا، وعلى قولنا خلف الامام آمين ".
فصل في فريضة شهر رمضان سنة ثنتين، قبل وقعة بدر قال ابن جرير: وفى هذه السنة فرض صيام شهر رمضان.
وقد قيل: إنه فرض في شعبان منها، ثم حكى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم عنه فقالوا: هذا يوم نجى الله فيه موسى.
فقال: " نحن أحق بموسى منكم " فصامه وأمر الناس بصيامه.
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين عن ابن عباس.
وقد قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.
أياما معدودات، فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون، شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر (1) " الآية.
وقد تكلمنا على ذلك في التفسير بما فيه كفاية، من إيراد الاحاديث المتعلقة بذلك
__________
(1) سورة البقرة 183 - 185.
(*)
والآثار المروية في ذلك والاحكام المستفادة منه.
ولله الحمد.
* * * وقد قال الامام أحمد.
حدثنا أبو النضر، حدثنا المسعودي، حدثنا عمرو بن مرة، عن عبدالرحمن بن أبى ليلى، عن معاذ بن جبل، قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال.
فذكر أحوال الصلاة.
قال: وأما أحوال الصيام: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وصام عاشوراء.
ثم إن الله فرض عليه الصيام وأنزل: " يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " إلى قوله: " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه، ثم إن الله أنزل الآية الاخرى: " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " إلى قوله: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " فأثبت صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر، وأثبت الاطعام للكبير الذى لا يستطيع الصيام.
فهذا حولان.
قال: وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا.
ثم إن رجلا من الانصار يقال له صرمة كان يعمل صائما حتى أمسى، فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح، فأصبح صائما، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جهد جهدا شديدا فقال: " ما لى أراك قد جهدت جهدا شديدا ؟ " فأخبره قال: وكان عمر قد أصاب من النساء بعد ما نام، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزل الله: " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، هن لباس لكم " إلى قوله " ثم أتموا الصيام إلى الليل (1) ".
__________
(1) سورة البقرة 187.
(*)
ورواه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه، من حديث المسعودي نحوه
وفى الصحيحين من حديث الزهري عن عروة، عن عائشة أنها قالت: كان عاشوراء يصام، فلما نزل رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر.
وللبخاري عن ابن عمر وابن مسعود مثله.
ولتحرير هذا موضع آخر من التفسير ومن الاحكام الكبير.
وبالله المستعان.
* * * قال ابن جرير: وفى هذه السنة أمر الناس بزكاة الفطر، وقد قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس قبل الفطر بيوم أو يومين، وأمرهم بذلك.
قال: وفيها صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيد وخرج بالناس إلى المصلى، فكان أول صلاة عيد صلاها، وخرجوا بين يديه بالحربة، وكانت للزبير وهبها له النجاشي، فكانت تحمل بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاعياد.
قلت: وفى هذه السنة فيما ذكره غير واحد من المتأخرين فرضت الزكاة ذات النصب (1): كما سيأتي تفصيل ذلك كله بعد وقعة بدر.
إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
__________
(1) أي زكاة المال.
(*)
بسم الله الرحمن الرحيم غزوة بدر العظمى، يوم الفرقان يوم التقى الجمعان قال الله تعالى: " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون (1) ".
وقال الله تعالى " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، وإن فريقا من المؤمنين لكارهون.
يجادلونك في الحق بعد ما تبين، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون.
وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم، وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم، ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين.
ليحق الحق ويبطل الباطل
ولو كره المجرمون " وما بعدها إلى تمام القصة من سورة الانفال.
وقد تكلمنا عليها هنالك.
وسنوردها هنا في كل موضع ما يناسبه.
قال ابن إسحاق رحمه الله بعد ذكره سرية عبدالله بن جحش: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بأبى سفيان صخر بن حرب مقبلا من الشام في عير لقريش عظيمة فيها أموال وتجارة، وفيها ثلاثون رجلا، أو أربعون، منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص.
قال موسى بن عقبة: عن الزهري، كان ذلك بعد مقتل ابن الحضرمي بشهرين.
قال: وكان في العير ألف بعير تحمل أموال قريش بأسرها إلا حويطب بن عبدالعزى، فلهذا تخلف عن بدر.
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن مسلم بن شهاب، وعاصم بن عمر بن قتادة
__________
(1) سورة آل عمران 123.
(*)
وعبد الله بن أبى بكر، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، وغيرهم من علمائنا، عن ابن عباس، كل قد حدثنى بعض الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا: لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبى سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم وقال: " هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها ".
فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعض، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا، وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتجسس (1) من لقى من الركبان تخوفا على أمر (2) الناس، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان: أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك.
فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة.
قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم، عن عكرمة، عن ابن عباس ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير.
قالا: وقد رأت عاتكة بنت عبدالمطلب قبل قدوم ضمضم إلى مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبدالمطلب فقالت له: يا أخى والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة، فاكتم على ما أحدثك.
قال لها: وما رأيت ؟ قالت: رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالابطح ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث.
فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه: فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة، ثم صرخ بمثلها: ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث.
ثم مثل به بعيره على رأس أبى قبيس، فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوى، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت، فما بقى بيت من بيوت مكة ولا دار إلا دخلتها منها فلقة.
__________
(1) ابن هشام: يتحسس.
(2) ح: على أموال الناس.
(*)
قال العباس: والله إن هذه لرؤيا، وأنت فاكتميها لا تذكريها لاحد.
ثم خرج العباس فلقى الوليد بن عتبة، وكان له صديقا، فذكرها له واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لابنه عتبة، ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش.
قال العباس: فغدوت لاطوف بالبيت، وأبو جهل ابن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة، فلما رأني أبو جهل قال: يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا.
فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم، فقال أبو جهل: يا بنى عبدالمطلب، متى حدثت فيكم هذه النبية ؟ قال: قلت: وما ذاك ؟ قال: تلك الرؤيا التى رأت عاتكة.
قال: قلت: وما رأت ؟ قال: يا بنى عبدالمطلب، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ؟ قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال: انفروا في ثلاث.
فسنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يك حقا ما تقول فسيكون، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شئ نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب.
قال العباس: فو الله ما كان منى إليه كبير شئ، إلا أنى جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا.
قال: ثم تفرقنا، فلما أمسيت لم تبق امرأة من بنى عبدالمطلب إلا أتتنى فقالت: أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع، ثم لم يكن عندك غيرة لشئ مما سمعت ؟ قال: قلت: قد والله فعلت، ما كان منى إليه من كبير، وايم الله لا تعرضن له، فإذا عاد لاكفيكنه.
قال: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب، أرى أنى قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه.
قال: فدخلت المسجد فرأيته، فو الله إنى لامشى نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به، وكان رجلا خفيفا حديد الوجه، حديد اللسان حديد النظر، قال:
إذ خرج نحو باب المسجد يشتد، قال: قلت في نفسي، ما له لعنه الله ؟ أكل هذا فرق منى أن أشاتمه ؟ ! وإذا هو قد سمع ما لم أسمع، صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره، قد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول: يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبى سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث.
قال: فشغلني عنه وشغله عنى ما جاء من الامر.
فتجهز الناس سراعا وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي ؟ ! [ كلا ] (1) والله ليعلمن غير ذلك.
وذكر موسى بن عقبة رؤيا عاتكة كنحو من سياق ابن إسحاق.
قال: فلما جاء ضمضم بن عمرو على تلك الصفة، خافوا من رؤيا عاتكة فخرجوا على الصعب والذلول.
قال ابن إسحاق: فكانوا بين رجلين: إما خارج وإما باعث مكانه رجلا، وأوعبت قريش فلم يتخلف من أشرافها أحد، إلا أن أبا لهب بن عبدالمطلب بعث مكانه العاصى بن هشام بن المغيرة، استأجره بأربعة آلاف درهم كانت له عليه قد أفلس بها.
* * * قال ابن إسحاق: وحدثني ابن أبى نجيح أن أمية بن خلف كان قد أجمع القعود، وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا، فأتاه عقبة بن أبى معيط، وهو جالس في المسجد بين ظهرانى قومه، بمجمرة يحملها فيها نار ومجمر، حتى وضعها بين يديه ثم قال: يا أبا على استجمر فإنما أنت من النساء !
__________
(1) من ابن هشام.
(*)
قال: قبحك الله، وقبح ما جئت به.
قال: ثم تجهز وخرج مع الناس.
هكذا قال ابن إسحاق في هذه القصة.
وقد رواها البخاري (1) على نحو آخر فقال: حدثنى أحمد بن عثمان، حدثنا شريح ابن مسلمة، حدثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبى إسحاق، حدثنى عمرو بن ميمون، أنه سمع عبدالله بن مسعود حدث عن سعد بن معاذ، أنه كان صديقا لامية بن خلف، وكان أمية إذا مر بالمدينة نزل على سعد بن معاذ، وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انطلق سعد بن معاذ معتمرا فنزل على أمية بمكة، قال سعد لامية: انظر لى ساعة خلوة لعلى أطوف بالبيت، فخرج به قريبا
من نصف النهار، فلقيهما أبو جهل، فقال: يا صفوان من هذا معك ؟ قال: هذا سعد.
قال له أبو جهل: ألا أراك تطوف بمكة آمنا وقد أو يتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم، أما والله لو لا أنك مع أبى صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما.
فقال له سعد، ورفع صوته عليه: أما والله لئن منعتني هذا لامنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة.
فقال له أمية: لا ترفع صوتك يا سعد على أبى الحكم، فإنه سيد أهل الوادي.
قال سعد: دعنا عنك يا أمية، فو الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنهم قاتلوك " قال: بمكة ؟ قال: لا أدرى.
ففزع لذلك أمية فزعا شديدا فلما رجع إلى أهله قال: يا أم صفوان ألم ترى ما قال لى سعد ؟ قالت: وما قال لك ؟.
__________
(1) في أول كتاب المغازى، باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من يقتل ببدر.
(*)
قال: زعم أن محمدا أخبرهم أنهم قاتلي، فقلت له: بمكة ؟ قال: لا أدرى فقال أمية: والله لا أخرج من مكة.
فلما كان يوم بدر، استنفر أبو جهل الناس، فقال: أدركوا عيركم.
فكره أمية أن يخرج، فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان، إنك متى يراك الناس قد تخلفت، وأنت سيد أهل الوادي، تخلفوا معك.
فلم يزل به أبو جهل حتى قال: أما إذ غلبتني (1) فو الله لاشترين أجود بعير بمكة.
ثم قال أمية: يا أم صفوان جهزيني.
فقالت له: يا أبا صفوان، وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي ؟ قال: لا، وما أريد أن أجوز معهم إلا قربيا.
فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره، فلم يزل كذلك حتى قتله الله ببدر.
وقد رواه البخاري في موضع آخر (2)، عن محمد بن إسحاق، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبى إسحاق به نحوه.
تفرد به البخاري.
وقد رواه الامام أحمد، عن خلف بن الوليد، وعن أبى سعيد، كلاهما عن إسرائيل وفى رواية إسرائيل قالت له امرأته: والله إن محمدا لا يكذب * * * قال ابن إسحاق: ولما فرغوا من جهازهم وأجمعوا المسير ذكروا ما كان (3) بينهم وبين بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب، فقالوا: إنا نخشى أن يأتونا
__________
(1) الاصل: عبتني.
وهو تحريف، وما أثبته من صحيح البخاري.
(2) في باب علامات النبوة.
(3) الاصل: ما كانوا.
وما أثبته عن ابن هشام.
(*) (25 - السيرة - 2)
من خلفنا.
وكانت الحرب التى كانت بين قريش وبين بنى بكر في ابن لحفص بن الاخيف من بنى عامر بن لؤى، قتله رجل من بنى بكر، بإشارة عامر بن يزيد بن عامر بن الملوح، ثم أخذ بثأره أخوه مكرز بن حفص، فقتل عامرا وخاض بسيفه في بطنه، ثم جاء من الليل فعلقه بأستار الكعبة، فخافوهم بسبب ذلك الذى وقع بينهم.
قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير قال: لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذى كان بينها وبين بنى بكر، فكاد ذلك أن يثنيهم، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجى، وكان من أشراف بنى كنانة، فقال: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشئ تكرهونه.
فخرجوا سراعا قلت: وهذا معنى قوله تعالى: " ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط.
وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم.
فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال: إنى برئ منكم إنى أرى ما لا ترون إنى أخاف الله والله شديد العقاب (1) ".
غرهم لعنه الله حتى ساروا وسار معهم منزلة منزلة، ومعه جنوده وراياته، كما قاله غير واحد منهم، فأسلمهم لمصارعهم، فلما رأى الجد والملائكة تنزل للنصر وعاين جبريل نكص على عقبيه وقال: إنى برئ منكم إنى أرى ما لا ترون إنى أخاف الله.
وهذا كقوله تعالى: " كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر.
فلما كفر قال إنى برئ منك إنى أخاف الله رب العالمين " (2): وقد قال الله تعالى: " وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا (3).
__________
(1) سورة الانفال 47، 48 (2) سورة الحشر 16.
(3) سورة الاسراء 81.
(*)
فإبليس لعنه الله لما عاين الملائكة يومئذ تنزل للنصر فر ذاهبا، فكان أول من هرب يومئذ، بعد أن كان هو المشجع لهم المجير لهم، كما غرهم ووعدهم ومناهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.
وقال يونس عن ابن إسحاق: خرجت قريش على الصعب والذلول في تسعمائة وخمسين مقاتلا معهم مائتا فرس يقودونها، ومعهم القيان يضربن بالدفوف ويغنين بهجاء المسلمين.
وذكر المطعمين لقريش يوما يوما.
وذكر الاموى: أن أول من نحر لهم حين خرجوا من مكة أبو جهل، نحر لهم عشرا، ثم نحر لهم أمية بن خلف بعسفان تسعا، ونحر لهم سهيل بن عمرو بقديد عشرا، ومالوا من قديد إلى مياه نحو البحر فظلوا (1) فيها وأقاموا بها يوما.
فنحر لهم شيبة بن ربيعة تسعا، ثم أصبحوا بالجحفة فنحر لهم يومئذ عتبة بن ربيعة عشرا، ثم أصبحوا بالابواء فنحر لهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج عشرا، ونحر لهم العباس بن عبدالمطلب عشرا، ونحر لهم على ماء بدر أبوالبخترى عشرا، ثم أكلوا من أزوادهم.
قال الاموى: حدثنا أبى، حدثنا أبو بكر الهذلى، قال: كان مع المشركين ستون فرسا وستمائة درع، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسان وستون درعا.
هذا ما كان من أمر هؤلاء في نفيرهم من مكة ومسيرهم إلى بدر.
* * * وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن إسحاق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه، واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس، ورد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة.
__________
(1) في شرح المواهب: فضلوا فأقاموا يوما.
(*)
ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير وكان أبيض، وبين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان، إحداهما مع على بن أبى طالب يقال لها: العقاب، والاخرى مع بعض الانصار.
قال ابن هشام: كانت راية الانصار مع سعد بن معاذ.
وقال الاموى: كانت مع الحباب بن المنذر.
قال ابن إسحاق: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الساقة قيس بن أبى
صعصعة أخا بنى مازن بن النجار.
وقال الاموى: وكان معهم فرسان، على إحداهما مصعب ابن عمير، وعلى الاخرى الزبير بن العوام، ومن [ الميمنة ] سعد بن خيثمة ومن [ الميسرة ] المقداد ابن الاسود.
وقد روى الامام أحمد من حديث أبى إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن على، قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد.
وروى البيهقى من طريق ابن وهب، عن أبى صخر، عن أبى معاوية البلخى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن عليا قال له: ما كان معنا إلا فرسان: فرس للزبير وفرس للمقداد بن الاسود، يعنى يوم بدر وقال الاموى: حدثنا أبى، حدثنا إسماعيل بن أبى خالد، عن التيمى قال: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فارسان، الزبير بن العوام على الميمنة، والمقداد أبن الاسود على الميسرة.
قال أبن إسحاق: وكان معهم سبعون بعيرا يعتقبونها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ومرثد بن أبى مرثد يعتقبون بعيرا، وكان حمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة [ موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم ] (1) يعتقبون بعيرا.
__________
(1) من ابن هشام.
(*)
كذا قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عفان، عن حماد بن سلمة، حدثنا عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبدالله بن مسعود، قال كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، كان أبو لبابة وعلى زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فكانت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: نحن نمشي عنك.
فقال: " ما أنتما بأقوى منى، ولا أنا بأغنى عن الاجر منكما ".
وقد رواه النسائي، عن الفلاس، عن ابن مهدى، عن حماد بن سلمة به.
قلت: ولعل هذا كان قبل أن يرد أبا لبابة من الروحاء، ثم كان زميلاه على ومرثد بدل أبى لبابة.
والله أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن زرارة بن أبى أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالاجراس أن تقطع من أعناق الابل يوم بدر.
وهذا على شرط الصحيحين.
وإنما رواه النسائي، عن أبى الاشعث، عن خالد بن الحارث، عن سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة به.
قال شيخنا الحافظ المزى في الاطراف: وتابعه سعيد بن بشر عن قتادة.
وقد رواه هشام عن قتادة، عن زرارة، عن أبى هريرة.
فالله أعلم.
وقال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن كعب بن مالك، أن عبدالله بن كعب قال: سمعت كعب ابن مالك يقول: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أنى تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب الله أحدا تخلف عنها، إنما
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد.
تفرد به.
* * * قال ابن إسحاق: فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقه من المدينة إلى مكة على نقب المدينة، ثم على العقيق، ثم على ذى الحليفة، ثم على أولات الجيش، ثم مر على تربان، ثم على ملل، ثم على غميس الحمام، ثم على صخيرات اليمامة، ثم على
السيالة، ثم على فج الروحاء، ثم على شنوكة، وهى الطريق المعتدلة.
حتى إذا كان بعرق الظبية لقى رجلا من الاعراب، فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا، فقال له الناس، سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: أوفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: نعم.
فسلم عليه، ثم قال: لئن كنت رسول الله فأخبرني عما في بطن ناقتي هذه.
قال له سلمة بن سلامة بن وقش: لا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل على فأنا أخبرك عن ذلك، نزوت عليها ففى بطنها منك سخلة (1).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه أفحشت على الرجل.
ثم أعرض عن سلمة.
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم سجسج، وهى بئر الروحاء، ثم ارتحل منها، حتى إذا كان منها بالمنصرف ترك طريق مكة بيسار وسلك ذات اليمين على النازية، يريد بدرا، فسلك في ناحية منها حتى إذا جزع واديا (2) يقال له رحقان (3) بين النازية وبين مضيق الصفراء، ثم على المضيق، ثم انصب منه، حتى إذا كان قريبا من الصفراء بعث
__________
(1) السخلة: ولد الضأن أو الماعز، واستعارها هنا لولد الناقة (2) جزع واديا: قطعه عرضا.
(3) الاصل: وحقان.
وما أثبته عن ابن هشام.
(*)
بسبس (1) بن عمرو الجهنى حليف بنى ساعدة وعدى بن أبى الزغباء حليف بنى النجار إلى بدر، يتجسسان الاخبار عن أبى سفيان صخر بن حرب وعيره.
وقال موسى بن عقبة: بعثهما قبل أن يخرج من المدينة، فلما رجعا فأخبراه بخبر العير استنفر الناس إليها.
فإن كان ما ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق محفوظا فقد بعثهما مرتين.
والله أعلم.
قال ابن إسحاق رحمه الله: ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قدمها،
فلما استقبل الصفراء، وهى قرية بين جبلين، سأل عن جبليها ما اسماهما (2) ؟ فقالوا: يقال لاحدهما مسلح وللآخر مخرئ، وسأل عن أهلهما فقيل: بنو النار، وبنو حراق، بطنان من غفار.
فكرههما رسول الله صلى عليه وسلم والمرور بينهما وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهلهما، فتركهما والصفراء بيسار، وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذفران، فجزع فيه ثم نزل.
* * * وأتاه الخبر عن قريش ومسيرهم ليمنعوا عيرهم.
فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش.
فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن.
ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن.
__________
(1) قال الزرقائى: ويقال له بسبسة، كما وقع لجميع رواة مسلم وبعض رواة أبى داود.
والاصح ما ذكره ابن إسحق.
قال ابن الكلبى: إنه الذى أراده الشاعر بقوله: أقم لها صدورها يا بسبس * إن مطايا القوم لا تحسس (2) الاصل: ما أسماؤهما وما أثبته عن ابن هشام.
(*)
ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد (1) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أشيروا على أيها الناس " وإنما يريد الانصار، وذلك أنهم كانوا عدد الناس، وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله
إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف ألا تكون الانصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم.
فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال: " أجل " قال: فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فو الذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر على بركة الله.
قال: فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه، ثم قال: " سيروا
__________
(1) برك الغماد: قال الحازمى: موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن.
وقال البكري: هي أفاصى هجر.
وقال الهمداني: هو في أقصى اليمن من شرح المواهب 1 / 412.
(*)
وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأنى الآن أنظر إلى مصارع القوم ".
هكذا رواه ابن إسحاق رحمه الله.
وله شواهد من وجوه كثيرة.
فمن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه: حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسرائيل، عن مخارق، عن طارق بن شهاب، قال سمعت ابن مسعود يقول: شهدت من المقداد بن الاسود مشهدا لان أكون صاحبه أحب إلى مما عدل به، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين.
فقال: لا نقول كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت
وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون.
ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك.
فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره.
انفرد به البخاري دون مسلم، فرواه في مواضع من صحيحه من حديث مخارق به، ورواه النسائي من حديثه، وعنده: وجاء المقداد بن الاسود يوم بدر على فرس.
فذكره.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبيدة، هو ابن حميد، عن حميد الطويل، عن أنس، قال: استشار النبي صلى الله عليه وسلم مخرجه إلى بدر، فأشار عليه أبو بكر، ثم استشارهم فأشار عليه عمر، ثم استشارهم فقال بعض الانصار: إياكم يريد رسول الله يا معشر الانصار.
فقال بعض الانصار: يا رسول الله، إذا لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن والذى بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك.
وهذا إسناد ثلاثى صحيح على شرط الصحيح.
وقال أحمد أيضا: حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: شاور حين بلغه إقبال أبى سفيان، قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقال سعد بن عبادة: إيانا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذى نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحار لاخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا.
فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس.
قال: فانطلقوا حتى نزلوا بدرا، ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود
لبنى الحجاج فأخذوه، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أبى سفيان وأصحابه فيقول: ما لى علم بأبى سفيان، ولكن هذا أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف.
فإذا قال ذلك ضربوه، فإذا ضربوه.
قال: نعم، أنا أخبركم، هذا أبو سفيان.
فإذا تركوه فسألوه قال: ما لى بأبى سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية.
فإذا قال هذا أيضا ضربوه.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى، فلما رأى ذلك انصرف فقال: والذى نفسي بيده إنكم لتضربونه إذا صدق وتتركونه إذا كذبكم.
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا مصرع فلان، يضع يده على الارض ها هنا وها هنا، فما أماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه مسلم عن أبى بكر، عن عفان به نحوه.
وقد روى ابن أبى حاتم في تفسيره وابن مردويه، واللفظ له، من طريق عبدالله ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن أسلم، عن أبى عمران، أنه سمع أبا أيوب الانصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة: " إنى أخبرت عن عير أبى سفيان أنها مقبلة، فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير لعل الله يغنمناها ؟ " فقلنا: نعم.
فخرج وخرجنا، فلما سرنا يوما أو يومين قال لنا: " ما ترون في القوم، فإنهم قد أخبروا بمخرجكم ؟ " فقلنا: لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم، ولكنا أردنا العير.
ثم قال: " ما ترون في قتال القوم ؟ " فقلنا مثل ذلك.
فقام المقداد بن عمرو [ فقال ]: إذا لا نقول لك يا رسول الله كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون.
قال: فتمنينا معشر الانصار لو أنا قلنا مثل ما قال المقداد، أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم، فأنزل الله عزوجل على رسوله: " كما أخرجك ربك من بيتك
بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون " وذكر تمام الحديث.
روى ابن مردويه أيضا، من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثى، عن أبيه عن جده، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال: " كيف ترون ؟ " فقال أبو بكر: يا رسول الله بلغنا أنهم بكذا وكذا.
قال: ثم خطب الناس فقال: " كيف ترون ؟ " فقال عمر مثل قول أبى بكر.
ثم خطب الناس فقال: " كيف ترون ؟ ".
فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله إيانا تريد ؟ فو الذى أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لى بها علم، ولئن سرت حتى تأتى برك الغماد من ذى يمن لنسيرن معك، ولا نكون كالذين قالوا لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون.
ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون، ولعل أن تكون خرجت لامر وأحدث الله إليك غيره، فانظر الذى أحدث الله إليك فامض، فصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وعاد من شئت، وسالم من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت.
فنزل القرآن على قول سعد: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، وإن فريقا من المؤمنين لكارهون " الآيات.
وذكره الاموى في مغازيه، وزاد بعد قوله: " وخذ من أموالنا ما شئت ": " وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت به من أمر فأمرنا تبع لامرك، فو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك ".
* * * قال ابن إسحاق: ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران، فسلك على ثنايا يقال لها الاصافر، ثم انحط منها إلى بلد يقال له الدابة، وترك الحنان بيمين، وهو
كثيب عظيم كالجبل العظيم، ثم نزل قريبا من بدر، فركب هو ورجل من أصحابه.
قال ابن هشام: هو أبو بكر.
قال ابن إسحاق، كما حدثنى محمد بن يحيى بن حبان، حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني مما أنتما ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أخبرتنا أخبرناك.
فقال: أو ذاك بذاك ؟ قال: نعم.
قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذى أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا.
للمكان الذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذى أخبرني صدقنى فهم اليوم بمكان كذا وكذا.
للمكان الذى به قريش.
فلما فرغ من خبره قال: ممن أنتما ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن من ماء " ثم انصرف عنه.
قال يقول الشيخ: ما من ماء ؟ أمن ماء العراق ؟
قال ابن هشام: يقال لهذا الشيخ سفيان الضمرى.
قال ابن إسحاق: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، فلما أمسى بعث على بن أبى طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبى وقاص، في نفر من أصحابه، إلى ماء بدر يلتمسون الخبر له، كما حدثنى يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير.
فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلام بنى الحجاج، وعريض أبو يسار غلام بنى العاص بن سعيد، فأتوا بهما فسألوهما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى، فقالوا: نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء.
فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لابي سفيان فضربوهما، فلما أذلقوهما (1)
قالا: نحن لابي سفيان.
فتركوهما.
وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه وسلم.
وقال: " إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما ! صدقا والله إنهما لقريش، أخبرانى عن قريش ؟ قالا: هم [ والله (2) ] وراء هذا الكثيب الذى ترى بالعدوة القصوى، والكثيب العقنقل.
فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم القوم قالا: كثير، قال: ما عدتهم ؟ قالا: لا ندرى.
قال: كم ينحرون كل يوم ؟ قالا: يوما تسعا ويوما عشرا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القوم ما بين التسعمائة إلى الالف ".
ثم قال لهما: فمن فيهم من أشراف قريش ؟ قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدى بن نوفل، والنضر
__________
(1) أذلقوهما: آذوهما.
(2) عن ابن هشام.
(*)
ابن الحارث، وزمعة بن الاسود، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود.
قال: فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: " هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها ".
* * * قال ابن إسحاق: وكان بسبس بن عمرو وعدى بن أبى الزغباء قد مضيا حتى نزلا بدرا فأناخا إلى تل قريب من الماء، ثم أخذا شنا لهما يستقيان فيه، ومجدى بن عمرو الجهنى على الماء، فسمع عدى وبسبس جاريتين من جواري الحاضر وهما يتلازمان (1) على الماء والملزومة تقول لصاحبتها: إنما تأتى العير غدا أو بعد غد، فأعمل لهم ثم أقضيك الذى
لك.
قال مجدي: صدقت.
ثم خلص بينهما.
وسمع ذلك عدى وبسبس فجلسا على بعيريهما، ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبراه بما سمعا.
وأقبل أبو سفيان حتى تقدم العير حذرا حتى ورد الماء، فقال لمجدي بن عمرو: هل أحسست أحدا ؟ قال: ما رأيت أحدا أنكره، إلا أنى قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا.
فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ففته فإذا فيه النوى، فقال: هذه والله علائف يثرب.
فرجع إلى أصحابه سريعا، فضرب وجه عيره عن الطريق فساحل بها، وترك بدرا بيسار، وانطلق حتى أسرع.
وأقبلت قريش، فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا، فقال: إنى رأيت فيما يرى النائم، وإنى لبين النائم واليقظان، إذ
__________
(1) يتلازمان: يتقاضيان.
(*)
نظرت إلى رجل قد أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له، ثم قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف وفلان وفلان، فعد رجالا ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش، ثم رأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقى خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه.
فبلغت أبا جهل لعنه الله فقال: هذا أيضا نبى آخر من بنى المطلب ! سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا.
* * * قال ابن إسحاق: ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجاها الله فارجعوا.
فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجع حتى نرد بدرا، وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق كل عام، فنقيم عليه ثلاثا فننحر الجزور (1) ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فامضوا.
وقال الاخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفى، وكان حليفا لبنى زهرة، وهم بالجحفة: يا بنى زهرة قد نجى الله لكم أموالكم، وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل، وإنما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا (2) بى جبنها وارجعوا، فإنه لا حاجة لكم بأن تخرجوا في غير ضيعة، لا ما يقول هذا.
قال: فرجعوا فلم يشهدها زهرى واحد، أطاعوه وكان فيهم مطاعا.
ولم يكن بقى بطن من قريش إلا وقد نفر منهم ناس إلا بنى عدى، لم يخرج منهم
__________
(1) ابن هشام: الجزر.
(2) ابن هشام: فاجعلوا لى.
(*)
رجل واحد، فرجعت بنو زهرة مع الاخنس، فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين أحد.
قال: ومضى القوم، وكان بين طالب بن أبى طالب، وكان في القوم، وبين بعض قريش محاورة، فقالوا: والله لقد عرفنا يا بنى هاشم، وإن خرجتم معنا، أن هواكم مع محمد.
فرجع طالب إلى مكة مع من رجع، وقال في ذلك: لا هم إما يغزون طالب * في عصبة محالف محارب في مقنب من هذه المقانب (1) * فليكن المسلوب غير السالب وليكن المغلوب غير الغالب * * * قال ابن إسحاق: ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبطن الوادي وهو يليل، بين بدر وبين العقنقل الكثيب الذى خلفه قريش، والقليب ببدر في العدوة الدنيا من بطن يليل إلى المدينة.
قلت: وفى هذا قال تعالى " إذا أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم " أي من ناحية الساحل " ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد، ولكن ليقضى الله أمرا كان مفعولا " (2) الآيات.
وبعث الله السماء، وكان الوادي دهسا (3) فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ماء لبد لهم الارض ولم يمنعهم من السير، وأصاب قريشا منها ماء لم يقدروا على أن يرتحلوا معه.
__________
(1) المقنب: الجماعة من الخيل مقدارها ثلاثمائة أو نحوها.
(2) سورة الانفال 42 (3) دهسا: لينا.
(*)
قلت: وفى هذا قوله تعالى " وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام " (1).
فذكر أنه طهرهم ظاهرا وباطنا، وأنه ثبت أقدامهم وشجع قلوبهم وأذهب عنهم تخذيل الشيطان وتخويفه للنفوس ووسوسته الخواطر، وهذا تثبيت الباطن والظاهر، وأنزل النصر عليهم من فوقهم في قوله: " إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم، فثبتوا الذين آمنوا، سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب، فاضربوا فوق الاعناق " أي على الرؤوس " واضربوا منهم كل بنان " أي لئلا يستمسك منهم السلاح " ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب، ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار " (2).
قال ابن جرير: حدثنى هارون بن إسحاق، حدثنا مصعب بن المقدام، حدثنا إسرائيل، حدثنا أبو إسحاق، عن حارثة، عن على بن أبى طالب، قال: أصابنا من من الليل طش (3) من المطر، يعنى الليلة التى كانت في صبيحتها وقعة بدر، فانطلقنا تحت الشجر والحجف (4) نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعنى قائما يصلى، وحرض على القتال.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبدالرحمن بن مهدى، عن شعبة عن ابى إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن على، قال: ما كان فينا فارس يوم بدر إلا المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلى ويبكى حتى أصبح.
وسيأتى هذا الحديث مطولا.
__________
(1) سورة الانفال 12.
(2) سورة الانفال 13، 14.
(3) الطش: المطر الضعيف، وهو فوق الرذاذ.
(4) الحجف: جمع حجفة وهى الترس الصغير يطارق بين جلدين.
(*) (26 - السيرة - 2)
ورواه النسائي عن بندار، عن غندر، عن شعبة به.
وقال مجاهد: أنزل عليهم المطر فأطفأ به الغبار وتلبدت به الارض وطابت به أنفسهم وثبتت به أقدامهم.
قلت: وكانت ليلة بدر ليلة الجمعة السابعة عشر من شهر رمضان، سنة ثنتين من الهجرة، وقد بات رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلى إلى جذم شجرة هناك، ويكثر في سجوده أن يقول: " يا حى يا قيوم " يكرر ذلك ويلظ به عليه السلام.
* * * قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء حتى جاء أدنى ماء من بدر نزل به.
قال ابن إسحاق: فحدثت عن رجال من بنى سلمة، أنهم ذكروا أن الحباب ابن منذر بن الجموح قال: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأى والحرب والمكيدة ؟
قال: بل هو الرأى والحرب والمكيدة.
قال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فامض بالناس حتى نأتى أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبنى عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أشرت بالرأى ".
قال الاموى: حدثنا أبى، قال: وزعم الكلبى، عن أبى صالح، عن ابن عباس، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الاقباص (1) وجبريل عن يمينه إذا أتاه ملك من الملائكة فقال: يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) بالاصل غير منقوطة.
ولم أجد هذا النص، والقبص: الجماعة من الناس.
(*)
" هو السلام ومنه السلام وإليه السلام " فقال الملك: إن الله يقول لك: إن الامر الذى أمرك به الحباب بن المنذر.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل هل تعرف هذا ؟ فقال: ما كل أهل السماء أعرف، وإنه لصادق وما هو بشيطان.
فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقلب فغورت، وبنى حوضا على القليب الذى نزل عليه فملئ ماء، ثم قذفوا فيه الآنية.
وذكر بعضهم أن الحباب بن المنذر لما أشار بما اشار به على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل ملك من السماء وجبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الملك: يا محمد، ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن الرأى ما أشار به الحباب، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل فقال: ليس كل الملائكة أعرفهم، وإنه ملك وليس بشيطان.
وذكر الاموى أنهم نزلوا على القليب الذى يلى المشركين نصف الليل، وأنهم نزلوا فيه واستقوا منه وملاوا الحياض حتى أصبحت ملاء وليس للمشركين ماء.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبدالله بن أبى بكر، أنه حدث أن سعد بن معاذ قال يا نبى الله ألا نبنى لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حبا لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك.
فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير، ثم بنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش كان فيه.
* * * قال ابن إسحاق: وقد ارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت.
فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل، وهو الكثيب الذى جاءوا منه إلى الوادي، قال: " اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذى وعدتني، اللهم أحنهم (1) الغداة ".
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رأى عتبة بن ربيعة في القوم وهو على جمل له أحمر: إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الاحمر، إن يطيعوه يرشدوا.
قال: وقد كان خفاف بن أيماء بن رحضة، أو أبوه أيماء بن رحضة الغفاري، بعث إلى قريش ابنا له بجزائر أهداها لهم وقال: إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا قال: فأرسلوا إليه مع ابنه: أن وصلتك رحم، وقد قضيت الذى عليك، فلعمري إن
كنا إنما نقاتل الناس ما بنا ضعف عنهم، وإن كنا إنما نقاتل الله، كما يزعم محمد، فما لاحد بالله من طاقة ! قال: فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم حكيم بن حزام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهم.
فما شرب منه رجل يومئذ إلا قتل، إلا ما كان من حكيم بن حزام فإنه لم يقتل، ثم أسلم بعد ذلك فحسن إسلامه، فكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذى نجاني يوم بدر.
قلت: وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر
__________
(1) أحنهم: أهلكهم.
(*)
رجلا كما سيأتي بيان ذلك في فصل نعقده بعد الوقعة ونذكر أسماءهم على حروف المعجم إن شاء الله.
* * * ففى صحيح البخاري عن البراء، قال: كنا نتحدث (1) أن أصحاب بدر ثلثمائة وبضعة عشر، على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزا معه النهر، وما جاوزه معه إلا مؤمن.
وللبخاري أيضا عنه قال: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر، وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين، والانصار نيف وأربعون ومائتان.
وروى الامام أحمد عن نصر بن رئاب، عن حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أنه قال: كان أهل بدر ثلثمائة وثلاثة عشر، وكان المهاجرون ستة وسبعين وكانت هزيمة أهل بدر لسبع عشرة مضين من شهر رمضان يوم الجمعة.
وقال الله تعالى: " إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الامر، ولكن الله سلم " (2) الآية.
وكان ذلك في منامه تلك الليلة.
وقيل: إنه نام في العريش، وأمر الناس أن لا يقاتلوا حتى يأذن لهم، فدنا القوم منهم فجعل الصديق يوقظه ويقول: يا رسول الله دنوا منا فاستيقظ.
وقد أراه الله إياهم في منامه قليلا.
ذكره الاموى وهو غريب جدا.
وقال تعالى: " وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم، ليقضى الله أمرا كان مفعولا " (3).
__________
(1) البخاري.
سمعت البراء رضى الله عنه يقول: حدثنى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من شهد بدرا أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت.
(2) سورة الانفال 43.
(1) سورة الانفال 44.
(*)
فعندما تقابل الفريقان قلل الله كلا منهما في أعين الآخرين ليجترئ هؤلاء على هؤلاء وهؤلاء على هؤلاء، لما له في ذلك من الحكمة البالغة.
وليس هذا معارضا لقوله تعالى في سورة آل عمران: " قد كان لكم آية في فئتين التقتا، فئة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين، والله يؤيد بنصره من يشاء ".
فإن المعنى في ذلك على أصح القولين: أن الفرقة الكافرة ترى الفرقة المؤمنة مثلى عدد الكافرة على الصحيح أيضا، وذلك عند التحام الحرب والمسايفة (1) أوقع الله الوهن والرعب في قلوب الذين كفروا، فاستدرجهم أولا، بأن أراهم إياهم عند المواجهة قليلا، ثم أيد المؤمنين بنصره، فجعلهم في أعين الكافرين على الضعف منهم حتى وهنوا وضعفوا وغلبوا.
ولهذا قال: " والله يؤيد بنصره من يشاء، إن في ذلك لعبرة لاولى الابصار ".
قال إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن أبى عبيد وعبد الله، لقد قللوا في أعيننا يوم بدر، حتى أنى لاقول لرجل إلى جنبى: أتراهم سبعين ؟ فقال: أراهم مائة !
* * * قال ابن إسحاق: وحدثني أبى إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم، عن أشياخ من الانصار قالوا: لما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحى فقالوا احزر لنا القوم أصحاب محمد.
قال: فاستجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر: أللقوم كمين أو مدد.
قال: فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئا، فرجع إليهم فقال: ما رأيت شيئا، ولكن قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع،
__________
(1) الاصل: والمسابقة وهو تحريف.
(*)
قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك ! ؟ فروا رأيكم.
فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس، فأتى عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها المطاع فيها، هل لك إلى أن لا تزال تذكر فيها بخير إلى آخر الدهر ؟ قال: وما ذلك يا حكيم ؟ قال: ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو ابن الحضرمي.
قال: قد فعلت، أنت على بذلك، إنما هو حليفي فعلى عقله وما أصيب من ماله.
فأت ابن الحنظلية، يعنى أبا جهل، فإنى لا أخشى أن يشجر (1) أمر الناس غيره.
ثم قال عتبة خطيبا فقال: يا معشر قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر إلى وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه، أو ابن خاله، أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين
سائر العرب، فإن أصابوه فذلك الذى أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون.
قال حكيم: فانطلقت حتى جئت أبا جهل، فوجدته قد نثل درعا فهو يهنئها (2) فقلت له: يا أبا الحكم إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا.
فقال: انتفخ والله سحره (3) حين رأى محمدا وأصحابه، فلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه رأى محمدا وأصحابه أكلة جزور، وفيهم ابنه، فقد تخوفكم عليه.
ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي، فقال: هذا حليفك يريد أن يرجع الناس، وقد
__________
(1) يشجر: يخالف ويفسد.
وفى الاصل: يسجر.
وما أثبته عن ابن هشام (2) نئل: أخرج.
ويهنئها: يهيئها ويصلحها (3) انتفخ سحره: جبن والسحر: الرئة.
(*)
رأيت ثأرك بعينك فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك.
فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ: واعمراه واعمراه.
قال: فحميت الحرب وحقب أمر الناس واستوثقوا على ما هم عليه من الشر، وأفسد على الناس الرأى الذى دعاهم إليه عتبة.
فلما بلغ عتبة قول أبى جهل: انتفخ والله سحره، قال: سيعلم مصفر استه (4) من انتفخ سحره أنا أم هو ! ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه، فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم رأسه، فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له.
* * * وقد روى ابن جرير من طريق مسور بن عبدالملك اليربوعي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب قال: بينا نحن عند مروان بن الحكم إذ دخل حاجبه فقال: حكيم بن حزام يستأذن.
قال: ائذن له.
فلما دخل قال: مرحبا يا أبا خالد ادن، فحال عن صدر
المجلس حتى جلس بينه وبين الوسادة ثم استقبله فقال: حدثنا حديث بدر.
فقال: خرجنا حتى إذا كنا بالجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها، فلم يشهد أحد من مشركيهم بدرا، ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة التى قال الله تعالى، فجئت عتبة بن ربيعة فقلت: يا أبا الوليد هل لك في أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت ؟ قال: أفعل ماذا ؟ قلت: إنكم لا تطلبون من محمد إلا دم ابن الحضرمي وهو حليفك، فتحمل بديته ويرجع الناس.
فقال: أنت على بذلك، واذهب إلى ابن الحنظلية، يعنى أبا جهل، فقل له:
__________
(1) مصفر استه: أراد مصفر بدنه بالصفرة وهى الطيب.
ولكنه قصد المبالغة بالذم فذكر ما يسوؤه أن يذكر.
(*)
هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك ؟ فجئته فإذا هو في جماعة من بين يديه ومن خلفه، وإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول: فسخت عقدى من عبد شمس، وعقدي اليوم إلى بنى مخزوم.
فقلت له: يقول لك عتبة بن ربيعة: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك ؟ قال: أما وجد رسولا غيرك ؟ قلت: لا، ولم أكن لاكون رسولا لغيره.
قال حكيم: فخرجت مبادرا إلى عتبة لئلا يفوتنى من الخبر شئ، وعتبة متكئ على أيماء بن رحضة الغفاري، وقد أهدى إلى المشركين عشرة جزائر.
فطلع أبو جهل الشر في وجهه فقال لعتبة: انتفخ سحرك ؟ فقال له عتبة: ستعلم.
فسل أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه، فقال أيماء بن رحضة: بئس الفأل هذا.
فعند ذلك قامت الحرب.
وقد صف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وعباهم أحسن تعبية.
فروى الترمذي عن عبدالرحمن بن عوف، قال: صفنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم بدر ليلا.
ورى الامام أحمد من حديث ابن لهيعة، حدثنى يزيد بن أبى حبيب، أن أسلم أبا عمران حدثه، أنه سمع أبا أيوب يقول: صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فبدرت منا بادرة أمام الصف، فنظر إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " معى معى ".
تفرد به أحمد.
وهذا إسناد حسن.
* * * وقال ابن إسحاق: وحدثني حبان بن واسع بن حبان، عن أشياخ من قومه، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفى يده قدح (1) يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية حليف بنى عدى بن النجار وهو مستنتل (2) من الصف.
فطعن في بطنه بالقدح وقال: " استو يا سواد ".
فقال: يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدنى.
فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال: استقد.
قال: فاعتنقه فقبل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد ؟ قال: يا رسول الله حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك.
فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقاله.
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أن عوف بن الحارث، وهو ابن عفراء، قال: يا رسول الله ما يضحك (3) الرب من عبده ؟ قال: " غمسه يده في العدو حاسرا ".
فنزع درعا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل رضى الله عنه.
قال ابن إسحاق: ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش
فدخله ومعه أبو بكر ليس معه فيه غيره.
وقال ابن إسحاق وغيره: وكان سعد بن معاذ رضى الله عنه واقفا على باب العريش متقلدا بالسيف ومعه رجال من الانصار، يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا عليه من أن يدهمه العدو من المشركين، والجنائب النجائب مهيأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن احتاج إليها ركبها ورجع إلى المدينة، كما أشار به سعد بن معاذ.
وقد روى البزار في مسنده من حديث محمد بن عقيل، عن على أنه خطبهم فقال: يا أيها الناس من أشجع الناس ؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين.
__________
(1) القدح السهم.
(2) مستنتل: متقدم.
(3) يضحك: يرضى.
(*)
فقال: أما إنى ما بارزنى أحد إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر، إنا جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا فقلنا: من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوى إليه أحد من المشركين ؟ فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرا بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوى إليه أحد إلا أهوى إليه.
فهذا أشجع الناس.
قال: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش، فهذا يحاده، وهذا يتلتله، ويقولون: أنت جعلت الآلهة إلها واحدا، فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب ويجاهد هذا ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم ! أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله.
ثم رفع على بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال: أنشدكم الله: أمؤمن آل فرعون خير أم هو ؟ فسكت القوم، فقال على: فو الله لساعة من أبى بكر خير من ملء الارض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه.
ثم قال البزار: لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه.
فهذه خصوصية للصديق، حيث هو مع الرسول في العريش، كما كان معه في الغار رضى الله عنه وأرضاه.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الابتهال والتضرع والدعاء، ويقول فيما يدعو به: " اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الارض " وجعل يهتف بربه عزوجل ويقول: " اللهم أنجز لى ما وعدتني، اللهم نصرك ".
ويرفع يديه إلى السماء حتى سقط الرداء عن منكبيه، وجعل أبو بكر رضى الله عنه
يلتزمه من ورائه ويسوى عليه رداءه ويقول مشفقا عليه من كثرة الابتهال: يا رسول الله بعض مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك.
هكذا حكى السهيلي عن قاسم بن ثابت، أن الصديق إنما قال: بعض مناشدتك ربك، من باب الاشفاق لما رأى من نصبه في الدعاء والتضرع حتى سقط الرداء عن منكبيه فقال: بعض هذا يا رسول الله.
أي: لم تتعب نفسك هذا التعب، والله قد وعدك بالنصر.
وكان رضى الله عنه رقيق القلب شديد الاشفاق على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحكى السهيلي عن شيخة أبى بكر بن العربي بأنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام الخوف، والصديق في مقام الرجاء، وكان مقام الخوف في هذا الوقت، يعنى أكمل.
قال: لان لله أن يفعل ما يشاء، فخاف أن لا يعبد في الارض بعدها، فخوفه ذلك عبادة.
قلت: وأما قول بعض الصوفية: إن هذا المقام في مقابلة ما كان يوم الغار.
فهو قول مردود على قائله، إذ لم يتذكر هذا القائل عور ما قال ولا لازمه ولا ما يترتب عليه.
والله أعلم.
* * * هذا وقد تواجه الفئتان وتقابل الفريقان، وحضر الخصمان بين يدى الرحمن، واستغاث بربه سيد الانبياء، وضج الصحابة بصنوف الدعاء إلى رب الارض والسماء، سامع الدعاء وكاشف البلاء.
فكان أول من قتل من المشركين الاسود بن عبد الاسد المخزومى.
قال ابن إسحاق: وكان رچلا شرسا سيئ الخلق فقال: أعاهد الله لاشربن من حوضهم أو لاهدمنه أو لاموتن دونه.
فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبدالمطلب، فلما
التقيا ضربه حمزة فأطن (1) قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد، زعم، أن تبر يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.
قال الاموى: فحمى عند ذلك عتبة بن ربيعة، وأراد أن يظهر شجاعته، فبرز بين أخيه شيبة وابنه الوليد، فلما توسطوا بين الصفين دعوا إلى البراز، فخرج إليهم فتيه من الانصار ثلاثة، وهم عوف ومعاذ ابنا الحارث وأمهما غفراء، والثالث عبدالله بن رواحة فيما قيل، فقالوا: من أنتم ؟ قالوا رهط من الانصار.
فقالوا: ما لنا بكم حاجة.
وفى رواية فقالوا: أكفاء كرام، ولكن أخرجوا إلينا من بنى عمنا، ونادى مناديهم: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا على ".
وعند الاموى أن النفر من الانصار لما خرجوا كره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لانه أول موقف واجه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداءه، فأحب أن يكون أولئك من عشيرته، فأمرهم بالرجوع وأمر أولئك الثلاثة بالخروج.
قال ابن إسحاق: فلما دنوا منهم قالوا: من أنتم ؟ وفى هذا دليل أنهم كانوا ملبسين لا يعرفون من السلاح، فقال عبيدة: عبيدة.
وقال حمزة: حمزة.
وقال على: على.
قالوا: نعم، أكفاء كرام.
فبارز عبيدة، وكان أسن القوم، عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز على الوليد بن عتبة.
فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما على فلم يمهل الوليد أن قتله، وأختلف
__________
(1) أطن: أطار.
(*)
عبيدة وعبتة بينهما بضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، وكر حمزة وعلى بأسيافهما على عتبة فذففا (1) عليه، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابهما (2).
رضى الله عنه.
* * * وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبى مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبى ذر: أنه كان يقسم قسما أن هذه الآية " هذان خصمان اختصموا في ربهم " (3) نزلت في حمزة وصاحبه، وعتبة وصاحبه، يوم برزوا في بدر.
هذا لفظ البخاري في تفسيرها.
وقال البخاري: حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا المعتمر بن سليمان، سمعت أبى، حدثنا أبو مجلز، عن قيس بن عباد، عن على بن أبى طالب، أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدى الرحمن عزوجل في الخصومة يوم القيامة.
قال قيس: وفيهم نزلت: " هذان خصمان اختصموا في ربهم " قال: هم الذين بارزوا يوم بدر: على وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة.
تفرد به البخاري.
وقد أوسعنا الكلام عليها في التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة.
وقال الاموى: حدثنا معاوية بن عمرو، عن أبى إسحاق، عن ابن المبارك، عن
إسماعيل بن أبى خالد، عن عبدالله البهى، قال: برز عتبة وشيبة والوليد، وبرز إليهم حمزة وعبيدة وعلى، فقالوا: تكلموا نعرفكم.
فقال حمزة: أنا أسد الله وأسد رسول الله أنا حمزة بن عبدالمطلب.
فقال كفء كريم.
وقال على: أنا عبدالله وأخو رسول الله.
وقال عبيدة: أنا الذى في الحلفاء، فقام كل رجل إلى رجل فقاتلوم فقتلهم الله.
__________
(1) ذففا عليه: أجهزا.
(2) ابن هشام: إلى أصحابه.
(3) سورة الحج 19.
(*)
فقالت هند في ذلك: أعيني جودى بدمع سرب * على خير خندف لم ينقلب تداعى له رهطه غدوة * بنو هاشم وبنو المطلب يذيقونه حد أسيافهم * يعلونه بعد ما قد عطب ولهذا نذرت هند أن تأكل من كبد حمزة.
قلت: وعبيدة هذا هو ابن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، ولما جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجعوه إلى جانب موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشرفه (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه فوضع خده على قدمه الشريفة وقال: يا رسول الله لو رأني أبو طالب لعلم أنى أحق بقوله: ونسلمه حتى نصرع دونه * ونذهل عن أبنائنا والحلائل ثم مات رضى الله عنه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أشهد أنك شهيد ".
رواه الشافعي رحمه الله.
وكان أول قتيل من المسلمين في المعركة مهجع مولى عمر بن الخطاب رمى بسهم فقتله.
قال ابن إسحاق: فكان أول من قتل، ثم رمى بعده حارثة بن سراقة أحد بنى
عدى بن النجار وهو يشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فمات.
وثبت في الصحيحين، عن أنس، أن حارثة بن سراقة قتل يوم بدر وكان في النظارة، أصابه سهم غرب فقتله، فجاءت أمه فقالت: يا رسول الله أخبرني عن حارثة، فإن كان في الجنة صبرت وإلا فليرين الله ما أصنع، يعنى من النياح، وكانت لم تحرم
__________
(1) كذا وفى إنسان العيون: فأفرشه.
(*)
بعد.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويحك أهبلت، إنها جنان ثمان، وإن ابنك أصاب الفردوس الاعلى ! ".
* * * قال ابن إسحاق: ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض.
وقد (1) أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم، وقال: إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل.
وفى صحيح البخاري عن أبى أسيد، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: إذا أكثبوكم، يعنى المشركين، فارموهم واستبقوا نبلكم.
وقال البيهقى: أخبرنا الحاكم، أخبرنا الاصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن أبى إسحاق، حدثنى عبدالله بن الزبير، قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعار المهاجرين يوم بدر: يا بنى عبدالرحمن.
وشعار الخزرج: يا بنى عبدالله.
وشعار الاوس: يا بنى عبيد الله، وسمى خيله خيل الله.
قال ابن هشام: كان شعار الصحابة يوم بدر: أحد أحد.
قال ابن إسحاق: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش معه أبو بكر رضى الله عنه، يعنى وهو يستغيث الله عزوجل، كما قال تعالى: " إذ يستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين.
وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به
قلوبكم وما النصر إلا من عند الله، إن الله عزيز حكيم " (2).
قال الامام أحمد: حدثنا أبو نوح قراد، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا سماك الحنفي أبو زميل، حدثنى ابن عباس، حدثنى عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم بدر
__________
(1) الاصل: وقال.
وهو تحريف.
وما أثبته عن ابن هشام.
(2) سورة الانفال 9، 10.
(*)
نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة وعليه رداؤه وإزاره ثم قال: " اللهم أنجز لى ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الاسلام فلا تعبد بعد في الارض أبدا ".
فما زال يستغيث بربه ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرده ثم التزمه من ورائه ثم قال: يا رسول الله كفاك (1) مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك.
فأنزل الله: " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين ".
وذكر تمام الحديث كما سيأتي.
وقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وغيرهم من حديث عكرمة بن عمار اليماني، وصححه على ابن المدينى والترمذي.
وهكذا قال غير واحد، عن ابن عباس والسدى وابن جرير وغيرهم، أن هذه الآية نزلت في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر.
وقد ذكر الاموى وغيره أن المسلمين عجوا إلى الله عزوجل في الاستغاثة بجنابه والاستعانة به.
وقوله تعالى: " بألف من الملائكة مردفين " أي ردفا لكم ومددا لفئتكم.
رواه العوفى عن ابن عباس.
وقاله مجاهد وابن كثير وعبد الرحمن بن زيد وغيرهم.
وقال أبو كدينة، عن قابوس، عن ابن عباس " مردفين " وراء كل ملك ملك
__________
(1) الاصل: كذاك.
وهو تحريف.
(*) (27 - السيرة - 2)
وفى رواية عنه بهذا الاسناد " مردفين " بعضهم على أثر بعض وكذا قال أبو ظبيان والضحاك وقتادة.
وقد روى على بن أبى طلحة الوالبى عن ابن عباس قال: وأمد الله نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة، وكان جبريل في خمسمائة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة، وهذا هو المشهور.
ولكن قال ابن جرير: حدثنى المثنى، حدثنا إسحاق، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، حدثنى عبد العزيز بن عمران، عن الربعي، عن أبى الحويرث عن محمد بن جبير، عن على، قال: نزل جبريل في ألف من الملائكة على ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر، ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة على ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا في الميسرة.
ورواه البيهقى في الدلائل، من حديث محمد بن جبير، عن على، فزاد: ونزل إسرافيل في ألف من الملائكة.
وذكر أنه طعن يومئذ بالحربة حتى اختضبت إبطه من الدماء، فذكر أنه نزلت ثلاثة آلاف من الملائكة.
وهذا غريب وفى إسناده ضعف، ولو صح لكان فيه تقوية لما تقدم من الاقوال.
ويؤيدها قراءة من قرأ: " بألف من الملائكة مردفين " بفتح الدال.
والله أعلم.
وقال البيهقى: أخبرنا الحاكم، أخبرنا الاصم، حدثنا محمد بن سنان القزاز، حدثنا عبيد الله بن عبدالمجيد أبو على الحنفي، حدثنا عبيد الله بن عبدالرحمن بن موهب، أخبرني إسماعيل بن عوف بن عبدالله بن أبى رافع، عن عبدالله بن محمد بن عمر ابن على بن ابى طالب، عن أبيه عن جده، قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال، ثم جئت مسرعا لانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل، قال: فجئت فإذا هو
ساجد يقول " يا حى يا قيوم يا حى يا قيوم " لا يزيد عليها.
فرجعت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك أيضا، فذهبت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك أيضا، حتى فتح الله على يده.
وقد رواه النسائي في اليوم والليلة، عن بندار، عن عبيد الله بن عبد المجيد أبى على الحنفي.
وقال الاعمش: عن أبى إسحاق، عن أبى عبيدة، عن عبدالله بن مسعود، قال: ما سمعت مناشدا يشند أشد من مناشدة محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر، جعل يقول: " اللهم إنى أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد " ثم التفت وكأن شق وجهه القمر وقال: كأنى أنظر إلى مصارع القوم عشية.
رواه النسائي من حديث الاعمش به.
وقال: لما التقينا يوم بدر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيت مناشدا ينشد حقا له أشد مناشدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكره.
وقد ثبت إخباره عليه السلام بمواضع مصارع رءوس المشركين يوم بدر في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك كما تقدم، وسيأتى في صحيح مسلم أيضا عن عمر بن الخطاب.
ومقتضى حديث ابن مسعود أنه أخبر بذلك يوم الوقعة.
وهو مناسب، وفى الحديثين الآخرين عن أنس وعمر ما يدل على أنه أخبر بذلك قبل ذلك بيوم.
ولا مانع من الجمع بين ذلك، بأن يخبر به قبل بيوم وأكثر، وأن يخبر به قبل ذلك بساعة يوم الوقعة.
والله أعلم.
وقد روى البخاري من طرق، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر " اللهم أنشدك عهدك ووعدك،
اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا " فأخذ أبو بكر بيده وقال: حسبك يا رسول الله ألححت على ربك.
فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول: " سيهزم الجمع ويولون الدبر.
بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ".
وهذه الآية مكية.
وقد جاء تصديقها يوم بدر، كما رواه ابن أبى حاتم: حدثنا أبى، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد، عن أيوب، عن عكرمة قال: لما نزلت: " سيهزم الجمع ويولون الدبر " قال عمر: أي جمع يهزم وأى جمع يغلب ؟ قال عمر: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع وهو يقول: " سيهزم الجمع ويولون الدبر.
بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر " فعرفت تأويلها يومئذ.
وروى البخاري من طريق ابن جريج، عن يوسف بن ماهان، سمع عائشة تقول: نزل على محمد بمكة - وإنى لجارية ألعب - " بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ".
* * * قال ابن إسحاق: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول فيما يقول: " اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد " وأبو بكر يقول: يا نبى الله بعض مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك.
وقد خفق النبي صلى الله عليه وسلم [ خفقة ] وهو في العريش، ثم انتبه فقال: " أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع " يعنى الغبار.
قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم وقال: " والذى نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة ".
قال عمير بن الحمام، أخو بنى سلمة وفى يده تمرات يأكلهن: بخ بخ ! أفما بينى وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلنى هؤلاء ؟ قال: ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.
رحمه الله.
وقال الامام أحمد: حدثنا هاشم بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم بسبسا عينا ينظر ما صنعت عير أبى سفيان، فجاء وما في البيت أحد غيرى وغير النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: لا أدرى ما استثنى من بعض نسائه، قال: فحدثه الحديث.
قال: فخرج رسول الله فتكلم فقال " إن لنا طلبة، فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا " فجعل رجال يستأذنونه في ظهورهم في علو المدينة قال: " لا إلا من كان ظهره حاضرا ".
وانطلق رسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يتقدمن أحد منكم إلى شئ حتى أكون أنا دونه ".
فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قوموا إلى جنة عرضها السموات والارض ".
قال يقول عمير بن الحمام الانصاري: يا رسول الله جنة عرضها السموات والارض ؟ !
قال: نعم.
قال: بخ بخ ؟ فقال رسول الله: " ما يحملك على قول بخ بخ ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها.
قال: فإنك من أهلها.
قال: فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها حياة طويلة ! قال: فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل رحمه الله.
ورواه مسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة وجماعة، عن أبى النضر هاشم بن القاسم، عن سليمان بن المغيرة به.
وقد ذكر ابن جرير أن عميرا قاتل وهو يقول رضى الله عنه: ركضا إلى الله بغير زاد * إلا التقى وعمل المعاد والصبر في الله على الجهاد * وكل زاد عرضه النفاد غير التقى والبر والرشاد * * * وقال الامام أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن على، قال: لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها فاجتويناها وأصابنا بها وعك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحيز عن بدر، فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وبدر بئر، فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها رجلين: رجلا من قريش ومولى لعقبة بن أبى معيط، فأما القرشى فانفلت، وأما المولى فوجدناه، فجعلنا نقول له: كم القوم ؟ فيقول: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم.
فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه.
حتى انتهوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: كم القوم ؟ قال: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم.
فجهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبره كم هم فأبى.
ثم إن النبي
صلى الله عليه وسلم سأله: كم ينحرون من الجزر ؟ فقال: عشرا كل يوم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم " القوم ألف، كل جزور لمائة وتبعها ".
ثم إنه أصابنا من الليل طش من من مطر، فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقول " اللهم إنك إن تهلك هذه الفئة لا تعبد ".
فلما طلع الفجر نادى: الصلاة عباد الله.
فجاء الناس من تحت الشجر والحجف، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرض على القتال ثم قال: " إن جمع قريش تحت هذه الضلع الحمراء من الجبل ".
فلما دنا القوم منا وصاففناهم إذا رجل منهم على جمل له أحمر يسير في القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا على ناد حمزة "، وكان أقربهم من المشركين، من صاحب الجمل الاحمر ؟ فجاء حمزة فقال: هو عتبة بن ربيعة.
وهو ينهى عن القتال ويقول لهم: يا قوم اعصبوها برأسي وقولوا: جبن عتبة بن ربيعة.
وقد علمتم أنى لست بأجبنكم.
فسمع بذلك أبو جهل فقال: أنت تقول ذلك، والله لو غيرك يقوله لاعضضته، قد ملات رئتك جوفك رعبا.
فقال: إياى تعير يا مصفر استه ؟ ستعلم اليوم أينا الجبان.
فبرز عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد حمية فقالوا: من يبارز ؟ فخرج فتية من الانصار مشببة، فقال عتبة: لا نريد هؤلاء، ولكن نبارز من بنى عمنا من بنى عبدالمطلب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قم يا حمزة، وقم يا على، وقم يا عبيدة بن الحارث بن المطلب ".
فقتل الله عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة، وجرح عبيدة فقتلنا منهم سبعين، وأسرنا سبعين.
وجاء رجل من الانصار بالعباس بن عبد المطلب أسيرا، فقال العباس: يا رسول الله الله إن هذا ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها على فرس أبلق ما أراه في القوم.
فقال الانصاري: أنا أسرته يا رسول الله.
فقال: " اسكت، فقد أيدك الله بملك كريم ".
قال: فأسرنا من بنى عبدالمطلب العباس وعقيلا ونوفل بن الحارث.
هذا سياق حسن، وفيه شواهد لما تقدم ولما سيأتي، وقد تفرد بطوله الامام أحمد، وروى أبو داود بعضه من حديث إسرائيل به.
* * * ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش وحرض الناس على القتال، والناس على مصافهم صابرين ذاكرين الله كثيرا، كما قال الله تعالى آمرا لهم " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا (1) " الآية.
وقال الاموى: حدثنا معاوية بن عمرو، عن أبى إسحاق، قال: قال الاوزاعي: كان يقال: قلما ثبت قوما قياما، فمن استطاع عند ذلك أن يحلس أو يغض طرفه ويذكر الله رجوت أن يسلم من الرياء.
وقال عتبة بن ربيعة يوم بدر لاصحابه: ألا ترونهم، يعنى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، جثيا على الركب كأنهم حرس، يتلمظون كما تتلمظ الحيات، أو قال الافاعى.
قال الاموى في مغازيه: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حين حرض المسلمين على القتال قد نفل كل امرئ ما أصاب، وقال: " والذى نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم
رجل [ فيقتل ] صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة ".
وذكر قصة عمير ابن الحمام كما تقدم.
وقد قاتل بنفسه الكريمة قتالا شديدا ببدنه، وكذلك أبو بكر الصديق، كما كانا
__________
(1) سورة الانفال 45.
(*)
في العريش يجاهدان بالدعاء والتضرع، ثم نزلا فحرضا وحثا على القتال، وقاتلا بالابدان جمعا بين المقامين الشريفين.
قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن حارثة ابن مضرب، عن على، قال: قد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا من العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا.
ورواه النسائي من حديث أبى إسحاق عن حارثة، عن على قال: كنا إذا حمى البأس ولقى القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو نعيم، حدثنا مسعر، عن أبى عون، عن أبى صالح الحنفي، عن على، قال: قيل لعلى ولابي بكر رضى الله عنهما يوم بدر: مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال ولا يقاتل.
أو قال: يشهد الصف.
وهذا يشبه ما تقدم من الحديث: أن أبا بكر كان في الميمنة، ولما تنزل الملائكة يوم بدر تنزيلا، كان جبريل على أحد المجنبتين في خمسمائة من الملائكة، فكان في الميمنة من ناحية أبى بكر الصديق، وكان ميكائيل على المجنبة الاخرى في خمسمائة من الملائكة فوقفوا في الميسرة، وكان على بن أبى طالب فيها.
[ وفى حديث رواه أبو يعلى، من طريق محمد بن جبير بن مطعم، عن على، قال كنت أسبح على القليب يوم بدر، فجاءت ريح شديدة ثم أخرى ثم أخرى، فنزل ميكائل في ألف
من الملائكة فوقف على يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهناك أبو بكر، وإسرافيل في ألف في الميسرة وأنا فيها، وجبريل في ألف قال: ولقد طفت يومئذ حتى بلغ إبطى ] (1).
__________
(1) سقط من ا (*)
وقد ذكر صاحب العقد وغيره أن أفخر بيت قالته العرب قول حسان بن ثابت: وببئر بدر إذ يكف مطيهم * جبريل تحت لوائنا ومحمد * * * وقد قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا جرير، عن يحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقى، عن أبيه، وكان أبوه من أهل بدر، قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال: من أفضل المسلمين، أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة.
انفرد به البخاري.
وقد قال الله تعالى: " إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا، سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب، فاضربوا فوق الاعناق - يعنى الرؤوس - واضربوا منهم كل بنان ".
وفى صحيح مسلم من طريق عكرمة بن عمار، عن أبى زميل، حدثنى ابن عباس، قال: بينما رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس [ يقول: ] (1) أقدم حيزوم، إذ نظر إلى المشرك أمامه قد خر مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو [ قد ] (1) حطم [ أنفه ] (1) وشق وجهه بضربة (2) السوط فاخضر (3) ذلك أجمع، فجاء الانصاري فحدث ذاك (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة.
" فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين.
قال ابن إسحاق: حدثنى عبدالله بن أبى بكر بن حزم، عمن حدثه، عن ابن عباس، عن رجل من بنى غفار، قال: حضرت أنا وابن عم لى بدرا ونحن على شركنا،
__________
(1) من صحيح مسلم.
(2) صحيح مسلم: كضربة السوط.
(3) الاصل: وحضر.
بالحاء والضاد.
وما أثبته عن صحيح مسلم بشرح النووي 12 / 86 (4) مسلم: بذلك.
(*)
وإنا لفى جبل ننتظر الوقعة على من تكون الدائرة (1)، فأقبلت سحابة، فلما دنت من الجبل سمعنا منها حمحمة الخيل، وسمعنا قائلا يقول: أقدم حيزوم: فأما صاحبي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه، وأما أنا لكدت (2) أن أهلك ثم انتعشت (3) بعد ذلك.
وقال ابن إسحاق: وحدثني عبدالله بن أبى بكر، عن بعض بنى ساعدة، عن أبى أسيد مالك بن ربيعة، وكان شهد بدرا، قال، بعد أن ذهب بصره: لو كنت اليوم ببدر ومعى بصرى لاريتكم الشعب الذى خرجت منه الملائكة لا أشك فيه ولا أتمارى.
فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس وأوحى الله إليهم: " أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا ".
وتثبيتهم: أن الملائكة كانت تأتى الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول له: أبشروا فإنهم ليسوا بشئ والله معكم، كروا عليهم.
وقال الواقدي: حدثنى ابن أبى حبيبة، عن دواد بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان الملك يتصور في صورة من يعرفون فيقول: إنى قد دنوت منهم وسمعتهم يقولون: لو حملوا علينا ما ثبتنا.
ليسوا بشئ.
إلى غير ذلك من القول.
فذلك قوله: " إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا " الآية.
ولما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه وقال: " إنى برئ منكم، إنى أرى ما لا ترون " وهو في صورة سراقة.
وأقبل أبو جهل يحرض أصحابه ويقول: لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم، فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه.
ثم قال: واللات والعزى لا نرجع حتى تفرق محمدا واصحابه في الجبال، فلا تقتلوهم وخذوهم أخذا.
__________
(1) ابن هشام وأبو نعيم: الدبرة.
(2) ابن هشام وأبو نعيم: فكدت.
(3) ابن هشام وأبو نعيم: ثم تماسكت.
(*)
وروى البيهقى من طريق سلامة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبى حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال أبو أسيد، بعد ما ذهب بصره: يا ابن أخى والله لو كنت أنا وأنت ببدر، ثم أطلق الله بصرى، لاريتك الشعب الذى خرجت علينا منه الملائكة من غير شك ولا تمار.
وروى البخاري، عن إبراهيم بن موسى، عن عبد الوهاب، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: " هذا جبريل آخذ برأس فرسه وعليه أداة الحرب ".
وقال الواقدي: حدثنا ابن أبى حبيبة، عن دواد بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، وأخبرني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمى، عن أبيه، وحدثني عابد بن يحيى، عن ابى الحويرث، عن عمارة بن أكيمة الليثى، عن عكرمة، عن حكيم بن حزام، قالوا: لما حضر القتال ورسول الله صلى الله عليه وسلم رافع يديه يسأل الله النصر وما وعده يقول " اللهم إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك ولا يقوم لك دين " وأبو بكر يقول: والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك.
فأنزل الله ألفا من الملائكة مردفين عند اكتناف العدو.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبشر يا أبا بكر هذا جبريل معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والارض، فلما نزل إلى الارض تغيب عنى ساعة ثم
طلع وعلى ثناياه النقع يقول: أتاك نصر الله إذ دعوته ".
وروى البيهقى عن أبى أمامة بن سهل، عن أبيه، قال: يا بنى لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.
وقال ابن إسحاق: حدثنى والدى، حدثنى رجال من بنى مازن، عن أبى واقد الليثى، قال: إنى لاتبع رجلا من المشركين لاضربه، فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفى، فعرفت أن غيرى قد قتله.
وقال يونس بن بكير، عن عيسى بن عبدالله التيمى، عن الربيع بن أنس، قال: كان الناس يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب فوق الاعناق وعلى البنان مثل سمة النار وقد أحرق به.
وقال ابن إسحاق: حدثنى من لا أتهم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: كانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرخوها على ظهورهم إلا جبريل، فإنه كانت عليه عمامة صفراء.
وقد قال ابن عباس: لم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر من الايام، وكانوا يكونون فيما سواه من الايام عددا ومددا لا يضربون.
وقال الواقدي: حدثنى عبدالله بن موسى بن أبى أمية، عن مصعب بن عبدالله، عن مولى لسهيل بن عمرو، سمعت سهيل بن عمرو يقول: لقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والارض معلمين يقتلون ويأسرون.
وكان أبو أسيد يحدث بعد أن ذهب بصره، قال: لو كنت معكم الآن ببدر ومعى بصرى، لاريتكم الشعب الذى خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أمترى.
قال: وحدثني خارجة بن إبراهيم، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: " من القائل يوم بدر من الملائكة أقدم حيزوم ؟ " فقال جبريل: يا محمد
ما كل أهل السماء أعرف.
قلت: وهذا الاثر مرسل، وهو يرد قول من زعم أن حيزوم اسم فرس جبريل، كما قاله السهيلي وغيره.
والله أعلم.



 

روابط عرض كتاب السيرة النبوية لابن كثير
ترجمة ابن كثير الحافظ
1.السيرة النبوية لابن كثير ج1 /1.
2.السيرة النبوية لابن كثير ج1 /2.
3.ج1/ 3 السيرة النبوية لابن كثير الحافظ.
4.السيرة النبوية لابن كثير ج1//4
5.السيرة النبوية لاب كثير ج2//1..
6.السيرة النبوية لاب كثير ج2//2..
7.السيرة النبوية لابن كثير ج2//3.
8.السيرة النبوية لابن كثير ج2//4.
9.السيرة النبوية لابن كثير ج3 /1 .
10.السيرة النبوية لابن كثير ج3 /2 .
11.السيرة النبوية لابن كثير ج3 /3 .
12.السيرة النبوية لابن كثير ج3 /4 .
13..السيرة النبوية لابن كثير ج4 ا ج4//1.
14.السيرة النبوية لابن كثير ج4 ا ج4//2.
15.السيرة النبوية لابن كثير 4//3.ذكر خروجه عليه ال...
ص16.بالمدونة كتاب السيرة النبوية لابن كثير بترقيم...
ص17.بالمدونة كتاب السيرة النبوية لابن كثير بترقيم...
ص18.بالمدونة كتاب السيرة النبوية لابن كثير بترقيم...
ص19.السيرة النبوية لابن كثير الجزء السادس -ج6//1
ص20. ج6//2 السيرة النبوية لابن كثير
ص21.ج6//3 السيرة النبوية لابن كثير
ص22.ج6//4 السيرة النبوية لابن هشام الحافظ
الروابط الي الجزء 6
ص23.السيرة النبوية لابن كثير الجزء 7 بتصنيف الشاملة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق