82.ب نوش

ب نوشيرك 8.

 الثانوية العامة ٣ثانوي. /عقوبة من قتل نفسه؟وصف الجنة والحور العين /المدونة التعليمبة الثانية أسماء صلاح ٣.ثانوي عام /الفتن ونهاية العالم /المقحمات ا. /قانون الحق الإلهي اا /القرانيون الفئة الضالة اوه /قواعد وثوابت قرانية /مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها اوهو /المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة /مدونة  /الصفحات المقتوحة /الخوف من الله الواحد؟ /قانون ثبات سنة الله في الخلق /اللهم ارحم أبي وأمي والصالحين /السيرة النبوية /مدونة {استكمال} مدونة قانون الحق الإلهي /مدونة الحائرين الملتاعين. /الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها /عياذا بالله الواحد./  لابثين فيها أحقابا /المدونة المفتوحة /نفحات من سورة الزمر/  /أمَاهُ عافاكِ الله ووالدي ورضي عنكما ورحمكما /ترجمة معان القران /مصنفات اللغة العربية /كتاب الفتن علامات القيامة لابن كثير /قانون العدل الإلهي /الفهرست /جامعة المصاحف /قانون الحق الإلهي /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /تعلم للتفوق بالثانوية العامة /مدونات لاشين /الرافضة /قانون الحق الألهي ٣ /قانون الحق الإلهي٤. /حدود التعاملات /العقائدية بين المسلمين /المقحمات اا. /منصة الصلاة اا*/*

موضوعات علمية 

م موضوعات علمية

الأحد، 17 يونيو 2018

ج2 من كتاب روضة الأنوار في سيرة النبي المختار لصفي الرحمن المباركوري

كتاب روضة الأنوار في سيرة النبي المختار لصفي الرحمن المباركوري

ملحوظة - r -  أو -e-   تعني صلي الله عليه وسلم وإنما تحولت إلي ال r لكونها صورة من برنامج اوفيس وتحولت في صفحة المدونات الي - r -
غزوة بني لحيان :
بنو لحيان هم الذين كانوا قتلوا المسلمين بالرجيع ، وكانوا متوغلين في الحجاز إلى حدود عسفان . فأخر رسول الله -e- أمرهم ، حتى إذا تخاذلت الأحزاب واطمأن من الأعداء استعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، وخرج إليهم في الربيع الأول سنة 6هـ ، في مائتين من الصحابة ومعهم عشرون فرساً ، وأسرع السير إليهم حتى بلغ بطن غران ، واد بين أمج وعسفان ، حيث كان مصاب أصحابه ، فترحم عليهم ، ودعا لهم ، وأقام في ذلك المكان يومين ، أما بنو لحيان ففروا في رءوس الجبال ، فلم يجد منهم أحداً ، وأرسل عشرة فوارس إلى عسفان لتسمع بهم قريش فيداخلهم الرعب ، فذهبوا إلى كراع الغميم ، ثم رجع رسول الله -e- إلى المدينة بعد أن غاب عنها أربع عشرة ليلة .
سرية العيص وإسلام أبي العاص زوج زينب بنت رسول الله -e- :
في جمادي الأولى سنة 6هـ أرسل رسول الله -e- زيد بن حارثة إلى العيص ، في مائة وسبعين راكباً ، يعترضون عيراً لقريش قادمة من الشام ، كان يرأسها أبو عاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله -e- ، فأخذها المسلمون ، وأخذوا ما فيها ، وأسروا رجالها ، وأفلت أبو العاص فجاء على المدينة ، واستجار بزينب ، وسألها أن تطلب من رسول الله -e- أن يرد عليه أموال العير ففعلت ، ورد عليه كل شئ ، الصغير والكبير والقليل والكثير .
وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين تجارة ومالاً وأمانة ، فرجع إلى مكة ، وأدى الأمانات إلى أهلها ، ثم أسلم وهاجر ، فرد عليه رسول الله -e- زينب بالنكاح الأول ، وذلك بعد ثلاث سنوات ونيف ، ولم تكن آية تحريم المسلمات على الكفار نزلت إلى ذلك الوقت ، فكان النكاح باقياً على حاله .
هذا ، وقد أرسل رسول الله -e- عدة سرايا خلال هذه الفترة ، وكان لها أثر بالغ في كبح جماح العدو ، وإخماد شره ، واستتباب الأمن وبسط السلام إلى أماكن بعيدة ، ثم نقل إليه -e- ما أدى إلى قيامه بغزوة بني المصطلق

غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع
بنو المصطلق فرع من قبيلة خزاعة ، وكانت عامة بطون خزاعة ممالئين لرسول الله -e- ناصحين له ، ولكن كان هذا الفرع منها ممالئاً لقريش ، وقد نقل إلى رسول الله -e- أنهم يستعدون لقتاله ، فبعث بريدة بن الحصيب لتحقيق هذا الخبر ، فتأكد لديه صحته ، فاستعمل على المدينة زيد بن حارثة ، وقيل : غيره ، وأسرع في الخروج إليهم ، ليباغتهم بالهجوم ، ومعه سبعمائة من الصحابة ، وكان بنو المصطلق نازلين على ماء يسمى بالمريسيع من ناحية قديد إلى الساحل ، فأغار عليهم وهم غارون ، فقتل بعضهم ، وسبى ذراريهم ، وأخذ أموالهم ، وذلك لليلتين من شعبان سنة 6هـ ، وقيل : 5هـ ، وكان في السبي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار رئيس بني المصطلق ، فلما قدم -e- المدينة أعتقها وتزوجها بعد أن أسلمت ، فأعتق المسلمون مائة أهل بيت من بني المصطلق قد أسلموا ، وقالوا : أصهار رسول الله -e- فكانت أعظم النساء بركة على قومها .
تلك هي غزوة بني المصطلق بإيجاز ، ليس فيها ما يستغرب ، لكن وقعت خلالها حادثتان مؤلمتان استغلهما المنافقون لإثارة الفتن والاضطراب في المجتمع الإسلامي ، وحتى في البيت النبوي
الأولى : قول رأس المنافقين :
لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل :
وسبب ذلك أن رجلاً من خلفاء المهاجرين وآخر من خلفاء الأنصار ازدحما على ماء المريسيع ، فضرب المهاجري الأنصاري ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، واجتمع ناس من الطرفين ، فبادرهم رسول الله -e- وقال :" أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ دعوها فإنها منتنة " فعاد الناس إلى رشدهم ورجعوا .
وكانت جماعة من المنافقين قد خرجت في هذه الغزوة ، ولم تخرج من قبل ، ومعهم رئيسهم عبدالله لن أبي ، فلما بلغه الخبر استشاط غضباً ، وقال : أو قد فعلوها ، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا ، والله ما عُدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، أراد بالأعز نفسه ، وبالأذل رسول الله -e- العياذ بالله – وأخذ يدبر لذلك الفتن ، حتى قال لرفقائه : هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم لتحولوا إلى غير داركم .
وكان معهم حينما قال ما قال شاب مؤمن قوي الإيمان : زيد بن أرقم لم يصبر على هذا الهراء حتى أبلغ الخبر رسول الله -e- ، فدعا -e- ابن أبي ، وسأله عن ذلك ، فحلف أنه لم يقل شيئاً مما بلغه ، فأنزل الله سورة المنافقين ، وفضحه إلى يوم الدين .
وكان ابن هذا المنافق – واسمه أيضاً عبدالله – مؤمناً خالصاً ، فوقف على نقب المدينة مستلاً سيفه ، وقال لأبيه رأس المنافقين : والله لا يجوز من ههنا حتى يأذن لك رسول الله -e- ، فإنه العزيز وأنت الذليل ، وبلغ ذلك رسول الله -e- فأرسل إليه أن يأذن له ، فخلى سبيله وبهذه الحكمة انتهت هذه الفتنة .
2-
الحادثة الثانية : قول المنافقين بالإفك :
وحديث ذلك أن النبي -e-نزل في عودته من تلك الغزوة منزلاً حين دنا من المدينة ، ثم آذن بالرحيل ليلاً ، وكانت معه عائشة – رضى الله عنها - ، فخرجت لحاجتها ، فلما رجعت التمست صدرها فرأت أنها فقدت عقدها ، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي فقدته فيه حتى وجدته ، وارتحل الجيش ، وحملوا هودجها على بعيرها ظناً منهم أنها فيه ، ولم ينكروا خفة الهودج لكونهم جماعة ، ولكونها خفيفة ، ورجعت عائشة إلى منازلهم فلم تجد أحداً ، فقعدت هناك على أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها إلى هذا المكان ، فغلبت عيناها حتى نامت .
وكان أحد الصحابة – وهو صفوان بن المعطل السلمي - t- قد بات من وراء الجيش ، وكان كثير النوم فلم يستيقظ إلا مؤخراً ، فسلك سبيل الجيش ، فلما رأى سواد إنسان نائم ، فلما قرب منه عرف أنها عائشة ، لأنه كان رآها قبل الحجاب ، فقال : أنا لله وإنا إليه راجعون ، زوجة رسول الله -e- ؟ لم يقل كلمة غير ذلك ، واستيقظت عائشة – رضى الله عنها – بسماع صوته ، فخمرت وجهها بجلبابها ، وقرب صفوان راحلته ، وأناخها فركبت ، وأمسك هو زمام الناقة يمشي أمامها ، حتى وصل إلى الجيش ، وهم نازلون في نحر الظهيرة .
ولما رأى ذلك عدو الله ابن أبي وجد متنفساً من كرب النفاق والحقد ، فاتهمها بالفجور إفكاً وزوراً ، واخذ يستحكي ذلك ، ويستوشيه ، ويجمعه ويفرقه ، ويشيعه ويذيعه ، وكان أصحابه يتقربون به إليه ، فلما قدموا المدينة أفاضوا فيه ، حتى انخدع عدد من المؤمنين .
ومرضت عائشة – رضى الله عنها – حين قدمت المدينة ، وطال مرضها نحو شهر ، فكانت المدينة تموج بقول أهل الإفك ، وهي لا تعلم شيئاً ، وإنما كان يريبها أنها لم تكن ترى اللطف الذي كانت تراه من رسول الله -e- حين تشكتي ، فكان -e- يدخل عليها فيسلم ويقول : كيف تيكم ؟ ثم يرجع ولا يجلس عندها .
وكان -e-طوال هذه الفترة ساكتاً لا يتكلم ، فلما استلبث الوحي طويلاً استشار أصحابه ، فأشار علي بن أبي طالب بفراقها تلويحاً ، وأشار أسامه وغيره بإمساكها ، وأنها كالتبر الخالص ، فقام -e- على المنبر واستعذر من رجل بلغ أذاه في أهله – وكانت الإشارة إلى عبدالله ابن أبي – فأظهر سيد الأوس رغبته في قتله ، فأخذت الحمية سيد الخزرج ، لأن ابن أبي كان منهم ، فتثاور الحيان حتى خفضهم رسول الله -e- .
وخرجت عائشة رضى الله عنها ذلك اليوم لحاجتها ليلاً ، وقد نقهت من المرض ، ومعها أم مسطح ، فعثرت في مرطها ، فدعت على ابنها مسطح ، فاستنكرت ذلك عائشة ، فأخبرتها الخبر ، وأن ابنها ممن يقول بقولهم ، فرجعت عائشة فاستأذنت رسول الله -e-وأتت أبويها ، فلما تأكد لديها الخبر جعلت تبكي وتبكي حتى بكت ليلتين ويوماً ، لم تكتحل أثناءها بنوم ، ولم يرقأ لها دمع ، حتى ظنت وظن أبواها أن البكاء فالق كبدها .
وجاءها رسول الله -e- صباح الليلة الثانية فجلس وتشهد وقال :
أما بعد يا عائشة ! فإنه بلغني عنك كذا كذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه .
وحينئذ قلص دمعها ، وقالت لكل من أبويها أن يجيبا ، فلم يدريا ما يقولان ، فقالت : والله لقد علمت لقد سمعت بهذا الحديث حتى استقر في أنفسكم ، وصدقتم به ، فلئن قلت لكم أني برئيةوالله يعلم أني بريئة – لا تصدقونني ، ولئن اعترفت لكم بأمر – والله يعلم أني منه بريئة – لتصدقوني ، فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف : ] فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [ .
ثم تحولت واضطجعت ، ونزل الوحي ساعته ، فسرى عن رسول الله -e- ، وهو يضحك ، فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال :" يا عائشة ! أما الله فقد برأك " . فقالت لها أمها : قومي إليه ، فقالت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله .
والذي أنزله الله – تعالى – في براءتها عشر آيات في سورة النور بداية من قوله تعالى :
]
إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ .
إلى آخر الآية العشرين :
ثم خرج رسول الله -e- إلى الناس فخطبهم ، وتلا عليهم ما أنزل الله من براءتها ، فلما نزل أمر برجلين وأمرأة من المؤمنين الخالصين فجلدوا ، كل واحد ثمانين جلدة ، وهم : حسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثه ، وحمنة بنت جحش ، زلت أقدامهم فأفاضوا في الإفك ، وأما رأس المنافقين الذي تولى كبره ، ورفقته ، فلم يعاقبوا في هذه الحياة الدنيا ، ولكنهم سيقفون بين يدي الله يوم الدين ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
عمرة الحديبية
الخروج للعمرة والنزول بالحديبية
أري رسول الله -e- في المنام ، وهو في المدينة، أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين ، فأخبر بذلك المسلمين ، وأخبر أنه يريد العمرة ، واستنفر الأعراب الذين حوله ، فأبطأوا ، وظنوا أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً ، وتخلصوا قائلين : شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا .
وخرج رسول الله -e- يوم الاثنين غرة ذي القعدة سنة 6هـ ، في ألف وأربعمائة من المهاجرين والأنصار، وساق معه الهدي ، ليعلم الناس أنه لم يخرج محارباً بل معتمراً . فلما بلغ ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة .
ثم سار حتى بلغ عسفان ، فجاءه عينه ، وأخبره أن قريشاً مجمعون على القتال ، وصد المسلمين عن البيت الحرام ، وكانت قريش قد نزلوا بذي طوى ، وأرسلوا خالد بن الوليد في مائتي فارس إلى كراع الغميم ، قريباً من عسفان ، وليسد الطريق النافذ إلى مكة ، وجمعوا الأحابيش ليعينوهم ، فاستشار رسول الله -e- هل يهاجم على أهالي المجتمعين من الأحابيش ليعينوهم ، فاستشار رسول الله - r- هل يهاجم على أهالي المجتمعين من الأحابيش ، أو يقصد البيت ، فمن صده يقاتله ؟ فقال أبو بكر - t - : جئنا معتمرين ، ولا مقاتلين ، فمن حال بيننا وبين البيت قاتلناه ، فقبل النبي -e- هذا الرأي .
ورأى خالد المسلمين في الصلاة الظهر ، وهم يركعون ويسجدون فقال : لقد كانوا على غرة ، لو كنا حملنا عليهم ، ثم قرر أن يهجم أثناء صلاة العصر ، فأنزل الله صلاة الخوف بين الظهر والعصر ، ففاتته الفرصة .
وأخذ رسول الله -e- طريقاً آخر غير طريقهم ، فسلك ذات اليمين من أسفل مكة ، حتى بلغ ثنية المرار مهبط الحديبية ، فلما بلغها بركت ناقته ، فزجروها فلم تقم فقالوا : خلأت القصواء ، فقال : ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال : والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ، ثم زجرها فوثبت ، فتقدم حتى نزل بالحديبية .
وجاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة – وكانوا ناصحين لرسول الله -e- فأخبره أن قريشاً مستعدون لقتاله وصده عن البيت الحرام ، فأخبره رسول الله -e- أنه ما جاء إلا للعمرة ، وما جاء للقتال ، وأنه مستعد للهدنة والصلح ، ولكن إن أبت قريش إلا القتال فإنه يقاتلهم حتى تقطع عنقه ، أو ينفذ الله أمره .
بين رسول الله -e- وقريش :
ولما رجع بديل أبلغ ذلك قريشاً ، فأرسلوا مكرز بن حفص ، فقال له رسول الله -e- مثل ما قال لبديل ، فأرسلوا سيد الأحابيش : الحليس بن عكرمة ، فلما أشرف على المسلمين قال لهم رسول الله -e- : هذا من قوم يعظمون الهدي فابعثوه ، ففعلوا واستقبلوه يلبون ، فلما رأى الحليس ذلك قال : سبحان الله ، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت ، أتحج لخم وجذام وحمير ، ويمنع عن البيت ابن عبد المطلب ؟ هلكت قريش ورب البيت ، إن القوم أتوا معتمرين ، فلما سمعت قريش منه ذلك قالوا : اجلس إنما أنت أعرابي ، ولا علم لك بالمكايد .
ثم أرسلوا عروة بن مسعود الثقفي ، فجاء وكلم ، فقال له رسول الله -e- مثل ما قال لبديل . فقال : أي محمد ! أرأيت لو استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك ؟ وإن تكن الأخرى ، أي الهزيمة بك ، فإني أرى حولك أوباشاً من الناس جديرون أن يتركوك ويفروا ، فقال له ابو بكر : امصص بظر اللات . أنحن نفر عنه ! فلم يستطع أن يرد على أبي بكر ، لإحسان أبي بكر إليه من قبل .
وكان عروة يأخذ لحية النبي -e- حين يكلم ، فكان المغيرة بن شعبة يضرب يده بنعل السيف ويقول : أخر يدك عن لحية رسول الله -e- فقال له عروة : أي غدر ! ألست أسعى في غدرتك .
وكان المغيرة ابن أخي عروة ، وكان قتل قوماً وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم . فلم يقبل منه رسول الله -e- إلا الإسلام ، وكان عروة يسعى في ذلك . فأشار بغدرته إلى هذة القضية .
ورأى عروة تعظيم الصحابة للنبي -e- ، فلما رجع قال لقريش : أي قوم ! لقد وفدت على الملوك : على كسرى وقيصر والنجاشي ، والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً ، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهة وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه . وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له ، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها .
وخلال المفاوضات تسلل في الليل طائفة من شباب قريش الطائشين : سبعون أو ثمانون ، فهبطوا من جبل التنعيم إلى معسكر المسلمين ، وأرادوا بذلك القضاء على محاولات الصلح ، ولكن المسلمين ألقوا عليهم القبض ، ثم أطلقهم النبي -e- وعفا عنهم ، فكان له أثره على إلقاء الرعب في قلوبهم قريش ، وميلهم إلى الصلح ، وفي ذلك أنزل الله تعالى : ] وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [ . ( 48/ 24)
عثمان بن عفان رسولا إلى قريش ، وبيعة الرضوان :
وحينئذ قرر رسول الله -e- إرسال رسول إلى قريش يؤكد لهم أنه ما جاء إلا للعمرة ، فأرسل عثمان بن عفان - t - ، وأمره أيضاً أن يأتي المستضعفين من المؤمنين والمؤمنات بمكة ، فيبشرهم بقرب الفتح ، وأن الله مظهر دينه ، حتى لا يستخفي في مكة أحد بالإيمان .
ودخل عثمان - y - في مكة في جوار أبان بن سعيد الأموي ، فبلغ الرسالة وعرضوا عليه أن يطوف بالبيت ، فأبى أن يطوف ورسول الله -e- ممنوع .
وحبست قريش عثمان -t- ولعلهم أرادوا أن يتشاوروا فيما بينهم ، ثم يرسلوه مع الجواب – وشاع بين المسلمين أنه قتل . وقتل الرسول يعني الإعلان عن الحرب ، فلما سمع رسول الله -e- ذلك قال : لا نبرح حتى نناجز القوم ، ودعا الناس وهو تحت شجرة ، أن يبايعوه على القتال ، فثار الناس إليه ، وبايعوه – بحماس – على الموت ، وعلى أن لا يفروا ، وأخذ رسول الله -e- إحدى يديه بالأخرى ، وقال : هذه عن عثمان ، ولما انتهت البيعة جاء عثمان - t - . وأنزل الله في فضل هذه البيعة ] لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [ ( 48 : 18 ) . ومن هنا سميت هذه البيعة ببيعة الرضوان .
عقد الصلح :
وسمعت قريش بهذه البيعة فداخلهم رعب عظيم ، وأسرعوا بإرسال سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، فجاء وتكلم طويلاً حتى قبل منه رسول الله -e- الشروط الآتية :
أن رسول قريش -e-يرجع مع المسلمين هذا العام ، ولا يدخل مكة ويدخلها العام القابل . فيقيم بها ثلاثة أيام ، ولا يكون معه من السلاح إلا بالسيف في القراب .
توضع الحرب بين الفريقين عشر سنين .
من أراد أن يدخل في عهد محمد -e- دخل فيه ، ومن أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه .
من التجأ من قريش على المسلمين يرده المسلمون إلى قريش ، ومن التجأ من المسلمين إلى قريش لا ترده قريش إلى المسلمين .
ثم دعا علياً وأملى عليه أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم . فقال سهيل : ما ندري ما الرحمن . اكتب : باسمك اللهم . فأمره رسول الله -e- أن يكتب ذلك ، ثم أملى : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله . فقال سهيل : لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبدالله .
فقال : أني رسول الله وإن كذبتموني . وأمر علياً أن يمحو ذلك ، ويكتب محمد بن عبدالله ، فامتنع علي عن المحو ، فمحاه -e- بيده الشريفة ، وكتبت نسختان ، نسخة لقريش ، ونسخة للمسلمين .
قضية أبي جندل :
وبينما الكتاب يكتب جاء أبو جندل – وهو ابن سهيل بن عمرو ممثل قريش في هذا الصلح – وهو يحجل في قيوده ، فطلب سهيل رده ، فقال النبي -e- إنا لم نقض الكتاب بعد ، فقال : إذن لا أقاضيك ، فقال -e- :" فأجزه لي " قال : لا . وضرب سهيل أبا جندل ، وصاح أبو جندل : يا معشر المسلمين ! أرد إلى المشركين يفتنوني في ديني ؟ فقال -e- اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً " ، وأغرى عمر بن الخطاب أبا جندل ليقتل أباه سهيلاً فلم يفعل .
حل المسلمين من عمرة وحزنهم على قضية الصلح :
ولما فرغ رسول الله -e- من قضية الكتاب قال للمسلمين : قوموا فانحروا ، فما قام أحد . حتى قالها ثلاث مرات فما قام أحد ، فدخل على أم سلمة وذكر لها ذلك ، فأشارت أن يقوم هو فينحر بدنه ويحلق رأسه ، ولا يكلم أحداً ، ففعل ، وقد نحر جملاً لأبي جهل كان في أنفه برة من فضة ، ليغيظ به المشركين ، فلما رأى الناس قاموا فنحروا وحلقوا ، وكاد بعضهم يقتل بعضاً غماً ، وقد نحروا الإبل عن سبعة والبقرة عن سبعة .
وكان حزن المسلمين لسببين : الأول رجوعهم بغير عمرة ، والثاني عدم المساواة بين الطرفين . فالمسلمون يردون من جاء إليهم ، وقريش لا يردون ، فطمأنهم رسول الله -e- عن الأول بأنهم سوف يعتمرون العام القادم ، فالرؤيا صادقة ، وفي هذا الجزء من الصلح مراعاة لمشاعر الفريقين ، وطمأنهم عن الثاني بأن من ذهب منا إليهم فقد أبعده الله ، ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً .
وكان قوله -e-هذا مبنياً على نظره البعيد ، فإن جماعة من المسلمين لما تزل في الحبشة ، ولم يكن ينطبق عليهم هذا العهد ، فكان يمكن اللجوء إليهم للمحبوسين في مكة ، ولكن ظاهر العهد كان في صالح قريش ، فلما يزل له أثر شديد في أعماق مشاعر المسلمين ، حتى جاء عمر بن الخطاب ، وقال : يا رسول الله ! ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال : بلى . قال . أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى . قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال : يا ابن الخطاب ! إني رسول الله -e- . ولست أعصيه . وهو ناصري ولن يضيعني أبداً .
ثم انطلق عمر متغيظاً إلى أبي بكر فقال له ما قال لرسول الله -e- ، وأجابه أبو بكر بما أجاب به رسول الله -e- . ثم قال لعمر : فاستمسك بغرزه حتى تموت ، فوالله إنه لعلى الحق .
ثم أنزل اللهتعالى -: ] إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً [ الآيات . فأرسل رسول الله -e-إلى عمر ، فأقرأه إياها فقال : يا رسول الله ! أو فتح هو ؟ قال : نعم فطابت نفسه ، ورجع .
ثم ندم عمر على ما فرط منه ، فعمل لأجله أعمالاً : لم يزل يتصدق ويصوم ويصلي ويعتق حتى رجا الخير .
قضية النساء المهاجرات :
وبعد إبرام الصلح ، والحل من العمرة ، جاءت نسوة مؤمنات ، فطلب أولياؤهن الكفار من رسول الله -e- أن يردهن ، فامتنع عن ذلك ، بدليل أنهن لم يدخلن في العهد ، وأنزل الله : ] يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن . إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر .... [ [ الممتحنة : 10 ] . فحرم المؤمنات على الكفار ، والكافرات على المؤمنين .
فكان رسول الله -e- يمتحن هؤلاء المهاجرات بما أمر في قوله – تعالى - ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [ [ الممتحنة :10] .فحرم المؤمنات على الكفار ، والكافرات على المؤمنين .
فكان رسول الله - r - يمتحن هؤلاء المهاجرات بما أمر في قوله – تعالى - :
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ { [ الممتحنة :12 ] . فمن أقرت بهذه الشروط قال لها : قد بايعتك – كلاماً دون مصافحة -، ولم يكن يردهن ، وطلق المسلمون أزواجهم الكافرات ، وفرقوا بين المسلمات وأزواجهن الكفار .
دخول خزاعة في عهد المسلمين :
واختارت خزاعة أن يكونوا مع رسول الله -e- في هذا الميثاق ، فدخلوا في عهده _ وقد كانوا خلفاء بني هاشم من زمن الجاهلية _ ودخلت بنو بكر في عهد قريش ، فكانوا هم السبب في فتح مكة ، وسيأتي .
حل قضية المستضعفين :
أما المسلمين المعذبون في مكة ، فانفلت منهم رجل اسمه أبو بصير ، وجاء إلى المدينة ، فأرسلت قريش رجلين إلى النبي -e- ليرده ، فرده ، فلما نزل بذي الحليفة قتل أبو بصير أحدهما، وفر الآخر حتى انتهى إلى النبي - r - ، وقال : قتل صاحبي وإني لمقتول . وجاء أبو بصير فزجره النبي -e- ، فعرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى أتى سيف البحر ، أي ساحله ، وانفلت أبو جندل فلحق به ، فجعل لا يخرج رجل من قريش قد أسلم إلا لحق به ، حتى اجتمعت منهم جماعة ، وأخذت تعترض كل عير لقريش تخرج إلى الشام ، فتهجم عليها وتأخذ أموالها ، فأرسلت قريش إلى النبي -e- تناشده الله والرحم أن يستقدمهم إلى المدينة ، فمن أتاه فهو آمن ، فأرسل إليهم فقدموا ، وانحلت المشكلة .
أثر الصلح :
كان لهذا الصلح أثر كبير في تسيير الدعوة الإسلامية ، فقد وجد المسلمين فرصه اللقاء بعامة العرب ، ودعوتهم إلى الله ، فدخل الناس في الإسلام بكثرة ، وبلغ عددهم في عامين ما لم يبلغخلال تسعة عشر عاماً ، وقد جاء كبار قريش وخلاصتها : عمرو بن العاص ، وخالد بن الوليد ، وعثمان بن طلحة إلى رسول الله -e- ، طائعين راغبين ، يشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ويبايعونه على الإسلام ، ويبذلون له كل ما يملكون من غال ورخيص ، ويفدونه بالنفوس والأرواح ، والمواهب والقدرات ، وقد قال رسول الله -e- ، حينما جاءوا :" إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها " .
مكاتبة الملوك والأمراء
ولما عاد رسول الله -e- من عمرة الحديبية ، وقد أبرم الصلح مع قريش ، وأمن جانبهم ، بدأ بإرسال الكتب إلى الملوك والأمراء ، يدعوهم فيها إلى الإسلام ، ويذكرهم بمضاعفة مسئولياتهم ، وهذه هي تلك الكتب بإيجاز :
كتابه -e- إلى النجاشي : أصحمة بن الأبجر ملك الحبشة :
كتب فيه :
"
بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب من محمد النبي إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة . سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، وأن محمداً عبده ورسوله ، أدعوك بدعاية الإسلام ، فإني أنا رسوله ، فأسلم تسلم : ] يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئأ ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [ . فإن أبيت فإن عليك إثم النصارى من قومك " .
وبعث الكتاب مع عمرو بن أمية الضمري ، فلما أخذه النجاشي وضعه على عينيه ، ونزل عن سرير ، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب ، وكتب إلى النبي -e- بإسلامه وبيعه ، وزوج أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان بالنبي -e- وأصدقها من عنده أربعمائة دينار ، وأرسلها والمهاجرين في سفينتين مع عمرو بن أمية الضمري ، فقدم بهم والنبي -e- بخيبر .
مات النجاشي هذا في رجب سنة 9هـ فنعاه النبي -e- يوم وفاته ، وصلى عليه صلاه الغائب . وخلفه على الحبشة نجاشي آخر ، فكتب إليه يدعوه إلى الإسلام . ولا يدري هل أسلم هذا الثاني أو لم يسلم ؟
كتابه -e- إلى المقوقس ملك الإسكندرية :
وكتب النبي -e- كتاباً إلى المقوقس ملك مصر والإسكندرية وهو :
"
بسم الله الرحمن الرحيم " من محمد عبدالله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط . سلام على من اتبع الهدى . أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام . أسلم تسلم ، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم أهل القبط ، ] يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله . فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [ .
وبعث الكتاب مع حاطب بن أبي بلتعة ، فكلمه حاطب وأبلغه الكتاب ، فأكرمه المقوقس ، ووضع الكتاب في حق من عاج ، وختم عليه ، واحتفظ به ، وكتب إلى النبي -e- يقر فيه بأن نبياً قد بقي ، وكنت أظن أنه يخرج بالشام ، ولكنه لم يسلم ، وأهدى جاريتين : مارية وسيرين ، وكان لهما في القبط مكان عظيم . وأهدى كسوة ، وبغلة اسمها دلدل ، فاختار النبي -e- مارية لنفسه ، والبغلة لركوبه ، ووهب سيرين لحسان بن ثابت t-.
3-
كتابه -e- إلى كسرى أبرويز ملك فارس :
كتب إليه " بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأدعوك بدعاية الله ، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة :
]
لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين [ فأسلم تسلم ، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك " .
وبعث الكتاب مع عبدالله بن حذافة السهمي ، وأمره أن يدفعه على عظيم البحرين ، ليدفعه عظيم البحرين إلى كسرى ، فلما قرئ عليه الكتاب مزقه ، وقال : عبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي . فلما بلغ ذلك رسول الله -e- قال : " مزق الله ملكه " ووقع كما قال . فقد انهزم جيشه أمام الروم هزيمة منكرة ، ثم انقلب عليه ابنه شيرويه ، فقتله وأخذ ملكه ، ثم استمر فيه التمزق والفساد إلى أن استولى عليه الجيش الإسلامي في زمن عمر بن الخطاب - t - ، ثم لم تقم لهم قائمة .
لنبي -e- إلى قيصر ملك الروم :
"
بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى ، وأسلم تسلم ، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين :
]
يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك بع شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [ ".
وبعث الكتاب مع دحية بن خليفة الكلبي ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ، ليدفعه إلى قيصر ، وكان قيصر قد جاء من حمص إلى بيت المقدس ماشياً على قدميه ، شكراً لله تعالى على ما حصل له من الفتح والانتصار على الفرس ، فلما جاءه الكتاب أرسل رجاله ليأتوا برجل من العرب يعرف النبي - r- ، فوجدوا أبا سفيان في ركب من قريش ، فأتوا بهم إلى هرقل ، فدعاهم هرقل في مجلسه ، وحوله عظماء الروم ، فسألهم أيهم أقرب إليه -e- نسباً ، فأخبروه بأنه أبو سفيان ، فأدناه منه وأجلس بقية الناس وراءه ، وقال لهم : إني سائل هذا عن هذا الرجل – أي النبي -e- فإن كذبني فكذبوه . فاستحيى أبو سفيان أن يكذب .
وسأله هرقل : كيف نسبه فيكم ؟
فقال : هو فينا ذو نسب .
فقال : فهل قال هذا القول منكم أحد قبله ؟
قال : لا .
قال : فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟
قال : بل ضعفاؤهم .
قال : أيزيدون أم ينقصون ؟
قال : بل يزيدون .
قال : فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟
قال : لا .
قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
قال : لا .
قال : فهل يغدر ؟
قال : لا .
وهنا تمكن أبو سفيان من إدخال كلمة مريبة فقال :
ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها .
قال : فهل قاتلتموه ؟
قال : نعم .
قال : الحرب بيننا وبينه سجال . ينال منا وننال منه .
قال : وماذا يأمركم ؟
قال : يقول : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، يأمر بالصلاة والصدق والعفاف والصلة .
قال هرقل معلقاً على هذا الحوار : ذكرت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها .
وذكرت أنه لم يقل أحد منكم هذا القول قبله . قلت : فلو كان كذلك لقلت : رجل يأتم بقول قيل قبله .
وذكرت أنه لم يكن من آبائه من ملك ، قلت : فلو كان من آبائه من ملك قلت : رجل يطلب ملك أبيه .
ذكرت أنكم لم تكونوا تتهمونه بالكذب ، فعرفت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس . ويكذب على الله .
وذكرت أن ضعفاء الناس اتبعوه ، وهم أتباع الرسل .
وذكرت أنهم يزيدون . وكذلك أمر الإيمان حتى يتم .
وذكرت أنه لا يرتد منهم أحد ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .
وذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ، ولا تشركوا به شيئاً ، ونهاكم عن عبادة الأوثان ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف ، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولم أكن أظنه منكم . فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه . ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه .
ثم دعا الكتاب فقرأه ، فارتفعت الأصوات وكثر اللغط . فأخرج أبا سيفان ومن معه ، فلما خرج أبو سفيان قال لأصحابه : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ، إنه ليخافه ملك بني الأصفر ، ولم يزل أبو سفيان موقناً بعده بظهور أمر رسول الله -e- حتى وفقه الله للإسلام .
وأجاز هرقل دحية بن خليفة الكلبي بمال وكسوة . ثم رجع إلى حمص ، فأذن لعظماء الروم في دسكرة له ، وأمر بأبوابها فأغلقت . ثم قال : يا معشر الروم ! هل لكم في الفلاح والرشد ، وأن يثبت ملككم ؟ فتتابعوا هذا النبي ، فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها مغلقة ، فلما رأى قيصر نفرتهم قال : ردوهم علي ، فقال لهم : إني قلت مقالتي أختبر بها شدتكم على دينكم ، فقد رأيت . فسجدوا له ورضوا عنه .
ويتبين من هذا أن قيصر عرف النبي -e- وصدق نبوته تمام المعرفة ، ولكن غلب عليه حب ملكه فلم يسلم ، وباء بإثمه وإثم رعيته كما قال النبي -e-
أما دحية بن خليفة الكلبي فإنه لما كان بحسمي في طريقه راجعاً إلى المدينة قطع عليه الطريق رجال من بني جذام ، وانتهبوه ، حتى لم يتركوا معه شيئاً ، فلما بلغ المدينة ، وأخبر رسول الله -e- ، وبعث إليهم زيد بن حارثة في خمسمائة مقاتل ، فأغاروا وقتلوا وغنموا ألف بعير ، وخمسة آلاف شاة ، وسبوا مائة من النساء والصبيان ، وأسرع زيد بن رفاعة الجذامي ، وأحد رؤسائهم ، إلى المدينةوكان أسلم هو ورجال من قومه ، ونصروا دحية حين قطع الطريق عليه – فرد عليه رسول الله -e- الغنائم والسبى .
وكتب رسول الله -e- كتابا إلى الحارث بن أبي شمر الغساني أمير دمشق من قبل قيصر . وهاك نص الكتاب :
"
بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر : سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله وصدق ، وإني أدعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له ، يبقى لك ملكك ".
وبعث الكتاب مع شجاع بن وهب الأسدي – من أسد بن خزيمة – فلما قرأ الكتاب رمى به ، وقال : من ينزع ملكي مني ؟ واستعد ليرسل جيشاً يغزو المسلمين ، وقال لشجاع بن وهب : أخبر صاحبك بما ترى ، واستأذن قيصر في حرب رسول الله -e- فثناه قيصر عن عزمه ، فأجاز الحارث شجاع بن وهب بالكسوة والنفقة ، ورده بالحسنى .
وكتب -e- كتابا إلى أمير بصري :
يدعوه إلى الإسلام ، وبعث الكتاب مع الحارث بن عمير الأزدي -t - ، فلما بلغ مؤتة من عمل البلقاء في جنوب الأردن – تعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فضرب عنقه .
وكان هذا أشد عمل عدواني تجاه الرسل ،فلم يقتل لرسول الله -e- رسول غيره ، وقد وجد -e- على ذلك وجداً شديداً ، حتى أفضى ذلك إلى معركة مؤته ، وسنأتي على ذكرها .
وكتب -e- كتابا إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة . وهو :
"
بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى هوذة بن على . سلام على من اتبع الهدى ، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر ، فأسلم تسلم ، وأجعل لك ما تحت يديك " .
وبعث الكتاب مع سليط بن عمرو العامري . فأكرمه وأجازه ، وكساه من نسيج هجر ، وكتب في الجواب :
"
ما أحسن ما تدعوا إليه وأجمله ، وأنا شاعر قومي وخطيبهم ، والعرب تهابني ، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك " .
فلما بلغ ذلك رسول الله -e- قال : لو سألني قطعة من الأرض ما فعلت . باد وباد ما في يديه ، فمات منصرف رسول الله -e- من فتح مكة .
وكتب رسول الله -e- كتابا إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين ،
دعاه فيه إلى الإسلام ، وبعث هذا الكتاب مع العلاء بن الحضرمي ، فأسلم المنذر ، وأسلم بعض أهل البحرين ، وبقى الآخرون على دينهم من اليهودية أو المجوسية ، فكتب المنذر يخبر بذلك رسول الله -e- ويستفتيه ، فكتب إليه يأمره أن يترك للمسلمين ما أسلموا عليه ، ويأخذ من اليهود والمجوس الجزية ، وأنك مهما تصلح فلم نعزلك عن عملك .
وكتب رسول الله -e- كتابا إلى ملكي عمان جيفر وأخيه وهو :
"
بسم الله الر حمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي . سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فإني أدعوكم بدعاية الإسلام ، أسلما تسلما ، فإني رسول الله -e- إلى الناس كافة ، لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين . فإنكما إن أقرر بالإسلام وليتكما ، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل ، وخيل تحل بساحتكما ، وتظهر نبوتي على ملككما "
وبعث الكتاب مع عمرو بن العاص -t - ، فلما قدم عمان لقي عبد بن الجلندي ، فسأله عبد عما يدعو إليه ، فقال : إلى الله وحده لا شريك له ، وتخلع ما عبد من دونه ، وتشهد أن محمداً عبده ورسوله . وبعد حوار جرى بينهما سأله عبد عما يأمر به . فقال : يأمر بطاعة الله وينهى عن معصيه ، ويأمر بالبر وصلة الرحم . وينهى عن الظلم والعدوان والزنا وشرب الخمر ، وعن عبادة الحجر والوثن والصليب .
قال عبد : ما أحسن هذا الذي يدعو إليه ، لو كان أخي يتابعني عليه لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به ، لكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذنباً – تابعاً - .
قال عمرو : إن أسلم أخوك ملكه رسول الله -e- على قومه ، فأخذ الصدقة من غنيهم فيردها على فقيرهم ، فقال : إن هذا لخلق حسن ، ثم سأله عن الصدقة فأخبره بتفاصيلها ، فلما ذكر المواشي قال : ما أرى قومي يرضون بهذا .
ثم إن عبداً أوصل عمراً إلى أخيه جيفر ، فأعطاه الكتاب فقرأه ، ثم أعطاه لأخيه ، وسأل عمراً عما فعلته قريش . فأخبره أنهم أسلموا ، وأنه إن أسلم يسلم ، وإلا وطئته الخيل وتبيد خضراءه .
وأرجأ جيفر أمره إلى غد ، فلما كان الغد أبدى القوة والصمود ، ولكنه خلا بأخيه واستشاره ، فلما كان بعد الغد أسلم هو وأخوه ، وخليا بين عمرو وبين أخذه الصدقة ، وكانا عوناً على من خالفه .
أرسل هذا الكتاب إلى عبد وجيفر بعد فتح مكة . وأما بقية الكتب فقد أرسلت بعد عودته -e- من الحديبية .
بين المسلمين وبقية الأطراف
كان عهد الحديبية ميثاقاً ينص على وضع الحرب عشر سنين ، وبفضل هذا العهد أمن رسول الله -e- من أكبر عدو له في جزيرة العرب ، وهم قريش ، وتفرغ لتصفية الحساب مع أخبث عدو له مكراً وكيداً وغدراً وإغراء للأحزاب . وهم اليهود . وكانوا متمركزين في خيبر وما وراءها في جهة الشمال . وبينما هو يستعد للخروج إليهم حدثت حادثة أخرى خفيفة ، وهي غزوة الغابة .
غزوة الغابة :
وبيان ذلك ان رسول الله -e- كان قد أرسل لقاحة لترعى في جهة الغابة بناحية أحد ، وكان معها غلامه رباح والراعي وسلمة بن الأكوع ، وكانت مع سلمة فرس لأبي طلحة ، فأغار عبدالرحمن بن عيينة الفزاري على الإبل ، فقتل الراعي ، واستاق الإبل أجمع ، فأعطى سلمة فرسه رباحاً ليسرع إلى المدينة ، ويخبر بالحادث ، وقام هو على أكمة ، فاستقبل المدينة ، وصاح بأعلى صوته : يا صباحاه ، ثلاث مرات . ثم خرج في آثار القوم يرميهم بالنبل ويرتجز :
خذها ، أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
فلم يزل يرميهم ويعقربهم ، وإذا رجع إليه منهم فارس جلس في أصل شجرة ورماه ، ودخلوا في مضيق جبل فعلاه ، وأخذ يرديهم بالحجارة ، فلم يزل كذلك حتى تركوا الإبل كلها ، ولكنه لم يزل يتبعهم ويرميهم بالحجارة ، فلم يزل كذلك حتى تركوا الإبل كلها ، لكنه لم يزل يتبعهم ويرميهم حتى ألقوا ثلاثين برداً وثلاثين رمحاً يستخفون ، فكان يجعل عليها أكواماً من الحجارة ليعرف بها .
وجلسوا في متضايق ثنية ، فجلس ابن الأكوع على رأس قرن ، فصعد إليه أربعة ، فقال : هل تعرفونني ؟ أنا سلمة بن الأكوع ، لا أطلب منكم رجلاً إلا أدركته ، ولا يطلبني فيدركني ، فرجعوا .
وبعد حين رأى سلمة فوارس رسول الله -e- يتخللون الشجر ، أولهم أخرم ، ثم قتادة ، ثم المقداد ، فجاءوا ، والتقى أخرم وعبد الرحمن ، فعقر أخرم فرس عبدالرحمن ، وطعنه عبدالرحمن فقتله ، وتحول على فرسه ، فلحقه أبو قتادة ، وقتله طعناً وفر الباقون ، فطاردهم هؤلاء الفوارس ، ومعهم سلمة يعدو على رجليه ، ووصلوا قبل غرو بالشمس إلى شعب فيه ماء يسمى بذي قرد ، وكان قد نزل به العدو ليشرب منه ، وهم عطاش ، فأجلاهم عنه سلمه برميه ، ولحق به رسول الله -e- والفوارس عشاء ، فقال : يا رسول الله ، والقوم عطاش ، فلو بعثتني في مائة رجل أخذت بأعناقهم وسرحهم فقال : يا ابن الأكوع ! ملكت فأسجع – أي تلطف – ثم قال : إنهم ليقرون الآن في بني غطفان . وأعطاه سهم الراجل والفارس ، وأردفه على العضباء . وقال : خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجالتنا أبو سلمة .
وقعت هذه الغزوة قبل خروجه -e- إلى خيبر بثلاثة أيام . وقد استعمل فيها على المدينة ابن مكتوم . وأعطى اللواء للمقداد .
غزوة خيبر
وفي المحرم سنة سبع من الهجرة خرج رسول الله -r- إلى خيبر ، وجاء من تخلف عن الحديبية ليؤذن له فنادى في الناس أن لا يخرجوا معه إلا رغبة في الجهاد ، أما الغنيمة فلا يعطى لهم منه شيء . فلم يخرج معه إلا أصحاب الشجرة ، وكانوا ألفاً وأربعمائة ، واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري .
ثم سلك الجادة المعروفة الموصلة إلى خيبر ، حتى إذا كان في منتصف الطريق تقريباً اختار طريقاً آخر يوصله إلى خيبر ، حتى إذا كان في منتصف الطريق تقريباً اختار طريقاً آخر يوصله إلى خيبر من جهة الشام ، ليحول بينهم وبين فرارهم إلى الشام .
وبات الليلة الأخيرة قريباً من خيبر ، ولم تشعر به اليهود ، فلما أصبح صلى الفجر بغلس ، ثم ركب هو والمسلمون متجهين إلى مساكن خيبر ، أما اليهود فقد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ليعلموا في أرضهم وهم لا يعلمون ، فلما رأوا الجيش رجعوا هاربين يقولون : محمد ، والله محمد والخميس . فقال النبي -r- : " الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين " .
وخيبر على بعد 171 كيلومتراً شمالي المدينة وكانت مساكنها منقسمة إلى ثلاثة أشطر : النطاة ، والكتيبة ، والشق . فالنطاة ثلاثة حصون : حصن ناعم ، وحصن الصعب بن معاذ ، وحصن قلعة الزبير . والشق حصنان : حصن أبي ، وحصن النزار . والكتيبة ثلاثة حصون : حصن القموص ، وحصن الوطيح ، وحصن السلالم .
وكانت في خيبر حصون وقلاع أخرى صغيرة لم تكن تبلغ مبلغ هذه الحصون في القوة والمناعة .
فتح النطاة :
عسكر رسول الله -r- شرقي حصون النطاة بعيداً عن مدى النبل ، وبدأ القتال بفرض الحصار على حصن ناعم ، وكان حصناً منيعاً ، رفيعاً صعب المرتقى وكان خط الدفاع الأول لليهود ، وفيه بطلهم مرحب الذي كان يعد بألف رجل ، فوقعت المراماة بين الفريقين أياماً . ثم بشرهم رسول الله -r- بالفتح . قال : " لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله " ، فبات المهاجرون والأنصار كلهم يتمنى أن يعطاها ، فلما أصبح قال : أين علي ؟ قالوا : هو يشتكي عينيه ، فأرسل إليه فأتى به ، فبصق في عينيه ، ودعا له ، فبرئ ، كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم .
وكان اليهود قد نقلوا نساءهم وذراريهم إلى حصن الشق ليلاً ، وقرروا البروز للقتال في ذلك الصباح ، فلما ذهب إليهم علي - t - وجدهم متجهزين للقتال ، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورفضوا ، ودعا مرحب إلى المبارزة ، وهو يخطر بسيفه ويقول :
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فبرز له عامر بن الأكوع ، وهو يقول :
قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين ، فوقع سيف مرحب في ترس عامر ، فذهب عامر ليتناول بسيفه ساق اليهودي ، وكان سيفه قصيراً ، فلما يصل إليه ، بل رجع إلى عامر فأصاب ركبته ، فمات بسببه فيما بعد ، فقال النبي -r- فيه : إن له لأجرين ، إنه لجاهد مجاهد ، قل عربي مشى بها – أي بالأرض – مثله .
أما مرحب فبرز له علي وهو يرتجز :
أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره
وضرب رأس مرحب فقتله ، ثم خرج أخوه ياسر يدعو إلى المبارزة ، فبرز له الزبير بن العوام ، وألحقه بأخيه ، ثم دار القتال المرير ، قتل فيه عدد من سراة اليهود ، وانهارت معنوياتهم ، فانكشفوا عن مواقفهم ، وتبعهم المسلمون حتى دخلوا الحصن بالقوة ، وانهزم اليهود إلى الحصن الذي يليه ، وهو حصن الصعب وقد غنم المسلمون من حصن ناعم كثيراً من الطعام والتمر والسلاح.
ثم حاصر المسلمون حصن الصعب تحت قيادة الحباب بن المنذر ، ودام الحصار ثلاثة أيام ، وفي اليوم الثالث دعا رسول الله -r- بالفتح والغنيمة ، ثم ندب المسلمين بالهجوم فهاجموا بشدة ، ووقع البراز والقتال ، ودارت معركة عنيفة انتهت بهزيمة اليهود ، وافتتح المسلمون الحصن قبل أن تغرب الشمس ، فوجدوا فيه غنائم كثيرة من الطعام ، وكان أكثر الحصون طعاماً وودكاً ، وأعظمها غناء للمسلمين ، وكان المسلمون قبل ذلك في جماعة شديدة حتى ذبح ناس الحمر ، فنهى رسول الله -r- عن لحومها ، وأمر بالقدور فأكفئت ، وهي منصوبة على النيران تطبخ فيها تلك اللحوم .
ولاذ اليهود بقلعة الزبير وتحصنوا فيها ، وهي ثالث الحصون وآخرها في شطر النطاة ، أما المسلمين ففرضوا عليهم الحصار ، وفي اليوم الرابع دل يهودي على جداول ماء كان يستقي منها اليهود فقطعها المسلمون عنهم ، فخرجوا وقاتلوا قتالاً شديداً ، ثم انهزموا إلى شطر الشق وتحصنوا بحصن أبى .
فتح الشق :
وتبعهم المسلمون حتى حاصروهم ، فخرجوا مستعدين لأشد القتال ، وبرز أحد أبطالهم يطلب المبارزة فقتل . ثم برز آخر فقتل ، قتله أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري ، فلما قتله أسرع إلى اقتحام القلعة ، واقتحم معه المسلمون ، فجرى القتال داخل القلعة ساعة ، ثم فر اليهود إلى الحصن الثاني : حصن النزار ، وهو آخر الحصنين في هذا الشطر ، وغنم المسلمون في حصن أبي أثاثاً كثيراً ومتاعاً وغنماً وطعاماً .
ثم تقدموا وحاصروا حصن النزار ، وكان على رأس جبل لا سبيل إليه ، وقد تمنع أهله أشد التمنع ، وكانوا على شبه اليقين بأن المسلمين لا يستطيعون اقتحامه ، ولذلك أقاموا فيه مع الذراري والنساء ، وقاموا أشد المقاومة ، رمياً بالنبل والحجارة ، فنصب المسلمون المنجنيق ، فوقع في قلوبهم الرعب ، وهربوا إلى شطر الكتيبة دون أن يعانوا شدة تذكر ، ووجد المسلمون غنائم فيها أواني من نحاس وفخار ، فقال -r- اغسلوها واطبخوا فيها .
فتح الكتيبة :
وتقدم المسلمون إلى حصن القموص ، أول حصون الكتيبة ، فحاصروه أربعة عشر يوماً أو عشرين يوماً .
ثم يقال : إن اليهود طلبوا الأمان .
ويقال : إن المسلمين فتحوا الحصن عنوة ، وفر اليهود إلى الحصنين الباقيين : الوطيح والسلالم ، فلما سار إليهما المسلمون ليحاصروهما طلب اليهود الأمان على أن يخرجوا من خيبر وأراضيها بنسائهم وذراريهم ، فعاهدهم على ذلك ، وسمح لهم بأن يأخذوا من الأموال ما حملت ركابهم ، إلا الصفراء والبيضاء – أي الذهب والفضة – والكراع والحلقة – أي الخيل والسلاح ، وتبرؤ منهم الذمة إن كتموا شيئاً ، ثم سلموا الحصون الثلاثة أو الحصنين ، فغنم المسلمون مائة درع ، وأربعمائة سيف ، وألف رمح ، وخمسمائة قوس عربية ، وصحفاً من التوراة أعطوها لمن طلبها .
وغدر بالعهد كنانة بن أبي الحقيق وأخوه ، فغيبا كثيراً من الذهب والفضة والجواهر ، فبرئت منهما الذمة ، وقتلاً لغدرتهما ، وكانت صفية بنت حيي بن أخطب تحت كنانة ، فجعلت في السبى .
قتلى الفريقين :
وبلغ عدد القتلى من اليهود ثلاثة وتسعين قتيلاً ، أما المسلمون فقيل : 15 ، وقيل : 16 ،
وقيل : 18
قدوم مهاجري الحبشة وأبي هريرة وأبان بن سعيد :
ولما رجع مهاجرو الحبشة مع عمرو بن أمية الضمري ، حامل كتاب رسول الله -r- إلى النجاشي ، اتجه طائفة منهم على خيبر ، وهو ستة عشر رجلاً فيهم جعفر بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري – رضي الله عنهم أجمعين – فوافوا رسول الله -r- حين فتح خيبر، وقبل أن يقسمها ، فقبل -r- جعفراً وقال :" والله ما أدري بأيهما أفرح ؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر "، ولما قسم خيبر أعطاهم من الغنيمة ، وأما بقية مهاجري الحبشة فذهبوا مع نسائهم وذراريهم إلى المدينة رأساً .
ووافاه أيضاً بخيبر بعد أن تم الفتح أبو هريرة -t - وكان قد جاء إلى المدينة بعد خروجه -r- إلى خيبر ، فأسلم ، ثم استأذن وخرج إلى خيبر ، فأعطاه رسول الله -r- من غنيمة خيبر .
ووافاه بعد الفتح أيضاً أبان بن سعيد ، وكان قد خرج بسرية إلى نجد ، فلما قضى مهمته جاء إلى خيبر ، ولم يعط له ولأصحابه من غنيمة خيبر .
قسمة خيبر
ولما حصل اليهود على الأمان جاءوا باقتراح جديد قبل أن يتم جلاؤهم . قالوا : يا محمد ! دعنا في هذه الأرض ، نصلحها ونقوم عليها ، فنحن أعلم بها منكم ، وتعطينا نصف ما يخرج منها من الثمر والزرع ، فرضي بذلك على أن يجليهم منها متى شاء . فبقوا على ذلك حتى أجلاهم عمرو بن الخطاب -t - حين سلكوا طريق الشر والخبث .
وقسم رسول الله -r- خيبر على ستة وثلاثين سهماً ، وكل سهم مجموع مائة سهم ، فعزل منها النصف ، وهو ثمانية عشر سهماً لنوائب المسلمين ، وقسم النصف الباقي ، وهو أيضاً ثمانية عشر سهماً ، على الغزاة ، فأعطى للراجل سهماً ، وللفارس ثلاثة أسهم ، سهماً له وسهمين لفرسه ، وكان الفوارس مائتين ، فصارت لهم ستة أسهم ، والرجالة ألفاً ومائتين فصار لهم اثنا عشر سهماً .
وكانت خيبر غنيمة بالتمر والطعام ، قالت عائشة – رضي الله عنها - : لما فتحت خيبر قلنا : الآن نشبع من التمر ورد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم من النخيل بعدما رجعوا من خيبر إلى المدينة .
شاة مسمومة :
وبعدما عاد الهدوء ، وذهب الخوف عاد اليهود إلى خبثهم ، وتآمروا على قتل النبي -r- فأهدوا إلى رسول الله -r- شاة مسمومة بواسطة امرأة سلام بن مشكم : أحد كبرائهم ، وقد علمت أن رسول الله -r- يعجبه الذراع ،فأكثرت السم فيه ، وتناول منه رسول الله -r- ولاكها ، ثم لفظها وقال : إنها شاة مسمومة ، وسأل المرأة واليهود فاعترفوا بجريمتهم ، قالوا : قلنا : إن كان ملكاً نستريح منه ، وإن كان نبياً لا يضره ، فعفا عنهم وعن المرأة ، ثم إن بشر بن البراء بن معرور مات من أجل هذا السم فأمر بقتل المرأة قصاصاً .
استسلام أهل فدك :
فدك قرية في شرق خيبر على بعد يومين ، تعرف اليوم ب" حائط " وكان رسول الله -r- قد أرسل محيصة بن مسعود إلى يهود فدك بعد وصوله على خيبر ، ليدعوهم إلى الإسلام ، فأبطأوا عليه ، فلما سمعوا بفتح خيبر داخلهم الرعب ، وطلبوا أن يعامل بهم معاملة أهل خيبر ، فقبل ذلك منهم ، فكانت أرض فدك خالصة لرسول الله -r-ينفق منها على نفسه ، ويعول صغير بني هاشم ويزوج أيمهم .
وادي القرى :
وسار رسول الله -r- بعد خيبر إلى وادي القرى ، ودعا أهلها – وهم يهود – إلى الإسلام ، فلم يسلموا ولم يستسلموا ، وخرجوا للقتال ، وبرز منهم رجل فقتله الزبير بن العوام ، ثم آخر فقتله ، ثم ثالث فقتله علي ، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً ، كلما قتل منهم رجل ، دعا البقية إلى الإسلام ، وكلما صلى صلاة دعاهم إلى الإسلام حتى أمسوا ، ثم غدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى انهزموا ، وغنم المسلمون مغانم كثيرة . ثم طلبوا أن يعامل بهم معاملة أهل خيبر ، فقبل ذلك منهم .
مصالحة أهل تيماء :
ووصل إلى يهود تيماء أخبار خيبر وفدك ووادي القرى ، فصالحوا على دفع الجزية ، ومكثوا في بلادهم آمنين .
زواجه -r- وبناؤه بصفية :
ولما جعلت صفية بنت حيي بن أخطب في السبى أخذها دحية بن خليفة الكلبي بإذن رسول الله -r- فقال الصحابة لرسول الله -r- ، " إنها لا تصلح إلا لك ، إنها سيدة قريظة والنضير ، فدعا بها رسول الله -r- ، وعرض عليها الإسلام فأسلمت ، فأعتقها وتزوجها ، وجعل عتقها صداقها ، وأسلمها إلى بعض النساء .
فلما تم له فتح خيبر ووادي القرى ، وأطاع له أهل فدك وتيماء ، أخذ في عودته إلى المدينة . حتى إذا كان بسد الصبهاء حلت صفية فزفت إليه -r- ، فأصبح عروساً بها ، وأولم عليها بحيس من التمر والأقط والسمن ، وأقام ثلاثة أيام يبني بها .
ثم سار حتى قدم المدينة في أواخر شهر صفر أو في شهر ربيع الأول من سنة 7هـ .
غزوة ذات الرقاع
ولما رجع رسول الله -r- من خيبر ، واطمأن بالمدينة سمع بتجمع البدو من بني أنمار وثعلبة ومحارب ، فاستعمل على المدينة عثمان بن عفان -t- ، وقصد في نحو سبعمائة من الصحابة موضعاً يقال له نخل ، على بعد يومين من المدينة ، فلقي جمعاً من غطفان ، فتقارب الفريقان ، وأخاف بعضهم بعضاً ، ولم يدر القتال ، وأقيمت الصلاة ، فصلى رسول الله -r- بطائفة ركعتين ، ثم تأخروا ، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين ، فكانت له أربع وللقوم ركعتان ، وهي صلاة الخوف ، ولها صور أخرى مروية في الأحاديث .
ثم ألقى الله الرعب في قلب العدو فتفرق جمعه ، وعاد رسول الله -r- إلى المدينة .
وسميت هذه الغزوة بذات الرقاع ، لأن أقدام المسلمين نقبت لأجل المشي ، فلفوا عليها الخرق ، وهي الرقاع ، وقيل : لأن أراضيها وجبالها ذات ألوان مختلفة كأنها رقاع ، قيل : بل هي اسم لمكان الغزوة .
من يمنعك مني ؟
ومن أروع ما وقع في هذه الغزوة أن رسول الله -r- نزل ذات يوم تحت شجرة ظليلة ، فعلق بها سيفه ونام ، وتفرق الناس تحت الأشجار وناموا ، فجاء رجل من المشركين ، فاخترط سيف رسول الله -r- وهو نائم ، فاستيقظ وهو في يده صلتا . فقال : أتخافني ؟ قال : لا. قال : فمن يمنعك مني ؟ قل : الله .فسقط السيف من يده . فأخذه رسول الله -r- وقال : من يمنعك مني ؟ قال : كن خير آخذ . فدعاه إلى الإسلام فلم يسلم . ولكنه أعطى العهد أنه لا يقاتله ، ولا يكون مع قوم يقاتلونه ، فخلى سبيله ، فذهب إلى قومه ، وقال : جئتكم من عند خير الناس . وعامة أهل المغازي يقولون : إن هذه الغزوة وقعت في السنة الرابعة من الهجرة ، والصحيح أنها في السنة السابعة بعد خيبر . لأن أبا هريرة وأبا موسى الأشعري – رضي الله عنهما – كانا في هذه الغزوة ، وهما إنما جاءا إلى النبي -r- أول مرة بعد فتح خيبر . كما تقدم
وقد أرسلت قبل هذه الغزوة وبعدها عدة سرايا لتأمين الطرق وتأديب المعتدين وتفريق المجتمعين ، نطوى ذكرها حتى لا يطول الكلام .
عمـــــرة القضــاء
وفي ذي القعدة سنة 7هـ خرج رسول الله -r- للعمرة التي تم الاتفاق عليها في صلح الحديبية ، واستخلف على المدينة أبارهم الغفاري ، وساق معه ستين بدنة ، وجعل عليها ناجية بن جندب الأسلمي ، وحمل معه السلاح حذراً من غدر قريش ، واستعمل عليه بشير بن سعد ، وكان معه مائة فرس عليها محمد بن مسلمة .
وأحرم من ذي الحليفة ولبى . ولبى معه المسلمون ، وواصل سيرة حتى إذا بلغ وادي يأجج وضع السلاح ، وخلف عليها أوس بن خولي الأنصاري ، في مائتين من الصحابة ، وتقدم بسلاح الراكب : السيوف في القرب . فدخل مكة من ثنية كداء التي تطلعه على الحجون . وهو على ناقته القصواء ، والمسلمون متوشحون السيوف ، محدقون به ، يلبى ويلبون ، حتى دخل المسجد الحرام ، فاستلم الحجر الأسود بمحجنه ، ثم طاف – وهو على راحلته – وطاف معه المسلمون ، ويرملون حول البيت ، كاشفين مناكبهم اليمنى ، شأن الفتوه والقوة ، وعبدالله بن رواحة بين يدي رسول الله -r- متوحشاً بالسيف ، يقول :
خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا ، فكل الخير في رسوله
اليوم نضربكم على تأويله كما ضـربناكم علـى تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهـل الخليل عن خليـله
وكان المشركون جالسين على جبل قعيقعان – شمالي الكعبة – وقد قالوا فيما بينهم : إنه يقدم عليكم وفد قد وهنتهم حمى يثرب ، فلما رأوا المسلمين يرملون قالوا : هؤلاء أجلد من كذا كذا ، وكان رسول الله -r- أمرهم أن يرملوا في الأشواط الثلاثة الأولى ليرى المشركين قوتهم . إلا ما بين الركن اليماني والحجر الأسود ، فإنه في الجنوب ، في جهة لم يكن يراها المشركون .
فلما فزع من الطواف سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ، ثم نحر هديه عند المروة ، وحلق رأسه ، وكذلك فعل المسلمون ، ثم بعث رجالاً من الصحابة إلى بطن يأجج ليكونوا على السلاح ، ويأتي من بقى هناك من الصحابة فيؤدوا نسكهم .
وأقام بمكة ثلاثة أيام تزوج خلالها ميمونة بنت الحارث الهلالية – وكانت زوجة سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب وخالة ابن العباس – فلما بلغتها الخطبة وكل أمرها إلى العباس ، فزوجها العباس بالنبي -r- ، وهو حلال ، فإنه اعتمر أول ما دخل مكة ، ثم حل فبقى حلالاً .
وفي صبيحة اليوم الرابع غادر رسول الله -r- مكة راجعاً إلى المدينة ، فلما بلغ سرف على بعد تسعة أميال من مكة نزل بها وأقام ، وهناك زفت إليه ميمونة – رضي الله عنها – فبنى بها . ثم عاد إلى المدينة فرحاً مسروراً بما حباه الله من تصديق رؤياه ، وشرفه بطواف بيته .
ومن عجيب قدر الله أن ميمونة – رضي الله عنها – لما توفيت كانت بسرف فدفنت هناك .
وبعد رجوعه -r- من عمرة القضاء أرسل عدة سرايا إلى جهات متعددة أهمها سرية مؤتة ، ثم سرية ذات السلاسل .
معركة مؤتة
[
جمادي الأولى سنة 8 هـ ]
سبق في ذكر كتب رسول الله -r- إلى الملوك والأمراء أن شرحبيل بن عمرو الغساني كان قد قتل الحارث بن عمير t- ، حامل كتاب رسول الله -r- إلى عظيم بصري ، وكان ذلك بمثابة إعلان الحرب ، فلما بلغ ذلك زيد بن الحارثة ، وقال : إن قتل زيد فجعفر ، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة ، وعقد لواءًا أبيض حمله زيد بن حارثة .
وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير فيدعوهم على الإسلام ، فإن أبوا قاتلوهم ، وقال : اغزوا باسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، ولا تغدروا ، ولا تغلوا ، ولا تقتلوا وليداً ، ولا امرأة ، ولا كبيراً فانياً ، ولا منعزلاً بصومعة ، ولا تقطعوا نخلاً ، ولا شجرة ن ولا تهدموا بناء .
وشيع الجيش إلى ثنية الوداع ، ثم ودعه ، فسار الجيش حتى نزل معان – بجنوب الأردن – فبلغهم أن هرقل نازل بمآب في مائة ألف من الروم . انضم إليهم من متنصرة العرب مائة ألف ، فتشاوروا ليلتين هل يكتبون ذلك إلى رسول الله -r- ويطلبون منه المدد – إنما يقدمون على الحرب ؟ فشجعهم ابن رواحة بأن الذي تكرهونه – وهي الشهادة – إنما خرجتم تطلبونه . ونحن ما نقاتل بعدد ولا قوة ولا كثرة ، وإنما نقاتل بهذا الدين الذي أكرمنا الله به . وما هي إلا إحدى الحسنيين ، إما الظهور وإما الشهادة ، فقالوا : صدق والله ابن رواحة ، فتقدموا ونزلوا بمؤتة ، وتعبؤوا وتهيؤوا للقتال .
ودارت معركة عنيفة ورهيبة ، وعجيبة في تاريخ البشر : ثلاثة آلاف مقاتل يواجهون جيشاً عرمرماً – مائتي ألف – ويصمدون في وجهه . وهذا الكم الهائل من المدججين بالسلاح يهجم عليهم طول النهار ، ويفقد كثيراً من أبنائه وأبطاله ، ولا ينجح في دحرهم .
أخذ راية المسلمين زيد بن حارثة فقاتل وقاتل ، ثم قاتل وقاتل حتى شاط في رماح القوم ، وخر شهيداً في سبيل ربه ، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فقاتل وقاتل ، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه الشقراء وعقرها ، ثم قاتل حتى قطعت يمينه ، فأخذ الراية بشماله ، فلم يزل رافعاً لها حتى قطعت شماله ، فاحتضنها بعضديه حتى أبقاها تخفق في جو السماء ، إلى أن قتل بعد أن أصابته بضع وتسعون من طعنة ورمية ، كل ذلك فيما أقبل من جسده ، وجاءت نوبة عبدالله بن رواحة فأخذ الراية وتقدم ، واقتحم عن فرسه المعمعة ،ثم لم يزل يقاتل حتى قتل .
وحتى لا تسقط الراية أخذها ثابت بن أرقم وقال للمسلمين : اصطلحوا على رجل ، فاصطلحوا على خالد بن الوليد ، وبذلك انتقلت الراية إلى سيف من سيوف الله ، وتقدم خالد بن الوليد فقاتل قتالاً منقطع النظير حتى انقطعت في يده تسعة أسياف ، وأخبر رسول الله -r- أصحابه بالمدينة في نفس اليوم بمقتل القواد الثلاثة ، وبانتقال القيادة إلى خالد بن الوليد ، وسماه سيفاً من سيوف الله .
وبانتهاء النهار رجع الفريقان إلى مقرهما ، فلما أصبحوا غير خالد -t- ترتيب العسكر ، فجعل الساقة مقدمة ، والمقدمة ساقة ، والميسرة ميمنة ، والميمنة ميسرة ، فظن العدو أن المدد قد وصل للمسلمين فداخله الرعب ، وبعد مناوشة خفيفة بدأ خالد يتأخر بالمسلمين ، فلم يجترئ العدو على التقدم ، خوفاً من أن تكون خدعة ، فانحاز المسلمون إلى مؤتة ، ومكثوا سبعة أيام يناوشون العدو ، ثم تحاجز الفريقان وانقطع القتال ، لأن الروم ظنوا أن الإمدادات تتوالى على المسلمين ، وأنهم يكيدون بهم ليجروهم إلى الصحراء حيث لا يمكنهم التخلص ، وبذلك كانت كفة المسلمين راجحة في هذه الغزوة .
وقتل في هذه الغزوة اثنا عشر رجلاً من المسلمين ، أما عدد قتلى العدو فلم يعرف ، إلا أنهم قتلوا بكثرة .
سرية ذات السلاسل :
ونظراً لموقف عرب الشام في معركة مؤتة رأي رسول الله -r- القيام بعمل حكيم يكيفهم عن نصرة الرومان والقيام بجانبهم ، فأرسل إليهم عمرو بن العاص -t- في ثلاثمائة من الصحابة ، ومعهم ثلاثون فرساً ، ليستأنفهم ، لأن أم أبيه كانت من قبيلة بلى : إحدى قبائلهم ، فإن أبوا فليلقنهم درساً على قيامهم بجانب الروم ، فلما قرب منهم بلغه أن لهم جمعاً كبيراً ، فاستمد من رسول الله -r- ، فأمده بمائتين من سراة المهاجرين والأنصار ، وعليهم أبو عبيدة بن الجراح ، وكان عمرو بن العاص هو الأمير العام وإمام الصلاة ، فدوخ بلاد قضاعة حتى لقي جمعاً ، فلما هجم عليهم فروا وتفرقوا .
والسلاسل بقعة وماء وراء وادي القرى ، إليها نسبت هذه السرية ، لأن المسلمين نزلوا بها ، وكان ذلك في جمادي الآخرة سنة 8هـ . أي بعد الشهر الذي وقعت فيه معركة مؤتة .
الفتح الأعظم : فتح مكة المكرمــة
السبب والاستعداد والإخفاء :
وفي رمضان سنة 8 من الهجرة فتح الله تعالى لرسوله -r- مكة المكرمة ، وهو الفتح الأعظم ، وأعز الله به دينه ورسوله ، وأنقذ به بيته وبلده ، واستبشر به أهل السماء ، ودخل به الناس في دين الله أفواجاً .
وسببه أن بني بكر دخلوا مع قريش في عهد الحديبية ، وكانت بينهم وبين خزاعة دماء وثأرات في الجاهلية اختفت نارها بظهور الإسلام ، فلما وقعت هدنة الحديبية اغتنمها بنو بكر ، وأغاروا في شهر شعبان سنة 8 هـ على خزاعة ليلاً ، وهم على ماء يقال له : الوتير ، فقتلوا منهم ما يربو على عشرين ، وطاردوهم إلى مكة حتى قاتلوهم فيها ، وأعانتهم قريش سراً برجال وسلاح
وكانت خزاعة قد دخلت مع المسلمين في عهد الحديبية ، وكان قد أسلم عدد منهم ، فأبلغوا رسول الله -r- الخبر ، فقال : والله لأمنعنكم مما أمنع نفسي منه .
وأحست قريش بسوء فعلتها ، وخافت نتائجها ، فأسرعت بإرسال أبي سفيان إلى المدينة ليشد العقد ويزيد في المدة ، فلما جاء المدينة نزل على ابنته أم المؤمنين أم حبيبة – رضي الله عنها - ، وأراد أن يجلس على فراش أم رغبت به عني ؟ قالت : هو فراش رسول الله -r- ، وأنت مشرك نجس . قال : والله لقد أصابك بعدي شر .
ثم جاء رسول الله -r- فكلمه فلم يرد شيئاً ، فذهب إلى أبي بكر ليكلم رسول الله -r- فقال : ما أنا بفاعل . فأتى عمر فأبى ، وشدد في الكلام ، فأتى عليا فاعتذر ، وأشار عليه أن يجير بين الناس ويرجع ، ففعل .
أما رسول الله -r- فتجهز للغزو ، وأمر أصحابه بذلك ، واستنفر الأعراب الذين حول المدينة ، وكتم الخبر ، ودعا الله :" اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش ، حتى نبغتها في بلادها " .
وزيادة في الكتمان أرسل أبا قتادة - t - في أوائل رمضان إلى بطن إضم ، وعلى بعد ستة وثلاثين ميلاً من المدينة ، ليظن الظان أنه يريد هذه الناحية .
وكتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم فيه بمسير رسول الله -r- إليهم ، وأعطاه امرأة على جعل ، فأتى رسول الله -r- الخبر من السماء ، فأرسل عليا والمقداد والزبير ومرثداً الغنوي ، وقال : انطلقوا إلى روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب ، فخذوه منها ، فأتوها وطلبوا ]فأتوا به رسول الله -r- ، فقال : ما هذا يا حاطب ؟ فأعتذر بأن في مكة أهلاً وعشيرة وولداً ، وليست له فيهم قرابة يحمونهم لأجلها ، فأراد أن يتخذ عندهم يداً يحمون بها أهله ، ولكم يفعله ارتداداً عن الإسلام ، ورضىً بالكفر ، فقال عمر ، دعني يا رسول الله -r- أضرب عنقه ، فإنه قد خان الله ورسوله ، وقد نافق . فقال -r- :" إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر ، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " ، فذرفت عينا عمر ، وقال : الله ورسوله أعلم .
في الطريق إلى مكة :
ولعشر من رمضان سنة 8هـ غادر رسول الله -r- المدينة ، متجهاً إلى مكة ، ومعه عشرة آلاف من المسلمين ، واستعمل على المدينة أبا رهم الغفاري .
ولما بلغ الجحفة لقيه عمه العباس من أهله مسلماً مهاجراً ، وبالأبواء لقيه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث ، وابن عمته عبدالله بن أبي أمية فأعرض عنهما ، لأنه كان يلقى منهما شدة الأذى والهجو ، فقالت له أم سلمة : لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك ، وقال علي لأبي سفيان : ائته من قبل وجهه ، وقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف : {قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } . ففعل ، فقال -r- :{قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } . فأنشده أبو سفيان أبياتاً مدحه فيها واعتذر عما فعل به سابقاً .
ولما بلغ كديداً ورأى أن الصوم شق على الناس أفطر ، وأمر الناس بالإفطار ، ثم واصل سيره حتى نزل بمر الظهران عشاء ، فأمر الجيش فأوقدوا عشرة الآف نار ، كل على حدته ، وجعل على الحرس عمر بن الخطاب - t - .
وخرج أبو سفيان خائفاً يترقب ، ولا يعلم شيئاً ، ومعه حكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء ، فلما رأى النيران قال : ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً ، قال بديل خزاعة ، قال أبو سفيان : خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها .
أبو سفيان بين يدي رسول الله -r- :
وكان العباس -t- على بغلة رسول الله -r- يتجول ، فلما سمع الصوت عرفه فقال : أبا حنظلة ؟ فقال : أبا الفضل ؟ قال : نعم . قال : مالك ؟ فداك أبي وأمي . قال : هذا رسول الله -r- في الناس ، واصباح قريش والله .
قال : فما الحلية ؟ فداك أبي وأمي . قال : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك . فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول الله -r- فركب ، فلما مر بعمر بن الخطاب رآه فقال : أبو سفيان ؟ عدو الله ؟ الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ، واشتد إلى رسول الله -r- ، وركض العباس البغلة فسبق إلى رسول الله -r- ، ثم دخل عمر واستأذنه في ضرب عنق أبي سفيان ، فقال العباس : إني أجرته ، وأخذ برأس رسول الله -r- وقال : لا يناجيه الليلة أحد دوني . وأكثر عمر ، ورسول الله -r- ساكت . ثم قال للعباس : اذهب به إلى بيتك . فإذا أصبحت فأتني به .
فلما جاء به الصبح قال رسول الله -r- : " ويحك يا أبا سفيان ! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله " .
قال أبو سفيان : ما أحلمك وأكرمك وأوضلك ، ولو كان معه إله غيره لأغنى عني شيئاً بعد .
قال :" ويحك يا أبا سفيان ! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ".
قال : أما هذه فإن في النفس حتى الآن منها شئ .
فقال العباس : أسلم قبل أن تضرب عنقك ، فأسلم وشهد شهادة الحق .
فقال العباس : يا رسول الله ! إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً . قال . " نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ".
دخول رسول الله -r- في مكة المكرمة :
وفي الصباح تقدم رسول الله -r- إلى مكة ، وأمر العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل ، حتى تمر به جنود الله فيراها ، ففعل ، فمرت القبائل على راياتها ، كلما مرت به قبيلة قال : يا عباس ! من هذة ؟ فيقول : بنو فلان . ( مثلاً بنو سليم ) فيقول : ما لي ولبني فلان . حتى مرت كتيبة الأنصار ، يحمل رايتها سعد بن عبادة فقال : يا أبا سفيان ! اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الكعبة . فقال : يا عباس ! حبذا يوم الذمار .
ثم مر رسول الله -r- في كتيبته الخضراء ، فيها المهاجرين والأنصار ، ولا يرى منهم إلا الحديد ، فقال : سبحان الله ! يا عباس ! من هؤلاء ؟ قال : هذا رسول الله -r- في المهاجرين والأنصار ، قال : ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة . لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً . قال العباس : يا أبا سفيان ! إنها النبوة . قال : نعم إذن
ثم أخبر رسول الله -r- بمقالة سعد ، فقال -r- :" كذب سعد . هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ، ويوم تكسي فيه الكعبة ". وأخذ الراية من سعد ، ودفعها لابنه قيس .
وبعد مروره -r- أسرع أبو سفيان حتى دخل مكة ، وصرخ لأعلى صوته : يا معشر قريش ! هذا محمد ، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، قالوا : قاتلك الله . وما تغني عنا دارك ؟ قال : ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ، فأسرع الناس إلى بيوتهم وإلى المسجد الحرام .
ولما وصل رسول الله -r- إلى ذي طوى أمر خالد بن الوليد قائد الميسرة أن يدخل مكة من أسفلها من طريق كدى ، وإن عرض له أحد يحصده حصداً حتى يوافيه على الصفا . وأمر الزبير قائد الميمنة وحامل راية رسول الله -r- أن يدخل مكة من أعلاها من كداء ، ويغرز رايته بالحجون ، ولا يبرح حتى يأتيه رسول الله -r- ، وأمر أبا عبيدة قائد الرجالة ومن لا سلاح له أن يأخذ بطن الوادي حتى ينزل يدي رسول الله -r- .
ووبشت قريش أوباشا بالخندمة ، قالوا : إن كان لهم شئ كنا معهم ، وإلا أعطينا الذي سئلنا . فلما مر بهم خالد حصد اثني عشر منهم في مناوشة خفيفة . وفر الباقون . ثم تقدم خالد يجوس مكة حتى وافي رسول الله -r- على الصفا ، وقتل من رجاله اثنان ضلا الطريق وشذا عنه .
أما الزبير فنصب الراية بالحجون عند مسجد الفتح ، وضرب قبة فيها أم سلمة وميمونة -t- ، ولم يبرح حتى جاء رسول الله -r-، فاستراح قليلاً ، ثم سار ، وبجانبه أبو بكر - t - يحادثه ، وهو يقرأ سورة الفتح ، حتى دخل المسجد الحرام ، وحوله المهاجرون والأنصار ، فاستلم الحجر الأسود وطاف بالبيت وهو على الراحلة ، ولم يكن محرماً ، وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنماً ، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول : {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } {قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } ، والأصنام تتساقط على وجوهها .
تطهير الكعبة والصلاة فيها :
فلما فرغ من الطواف دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ، وأمر بفتحها ، ثم أمر بما فيها من الأصنام فأخرجت وكسرت ، وأمر بما فيها من الصور فمحيت ، ثم دخلها هو وأسامة بن زيد وبلال ، فأغلق الباب ، واستقبل الجدار الذي يقابله ، وهو على بعد ثلاثة أذرع ، وعن يساره عمود وعن يمينه عمودان ، ووراءه ثلاثة أعمدة ، فصلى ركعتين ، ثم دار في البيت ، وكبر في نواحيه ، ووحد الله .
لا تثريب عليكم :
ثم فتح الباب ، وكانت قريش قد ملأت المسجد الحرام صفوفاً، فأخذ بعضادتي الباب فخطب خطبة بليغة بين فيها كثيراً من أحكام الإسلام ، وأسقط أمور الجاهلية ، وأعلن عن ذهاب نخوتها ، ثم قال :
"
يا معشر قريش ! ما ترون أني فاعل بكم " . قالوا : خيراً . أخ كريم ، وابن أخ كريم .
قال :" لا تثريب عليكم اليوم . اذهبوا فأنتم الطلقاء ".
ثم نزل وجلس في المسجد الحرام ، ورد المفتاح إلى عثمان بن طلحة ، وقال : خذوها خالدة تالدة ، ولا ينزعها منكم إلا ظالم .
البيعــة :
ثم أتى الصفا فعلا عليه حيث ينظر على البيت ، فرفع يديه يدعو ، ثم بايع الناس على الإسلام .وممن أسلم يومئذ أبو قحافة والد أبي بكر الصديق -t- ففرح رسول الله -r- بإسلامه ، ثم بايع النساء بعد الرجال على : ] أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [ .
وممن بايع يومئذ من النساء هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان ، جاءت متنقبة متنكرة ، خوفاً على نفسها مما كانت قد فعلت بنعش حمزة ، فلما تمت لها البيعة قالت : يا رسول الله ! ما كان على وجه الأرض أهل خباء أحب إلى أن يذلوا من أهل خبائك ، ثم ما أصبح اليوم على وجه الأرض أهل خباء أحب إلى أن يعزوا من أهل خبائك ، فقال رسول الله -r- :ـ " وأيضاً والذي نفس محمد بيده " .
وكان عمر بن الخطاب - t- قد جلس أسفل من مجلس رسول الله - r - يبلغ الناس ويبايعهم عنه ، وكانت بيعة النساء كلاماً بغير مصافحة .
وقد جاء بعض الناس ليبايعوا رسول الله -r- على الهجرة فقال : " ذهب أهل الهجرة بما فيهم ، ولا هجرة بعد فتح مكة ، ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا " .
أناس أهدرت دماؤهم :
وكان رسول الله -r- قد أهدر يومئذ دماء أناس عظمت ذنوبهم ، وكبرت جرائمهم ، فأمر بقتلهم حتى ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة ، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، فمنهم من حقت عليه كلمة العذاب وقتل ، ومنهم من أدركته عناية الله فأسلم ، فأما الذين قتلوا فهم : ابن خطل ، ومقيس بن صبابة ، والحارث بن نفيل ، وقينة لابن خطل ، أربعة نفر ، يقال : أيضاً الحارث ابن طلاطل الخزاعي ، وأم سعد ، مع احتمال أن تكون أم سعد هي مولاة ابن خطل ، فإذن خمسة أو ستة نفر .
وأما الذين أسلموا – وكانوا قد هربوا أو اختفوا ، ثم استؤمن لهم فجاؤوا وأسلموا – فهم عبدالله بن سعد بن أبي سرح ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبر بن الأسود ، وقينة أخرى لابن خطل ، أربعة نفر ، قيل : وأيضاً كعب بن زهير ، ووحشي بن حرب ، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان . سبعة نفر .
واختفى آخرون خوفاً على أنفسهم دون أن يكون قد أهدرت دماؤهم ، منهم صفوان بن أمية ، وزهير بن أبي أمية ، وسهيل بن عمرو ، ثم أسلم هؤلاء كلهم ، ولله الحمد .
صـلاة الفتــح :
ودخل رسول الله -r- ضحى في بيت أم هانئ بنت أبي طالب - t- ، فاغتسل وصلى ثمان ركعات صلاة الفتح ، يسلم في كل ركعتين ، وكانت أم هانئ قد أجارت حموين لها ، وأراد علي بن أبي طالب - t- أن يقتلهما ، فسألت رسول الله -r- ، فقال : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ .
بلال يؤذن على ظهر الكعبة :
وحان وقت صلاة الظهر ، فأمر رسول الله -r- بلالاً ، فأذن على ظهر الكعبة ، وكان ذلك بمثابة إعلان عن ظهور الإسلام ، وقد راع ذلك المسلمين بقدر ما أغلظ المشركين ، والحمد لله رب العالمين .
إقامة رسول الله -r- بمكة :
ولما تم فتح مكة تخوف الأنصار أن يقيم بها رسول الله -r- ، لأنها بلده وبلد عشيرته وقومه – وذلك حين كان رسول الله -r- على الصفا ، رافعاً يديه يدعوفلما فرغ من الدعاء قال لهم :
معاذ الله ، المحيا محياكم والممات مماتكم [ فاطمأن الأنصار وذهب خوفهم وفرحوا .
نعم . بقي رسول الله -r- بمكة تسعة عشر يوماً يجدد معالم الإسلام ، ويطهرها من آثار الجاهلية ، وقد جدد أنصاب الحرم ، ونادى مناديه : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره .
هدم عزى وسواع ومناة :
ولخمس وعشرين من رمضان بعث رسول الله -r- خالد بن الوليد في ثلاثين فارساً إلى نخلة ، ليهدم العزى وهيكلها ، فتوجه إليها ، وهدمها ، وكانت أكبر أصنامهم .
ثم أرسل عمرو بن العاص في رمضان نفسه لهدم سواع ، وهو أعظم صنم لهذيل ، كان هيكله برهاط على قرابة 150 كيلو متراً شمال شرقي مكة فذهب إليه وهدمه ، وأسلم سادنه لما رأي من عجزه .
ثم بعث سيد بن زيد الأشهلي -t- في رمضان نفسه إلى مناة في عشرين فارساً ، وكانت بالمشلل عند قديد ، وهي صنم كلب وخزاعة وغسان والأوس والخزرج ، فأتاها وكسرها ، وهدم
هيكلها بعث خالد إلى بني جذيمة :
ثم بعث خالد بن الوليد في شهر شوال إلى بني جذيمة ليدعوهم إلى الإسلام ، ومعه ثلاثمائة وخمسون رجلاً من المهاجرين والأنصار وبني سليم ، فلما دعاهم إلى الإسلام قالوا : صبأنا ، صبأنا . فقتلهم وأسرهم . ثم أمر يوماً أن يقتل كل رجل أسيره ، فأبى ابن عمرو أصحابه ذلك ، ولما رجعوا ذكروا ذلك للنبي -r- فرفع يديه وقال مرتين : اللهم أبرأ إليك مما صنع خالد ، ثم بعث علياً t-- بمال ، فودى قتلاهم ، وأعطى بدل ما ضاع من أموالهم ، وفضل فضل فتركه لهم .
وكان بين خالد وعبدالرحمن بن عوف كلام وشر لأجل ما فعله خالد ، فلما رجعوا وأخبروا رسول الله -r- بذلك قال :" مهلاً يا خالد ، دع عنك أصحابي ، فوالله لو كان أحد ذهباً ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته ".
غـزوة حنين
ولما تم فتح مكة اجتمعت أشراف قبائل قيس عيلان للشورى ، وفي مقدمتها هوزان وثقيف ، فقالوا : قد فرغ محمد من قتال قومه . ولا ناهية له عنا ، فلنغزوة قبل أن يغزونا ، فأجمعوا أمرهم للحرب ، واختاروا لقيادتها مالك بن عوف النصري ، فتحشد جمع كبير ، ونزل بأوطاس ، ومعهم نساءهم وذراريهم وأموالهم ، وكان فيهم دريد بن الصمة المشهور بأصالة الرأي ، فلما سمع أصوات الصبيان والحيوان سأل مالكاً عن ذلك ، فقال : أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم . فقال : راعى ضأن والله ، وهل يرد المنهزم شئ ؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ، وأشار أن يردهم إلى بلادهم ، فلم يقبل مالك رأيه ، وجمعهم في وادي أوطاس ، وانتقل بالمقاتلين إلى وادي حنين ، بجانب وادي أوطاس ، ونصب فيه كمائن ،
وعلم رسول الله -r-بتجمعهم فخرج من مكة يوم السبت السادس من شهر شوال ، ومعه اثنا عشر ألف مقاتل ، واستعار من صفوان بن أمية مائة درع بأداتها ، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد .
وفي الطريق رأى المسلمون سدرة عظيمة كانت تعلق عليها العرب أسلحتهم ، ويذبحون ويعكفون عندها ، يقال لها : ذات أنواط . فقال بعضهم لرسول الله -r-: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال :" الله أكبر . قلتم كما قال قوم موسى لموسى : اجعل لنا آلها كما لهم آلهة . قال : إنكم قوم تجهلون . إنها السنن . لتركبن سنن من كان قبلكم ".
وقال بعضهم نظراً لكثرة الجيش : لن نغلب اليوم . فشق ذلك على رسول الله -r-. ولما كان عشية جاء فارس وأخبره بخروج هوزان بظعنهم ونعمهم وشائهم ، فتبسم وقال : تلك غنيمة المسلمون غداً إن شاء الله ,
وفي الليلة العاشرة من شهر شوال سنة 8هـ وصل رسول الله -r- إلى وادي حنين . فعبأ جيشه سحراً قبل يدخل ، فأعطى لواء المهاجرين لعلي بن أبي طالب ، ولواء الأوس لأسيد بن حضير ، ولواء الخزرج للحباب بن المنذر ، وأعطي ألوية لقبائل أخرى . ولبس درعين والبيضة والمغفر، ثم بدأت مقدمة الجيش تنحدر بالوادي ، وهي لا تعلم بوجود كمائن العدو فيه ، فبينما هي تنحط فيه إذ العدو يمطر عليهم النبال كأنها جراد منتشر ، وشد عليها شدة رجل واحد ، فاضطربت مقدمة الجيش بهذه المفاجأة ، وانكشف عامة من كان فيها من المسلمين ، وتبعهم من كان خلفهم ، فصارت هزيمة عامة .
وسر ذلك بعض المشركين وبعض حديثي العهد بالإسلام ، فقال أبو سفيان : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وقال أخ لصفوان : ألا بطل السحر اليوم . وقال له آخر : أبشر بهزيمة محمد وأصحابه ، فوالله لا يجبرونها أبدا . فغضب عليهما صفوان – وهو مشرك – وعكرمة بن أبي جهل ـ وهو حديث العهد بالإسلام ـ وانتهراهما .
أما رسول الله -r- فثبت في قليل من المهاجرين والأنصار ، وطفق يركض بغلته ليتقدم نحو العدو ، وهو يقول :
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وأخذ أبو سفيان بن الحارث بلجام بغلته ، والعباس بركابه لئلا يسرع نحو العدو ، فنزل رسول الله -r- عن البغلة ودعا ربه واستنصره ، وأمره العباس ، وكان جهوري الصوت ، أن ينادي أصحابه ، فنادى – وملأ الوادي بصوته – ألا ! أين أصحاب السمرة ؟ فعطفوا نحو الصوت عطفة البقر على أولادها ، يقولون لبيك ، لبيك ، حتى إذا اجتمع منهم مائة استقبلوا العدو ، واقتتلوا .
وصرفت الدعوة إلى الأنصار ، ثم إلى بني الحارث بن الخزرج ، وتلاحقت كتائب المسلمين ، واحدة تلو الأخرى ، حتى اجتمع حوله -r- جمع عظيم ، وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ، وأنزل جنوداً لم تروها ، فكر المسلمون واحتدم القتال ، فقال -r- :" الآن حمي الوطيس " وأخذ قبضة من تراب فرمي بها وجوه القوم ، وقال : شاهت الوجوه ، فملأ أعينهم تراباً ، فلم يزل حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً ، حتى تفرقوا وهربوا ، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ،حتى أخذوا النساء والذراري ، وأسروا كثيراً من المحاربين ، وجرح يومئذ خالد بن الوليد جراحات بالغة . وأسلم كثير من مشركي مكة لما رأوا من عناية الله برسوله .
مطاردة المشركين :
ولما هرب المشركون تفرقوا ثلاث فرق . فرقة لحقت بالطائف ، وهم الأكثر ، فرقة لحقت بنخلة . وفرقة عسكرت بأوطاس ، فأرسل رسول الله -r- إلى أوطاس أبا عامر الأشعري ، عم أبي موسى الأشعري – رضي الله عنهما – في جماعة من المسلمين ، فبددهم ، وظفر بما كان معهم من الغنائم ، وقد استشهدوا أبو عامر الأشعري في هذه المعركة ، وخلفه أبو موسى الأشعري -t- فرجع مظفراً منصوراً .
وطاردت طائفة من فرسان المسلمين فلول المشركين المنهزمين إلى نخلة ، فأدركت دريد بن الصمة ، وقتلته .
وأمر رسول الله -r- بجمع الغنائم والسبي ، وكانت نحو أربعة وعشرين ألف بعير ، وأكثر من أربعين ألف شاة ، وأربعة آلاف أوقيه من الفضة ، وستة آلاف سبي ، فجمع ذلك كله بالجعرانة ، وجعل عليها مسعود بن عمرو الغفاري .
غزوة الطائف :
ثم تقدم إلى الطائف ، ومر في الطريق بحصن لمالك بن عوف النصري فأمر بهدمه ، ولما وصل إلى الطائف وجد العدو قد تحصن به ، ومعه قوت سنة ، ففرض عليه الحصار ، وكان المسلمون نازلين قريباً من العدو ، فرشقهم بالنبال حتى أصيب عدد من المسلمون بجراحات ، فارتفعوا إلى محل مسجد الطائف اليوم .
واختار المسلمون عدة تدابير لإرغام العدو على النزول ، ولكنها لم تنجح ، وكان خالد بن الوليد يخرج كل يوم يدعوهم إلى المبارزة ، فلم يخرج منهم أحد ، ونصب عليهم المنجنيق فلم يؤثر . ودخل جمع من أبطال المسلمين تحت دبابتين لينقبوا في جدار الحصن ، فرمى العدو عليهم قطعات من حديد محماة بالنار ، فاضطروا إلى الرجوع ، ولم يتمكنوا من نقب الجدار ، وقطعت أعنابهم ونخيلهم فناشدوا الله والرحم فتركت ، ونادى منادي رسول الله -r- أيما عبد نزل إليها من الحصن فهو حر . فنزل ثلاثة وعشرون عبداً فيهم أبو بكرة – تسور حصن الطائف ، وتدلى منه ببكرة يستقي عليها ، فكناه رسول الله - r - بأبي بكرة - فشق فرار هؤلاء العبيد عليهم .
وطال الحصار دون جدوى – فقد دام حوالي عشرين يوماً . وقيل شهراً كاملاً – فاستشار رسول الله -r- نوفل بن معاوية الديلي ، فقال : هم ثعلب في جحر ، إن أقمت عليه أخذته ، وإن تركته لم يضرك فأمر بالرحيل . وطلب بعض المسلمين أن يدعو عليهم فقال : اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم مسلمين .
تقسيم الغنائم والسبي :
وعاد رسول الله -r- من الطائف إلى الجعرانة . فمكث بها بضعة عشر يوماً لا يقسم الغنائم ، يبتغي أن يقدم هوازن تائبين ، فيحرزوا أموالهم وسباياهم ، فما جاء أحد ، فأخرج الخمس من الغنيمة ، وأعطاها لأناس ضعفاء الإسلام ، يتـألفهم ، ولأناس لم يسلموا بعد ، ليحبب إليهم الإسلام ، فأعطى أبا سفيان أربعين أوقية من الفضة ومائة من الإبل ، وأعطى مثل ذلك لابنه يزيد ، ثم لابنه الآخر معاوية ، وأعطى صفوان بن أمية مائة ثم مائة ثم مائة – أي ثلاثمائة – من الإبل ، وأعطى كلا من حكيم بن حزام ، والحارث بن الحارث بن كلدة ، وعيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، والعباس بن مرداس ، وعلقمة بن علاثة ، ومالك بن عوف ، والعلاء بن الحارثة ، والحارث بن هشام ، وجبير بن مطعم ، وسهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزى وغيرهم مائة مائة من الإبل ، وأعطى آخرين خمسين خمسين ، وأربعين وأربعين حتى شاع بين الناس ان محمداً يعطي عطاء ما يخاف الفقر ، فازدحم الأعراب يطلبون منه ، حتى ألجأوه إلى شجرة ، فتعلق بها رداؤه ،فقال : ردوا علي ردائي ، فوالذي نفسي بيده لو كان لي عدد شجر تهامة نعماً لقسمته عليكم . ثم ما ألفيتموني بخبلاً ولا جباناً ولا كذاباً .
ثم أخذ وبرة من سنام بعير وقال : والله ما لي من فيئكم ، ولا هذه الوبرة ، إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم ، فأدوا الخياط والمخيط ، فإن الغلول يكون على أهله عاراً وشناراً وناراً يوم القيامة ، فرد الناس ما كانوا أخذوه من الغنيمة ، ولو كان شيئاً زهيداً .
ثم أمر زيد بن ثابت بتقسيم الغنيمة ، والذي يصيب الرجل الواحد بعد إخراج الخمس هو حوالي بعير ونصف بعير ، وشاتين ونصف شاة ، وعشرة دراهم ، وثلث السبى الواحد ، فإذا صرف نصيب الرجل إلى أحد هذه الأشياء ، بعد إعطائه عشرة دراهم ، يصير له إما أربعة من الإبل فقط ، وإما أربعون شاة فقط ، وإما ثلثا السبي والواحد فقط .
شكوى الأنصار وخطبة رسول الله -r- ـ:
واستغرب الأنصار ما فعله رسول الله -r- ، حيث أعطى المؤلفة قلوبهم عطايا جزيلة لا تقاس ، ولم يعط الأنصار شيئاً ، فقال بعضهم : إن هذا لهو العجب ، يعطى قريشاً ويتركنا ، وسيوفنا تقطر من دمائهم ، فأبلغه ذلك سعد بن عبادة رئيس الأنصار ، فجمعهم وحدهم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر ما تفضل الله به عليهم ، ثم ذكرهم ما تفضلوا به عليه -r- ثم قال :
"
أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله -r- ، إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت الأنصار ، اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار " .
فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله -r- قسماً وحظاً ، ثم انصرف رسول الله -r- وانصرفوا .
وفــد هـوازن :
وبعد أن تم توزيع الغنائم قدم وفد هوازن ، يرأسه زهير بن صرد ، فأسلموا وبايعوا ، ثم قالوا : يا رسول الله ! إن فيمن أصبتم ، والأمهات والأخوات والعمات والخالات ، وهن مخازي الأقوام : فامنن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وننتظر امنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك تملؤه من محضها الدور
وذلك في جملة أبيات :
فقال : أن معي من ترون ، وإن أحب الحديث إلى أصدقه ، فاختاروا إما السبى وإما المال ، فقالوا : ما كنا نعدل بالأحساب شيئاً ، واردد إلينا نساءنا وأبناءنا ، ولا نتكلم في شاة ولا بعير ، فقال : إنا نستشفع برسول الله -r- إلى المسلمين ، وبالمسلمين على رسول الله -r- أن يرد إلينا سبيبا ، ففعلوا ، فقال -r- : أما ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم ، وسأسأل الناس ، فقال المهاجرون والأنصار : ما كان لنا فهو لرسول الله -r- ، وامتنع بعض الأعراب ، كالأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والعباس بن مرداس . فقال -r- :" من طابت نفسه أن يرد فسبيل ذلك ، وإلا فليرد ، وله بكل فريضة ست فرائض من أول ما يفئ الله إلينا " ، فرد الناس كلهم بطيب أنفسهم إلا عيينة بن حصر ، وكسا النبي -r- السبايا قبطية قبطية .
وبعد رد السبايا لم يبق في نصيب الرجل الواحد إلا بعيران فقط أو عشرون شاة فقط .
عمــرة الجعرانـة :
ولما فرغ رسول الله -r- من قسمة الغنائم أحرم للعمرة – وهي عمرة الجعرانةفاعتمر ، ثم قفل راجعاً إلى المدينة ، فبلغها لست أو ثلاث بقين من ذي القعدة .
تأديب بني تميم ودخولهم في الإسلام :
وفي المحرم سنة 9هـ نقلت الأخبار إلى المدينة بأن بني تميم يحرضون القبائل على منع الجزية ، فأرسل إليهم رسول الله -r- خمسين فارساً بقيادة عيينة بن حصن الفزاري ، فهجم عليهم في الصحراء ، فأسر منهم أحد عشر رجلاً وإحدى وعشرين امرأة وثلاثين صبياً ، وجاء بهم على المدينة ، فجاء عشرة من رؤسائهم ، ورغبوا في المباهاة ، فخطب خطيبهم عطارد بن حاجب فأجابه ثابت بن قيس ، ثم أنشد شاعرهم الزبر قان بن بدر فأجابه حسان بن ثابت ، فاعترفوا بفضل خطيب الإسلام وشاعره فأسلموا . فرد عليهم رسول الله -r-سباياهم ، وأحسن جائزتهم .
هدم فلس بني طيء وإسلام عدي بن حاتم :
وفي شهر ربيع الآخر سنة 9هـ أرسل رسول الله -r- علي بن أبي طالب في مائة وخمسين رجلاً على مائة بعير وخمسين فرساً ليهدم صنم بني طئ المعروف بالفلس ، وكان مع علي -t- راية سوداء ولواء أبيض ، فشن الغارة على محلة حاتم الطائي المعروف بالجود والكرم ، فأصاب نعماً وشاء وسبيا ، وفيها سفانة بنت حاتم الطائي ، فلما جاءوا بها إلى المدينة من عليها رسول الله -r- فأطلقها بغير فدية ، وأكرمها وأعطاها الراحلة ، فذهبت إلى الشام ، وكان أخوها عدي بن حاتم قد هرب إليها ، فقالت له عن رسول الله -r- : لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها ، ائته راغباً أو راهباً ، فجاء عدي بغير أمان ولا كتاب ، فلما كلم رسول الله -r- أسلم مكانه .
وبينا هو عند رسول الله -r- جاء رجل يشكو إليه الفاقة ، ثم جاء آخر يشكو قطع السبيل ، فقال : باعدي ! هل رأيت الحيرة ؟ فلئن طالت بك حياة فلترين الظعينة ترتحل من الحيرة ، حتى تطوف بالكعبة ، لا تخاف أحداً إلا الله ، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى ، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله ، فلا يجد أحداً يقبله منه ، وقد رأى عدي خروج الظعينة ،وحضر في فتح كنوز كسرى .
هذان الحادثان – تأديب بني تميم ، وهدم فلس طئ – من أهم ما وقع بعد فتح مكة وغزوة حنين ، وقد وقع أثناء ذلك بعض الأحداث الطفيفة الأخرى ، ولكن الصراع القائم بين المسلمين والوثنيين كان قد انتهى بعد فتح بصفة عامة ، وكاد المسلمون يستريحون من تعب الحروب وعنائها ، ولكن الذي استجد قبل الفتح بقليل هو اتجاه القوات النصرانية المتمركزة في الشام نحو المسلمين ، والذي كان من نتائجها معركة مؤتة ، وكانت هذه القوات متغطرسة جداً لأجل انتصاراتها المتواصلة ضد الفرس ، ففتحت باب اللقاء الدامي بينهما وبين المسلمين ، وكان من نتائجه غزوة تبوك في حياة النبي -r- ، ثم فتوح الشام في زمن الخلفاء الراشدين .
غــزوة تبـوك
كانت لمعركة مؤته سمعة سيئة للرومان ، وقواتهم ، فقد كان لنجاح المسلمين – وهم ثلاثة آلاف فقط – في درع مائتي ألف من قوات الرومان أثر بالغ في نفوس القبائل العربية المجاورة للشام ، وأخذت هذه القبائل تتطلع إلى الاستقلال ، فرأى الرومان أن يقوموا بغزوة حاسمة يقضون بها على المسلمين في عقر دارهم ، المدينة المنورة .
تهيؤ المسلمين للقاء الرومان :
وسمع رسول الله -r- بتجمعهم واستعدادهم ، فاستنفر المسلمين من كل مكان ، وأعلن عن جهة الغزوة صراحة ، وليأخذ الناس عدتهم الكاملة ، إذ كان الزمان زمان حر شديد ، وكانت الشقة بعيدة ، وكان الناس في عسر وجدب ، وقد طابت الثمار ، والظلال ، فكانوا يحبون المقام فيها .
وحث رسول الله -r- الموسرين على تجهيز المعسرين ، فتقدم المسلمون بما لديهم ، وأول من جاء بماله أبو بكر - t- " جاء بكل ماله ، وهو أربعة آلاف درهم ، فقال - r- : " هل أبقيت لأهلك شيئاً ؟" فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ، وجاء عمر بن الخطاب -t- بنصف ماله ، وأنفق عثمان بن عفان -t- كثيراً ، يقال : عشرة آلاف دينار ، وأعطى ثلاثمائة بعير بإجلاسها وأقتابها ، وأعطى خمسين فرساً ، ويقال : أنه أعطى تسعمائة بعير ومائة فرس ، وقد قال فيه النبي -r- : ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم .
وجاء عبدالرحمن بن عوف بمائتي أوقية ، وجاء العباس بمال كثير ، وجاء طلحة وسعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة وغيرهم بأموال ، وجاء عاصم بن عدي بتسعين وسقاً من التمر ، وتتابع الناس بصدقاتهم ، كل على قدره ، حتى أنفق بعضهم مداً أو مدين ، لم يستطع غيره ، وأرسلت النساء ما قدرن عليه من الحلي .
وجاءه -r- فقراء الصحابة يطلبون أن يحملهم ، فقال : ] لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ [ فجهزهم عثمان والعباس وغيرهما – رضي الله عنهم .
وتكلم المنافقون ، فلمزوا من أنفق الكثير ، وسخروا ممن أنفق القليل ، وسخروا من رسول الله -r- على جرأته على لقاء الرومان ، فلما سئلوا قالوا : إنما كنا نخوض ونلعب ، وجاء المعذرون من المنافقين والأعراب واستأذنوا النبي -r- في التخلف ، محتالين بأعذار شتى فأذن لهم . وتخلف بعض المسلمين المخلصين تكاسلاً .
الجيش الإسلامي إلى تبوك :
واستعمل رسول الله -r- على المدينة محمد بن مسلمة ، وخلف علي بن أبي طالب على أهله ، وأعطى لواءه الأعظم أبا بكر الصديق ، وفرق الرايات على رجال ، فأعطى الزبير راية المهاجرين ، وأعطى أسيد بن حضير راية الأوس ، والحباب بن المنذر راية الخزرج ، وتحرك من المدينة يوم الخميس ، ومعه ثلاثون ألف مقاتل ، يريد تبوك ، وكانت قلة شديدة في الظهر والزاد ، فكان ثمانية عشر رجلاً يتعقبون بعيراً واحداً ، وأكل الناس أوراق الشجر حتى تورمت شفاههم ، واضطروا إلى ذبح البعير ليشربوا ما في كرشه من الماء .
وبينما الجيش في طريقه إلى تبوك إذ لحقه على بن أبي طالب ، سمع طعون المنافقين فلم يصبر حتى خرج ، فرده رسول الله -r- وقل : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي .
وكان الناس قد نزلوا مع رسول الله -r- أرض ثمود – الحجر – فاستقوا من بئرها ، واعتجنوا به ، فأمرهم أن يهريقوا ما استقوا من بئرها ، وأن يعلفوا الإبل العجين ، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة .
ولما مر بتلك الديار – ديار ثمود- قال لهم أيضاً : لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا تكونوا باكين ، أن يصيبكم ما أصابهم ، ثم قنع رأسه ، وأسرع السير ، حتى جاز الوادي .
وفي الطريق كان رسول الله -r- يجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، جمع التقديم والتأخير .
ولما نزل بتبوك لحقه أبو خيثمة ، وكان مؤمناً صادقاً تخلف بغير عذر ، فلما دخل في بستانه – وكان يوماً شديد الحر – وجد زوجتيه قد رشت كل واحدة منها عريشتها ، وهيأت طعاماً وماءً بارداً فقال : رسول الله -r- في الحر ، وأبو خيثمة في ظل بارد ، وماء مهيأ ، وامرأة حسناء ؟ ما هذا بالنصف ، والله لا أدخل عريشة واحدة منكما حتى ألحق برسول الله -r- ، فهيئا لي زاداً ، ففعلتا ، ثم ركب بعيره ، وأخذ سيفه ورمحه ، وخرج يسير حتى صادف رسول الله -r- حين نزل بتبوك .
عشرون يوماً في تبوك :
وعملت الروم بنزول رسول الله -r- في تبوك فخارت عزائمهم ، ولم يجترؤا على اللقاء ، فتفرقوا في داخل بلادهم ، وبقى رسول الله -r- عشرين يوماً يرهب العدو ، ويستقبل الوفود ، وقد جاءه يوحنا بن رؤبة حاكم أيلة ، وصحبته أهل جرباء وأذرح ، وأهل ميناء ، فصالحوه على إعطاء الجزية ، ولم يسلموا ، وكتب رسول الله -r- ليوحنا كتاباً فيه الأمان له ، ولأهل أيلة ، وفيه الذمة لسفنهم وسياراتهم في البحر والبر، وفيه حرية التنقل والنزول ، وأن أحدث حدثاً فلا يحول ماله دون نفسه .
وكتب لأهل جرباء وأذرح كتاباً أعطاهم فيه الأمان ، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب ، وصالحه أهل ميناء على ربع ثمارها .
اسـر أكيـدر دومـة الجندل :
وأرسل رسول الله -r- خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة الجندل ، في أربعمائة وعشرين فارساً ، وقال له : أنك ستجده يصيد البقر ، فسار خالد حتى إذا كان بمنظر العين خرجت بقرة تحك بقرونها باب القصر ، فخرج أكيدر ليصيدها ، فتلقاه خالد في خليه ، وجاء به إلى رسول الله -r- ، فحقن دمه ، وصالحه على ألفي بعير ، وثمانمائة رأس ، وأربعمائة درع ، وأربعمائة رمح ، وأقر بإعطاء الجزية على قضية أيلة وميناء .
العودة إلى المدينة :
وبعد عشرين يوماً تحرك رسول الله -r- إلى المدينة ، وقد استغرق الذهاب والعودة ثلاثين يوماً ، فجملة ما غاب رسول الله -r- عن المدينة خمسون يوماً .
وفي الطريق مر الجيش بعقبة ، فأخذ الناس بطن الوادي ، وسلك رسول الله -r- طريق العقبة ، ولم يكن معه إلا عمار ، وآخذاً بزمام الناقة ، وحذيفة بن اليمان ، يسوقها ، فتبعه اثنا عشر رجلاً من المنافقين يريدون اغتياله ، واقتربوا منه جداً ، وهم ملتثمون ، فعبث رسول الله -r-إليهم حذيفة ، ليضرب وجوه رواحلهم بمحجن كان معه ، فضربها ، فأرعبهم الله ، وأسرعوا بالفرار حتى لحقوا بالقوم ، وأخبر رسول الله -r- حذيفة بأسمائهم ، وبما أراده ، فسمى بصاحب سر رسول الله -r- .
هدم مسجد الضرار :
وكان المنافقون قد بنوا بقباء مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله ، وطلبوا من رسول الله -r- أن يصلي لهم فيه ، وذلك عندما كان يستعد للخروج إلى تبوك ، فقال : إنا على سفر ، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله ، فلما كان في مرجعه من تبوك ، ونزل بذي أوان ، وليس بينه وبين المدينة إلا يوم أو بعض يوم ، نزل جبريل عليه السلام بخبر المسجد ، فبعث رسول الله -r- من أحرقه وهدمه .
استقبال رسول الله -r- من قبل أهل المدينة :
ولما لاحت للنبي -r- معالم المدينة قال : " هذه طابة ، وهذا أحد ، جبل يحبنا ونحبه " . وتسامع الناس بمقدمه ، فخرج النساء والصبيان ، والولائد يستقبلونه وينشدون :
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
حتى دخل -r- المسجد فصلى فيه ركعتين وجلس للناس .
المخـلفــون :
وجاء المتخلفون من المنافقين يعتذرون ويحلفون ، فقبل علانيتهم ، ووكل سرائرهم إلى الله ، وجاء ثلاثة من المؤمنين الصادقين ، وكانوا قد تخلفوا عنه ، وهم كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية ، فصدقوا ، ولم يعتذروا ، فأمرهم أن ينتظروا حتى يقضي الله فيهم ، وأمر المسلمين أن لا يكلموهم ، فتغير لهم الناس ، وتنكرت لهم الأرض ، وضاقت عليهم أنفسهم ، وأظلمت عليهم الدنيا ، فلما تم على ذلك أربعون يوماً أمرهم أيضاً أن لا يقربوا نساءهم ، حتى إذا تم خمسون يوماً أنزل الله توبتهم فقال : {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } .
ففرح المسلمون ، واستبشر المخلفون ، فبشروا وأبشروا ، وأجازوا وتصدقوا ، وكان أسعد يوم في حياتهم .
ونزلت آيات فضحت المنافقين ، وكشف سرائر الكاذبين ، وبشرت المؤمنين الصادقين ، فالحمد لله رب العالمين .
كان رجوعه -r- عن تبوك في شهر رجب سنة 9هـ ، وتوفي النجاشي أصحمة بن الأبجر ملك الحبشة في شهر ، فصلى عليه رسول الله -r- صلاة الغائب في المدينة .
ثم توفيت ابنته أم كلثوم – رضي الله عنها – في شهر شعبان سنة 9هـ فصلى عليها ودفنها بالبقيع ، وحزن عليها حزناً شديداً ، وقال لعثمان بن عفان - t- :" لو كانت عندي ثالثة لزوجتكها
وفي ذي القعدة سنة 9هـ توفي رأس النافقين عبدالله بن أبي ، فاستغفر له رسول الله -r- وصلى عليه ، وقد حاول عمر -t- أن يمنعه عن الصلاة عليه فأبى ، ثم نزل القرآن ينهى عن الصلاة على المنافقين .
كلمــة حــول الغـزوات
كانت كلمة الحرب تعني في الجاهلية القتل والفتك والإحراق والتدمير والنهب والسلب وهتك الأعراض والإفساد في الأرض ، وإهلاك الحرث والنسل دون رحمة ولا هوادة ، فلما جاء الإسلام غير هذا المعنى تغييراً تاماً ، فجعل الحرب سبيلاً لنصرة المظلومين ، وكبت الظالمين ، ووسيلة لبسط الأمن والسلام على الأرض ، وذريعة لإقامة العدل ، وإنقاذ الضعفاء من براثن الأقوياء ولإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .
ولم تكن من شيمة العرب أن يخضعوا لأحد ، مهما طال القتال ، ومهما غلا الثمن ، فقد دام القتال بين بكر وتغلب في حرب البسوس أربعين عاماً ، وكانت ضحيتها حوالي سبعين ألف مقاتل ، ولم يخضع أحدهما للآخر ، ودامت حروب الأوس والخزرج أكثر من مائة عام ، ولم يخضع أحدهما للآخر ، فهذه هي شيمة العرب قبل الإسلام : مواصلة الحروب ، وعدم الخضوع للعدو .
ثم جاء النبي -r- بالإسلام فواجهته العرب بنفس الأسلوب ، وجروه إلى ساحة القتال ، ولكنه واحههم بأسلوب آخر حكيم ، حتى فتح قلوبهم قبل أن يفتح بلادهم ، وإذا قارنت حصائد غزواته ونتائجها بنتائج حروب الجاهلية ترى عجباً عجباً ، فمجموع من قتل في جميع غزواته وحروبه -r- من المسلمين والمشركين واليهود والنصارى هم في حدود ألف قتيل فقط ، والمدة التي استغرقتها هذه الغزوات لا تزيد على ثمانية أعوام ، ولكنه في هذه الفترة القليلة ، وبإهراق هذا القدر القليل من الدم أخضع الجزيرة العربية كلها تقريباً ، وبسط الأمن والسلام في أقصى ربوعها وأرجائها ـ أترى أن هذا يمكن بقوة السيف ؟ ولا سيما بالنسبة لأولئك الذين كانوا يتفانون في الحروب لأمور تافهة ، ويضحون بالآلاف بعد الآلاف دون أن يتصور منهم الخضوع ؟ كلا . بل إنها نبوة ورحمة ، ورسالة وحكمة . ودعوة ومعجزة ، وفضل من الله ونعمة .
حج أبي بكر الصديق – رضي الله عنه -
كان العرب يزعمون أنهم على دين إبراهيم – عليه السلام – ومن الشعائر التي كانوا متمسكين بها من هذا الدين حج البيت الله الحرام ، فكانوا يقيمون الحج كل عام ، ويهتمون به أيما اهتمام ، وكانوا قد أدخلوا فيه عدداً من البدع والتغييرات ، فلما فتح رسول الله -r- مكة سنة ثمان وأمر عليها عتاب بن أسيد قام عتاب بالحج ، فحج معه المسلمون والمشركون كما كانوا يحجون في الجاهلية ، لم يغير منه شئ ، فلما كان عام القابل – العام التاسع من الهجرة – أرسل رسول الله -r- أبا بكر الصديق -t- أميراً على الحج ، ليقيم بالناس المناسك ، فخرج في أواخر ذي القعدة سنة 9هـ في ثلاثمائة من أهل المدينة ، ومعه عشرون بدنة لرسول الله -r- ، وخمس لنفسه .
ثم نزلت أوائل سورة براءة بنبذ العهد لجميع المشركين الذين لم يوفوا بعودهم ، وأن يمهل هؤلاء ومن لا عهد له أربعة أشهر ، يسيحون خلالها في الأرض كيفما يشاءون ، حتى يعلموا أنهم غير معجزي الله وأن الله مجزي الكافرين ، وأمر بإتمام العهود إلى مدتها للمشركين الذين ينقضوها ، ولم يظاهروا على المسلمين أحداً .
فأرسل بها النبي -r- علي بن أبي طالب ليبلغها الناس يوم الحج الأكبر ، وقال : لا يبلغ عني إلا رجل مني ، فلحق علي أبا بكر بضجنان أو بالعرج ، فقال له أبو بكر : أمير أو مأمور ؟ قال : مأمور . فكان يصلي وراء أبي بكر .
وأقام أبو بكر -t- للناس حجهم ، فلما كان يوم النحر قام علي - t- عند الجمرة فقرأ على الناس أوائل سورة براءة ، وفيها ما سبق من نبذ العهود ، والإمهال ، والإتمام ، وبعث أبو بكر - t- رجالاً ينادون : ألا لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .
الوفــود والدعـاة والعمال
كان العرب ينتظرون نتيجة الصراع القائم بين قريش والنبي -r- ، وكانوا يعتقدون أن الباطل لا يمكن أن يسيطر على المسجد الحرام بالقوة والفتح ، ولم تكن قصة أصحاب الفيل عنهم ببعيدة ، فلما أكرم الله رسوله -r- بإدخاله في المسجد الحرام ، وبتسليطه على كفار مكة ، ولم يبق عندهم أدنى شك في كونه رسولاً حقاً ، فبدأت القبائل العربية تتوافد إليه تترى . تؤمن برسالته وتقر بطاعته ، وأخذ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً . وخلال فترة قصيرة اتسعت رقعة الدولة الإسلامية من ساحل البحر الأحمر إلى ساحل الخليج العربي ، ومن مناطق جنوب الأردن ومشارف الشام إلى سواحل اليمن وعمان ، وأخذ النبي -r- ينظم أمور هذه البلاد الشاسعة ، فيرسل الدعاة وينصب الولاة ، ويبعث جباة الصدقات ، ويوفر ما يحتاج إليه نظام العباد والبلاد من القضاة والعمال ، وسنمر بشئ من كل ذلك حسب المقام قريباً إن شاء الله .
والوفود التي توافدت إلى رسول الله -r- يزيد عددها على سبعين وفداً ، حسب ما ذكره عامة أهل السير ، وقد حاول بعض أهل العلم استقصاء هذه الوفود – سواء ثبتت الرواية بها أو لم تثبت – فأبلغها قريباً من مائة وفد .
وكانت الوفادة إليه -r- قد بدأت قبل الفتح ، وقد توافد إليه البعض في أوائل سنوات الهجرة ، بل قد جاءه بعض الوفود قبل الهجرة ، إلا أن الوفادة العامة ، وفي صورة متوالية مستمرة إنما وقعت بعد الفتح في السنة التاسعة ، وقد امتدت إلى السنة العاشرة ، بل وإلى ما بعدها أيضاً ، ولذلك سميت السنة التاسعة بسنة الوفود .
ومعظم هذه الوفود كان أعضاؤها سادات القبائل ، ورؤساءها ، ورجالا من أهل الحل والعقد منها ، وربما توافد الرجل وحده ، أو توافد ومعه رهط صغير .
أما الغرض المطلوب من الوفادة فكان يختلف من وفد على وفد ، فمنهم من جاء يريد رد السبايا والمأخوذين ، كما تقدم في وفد هوازن ، ووفد تميم ، ومنهم من جاء يريد الأمان لنفسه فقط ، أو لنفسه وقومه كليهما ، ومنهم من جاء يفاخر ويباهي ، أو يناظر ويجادل ، ومنهم من جاء يطلب رد الجيش الإسلامي كيلا يهجم على قومه ، ومنهم من جاء يقر بالطاعة والجزية ، ومنهم من جاء يبدي رغبته في الإسلام ، ويبدى رجاء ذلك من قومه ، ومنهم من جاء مسلماً طائعاً ممثلاُ لقومه ، يرغب في معرفة تعاليم الإسلام وأحكامه .
وكان رسول الله -r- يقابل هذه الوفود بما جبله الله عليه من البشاشة وكرم الأخلاق ، فيجيزهم بما يرضيهم ، ويرغبهم في الإسلام ، ويعلمهم الإيمان والشرائع ليعلموا من وراءهم ، وكانت هذه الوفود أعظم وصلة لإظهار الدين بين الأعراب في البوادي ، فقد كانت نتائج هذه الوفادات ، مع تنوعها واختلاف أغراضها ، إسلام المتوافدين ، ثم إسلام قومهم عاجلاً أو بعد فترة قصيرة ، ولم يشذ عن ذلك إلا البعض فقط ، مثل بني حنيفة ومسيلمة الكذاب ، وفيما يلي تذكر بعض الوفود المهمة .
وفد عبد القيس :
كانوا من سكان شرق الجزيرة العربية ، ومن أول من أسلم خارج المدينة ، فإن أول مسجد أقيمت فيه الجمعة بعد مسجد رسول الله -r- هو مسجدهم بقرية جواثي بالبحرين ، وقد توافد بنو عبد القيس مرتين ، مرة في السنة الخامسة من الهجرة ، ومرة في سنة الوفود ، والوافدون في المرة الأولى كانوا ثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلاً ، فلما وصلوا المدينة ورأوا النبي -r- رموا بأنفسهم عن الركائب بباب المسجد ، وتبادروا إليه يسلمون عليه ، وكان فيهم عبدالله بن عوف الأشج ، وكان أصغرهم سناً ، فتخلف عند الركائب حتى أناخها ، وجمع المتاع ، وأخرج ثوبين أبيضين فلبسهما ، ثم جاء هونا حتى سلم على رسول الله -r- ، فقال له رسول الله -r- :" إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة " .
وكان النبي-r- قد قال قبل وصولهم إلى المدينة : سيطلع عليكم ركب هم خير أهل المشرق ، لم يكرهوا على الإسلام ، وقد أنضوا الركائب ، وأفنوا الزاد ، اللهم اغفر لعبد القيس . فلما جاؤوه قال ": مرحبا بكم غير خزايا ولا ندامى ".
سألوه عن أمر فصل يعملون به ، ويخبرون به من وراءهم ، فأمرهم بأربع :
شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله .
وإقام الصلاة .
وإيتاء الزكاة .
وصوم رمضان .
ولم يكن قد فرض الحج إذ ذاك فلم يأمر به ، وطلب منهم أن يعطوا من المغنم الخمس ، ونهاهم عما يسكر من الأشربة ، وكانوا يكثرون منها ، ونهاهم أيضاً عن الأواني التي كانوا ينتبذون فيها .
أما الوفادة الثانية فكان فيها أربعون رجلاً ، فيهم الجارود بن العلاء العبدي ، كان نصرانياُ فأسلم ، وحسن إسلامه .
وفود ضمام بن ثعلبة من بني سعد بن بكر :
كان رجلاً جافياً من أهل البادية ، ذا غديرتين ، وقدم المدينة فأناخ بعيره في المسجد ، وعقله ، ثم قال : أيكم ابن عبدالمطلب ؟ فدلوه عليه -r- ، فدنا منه وقال : يا محمد ! إني سائلك ، فمشدد عليك في المسألة ، فلا تجد علي في نفسك ، فقال :" سل ما بدا لك ".
فقال : أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك .
قال : " صدق "
قال : فمن خلق السماء ؟ قال :" الله " . قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : "الله" . "قال" : فمن نصب هذه الجبال ، وجعل فيها ما جعل ؟ قال :"الله "
قال : فبالذي خلق السماء ، وخلق الأرض ، ونصب هذه الجبال ، الله أرسلك ؟ قال :" نعم " .
قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا ، قال : " صدق " . قال : فبالذي أرسلك . آلله أمرك بهذا ؟ قال :" نعم " .
قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا ، قال :" صدق " . قال : فبالذي أرسلك . آلله أمرك بهذا ؟ قال :" نعم " . قال : فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا ؟ قال : " نعم "
قال : وزعم رسولك أن علينا صوم رمضان في سنتنا ، قال : " صدق " قال : فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا ؟ قال : " نعم "
قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً . قال : " صدق "
[
قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ قال : " نعم " ] .
ثم ولى . فقال : والذي بعثك بالحق ، ولا أزيد عليهن ، ولا أنقض منهن . فقال النبي -r- :
"
لئن صدق ليدخلن الجنة " .
ولما رجع إلى قومه وقد خلع الأنداد ، وأخبرهم بما أمرهم به ونهاهم عنه رسول الله -r- ، ما أمسى من قومه رجل ولا امرأة إلا مسلماً ، وبنوا المساجد ، وأذنوا بالصلاة ، فلم يكن وافد أفضل من ضمام بن ثعلبة .
وفد عذرة وبلى :
وفي شهر صفر سنة 9هـ قدم اثنا عشر رجلاً بني عذرة ، وذكروا قرابتهم من قصي ، ونصرتهم له في إخراج بني بكر وخزاعة من مكة ، فرحب بهم النبي -r- ، وبشرهم بفتح الشام ، ونهاهم عن السؤال الكاهنة ، وذبائح النصب ، وقد أسلموا وأقاموا أياماً ثم رجعوا .
وعلى إثرهم جاء وفد بلى – وفي ربيع الأول سنة 9هـ فأسلموا وأقاموا ثلاثاً ثم رجعوا .
وفد بني أسد بن خزيمة :
قدم عشرة منهم في أول سنة تسع ، ورسول الله -r- في المسجد مع أصحابه ، فسلموا ، وقال متكلمهم : يا رسول الله ! إنا شهدنا أن الله وحده لا شريك له ، وأنك عبده ورسوله ، وجئناك يا رسول الله ولم تبعث إلينا بعثاً ، فأسلمنا ولم نقاتلك ، كما قاتلك بنو فلان ، ونحن لمن وراءنا سلم ، فأنزل الله : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .
وسألوه عما كانوا يفعلونه في الجاهلية من العيافة ، وهي زجر الطير – والكهانة ، وضرب الحصباء ، فنهاهم عن ذلك ، وسألوه عن الرمل ، فقال : علمه نبي ، فمن صادف مثل علمه فذاك وإلا فلا . ومعلوم أن المصادفة مستحيلة المعرفة ، وكل هذه الأعمال من التخرص على الغيب ، ومكث أهل الوفد أياماً يتعلمون الفرائض ، ثم انصرفوا وقد أجيزوا .
وفـد تجيب :
تجيب فرع من قبيلة كندة . وقد جاء هؤلاء بصدقات قومهم مما فضل عن فقرائهم ، فسر بهم رسول الله -r- ، وأكرم مثواهم ، وقال أبوبكر -t- -: ما قدم علينا وفد من العرب مثل هذا ، فقال -r- :" إن الهدى بيد الله فمن أراد به خيراً شرح صدره للإيمان " .
وكانوا يسألون عن القرآن والسنن يتعلمونها ، ثم أرادوا الرجوع فأجازهم رسول الله -r- بأفضل ما كان يجيز به الوفود ، وسألهم هل بقى منهم أحد ، قالوا : غلام خلفناه في رحلنا ، هو أحدثنا سنا ، قال : أرسلوه فأقبل وقال : يا رسول الله ! أنا من الرهط الذين أتوك آنفا ، فقضيت حاجتهم فاقض حاجتي . قال : وما حاجتك ؟ قال : تسأل الله أن يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي . فدعا له بذلك ، وأمر له بمثل جائزة أصحابه ، فكان أقنع الناس ، وثبت في الردة على الإسلام ، ووعظ قومه فثبتوا عليه .
وفد بني فزارة :
جاء هذا الوفد بعد مرجعه -r- من تبوك ، في بضعة عشر رجلاً ، مقرين بالإسلام ، وهم مسنتون ، فسألهم النبي -r- عن بلادهم فشكوا جدبها ، وقالوا : فادع الله لنا ربك يغيثنا ، واشفع لنا إلى ربك ، وليشفع لنا ربك إليك ، فقال : سبحان الله ، ويلك هذا ، أنا أشفع إلى ربي ، فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه ؟ لا إله إلا هو العلي العظيم ، وسع كرسيه السماوات والأرض ، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الحديث . ثم صعد المنبر ، ودعا الله ، حتى أغاثهم بالمطر الغزير والرحمة التامة .
وفــد نجــران :
نجران منطقة كبيرة على حدود اليمن ، طولها مسيرة يوم للراكب السريع ، كانت تشمل على ثلاث وسبعين قرية ، فيها عشرون ومائة ألف مقاتل ، كلهم على دين النصارى ، فكتب رسول الله -r- إلى أسقفهم يدعوهم إلى الإسلام ، فلما قرأ الكتاب فزع ، واستشار خاصتهم ثم عامتهم ، فاستقر رأيهم على إرسال وفد يعالج القضية ، فأرسلوا وفداً يتكون من ستين رجلاً ، فجاؤوا النبي -r- وقد لبسوا حللاً من حبرة يجرونها ، وأردية من حرير ، وخواتيم من ذهب ، فلم يكلمهم رسول الله -r- ، فأشار عليهم بعض كبار الصحابة أن يغيروا حللهم ، ويضعوا خواتيمهم ، ففعلوا ، فكلمهم رسول الله -r-، ودعاهم إلى الإسلام ، فأبوا ، وقالوا : كنا مسلمين قبلكم . فقال لهم رسول الله -r- : يمنعكم عن الإسلام ثلاث : عبادتكم الصليب . وأكلكم لحم الخنزير . وزعمكم أن لله ولداً .
قالوا : فمن مثل عيسى ؟ خلق من غير أب . فأنزل الله في ذلك : إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ{59} الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ{60} فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ{61} .
فتلاها عليهم رسول الله -r- ودعاهم إلى المباهلة ، فطلبوا منه فرصة ، واستشاروا فيما بينهم ، فقالوا : إن كان نبياً ولا عناه لا يبقى منا شعر ولا ظفر إلا هلك ، فرضوا بإعطاء الجزية . وهي ألف حلة في صفر ، وألف حلة في رجب ، مع كل حلة أوقية ، وجعل لهم الذمة والأمان ، والحرية في الدين ، ثم قالوا : أرسل معنا رجلاً أميناً ، فأرسل معهم أبا عبيدة عامر بن الجراح ، فسمى بأمين هذه الأمة ,
وفي عودتهم إلى نجران أسلم اثنان منهم ، ثم بدأ الإسلام يفشو فيهم حتى أسلم جمع منهم .
وفد أهل الطائف :
سبق أن النبي -r- حاصر أهل الطائف بعد غزوة حنين ، ثم تركهم في أماكنهم ، ورجع ، فلما رجع تبع أثره عروة بن مسعود الثقفي حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة ، فأسلم ، ثم رجع ودعا قومه إلى الإسلام – وكان أحب إليهم من أبكارهم ، فظن أنهم يطيعونه – فرموه بالنبل من كل جانب حتى قتلوه ، ثم ائتمروا بينهم ، ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ، فبعثوا عبد ياليل بن عمرو ، ومعه خمسة آخرون من أشرافهم ، وذلك في رمضان سنة 9هـ فلما قدموا المدينة ضرب عليهم رسول الله -r- قبة في ناحية المسجد ليسعوا القرآن ، ويروا الناس إذا صلوا .
ومكثوا يختلفون إلى رسول الله -r- ، يدعوهم إلى الإسلام ، وهم لا يسلمون ، حتى طلبوا منه أن يسمح لهم بالزنا وشرب الخمر وأكل الربا ، وأن لا يهدم اللات ، ويعفيهم عن الصلاة ، وأن لا يكسروا أصنامهم بأيديهم ، فأبى ، وأخيراً رضخوا له ، وأسلموا واشترطوا أن يتولى هو بهدم اللات ، وأن ثقيفاً لا يهدمونها بأيديهم أبداً . فقبل ذلك .
وكان عثمان بن أبي العاص الثقفي أصغرهم سناً ، فكانوا يختلفونه في رحالهم ، فكان إذا رجعوا يذهب إلى النبي -r- يستقرؤه القرآن ، وإذا رأه نائماً استقرأ أبا بكر ، حتى حفظ شيئاً كثيراً من القرآن ، وهو يكتم ذلك عن أصحابه ، فلما أسلموا أمره عليهم رسول الله -r- لحرصه على الإسلام وقراءة القرآن وتعلم الدين .
ورجع الوفد إلى قومه عنهم إيمانه ، وخوفهم الحرب والقتال ، وقالوا : جئنا رجلاً فظاً غليظاً قد ظهر بالسيف ، ودان له الناس ، فعرض علينا أموراً شديدة ، وذكروا ما تقدم من ترك الزنا والخمر والربا وغيرها ، وإلا يقاتلهم ، فأخذتهم النخوة ، واستعدوا للقتال يومين أو ثلاثة أيام ، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب فقالوا للوفد : ارجعوا فأعطوه ما سأل . فقال الوفد : قد قاضيناه وأسلمنا فأسلم ثقيف .
وبعث رسول الله -r- خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة الثقفي في رجال إلى الطائف ليهدموا اللات ، فكسروها وهدموا بنيانها .
وفد بني عامر بن صعصعة :
كان في هذا الوفد عدو الله عامر بن الطفيل الذي غدر بأصحاب بئر معونة ، وأربد بن قيس وجابر بن أسلم ، وكانوا رؤساء القوم وشياطينهم ، وقد تأمر عامر وأربد بن قيس على اغتيال النبي -r-، فلما قدموا المدينة دعاهم رسول الله -r- إلى الإسلام ، فقال عامر- وهو المتكلم عن الوفد -: أخيرك بين خصال ثلاث : يكون لم أهل السهل ولي أهل المدر . أو أكون خليفتك من بعدك ، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر ، وألف شقراء . فرفض رسول الله -r- كل ذلك ، وقال : اللهم اكفني عامراً واهد قومه .
ودار أربد ، وحينما كان عامر يتكلم ، خلف النبي -r- ، واخترط سيفه شبراُ ، ثم حبس الله يده فلم يقدر على سله .
فلما رجعوا وكانوا ببعض الطريق نزل عامر عند امرأة من قومه من بني سلول ، ونام في بيتها ، فبعث الله عليه الطاعون ، وأخذته غدة في حلقه ، فقال : أغدة كغدة البعير ، وموت في بيت سلولية ؟ ائتوني بفرسي ، فركب فمات على فرسه .
وأما أربد فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتها ، وفي ذلك أنزل الله تعالى : ] وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [ .
وقد روى قصتهما موئلة بن جميل الصحابي – أحد رجال قبيلتهما بني عامر – وكان هو أيضاً قد أتى النبي-r- فأسلم وهو ابن عشرين سنة ، وبايعه ، ومسح يمينه ، وساق إبله إلى رسول الله -r- فصدقها بنت لبون ، ثم صحب بعده أبا هريرة ، وعاش في الإسلام مائة سنة ، وكان يسمى ذا اللسانين لأجل فصاحته .
وفد بني حنيفة :
كانت وفادتهم سنة 9هـ وكانوا سبعة عشر رجلاً ، فيهم مسيلمة الكذاب ، ونزلوا في بيت رجل من الأنصار ، ثم جاءوا النبي -r-فأسلموا ، أما مسيلمة فيقال : إنه أيضاً أسلم معهم ، ويقال : إنه تخلف ولم يحضر ، وقال : إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته .
وكان النبي -r- قد أري قبل ذلك في المنام أنه أتي بخزائن الأرض ، فوقع في يديه سواران من ذهب ، فكبروا عليه وأهماه ، فأوحى إليه أن انفخهما ، فنفخهما فذهبا ، فأولهما كذابين يخرجان من بعده .
فجاء رسول الله - r- مسيلمة ، وفي يده - r- قطعة من جريد ، ومعه ثابت بن قيس ، فوقف عليه في أصحابه ، فكلمه ، فقال له مسيلمة : إن شئت خلينا بينك وبين الأمر ، ثم جعلته لنا بعدك ، فقال : لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكما ، ولن تعدو أمر الله فيك ، ولئن أدبرت ليعقرنك الله . والله إني لأراك الذي أريت فيه ما أريت . وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني ، ثم انصرف .
ورجع الوفد فلبث مسيلمة يسيراً ثم ادعى أنه أشرك في الأمر مع النبي -r- وادعى النبوة ، ولفق السجعات ، وأحل لقومه الخمر والزنا ، وافتتن به قومه ، وتفاقم أمره ، حتى توفي رسول الله -r- وهو على ذلك ، فازداد قومه افتتاناً به ، فأرسل إليه أبو بكر -t- الجيوش بقيادة خالد بن الوليد ، فجرت بينه وبين المسلمين حروب شديدة ، قتل فيها مسيلمة ومعظم جنوده ، وقضي على فتنته ، وكان الذي قتله وحشي بن حرب قاتل حمزة – رضي الله تعالى عنه -.
أما الكذاب الثاني الذي أريه النبي -r- فهو الأسود العنسي ، وسنأتي على ذكره .
وفود رسول ملوك حمير ، وبعث معاذ بن جبل ، وأبي موسى الأشعري :
وبعد مرجعه -r- من تبوك قدم مالك بن مرة الرهاوي ، يحمل معه كتاب ملوك حمير ، وهم : الحارث بن عبد كلال ، ونعيم بن عبد الكلال ، والنعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان . وكانوا قد أسلموا وأرسلوه بذلك ، فكتب إليهم رسول الله -r- كتاباً بين لهم فيه ما لهم وما عليهم ، وأعطى الذمة للمعاهدين .
ثم أرسل إليهم معاذ بن جبل في رجال من أصحابه ، على الكورة العلياء من جهة عدن بين السكون والسكاسك ، وكان قاضياً وحاكماً في الحروب ، وعاملاً على أخذ الصدقة والجزية ، ويصلي بهم الصلوات الخمس ، وبعث أبا موسى الأشعري -t- على الكورة السفلى ، زبيد ومأرب وزمع والساحل ، وقال : يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا ، وتطاوعا ولا تختلفا .
وقد مكث معاذ باليمن حتى توفي رسول الله -r-، أما أبو موسى الأشعري - t- فقدم عليه -r- في حجة الوداع .
وفد همدان وبعث خالد وعلي :
همدان قبيلة مشهورة باليمن ، وقد وفدها سنة 9هـ بعد مرجعه -r- من تبوك ، وفيهم مالك بن النمط ، وكان شاعراً مجيداً ، فقال :
حلفت برب الراقصات إلى منى صوادر بالركبان من هضب قردد
بأن رسول الله فينا مصدق رسول أتى من عند ذي العرش مهتد
فما حملت من ناقة فوق رحلها أشـد علـى أعدائـه مـن محمـد
فكتب لهم رسول الله -r-كتاباً وأقطعهم فيه ما سألوه ، واستعمل مالك ابن النمط على من أسلم من قومه ، ثم بعث خالد بن الوليد يدعو بقيتهم إلى الإسلام ، فمكث فيهم ستة أشهر ولم يسلموا ، ثم بعث إليهم علي بن أبي طالب ، وأمره أن يقفل خالداً ففعل ، وقرأ عليهم كتاباً لرسول الله -r- ، ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا ، فكتب البشارة إلى رسول الله -r- فخر ساجداً . ثم رفع رأسه فقال :" السلام على همدان ، والسلام على همدان ".
وفد بني عبد المدان :
ثم بعث رسول الله -r- خالد بن الوليد في ربيع الآخر سنة 10هـ إلى بني عبد المدان بنجران من أرض اليمن ليدعوهم إلى الإسلام ثلاثة أيام ، فإن أبوا قاتلهم ، فلما قدم إليهم بعث الركبان في كل وجه ، يدعون إلى الإسلام ، وكتب بذلك إلى رسول الله -r- ، فأرسل إليه أن يقدم بوفدهم ففعل ، ولما اجتمعوا به -r- قال لهم : بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟ قالوا : كنا نجتمع ولا نتفرق ، ولا نبدأ أحداً بظلم ، قال : صدقتم ، وأمر عليهم قيس بن الحصين . ورجعوا إلى قومهم في بقية شوال أو صدر ذي القعدة . ثم أرسل إليهم عمرو بن حزم ليفقههم في الدين ، ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام ، ويأخذ منهم صدقاتهم وكتب له كتاباً . وهو كتاب مشهور جداً .
إسلام بني مذحج :
وهي أيضاً قبيلة يمانية ، أرسل إليهم رسول الله -r- علي بن أبي طالب في رمضان سنة 10هـ ليدعوهم إلى الإسلام ، وأمره أن لا يقاتلهم حتى يقاتلوه ، فلما انتهى إليهم ، ولقي جموعهم دعاهم إلى الإسلام ، فأبوا ورموا المسلمين بالنبل ، فصف على مع أصحابه ، وقاتلهم حتى هزمهم ، فكف عن طلبهم قليلاً ، ثم لحقهم ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا ، وبايعه رؤساؤهم ، وقالوا : نحن على من وراءنا من قومنا ، وهذه صدقاتنا ، فخذ منها حق الله ، ففعل ، ثم رجع إلى رسول الله -r- فوافاه بمكة في حجة الوداع .
وفد أزد شنوءة :
هي أيضاً قبيلة مشهورة في جهة اليمن ، توافدوا برئاسة صرد بن عبدالله الأزدي ، فأسلموا ، فأمره عليهم ، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من يليه من أهل الشرك .
وفود جرير بن عبدالله البجلي وهدم ذي الخلصة :
وقدم على رسول الله -r- جرير بن عبدالله البجلي ، وهو من مشاهير الصحابة ، وكان لقبيلته بجيلة وخثعم صنم ومعبد كبير يسمونه ذا الخلصة ، يضاهون به الكعبة ، فكانوا يقولون للكعبة الكعبة الشامية ، ولمعبدهم الكعبة اليمانية ، فقال رسول الله -r- يوماً لجرير : ألا تريحني من ذي الخلصة ؟ فشكا إليه أنه لا يثبت على الخيل ، فضرب بيده الكريمة في صدره وقال : اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً ، فلما يسقط بعد ذلك عن فرس .
ونفر جرير إلى ذي الخلصة في خمسين ومائة راكب من قومه أحمس – فرع من بجلية – فخرب ذلك البيت ، وأحرقه ، وتركه مثل الجمل الأجرب ، وبعث أبا أرطاة إلى رسول الله -r- يبشره بذلك ، فدعا رسول الله -r- بالبركة لخيل أحمس ورجالها ، خمس مرات .
ظهور الأسود العنسي وقتله :
وبينما استتب الأمن والإسلام في اليمن ، وعمال رسول الله -r- متوافرون في جميع جهاته إذ ظهر الأسود العنسي من بلدة كهف حنان في سبعمائة مقاتل ، يدعي لنفسه النبوة والأمر ، وتقدم إلى صنعاء واحتلها ، ثم تفاقم أمره ، واشتدت فتنته ، وقوي ملكه ، حتى انحاز عمال رسول الله -r-إلى أرض الأشعريين ، وعامله المسلمون بالتقية ، واستمر ذلك ثلاثة أشهر ، أو أربعة أشهر ، ثم احتال عليه فيروز الديلمي وزملاؤه من الفرس ، وكانوا قد أسلموا ، فقتله فيروز ، واحتز رأسه ، ورماه خارج الحصن فانهزم أصحابه ، وظهر الإسلام وأهله ، وتراجع نواب رسول الله -r- إلى أعمالهم ، وكتبوا بذلك إليه -r- .
وكان قتله قبل وفاة النبي -r- بيوم وليلة ، فأتاه الوحي ، فأخبر به أصحابه ، ثم وصل الكتاب في زمن أبي بكر الصديق - t - .
حجة الـوداع
ولما تم إبلاغ الدعوة في أنحاء الجزيرة العربية ، وأوجد الله طائفة من المؤمنين تكفل بحفظها وبإبلاغها إلى أقصى أرض الله ، قدر الله أن يري رسول الله -r- ثمار جهده المتواصل قبل أن ينتقل إلى الله ، فأكرمه الله بحج بيته المكرم في ذي الحجة سنة 10هـ .
ولما أراد -r- الحج أذن به في الناس ، فاجتمع بالمدينة بشر كثير ، فلما كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة وهو اليوم السادس والعشرون منه ، ترجل وادهن ، ولبس إزاره ورداءه ، وانطلق من المدينة بعد صلاة الظهر ، حتى بلغ ذا الحليفة قبل أن يصلي العصر ، فصلاها بها ركعتين ، ثم بات بها ، فلما أصبح قال : أتاني الليلة آت من ربي ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل عمرة في حجة ، وكان هذا إباحة للعمرة في أيام الحج ، وكان أهل الجاهلية يرونها من أفجر الفجور .
ثم اغتسل رسول الله -r- قبل الظهر ، وتطيب في رأسه وبدنه بطيب فيه مسك . ثم لبس إزاره ورداءه ، ثم صلى الظهر ركعتين ، وأهل بالحج والعمرة في مصلاه ، وقرن بينهما ، فقال : " اللهم لبيك عمرة وحجاً ، ثم لبى : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ". وكان أحياناً يقول :" لبيك إله الحق " .
ثم خرج من المصلى فركب القصواء ، وأهل مرة أخرى ، فلما استوت به بالبيداء أهل أيضاً ، وأشعر هديه بعد الصلاة وقلدها بذي الحليفة .
ثم واصل سيره حتى دنا من مكة ، فبات بذي طوى ، وصلى به الفجر ، ثم اغتسل ومضى حتى دخل المسجد الحرام ، وذلك صباح يوم الأحد لأربع مضين من ذي الحجة ، فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، ثم أقام بأعلى مكة عند الحجون ، ولم يعد إلى الطواف ، وبقى في إحرامه ، لأنه كان قارناً جمع بين إحرامي الحج والعمرة ، لكونه قد ساق الهدي ، وأمر كل من ساق معه الهدي أن يبقى في إحرامه ، وأما من لم يسق معه الهدي فأمره أن يقصر رأسه بعد الطواف والسعي ، ويحل حلالاً تاماً ، ويجعل عمله هذا عمرة ، سواء كان قد أحرم بنية الحج أو العمرة أو كليهما . وقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة ، ولأحللت ، فحل من لم يكن معه هدي .
ثم توجه -r- يوم التروية – وهو اليوم الثامن من ذي الحجة – إلى منى ، وأحرم للحج كل من كان قد حل ، فصلى بمنى خمس صلوات : الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، وصلى الرباعية منها ركعتين قصراً ، ثم أجاز من منى بعدما طلعت الشمس حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها ، فلما زالت الشمس ركب القصواء وأتى وادي عرنة وقد اجتمع الناس حوله فقام فيهم خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، وتشهد ، وأوصى بتقوى الله ، ثم قال فيما قال : " أيها الناس ! اسمعوا قولي . فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً ، وأن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا كل شئ من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمي ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث [ وكان مسترضعاً في بني سعد فقتله هذيل ] وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع من ربنا ربا العباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، واتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله . وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت . فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس :" اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد "!
وقد بين في هذه الخطبة عدة أمور أخرى ، فلما فرغ منها نزل عليه قوله تعالى " ] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً [ . فكان يوم نعمة وسعادة وشكر .
وأذن بلال بعد الخطبة ثم أقام فصلى رسول الله -r- بالناس الظهر ركعتين ، ثم أقام فصلى العصر ركعتين ، جمعهما في وقت الظهر جمعاً مقدماً . ولم يصل بينهما شيئاً . ثم أتى الموقف فجعل بطن ناقته إلى الصخرات ، واستقبل القبلة ، فلم يزل واقفاًَ حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلاً ، ثم دفع حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئاً .
ثم اضطجع حتى طلع الفجر ، فصلى الفجر مبكراً ، ثم أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ودعا وكبر وهلل ووحد حتى أسفر جداً .
ثم دفع إلى منى قبل أن تطلع الشمس حتى أتى الجمرة الكبرى ، فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة منها . ولم يزل يلبي حتى رمى الجمرة ، فلما رماها قطع التلبية ، ووقف عند هذه الجمرة يقول :" خذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا ".
ثم أتى منزله بمنى فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده ، ثم نحر علي بقية المائة ، وهي سبع وثلاثون بدنة . ثم أمر من كل بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر وطبخت ، فأكلوا من لحمها وشربوا من مرقها .
وبعد فراغه من النحر دعا الحلاق ، فأعطاه شقه الأيمن فحلق ، فقسمه بين الناس من شعره وشعرتين ، ثم حلق الأيسر فأعطاه لأبي طلحة .
ثم لبس ثيابه ، وتطيب قبل أن يطوف ، ثم ركب حتى أتى البيت ، فطاف طواف الإفاضة ، ولم يطف بين الصفا والمروة ، وصلى الظهر ، وأتى على بني عبدالمطلب ، وهم يسقون على زمزم ، فقال : انزعوا بني عبد المطلب ! فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلواً فشرب منه .
ثم رجع -r- إلى منى فمكث بها ليالي التشريق -11، 12 ، 13 ، من ذي الحجة – يرمي الجمرات الثلاث كل يوم إذا زالت الشمس ، يبدأ بالجمرة الصغرى فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم الوسطى ، ثم الكبرى كذلك .
وقد خطب رسول الله -r- خطبة يوم النحر ، ثم خطبة في أوسط أيام التشريق . أكد فيها ما سبق في خطبة عرفة وزاد عليها ، وقد نزلت عليه سورة النصر في أوسط أيام التشريق قبل الخطبة
وفي اليوم الثالث عشر – وهو يوم النفر الثاني ، وثالث أيام التشريق ، وكان يوم الثلاثاء – نفر رسول الله -r- من منى وبعد رمي الجمرات ، فنزل بالأبطح ، وصلى هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وبعث عائشة أم المؤمنين مع أخيها عبدالرحمن بن أبي بكر ليعمرها من التنعيم ، فأحرمت وقضت عمرتها ، ثم جاءته بالأبطح سحراً ، وكان -r- قد رقد به رقدة . فلما جاءته آذن بالرحيل ، وركب إلى البيت فطاف به طواف الوداع ، وصلى صلاة الفجر ، ثم انصرف متوجهاً إلى المدينة ، وقد خرج من أسفل مكة ، ولما قرب من المدينة ولاحت له معالمها كبر ثلاثاً ثم قال :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ، آيبون تائبون ، عابدون ، ساجدون ، لربنا حامدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ".
بعث أسامة بن زيد :
واستقر رسول الله -r- بالمدينة يسبح ربه بحمده على ما أراه من دخول الناس في دين الله أفواجاً ، ومن نجاح دعوته التي قام بها قبل نحو ثلاث وعشرين سنة ، وقد استقبل بعد عودته إلى المدينة بعض الوفود . وجهز أسامة بن زيد في سبعمائة مقاتل ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، وقد تحرك جيشه ونزل بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة ، ولكن نقلت إليه أخبار مقلقة عن مرض رسول الله -r- فتريث ينتظر النتيجة ، فجاء قضاء الله بوفاة رسول الله -r- ، وأن يكون هذا البعث أول بعث في عهد أبي بكر الصديق - t - .
إلى الرفيق الأعلى
معالم التوديع :
وبعدما بلغ رسول الله -r- الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة بدأت طلائع الوداع من الدنيا تتسم في أقواله وأفعاله .
اعتكف في رمضان من السنة العاشرة عشرين يوماً ، وعارضه جبريل القرآن مرتين . فقال لا بنته فاطمة :" لا أرى ذلك إلا اقتراب أجلي ". وودع معاذاً إلى اليمن فأوصاه ، ثم قال : " يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري ". فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله -r- .
وقال -r- في حجة الوداع مراراً :" لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، ولعلي لا أحج بعد عامي هذا "، وكان نزول قوله تعالى : ] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..... الآية [ . وكذلك نزول صورة النصر إشعاراً بأنه فرغ من مهمته في الدنيا ، ولذلك سميت بحجة الوداع ، أي إنه ودع الناس لينتقل إلى ربهسبحانه وتعالى -.
وفي أوائل شهر صفر سنة 11هـ خرج -r- إلى أحد ، فصلى على الشهداء كالمودع للأحياء والأموات ، ثم انصرف إلى المنبر فقال :" أنا فرط لكم ، وأنا شهيد عليكم ، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن ، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ، أو مفاتيح الأرض ، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ".
وفي أواخر شهر صفر خرج إلى بقيع الغرقد في جوف الليل ، فاستغفر لهم وقال :" إنا بكم لا حقون ".
بداية المرض :
ويوم الاثنين الأخير من شهر صفر رسول الله -r- جنازة في البقيع . قالت عائشة : رجع من البقيع وأنا أجد صداعاً في رأسي ، وأنا أقول : وا رآساه ، فقال :" بل أنا والله يا عائشة وا رأساه ".
كان هذا بداية مرضه -r- وهو مع ذلك يدور على نسائه ، حتى اشتد به المرض ، وهو في بيت ميمونة فأخذ يسأل : أين أنا غداً ؟ أين أنا غداً ؟ يريد يوم عائشة ، فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء ، فخرج يمشي بين الفضل بن عباس ، وعلى بن أبي طالب ، وتخط قدماه بالأرض ، حتى انتقل إلى بيت عائشة .
عهده ووصيته :
قالت عائشة – رضي الله عنها - : لما دخل بيتي ، واشتد به وجعه قال : " هر يقوا علي من سبع قرب ، لم تحلل أوكيتهن ، لعلي أعهد إلى الناس " .
فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي -r- ، ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب ، حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن ، ثم خرج إلى الناس ، فصلى بهم وخطبهم .
وقال فيما قال :" أن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ،إني أنهاكم عن ذلك ". وقال :" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". وقال :" لا تتخذوا قبري وثناً يعبد ".
وعرض نفسه للقصاص ، وأوصى بالأنصار خيراً ، ثم قال : "إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده ، فاختار ما عنده ". قال أبو سعيد الخدري : فبكى أبو بكر وقال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا . فقال الناس : انظروا إلى هذا الشيخ ، يخبر رسول الله -r- عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده ، وهو يقول : فديناك بآبائنا وأمهاتنا ، فكان رسول الله -r- هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا .
ثم أثنى رسول الله -r- على أبي بكر ، وأمر بسد الأبواب الشارعة في المسجد ، إلا باب أبي بكر .
وكان ذلك يوم الأربعاء ، فلما كان يوم الخميس وقد أشتد به الوجع ، قال " هلموا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده " ، فقال عمر : قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبكم كتاب الله ، فاختلفوا ، فلما أكثروا اللغط والاختلاف قال رسول الله -r- " قوموا عني " .
وأوصى في ذلك اليوم بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب ، وبإيجاز الوفود بنحو ما كان يجيزهم ، وأكد لهم أمر الصلاة ، وما ملكت أيمانهم ، وقال :" تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي ".
استخلاف أبي بكر - t - على الصلاة :
وكان النبي -r- مع شدة مرضه يصلي بالناس ، فلما كان ذلك اليوم – يوم الخميسوحان وقت صلاة العشاء اغتسل -r- في مخضب ليتخفف ، ثم ذهب ليقوم فأغمي عليه ، ثم أفاق فاغتسل ثانياً ، ثم ذهب ليقوم فأغمي عليه ، ثم أفاق فاغتسل ثالثاً فلما ذهب ليقوم أغمي عليه ، فأرسل إلى أبي بكر أن يصلي بالناس ، فصلى أبو بكر تلك الأيام ، وجملة الصلوات التي صلاها أبو بكر بالناس سبع عشرة صلاة .
ويم السبت أو -r- الأحد وجد رسول الله -r- في نفسه خفة فخرج بين رجلين لصلاة الظهر ، وأبو بكر يصلي بالناس ، فأجلساه إلى يساره ، فكان أبو بكر يقتدي بصلاة رسول الله -r- والناس يقتدون بأبي بكر ، يسمعهم التكبير .
تصدقه بما لديه :
ويوم الأحد أعتق النبي -r- غلمانه ، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده ، ووهب المسلمين سلاحه ، وجاء الليل فأرسلت عائشة – رضي الله عنها – بمصباحها إلى امرأة وقالت : أقطري لنا في مصباحنا من عكتك السمن ، وكانت درعه -r- مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من الشعير .
آخر يومه في الدنيا :
ولما أصبح يوم الاثنين – وكان يوم نوبة عائشة – وقام أبو بكر يصلي بالناس صلاة الفجر كشف رسول الله -r- ستر حجرة عائشة فنظر إليهم ، ثم تبسم يضحك ، فنكص أبو بكر على عقبيه ، وظن أنه -r- يريد أن يخرج إلى الصلاة ، وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم ، فرحاً برسول الله -r- ، فأشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم ، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر .
وفي هذا اليوم – أو في هذا الأسبوع – دعا رسول الله -r- فاطمة فسارها بشئ فبكت ، ثم سارها بشئ فضحكت ، وسألتها عائشة عن ذلك فكتمت ، حتى توفي رسول الله -r- فأخبرتها أنه قال لها في الأولى : إنه يموت في مرضه هذا فبكيت . وقال لها في الثانية : إنها أول أهله يتبعه فضحكت ، وبشرها أيضاً أنها سيدة نساء العالمين .
ورأت فاطمة ما برسول الله -r- من شدة الكرب ، فقالت :" واكرب أباه " ، فقال :" ليس على أبيك كرب بعد اليوم "، ودعا الحسن والحسين فقبلهما ، ودعا أزواجه فوعظهن وذكرهن .
وطفق الوجع يشتد ويزيد ، وانتقض السم الذي أكله بخيبر ، فأخذ يحس بشدة ألمه ، وكان قد طرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه ، فقال وهو كذلك :" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد – يحذر ما صنعوا – لا يبقين دينان بأرض العرب " ، وكان هذا من آخر ما تكلم وأوصى به الناس ، وكرر مراراً :" الصلاة ، الصلاة ، وما ملكت أيمانكم ".
الاحتضار والموت :
وبدأ الاحتضار فأسندته عائشة – رضي الله عنها – إلى صدرها بين سحرها ونحرها .
وجاء أخوها عبدالرحمن بسواك من جريدة رطبة ، فأخذ رسول الله -r- ينظر إلى السواك ، ففهمت عائشة أنه يريدة ، فسألته فأشار برأسه : أن نعم ، فأخذته ومضغته حتى لينته ، فاستاك به رسول الله -r- كأحسن ما كان يستاك ، وبين يديه ركوة فيها ماء ، فجعل يدخل يديه في الماء ، ويسمح به وجهه ، ويقول : لا إله إلا الله ، إن للموت سكرات .
ثم رفع يديه أو إصبعه وشخص بصره نحو السقف ، وتحركت شفتاه ، فأصغت إليه عائشة فسمعته يقول :" مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى ، اللهم الرفيق الأعلى ".
وكرر الكلمة الأخيرة ثلاثاً ، وفاضت روحه ، ومالت يده ، ولحق بالرفيق الأعلى ، وذلك يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 11هـ حين اشتد الضحى ، وقد تم له ثلاث وستون سنة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
حيرة الصحابة وموقف أبي بكر :
وتسرب الخبر بين الصحابة خلال لحظات ، فأظلمت عليهم الدنيا ، وكادوا يفقدون وعيهم ، فلم يكن يوم أحسن ولا أضوء من يوم دخل فيه رسول الله -r- المدينة ، ولم يكن يوم أظلم ولا أقبح من يوم مات فيه ، وكان لهم ضجيج كضجيج الحجاج من البكاء .
وقام عمر بن الخطاب -t- في المسجد يقول : إن رسول الله -r- لم يمت ولا يموت حتى يفني الله المنافقين ، وأخذ يتوعد بالقطع والقتل من يقول إنه مات ، والصحابة حوله في المسجد حائرون مندهشون .
وكان أبو بكر - t- قد خرج إلى مسكنه بالسنح حين رأى الخفة في مرضه -r- صباحاً ، فلما توفي -r- أقبل أبو بكر على دابته حتى نزل ، فدخل المسجد ، فلم يكلم الناس ، حتى دخل على عائشة ، فقصد رسول الله -r- ، وهو مسجى ببرد حبرة ، فكشف وجهه ، فقبله وبكى ، ثم قال :بأبي أنت وأمي ، ولا يجمع الله عليك موتتين ، أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها .
ثم خرج فقال : اجلس يا عمر ، فأبى أن يجلس ، فتركه وجاء إلى المنبر وقام بجنبه ، وترك الناس عمر ، وأقبلوا إليه ، فتشهد وقال : أما بعد ، من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، قال الله – تعالى - . { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ } .
قال ابن عباس : فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية ، حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس ، فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها .
قال عمر : فوالله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرفت أنه الحق ، فعقرت ، حتى ما تقلني رجلاي ، وحتى هويت إلى الأرض ، وعرفت أنه قد مات .
اختيار أبي لخلافته -r- :
وكان أهم قضية بعد وفاة رسول الله -r- هو اختيار أمير يقوم مقامه -r- في إدارة شئون العباد والبلاد ، وكان علي بن أبي طالب -t- يرى أنه أحق بالخلافة ، لقرابته منه -r- ، فاجتمع هو والزبير ورجال من بني هاشم في بيت فاطمة – رضي الله عنهاواجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليختاروا أميراً منهم ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما - .
وذهب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما – ومعهما أبو عبيدة بن الجراح والمهاجرون – إلى سقيفة بني ساعدة فجرى بينهم وبين الأنصار نقاش وحوار ذكر فيه الأنصار فضلهم واستحقاقهم ، فقال أبو بكر إن ما ذكرتم من خير فأنتم أهله ، وما تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش – أي لا ينقادون لحكم أحد غير قريش – هم أوسط العرب نسباً وداراً ، ثم أخذ بيد عمر وبيد أبي عبيدة ، وقال : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين . فقال رجل من الأنصار : منا أمير ومنكم أمير . فكثر اللغط والأصوات ، وخشوا الاختلاف ، فقال عمر لأبي بكر : ابسط يدك ، فبسطها ، فبايعه هو والمهاجرون والأنصار .
التجهيز وتوديع الجسد الشريف إلى الأرض :
ويوم الثلاثاء غسلوا رسول الله -r- ولم يجردوه من ثيابه ، وقام بغسله العباس وعلي ، والفضل وقثم ابنا العباس ، وشقران مولى رسول الله -r- ، وأسامة بن زيد ، وأوس بن خولى ، وكان العباس وابناهما يقلبونه ، وأسامة وشقران يصبان الماء ، وعلي يغسله ، وأوس أسنده إلى صدره .
وقد غسلوه ثلاث غسلات بماء وسدر ، وكان الماء من بئر لسعد بن خيثمة بقباء ، يقال لها الغرس ، وكان -r- بشرب منها .
وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ،وليس فيها قميص ولا عمامة ، أدرج فيها إدراجاً .
وحفر أبو طلحة قبره في الموضع الذي توفي فيه ، وجعل القبر لحداً ، ثم وضع سريره على شفير القبر ، ودخل الناس ارسالاً عشرة فعشرة ، ويصلون عليه أفذاذاً ، لا يؤمهم أحد ، وأول من صلى عليه عشرته ، ثم المهاجرون ، ثم الأنصار ، ثم الصبيان ثم النساء ، أو النساء ثم الصبيان .
وانتهى في ذلك يوم الثلاثاء ومعظم ليلة الأربعاء ، ثم أنزلوه -r- في القبر ودفنوه في أواخر الليل -r- .
البيت النبوي
وكان له -r- في مختلف مراحل حياته إحدى عشرة امرأة أو اثنتا عشرة امرأة ، واجتمع منهن تسع في آخر حياته ، وأما الاثنتان أو الثلاث فقد وافتهن الوفاة والنبي -r- حي ، وفيما يلي ذكر موجز لهن :
أم المؤمنين خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها :
تقدم أن النبي -r- تزوجها وهي في سن الأربعين ، وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وجميع أولاده -r- منها سوى إبراهيم ، ولم يتزوج عليها امرأة أخرى مدة حياتها ، توفيت بمكة في رمضان سنة عشر النبوة ، ودفنت بالحجون . ولها 65 سنة .
أم المؤمنين سودة بنت زمعة – رضي الله عنها
كانت تحت ابن عمها السكران بن عمرو ، فأسلما وهاجرا إلى الحبشة ، ثم رجعا فمات عنها ، فتزوجها النبي -r- ، وذلك في شوال سنة عشر من النبوة ، بعد وفاة خديجة بنحو شهر ، وتوفيت بالمدينة في شوال سنة 54 هـ .
أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق – رضي الله عنها
تزوجها النبي -r- في شوال سنة إحدى عشرة من النبوة بعد سودة بسنة ، وهي بنت ست سنين ، ونبي بها في شوال بعد الهجرة بسبعة أشهر وهي بنت تسع سنين ، ولم يتزوج بكراً غيرها ، وهي أفقه نساء الأمة ، وفضلها على النساء كفضل الثريد على السائر الطعام ، وتوفيت في 17 رمضان سنه 57هـ أو 58 هـ ودفنت بالبقيع .
4-
أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب – رضي الله عنها ـ
كانت تحت خنيس بن حذافة السهمي ، فتوفي عنها بين بدر وأحد لجرح أصابه في بدر ، ثم انتقض عليه فيما بعد ، فلما حلت تزوجها النبي -r- في شعبان سنة 3هـ ، توفيت بالمدينة في شعبان سنة 45هـ ولها ستون سنة ، ودفنت بالبقيع .
أم المؤمنين زينب بنت خزيمة الهلالية – رضي الله عنها :
كانت تحت عبيدة بن الحارث ، فقتل عنها يوم بدر ، فتزوجها رسول الله -r- في رمضان سنة 3هـ . وقيل : وكانت تحت عبدالله بن جحش فقتل عنها يوم أحد ، فتزوجها رسول الله -r- في سنة 4هـ كانت تسمى في الجاهلية بأم المساكين ، لإطعامها إياهم ، توفيت في آخر ربيع الآخر سنة 4هـ بعد الزواج به -r- بثمانية أشهر أو بنحو ثلاثة أشهر ، فصلى عليها النبي -r- ودفنت بالبقيع .
أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية – رضي الله عنها :
كانت تحت أبي سلمة ، وله منها أولاد ، فتوفي عنها في جمادي الآخرة سنة 4هـ فتزوجها رسول الله -r- في ليال بقين من شوال سنة 4هـ كانت من أفقه النساء وأعقلهن ، توفيت سنة 59هـ وقيل 62هـ ودفنت بالبقيع ، ولها 84 سنة .
7-
أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رئاب – رضي الله عنها :
وهي ابنة أميمه بنت عبد المطلب : عمة النبي -r- زوجت بزيد بن حارثة ، فلم يوفق بينهما ، حتى طلقها زيد ، وكان قد تبناه النبي -r- فيقال له زيد بن محمد ، كما تقدم ، وكان أهل الجاهلية يرون تحريم زوجة المتنبي على أبيه المتنبي مثل تحريم زوجة الابن الحقيقي ، فلما انقضت عدة زينب من زيد زوجها اللهسبحانه وتعالى – بالنبي -r- من فوق سبع سماوات ، وأبطل التبني ، وذلك في ذي القعدة سنة 5هـ وقيل : في سنة 4هـ وكانت من أعبد النساء وأعظمهن صدقة . توفيت سنة 20هـ ولها 53 سنة . وكانت أول أمهات المؤمنين وفاة بعد رسول الله -r- ، صلى عليها عمر بن الخطاب - t- ودفنت بالبقيع .
8-
أم المؤمنين جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق – رضي الله عنهما :
سبيت في غزوة بني المصطلق في شعبان سنة 6هـ وقيل : سنة 5هـ فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها . فقضى رسول الله -r- كتابتها ، فأعتقها وتزوجها ، فأعتق المسلمون مائة أهل بيت من بني المصطلق ، وقالوا : أصهار رسول الله -r- فكانت أعظم النساء بركة على قومها ، وتوفيت في ربيع الأول سنة 56 هـ وقيل :55 هـ ولها 65 سنة .
9-
أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان – رضي الله عنهما :
كانت تحت عبيد الله بن جحش فولدت له حبيبة فكنيت بها ، وهاجرت معه إلى الحبشة ، فتنصر عبيد الله ، وتوفي مرتداً ، وثبتت هي على الإسلام ، فلما بعث رسول الله -r- عمرو بن أميه الضمري بكتابه إلى النجاشي أمره أن يزوجها النبي -r- فزوجها به النجاشي ، وأصدقها من عنده أربعمائة دينار ، وبعثها مع شرحبيل بن حسنة ، فابتنى بها رسول الله -r- بعد رجوعه من خيبر في صفر أو ربيع الأول سنة 7هـ توفيت سنة 42هـ أو 44هـ أو 50 هـ .
10-
أم المؤمنين صفية بن حيي بن أخطب – رضي الله عنها :
هي بنت سيد بني النضير ، من بني إسرائيل ، من سلالة هارون عليه السلام ، سبيت في خيبر ، فاصطفاها رسول الله -r- لنفسه ، وعرض عليها الإسلام فأسلمت ، فأعتقها وتزوجها بعد فتح خيبر سنة 7هـ وابنتي بها بسد الصبهاء على بعد 12 ميلاً من خيبر في طريقه إلى المدينة . توفيت سنة 50هـ وقيل : 52هـ وقيل 36هـ ودفنت بالبقيع .
11-
أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية – رضي الله عنها :
هي أخت أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث الهلالية زوج العباس – رضي الله عنهما – تزوجها رسول الله -r- في ذي القعدة سنة 7هـ في عمرة القضاء بعد أن حل منها ، وابنتي بها بسرف على بعد تسعة أميال من مكة ، وقد توفيت بسرف سنة 61هـ ، وقيل : 63هـ وقيل 38هـ ودفنت هناك ، ولا يزال موضع قبرها معروفاً .
فهذه إحدى عشرة امرأة هن أمهات المؤمنين وأزواج رسول الله -r- بالاتفاق ، واختلف في امرأة واحدة وهي ريحانة بنت زيد ، أنها كانت من أزواجه -r- أو من سراريه ، وهي من بني النضير ، وكانت عند رجل من بني قريظة ، فوقعت في غزوة بني قريظة في السبايا ، فاصطفاها النبي -r- لنفسه ، فيقال : إنه أعتقها وتزوجها في المحرم سنة 6هـ فهي من أمهات المؤمنين ، ويقال : إنه -r- لم يعتقها ، بل كان يأتيها بملك اليمين ، فهي من سراريه ، توفيت مرجعه - r – من حجة الوداع ، فدفنها بالبقيع .
وكانت له -r- سوى هؤلاء النسوة سرية واحدة ، وهي مارية القبطية ، وأهداها له المقوقس في جملة ما أهداه حينما رد على كتابه -r- ، وكانت من بنات الملوك ، فخصها النبي -r- لنفسه ، وقد ولدت له إبراهيم ، توفيت سنة 16هـ ويقال : في المحرم سنة 15هـ ودفنت بالبقيع.
أولاده -r- :
تقدم أن جميع أولاده -r- من خديجة إلا إبراهيم . وهم :
القاسم : وهو أكبر ولد رسول الله -r- ، وبه كان يكنى ، وعاش حتى مشى ، ثم توفي وهو نحو سنتين .
زينب : وهي أكبر بناته -r- ، أصيبت في الله ، فقال -r- تلك أفضل بناتي . ولدت بعد القاسم ، وتزوجها أبو العاص بن الربيع ، وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد ، ولدت زينب ابناً اسمه علي ، وبنتاً اسمها أمامه ، وهي التي كان رسول الله -r- يحملها في الصلاة ، توفيت زينب في أوائل سنة ثمان بالمدينة .
رقية : تزوجها عثمان بن عفان - t- فولدت له ابناً اسمه عبدالله ، وقد بلغ ست سنين ، ثم نقره ديك في عينه فمات ، ماتت رقية ورسول الله -r- في بدر ، وجاء زيد بن حارثة بشيراً إلى المدينة ، فوجدهم قد سووا التراب علة قبرها .
أم كلثوم : زوجها رسول الله -r- عثمان بن عفان- t- بعد وفاة رقية مرجعه من بدر ، ولم تلد له شيئاً ، توفيت في شعبان سنة 6هـ ودفنت بالبقيع .
فاطمة : وهي أصغر بناته -r- ، وأحبهن إليه ، وهي سيدة نساء أهل الجنة ، وتزوجها علي بن أبي طالب - t- بعد بدر ، فولدت له ابنين : حسناً وحسيناً ، وبنتين : زينب وأم كلثوم ، وأم كلثوم هذه تزوجها عمر بن الخطاب -t- فولدت له زيداً . ثم مات عنها فتزوجها عون بن عمها جعفر ، وتوفي عون فتزوجها أخوه محمد ، وتوفي محمد فتزوجها أخوه عبدالله ، ثم ماتت وهي عنده ، وتوفيت فاطمة – رضي الله عنها – بعد النبي -r- بستة أشهر .
[
هؤلاء الخمسة المذكورين من أولاده -r- ولدوا قبل أن يكرمه الله بالنبوة والرسالة
عبدالله : يقال إنه ولد في الإسلام ، ويقال : بل قبل ذلك ، وتوفي وهو صغير ، وكان آخر أولاد النبي -r-من خديجة .
إبراهيم : ولد بالمدينة من سريته -r- مارية القبطية ، في جمادي الأولى أو جمادي الآخرة سنة 9هـ وتوفي 29 شوال سنة 10هـ يوم كسفت الشمس بالمدينة وهو رضيع ، ابن ستة عشراً أو ثمانية عشر شهراً ، ودفن بالبقيع ، وقد قال -r- : " إن له مرضعاً يتم رضاعه في الجنة ".
الصفات والأخلاق
كان سول الله -r- يمتاز بجمال الخلق وكمال الأخلاق ،وقد ورد في هذا الباب أحاديث كثيرة وجليلة ، نلخص هنا معانيها ومغزاها بالإيجاز .
الوجه وما بالوجه :
كان وجه رسول الله -r- أبيض مليحاً ، مستديراً ، أزهر اللون ، مشرباً بالحمرة ، يتلألؤ تلألؤ القمر ليلة القدر ، وكان إذا سر وجهه كأنه قطعة قمر ، وتبرق أساريره كما يبرق السحاب المتهلل ، كأن الشمس تجري فيه ، بل لو رأيته رأيت الشمس طالعة ، أما عرقه في وجهه فكأنه اللؤلؤ ، ولريح عرقه أطيب من المسك الأذفر ، وإذا غضب احمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه حب الرمان .
وكان سهل الخدين ، واسع الجبين ، متقوس الحاجبين ، سابغهما مع الدقة ، غير مقترنين ، وقيل كان مقرون الحاجبين ، واسع العنين ، مشرباً بياضهما بحمرة ، مع شدة سواد الحدقة ، أهدب الأشفار ، أي كثير شعر الأجفان مع طوله ، إذا نظرت قلت : أكحل العينين ، وليس بأكحل
وكان أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسه من لم يتأمله أشم ، تام الأذنين ، حسن الفم وكبيره ، أفلج الثنيتين ، منفصل الأسنان ، براق الثنايا ، إذا تبسم تبدو أسنانه كأنها حب الغمام ، وكان فيها شنب ، أي نوع من اللمعان ، فإذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه ، وكان من أحسن لناس ثغراً .
وكانت لحيته حسنة كثة ، ممتلئة من الصدغ إلى الصدغ ، تملأ النحر ، شديدة السواد ، وكان في الصدغين والعنفقة شئ من البياض ، شعرات معدودة فقط .
الرأس والعنق والشعر :
وكان ضخم الهامة ، كبير الرأس ، طويل العنق ، كأنه إبريق فضة ، أو جيد دمية ، وله وفرة تبلغ إلى أنصاف الأذنين ، أو شحمتي الأذنين ، وربما أسفل من ذلك ، وربما تضرب المنكبين ، وكان في شعر ناصيته أيضاً بعض البياض ، ولكن قليلاً جداً بحيث لم يبلغ مجموع ما في رأسه ولحيته من البياض عشرين شعرة ، وكان في رأسه شئ من الجعودة ، أي التواء خفيف ، وكان يرجل رأسه ولحيته غبَّا ، ويفرق من وسط الرأس .
الأطراف والأعضاء :
وكان عظيم رؤوس العظام ، كالمرفقين والكتفين والركبتين ، طويل الزندين ، عظيم الساعدين ، رحب الكفين والقدمين ، ليس لهما أخمص ، ناعم اليدين ، فقد كانتا ألين من الحرير والديباج ، وأبرد من الثلج ، وأطيب من رائحة المسك ، وكان ضخم العضدين والذارعين والأسافل ، خفيف العقبين والساقين ، بعيد ما بين المنكبين ، سائل الأطراف ، عريض الصدر ، أجرد عن الشعر ، فكان من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب ، ولم يكن في بطنه ولا صدره شعر غيره ، وكان أشعر الذراعين والمنكبين ، سواء البطن والصدر ، في إبطيه عفرة ، أما ظهره فكأنه سبيكة فضة .
القد والجسد :
وكان حسن القد ، معتدل القامة ، سبط القصب ، ولا قصيراً متردداً ، ولا طويلاً بائنا ، ولكن كان أقرب إلى الطول ، فلم يكن يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله هو -r- ، وكان معتدل الجسد ، متماسك البدن ، لا سميناً بدناً ولا هزيلاً ناحلاً ، بل غصناً بل غصنين . فهو أنظر الثلاثة منظراً ، وأحسنهم قداً .
طيب رائحته -r-
وكان لجسده وعرقه وأعضائه -r- ريح أطيب من كل طيب ، قال أنس -t- : ما شممت عنبراً قط ، ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح رسول الله -r- وقال -، جابر : لم يكن النبي -r-يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه ، من طيبه ، وكان يصافح الرجل فيظل يومه يجد ريحها ، ويضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان بريحها ، وحفظت أم سليم عرقه في قارورة لتجعله في طيبها ، لأنه أطيب الطيب .
صفة المشي :
وكان -r- سريع المشي ، يمشي مشي السوقي ، ليس بالعاجز ولا الكسلان ، لم يكن يلحقه أحد ، قال أبو هريرة : ما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله -r- ، كأنما الأرض تطوي له ، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث .
وكان إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها ، ليس لها أخمص ، وإذا التفت التفت جميعاً ، فإذا أقبل أقبل جميعاً ، وإذا أدبر أدبر جميعاً ، وإذا زال زال قلعاً ، فإذا مشى كأنه ينحط من صبب ، أي ينحدر من مكان مرتفع ، وكان يخطو تكفئاً ويمشي هوناً .
الصوت والكلام :
وكان في صوته -r- بحة يسيرة ، وكان حلو المنطق وقوراً ، فإذا صمت علاه الوقار ، وإذا تكلم علاه البهاء ، أما نطقه فكان كخزرات نظمن يتحدرن ، وكان يفتتح الكلام ويختمه بأطرافه ، ويتكلم بكلام فصل ، لا فضول فيه لا تقصير ، يتبين كل حرف منه ، وكان فصيحاً بليغاً ، سلس الطبع ، ناصع الكلمات ، لا يجاريه أحد مهما كان فصيحاً أو بليغاً ، وكان قد أوتي جوامع الكلم مع الحكمة وفصل الخطاب .
نبذة من أخلاقه -r- :
وكان -r- دائم البشر سهل الخلق ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، وكان أكثر الناس تبسماً ، وأبعد الناس غضباً ، وأسرعهم رضاء ، يختار أيسر الأمرين ما لم يكن إثماً ، فإذا كان إثماً وكان أبعد الناس منه ، لم ينتقم لنفسه قط ، وإنما كان ينتقم لله إذا انتهكت محارمه . وكان أجود الناس وأكرمهم وأشجعهم وأجلدهم ، وأصبرهم على الأذى ، وأوقرهم ،وأشدهم حياء ، إذا كره شيئاً عرف في وجهه ، ولم يكن يثبت نظره في وجه أحد ، ولا يواجه أحداً بمكروه .
وكان أعدل الناس ، وأعفهم ، وأصدقهم لهجة ، وأعظمهم أمانة ، سمي بالأمين قبل النبوة ، وكان أشد الناس تواضعاً وأبعدهم عن الكبر ، وأوفى الناس بالعهود ، وأوصلهم للرحم ، وأعظمهم شفقة ورحمة ، وأحسنهم عشرة وأدباً ، وأبسطهم خلقاً ، وأبعدهم عن الفحش والتفحش ، واللعن ، يشهد الجنائز ، ويجالس الفقراء والمساكين ، ويجيب دعوة العبيد ، ولا يترفع عليهم في مأكل ولا ملبس ، يخدم من خدمه ، ولم يعاتب خادمه ، حتى لم يقل له أف قط .
هذا ، ولا يمكن إحاطة أوصافه -r- بالبيان ، فنكتفي بهذا القدر القليل ، سائلين الله – سبحانه وتعالى – أن يتقبل منا هذه البضاعة المزجاة ، ويوفقنا لا تباع سيبل سيد المرسلين وإمام الأنبياء والمتقين محمد خير الخليقة أجمعين . اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه البررة المكرمين ، واجعلنا تحت لوائه يوم الدين . آمين يارب العالمين .
سلخ شهر ذي الحجة 1431هـ
فهرس الموضوعات
الموضوع الصفحة
المقدمـــة.................................................................... 2
*
محمد r أصله ونشأته وأحواله قبل النبوة : .............................. 4
النسب الشريف – قبيلته .................................................... 4
أسرته ..................................................................... 5
المولد ..................................................................... 7
الرضاع – في بني سعد ................................................... 8
بركات في بيت الرضاعة – وبقاء النبي r في بني سعد .................. 9
شق الصدر – إلى أمه الحنون – إلى جده العطوف ........................ 10
إلى عمه الشفيق – سفره إلى الشام – حرب الفجار......................... 11
حلف الفضول – حياة العمل .............................................. 12
تجارته في مال خديجة – وزواجه بها..................................... 13
أولاده من خديجة – وبناء البيت وقصة التحكيم ........................... 15
سيرته قبل البعثة ......................................................... 17
النبوة والدعوة ...................................................... 18
مقدمات النبوة – وبداية النبوة ............................................. 18
تاريخ بدء النبوة – وفترة الوحي ثم عودته................................ 20
القيام بالدعوة ........................................................... 22
الرعيل الأول............................................................ 23
عبادة المؤمنين وتربيتهم ................................................ 25
*
الجهر بالدعوة : ...................................................... 27
الدعوة في الأقربين – على جبل الصفا .................................. 27
مشاورة قريش لكف الحجاج عن الدعوة ................................. 30
سبل شتى لمواجهة الدعوة : ............................................. 32
مواصلة السخرية والاستهزاء والإكثار منها ................ 32
الحيلولة بين الناس وبين الاستماع إلى النبي r ............. 33
إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة .................... 34
النقاش والجدال ............................................ 35
تعذيب المسلمين ........................................................... 45
موقف المشركين من رسول الله r - وبين قريش وأبي طالب ............. 48
إنذار قريش ............................................................... 49
اقتراح غريب – اعتداءات على رسول الله r ............................. 50
دار الأرقم – والهجرة إلى الحبشة ........................................ 54
موافقة المشركين للمسلمين وسجودهم – وعودة المهاجرين إلى مكة –...... 55
والهجرة الثانية إلى الحبشة ................................................ 56
مكيدة قريش بمهاجري الحبشة ............................................ 56
حيرة المشركين – التعذيب ومحاولة القتل ................................. 59
إسلام حمزة وإسلام عمر ................................................. 62
عزة الإسلام والمسلمين بإسلام عمر – عرض الرغائب والمغريات ....... 65
مساومات وتنازلات ...................................................... 66
الاستعجال بالعذاب ....................................................... 67
المقاطعة العامة .......................................................... 68
نقض الصحيفة وفك الحصار ............................................ 69
وفد قريش بين يدي أبي طالب ........................................... 70
عام الحزن ..................................................... 70
وفاة أبي طالب – خديجة إلى رحمة الله ............................. 71
تراكم الأحزان – زواجه بسودة ثم بعائشة ........................... 71
الرسول r في الطائف ......................................... 72
جدال المشركين وطلبهم الآيات ................................. 74
شق القمر ........................................................... 75
الإسراء والمعراج .............................................. 76
عرض الإسلام على القبائل والأفراد ............................ 78
المؤمنون من غير أهل مكة .......................................... 79
الإسلام في المدينة ................................................... 80
بيعة العقبة الأولى .............................................. 81
دعوة الإسلام في يثرب .............................................. 82
بيعة العقبة الثانية ............................................... 82
اثنا عشر نقيباً ........................................................ 84
هجرة المسلمين إلى المدينة ...................................... 85
قريش في دار الندوة وقرارهم بقتل النبي r ..................... 87
بين تدبير قريش وتدبير الله سبحانه وتعالى ....................... 88
هجرة النبي r ................................................... 89
خروجه من البيت – ثلاث ليال في الغار .............................. 89
في الطريق إلى المدينة ................................................. 90
النزول بقباء .......................................................... 91
الدخول في المدينة – هجرة علي – هجرة أهل البيت .................. 92
هجرة صهيب – المستضعفون – مناخ المدينة ........................ 93
أعمال الرسول r في المدينة .................................... 93
المسجد النبوي – الأذان .............................................. 93
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ................................... 94
تأسيس المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية ........................... 95
استفزازات قريش ............................................... 97
مكائد قريش .......................................................... 97
مشروعية القتال – السرايا والغزوات ................................. 97
عزوة بدر الكبرى ............................................. 100
المبارزة والقتال ..................................................... 102
مقتل أبي جهل ....................................................... 103
يوم الفرقان – قتلى الفريقين ......................................... 104
خبر المعركة – الرسول r - إلى المدينة ............................ 105
قضية الأسارى – وفاة رقية وزواج أم كلثوم بعثمان ............... 106
غزوة بني قينقاع – غزوة السويق – وقتل كعب بن الأشراف ....... 107
سرية القردة ........................................................ 108
غزوة أحد ..................................................... 108
المبارزة والقتال ................................................... 110
هجوم المشركين على رسول الله r - وإشاعة مقتله ............... 111
موقف عامة المسلمين بعد التطويق ................................. 112
في الشعب ......................................................... 113
حوار وقرار ....................................................... 114
رجوع المشركين وقيام المسلمين بتفقد الجرحى ودفن الشهداء ........ 115
إلى المدينة وفي المدينة ............................................ 115
غزوة حمراء الأسد ................................................ 116
أحداث وغزوات .............................................. 116
حادث الرجيع....................................................... 116
مأساة بئر معونة ................................................... 117
غزوة بني النضير ............................................ 118
غزوة بدر الموعد .................................................. 119
عزوة الأحزاب ............................................... 121
الشورى وحفر الخندق ............................................. 121
بين طرفي الخندق .................................................. 122
غدر بني قريظة .................................................... 123
تخاذل الأطراف ونهاية الغزوة ...................................... 124
غزوة بني قريظة .............................................. 125
مقتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق .................................. 127
أسر ثمامة بن أثال سيد اليمامة ...................................... 128
غزوة بني لحيان – وسرية العيص – وإسلام أبي العاص ........... 129
غزوة بني المصطلق : وهي غزوة المريسيع .................. 130
حديث الإفك ....................................................... 131
عمرة الحديبية ................................................ 134
الخروج للعمرة والنزول بالحديبية .................................. 134
بين رسول الله r - وقريش ....................................... 135
عثمان بن عفان رسولاً إلى قريش – وبيعة الرضوان .............. 136
عقد الصلح .......................................................... 136
قضية أبي جندل – وحل المسلمين من العمرة ........................ 137
قضية النساء المهاجرات ............................................ 138
دخول خزاعة في عهد المسلمين – حل قضية المستضعفين – وأثر الصلح 139
مكاتبة الملوك والأمراء ........................................ 140
كتابه إلى النجاشي .................................................. 140
كتابه إلى المقوقس – وإلى كسرى .................................. 140
وكتابه إلى قيصر الروم ............................................ 141
وكتابه إلى أمير دمشق – وأمير بصرى ............................ 144
كتابه إلى صاحب اليمامة وإلى ملك البحرين – وملكي عمان ........ 144
بين المسلمين وبقية الأطراف .................................. 146
*
غزوة الغابة ................................................. 147
غزوة خيبر- فتح النطاة ...................................... 147
فتح الشق .......................................................... 150
وفتح الكتيبة – قتلى الفريقين ....................................... 151
وقدوم مهاجري الحبشة – وقسمة خيبر ............................. 152
شاة مسمومة – استسلام أهل فدك – وادي القرى ................... 153
مصالحة أهل تيماء – زواجه وبناؤه بصفية ....................... 154
غزوة ذات الرقاع ............................................ 154
من يمنعك مني ؟ .................................................. 154
عمرة القضاء ................................................ 155
معركة مؤتة ................................................. 156
سرية ذات السلاسل ............................................... 157
الفتح الأعظم – فتح مكة المكرمة ............................. 158
السبب والاستعداد والإخفاء ........................................ 158
في الطريق إلى مكة ............................................... 159
أبو سفيان بين يدي رسول الله r .................................. 160
دخول رسول الله مكة ............................................. 160
تطهير الكعبة والصلاة فيها ....................................... 162
لا تثريب عليكم – البيعة .......................................... 162
أناس أهدرت دماؤهم .............................................. 163
صلاة الفتح – وبلال يؤذن – إقامة رسول الله r بمكة ............ 163
هدم عزى وسواع ومناة .......................................... 164
بعث خالد إلى بني جذيمة .......................................... 164
غزوة حنين ................................................. 165
مطاردة المشركين – غزوة الطائف .............................. 166
تقسيم الغنائم والسبي ............................................. 167
شكوى الأنصار وخطبة رسول الله r ........................... 168
وفد هوازن ....................................................... 169
عمرة الجعرانة – تأديب بني تميم – وهدم فلس ................... 170
غزوة تبوك ................................................. 171
تهيؤ المسلمين للقاء الرومان ...................................... 171
الجيش الإسلامي إلى تبوك ....................................... 172
عشرون يوماً في تبوك – أسر أكيدر دومة الجندل ................ 173
العودة إلى المدينة هدم مسجد الضرار – استقبال الرسول r ...... 174
المخلفون ........................................................ 175
كلمة حول الغزوات ......................................... 176
حج أبي بكر الصديق - t-................................. 176
الوفود والدعاة والعمال ...................................... 177
وفد عبد القيس ................................................... 178
وفود ضمام بن ثعلبة .............................................. 179
وفد عذرة وبلى ................................................... 180
وفد بني أسد بن خزيمة – وفد تجيب .............................. 180
وفد بني فزارة – وفد نجران ...................................... 181
وفد أهل الطائف .................................................. 182
وفد بني عامر بن صعصعة ....................................... 183
وفد بني حنيفة ..................................................... 183
وفود رسول ملوك حمير – وفد همدان ............................. 184
وفد بني عبد المدان – إسلام بني مذحج – وفد أزد شنوءة .......... 185
وفود جرير البجلي – ظهور الأسود العنسي وقتله .................. 186
حجة الوداع .................................................. 187
بعث أسامة بن زيد ........................................... 189
إلى الرفيق الأعلى ............................................ 190
معالم التوديع – بداية المرض ...................................... 190
عهده ووصيته ..................................................... 191
استخلاف أبي بكر على الصلاة – وتصدقه r بما لديه –........... 192
آخر يومه في الدنيا ................................................ 192
الاحتضار والموت ................................................ 193
حيرة الصحابة وموقف أبي بكر.................................... 194
اختيار أبي بكر لخلافته r ........................................ 194
التجهيز وتوديع الجسد الشريف إلى الأرض ........................ 195
البيت النبوي .................................................. 196
أولاده -r- ....................................................... 200
الصفات والأخلاق ............................................ 201
الوجه وما بالوجه – الرأس والعنق والشعر ......................... 201
الأطراف والأعضاء – القد والجسد – طيب رائحته r ............. 202
صفة المشي – الصوت والكلام – نبذة من أخلاقه r ............... 203




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق