الجمعة، 15 يونيو 2018

ص20. ج6//2 السيرة النبوية لابن كثير



روابط كتاب السيرة النبوية لابن كثير في صفحات المدونة 

 --------

وقال الامام أحمد: حدثنا ابن نمير، حدثنا عبدالملك، عن أبى عبدالرحيم الكندى، عن زاذان أبى عمر، قال سمعت عليا بالرحبة وهو ينشد الناس من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم وهو يقول ما قال ؟ قال: فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " من كنت مولاه فعلى مولاه ".
تفرد به أحمد، وأبو عبد الرحيم هذا لا يعرف.
وقال عبدالله بن الامام أحمد في مسند أبيه: حديث على بن حكيم الازدي، أخبرنا شريك، عن أبى إسحاق، عن سعيد بن وهب، وعن زيد بن يثيع قال: نشد على الناس في الرحبة من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم إلا قام.
قال: فقام من قبل سعيد ستة ومن قبل زيد ستة، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلى يوم غدير خم: " أليس الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: بلى.
قال: اللهم من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
قال عبدالله: وحدثني على بن حكيم، أخبرنا شريك، عن أبى إسحاق، عن عمرو ذى أمر، مثل حديث أبى إسحاق يعنى عن سعيد وزيد.
وزاد فيه: " وانصر من نصره واخذل من خذله ".
قال عبدالله: وحدثنا على، حدثنا شريك، عن الاعمش، عن حبيب بن أبى ثابت، عن أبى الطفيل، عن زيد بن أرقم، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وقال النسائي في كتاب " خصائص على ": حدثنا الحسين بن حرب، حدثنا
الفضل بن موسى، عن الاعمش، عن أبى إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: قال على في الرحبة: أنشد بالله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول: " إن الله ولى المؤمنين، ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره ".
وكذلك رواه شعبة عن أبى إسحاق وهذا إسناد جيد.
ورواه النسائي أيضا من حديث إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن عمرو ذى أمر، قال نشد على الناس بالرحبة، فقام أناس فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول يوم
غدير خم: " من كنت مولاه فإن عليا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه وانصر من نصره ".
ورواه ابن جرير، عن أحمد بن منصور، عن عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن زيد بن وهب وعبد خير، عن على.
وقد رواه ابن جرير عن أحمد بن منصور، عن عبيدالله بن موسى وهو شيعي ثقة، عن مطر بن خليفة، عن أبى إسحاق، عن زيد بن وهب وزيد بن يثيع وعمرو ذى أمر، أن عليا نشد الناس بالكوفة.
وذكر الحديث.
وقال عبدالله بن أحمد: حدثنى عبدالله بن عمر القواريرى، حدثنا يونس بن أرقم، حدثنا يزيد بن أبى زياد، عن عبدالرحمن بن أبى ليلى، شهدت عليا في الرحبة ينشد الناس فقال: أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فعلى مولاه " لما قام فشهد.
قال عبدالرحمن: فقام اثنا عشر رجلا بدريا كأنى أنظر إلى أحدهم، فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي
أمهاتهم ؟ " فقلنا: بلى يارسول الله.
قال: " من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه " إسناد ضعيف غريب.
وقال عبدالله بن أحمد: حدثنا أحمد بن نمير الوكيعى، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا الوليد بن عقبة بن ضرار القيسي، أنبأنا سماك، عن عبيد بن الوليد القيسي، قال: دخلت على عبدالرحمن بن أبى ليلى فحدثني أنه شهد عليا في الرحبة قال: أنشد الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهده يوم غدير خم إلا قام، ولا يقوم إلا من قد رآه.
فقام اثنا عشر رجلا فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول: " اللهم
وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله " فقام إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته.
وروى أيضا عن عبدالاعلى بن عامر الثعلبي وغيره، عن عبدالرحمن بن أبى ليلى به.
وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا أبو عامر العقدى، وروى ابن أبى عاصم، عن سليمان الغلابى، عن أبى عامر العقدى، حدثنا كثير بن زيد، حدثنى محمد بن عمر بن على، عن أبيه، عن على، أن رسول الله حضر الشجرة بخم.
فذكر الحديث وفيه: من كنت مولاه فإن عليا مولاه.
وقد رواه بعضهم عن أبى عامر، عن كثير، عن محمد بن عمر بن على، عن على منقطعا.
وقال إسماعيل بن عمرو البجلى، وهو ضعيف، عن مسعر عن طلحة، بن مصرف عن عميرة بن سعد: أنه شهد عليا على المنبر يناشد أصحاب رسول الله من سمع رسول الله يوم غدير خم.
فقام اثنا عشر رجلا منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك،
فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول: " من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
وقد رواه عبيدالله بن موسى عن هانئ بن أيوب، وهو ثقة، عن طلحة ابن مصرف به.
وقال عبدالله بن أحمد: حدثنى حجاج بن الشاعر، حدثنا شبابة، حدثنا نعيم بن حكيم، حدثنى أبو مريم ورجل من جلساء على عن على، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم غدير خم: " من كنت مولاه فعلى مولاه ".
قال: فزاد الناس بعد: " وال من والاه، وعاد من عاداه ".
روى أبو داود بهذا السند حديث المخدج.
وقال الامام أحمد: حدثنا حسين بن محمد وأبو نعيم المعنى، قالا: حدثنا قطن، عن أبى الطفيل، قال: جمع على الناس في الرحبة - يعنى رحبة مسجد الكوفة - فقال: أنشد الله كل من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام.
فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: " أتعلمون أنى أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: نعم يا رسول الله.
قال: من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
قال: فخرجت كأن في نفسي شيئا، فلقيت زيد بن أرقم.
فقلت له: إنى سمعت عليا يقول: كذا وكذا.
قال: فما تنكر ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له.
هكذا ذكره الامام أحمد في مسند زيد بن أرقم رضى الله عنه.
ورواه النسائي من حديث الاعمش، عن حبيب بن أبى ثابت، عن أبى الطفيل، عن زيد بن أرقم به.
وقد تقدم.
وأخرجه الترمذي عن بندار، عن غندر، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، سمعت
أبا الطفيل يحدث عن أبى سريحة - أو زيد بن أرقم شك شعبة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلى مولاه.
ورواه ابن جرير عن أحمد بن حازم، عن أبى نعيم، عن كامل أبى العلاء، عن حبيب بن أبى ثابت، عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أبى عبيد، عن ميمون أبى عبدالله، قال: قال زيد بن أرقم وأنا أسمع: نزلنا مع رسول الله منزلا يقال له وادى خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير.
قال: فخطبنا وأظل رسول الله بثوب على شجرة ستره من الشمس.
فقال: " ألستم
تعلمون - أو ألستم تشهدون - أنى أولى بكل مؤمن من نفسه، قالوا: بلى.
قال: فمن كنت مولاه فإن عليا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
ثم رواه أحمد عن غندر عن شعبة، عن ميمون أبى عبدالله، عن زيد بن أرقم إلى قوله: من كنت مولاه فعلى مولاه قال ميمون: حدثنى بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
وهذا إسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن، وقد صحح الترمذي بهذا السند حديثا في الريث.
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا حنش بن الحارث بن لقيط الاشجعى، عن رباح بن الحارث قال: جاء رهط إلى على بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا.
قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب.
قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فهذا مولاه.
قال رباح: فلما مضوا تبعتهم فسألت: من هؤلاء ؟ قالوا: نفر من الانصار منهم أبو أيوب الانصاري.
وقال الامام أحمد: حدثنا حنش، عن رباح بن الحارث، قال: رأيت قوما من الانصار قدموا على على في الرحبة فقال: من القوم ؟ فقالوا: مواليك يا أمير المؤمنين فذكر معناه.
هذا لفظه وهو من أفراده.
وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء، حدثنا محمد بن خالد بن عثمة، حدثنا موسى بن يعقوب الزمعى، وهو صدوق، حدثنى مهاجر بن مسمار، عن عائشة بنت سعد، سمعت أباها يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم يوم الجحفة وأخذ بيد على فخطب ثم قال: أيها الناس إنى وليكم.
قالوا: صدقت.
فرفع يد على فقال:
هذا وليى والمؤدى عنى، وإن الله موالى من والاه، ومعادي من عاداه.
قال شيخنا الذهبي: وهذا حديث حسن غريب.
ثم رواه ابن جرير من حديث يعقوب بن جعفر بن أبى كبير، عن مهاجر بن مسمار فذكر الحديث وأنه عليه السلام وقف حتى لحقه من بعده وأمر برد من كان تقدم، فخطبهم الحديث.
وقال أبو جعفر بن جرير الطبري في الجزء الاول من كتاب " غدير خم ".
قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وجدته في نسخة مكتوبة عن ابن جرير -: حدثنا محمود بن عوف الطائى، حدثنا عبيدالله بن موسى، أنبأنا إسماعيل بن كشيط، عن جميل بن عمارة، عن سالم بن عبدالله بن عمر - قال ابن جرير: أحسبه قال: عن عمر وليس في كتابي - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد على [ يقول ] " من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
وهذا حديث غريب.
بل منكر وإسناده ضعيف قال البخاري في جميل بن عمارة هذا فيه نظر.
وقال المطلب بن زياد، عن عبدالله بن محمد بن عقيل، سمع جابر بن عبدالله يقول: كنا بالجحفة بغدير خم فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خباء أو فسطاط، فأخذ بيد على فقال: " من كنت مولاه فعلى مولاه ".
قال شيخنا الذهبي: هذا حديث حسن.
وقد رواه ابن لهيعة عن بكر بن سوادة وغيره، عن أبى سلمة بن عبدالرحمن، عن جابر بنحوه.
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم وابن أبى بكير، قالا: حدثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن حبشي بن جنادة.
قال يحيى بن آدم: وكان قد شهد حجة
الوداع.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على منى وأنا منه، ولا يؤدى عنى إلا أنا أو على.
وقال ابن أبى بكير: لا يقضى عنى دينى إلا أنا أو على.
وكذا رواه أحمد أيضا عن أبى أحمد الزبيري، عن إسرائيل.
قال الامام أحمد: وحدثناه الزبيري، حدثنا شريك، عن أبى إسحاق، عن حبشي ابن جنادة مثله.
قال: فقلت لابي إسحاق: أين سمعت منه ؟ قال: وقف علينا على فرس في مجلسنا في جبانة السبيع.
وكذا رواه أحمد، عن أسود بن عامر، ويحيى بن آدم، عن شريك ورواه الترمذي عن إسماعيل بن موسى، عن شريك، وابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة وسويد بن سعيد وإسماعيل بن موسى، ثلاثتهم عن شريك به ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان، عن يحيى بن آدم، عن إسرائيل به.
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
ورواه سليمان بن قرم - وهو متروك - عن أبى إسحاق، عن حبشي بن جنادة، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: " من كنت مولاه فعلى مولاه،
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
وذكر الحديث.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، أنبأنا شريك، عن أبى يزيد الازدي، عن أبيه، قال: دخل أبو هريرة المسجد فاجتمع الناس إليه فقام إليه شاب فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول: " من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " قال: نعم.
ورواه ابن جرير عن أبى كريب، عن شاذان، عن شريك به.
تابعه إدريس الازدي، عن أخيه أبى يزيد، واسمه داود بن يزيد به.
ورواه ابن جرير أيضا من حديث إدريس وداود عن أبيهما عن أبى هريرة فذكره
* * * فأما الحديث الذى رواه ضمرة عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبى هريرة، قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد على قال: " من كنت مولاه فعلى مولاه " فأنزل الله عزوجل: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ".
قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خم، من صام يوم ثمان عشرة من ذى الحجة كتب له صيام ستين شهرا.
فانه حديث منكر جدا، بل كذب، لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بها.
كما قدمنا.
وكذا قوله: " إن صيام يوم الثامن عشر من ذى الحجة وهو يوم غدير خم يعدل صيام ستين شهرا " لا يصح، لانه قد ثبت ما معناه في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا ؟ ! هذا باطل.
وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بعد إيراده هذا الحديث: هذا حديث منكر جدا.
ورواه حبشون الخلال وأحمد بن عبدالله بن أحمد النيرى، وهما صدوقان عن على ابن سعيد الرملي، عن ضمرة.
قال: ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب ومالك بن الحويرث وأنس بن مالك وأبى سعيد وغيرهم بأسانيد واهية.
قال: وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، وأما: " اللهم وال من والاه " فزيادة قوية الاسناد.
وأما هذا الصوم فليس بصحيح، ولا والله ما نزلت هذه الآية إلا يوم عرفة قبل غدير خم بأيام.
والله تعالى أعلم.
وقال الطبراني: حدثنا على بن إسحاق الوزير الاصبهاني، حدثنا على بن محمد المقدمى
حدثنا محمد بن عمر بن على المقدمى، حدثنا على بن محمد بن يوسف بن شبان بن مالك بن مسمع، حدثنا سهل بن حنيف بن سهل بن مالك أخى كعب بن مالك، عن أبيه عن جده، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤنى قط، فاعرفوا ذلك له.
أيها الناس إنى عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف والمهاجرين الاولين راض، فاعرفوا ذلك لهم.
أيها الناس احفظوني في أصحابي وأصهاري وأحبابي، لا يطلبكم الله بمظلمة أحد منهم أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيرا.
سنة إحدى عشرة من الهجرة استهلت هذه السنة وقد استقر الركاب الشريف النبوى بالمدينة النبوية المطهرة، مرجعه من حجة الوداع.
وقد وقعت في هذه السنة أمور عظام، من أعظمها خطبا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه عليه السلام نقله الله عزوجل من هذه الدار الفانية إلى النعيم الابدي في محلة عالية رفيعة ودرجة في الجنة لا أعلى منها ولا أسنى كما قال تعالى: " وللآخرة خير لك من الاولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى ".
وذلك بعد ما أكمل أداء الرسالة التى أمره الله تعالى بإبلاغها، ونصح أمته ودلهم على خير ما يعلمه لهم، وحذرهم ونهاهم عما فيه مضرة عليهم في دنياهم وأخراهم، وقد قدمنا ما رواه صاحبا الصحيح من حديث عمر بن الخطاب أنه قال: نزل قوله تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة.
وروينا من طريق جيد: أن عمر بن الخطاب حين نزلت هذه الآية بكى، فقيل:
ما يبكيك ؟ فقال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان.
وكأنه استشعر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أشار عليه السلام إلى ذلك فيما رواه مسلم من حديث ابن جريج، عن أبى الزبير عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عند جمرة العقبة وقال لنا: " خذوا عنى مناسككم، فلعلي لا أحج بعد عامى هذا ".
وقدمنا ما رواه الحافظان أبو بكر البزار والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة
الربذى، عن صدقة بن يسار، عن ابن عمر، قال: نزلت هذه السورة: " إذا جاء نصر الله والفتح " في أوسط أيام التشريق، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحلت.
ثم ذكر خطبته في ذلك اليوم كما تقدم.
وهكذا قال عبدالله بن عباس رضى الله عنهما لعمر بن الخطاب حين سأله عن تفسير هذه السورة بمحضر كثير من الصحابة، ليريهم فضل ابن عباس وتقدمه وعلمه، حين لامه بعضهم على تقديمه وإجلاسه له مع مشايخ بدر، فقال: إنه من حيث تعلمون.
ثم سألهم وابن عباس حاضر عن تفسير هذه السوره: " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا.
فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا " فقالوا: أمرنا إذا فتح لنا أن نذكر الله ونحمده ونستغفره.
فقال: ما تقول يابن عباس ؟ فقال هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى إليه.
فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما تعلم.
وقد ذكرنا في تفسير هذه السورة ما يدل على قول ابن عباس من وجوه، وإن كان لا ينافى ما فسر به الصحابة رضى الله عنهم.
وكذلك ما رواه الامام أحمد، حدثنا وكيع، عن ابن أبى ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حج بنسائه قال: " إنما
هي هذه الحجة ثم الزمن ظهور الحصر ".
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقد رواه أبو داود في سننه من وجه آخر جيد.
* * * والمقصود أن النفوس استشعرت بوفاته عليه السلام في هذه السنة.
ونحن نذكر ذلك ونورد ما روى فيما يتعلق به من الاحاديث والآثار.
وبالله المستعان.
ولنقدم على ذلك ما ذكره الائمة محمد بن إسحاق بن يسار وأبو جعفر بن جرير وأبو بكر البيهقى في هذا الموضع قبل الوفاة، من تعداد حججه وغزواته وسراياه وكتبه ورسله إلى الملوك.
فلنذكر ذلك ملخصا مختصرا.
ثم نتبعه بالوفاة.
ففى الصحيحين من حديث أبى إسحاق السبيعى عن زيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وحج بعد ما هاجر حجة الوداع ولم يحج بعدها.
قال أبو إسحاق: وواحدة بمكة.
كذا قال أبو إسحاق السبيعى.
وقد قال زيد بن الحباب، عن سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجات: حجتين قبل أن يهاجر، وواحدة بعد ما هاجر معها عمرة، وساق ستا وثلاثين (1) بدنة وجاء على بتمامها من اليمن.
وقد قدمنا عن غير واحد من الصحابة منهم أنس بن مالك في الصحيحين أنه عليه السلام: اعتمر أربع عمر: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، والعمرة التى مع حجة الوداع.
وأما الغزوات فروى البخاري عن أبى عاصم النبيل، عن يزيد بن أبى عبيد، عن
سلمة بن الاكوع.
قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات ومع زيد ابن حارثة تسع غزوات يؤمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفى الصحيحين عن قتيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن زيد، عن سلمة، قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وفيما يبعث من البعوث تسع غزوات، مرة علينا أبو بكر ومرة علينا أسامة بن زيد.
__________
(1) الذى سبق أن ما ساقه الرسول معه من الهدى ست وستون (*).
وفى صحيح البخاري من حديث إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن البراء، قال: غزا رسول الله خمس عشرة غزوة.
وفى الصحيحين من حديث شعبة، عن أبى إسحاق، عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة وشهد معه منها سبع عشرة أولها العشير أو العسير.
وروى مسلم عن أحمد بن حنبل، عن معتمر، عن كهمس بن الحسن، عن ابن بريدة، عن أبيه، أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة.
وفى رواية لمسلم من طريق الحسين بن واقد، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه.
أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة قاتل منها في ثمان.
وفى رواية عنه بهذا الاسناد: وبعث أربعا وعشرين سرية، قاتل يوم بدر وأحد والاحزاب والمريسيع وخيبر ومكة وحنين.
وفى صحيح مسلم من حديث أبى الزبير، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا إحدى وعشرين غزوة، غزوت معه منها تسع عشرة غزوة ولم أشهد بدرا ولا أحدا منعنى أبى، فلما قتل أبى يوم أحد لم أتخلف عن غزاة غزاها.
وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: غزا رسول الله ثمانى عشرة غزوة.
قال: وسمعته مرة يقول: أربعا وعشرين غزوة، فلا
أدرى أكان ذلك وهما أو شيئا سمعته بعد ذلك.
وقال قتادة: غزا رسول الله تسع عشرة قاتل في ثمان منها، وبعث من البعوث أربعا وعشرين.
فجميع غزواته وسراياه ثلاث وأربعون.
وقد ذكر عروة بن الزبير والزهرى وموسى بن عقبة ومحمد إسحاق بن يسار وغير واحد من أئمة هذا الشأن، أنه عليه السلام قاتل يوم بدر في رمضان من سنة اثنتين، ثم في أحد في شوال سنة ثلاث، ثم الخندق وبنى قريظة في شوال أيضا من سنة أربع وقيل:
خمس، ثم في بنى المصطلق بالمريسيع في شعبان سنة خمس، ثم في خيبر في صفر سنة سبع ومنهم من يقول سنة ست.
والتحقيق أنه في أول سنة سبع وآخر سنة ست، ثم قاتل أهل مكة في رمضان سنة ثمان، وقاتل هوازن، وحاصر أهل الطائف في شوال وبعض ذى الحجة سنة ثمان كما تقدم تفصيله.
وحج في سنة ثمان بالناس عتاب بن أسيد نائب مكة، ثم في سنة تسع أبو بكر الصديق، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سنة عشر.
* * * وقال محمد بن إسحاق: وكان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة سبعا وعشرين غزوة: غزوة ودان وهى غزوة الابواء، ثم غزوة بواط من ناحية رضوى، ثم غزوة العشيرة من بطن ينبع، ثم غزوة بدر الاولى يطلب كرز بن جابر، ثم غزوة بدر العظمى التى قتل الله فيها صناديد قريش، ثم غزوة بنى سليم حتى بلغ الكدر، ثم غزوة السويق يطلب أبا سفيان بن حرب، ثم غزوة غطفان وهى غزوة ذى أمر ثم غزوة بحران معدن بالحجاز، ثم غزوة أحد، ثم حمراء الاسد، ثم غزوة بنى النضير، ثم غزوة ذات الرقاع من نخل، ثم غزوة بدر الآخرة، ثم غزوة دومة الجندل، ثم غزوة الخندق، ثم غزوة بنى قريظة، ثم غزوة بنى لحيان من هذيل، ثم غزوة ذى قرد، ثم غزوة بنى المصطلق من خزاعة، ثم غزوة الحديبية لا يريد قتالا فصده المشركون، ثم
غزوة خيبر، ثم عمرة القضاء، ثم غزوة الفتح، ثم غزوة حنين، ثم غزوة الطائف، ثم غزوة تبوك.
قال ابن إسحاق: قاتل منها في تسع غزوات: غزوة بدر وأحد والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف.
قلت: وقد تقدم ذلك كله مبسوطا في أماكنه بشواهده وأدلته.
ولله الحمد.
* * *
قال ابن إسحاق وكانت بعوثه عليه السلام وسراياه ثمانيا وثلاثين من بين بعث وسرية.
ثم شرع رحمه الله في ذكر تفصيل ذلك.
وقد قدمنا ذلك كله أو أكثره مفصلا في مواضعه ولله الحمد والمنة.
ولنذكر ملخص ما ذكره ابن إسحاق: بعث عبيدة بن الحارث إلى أسفل ثنية ذى المروة (1) ثم بعث حمزة بن عبدالمطلب إلى الساحل من ناحية العيص، ومن الناس من يقدم هذا على بعث عبيدة كما تقدم فالله أعلم.
بعث سعد بن أبى وقاص إلى الخرار، بعث عبدالله بن جحش إلى نخلة، بعث زيد ابن حارثة إلى القردة، بعث محمد بن مسلمة إلى كعب بن الاشرف، بعث مرثد بن أبى مرثد إلى الرجيع، بعث المنذر بن عمرو إلى بئر معونة، بعث أبى عبيدة إلى ذى القصة، بعث عمر بن الخطاب إلى تربة في أرض بنى عامر، بعث على إلى اليمن.
بعث غالب بن عبدالله الكلبى إلى الكديد فأصاب بنى الملوح، وأغار عليهم في الليل فقتل طائفة منهم فاستاق نعمهم فجاء نفرهم في طلب النعم، فلما اقتربوا حال بينهم واد من السيل، وأسروا في مسيرهم هذا الحارث بن مالك بن البرصاء.
وقد حرر ابن إسحاق هذا هاهنا وقد تقدم بيانه.
بعث على بن أبى طالب إلى أرض فدك، بعث أبى العوجاء السلمى إلى بنى سليم
أصيب هو وأصحابه، بعث عكاشة إلى الغمرة، بعث أبى سلمة بن عبد الاسد إلى قطن وهو ماء بنجد لبنى أسد، بعث محمد بن مسلمة إلى القرطاء من هوازن، بعث بشير بن سعد إلى بنى مرة بفدك، وبعثه أيضا إلى ناحية حنين، بعث زيد بن حارثة إلى الجموم من أرض بنى سليم.
بعث زيد بن حارثة إلى جذام من أرض بنى خشين.
قال ابن هشام: وهى من
__________
(1) الاصل: ثنية المرة.
وما أثبته عن ابن هشام 2 / 609.
(*)
أرض حسمى.
وكان سببها فيما ذكره ابن إسحاق وغيره: أن دحية بن خليفة لما رجع من عند قيصر وقد أبلغه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الله فأعطاه من عنده تحفا وهدايا، فلما بلغ واديا في أرض بنى جذام يقال له شنار أغار عليه الهنيد بن عوص وابنه عوص بن الهنيد الضليعيان، والضليع بطن من جذام، فأخذا ما معه فنفر حى منهم قد أسلموا فاستنقذوا ما كان أخذ لدحية فردوه عليه.
فلا رجع دحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر واستسقاه دم الهنيد وابنه عوص، فبعث حينئذ زيد بن حارثة في جيش إليهم فساروا إليهم من ناحية الاولاج فأغار بالماقص من ناحية الحرة، فجمعوا ما وجدوا من مال وناس وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بنى الاحنف ورجلا من بنى خصيب.
فلما احتاز زيد أموالهم وذراريهم اجتمع نفر منهم برفاعة بن زيد، وكان قد جاءه كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الله، فقرأه عليهم رفاعة فاستجاب له طائفة منهم، ولم يكن زيد بن حارثة يعلم ذلك فركبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ثلاثة أيام، فأعطوه الكتاب فأمر بقراءته جهرة على الناس، ثم قال: رسول الله: كيف أصنع بالقتلى ؟ ثلاث مرات.
فقال رجل منهم يقال له أبو زيد بن عمرو: أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمى هذه.
فبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب، فقال على: إن زيدا لا يطيعني.
فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه علامة، فسار معهم على جمل لهم فلقوا زيدا وجيشه ومعهم الاموال والذراري بفيفاء الفحلتين، فسلمهم على جميع ما كان أخذلهم لم يفقدوا منه شيئا بعث زيد بن حارثة أيضا إلى بنى فزارة بوادي القرى.
فقتل طائفة من أصحابه وارتث (1) هو من بين القتلى، فلما رجع آلى ألا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزوهم أيضا،
__________
(1) جمل جريحا وبه رمق.
(*)
فلما استبل من جراحه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيا في جيش، فقتلهم بوادي القرى، وأسر أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن بدر وكانت عند مالك بن حذيفة بن بدر ومعها ابنة لها، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر اليعمرى فقتل أم قرفة واستبقى ابنتها وكانت من بيت شرف يضرب بأم قرفة المثل في عزها، وكانت بنتها مع سلمة بن الاكوع، فاستوهبها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياها، فوهبها رسول الله لخاله حزن بن أبى وهب فولدت له ابنه عبدالرحمن.
بعث عبدالله بن رواحة إلى خيبر مرتين: إحداهما التى أصاب فيها اليسير بن رزام، وكان يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث رسول الله عبدالله بن رواحة في نفر منهم عبدالله بن أنيس، فقدموا عليه فلم يزالوا يرغبونه ليقدموه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار معهم فلما كانوا بالقرقرة على ستة أميال من خيبر ندم اليسير على مسيره، ففطن له عبدالله بن أنيس - وهو يريد السيف - فضربه بالسيف فأطن قدمه، وضربه اليسير بمخرش من شوحط في رأسه فأمه، ومال كل رجل من المسلمين على صاحبه من اليهود فقتله، إلا رجلا واحدا أفلت على قدميه.
فلما قدم ابن أنيس تفل في رأسه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقح
جرحه ولم يؤذه.
قلت: وأظن البعث الآخر إلى خيبر لما بعثه عليه السلام خارصا على نخيل خيبر.
والله أعلم.
بعث عبدالله بن عتيك وأصحابه إلى خيبر فقتلوا أبا رافع اليهودي.
بعث عبدالله بن أنيس إلى خالد بن سفيان بن نبيح فقتله بعرنة.
وقد روى ابن إسحاق قصته هاهنا مطولة.
وقد تقدم ذكرها في سنة خمس والله أعلم.
بعث زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة إلى مؤتة من أرض الشام، فأصيبوا
كما تقدم.
بعث كعب بن عمير إلى ذات أطلاح من أرض الشام، فأصيبوا جميعا أيضا.
بعث عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر إلى بنى العنبر من تميم فأغار عليهم، فأصاب منهم أناسا ثم ركب وفدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسراهم فأعتق بعضا وفدى بعضا.
بعث غالب بن عبدالله أيضا إلى أرض بنى مرة فأصيب بها مرداس بن نهيك حليف لهم من الحرقة من جهينة، قتله أسامة بن زيد ورجل من الانصار أدركاه، فلما شهرا السلاح قال: لا إله إلا الله.
فلما رجعا لامهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد اللوم، فاعتذرا بأنه ما قال ذلك إلا تعوذا من القتل.
فقال لاسامة: هلا شققت عن قلبه ؟ ! وجعل يقول لاسامة: من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ! قال أسامة: فما زال يكررها حتى لوددت أن لم أكن أسلمت قبل ذلك.
وقد تقدم الحديث بذلك.
بعث عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل من أرض بنى عذرة يستنفر العرب إلى الشام.
وذلك أن أم العاص بن وائل كانت من بلى، فلذلك بعث عمرا يستنفرهم ليكون أنجع فيهم.
فلما وصل إلى ماء لهم يقال له السلسل خافهم، فبعث يستمد رسول الله، فبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيهم أبو بكر وعمر وعليها أبو عبيدة بن الجراح، فلما انتهوا إليه تأمر عليهم كلهم عمرو وقال: إنما بعثتم مددا لى.
فلم يمانعه أبو عبيدة لانه كان رجلا سهلا لينا هينا عند أمر الدنيا، فسلم له وانقاد معه، فكان عمرو يصلى بهم كلهم، ولهذا لما رجع قال: يا رسول الله أي الناس أحب إليك ؟ قال: عائشة.
قال: فمن الرجال ؟ قال: أبوها.
بعث عبدالله بن أبى حدرد إلى بطن إضم، وذلك قبل فتح مكة، وفيها قصة مجلم بن حثامة.
وقد تقدم مطولا في سنة سبع.
بعث ابن أبى حدرد أيضا إلى الغابة.
بعث عبدالرحمن بن عوف إلى دومة الجندل.
قال محمد بن إسحاق: حدثنى من لا أتهم، عن عطاء بن أبى رباح، قال: سمعت رجلا من أهل البصرة يسأل عبدالله بن عمر بن الخطاب عن إرسال العمامة من خلف الرجل إذا اعتم.
قال: فقال عبدالله: أخبرك إن شاء الله عن ذلك.
تعلم أنى كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وأبو سعيد الخدرى، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتى من الانصار فسلم على رسول الله ثم جلس، فقال: يارسول الله أي المؤمنين أفضل ؟ قال: أحسنهم خلقا.
قال: فأى المؤمنين أكيس ؟ قال: أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم استعدادا له قبل أن ينزل به، أولئك الاكياس.
ثم سكت الفتى.
وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا نزلن بكم - وأعوذ بالله أن تدركوهن - إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يغلبوا عليها إلا ظهر فيهم الطاعون والاوجاع التى لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم
ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم ما مطروا، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فأخذ بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم.
قال: ثم أمر عبدالرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء، فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نقضها ثم عممه بها وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك.
ثم قال: هكذا يابن عوف فاعتم فإنه أحسن وأعرف.
ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء، فدفعه إليه فحمد الله وصلى على نفسه ثم قال: خذه يابن عوف، اغزوا جميعا في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، فهذا عهد الله وسيرة نبيكم فيكم.
فأخذ عبدالرحمن بن عوف اللواء.
قال: ابن هشام: فخرج إلى دومة الجندل.
بعث أبى عبيدة بن الجراح، وكانوا قريبا من ثلاثمائة راكب إلى سيف البحر، وزوده عليه السلام جرابا من تمر و [ فيها ] قصة العنبر وهى الحوت العظيم الذى دسره البحر، وأكلهم كلهم منه قريبا من شهر حتى سمنوا وتزودوا منه وشائق أي شرائح، حتى رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعموه منه فأكل منه.
كما تقدم بذلك الحديث.
قال ابن هشام: ومما لم يذكر ابن إسحاق من البعوث - يعنى هاهنا - بعث عمرو بن أمية الضمرى لقتل أبى سفيان صخر بن حرب بعد مقتل خبيب بن عدى وأصحابه، فكان من أمره ما قدمناه.
وكان مع عمرو بن أمية جبار بن صخر ولم يتفق لهما قتل أبى سفيان بل قتلا رجلا
غيره وأنزلا خبيبا عن جذعه.
وبعث سالم بن عمير أحد البكائين إلى أبى عفك، أحد بنى عمرو بن عوف وكان قد نجم نفاقه حين قتل رسول الله الحارث بن سويد بن الصامت كما تقدم.
فقال يرثيه ويذم - قبحه الله - الدخول في الدين: لقد عشت دهرا وما إن أرى * من الناس دارا ولا مجمعا أبر عهودا وأوفى لمن * يعاقد فيهم إذا ما دعا من أولاد قيلة في جمعهم * يهد الجبال ولم يخضعا
فصدعهم راكب جاءهم * حلال حرام لشتى معا فلو أن بالعز صدقتم * أو الملك تابعتم تبعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لى بهذا الخبيث ؟ فانتدب له سالم بن عمير هذا فقتله، فقالت أمامة المريدية في ذلك: تكذب دين الله والمرء أحمدا * لعمرو الذى أمناك بئس الذى يمنى حباك حنيف آخر الليل طعنة * أبا عفك خذها على كبر السن وبعث عمير بن عدى الخطمى لقتل العصماء بنت مروان من بنى أمية بن زيد، كانت تهجو الاسلام وأهله، ولما قتل أبو عفك المذكور أظهرت النفاق وقالت في ذلك: باست بنى مالك والنبيت * وعوف وباست بنى الخزرج أطعتم أتاوى من غيركم * فلا من مراد ولا مذحج ترجونه بعد قتل الرؤوس * كما يرتجى ورق المنضج ألا أنف يبتغى غرة * فيقطع من أمل المرتجى قال: فأجابها حسان بن ثابت فقال:
بنو وائل وبنو واقف * وخطمة دون بنى الخزرج متى ما دعت سفها ويحها * بعولتها والمنايا تجى فهزت فتى ماجدا عرقه * كريم المداخل والمخرج فضرجها من نجيع الدما * ء بعيد الهدو فلم يحرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك: ألا آخذ لى من ابنة مروان ؟ فسمع ذلك عمير بن عدى، فلما أمسى من تلك الليلة سرى عليها فقتلها.
ثم أصبح فقال:
يا رسول الله قتلتها.
فقال: نصرت الله ورسوله يا عمير.
قال: يا رسول الله هل على من شأنها ؟ قال: لا تنتطح فيها عنزان.
فرجع عمير إلى قومه وهم يختلفون في قتلها وكان لها خمسة بنون، فقال: أنا قتلتها فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون.
فذلك أول يوم عز الاسلام في بنى خطمة، فأسلم منهم بشر كثير لما رأوا من عز الاسلام.
ثم ذكر البعث الذين أسروا ثمامة بن أثال الحنفي، وما كان من أمره في إسلامه.
وقد تقدم ذلك في الاحاديث الصحاح.
وذكر ابن هشام أنه هو الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء.
لما كان من قلة أكله بعد إسلامه، وأنه لما انفصل عن المدينة دخل مكة معتمرا وهو يلبى، فنهاه أهل مكة عن ذلك فأبى عليهم وتوعدهم بقطع الميرة عنهم من اليمامة، فلما عاد إلى اليمامة منعهم الميرة، حتى كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعادها إليهم.
وقال بعض بنى حنيفة: ومنا الذى لبى بمكة محرما * برغم أبى سفيان في الاشهر الحرم وبعث علقمة بن مجزز المدلجى ليأخذ بثأر أخيه وقاص بن مجزز يوم قتل بذى قرد، فاستأذن رسول الله ليرجع في آثار القوم، فأذن له وأمره على طائفة من الناس، فلما قفلوا
أذن لطائفة منهم في التقدم واستعمل عليهم عبدالله بن حذافة وكانت فيه دعابة، فاستوقد نارا وأمرهم أن يدخلوها، فلما عزم بعضهم على الدخول قال.
إنما كنت أضحك.
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه.
والحديث في هذا ذكره ابن هشام عن الدراوردى، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان، عن أبى سعيد الخدرى.
وبعث كرز بن جابر لقتل أولئك النفر الذين قدموا المدينة، وكانوا من قيس من
بجيلة، فاستوخموا المدينة واستوبؤوها فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى إبله فيشربوا من أبوالها وألبانها، فلما صحوا قتلوا راعيها وهو يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبحوه وغرزوا الشوك في عينيه، واستاقوا اللقاح، فبعث في آثارهم كرز بن جابر في نفر من الصحابة فجاءوا بأولئك النفر من بجيلة مرجعه عليه السلام من غزوة ذى قرد، فأمر فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم.
وهؤلاء النفر إن كانوا هم المذكورين في حديث أنس المتفق عليه أن نفرا ثمانية من عكل أو عرينة قدموا المدينة، الحديث، والظاهر أنهم هم، فقد تقدم قصتهم مطولة، وإن كانوا غيرهم فها قد أوردنا عيون ما ذكره ابن هشام.
والله أعلم.
قال ابن هشام: وغزوة على بن أبى طالب التى غزاها مرتين.
قال أبو عمرو المدنى: بعث رسول الله عليا إلى اليمن وخالدا في جند آخر.
وقال إن اجتمعتم فالامير على بن أبى طالب.
قال: وقد ذكر ابن إسحاق بعث خالد، ولم يذكره في عدد البعوث والسرايا فينبغي أن تكون العدة في قوله تسعا وثلاثين.
قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، فتجهز الناس
وأوعب مع أسامة المهاجرون الاولون.
قال ابن هشام: وهو آخر بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل، حدثنا مالك، عن عبدالله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمارته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقا للامارة وإن كان لمن أحب الناس
إلى، وإن هذا لمن أحب الناس إلى بعده.
ورواه الترمذي من حديث مالك وقال حديث صحيح حسن.
وقد انتدب كثير من الكبار من المهاجرين الاولين والانصار في جيشه، فكان من أكبرهم عمر بن الخطاب.
ومن قال إن أبا بكر كان فيهم فقد غلط، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد به المرض وجيش أسامة مخيم بالجرف.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلى بالناس كما سيأتي.
فكيف يكون في الجيش وهو إمام المسلمين بإذن الرسول من رب العالمين، ولو فرض أنه كان قد انتدب معهم فقد استثناه الشارع من بينهم بالنص عليه للامامة في الصلاة التى هي أكبر أركان الاسلام، ثم لما توفى عليه الصلاة والسلام استطلق الصديق من أسامة عمر بن الخطاب فأذن له في المقام عند الصديق، ونفذ الصديق جيش أسامة.
فصل في الآيات والاحاديث المنذرة بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضه الذى مات فيه قال الله تعالى: " إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون "
وقال تعالى: " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ".
وقال تعالى: " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ".
وقال تعالى: " وما محمد إلى رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين ".
وهذه الآية هي التى تلاها الصديق يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعها الناس كأنهم لم يسمعوها قبل.
وقال تعالى: " إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ".
قال عمر بن الخطاب وابن عباس: هو أجل رسول الله نعى إليه.
وقال ابن عمر: نزلت أوسط أيام التشريق في حجة الوداع، فعرف رسول الله أنه الوداع، فخطب الناس خطبة أمرهم فيها ونهاهم، الخطبة المشهورة كما تقدم.
وقال جابر رأيت رسول الله يرمى الجمار فوقف وقال: " لتأخذوا عنى مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامى هذا ".
وقال عليه السلام لابنته فاطمة كما سيأتي: " إن جبريل كان يعارضنى بالقرآن في كل
سنة مرة، وإنه عارضنى به العام مرتين، وما أرى ذلك إلا اقتراب أجلى ".
وفى صحيح البخاري من حديث أبى بكر بن عياش عن أبى حصين، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، قال: كان رسول الله يعتكف في كل شهر رمضان عشرة أيام، فلما كان من العام الذى توفى فيه اعتكف عشرين يوما، وكان يعرض عليه القرآن في كل رمضان، فلما كان العام الذى توفى فيه عرض عليه القرآن مرتين.
* * *
وقال محمد بن إسحاق رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في ذى الحجة، فأقام بالمدينة بقيته والمحرم وصفرا.
وبعث أسامة بن زيد.
فبينا الناس على ذلك ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكواه الذى قبضه الله فيه إلى ما أراده الله من رحمته وكرامته في ليال بقين من صفر أو في أول شهر ربيع الاول.
فكان أول ما ابتدئ به رسول الله من ذلك، فيما ذكر لى، أنه خرج إلى بقيع الغرقد من جوف الليل فاستغفر لهم، ثم رجع إلى أهله، فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك.
قال ابن اسحاق: وحدثني عبدالله بن جعفر، عن عبيد بن جبير مولى الحكم، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، عن أبى مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثنى رسول الله من جوف الليل فقال: يا أبا مويهبة إنى قد أمرت أن أستغفر لاهل هذا البقيع فانطلق معى.
فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الاولى.
ثم أقبل على فقال: يا أبا مويهبة إنى قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة.
قال: قلت: بأبى أنت وأمى ! فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة.
قال: لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربى والجنة.
ثم استغفر لاهل البقيع، ثم انصرف فبدئ برسول الله وجعه الذى قبضه الله فيه.
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب.
وإنما رواه أحمد عن يعقوب بن إبرهيم، عن
أبيه، عن محمد بن إسحاق به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا الحكم بن فضيل، حدثنا يعلى بن عطاء، عن عبيد بن جبير، عن أبى مويهبة، قال: أمر رسول الله أن يصلى على أهل البقيع، فصلى عليهم ثلاث مرات، فلما كانت الثالثة قال: يا أبا مويهبة أسرج لى دابتي.
قال: فركب ومشيت حتى انتهى إليهم، فنزل عن دابته وأمسكت الدابة فوقف.
أو قال - قام عليهم - فقال: ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس، أتت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا، الآخرة أشد من الاولى، فليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس.
ثم رجع فقال: يا أبا مويهبة إنى أعطيت، أو قال: خيرت، بين مفاتيح ما يفتح على أمتى من بعدى والجنة أو لقاء ربى.
قال فقلت: بأبى أنت وأمى فاخترنا.
قال: لان ترد على عقبها ما شاء الله (1)، فاخترت لقاء ربى.
فما لبث بعد ذلك إلا سبعا أو ثمانيا حتى قبض.
وقال عبد الرزاق عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: قال رسول الله نصرت بالرعب وأعطيت الخزائن، وخيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتى وبين التعجيل، فاخترت التعجيل.
__________
(1) المعنى خشيته من فتنة أمته بالدنيا، فلم يرتض طول الاقامة فيها.
(*)
قال البيهقى: وهذا مرسل.
وهو شاهد لحديث أبى مويهبة.
* * * قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبدالله ابن عتبة، عن ابن مسعود، عن عائشة، قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وارأساه.
فقال: بل أنا والله يا عائشة
وارأساه.
قالت: ثم قال: وما ضرك لو مت قبلى فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك ؟ قالت: قلت: والله لكأنى بك لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتى فأعرست فيه ببعض نسائك ! قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونام به وجعه، وهو يدور على نسائه حتى استعز به في بيت ميمونة، فدعا نساءه فاستأذنهن أن يمرض في بيتى فأذن له.
قالت: فخرج رسول الله بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتى.
قال عبيدالله: فحدثت به ابن عباس فقال: أتدرى من الرجل الآخر ؟ هو على بن أبى طالب.
وهذا الحديث له شواهد ستأتي قريبا.
وقال البيهقى: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الاصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس ابن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثنى يعقوب بن عتبة، عن الزهري، عن عبيد الله ابن عبدالله، عن عائشة، قالت: دخل على رسول الله وهو يصدع وأنا أشتكى رأسي، فقلت: وارأساه.
فقال: بل أنا والله يا عائشة وارأساه ! ثم قال: وما عليك لو مت قبلى فوليت أمرك وصليت عليك وواريتك ؟ فقلت:
والله إنى لاحسب لو كان ذلك لقد خلوت ببعض نسائك في بيتى من آخر النهار ! فضحك رسول الله.
ثم تمادى به وجعه فاستعز (1) به وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة، فاجتمع إليه أهله.
فقال العباس: إنا لنرى برسول الله ذات الجنب فهلموا فلنلده (2)، فلدوه، فأفاق رسول الله.
فقال: من فعل هذا ؟ فقالوا: عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات الجنب.
فقال رسول الله: إنها من الشيطان، وما كان الله ليسلطه على، لا يبقى في
البيت أحد إلا لددتموه إلا عمى العباس.
فلد أهل البيت كلهم حتى ميمونة وإنها لصائمة وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتى، فأذن له، فخرج وهو بين العباس ورجل آخر - لم تسمه - تخط قدماه بالارض.
قال عبيد الله: قال ابن عباس: الرجل الآخر على بن أبى طالب.
قال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا الليث، حدثنى عقيل، عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبدالله بن عتبة، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما ثقل رسول الله واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتى فأذن له، فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه الارض بين عباس.
قال ابن عبدالمطلب: وبين رجل آخر.
قال عبيد الله: فأخبرت عبدالله - يعنى ابن عباس - بالذى قالت عائشة.
فقال لى عبدالله بن عباس: هل تدرى من الرجل الآخر الذى لم تسم عائشة ؟ قال: قلت: لا.
قال ابن عباس: هو على.
فكانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحدث أن رسول الله لما دخل بيتى
__________
(1) استعز: اشتد.
(2) اللد: صب الدواء بالمسعط في أحد شقى الفم.
(*)
واشتد به وجعه.
قال: هريقوا على من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، لعلى أعهد إلى الناس.
فأجلسناه في مخضب (1) لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن.
قالت عائشة: ثم خرج إلى الناس فصلى لهم وخطبهم.
وقد رواه البخاري أيضا في مواضع أخر من صحيحه، ومسلم من طرق عن الزهري به.
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل، حدثنا سليمان بن بلال، قال هشام بن عروة، أخبرني أبى، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذى مات فيه: أين أنا غدا ؟ أين أنا غدا ؟ يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها.
قالت عائشة رضى الله عنها: فمات في اليوم الذى كان يدور على فيه في بيتى، وقبضه الله وإن رأسه لبين سحري (2) ونحرى، وخالط ريقه ريقي.
قالت: ودخل عبدالرحمن بن أبى بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبدالرحمن.
فأعطانيه فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستن به وهو مسند إلى صدري.
انفرد به البخاري من هذا الوجه.
وقال البخاري: أخبرنا عبدالله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثنى ابن الهاد، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: مات النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) المخضب: المركن.
(2) السحر: الرئة: تريد الصدر.
(*)
وإنه لبين حاقنتى (1) وذاقنتى، فلا أكره شدة الموت لاحد أبدا بعد النبي الله عليه وسلم.
* * * وقال البخاري: حدثنا حبان، أنبأنا عبدالله، أنبأنا يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة، أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذى توفى فيه طفقت أنفث عليه (2) بالمعوذات التى كان ينفث وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
ورواه مسلم من حديث ابن وهب، عن يونس بن يزيد الايلى، عن الزهري به.
والفلاس ومسلم عن محمد بن حاتم كلهم.
[ وثبت في الصحيحين من حديث أبى عوانة، عن فراس، عن الشعبى، عن مسروق، عن عائشة قالت: اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة تمشى لا تخطئ مشيتها مشية أبيها، فقال: مرحبا بابنتى.
فأقعدها عن يمينه أو شماله.
ثم سارها بشئ فبكت، ثم سارها فضحكت، فقلت لها: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرار وأنت تبكين ! فلما أن قامت قلت: أخبريني ما سارك.
فقالت: ما كنت لافشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما توفى.
قلت لها: أسألك لما لى عليك من الحق لما أخبرتيني.
قالت: أما الآن فنعم.
قالت: سارنى في الاول قال لى: إن جبريل كان يعارضنى القرآن كل سنة مرة، وقد عارضنى في هذا العام مرتين، ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلى، فاتقى الله واصبري فنعم السلف أنا لك.
فبكيت.
ثم سارنى فقال: أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الامة ؟ فضحكت.
__________
(1) الحاقنة: ما بين الترقوتين.
ولذاقنة: الذقن، أو طرف الحلقوم.
(2) صحيح البخاري 2 / 280: على نفسه.
(*)
وله طرق عن عائشة ] (1).
وقد روى البخاري عن على بن عبدالله والفلاس، ومسلم بن محمد بن حاتم، كلهم عن يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان الثوري، عن موسى بن أبى عائشة، عن عبيد الله ابن عبدالله، عن عائشة، قالت: لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني، قلنا: كراهية المريض للدواء.
فلما أفاق قال: ألم أنهكم ألا تلدوني ؟ قلنا: كراهية المريض الدواء فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر
إلا العباس فإنه لم يشهدكم.
قال البخاري: ورواه ابن أبى الزناد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال البخاري: وقال يونس عن الزهري قال عروة: قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذى مات فيه: يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذى أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهرى من ذلك السم.
هكذا ذكره البخاري معلقا.
وقد أسنده الحافظ البيهقى عن الحاكم، عن أبى بكر بن محمد بن أحمد بن يحيى الاشقر، عن يوسف بن موسى، عن أحمد بن صالح عن عنبسة، عن يونس بن يزيد الايلى، عن الزهري به.
* * * وقال البيهقى: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الاصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار، عن أبى معاوية عن الاعمش، عن عبدالله بن مرة، عن أبى الاحوص، عن عبدالله بن مسعود، قال: لئن أحلف تسعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلا أحب إلى من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل، وذلك أن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا.
__________
(1) من ت.
(*)
وقال البخاري: حدثنا إسحاق، أخبرنا بشر بن شعيب بن أبى حمزة، حدثنى أبى، عن الزهري، قال أخبرني عبدالله بن كعب بن مالك الانصاري، وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، أن عبدالله بن عباس أخبره أن على بن أبى طالب خرج من عند رسول الله في وجعه الذى توفى فيه فقال الناس: يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا.
فأخذ بيده عباس بن عبدالمطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا ! وإنى والله لارى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا، إنى لاعرف وجوه بنى عبدالمطلب عند الموت، اذهب بنا إلى رسول الله فلنسأله فيمن هذا الامر ؟ إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا.
فقال على: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإنى والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انفرد به البخاري.
وقال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا سفيان، عن سليمان الاحول، عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس ! اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه.
فقال: ائتونى أكتب لكم كتابا لا تضلوا (1) بعده أبدا.
فتنازعوا - ولا ينبغى عند نبى تنازع - فقالوا: ما شأنه أهجر (2) ؟ استفهموه، فذهبوا يردون عنه، فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه.
فأوصاهم بثلاث قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم.
وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها.
ورواه البخاري في موضع آخر، ومسلم من حديث سفيان بن عيينة.
__________
(1) البخاري: لن تضلوا.
(2) هجر: اختلف كلامه بسبب المرض، على سبيل الاستفهام، أي هل تغير كلامه واختلط لاجل ما به من المرض.
النهاية 4 / 255.
وفى الاصل: يهجر، وما أثبته عن صحيح البخاري 2 / 279.
(*)
ثم قال البخاري: حدثنا على بن عبدالله، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى البيت رجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلموا أكتب لكم كتابا
لا تضلوا بعده أبدا.
فقال بعضهم: إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله.
فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده.
ومنهم من يقول غير ذلك.
فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا.
قال عبيد الله: قال ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم.
ورواه مسلم عن محمد بن رافع، وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق بنحوه.
وقد أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه من حديث معمر ويونس عن الزهري به.
* * * وهذا الحديث مما قد توهم به بعض الاغبياء من أهل البدع من الشيعة وغيرهم، كل مدع أنه كان يريد أن يكتب في ذلك الكتاب ما يرمون إليه من مقالاتهم، وهذا هو التمسك بالمتشابه وترك المحكم.
وأهل السنة يأخذون بالمحكم ويردون ما تشابه إليه، وهذه طريقة الراسخين في العلم كما وصفهم الله عزوجل في كتابه.
وهذا الموضع مما زل فيه أقدام كثير من أهل الضلالات، وأما أهل السنة فليس لهم مذهب إلا اتباع الحق يدورون معه كيفما دار.
وهذا الذى كان يريد عليه الصلاة والسلام أن يكتبه قد جاء في الاحاديث الصحيحة التصريح بكشف المراد منه.
فإنه قد قال الامام أحمد: حدثنا مؤمل، حدثنا نافع، عن ابن عمرو، حدثنا ابن أبى مليكة، عن عائشة، قالت: لما كان وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قبض
فيه قال: " ادعوا لى أبا بكر وابنه لكى لا يطمع في أمر أبى بكر طامع ولا يتمناه متمن.
ثم قال: يأبى الله ذلك والمؤمنون ".
مرتين.
قالت عائشة: فأبى الله ذلك والمؤمنون ! انفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقال أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبدالرحمن بن أبى بكر القرشى، عن ابن أبى مليكة، عن عائشة، قالت: لما ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن أبى بكر: " ائتنى بكتف أو لوح حتى أكتب لابي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد " فلما ذهب عبدالرحمن ليقوم.
قال: " يأبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر ".
انفرد به أحمد من هذا الوجه أيضا.
وروى البخاري عن يحيى بن يحيى، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت قال رسول الله: " لقد هممت أن أرسل إلى أبى بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائلون أو يتمنى متمنون.
فقال: يأبى الله، أو يدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون ".
وفى صحيح البخاري ومسلم من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير ابن مطعم، عن أبيه، قال: أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه.
فقالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك ؟ كأنها تقول الموت - قال: " إن لم تجديني فأت أبا بكر ".
والظاهر والله أعلم أنها إنما قالت ذلك له عليه السلام في مرضه الذى مات فيه صلوات الله وسلامه عليه.
وقد خطب عليه الصلاة والسلام في يوم الخميس قبل أن يقبض عليه السلام بخمسة أيام خطبة عظيمة بين فيها فضل الصديق من بين سائر الصحابة، مع ما كان قد نص عليه
أن يؤم الصحابة أجمعين.
كما سيأتي بيانه مع حضورهم كلهم.
ولعل خطبته هذه كانت عوضا عما أراد أن يكتبه في الكتاب.
وقد اغتسل عليه السلام بين يدى هذه الخطبة الكريمة فصبوا عليه من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، وهذا من باب الاستشفاء بالسبع، كما وردت بها الاحاديث في غير هذا الموضع.
والمقصود أنه عليه السلام اغتسل ثم خرج فصلى بالناس ثم خطبهم.
كما تقدم في حديث عائشة رضى الله عنها.
ذكر الاحاديث الواردة في ذلك قال البيهقى: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن أيوب بن بشير، أن رسول الله قال في مرضه: أفيضوا على من سبع قرب من سبع آبار شتى حتى أخرج فأعهد إلى الناس.
ففعلوا، فخرج فجلس على المنبر، فكان أول ما ذكر بعد حمد الله والثناء عليه ذكر أصحاب أحد، فاستغفر لهم ودعا لهم، ثم قال: يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون والانصار على هيئتها لا تزيد، وإنهم عيبتي التى أويت إليها، فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم.
ثم قال عليه السلام: أيها الناس إن عبدا من عباد الله قد خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله.
ففهمها أبو بكر رضى الله عنه من بين الناس فبكى وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا
وأبنائنا وأموالنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر ! انظروا إلى هذه الابواب الشارعة في المسجد فسدوها إلا ما كان من بيت أبى بكر، فإنى لا أعلم أحدا عندي أفضل في الصحبة منه.
هذا مرسل له شواهد كثيرة.
وقال الواقدي: حدثنى فروة بن زبيد بن طوسا، عن عائشة بنت سعد، عن أم ذر، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
قالت: خرج رسول الله عاصبا رأسه بخرقة، فلما استوى على المنبر تحدق الناس بالمنبر واستكفوا، فقال: والذى نفسي بيده إنى لقائم على الحوض الساعة.
ثم تشهد فلما قضى تشهده كان أول ما تكلم به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد.
ثم قال: إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار العبد ما عند الله.
فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه.
وقال: بأبى وأمى ! نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجعل رسول الله يقول له: على رسلك ! وقال الامام أحمد: حدثنا أبو عامر، حدثنا فليح، عن سالم أبى النضر، عن بشر ابن سعيد، عن أبى سعيد، قال: خطب رسول الله الناس فقال: إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله.
قال: فبكى أبو بكر.
قال: فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد، فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به.
فقال رسول الله: إن أمن الناس على في صحبته وماله أبو بكر، لو كنت متخذا خليلا غير ربى لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الاسلام مودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبى بكر.
وهكذا رواه البخاري من حديث أبى عامر العقدى به.
ثم رواه الامام أحمد عن يونس، عن فليح، عن سالم أبى النضر، عن عبيد بن حنين وبشر بن سعيد، عن أبى سعيد به.
وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث فليح ومالك بن أنس، عن سالم عن بشر ابن سعيد وعبيد بن حنين، كلاهما عن أبى سعيد بنحوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو الوليد، حدثنا هشام، حدثنا أبو عوانة، عن عبد الملك، عن ابن أبى المعلى، عن أبيه، أن رسول الله خطب يوما فقال: إن رجلا خيره ربه بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها يأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل منها، وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه.
فبكى أبو بكر، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تعجبون من هذا الشيخ أن ذكر رسول الله رجلا صالحا خيره ربه بين البقاء في الدنيا (1) وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه ! فكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله.
فقال أبو بكر: بل نفديك بأموالنا وأبنائنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من الناس أحد أمن علينا في صحبته وذات يده من ابن أبى قحافة، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبى قحافة، ولكن ود وإخاء وإيمان، ولكن ود وإخاء وإيمان.
مرتين وإن صاحبكم خليل الله عزوجل.
تفرد به أحمد.
قالوا: وصوابه ابن سعيد بن المعلى.
فالله أعلم.
وقد روى الحافظ البيهقى من طريق إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - حدثنا زكريا بن عدى، حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقى، عن زيد بن أبى أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبدالله بن الحارث حدثنا جندب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوفى بخمس وهو يقول: قد كان لى منكم إخوة وأصدقاء، وإنى أبرأ إلى كل خليل من خلته، ولو كنت متخذا من أمتى خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وإن ربى اتخذني
__________
(1) ا: بين لقاء الدنيا.
(*)
خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، وإن قوما ممن كان قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد، فلا تتخذوا القبور مساجد فإنى أنهاكم عن ذلك.
وقد رواه مسلم في صحيحه عن إسحاق بن راهويه بنحوه.
وهذا اليوم الذى كان قبل وفاته عليه السلام بخمسة أيام هو يوم الخميس الذى ذكره ابن عباس فيما تقدم.
وقد روينا هذه الخطبة من طريق ابن عباس.
قال الحافظ البيهقى: أنبأنا أبو الحسن على بن محمد المقرئ، أنبأنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب - هو ابن عوانة الاسفرايينى - قال: حدثنا محمد بن أبى بكر، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبى، سمعت يعلى بن حكيم يحدث عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذى مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمن على بنفسه وماله من أبى بكر، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الاسلام أفضل، سدوا عنى كل خوخة في المسجد غير خوخة أبى بكر.
رواه البخاري عن عبيد الله بن محمد الجعفي، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه به.
وفى قوله عليه السلام: " سدوا عنى كل خوخة - يعنى الابواب الصغار - إلى المسجد غير خوخة أبى بكر " إشارة إلى الخلافة، أي ليخرج منها إلى الصلاة بالمسلمين.
وقد رواه البخاري أيضا من حديث عبدالرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله خرج في مرضه الذى مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء (1) ملتحفا بملحفة على منكبيه، فجلس على المنبر فذكر الخطبة، وذكر فيها الوصاة بالانصار إلى أن قال: فكان آخر مجلس جلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض - يعنى آخر خطبة خطبها عليه السلام.
__________
(1) الدسماء: التى يضرب لونها إلى السواد.
(*)
وقد روى من وجه آخر عن ابن عباس بإسناد غريب ولفظ غريب.
فقال البيهقى: أنبأنا على بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار،
حدثنا ابن أبى قماش وهو محمد بن عيسى، حدثنا موسى بن إسماعيل أبوعمران الجبلى، حدثنا معن بن عيسى القزاز، عن الحارث بن عبدالملك بن عبدالله بن أناس الليثى، عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس، قال: أتانى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكا شديدا، وقد عصب رأسه فقال: خذ بيدى يا فضل.
قال: فأخذت بيده حتى قعد على المنبر.
ثم قال: ناد في الناس يا فضل.
فناديت: الصلاة جامعة.
قال: فاجتمعوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: أما بعد، أيها الناس إنه قد دنا منى خلوف من بين أظهركم، ولن ترونى في هذا المقام فيكم، وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عنى حتى أقومه فيكم، ألا فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهرى فليستقد، ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالى فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضى فليستقد، ولا يقولن قائل: أخاف الشحناء من قبل رسول الله، ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي، وإن أحبكم إلى من أخذ حقا إن كان له على أو حللني فلقيت الله عزوجل وليس لاحد عندي مظلمة.
قال: فقام منهم رجل فقال: يا رسول الله لى عندك ثلاثة دراهم.
فقال: أما أنا فلا أكذب قائلا ولا مستحلفه على يمين، فيم كانت لك عندي ؟ قال: أما تذكر أنه مر بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم.
قال: أعطه يا فضل.
قال: وأمر به فجلس.
قال: ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقالته الاولى.
ثم قال: يا أيها الناس من عنده من الغلول شئ فليرده.
فقام رجل فقال: يا رسول الله عندي ثلاثة
دراهم غللتها في سبيل الله.
قال: فلم غللتها ؟ قال: كنت إليها محتاجا قال: خذها منه يا فضل.
ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقالته الاولى وقال: يا أيها الناس من أحس من نفسه شيئا فليقم أدعو الله له.
فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله إنى لمنافق وإنى لكذوب وإنى لنئوم.
فقال عمر بن الخطاب: ويحك أيها الرجل ! لقد سترك الله لو سترت على نفسك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة، اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وأذهب عنه النوم إذا شاء.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر معى وأنا مع عمر والحق بعدى مع عمر.
وفى إسناده ومتنه غرابة شديدة.
ذكر أمره عليه السلام أبا بكر الصديق رضى الله عنه أن يصلى بالصحابة أجمعين، مع حضورهم كلهم، وخروجه عليه السلام فصلى وراءه مقتديا به في بعض الصلوات على ما سنذكره وإماما له ولمن بعده من الصحابة قال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبى، عن ابن إسحاق، قال: وقال ابن شهاب الزهري: حدثنى عبدالملك بن أبى بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبيه، عن عبدالله بن هشام، عن أبيه، عن عبدالله بن زمعة بن الاسود بن المطلب بن أسد، قال: لما استعز برسول الله وأنا عنده في نفر من المسلمين دعا بلال للصلاة فقال: مروا من يصلى بالناس.
قال: فخرجت فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائبا فقلت: قم يا عمر فصل بالناس.
قال: فلما كبر عمر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته، وكان عمر رجلا مجهرا فقال رسول الله: فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله
ذلك والمسلمون.
قال: فبعث إلى أبى بكر فجاء بعد ما صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس.
وقال عبدالله بن زمعة: قال لى عمر: ويحك ماذا صنعت يابن زمعة ! والله ما ظننت حين أمرتنى إلا أن رسول الله أمرنى بذلك، ولولا ذلك ما صليت.
قال: قلت: والله ما أمرنى رسول الله، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة.
وهكذا رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق، حدثنى الزهري، ورواه يونس
ابن بكير، عن ابن إسحاق، حدثنى يعقوب بن عتبة، عن أبى بكر بن عبدالرحمن، عن عبدالله بن زمعة فذكره.
وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن أبى فديك، حدثنا موسى بن يعقوب، عن عبدالرحمن بن إسحاق، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة، أن عبدالله بن زمعة أخبره بهذا الخبر، قال: لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت عمر.
قال ابن زمعة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أطلع رأسه من حجرته ثم قال: لا لا، لا يصلى للناس إلا ابن أبى قحافة.
يقول ذلك مغضبا.
* * * وقال البخاري: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبى، حدثنا الاعمش، عن إبراهيم، قال الاسود: كنا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والمواظبة لها.
قالت: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذى مات فيه فحضرت الصلاة فأذن بلال، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس.
فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلى بالناس، وأعاد فعادوا له فأعاد الثالثة، فقال: إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس.
فخرج أبو بكر، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة فخرج يهادى بين
رجلين كأنى أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك.
ثم أتى به حتى جلس إلى جنبه.
قيل للاعمش: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى وأبو بكر يصلى بصلاته والناس يصلون بصلاة أبى بكر ؟ فقال برأسه: نعم.
ثم قال البخاري: رواه أبو داود عن شعبة بعضه.
وزاد أبو معاوية عن الاعمش: جلس عن يسار أبى بكر، فكان أبو بكر يصلى قائما.
وقد رواه البخاري في غير ما موضع من كتابه، ومسلم والنسائي وابن ماجه من طرق متعددة عن الاعمش به.
منها ما رواه البخاري عن قتيبة، ومسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة ويحيى بن يحيى، عن أبى معاوية به.
وقال البخاري: حدثنا عبدالله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال في مرضه: مروا أبا بكر فليصل بالناس.
قال ابن شهاب: فأخبرني عبيد الله بن عبدالله عن عائشة، أنها قالت: لقد عاودت رسول الله في ذلك وما حملني على معاودته إلا أنى خشيت أن يتشاءم الناس بأبى بكر، وإلا أنى علمت أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم الناس به، فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبى بكر إلى غيره.
وفى صحيح مسلم من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال: وأخبرني حمزة بن عبدالله بن عمر، عن عائشة قالت: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتى.
قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس.
قالت قلت: يا رسول الله: إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه، فلو أمرت غير أبى بكر ؟ قالت: والله ما بى إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت: فراجعته مرتين أو ثلاثا.
فقال: ليصل بالناس أبو بكر فإنكن صواحب يوسف.
وفى الصحيحين من حديث عبدالملك بن عمير، عن أبى بردة، عن أبى موسى، عن أبيه، قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس.
فقالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق متى يقم مقامك لا يستطيع يصلى
بالناس.
قال: فقال: مروا أبا بكر يصل بالناس فإنكن صواحب يوسف.
قال فصلى أبو بكر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبدالرحمن بن مهدى، أنبأنا زائدة، عن موسى بن أبى عائشة، عن عبيد الله بن عبدالله، قال دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: بلى، ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: أصلى الناس ؟ قلنا لا، هم ينتظرونك يا رسول الله.
فقال: ضعوا لى ماء في في المخضب.
ففعلنا.
قالت: فاغتسل ثم ذهب لينوء (1) فأغمى عليه، ثم أفاق فقال: أصلى الناس ؟ قلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله.
قال: ضعوا لى ماء في المخضب.
ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله.
قال: ضعوا لى ماء في المخضب، ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله.
قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبى بكر بأن يصلى بالناس، وكان أبو بكر رجلا رقيقا.
فقال: يا عمر صل بالناس.
فقال: أنت أحق بذلك.
فصلى بهم تلك الايام.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس
لصلاة الظهر، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا يتأخر، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه، فجعل أبو بكر يصلى قائما ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى قاعدا.
قال عبيد الله: فدخلت على ابن عباس فقلت: ألا أعرض عليك ما حدثتني
__________
(1) ينوء: ينهض.
(*)
عائشة عن مرض رسول الله ؟ قال: هات.
فحدثته فما أنكر منه شيئا، غير أنه قال: سمت لك الرجل الذى كان مع العباس ؟ قلت: لا.
قال: هو على وقد رواه البخاري ومسلم جميعا عن أحمد بن يونس، عن زائدة به.
وفى رواية: فجعل أبو بكر يصلى بصلاة رسول الله وهو قائم، والناس يصلون بصلاة أبى بكر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد.
قال البيهقى: ففى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم في هذه الصلاة وعلق أبو بكر صلاته بصلاته.
قال: وكذلك رواه الاسود وعروة عن عائشة، وكذلك رواه الارقم بن شرحبيل عن ابن عباس.
يعنى بذلك ما رواه الامام أحمد: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبى زائدة، حدثنى أبى، عن أبى إسحاق، عن الارقم بن شرحبيل، عن ابن عباس، قال: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلى بالناس، ثم وجد خفة فخرج، فلما أحس به أبو بكر أراد أن ينكص، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فجلس إلى جنب أبى بكر عن يساره واستفتح من الآية التى انتهى إليها أبو بكر رضى الله عنه.
ثم رواه أيضا عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن أرقم، عن ابن عباس بأطول من هذا.
وقال وكيع مرة: فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس يأتمون بأبى بكر.
ورواه ابن ماجه عن على بن محمد، عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن أرقم بن شرحبيل، عن ابن عباس بنحوه.
وقد قال الامام أحمد حدثنا شبابة بن سوار، حدثنا شعبة، عن نعيم بن أبى هند،
عن أبى وائل، عن مسروق، عن عائشة قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبى بكر قاعدا في مرضه الذى مات فيه.
[ وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث شعبة، وقال الترمذي: حسن صحيح (1) ] وقال أحمد: حدثنا بكر بن عيسى، سمعت شعبة بن الحجاج، عن نعيم بن أبى هند عن أبى وائل، عن مسروق، عن عائشة، أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف.
وقال البيهقى: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أنبأنا عبدالله بن جعفر، أنبأنا يعقوب بن سفيان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا شعبة، عن سليمان الاعمش، عن إبراهيم، عن الاسود، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبا بكر.
وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه.
قال البيهقى: وكذلك رواه حميد، عن أنس بن مالك، ويونس، عن الحسن مرسلا، ثم أسند ذلك من طريق هشيم، أخبرنا يونس عن الحسن.
قال هشيم: وأنبأنا حميد، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وأبو بكر يصلى بالناس فجلس إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته.
قال البيهقى: وأخبرنا على بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار،
حدثنا عبيد بن شريك، أنبأنا ابن أبى مريم، أنبأنا محمد بن جعفر، أخبرني حميد أنه سمع أنسا يقول: آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم في ثوب واحد ملتحفا به خلف أبى بكر.
قلت: وهذا إسناد جيد على شرط الصحيح ولم يخرجوه.
__________
(1) من: ت (*)
وهذا التقييد جيد بأنها آخر صلاة صلاها مع الناس، صلوات الله وسلامه عليه.
وقد ذكر البيهقى من طريق سليمان بن بلال ويحيى بن أيوب، عن حميد، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبى بكر في ثوب واحد مخالفا بين طرفيه، فلما أراد أن يقوم قال: ادع لى أسامة بن زيد.
فجاء فأسند ظهره إلى نحره، فكانت آخر صلاة صلاها.
قال البيهقى: ففى هذا دلالة أن هذه الصلاة كانت صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة لانها آخر صلاة صلاها، لما ثبت أنه توفى ضحى يوم الاثنين.
وهذا الذى قاله البيهقى أخذه مسلما من مغازى موسى بن عقبة، فإنه كذلك ذكر وكذا روى أبو الأسود عن عروة.
وذلك ضعيف، بل هذه آخر صلاة صلاها مع القوم، كما تقدم تقييده في الرواية الاخرى، والحديث واحد، فيحمل مطلقه على مقيده.
ثم لا يجوز أن تكون هذه صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة، لان تلك لم يصلها مع الجماعة بل في بيته لما به من الضعف صلوات الله وسلامه عليه.
والدليل على ذلك ما قال البخاري في صحيحه: حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك، وكان تبع النبي صلى الله عليه وسلم وخدمه وصحبه، أن أبا بكر كان يصلى لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذى توفى فيه، حتى
إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف (1) [ ثم (2) ] تبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرج برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف.
__________
(1) عبارة عن حسن البشرة وصفاء الوجه واستنارته.
(2) من صحيح البخاري.
(*)
وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر وتوفى من يومه صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة وصبيح بن كيسان ومعمر، عن الزهري عن أنس.
ثم قال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز، عن أنس بن مالك، قال: لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا، فأقيمت الصلاة، فذهب أبو بكر يتقدم فقال نبى الله صلى الله عليه وسلم (1) بالحجاب.
فرفعه، فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظرا كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبى بكر أن يتقدم، وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم.
ورواه مسلم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه به.
فهذا أوضح دليل على أنه عليه السلام لم يصل يوم الاثنين صلاة الصبح مع الناس، وأنه كان قد انقطع عنهم لم يخرج إليهم ثلاثا.
قلنا: فعلى هذا يكون آخر صلاة صلاها معهم الظهر، كما جاء مصرحا به في حديث عائشة المتقدم ويكون ذلك يوم الخميس لا يوم السبت ولا يوم الاحد، كما حكاه البيهقى عن مغازى موسى بن عقبة، وهو ضعيف، ولما قدمنا من خطبته بعدها ولانه انقطع عنهم
يوم الجمعة، والسبت، والاحد، وهذه ثلاثة أيام كوامل.
وقال الزهري عن أبى بكر بن أبى سبرة، أن أبا بكر صلى بهم سبع عشرة صلاة.
وقال غيره: عشرين صلاة.
فالله أعلم.
ثم بدا لهم وجهه الكريم صبيحة يوم الاثنين فودعهم بنظرة كادوا يفتتنون بها، ثم كان ذلك آخر عهد جمهورهم به ولسان حالهم يقول كما قال بعضهم:
__________
(1) الاصل: فقال نبى الله عليكم بالحجاب.
وما أثبته عن البخاري، وأراد من قال معنى فعل.
(*)
وكنت أرى كالموت من بين ساعة * فكيف ببين كان موعده الحشر ! والعجب أن الحافظ البيهقى أورد هذا الحديث من هاتين الطريقين.
ثم قال ما حاصله: فلعله عليه السلام احتجب عنهم في أول ركعة ثم خرج في الركعة الثانية فصلى خلف أبى بكر، كما قاله عروة وموسى بن عقبة، وخفى ذلك عن أنس بن مالك أو أنه ذكر بعض الخبر وسكت عن آخره.
وهذا الذى [ ذكره ] أيضا بعيد جدا، لان أنسا قال: فلم يقدر عليه حتى مات.
وفى رواية قال: فكان ذلك آخر العهد به.
وقول الصحابي مقدم على قول التابعي.
والله أعلم.
* * * والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر الصديق إماما للصحابة كلهم في الصلاة التى هي أكبر أركان الاسلام العملية.
قال الشيخ أبو الحسن الاشعري: وتقديمه له أمر معلوم بالضرورة من دين الاسلام.
قال: وتقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة وأقرؤهم، لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب
الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأكبرهم سنا، فإن كانوا في السن سواء فأقدمهم مسلما.
قلت: وهذا من كلام الاشعري رحمه الله مما ينبغى أن يكتب بماء الذهب.
ثم قد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصديق رضى الله عنه وأرضاه.
وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم خلفه في بعض الصلوات، كما قدمنا بذلك الروايات الصحيحة، لا ينافى ما روى في الصحيح أن أبا بكر ائتم به عليه السلام، لان
ذلك في صلاة أخرى، كما نص على ذلك الشافعي وغيره من الائمة رحمهم الله عزوجل.
فائدة: استدل مالك والشافعي وجماعة من العلماء ومنهم البخاري بصلاته عليه السلام قاعدا وأبو بكر مقتديا به قائما والناس بأبى بكر على نسخ قوله عليه السلام في الحديث المتفق عليه حين صلى ببعض أصحابه قاعدا، وقد وقع عن فرس فجحش (1) شقه فصلوا وراءه قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: " كذلك والذى نفسي بيده تفعلون كفعل فارس والروم، يقومون على عظمائهم وهم جلوس ".
" وقال: إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون ".
قالوا: ثم إنه عليه السلام أمهم قاعدا وهم قيام في مرض الموت.
فدل على نسخ ما تقدم والله أعلم.
وقد تنوعت مسالك الناس في الجواب عن هذا الاستدلال، على وجوه كثيرة موضع ذكرها كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
وملخص ذلك: أن من الناس من زعم أن الصحابة جلسوا لامره المتقدم، وإنما استمر أبو بكر قائما لاجل التبليغ عنه صلى الله عليه وسلم.
ومن الناس من قال: بل كان أبو بكر هو الامام في نفس الامر، كما صرح به بعض الرواة كما تقدم.
وكان أبو بكر لشدة أدبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم لا يبادره بل يقتدى به، فكأنه عليه السلام صار إمام الامام، فلهذا لم يجلسوا لاقتدائهم بأبى بكر وهو قائم، ولم يجلس الصديق لاجل أنه إمام ولانه يبلغهم عن النبي صلى الله عليه وسلم الحركات والسكنات والانتقالات.
والله أعلم.
__________
(1) جحش: أصيب (*)
ومن الناس من قال: فرق بين أن يبتدئ الصلاة خلف الامام في حال القيام فيستمر فيها قائما وإن طرأ جلوس الامام في أثنائها، كما في هذه الحال، وبين أن يبتدئ الصلاة خلف إمام جالس فيجب الجلوس للحديث المتقدم.
والله أعلم.
ومن الناس من قال: هذا الصنيع والحديث المتقدم دليل على جواز القيام والجلوس، وأن كلا منهما سائغ جائز: الجلوس، لما تقدم، والقيام للفعل المتأخر.
والله أعلم.
فصل في كيفية احتضاره ووفاته عليه السلام قال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الاعمش، عن إبراهيم التيمى، عن الحارث بن سويد، عن عبدالله، هو ابن مسعود، قال: دخلت عل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته.
فقلت: يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا.
قال أجل، إنى أوعك كما يوعك الرجلان منكم.
قلت: إن لك أجرين.
قال: " نعم، والذى نفسي بيده ما على الارض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها ".
وقد أخرجه البخاري ومسلم من طرق متعددة عن سليمان بن مهران الاعمش به.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا إسحاق بن أبى إسرائيل، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن رجل، عن أبى سعيد الخدرى، (1) وضع يده على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله ما أطيق أن أضع يدى عليك من شدة حماك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنا معشر الانبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الاجر، إن كان النبي من الانبياء ليبتلى بالقمل حتى يقتله، وإن كان الرجل ليبتلى بالعرى حتى يأخذ العباءة فيجوبها (2)، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء ".
فيه رجل مبهم لا يعرف بالكلية، فالله أعلم.
وقد روى البخاري ومسلم من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج، زاد مسلم:
__________
(1) كذا، ولعلها: أنه.
(2) يجوبها: أي يجعل لها جبا فيلبسها.
(*)
وجرير.
ثلاثتهم عن الاعمش، عن أبى وائل شقيق بن سلمة، عن مسروق، عن عائشة قالت: ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفى صحيح البخاري من حديث يزيد بن الهاد، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتى وذاقنتى، فلا أكره شدة الموت لاحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وفى الحديث الآخر الذى رواه [ البخاري ] في صحيحه قال: قال رسول الله: " أشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون، ثم الامثل فالامثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء ".
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبى، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنى سعيد بن عبيد بن السباق، عن محمد بن أسامة بن زيد، عن أبيه أسامة بن زيد، قال:
لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس معى إلى المدينة، فدخلت على رسول الله وقد أصمت فلا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يصيبها (1) على أعرف أنه يدعو لى.
ورواه الترمذي عن أبى كريب، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، وقال: حسن غريب.
* * * وقال الامام مالك في موطأه عن إسماعيل عن أبى حكيم، أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: " قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان بأرض العرب ".
هكذا رواه مرسلا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
__________
(1) ت: على وجهه.
وهو تحريف.
والحديث في مسند أحمد 5 / 201 (*)
وقد روى البخاري ومسلم من حديث الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، عن عائشة وابن عباس، قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة (1) له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه.
فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما صنعوا.
وقال الحافظ البيهقى: أنبأنا أبو بكر بن أبى رجاء الاديب، أنبأنا أبو العباس الاصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الاعمش، عن أبى سفيان، عن جابر بن عبدالله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: أحسنوا الظن بالله.
وفى بعض الاحاديث كما رواه مسلم من حديث الاعمش، عن أبى سفيان طلحة ابن نافع، عن جابر، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يموتن أحدكم إلا وهو
حسن الظن بالله تعالى ".
وفى الحديث الآخر يقول الله تعالى: " أنا عند ظن عبدى بى فليظن بى خيرا ".
وقال البيهقى: أنبأنا الحاكم، حدثنا الاصم، حدثنا محمد بن إسحاق الصغانى، حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا جرير، عن سليمان التيمى، عن قتادة، عن أنس، قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الوفاة: " الصلاة وما ملكت أيمانكم " حتى جعل يغرغر بها وما يفصح بها لسانه.
وقد رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه، عن جرير بن عبدالحميد به، وابن ماجه عن أبى الاشعث، عن معتمر بن سليمان، عن أبيه به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا التيمى، عن قتادة، عن أنس ابن مالك، قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت:
__________
(1) الخميصة: كساء أسود مربع له علمان.
(*)
الصلاة وما ملكت أيمانكم.
حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها لسانه.
وقد رواه النسائي وابن ماجه من حديث سليمان بن طرخان، وهو التيمى، عن قتادة عن أنس به.
وفى رواية للنسائي عن قتادة، عن صاحب له، عن أنس به.
وقال أحمد: حدثنا بكر بن عيسى الراسبى، حدثنا عمر بن الفضل، عن نعيم بن يزيد، عن على بن أبى طالب، قال: أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده.
قال: فخشيت أن تفوتنى نفسه.
قال: قلت: إنى أحفظ وأعى.
قال: أوصى بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم.
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضيل (1)، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن سفينة، عن أم سلمة قالت: كان عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه.
وهكذا رواه النسائي عن حميد بن مسعدة، عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن سفينة عن أم سلمة به.
قال البيهقى: والصحيح ما رواه عفان، عن همام، عن قتادة عن أبى الخليل، عن سفينة عن أم سلمة به.
وهكذا رواه النسائي أيضا وابن ماجه، من حديث يزيد بن هارون، عن همام، عن قتادة، عن صالح أبى الخليل، عن سفينة عن أم سلمة به.
__________
(1) غير ا: الفضل (*)
وقد رواه النسائي أيضا عن قتيبة، عن أبى عوانة، عن قتادة، عن سفينة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.
ثم رواه عن محمد بن عبدالله بن المبارك عن يونس بن محمد قال: حدثنا عن سفينة فذكر نحوه.
وقال أحمد: حدثنا يونس، حدثنا الليث، عن زيد بن الهاد، عن موسى بن سرجس، عن القاسم، عن عائشة قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء، فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: اللهم أعنى على سكرات الموت.
ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث الليث به.
وقال الترمذي: غريب.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، عن إسماعيل، عن مصعب بن إسحاق بن طلحة،
عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليهون على أنى رأيت بياض كف عائشة في الجنة.
تفرد به أحمد وإسناده لا بأس به.
وهذا دليل على شدة محبته عليه السلام لعائشة رضى الله عنها.
وقد ذكر الناس معاني كثيرة في كثرة المحبة ولم يبلغ أحدهم هذا المبلغ، وما ذاك إلا لانهم يبالغون كلاما لا حقيقة له، وهذا كلام حق لا محالة ولا شك فيه.
وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبى مليكة قال: قالت عائشة: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتى وتوفى بين سحري ونحرى وكان جبريل يعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوذه فرفع بصره إلى السماء وقال: في الرفيق الاعلى في الرفيق الاعلى.
ودخل عبدالرحمن بن أبى بكر وبيده جريدة رطبة فنظر إليها فظننت أن له بها
حاجة، قالت: فأخذتها فنفضتها فدفعتها إليه فاستن بها أحسن ما كان مستنا، ثم ذهب يناولنيها فسقطت من يده.
قالت: فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة.
ورواه البخاري عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد به.
وقال البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، حدثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، حدثنا داود، عن عمرو بن زهير الضبى، حدثنا عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد بن أبى حسين، أنبأنا ابن أبى مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة أخبره أن عائشة كانت تقول: إن من نعمة الله على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى في يومى وفى بيتى وبين سحري ونحرى وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت.
قالت: دخل على أخى بسواك معه وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدري، فرأيته ينظر إليه.
وقد عرفت أنه يحب السواك ويألفه.
فقلت: آخذه لك ؟ فأشار برأسه: أن نعم.
فلينته له، فأمره على فيه.
قالت: وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه.
ثم يقول: لا إله إلا الله إن للموت لسكرات.
ثم نصب إصبعه اليسرى وجعل يقول: في الرفيق الاعلى في الرفيق الاعلى.
حتى قبض ومالت يده في الماء.
ورواه البخاري عن محمد عن عيسى بن يونس.
* * * وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، سمعت عروة يحدث عن عائشة قالت: كنا نحدث أن النبي لا يموت حتى يخير بين الدنيا والآخرة.
قالت: فلما كان مرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى مات فيه عرضت له بحة.
فسمعته يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
قالت عائشة: فظننا أنه كان يخير.
وأخرجاه من حديث شعبة به.
وقال الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم، أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح: إنه لم يقبض نبى حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير.
قالت عائشة: فلما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه على فخذي غشى عليه ساعة ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت.
وقال: اللهم الرفيق الاعلى.
فعرفت أنه الحديث الذى كان حدثناه وهو صحيح، أنه لم
يقبض نبى قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير.
قالت عائشة: فقلت: إذا لا يختارنا.
وقالت عائشة: كانت تلك الكلمة آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الرفيق الاعلى.
أخرجاه من غير وجه عن الزهري به.
وقال سفيان - هو الثوري - عن إسماعيل ابن أبى خالد، عن أبى بردة، عن عائشة قالت: أغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجري فجعلت أمسح وجهه وأدعو له بالشفاء.
فقال: لا، بل أسأل الله الرفيق الاعلى الاسعد، مع جبريل وميكائيل وإسرافيل.
رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به.
وقال البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وغيره قالوا: حدثنا أبو العباس الاصم، حدثنا محمد بن عبدالله بن عبد الحكم، حدثنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن عباد بن عبدالله بن الزبير، أن عائشة أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مستند إلى صدرها يقول: اللهم اغفر لى وارحمني وألحقني بالرفيق [ الاعلى (1) ].
أخرجاه من حديث هشام بن عروة.
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبى، عن ابن إسحاق، حدثنى يحيى ابن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه عباد، سمعت عائشة تقول: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحرى وفى دولتي (2) ولم أظلم فيه أحدا، فمن سفهى وحداثة سنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو في حجري ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم (3) مع النساء وأضرب وجهى.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبدالله بن الزبير، حدثنا كثير بن زيد، عن المطلب بن عبدالله، قال: قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من
نبى إلا تقبض نفسه ثم يرى الثواب ثم ترد إليه فيخير بين أن ترد إليه وبين أن يلحق.
فكنت قد حفظت ذلك منه فإنى لمسندته إلى صدري فنظرت إليه حين مالت عنقه فقلت: قد قضى.
فعرفت الذى قال، فنظرت إليه حين ارتفع فنظر.
قالت: قلت: إذا والله لا يختارنا.
فقال مع الرفيق الاعلى في الجنة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
تفرد به أحمد ولم يخرجوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، أنبأنا همام، أنبأنا هشام بن عروة،
__________
(1) من ت (2) دولتي: بيتى وسلطاني (2) ألتدم: ألطم.
(*)
عن أبيه، عن عائشة، قالت قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه بين سحري ونحرى.
قالت: فلما خرجت نفسه لم أجد ريحا قط أطيب منها.
وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة.
ورواه البيهقى من حديث حنبل بن إسحاق عن عفان.
وقال البيهقى: أنبأنا أبو عبدالله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الاصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس، عن أبى معشر، عن محمد بن قيس، عن أبى عروة، عن أم سلمة قالت: وضعت يدى على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات، فمرت لى جمع آكل وأتوضأ وما يذهب ريح المسك من يدى.
وقال أحمد: حدثنا عفان وبهز قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد بن هلال،
عن أبى بردة، قال: دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من التى يدعون الملبدة فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض في هذين الثوبين.
وقد رواه الجماعة إلا النسائي من طرق، عن حميد بن هلال به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الامام أحمد: حدثنا بهز، حدثنا حماد بن سلمة، أنبأنا أبوعمران الجونى، عن يزيد بن بابنوس، قال: ذهبت أنا وصاحب لى إلى عائشة فاستأذنا عليها، فألقت لنا وسادة وجذبت إليها الحجاب.
فقال صاحبي: يا أم المؤمنين ما تقولين في العراك ؟ قالت: وما العراك ؟ فضربت منكب صاحبي.
قالت: مه آذيت أخاك.
ثم قالت: ما العراك المحيض ؟ قولوا ما قال الله عزوجل في المحيض.
ثم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يتوشحنى وينال من رأسي وبيني وبينه ثوب وأنا حائض.
ثم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر ببابى مما يلقى الكلمة ينفعني الله بها، فمر ذات يوم فلم يقل شيئا ثم مر فلم يقل شيئا مرتين أو ثلاثا.
فقلت: يا جارية ضعى لى وسادة على الباب.
وعصبت رأسي فمر بى.
فقال: يا عائشة ما شأنك ؟ فقلت: أشتكى رأسي.
فقال: أنا وارأساه.
فذهب فلم يلبث إلا يسيرا حتى جئ به محمولا في كساء، فدخل على وبعث إلى النساء فقال: إنى قد اشتكيت، وإنى لا أستطيع أن أدور بينكن، فأذن لى فلاكن عند عائشة.
فكنت أمرضه ولم أمرض أحدا قبله، فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة فخرجت من فيه نطفة (1) باردة، فوقعت على ثغرة نحرى فاقشعر لها جلدى فظننت أنه غشى عليه فسجيته ثوبا.
فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت لهما وجذبت إلى الحجاب، فنظر عمر إليه
فقال: واغشياه ما أشد غشى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قاما فلما دنوا من الباب قال المغيرة: يا عمر مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت: كذبت بل أنت رجل نحوسك (2) فتنة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفنى الله المنافقين.
قالت: ثم جاء أبو بكر فرفعت الحجاب فنظر إليه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ! مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من قبل رأسه فحدر فاه فقبل جبهته، ثم قال: وانبياه ! ثم رفع رأسه فحدر فاه وقبل جبهته ثم قال.
واصفياه.
ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبل جبهته وقال: واخليلاه مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وخرج إلى المسجد وعمر يخطب الناس ويتكلم ويقول: إن رسول الله لا يموت حتى يفنى الله المنافقين.
__________
(1) النطفة: الماء القليل.
وفى الاصل: نقطة.
وما أثبته عن مسند أحمد (2) تحوسك: تتخلك.
(*)
فتكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله يقول: " إنك ميت وإنهم ميتون " حتى فرغ من الآية " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه ".
حتى فرغ من الآية.
ثم قال: فمن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات.
فقال عمر: أو إنها في كتاب الله ؟ ما شعرت أنها في كتاب الله.
ثم قال عمر: يا أيها الناس هذا أبو بكر وهو ذوشيبة (1) المسلمين، فبايعوه.
فبايعوه.
وقد روى أبو داود والترمذي في الشمائل من حديث مرحوم بن عبد العزيز العطار، عن أبى عمران الجونى به ببعضه.
وقال الحافظ البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن
شهاب، أخبرني أبو سلمة، عن عبدالرحمن، أن عائشة أخبرته: أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح (2) حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى.
ثم قال: بأبى أنت وأمى يا رسول الله ! والله لا يجمع الله عليك موتتين أبدا، أما الموتة التى كتبت عليك فقد متها.
قال الزهري: وحدثني أبو سلمة، عن ابن عباس، أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس.
فقال: اجلس يا عمر.
فأبى عمر أن يجلس.
فقال: اجلس يا عمر.
فأبى عمر أن يجلس.
فتشهد أبو بكر فأقبل الناس إليه، فقال، أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد
__________
(1) ذو الشيبة: أقدمهم وأولاهم.
(2) السنح: موضع بعوالي المدينة.
(*)
مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت، قال الله تعالى: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " الآية.
قال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم فما سمع بشر من الناس إلا يتلوها.
قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب، أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرفت أنه الحق فعقرت (1) حتى ما تقلني رجلاى وحتى هويت إلى الارض وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.
ورواه البخاري عن يحيى بن بكير به وروى الحافظ البيهقى من طريق ابن لهيعة، حدثنا أبو الأسود، عن عروة بن الزبير في ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وقام عمر بن الخطاب يخطب الناس ويتوعد من قال مات بالقتل والقطع ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غشية
لو قد قام قتل وقطع.
وعمرو بن قيس بن زائدة بن الاصم بن أم مكتوم في مؤخر المسجد يقرأ: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل (2) " الآية والناس في المسجد يبكون ويموجون لا يسمعون.
فخرج عباس بن عبدالمطلب على الناس فقال: يا أيها الناس هل عند أحد منكم من عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفاته فليحدثنا ؟ قالوا: لا.
قال: هل عندك يا عمر من علم ؟ قال: لا.
فقال العباس: اشهدوا أيها الناس أن أحدا لا يشهد على رسول الله بعهد عهده إليه في وفاته، والله الذى لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت.
__________
(1) عقر، فجئه الروع، فما يتقدم وما يتأخر.
(2) سورة آل عمران 144 (*)
قال، وأقبل أبو بكر رضى الله عنه من السنح على دابته حتى نزل بباب المسجد، وأقبل مكروبا حزينا، فاستأذن في بيت ابنته عائشة فأذنت له، فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفى على الفراش والنسوة حوله فخمرن وجوههن واستترن من أبى بكر، إلا ما كان من عائشة، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجثا عليه يقبله ويبكى ويقول: ليس ما يقوله ابن الخطاب شيئا، توفى رسول الله والذى نفسي بيده ! رحمة الله عليك يارسول الله، ما أطيبك حيا وميتا ! ثم غشاه بالثوب.
ثم خرج سريعا إلى المسجد يتخطى رقاب الناس حتى أتى المنبر، وجلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلا إليه، وقام أبو بكر إلى جانب المنبر ونادى الناس، فجلسوا وأنصتوا، فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد، وقال، إن الله عزوجل نعى نبيه إلى نفسه وهو حى بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم، وهو الموت حتى لا يبقى منكم أحد إلا الله عزوجل، قال تعالى، " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية.
فقال عمر: هذه الآية في القرآن ؟ والله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم وقد قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم " إنك ميت وإنهم ميتون (1) " وقال الله تعالى: " كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون (2) "، وقال: " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام (3) " وقال: " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة (4) ".
وقال: إن الله عمر محمدا صلى الله عليه وسلم وأبقاه حتى أقام دين الله وأظهر أمر الله وبلغ رسالة الله وجاهد في سبيل الله، ثم توفاه الله على ذلك وقد ترككم على الطريقة، فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة والشقاء، فمن كان الله ربه فإن الله حى لا يموت،
__________
(1) سورة الزمر 30 (2) سورة القصص 88 (3) سورة الرحمن 26، 27 (5) سورة آل عمران 144 (*)
ومن كان يعبد محمدا وينزله إلها فقد هلك إلهه.
فاتقوا الله أيها الناس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله قائم وإن كلمة الله تامة وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه، وإن كتاب الله بين أظهرنا وهو النور والشفاء، وبه هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم، وفيه حلال الله وحرامه والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد، ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يبغين أحد إلا على نفسه.
ثم انصرف معه المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذكر الحديث في غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.
قلت، كما سنذكره مفصلا بدلائله وشواهده إن شاء الله تعالى.
وذكر الواقدي عن شيوخه.
قالوا: ولما شك ؟ في موت النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال بعضهم: مات.
وقال بعضهم: لم يمت، وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقالت: قد توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رفع الخاتم من بين كتفيه.
فكان هذا الذى قد عرف به موته.
هكذا أورده الحافظ البيهقى في كتابه دلائل النبوة من طريق الواقدي، وهو ضعيف وشيوخه لم يسمون ثم هو منقطع بكل حال ومخالف لما صح وفيه غرابة شديدة وهو رفع الخاتم فالله أعلم بالصواب.
وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارا كثيرة فيها نكارات وغرابة شديدة، أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها ونكارة متونها، ولا سيما ما يورده كثير من القصاص المتأخرين وغيرهم فكثير منه موضوع لا محالة.
وفى الاحاديث الصحيحة والحسنة المروية في الكتب المشهورة غنية عن الاكاذيب وما لا يعرف سنده.
والله أعلم.
فصل في ذكر أمور مهمة وقعت بعد وفاته وقبل دفنه عليه السلام ومن أعظمها وأجلها وأيمنها بركة على الاسلام وأهله بيعة أبى بكر الصديق رضى الله عنه.
وذلك لانه عليه الصلاة والسلام لما مات كان الصديق رضى الله عنه قد صلى بالمسلمين صلاة الصبح، وكان إذ ذاك قد أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم إفاقة من غمرة ما كان فيه من الوجع، وكشف ستر الحجرة ونظر إلى المسلمين وهم صفوف في الصلاة خلف أبى بكر، فأعجبه ذلك وتبسم صلوات الله وسلامه عليه، حتى هم المسلمون أن يتركوا ما هم فيه من الصلاة لفرحهم به، حتى أراد أبو بكر أن يتأخر ليصل الصف، فأشار إليهم أن يمكثوا كما هم وأرخى الستارة، وكان آخر العهد به عليه السلام.
فلما انصرف أبو بكر رضى الله عنه من الصلاة دخل عليه وقال لعائشة: ما أرى
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قد أقلع عنه من الوجع، وهذا يوم بنت خارجة، يعنى إحدى زوجتيه، وكانت ساكنة بالسنح شرقي المدينة.
فركب على فرس له وذهب إلى منزله.
وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم، وقيل عند زوال الشمس.
والله أعلم.
فلما مات واختلف الصحابة فيما بينهم، فمن قائل يقول: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قائل: لم يمت.
فذهب سالم بن عبيد وراء الصديق إلى السنح فأعلمه بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء الصديق من منزله حين بلغه الخبر، فدخل على رسول
الله صلى الله عليه وسلم منزله وكشف الغطاء عن وجهه وقبله وتحقق أنه قد مات.
[ ثم ] خرج إلى الناس فخطبهم إلى جانب المنبر وبين لهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمنا، وأزاح الجدل وأزال الاشكال، ورجع الناس كلهم إليه، وبايعه في المسجد جماعة من الصحابة.
ووقعت شبهة لبعض الانصار وقام في أذهان بعضهم جواز استخلاف خليفة من الانصار، وتوسط بعضهم بين أن يكون أمير من المهاجرين وأمير من الانصار، حتى بين لهم الصديق أن الخلافة لا تكون إلا في قريش، فرجعوا إليه وأجمعوا عليه.
كما سنبينه وننبه عليه.
قصة سقيفة بنى ساعدة قال الامام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع، حدثنا مالك بن أنس، حدثنى ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، أن ابن عباس أخبره أن عبدالرحمن بن عوف رجع إلى رحله.
قال ابن عباس: وكنت أقرئ عبد الرحمن
ابن عوف فوجدني وأنا أنتظره، وذلك بمنى في آخر حجة حجها عمر بن الخطاب.
فقال عبدالرحمن بن عوف: إن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال: إن فلانا يقول: لو قد مات عمر بايعت فلانا.
فقال عمر: إنى قائم العشية إن شاء الله في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم.
قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمت في الناس، فأخشى أن تقول مقالة يطير بها أولئك فلا يعوها ولا يضعوها مواضعها، ولكن حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم، فتقول ما قلت متمكنا، فيعوا مقالتك ويضعوها مواضعها.
قال عمر: لئن قدمت المدينة صالحا لاكلمن بها الناس في أول مقام أقومه.
فلما قدمنا المدينة في عقب ذى الحجة وكان يوم الجمعة، عجلت الرواح صكة الاعمى (1).
قلت لمالك: وما صكة الاعمى ؟ قال: إنه لا يبالى أي ساعة خرج لا يعرف الحر والبرد أو نحو هذا.
__________
(1) الصكة: شدة الهاجرة.
وفى القاموس: وتضاف إلى عمى، رجل من العمالقة أغار على قوم في الظهيرة فاجتاحهم.
(*)
فوجدت سعيد بن زيد عند ركن المنبر الايمن قد سبقني، فجلست حذاءه تحك ركبتي ركبته، فلم أنشب أن طلع عمر، فلما رأيته قلت ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة ما قالها عليه أحد قبله.
قال: فأنكر سعيد بن زيد ذلك وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل أحد ؟ فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذن قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما
بعد، أيها الناس فإنى قائل مقالة وقد قدر لى أن أقولها، لا أدرى لعلها بين يدى أجلى، فمن وعاها وعقلها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن لم يعها فلا أحل له أن يكذب على.
إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها وعقلناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله.
فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله عزوجل، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
ألا وإنا قد كنا نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم فإن كفرا بكم أن ترعبوا عن آبائكم.
ألا وإن سول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تطرونى كما أطرى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبدالله ورسوله.
وقد بلغني أن قائلا منكم يقول: لو قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبى بكر كانت فلتة فتمت، ألا وإنها كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها، وليس فيكم اليوم من تقطع إليه الاعناق مثل أبى بكر، وإنه كان من خيرنا حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلف عنها الانصار بأجمعها في سقيفة بنى ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبى بكر فقلت له: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الانصار.
فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذى صنع القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلت: نريد إخواننا من الانصار.
فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين.
فقلت: والله لنأتينهم.
فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بنى ساعدة، فإذا هم مجتمعون وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل، فقلت: من هذا ؟ قالوا: سعد بن عبادة.
فقلت.
ماله ؟ قالوا: وجع.
فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله وقال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا، وقد دفت دافة (1) منكم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويحصونا من الامر.
فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدى أبى بكر وكنت أدارى منه بعض الحد (2)، وهو كان أحكم منى وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل حين سكت.
فقال: أما بعد، فما ذكرتم من خير فأنتم أهله، وما تعرف العرب هذا الامر إلا لهذا الحى من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم، وأخذ بيدى ويد أبى عبيدة بن الجراح.
فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم ؟ أحب إلى أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، إلا أن تغر نفسي عند الموت.
__________
(1) دفت دافة: بدرت بادرة.
والدفيف: المشى الخفيف ويختزلونا: يقتطعونا.
ويحصونا: يمنعونا.
(2) الحد: الغضب، كالحدة.
(*)
فقال قائل من الانصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب (1)، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش.
فقلت لمالك: ما يعنى: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ؟ قال: كأنه يقول: أنا داهيتها.
قال فكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى خشينا الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر.
فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الانصار ونزونا على سعد بن عبادة.
فقال قائل منهم: قتلتم سعدا.
فقلت: قتل الله سعدا ! قال عمر: أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أوفق من مبايعة أبى بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فإما نتابعهم على مالا نرضى وإما أن نخالفهم فيكون فساد.
فمن بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا بيعة للذى بايعه تغرة (2) أن يقتلا قال مالك: فأخبرني ابن شهاب عن عروة: أن الرجلين اللذين لقياهما عويم بن ساعدة ومعن بن عدى.
قال ابن شهاب: وأخبرني سعيد بن المسيب أن الذى قال، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب هو الحباب بن المنذر.
وقد أخرج هذا الحديث الجماعة في كتبهم من طرق عن مالك وغيره عن الزهري به.
* * * وقال لامام أحمد حدثنا معاوية عن عمرو، حدثنا زائدة، حدثنا عاصم ح وحدثني حسين بن على، عن زائدة، عن عاصم عن زر، عن عبدالله - هو ابن مسعود - قال:
__________
(1) الجذيل: عود ينصب للجربى لتحتك به، يريد أنه يشتفى برأيه.
والعذيق تصغير العذق، وهو النخلة بما عليها.
والمرجب الذى ضم أعذاقه إلى سعفاته وشدت بالخوص لئلا تنفضها الريح.
(2) التغرة: مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر.
أي خوف التغرة.
(*)
لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الانصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: يا معشر الانصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس ؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر.
فقالت الانصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر ؟ ورواه النسائي عن إسحاق بن راهويه وهناد بن السرى، عن حسين بن على الجعفي،
عن زائدة به.
ورواه على بن المدينى عن حسين بن على، وقال: صحيح لا أحفظه إلا من حديث زائدة عن عاصم.
وقد رواه النسائي أيضا من حديث سلمة بن نبيط، عن نعيم بن أبى هند، عن نبيط ابن شريط، عن سالم بن عبيد، عن عمر مثله.
وقد روى عن عمر بن الخطاب نحوه من طريق آخر.
وجاء من طريق محمد بن إسحاق، عن عبدالله بن أبى بكر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبدالله، عن ابن عباس، عن عمر، أنه قال: قلت: يا معشر المسلمين إن أولى الناس بأمر نبى الله ثانى اثنين إذ هما في الغار وأبو بكر السباق المسن.
ثم أخذت بيده وبدرنى رجل من الانصار فضرب على يده قبل أن أضرب على يده، ثم ضربت على يده وتبايع الناس.
وقد روى محمد بن سعد عن عارم بن الفضل، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، فذكر نحوا من هذه القصة وسمى هذا الرجل الذى بايع الصديق قبل عمر بن الخطاب فقال: هو بشير بن سعد والد النعمان بن بشير.
ذكر اعتراف سعد بن عبادة بصحة ما قاله الصديق يوم السقيفة قال الامام أحمد: [ حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة، عن داود بن عبدالله الازدي عن حميد بن عبدالرحمن قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضى الله عنه في صائفه من المدينة.
قال: فجاء [ فكشف ] عن وجهه فقبله.
وقال: فداك أبى وأمى ما أطيبك حيا وميتا، مات محمد ورب الكعبة.
فذكر الحديث.
قال: فانطلق أبو بكر وعمر يتعاديان حتى أتوهم، فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئا أنزل
في الانصار ولا ذكره رسول الله من شأنهم إلا ذكره.
وقال: لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو سلك الناس واديا وسلكت الانصار واديا سلكت وادى الانصار، ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - وأنت قاعد - قريش ولاة هذا الامر، فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم.
فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الامراء.
وقال الامام أحمد: ] (1) حدثنا على بن عباس، حدثنا الوليد بن مسلم، أخبرني يزيد بن سعيد بن ذى عضوان العبسى، عن عبدالملك بن عمير اللخمى، عن رافع الطائى رفيق أبى بكر الصديق في غزوة ذات السلاسل، قال: وسألته عما قيل في بيعتهم، فقال: وهو يحدثه عما تقاولت به الانصار وما كلمهم به وما كلم به عمر بن الخطاب الانصار وما ذكرهم به من إما متى إياهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه.
فبايعوني لذلك وقبلتها منهم وتخوفت أن تكون فتنة بعدها ردة.
وهذا إسناد جيد قوى.
__________
(1) من ت (*)
ومعنى هذا أنه رضى الله عنه إنما قبل الامامة تخوفا أن تقع فتنة أربى من تركه قبولها رضى الله عنه وأرضاه.
قلت: كان هذا في بقية يوم الاثنين، فلما كان الغد صبيحة يوم الثلاثاء اجتمع الناس في المسجد فتمت البيعة من المهاجرين والانصار قاطبة، وكان ذلك قبل تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * * قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام، عن معمر، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك، أنه سمع خطبة عمر الاخيرة حين جلس على المنبر، وذلك الغد
من يوم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر صامت لا يتكلم، قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا - يريد بذلك أن يكون آخرهم - فإن يك محمد قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم، وإن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين وإنه أولى المسلمين بأموركم، فقدموا فبايعوه.
وكانت طائفة قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بنى ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر.
قال الزهري، عن أنس بن مالك، سمعت عمر يقول يومئذ لابي بكر: اصعد المنبر.
فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة.
وقال محمد بن إسحاق: حدثنى الزهري، حدثنى أنس بن مالك، قال: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر، وقام عمر فتكلم قبل أبى بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس إنى قد كنت قلت لكم بالامس مقالة ما كانت وما وجدتها في كتاب الله ولا كانت عهدا عهده إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ولكني كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا - يقول: يكون آخرنا - وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذى هو به هدى رسول الله، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه الله له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه.
فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة.
ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله.
ثم قال: أما بعد، أيها الناس فإنى قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوى [ عندي ] (1) حتى أزيح علته إن
شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
وهذا إسناد صحيح.
فقوله رضى الله عنه: " وليتكم ولست بخيركم " من باب الهضم والتواضع، فإنهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضى الله عنهم.
* * * وقال الحافظ أبو بكر البيهقى: أخبرنا أبو الحسن على بن محمد الحافظ الاسفرايينى، حدثنا أبو على الحسين بن على الحافظ، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وإبراهيم بن أبى طالب.
قالا: حدثنا بندار بن بشار.
وحدثنا أبو هشام المخزومى، حدثنا وهيب، حدثنا داود بن أبى هند، حدثنا أبو نضرة، عن أبى سعيد الخدرى،
__________
(1) ليست في ا.
(*)
قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة، وفيهم أبو بكر وعمر.
قال: فقام خطيب الانصار فقال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وخليفته من المهاجرين، ونحن كنا أنصار رسول الله ونحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره.
قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: صدق قائلكم أما لو قلتم غير هذا لم نتابعكم.
وأخذ بيد أبى بكر.
وقال: هذا صاحبكم فبايعوه.
فبايعه عمر وبايعه المهاجرون والانصار.
قال: فصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير.
قال: فدعا بالزبير فجاء فقال: قلت ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين ؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقام فبايعه.
ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليا، فدعا بعلى بن أبى طالب فجاء.
فقال: قلت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين ؟ قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه.
هذا أو معناه.
قال أبو على الحافظ: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث، فكتبته له في رقعة وقرأته عليه.
وهذا حديث يسوى بدنة.
فقلت: يسوى بدنه بل يسوى بدرة ! ثم قد رواه البيهقى عن الحاكم وأبى محمد بن حامد المقبرى، كلاهما عن أبى العباس محمد بن يعقوب الاصم، عن جعفر بن محمد بن شاكر، عن عفان بن سلم، عن وهيب به.
ولكن ذكر أن الصديق هو القائل لخطيب الانصار بدل عمر وفيه: أن زيد بن ثابت
أخذ بيد أبى بكر.
فقال: هذا صاحبكم فبايعوه.
ثم انطلقوا فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا، فسأل عنه، فقام ناس من الانصار فأتوا به: فذكر نحو ما تقدم، ثم ذكر قصة الزبير بعد على.
فالله أعلم.
وقد رواه الامام أحمد بن حنبل عن الثقة عن وهيب مختصرا.
وقد رواه على بن عاصم، عن الجريرى، عن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدرى.
فدكر نحو ما تقدم.
وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبى نضرة المنذر بن مالك بن نطعة، عن أبى سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدرى.
وفيه فائدة جليلة، وهى مبايعة على بن أبى طالب، إما في أول يوم أو في اليوم
الثاني من الوفاة.
وهذا حق، فإن على بن أبى طالب لم يفارق الصديق في وقت من الاوقات، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه.
كما سنذكره وخرج معه إلى ذى القصة لما خرج الصديق شاهرا سيفه يريد قتال أهل الردة.
ولكن لما حصل من فاطمة رضى الله عنها عتب على الصديق، بسبب ما كانت متوهمة من أنها تستحق ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تعلم بما أخبرها به أبو بكر الصديق رضى الله عنه أنه قال: " لا نورث ما تركنا فهو صدقة " فحجبها وغيرها من أزواجه وعمه عن الميراث بهذا النص الصريح، كما سنبينه في موضعه، فسألته أن ينظر على في صدقة الارض التى بخيبر وفدك فلم يجبها إلى ذلك، لانه رأى أن حقا عليه أن يقوم في جميع ماكان يتولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق البار الراشد التابع للحق رضى الله عنه، فحصل لها - وهى امرأة من البشر ليست براجية العصمة - عتب وتغضب، ولم تكلم الصديق حتى ماتت، واحتاج على أن يراعى خاطرها بعض الشئ، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم رأى على أن يجدد
البيعة مع أبى بكر رضى الله عنه، مع ما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويزيد ذلك صحة قول موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن إبراهيم، حدثنى أبى، أن أباه عبدالرحمن بن عوف كان مع عمر، وإن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير.
ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس وقال: ما كنت حريصا على الامارة يوما ولا ليلة ولا سألتها في سر ولا علانية.
فقبل المهاجرون مقالته.
وقال على والزبير: ما غضبنا إلا لانا أخرنا عن المشورة، وإنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يصلى بالناس وهو حى.
إسناد جيد.
ولله الحمد والمنة.
فصل ومن تأمل ما ذكرناه ظهر له إجماع الصحابة المهاجرين منهم والانصار على تقديم أبى بكر، وظهر برهان قوله عليه السلام: " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ".
وظهر له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينص على الخلافة عينا لاحد من الناس، لا لابي بكر، كما قد زعمه طائفة من أهل السنة، ولا لعلى كما تقوله طائفة من الرافضة.
ولكن أشار إشارة قوية يفهمها كل ذى لب وعقل إلى الصديق كما قدمنا وسنذكره ولله الحمد.
كما ثبت في الصحيحين من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عمر، أن
عمر بن الخطاب لما طعن قيل له: ألا تستخلف يا أمير المؤمنين ؟ فقال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منى.
- يعنى أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو خير منى، - يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن عمر: فعرفت حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غير مستخلف.
وقال سفيان الثوري عن عمرو بن قيس، عن عمرو بن سفيان، قال: لما ظهر على على الناس قال، يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الامارة شيئا، حتى رأينا من الرأى أن نستخلف أبا بكر، فأقام واستقام حتى مضى لسبيله، ثم أن أبا بكر رأى من الرأى أن يستخلف عمر، فأقام واستقام حتى مضى لسبيله - أو قال حتى ضرب الدين بجرانه (1) - إلى آخره.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو نعيم، حدثنا شريك، عن الاسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، قال: خطب رجل يوم البصرة حين ظهر على فقال على: هذا الخطيب
السجسج (2) - سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى (3) أبو بكر وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة بعدهم يصنع الله فيها ما يشاء.
وقال الحافظ البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد الزكي بمرو، حدثنا عبدالله بن روح المدائني، حدثنا شبابة بن سوار، حدثنا شعيب بن ميمون، عن حصين بن عبدالرحمن، عن الشعبى، عن أبى وائل، قال: قيل لعلى بن أبى طالب: ألا تستخلف علينا ؟ فقال: ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) الجران: مقدم عنق البعير، والمراد، قوى واشتد أمره.
(2) السجسج: الارض التى ليست يصلبة ولا لينة.
(3) صلى: جاء تاليا.
(*)
فأستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدى على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم.
إسناد جيد ولم يخرجوه.
وقد قدمنا ما ذكره البخاري من حديث الزهري، عن عبدالله بن كعب بن مالك عن ابن عباس: أن عباسا وعليا لما خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال على: أصبح بحمد الله بارئا.
فقال العباس: إنك والله عبد العصا بعد ثلاث ! إنى لاعرف في وجوه بنى هاشم الموت، وإنى لارى في وجه رسول الله الموت فاذهب بنا إليه فنسأله فيمن هذا الامر ؟ فإن كان فينا عرفناه وإن كان في غيرنا أمرناه فوصاه بنا.
فقال على: إنى لا أسأله ذلك والله إن منعناها لا يعطيناها الناس بعده أبدا.
وقد رواه محمد بن إسحاق عن الزهري به فذكره.
وقال فيه: فدخلا عليه يوم قبض صلى الله عليه وسلم.
فذكره.
وقال في آخره: فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين اشتد الضحى من ذلك اليوم قلت: فهذا يكون في يوم الاثنين يوم الوفاة، فدل على أنه عليه السلام توفى عن غير وصية في الامارة (1).
وفى الصحيحين عن ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب ذلك الكتاب.
وقد قدمنا أنه عليه السلام كان طلب أن يكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده،
__________
(1) ت: الامامة.
(*)
فلما أكثروا اللغط والاختلاف عنده قال: " قوموا عنى، فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه ".
وقد قدمنا أنه قال بعد ذلك: " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ".
وفى الصحيحين من حديث عبدالله بن عون عن إبراهيم التيمى، عن الاسود.
قال: قيل لعائشة إنهم يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى إلى على.
فقالت: بم أوصى إلى على ؟ لقد دعا بطست ليبول فيها وأنا مسندته إلى صدري فانحنف (1) فمات وما شعرت، فيم يقول هؤلاء إنه أوصى إلى على ؟ وفى الصحيحين من حديث مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، قال: سألت عبدالله بن أبى أوفى، هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: لا.
قلت: فلم أمرنا بالوصية ؟ قال: أوصى بكتاب الله عزوجل.
قال طلحة بن مصرف: وقال هذيل بن شرحبيل: أبو بكر يتأمر على وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ! ود أبو بكر أنه وجد عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرم أنفه بخرامة ! وفى الصحيحين أيضا من حديث الاعمش عن إبراهيم التيمى، عن أبيه، قال:
خطبنا على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرأه ليس في كتاب الله وهذه الصحيفة - لصحيفة معلقة في سيفه فيها أسنان الابل وأشياء من الجراحات فقد كذب.
وفيها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المدينة حرم ما بين عير إلى ثور (2) من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا (3)، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير
__________
(1) انحنف: مال.
(2) عير: جبل بالمدينة.
وثور جبل بالمدينة خلف أحد.
(3) الصرف: التوبة.
والعدل: الفدية.
(*)
مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ".
وهذا الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما عن على رضى الله عنه يرد على فرقة الرافضة في زعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى إليه بالخلافة، ولو كان الامر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة فإنهم كانوا أطوع لله ولرسوله في حياته وبعد وفاته من أن يفتاتوا عليه فيقدموا غير من قدمه ويؤخروا من قدمه بنصه، حاشا وكلا ولم ؟ ومن ظن بالصحابة رضوان الله عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إلى الفجور والتواطؤ على معاندة الرسول صلى الله عليه وسلم ومضادته في حكمه ونصه، ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الاسلام وكفر بإجماع الائمة الاعلام، وكان إراقة دمه أحل من أراقة المدام ! ثم لو كان مع على بن أبى طالب رضى الله عنه نص فلم لا كان يحتج به على الصحابة
على إثبات إمارته عليهم وإمامته لهم ؟ فإن لم يقدر على تنفيذ ما معه من النص فهو عاجز، والعاجز لا يصلح للامارة، وإن كان يقدر ولم يفعله فهو خائن، والخائن الفاسق مسلوب معزول عن الامارة، وإن لم يعلم بوجود النص فهو جاهل.
ثم وقد عرفه وعلمه من بعده ! هذا محال وافتراء وجهل وضلال.
وإنما يحسن هذا في أذهان الجهلة الطغام والمغترين من الانام، يزينه لهم الشيطان بلا دليل ولا برهان، بل بمجرد التحكم والهذيان والافك والبهتان.
عياذا بالله مما هم فيه من التخليط والخذلان والتخبيط والكفران، وملاذا
بالله بالتمسك بالسنة والقرآن والوفاة على الاسلام والايمان، والموافاة على الثبات والايقان وتثقيل الميزان، والنجاة من النيران والفوز بالجنان إنه كريم منان رحيم رحمن.
* * * وفى هذا الحديث الثابت في الصحيحين عن على الذى قدمناه رد على متقولة كثير من الطرقية والقصاص الجهلة في دعواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى على بأشياء كثيرة يسوقونها مطولة: يا على افعل كذا، يا على لا تفعل كذا، يا على من فعل كذا كان كذا وكذا.
بألفاظ ركيكة ومعان أكثرها سخيفة، وكثير منها صحفية لا تساوى تسويد الصحيفة.
والله أعلم.
وقد أورد الحافظ البيهقى من طريق حماد بن عمرو النصيبى - وهو أحد الكذابين الصواغين - عن السرى بن خلاد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده، عن على ابن أبى طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: يا على أوصيك بوصية احفظها فإنك لا تزال بخير ما حفظتها، يا على إن للمؤمن ثلاث علامات: الصلاة والصيام والزكاة.
قال البيهقى: فذكر حديثا طويلا في الرغائب والآداب.
وهو حديث موضوع.
وقد شرطت في أول الكتاب ألا أخرج فيه حديثا أعلمه موضوعا.
ثم روى من طريق حماد بن عمر، وهذا عن زيد بن رفيع، عن مكحول الشامي، قال: هذا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى بن أبى طالب حين رجع من غزوة حنين وأنزلت عليه سورة النصر.
قال البيهقى: فذكر حديثا طويلا في الفتنة وهو أيضا حديث منكر ليس له أصل، وفى الاحاديث الصحيحة كفاية وبالله التوفيق.
ولنذكر هاهنا ترجمة حماد بن عمرو بن أبى إسماعيل النصيبى: روى عن الاعمش
وغيره، وعنه إبراهيم بن موسى ومحمد بن مهران وموسى بن أيوب وغيرهم.
قال يحيى بن معين: هو ممن يكذب ويضع الحديث.
وقال عمرو بن على الفلاس وأبو حاتم: منكر الحديث ضعيف جدا.
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى: كان يكذب.
وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال أبو زرعة: واهى الحديث.
وقال النسائي: متروك.
وقال ابن حبان: يضع الحديث وضعا.
وقال ابن عدى: عامة حديثه مما لا يتابعه أحد من الثقات عليه.
وقال الدارقطني: ضعيف.
وقال الحاكم أبو عبد الله: يروى عن الثقات أحاديث موضوعة، وهو ساقط بمرة.
فأما الحديث الذى قال الحافظ البيهقى: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبدالله الحافظ، أنبأنا حمزة بن العباس العقبى ببغداد، حدثنا عبدالله بن روح المدائني، حدثنا سلام بن سليمان المدائني، حدثنا سلام بن سليم الطويل، عن عبدالملك بن عبدالرحمن، عن الحسن المقبرى، عن الاشعث بن طليق، عن مرة بن شراحيل، عن عبدالله بن مسعود، قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعنا في بيت عائشة فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدمعت عيناه، ثم قال لنا: قد دنا الفراق.
ونعى إلينا نفسه، ثم قال:
مرحبا بكم حياكم الله، هداكم الله، نصركم الله، نفعكم الله، وفقكم الله، سددكم الله، وقاكم الله، أعانكم الله، قبلكم الله.
أوصيكم بتقوى الله، وأوصى الله بكم وأستخلفه عليكم، إنى لكم منه نذير مبين ألا تعلوا على الله في عباده وبلاده.
فإن الله قال لى ولكم: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " (1) وقال: " أليس في جهنم مثوى للمتكبرين " (2).
قلنا: فمتى أجلك يا رسول الله ؟ قال: قد دنا الاجل، والمنقلب إلى الله والسدرة المنتهى
__________
(1) سورة القصص.
(2) سورة الزمر.
(*)
والكأس الاوفى والفرش الاعلى.
قلنا: فمن يغسلك يا رسول الله ؟ قال: رجال أهل بيتى الادنى فالادنى، مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم.
قلنا: ففيم نكفنك يا رسول الله ؟ قال: في ثيابي هذه إن شئتم أو في يمنية أو في بياض مصر.
قلنا: فمن يصل عليك يا رسول الله ؟ فبكى وبكينا.
وقال: مهلا غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا، إذا غسلتموني وحنطتمونى وكفنتموني فضعونى على شفير قبري ثم اخرجوا عنى ساعة.
فإن أول من يصلى على خليلاى وجليساى جبريل وميكائيل ثم إسرافيل، ثم ملك الموت مع جنود من الملائكة عليهم السلام، وليبدأ بالصلاة على رجال أهل بيتى ثم نساؤهم ثم ادخلوا على أفواجا وفرادى ; ولا تؤذوني بباكية ولا برنة ولا بصيحة، ومن كان غائبا من أصحابي فأبلغوه عنى السلام، وأشهدكم بأنى قد سلمت على من دخل في الاسلام ومن تابعني في دينى هذا منذ اليوم إلى يوم القيامة.
قلنا: فمن يدخلك قبرك يا رسول الله ؟ قال: رجال أهل بيتى الادنى فالادنى مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم.
ثم قال البيهقى: تابعه أحمد بن يونس، عن سلام الطويل، وتفرد به سلام الطويل.
قلت: وهو سلام بن سلم، ويقال ابن سليم، ويقال ابن سليمان.
والاول أصح، التميمي السعدى الطويل.
يروى عن جعفر الصادق وحميد الطويل وزيد العمى وجماعة.
وعنه جماعة منهم: أحمد بن عبدالله بن يونس، وأسد بن موسى، وخلف بن هشام البزار، وعلى بن الجعد، وقبيصة بن عقبة.
وقد ضعفه على بن المدينى وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخاري وأبو حاتم وأبو زرعة والجوزجاني والنسائي وغير واحد، وكذبه بعض الائمة، وتركه آخرون.
لكن روى هذا الحديث بهذا السياق بطوله الحافظ أبو بكر البزار من غير طريق سلام هذا فقال: حدثنا محمد بن إسماعيل الاحمسي، حدثنا عبدالرحمن بن محمد المحاربي، عن ابن الاصبهاني، أنه أخبره عن مرة، عن عبدالله فذكر الحديث بطوله.
ثم قال البزار: وقد روى هذا عن مرة من غير وجه بأسانيد متقاربة وعبد الرحمن ابن الاصبهاني لم يسمع هذا من مرة، وإنما هو عمن أخبره عن مرة، ولا أعلم أحدا رواه عن عبدالله عن مرة.
فصل في ذكر الوقت الذى توفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبلغ سنه حال وفاته وفى كيفية غسله عليه السلام وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وموضع قبره صلوات الله وسلامه عليه لا خلاف أنه عليه السلام توفى يوم الاثنين.
قال ابن عباس: ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ونبئ يوم الاثنين.
وخرج من مكة مهاجرا يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، ومات
يوم الاثنين.
رواه الامام أحمد والبيهقي.
وقال سفيان الثوري عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: قال لى أبو بكر: أي يوم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: يوم الاثنين.
فقال: إنى لارجو أن أموت فيه.
فمات فيه.
رواه البيهقى من حديث الثوري به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا هريم، حدثنى ابن إسحاق، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ودفن ليلة الاربعاء.
تفرد به أحمد.
وقال عروة بن الزبير في مغازيه وموسى بن عقبة عن ابن شهاب: لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه أرسلت عائشة إلى أبى بكر، وأرسلت حفصة
إلى عمر، وأرسلت فاطمة إلى على، فلم يجتمعوا حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صدر عائشة وفى يومها ; يوم الاثنين حين زاغت الشمس لهلال ربيع الاول.
وقد قال أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن أنس، قال: آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله يوم يوم الاثنين، كشف الستارة والناس خلف الستارة والناس خلف أبى بكر فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف، فأراد الناس أن ينحرفوا فأشار إليهم أن امكثوا: وألقى السجف، وتوفى من آخر ذلك اليوم.
وهذا الحديث في الصحيح، وهو يدل على أن الوفاة وقعت بعد الزوال.
والله أعلم.
وروى يعقوب بن سفيان، عن عبدالحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، وعن
صفوان، عن عمر بن عبد الواحد، جميعا عن الاوزاعي، أنه قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار.
وقال البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أحمد بن كامل (1)، حدثنا الحسين بن على البزار، حدثنا محمد بن عبدالاعلى، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، وهو سليمان ابن طرخان التيمى في كتاب المغازى، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وبدأه وجعه عند وليدة له يقال لها ريحانة كانت من سبى اليهود، وكان أول يوم مرض يوم السبت، وكانت وفاته عليه السلام يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول لتمام عشر سنين من مقدمه عليه السلام المدينة.
وقال الواقدي: حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس، قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاربعاء لاحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة
__________
(1) المطبوعة: ابن حنبل (*)
في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة، فاجتمع عنده نساؤه كلهن، فاشتكى ثلاثة عشر يوم، وتوفى يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الاول سنة إحدى عشرة.
وقال الواقدي: وقالوا: بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاربعاء لليلتين بقيتا من صفر، وتوفى يوم الاثنين لثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاول.
وهذا جزم به محمد بن سعد كاتبه، وزاد: ودفن يوم الثلاثاء.
قال الواقدي: وحدثني سعيد بن عبدالله بن أبى الابيض، عن المقبرى، عن عبدالله بن رافع، عن أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدئ في بيت ميمونة.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس، قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر يوما، فكان إذا وجد
خفة صلى وإذا ثقل صلى أبو بكر رضى الله عنه.
وقال محمد بن إسحاق: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول في اليوم الذى قدم فيه المدينة مهاجرا، واستكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته عشر سنين كوامل.
قال الواقدي: وهو المثبت عندنا.
وجزم به محمد بن سعد كاتبه.
وقال يعقوب بن سفيان، عن يحيى بن بكير، عن الليث، أنه قال: توفى رسول الله يوم الاثنين لليلة خلت من ربيع الاول وفيه قدم المدينة على رأس عشر سنين من مقدمه.
وقال سعد بن إبراهيم الزهري: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الاول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة.
رواه ابن عساكر.
ورواه الواقدي عن أبى معشر عن محمد بن قيس مثله سواء.
وقاله خليفة بن خياط أيضا.
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: توفى رسول الله يوم الاثنين مستهل ربيع الاول سنة إحدى عشرة من مقدمه المدينة، ورواه ابن عساكر أيضا.
وقد تقدم قريبا عن عروة وموسى بن عقبة والزهرى مثله فيما نقلناه عن مغازيهما فالله أعلم.
والمشهور قول ابن إسحاق والواقدى.
ورواه الواقدي عن ابن عباس وعائشة رضى الله عنهما فقال: حدثنى إبراهيم بن يزيد، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، وحدثني محمد بن عبدالله عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
قالا: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاول.
ورواه ابن إسحاق عن عبدالله بن أبى بكر بن حزم، عن أبيه مثله - وزاد:
ودفن ليلة الاربعاء.
وروى سيف بن عمر، عن محمد بن عبيدالله العرزمى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ارتحل فأتى المدينة فأقام بها بقية ذى الحجة والمحرم وصفرا، ومات يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الاول.
وروى أيضا عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة.
وفى حديث فاطمة عن عروة عن عائشة مثله، إلا أن ابن عباس قال في أوله: لايام مضين منه.
وقالت عائشة: بعدما مضى أيام منه.
فائدة قال أبو القاسم السهيلي في الروض ما مضمونه: لا يتصور وقوع وفاته عليه السلام يوم الاثنين ثانى عشر ربيع الاول من سنة إحدى عشرة.
وذلك لانه عليه السلام وقف في حجة الوداع سنة عشر يوم الجمعة ; فكان أول ذى الحجة يوم الخميس، فعلى تقدير أن تحسب الشهور تامة أو ناقصة أو بعضها تام وبعضها ناقص، لا يتصور أن يكون يوم الاثنين ثانى عشر ربيع الاول.
وقد اشتهر هذا الايراد على هذا القول.
وقد حاول جماعة الجواب عنه.
ولا يمكن الجواب عنه إلا بمسلك واحد، وهو اختلاف المطالع، بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذى الحجة ليلة الخميس، وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة.
ويؤيد هذا قول عائشة وغيرها: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذى القعدة - يعنى من المدينة - إلى حجة الوداع.
ويتعين كما ذكرنا أنه خرج يوم السبت، وليس كما زعم ابن حزم أنه خرج يوم
الخميس، لانه قد بقى أكثر من خمس بلاشك، ولا جائز أن يكون خرج يوم الجمعة، لان أنسا قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا، والعصر بذى الحليفة ركعتين.
فتعين أنه خرج يوم السبت لخمس بقين.
فعلى هذا إنما رأى أهل المدينة هلال ذى الحجة ليلة الجمعة، وإذا كان أول ذى الحجة عند أهل المدينة الجمعة وحسبت الشهور بعده كوامل يكون أول ربيع الاول يوم الخميس، فيكون ثانى عشره يوم الاثنين.
والله أعلم.
وثبت في الصحيحين من حديث مالك، عن ربيعة بن أبى عبدالرحمن، عن
أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وليس بالابيض الامهق ولا بالآدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط (1)، بعثه الله عزوجل على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله عليه رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.
وهكذا رواه ابن وهب، عن عروة، عن الزهري، عن أنس، وعن قرة بن ربيعة، عن أنس مثل ذلك.
قال الحافظ ابن عساكر: حديث قرة عن الزهري غريب.
وأما من رواية ربيعة عن أنس فرواها عنه جماعة كذلك.
ثم أسند من طريق سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد وربيعة (2) عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث وستين.
وكذلك رواه ابن البربري ونافع بن أبى نعيم، عن ربيعة عن أنس به.
قال: والمحفوظ عن ربيعة عن أنس ستون.
ثم أورده ابن عساكر من طريق مالك والاوزاعي ومسعر وإبراهيم بن طهمان، وعبد الله بن عمر وسليمان بن بلال، وأنس بن بلال، وأنس بن عياض والدراوردى
ومحمد بن قيس المدنى، كلهم عن ربيعة عن أنس، قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستين سنة.
وقال البيهقى: أنبأنا أبو الحسين بن بشران، حدثنا أبو عمرو بن السماك، حدثنا حنبل بن إسحاق، حدثنا أبو معمر، عبدالله بن عمرو، حدثنا عبد الوراث، حدثنا أبو غالب الباهلى، قال: قلت لانس بن مالك: ابن أي الرجال رسول الله إذ بعث ؟
__________
(1) الامهق: الابيض لا تخالطه حمرة.
والآدم: الاسمر.
والقطط: الشديد جعودة الشعر، والسبط: نقيض الجعد.
(2) ا: وزمعة.
(*)
قال: كان ابن أربعين سنة.
قال: ثم كان ماذا ؟ قال: كان بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين فتمت له ستون سنة يوم قبضه الله عزوجل وهو كأشد الرجال وأحسنه وأجمله وألحمه.
ورواه الامام أحمد، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه به.
وقد روى مسلم عن أبى غسان محمد بن عمرو الرازي الملقب بربيح، عن حكام بن سلم، عن عثمان بن زائدة، عن الزبير بن عدى، عن أنس بن مالك قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وقبض عمر وهو ابن ثلاث وستين.
انفرد به مسلم.
وهذا لا ينافى ما تقدم عن أنس، لان العرب كثيرا ما تحذف الكسر.
وثبت في الصحيحين من حديث الليث بن سعد، عن عقيل عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب مثله.
وروى موسى بن عقبة وعقيل ويونس بن يزيد وابن جريج، عن الزهري عن عروة، عن عائشة.
قالت: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين.
قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب مثل ذلك.
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا شيبان، عن يحيى بن أبى كثير، عن أبى سلمة، عن عائشة وابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بمكة عشر سنين يتنزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا.
لم يخرجه مسلم.
وقال أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا شعبة، عن أبى إسحاق، عن عامر بن
سعد، عن جرير بن عبدالله، عن معاوية بن أبى سفيان، قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وعمر وهو ابن ثلاث وستين.
وهكذا رواه مسلم من حديث غندر، عن شعبة، وهو من أفراده دون البخاري.
ومنهم من يقول عن عامر بن سعد عن معاوية، والصواب ما ذكرناه عن عامر بن سعد عن جرير عن معاوية.
وروينا من طريق عامر بن شراحيل، عن الشعبى، عن جرير بن عبدالله البجلى، عن معاوية فذكره.
وروى الحافظ ابن عساكر من طريق القاضى أبى يوسف، عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن أنس، قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وتوفى أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وتوفى عمر وهو ابن ثلاث وستين.
وقال ابن لهيعة، عن أبى الاسود، عن عروة، عن عائشة قالت: تذاكر رسول الله
وأبو بكر ميلادهما عندي، فكان رسول الله أكبر من أبى بكر، فتوفى رسول الله وهو ابن ثلاث وستين، وتوفى أبو بكر بعده وهو ابن ثلاث وستين.
وقال الثوري عن الاعمش، عن القاسم بن عبدالرحمن، قال: توفى رسول الله وأبو بكر وعمر وهم بنو ثلاث وستين.
وقال حنبل: حدثنا الامام أحمد، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين، فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا.
وهذا غريب عنه وصحيح إليه.
وقال أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا داود بن أبى هند، عن الشعبى، قال: نبئ
رسول الله وهو ابن أربعين سنة، فمكث ثلاث سنين، ثم بعث إليه جبريل بالرسالة ثم مكث بعد ذلك عشر سنين ثم هاجر إلى المدينة، فقبض وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال الامام أبو عبد الله أحمد بن حنبل: الثابت (1) عندنا ثلاث وستون.
قلت: وهكذا روى مجاهد عن الشعبى، وروى من حديث إسماعيل بن أبى خالد عنه.
وفى الصحيحين من حديث روح بن عبادة، عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بمكة ثلاث عشرة وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وفى صحيح البخاري من حديث روح بن عبادة أيضا، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ثم مات وهو ابن ثلاث
وستين.
وكذلك رواه الامام أحمد عن روح بن عبادة ويحيى بن سعيد ويزيد بن هارون، كلهم عن هشام بن حسان.
عن عكرمة، عن ابن عباس به.
وقد رواه أبو يعلى الموصلي، عن الحسن بن عمر بن سفيان (2)، عن جعفر بن سليمان، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس.
فذكر مثله.
ثم أورده من طرق عن ابن عباس مثل ذلك.
ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن أبى جمرة، عن ابن عباس، أن رسول
__________
(1) ا: الثبت.
(2) ح ا: شقيق.
(*)
الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة يوحى إليه.
وبالمدينة عشرا ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وقد أسند الحافظ ابن عساكر من طريق مسلم بن جنادة، عن عبدالله بن عمر، عن كريب، عن ابن عباس، قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين.
ومن حديث أبى نضرة عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس مثله.
وهذا القول هو الاشهر وعليه الاكثر.
وقال الامام أحمد: حدثنا إسماعيل، عن خالد الحذاء، حدثنى عمار مولى بنى هاشم، سمعت ابن عباس يقول: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة.
ورواه مسلم من حديث خالد الحذاء به.
وقال أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن عمارة بن أبى عمار، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمس عشرة سنة، ثمانى
سنين أو سبعا، يرى الضوء ويسمع الصوت، وثمانية أو سبعا يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشرا.
ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به.
وقال أحمد أيضا: حدثنا عفان، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا يونس، عن عمار مولى بنى هاشم، قال: سألت ابن عباس كم أتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ؟ قال: ما كنت أرى مثلك في قومه يخفى عليك ذلك.
قال: قلت: إنى قد سألت فاختلف على فحببت أن أعلم قولك فيه.
قال: أتحسب ؟ قلت: نعم قال: أمسك أربعين بعث لها، وخمس عشرة أقام بمكة يأمن ويخاف، وعشرا مهاجره (1) بالمدينة.
وهكذا رواه مسلم من حديث يزيد بن زريع وشعبة بن الحجاج، كلاهما عن يونس
__________
(1) غير ا: " مهاجرا ".
(*)
ابن عبيد، عن عمار، عن ابن عباس بنحوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا ابن نمير، حدثنا العلاء بن صالح، حدثنا المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، أن رجلا أتى ابن عباس فقال: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرا بمكة وعشرا بالمدينة ؟ فقال: من يقول ذلك ؟ لقد أنزل عليه بمكة خمس عشرة وبالمدينة عشرا، خمسا وستين وأكثر.
وهذا من أفراد أحمد إسنادا ومتنا.
وقال الامام أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا على بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة.
تفرد به أحمد.
وقد روى الترمذي في كتاب الشمائل وأبو يعلى الموصلي والبيهقي من حديث قتادة، عن الحسن البصري عن دغفل بن حنظلة الشيباني النسابة، أن النبي صلى الله عليه وسلم
قبض وهو ابن خمس وستين.
ثم قال الترمذي: دغفل لا نعرف له سماعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان في زمانه رجلا.
وقال البيهقى: وهذا يوافق رواية عمار ومن تابعه عن ابن عباس.
ورواية الجماعة عن ابن عباس في ثلاث وستين أصح، فهم أوثق وأكثر وروايتهم توافق الرواية الصحيحة عن عروة عن عائشة، وإحدى الروايتين عن أنس، والرواية الصحيحة عن معاوية.
وهو قول سعيد بن المسيب وعامر الشعبى وأبى جعفر محمد بن على رضى الله عنهم.
قلت: وعبد الله بن عقبة والقاسم بن عبدالرحمن والحسن البصري وعلى بن الحسين وغير واحد.
* * *
ومن الاقوال الغريبة ما رواه خليفة بن خياط، عن معاذ بن هشام، حدثنى أبى، عن قتادة، قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة.
ورواه يعقوب بن سفيان، عن محمد بن المثنى، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة مثله.
ورواه زيد العمى، عن يزيد، عن أنس.
ومن ذلك ما رواه محمد بن عامر، عن القاسم بن حميد، عن النعمان بن المنذر الغساني، عن مكحول، قال: توفى رسول الله وهو ابن اثنتين وستين سنة وأشهر.
ورواه يعقوب بن سفيان، عن عبدالحميد بن بكار (1)، عن محمد بن شعيب، عن النعمان بن المنذر، عن مكحول، قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة ونصف.
وأغرب من ذلك كله ما رواه الامام أحمد عن روح، عن سعيد بن أبى عروبة، عن
قتادة، عن الحسن، قال: نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانى سنين بمكة وعشرا بعد ما هاجر (2).
فإن كان الحسن ممن يقول بقول الجمهور، وهو أنه عليه السلام أنزل عليه القرآن وعمره أربعون سنة فقد ذهب إلى أنه عليه السلام عاش ثمانيا وخمسين سنة.
وهذا غريب جدا.
لكن روينا من طريق مسدد، عن هشام بن حسان، عن الحسن، أنه قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستين سنة.
وقال خليفة بن خياط: حدثنا أبو عاصم، عن أشعث، عن الحسن، قال: بعث رسول الله وهو ابن خمس وأربعين، فأقام بمكة عشرا وبالمدينة ثمانيا وتوفى وهو ابن ثلاث وستين.
__________
(1) ا: دحار.
(2) ا: وعشرا وقد هاجر.
(*)
وهذا بهذا الصفة غريب جدا والله أعلم.
صفة غسله عليه السلام قد قدمنا أنهم رضى الله عنهم اشتغلوا ببيعة الصديق بقية يوم الاثنين وبعض يوم الثلاثاء، فلما تمهدت وتوطدت وتمت شرعوا بعد ذلك في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتدين في كل ما أشكل عليهم بأبى بكر الصديق رضى الله عنه.
قال ابن إسحاق: فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء.
وقد تقدم من حديث ابن إسحاق، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله توفى يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء.
وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا أبو معاوية، حدثنا أبو بردة، عن علقمة بن
يزيد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل: ألا تجردوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه.
ورواه ابن ماجه من حديث أبى معاوية عن أبى بردة - واسمه عمرو بن يزيد التميمي كوفى - وقال محمد بن إسحاق: حدثنى يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه، سمعت عائشة تقول: لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: ما ندرى أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه.
فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى مامنهم أحد إلا وذقنه في صدره.
ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه.
فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميص.
يصبون الماء فوق القميص فيدلكونه بالقميص دون أيديهم.
فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه.
رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق.
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبى، عن ابن إسحاق، حدثنى حسين بن عبدالله، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: اجتمع (1) القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في البيت إلا أهله، عمه العباس بن عبدالمطلب وعلى بن أبى طالب والفضل بن عباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد بن حارثة وصالح مولاه.
فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الناس أوس بن خولى الانصاري، أحد (2) بنى
عوف بن الخزرج - وكان بدريا - على بن أبى طالب، فقال: يا على ننشدك (3) الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له على: ادخل.
فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا.
فأسنده على إلى صدره وعليه قميصه، وكان العباس وفضل وقثم يقلبونه مع على، وكان أسامة بن زيد وصالح مولاه هما يصبان الماء، وجعل على يغسله ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما يرى (4) من الميت، وهو يقول: بأبى وأمى ! ما أطيبك حيا وميتا.
حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله، - وكان يغسل بالماء والسدر - جففوه ثم صنع به ما يصنع (5) بالميت.
ثم أدرج في ثلاثة أثواب: ثوبين أبيضين وبرد حبرة.
__________
(1) مسند أحمد: لما اجتمع.
حديث 2358 (2) المسند: ثم أحد.
(3) المسند: نشدتك.
(4) ا: مما يراه (5) ا: مما يصنع.
(*)
قال: ثم دعا العباس رجلين، فقال: ليذهب أحدكما إلى أبى عبيدة بن الجراح - وكان أبو عبيدة يضرح لاهل مكة.
وليذهب الآخر إلى أبى طلحة بن سهل الانصاري - وكان أبو طلحة يلحد لاهل المدينة.
قال: ثم قال العباس حين سرحهما: اللهم خر لرسولك ! قال: فذهبا فلم يجد صاحب أبى عبيدة أبا عبيدة، ووجد صاحب أبى طلحة أبا طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
انفرد به أحمد.
وقال يونس بن بكير، عن المنذر بن ثعلبة، عن الصلت، عن العلباء بن أحمر، قال: كان على والفضل يغسلان رسول الله، فنودى على: ارفع طرفك إلى السماء،
وهذا منقطع.
قلت: وقد روى بعض أهل السنن عن على بن أبى طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " يا على لا تبد فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حى ولا ميت ".
وهذا فيه إشعار بأمره له في حق نفسه والله أعلم.
* * * وقال الحافظ أبو بكر البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا محمد بن يعقوب، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، حدثنا ضمرة، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: قال على: غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه أبو داود في المراسيل وابن ماجه من حديث معمر.
زاد البيهقى في روايته: قال سعيد بن المسيب: وقد ولى دفنه عليه السلام أربعة.
على والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لحدوا له لحدا ونصبوا عليه اللبن نصبا.
وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين منهم عامر الشعبى ومحمد بن قيس وعبد الله بن الحارث وغيرهم بألفاظ مختلفة يطول بسطها هاهنا.
قال البيهقى: وروى أبو عمرو كيسان، عن يزيد بن بلال، سمعت عليا يقول: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيرى، فإنه لا يرى أحد عورتى إلا طمست عيناه.
قال على: فكان العباس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر.
قال على: فما تناولت عضوا إلا كأنه يقلبه معى ثلاثون رجلا، حتى فرغت من غسله.
وقد أسند هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزار في مسنده، فقال: حدثنا محمد بن عبدالرحيم، حدثنا عبد الصمد بن النعمان، حدثنا كيسان أبو عمرو، عن يزيد بن بلال، قال: قال على بن أبى طالب: أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم ألا يغسله أحد غيرى، فإنه لا يرى أحد عورتى إلا طمست عيناه.
قال على: فكان العباس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر.
قلت: وهذا غريب جدا.
وقال البيهقى: أنبأنا محمد بن موسى بن الفضل، حدثنا أبو العباس الاصم، حدثنا أسيد بن عاصم، حدثنا الحسين بن حفص، عن سفيان، عن عبدالملك بن جريج، سمعت محمد بن على أبا جعفر قال: غسل النبي صلى الله عليه وسلم بالسدر ثلاثا، وغسل وعليه قميص، وغسل من بئر كان يقال لها الغرس بقباء كانت لسعد بن خيثمة، وكان رسول الله يشرب منها، وولى غسله على والفضل يحتضنه، والعباس يصب الماء، فجعل الفضل يقول: أرحني قطعت وتينى، إنى لاجد شيئا يترطل على (1).
__________
(1) الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه.
ويترطل: يسترخى ويسترسل.
(*)
وقال الواقدي: حدثنا عاصم بن عبدالله الحكمى، عن عمر بن عبد الحكم، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم البئر بئر غرس هي من عيون الجنة وماؤها أطيب المياه ".
وكان رسول الله يستعذب له منها وغسل من بئر غرس.
وقال سيف بن عمر، عن محمد بن عدى، عن عكرمة، عن ابن عباس ; قال: لما فرغ من القبر وصلى الناس الظهر، أخذ العباس في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضرب عليه كلة (1) من ثياب يمانية صفاق في جوف البيت، فدخل الكلة ودعا عليا والفضل، فكان إذا ذهب إلى الماء ليعاطيهما دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله، ورجال
من بنى هاشم من وراء الكلة، ومن أدخل من الانصار حيث ناشدوا أبى وسألوه، منهم أوس بن خولى رضى الله عنهم أجمعين.
ثم قال سيف عن الضحاك بن يربوع الحنفي عن ماهان الحنفي، عن ابن عباس، فذكر ضرب الكلة وأن العباس أدخل فيها عليا والفضل وأبا سفيان وأسامة، ورجال من بنى هاشم من وراء الكلة في البيت، فذكر أنهم ألقى عليهم النعاس فسمعوا قائلا يقول: لا تغسلوا رسول الله فإنه كان طاهرا.
فقال العباس: ألا بلى.
وقال أهل البيت: صدق فلا تغسلوه، فقال العباس: لا ندع سنة لصوت لا ندرى ما هو.
وغشيهم النعاس ثانية، فناداهم: أن غسلوه وعليه ثيابه، فقال أهل البيت: ألا لا.
وقال العباس: ألا نعم.
فشرعوا في غسله وعليه قميص ومجول (2) مفتوح، فغسلوه بالماء القراح وطيبوه بالكافور في مواضع سجوده ومفاصله، واعتصر قميصه ومجوله، ثم أدرج في أكفانه، وجمروه عودا وندا (3)، ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه.
وهذا السياق فيه غرابة جدا.
__________
(1) الكلة: غشاء رقيق يتوقى به من البعوض.
(2) المجول: ثوب أبيض يجعل على يد من تدفع إليه القداح إذا تجمعوا.
(3) الند: العنبر، أو نوع من الطيب.
وفى ا: عودا، ثم احتملوه.
(*)
صفة كفنه عليه الصلاة والسلام قال الامام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الاوزاعي، حدثنى الزهري، عن القاسم، عن عائشة، قالت: أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب حبرة ثم أخر عنه.
قال القاسم: إن بقايا ذلك الثوب لعندنا بعد.
وهذا الاسناد على شرط الشيخين، وإنما رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل
والنسائي عن محمد بن مثنى، ومجاهد بن موسى فرقهما، كلهم عن الوليد بن مسلم به.
وقال الامام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: حدثنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية (1)، ليس فيها قميص ولا عمامة.
وكذا رواه البخاري عن إسماعيل بن أبى أويس، عن مالك وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن هشام عن أبيه عن عائشة: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب [ سحولية ] (2) بيض.
وأخرجه مسلم من حديث سفيان بن عيينة.
وأخرجه البخاري عن أبى نعيم عن سفيان الثوري، كلاهما عن هشام بن عروة به.
وقال أبو داود: حدثنا قتيبة، حدثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب بيض يمانية من كرسف (3)، ليس ليس فيها قميص ولا عمامة.
__________
(1) سحولية: منسوبة إلى سحول، موضع باليمن تنسج به الثياب.
(2) ليست في ا (3) الكرسف: القطن.
(*)
قال: فذكر لعائشة قولهم: في ثوبين وبرد حبرة، فقالت: قد أتى بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه.
وهكذا رواه مسلم، عن أبى بكر بن أبى شيبة، عن حفص بن غياث به.
وقال البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، حدثنا أحمد بن سلمة، حدثنا هناد بن السرى، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كفن رسول الله في ثلاثة أثواب بيض سحوليه من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة، فأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها، إنما اشتريت له حلة
ليكفن فيها فتركت، وأخذها عبدالله بن أبى بكر فقال: لاحبسنها لنفسي حتى أكفن فيها.
ثم قال: لو رضيها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لكفنه فيها.
فباعها وتصدق بثمنها.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى وغيره، عن أبى معاوية.
ثم رواه البيهقى عن الحاكم، عن الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبى معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كفن رسول الله في برد حبرة كانت لعبد الله بن أبى بكر ولف فيها ثم نزعت عنه، فكان عبدالله بن أبى بكر قد أمسك تلك الحلة لنفسه حتى يكفن فيها إذا مات.
ثم قال بعد أن أمسكها: ما كنت أمسك لنفسي شيئا منع الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكفن فيه.
فتصدق بثمنها عبدالله.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية بيض.
ورواه النسائي، عن إسحاق بن راهويه، عن عبد الرزاق.
وقال الامام أحمد: حدثنا مسكين بن بكر، عن سعيد، يعنى ابن عبد العزيز، قال
مكحول: حدثنى عروة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب رياط يمانية.
انفرد به أحمد.
وقال أبو يعلى الموصلي: حدثنا سهل بن حبيب الانصاري، حدثنا عاصم بن هلال إمام مسجد أيوب، حدثنا أيوب عن نافع، عن ابن عمر: قال كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية.
وقال سفيان عن عاصم بن عبيدالله، عن سالم، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب.
ووقع في بعض الروايات ; ثوبين صحاريين (1) وبرد حبرة.
وقال الامام أحمد: حدثنا ابن إدريس، حدثنا يزيد، عن مقسم، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب: في قميصه الذى مات فيه، وحلة نجرانية - الحلة ثوبان -.
ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل وعثمان بن أبى شيبة، وابن ماجه عن على ابن محمد، ثلاثتهم عن عبدالله بن إدريس، عن يزيد بن أبى زياد، عن مقسم، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه.
وهذا غريب جدا.
وقال الامام أحمد: أيضا: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان، عن ابن أبى ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وبرد أحمر.
انفرد به أحمد من هذا الوجه.
__________
(1) كذا ولعلها نسبة إلى صحار، وهى هضبة عمان مما يلى الجبل.
المراصد.
(*)
وقال أبو بكر الشافعي: حدثنا على بن الحسن، حدثنا حميد بن الربيع، حدثنا بكر - يعنى ابن عبدالرحمن - حدثنا عيسى - يعنى ابن المختار - عن محمد بن عبدالرحمن هو ابن أبى ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس، قال: كفن رسول الله في ثوبين أبيضين وبرد أحمر.
وقال أبو يعلى: حدثنا سليمان الشاذكونى، حدثنا يحيى بن أبى الهيثم، حدثنا عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس، عن الفضل، قال: كفن رسول الله صلى عليه وسلم في ثوبين أبيضين سحوليين.
زاد فيه محمد بن عبدالرحمن بن أبى ليلى: وبرد أحمر.
وقد رواه غير واحد عن إسماعيل المؤدب، عن يعقوب بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس، عن الفضل، قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وفى رواية: وسحولية.
فالله أعلم.
وروى الحافظ ابن عساكر من طريق أبى طاهر المخلص، حدثنا أحمد بن إسحاق عن البهلول، حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا شريك، عن أبى إسحاق، قال: وقعت على مجلس بنى عبدالمطلب وهم متوافرون، فقلت لهم: في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا قباء ولا عمامة.
قلت: كم أسر منكم يوم بدر ؟ قالوا: العباس ونوفل وعقيل.
وقد روى البيهقى من طريق الزهري، عن على بن الحسين زين العابدين، أنه قال: كفن رسول الله في ثلاثة أثواب أحدها برد حبرة.
وقد ساقه الحافظ ابن عساكر من طريق في صحتها نظر، عن على بن أبى طالب، قال: كفنت رسول صلى الله عليه وسلم في ثوبين سحوليين وبرد حبرة.
وقد قال أبو سعيد ابن الاعرابي، حدثنا إبراهيم بن الوليد حدثنا محمد بن كثير
حدثنا هشام عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة، قال، كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ريطتين وبرد نجرانى.
وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن هشام وعمران القطان، عن قتادة عن سعيد، عن أبى هريرة به.
وقد رواه الربيع بن سليمان، عن أسد بن موسى، حدثنا نصر بن طريف، عن قتادة، حدثنا ابن المسيب، عن أم سلمة: أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب أحدها برد نجرانى.
قال البيهقى: وفيما روينا عن عائشة بيان سبب الاشتباه على الناس، وأن الحبرة أخرت عنه والله أعلم.
ثم روى الحافظ البيهقى من طريق محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا يعقوب ابن إبراهيم الدورقى، عن حميد بن عبدالرحمن الرؤاسى، عن حسن بن صالح، عن هارون بن سعيد، قال: كان عند على مسك فأوصى أن يحنط به، وقال، هو من فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه من طريق إبراهيم بن موسى، عن حميد، عن حسن، عن هارون، عن أبى وائل عن على.
فذكره.
كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الحديث الذى رواه البيهقى من حديث الاشعث بن طليق، والبزار من حديث الاصبهاني، كلاهما عن مرة، عن ابن مسعود: في وصية النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسله رجال أهل بيته، وأنه قال: كفنوني في ثيابي هذه أو في يمانية أو بياض مصر، وأنه إذا كفنوه يضعونه على شفير قبره ثم يخرجون عنه حتى تصلى عليه الملائكة، ثم يدخل عليه رجال أهل بيته فيصلون عليه، ثم الناس بعدهم فرادى.
الحديث بتمامه.
وفى صحته نظر كما قدمنا.
والله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق: حدثنى الحسين بن عبدالله بن عبيدالله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالا، لم يؤمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد.
وقال الواقدي: حدثنى أبى بن عياش بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده،
قال: لما أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكفانه وضع على سريره، ثم وضع على شفير حفرته، ثم كان الناس يدخلون عليه رفقا رفقا لا يؤمهم أحد.
قال الواقدي: حدثنى موسى بن محمد بن إبراهيم، قال وجدت كتابا بخط أبى فيه أنه لما كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع على سريره، دخل أبو بكر وعمر رضى الله عنهما ومعهما نفر من المهاجرين والانصار بقدر ما يسع البيت، فقالا:
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وسلم المهاجرون والانصار كما سلم أبو بكر وعمر، ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد.
فقال أبو بكر وعمر - وهما في الصف الاول حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم - اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه، ونصح لامته، وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته، وأومن به وحده لا شريك له، فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذى أنزل معه، واجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به، فإنه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما، لا نبتغى بالايمان به بدلا ولا نشترى به ثمنا أبدا.
فيقول الناس: آمين آمين.
ويخرجون ويدخل آخرون، حتى صلى الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان.
وقد قيل: إنهم صلوا عليه من بعد الزوال يوم الاثنين إلى مثله من يوم الثلاثاء، وقيل إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون عليه.
كما سيأتي بيان ذلك قريبا.
والله أعلم.
وهذا الصنيع، وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه، أمر مجمع عليه لا خلاف فيه.
وقد اختلف في تعليله.
فلو صح الحديث الذى أوردناه عن ابن مسعود لكان نصا في ذلك، ويكون من باب التعبد الذى يعسر تعقل معناه (1).
وليس لاحد أن يقول: لانه لم يكن لهم إمام، لانا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه عليه السلام بعد تمام بيعة
أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه.
وقد قال بعض العلماء: إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة من كل فرد فرد من آحاد الصحابة رجالهم ونسائهم وصبيانهم حتى العبيد والاماء.
__________
(1) ت: الذى نعقل.
(*)
وأما السهيلي فقال ما حاصله: إن الله قد أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، وأمر كل واحد من المؤمنين أن يباشر الصلاة عليه منه إليه، والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل.
قال: وأيضا فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة.
فالله أعلم.
وقد اختلف المتأخرون من أصحاب الشافعي في مشروعية الصلاة على قبره لغير الصحابة.
فقيل: نعم.
لان جسده عليه السلام طرى في قبره، لان الله قد حرم على الارض أن تأكل أجساد الانبياء، كما ورد بذلك الحديث في السنن وغيرها فهو كالميت اليوم، وقال آخرون: لا يفعل، لان السلف ممن بعد الصحابة لم يفعلوه، ولو كان مشروعا لبادروا إليه ولثابروا عليه.
والله أعلم.
صفة دفنه عليه السلام، وأين دفن، وذكر الخلاف في دفنه أليلا كان أم نهارا قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبى - وهو عبد العزيز بن جريج: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لم يدروا أين يقبرون النبي صلى الله عليه وسلم.
حتى قال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لم يقبر نبى إلا حيث يموت، فأخروا فراشه وحفروا تحت فراشه صلى الله عليه وسلم.
وهذا فيه انقطاع بين عبد العزيز بن جريج وبين الصديق، فإنه لم يدركه، لكن رواه الحافظ أبو يعلى من حديث ابن عباس وعائشة، عن أبى بكر الصديق رضى الله
عنهم، فقال: حدثنا أبو موسى الهروي، حدثنا أبو معاوية، حدثنا عبدالرحمن بن أبى بكر، عن ابن أبى مليكة، عن عائشة، قالت: اختلفوا في دفن النبي صلى الله عليه وسلم حين قبض، فقال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" لا يقبض النبي إلا في أحب الامكنة إليه " فقال: ادفنوه حيث قبض.
وهكذا رواه الترمذي عن أبى كريب، عن أبى معاوية، عن عبدالرحمن بن أبى بكر المليكى، عن ابن أبى مليكة، عن عائشة قالت: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله شيئا ما نسيته، قال: " ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذى يحب أن يدفن فيه ".
ادفنوه في موضع فراشه.
ثم إن الترمذي ضعف المليكى ثم قال: وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه، رواه ابن عباس عن أبى بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الاموى عن أبيه عن ابن إسحاق، عن رجل حدثه، عن عروة، عن عائشة، أن أبا بكر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه لم يدفن نبى قط إلا حيث قبض ".
قال أبو بكر بن أبى الدنيا: حدثنى محمد بن سهل التميمي، حدثنا هشام بن عبدالملك الطيالسي، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان بالمدينة حفاران فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: أين ندفنه ؟ فقال أبو بكر رضى الله عنه: في المكان الذى مات فيه، وكان أحدهما يلحد والآخر يشق، فجاء الذى يلحد فلحد للنبى صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه منقطعا.
وقال أبو يعلى: حدثنا جعفر بن مهران، حدثنا عبدالاعلى، عن محمد بن إسحاق، حدثنى حسين بن عبدالله، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما أرادوا أن يحفروا للنبى
صلى الله عليه وسلم وكان أبو عبيدة الجراح يضرح كحفر أهل مكة، وكان أبو طلحة زيد ابن سهل هو الذى كان يحفر لاهل المدينة وكان يلحد، فدعا العباس رجلين فقال لاحدهما: اذهب إلى أبى عبيدة.
وقال للآخر: اذهب إلى أبى طلحة، اللهم خره لرسولك.
قال: فوجد صاحب أبى طلحة أبا طلحة.
فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه.
فقال قائل: ندفنه في مسجده.
وقال قائل: ندفنه مع أصحابه.
فقال أبو بكر: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما قبض نبى إلا دفن حيث قبض ".
فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى توفى فيه فحفروا له تحته، ثم أدخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالا، الرجال حتى إذا فرغ منهم أدخل النساء، حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد.
فدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوسط الليل ليلة الاربعاء.
وهكذا رواه ابن ماجه عن نصر بن على الجهضمى، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق فذكر بإسناده مثله.
وزاد في آخره: ونزل في حفرته على بن أبى طالب والفضل وقثم ابنا عباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أوس بن خولى - وهو أبو ليلى - لعلى بن أبى طالب: أنشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له على: انزل.
وكان شقران مولاه أخذ قطيفة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها فدفنها في القبر وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك.
فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه الامام أحمد، عن حسين بن محمد، عن جرير بن حازم، عن ابن إسحاق
مختصرا، وكذلك رواه يونس بن بكير وغيره عن إسحاق به.
* * * وروى الواقدي عن ابن أبى حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن
عباس، عن أبى بكر الصديق، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما قبض الله نبيا إلا ودفن حيث قبض ".
وروى البيهقى عن الحاكم، عن الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الحصين أو محمد بن جعفر بن الزبير، قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه فقالوا: كيف ندفنه ؟ مع الناس أو في بيوته.
فقال أبو بكر: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما قبض الله نبيا إلا دفن حيث قبض ".
فدفن حيث كان فراشه، رفع الفراش وحفر تحته.
وقال الواقدي: حدثنا عبدالحميد بن جعفر، عن عثمان بن محمد الاخنسى، عن عبد الرحمن بن سعيد - يعنى ابن يربوع - قال: لما توفى النبي صلى الله عيله وسلم اختلفوا في موضع قبره.
فقال قائل: في البقيع، فقد كان يكثر الاستغفار لهم.
وقال قائل: عند منبره.
وقال قائل: في مصلاه.
فجاء أبو بكر فقال: إن عندي من هذا خبرا وعلما، سمعت رسول الله يقول: " ما قبض نبى إلا دفن حيث توفى ".
قال الحافظ البيهقى: وهو في حديث يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، وفى حديث ابن جريج عن أبيه، كلاهما عن أبى بكر الصديق، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
وقال البيهقى: عن الحاكم، عن الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن سلمة بن نبيط بن شريط، عن أبيه، عن سالم بن عبيد - وكان من أصحاب
الصفة - قال: دخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات ثم خرج، فقيل له: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم.
فعلموا أنه كما قال.
وقيل له: أنصلي عليه ؟ وكيف نصلى عليه ؟ قال: تجيئون عصبا عصبا، فتصلون.
فعلموا أنه كما قال.
قالوا: هل يدفن وأين ؟ قال: حيث قبض الله روحه، فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب.
فعلموا أنه كما قال.
* * * وروى البيهقى من حديث سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن سعيد بن المسيب، قال: عرضت عائشة على أبيها رؤيا، وكان من أعبر الناس قالت: رأيت ثلاثة أقمار وقعن في حجري، فقال لها: إن صدقت رؤياك دفن في بيتك من خير أهل الارض ثلاثة.
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة هذا خير أقمارك ! ورواه مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عائشة منقطعا.
وفى الصحيحين عنها أنها قالت: توفى النبي صلى الله عليه وسلم في بيتى وفى يومى وبين سحري ونحرى، وجمع الله بين ريقي وريقه في آخر ساعة من الدنيا وأول ساعة من الآخرة.
وفى صحيح البخاري من حديث أبى عوانة، عن هلال الوراق، عن عروة، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذى مات فيه يقول: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
قالت عائشة: ولولا ذلك لابرز قبره، غير أنه خشى أن يتخذ مسجدا.
وقال ابن ماجه: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا هاشم بن القاسم: حدثنا مبارك بن
فضالة، حدثنى حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان (1) بالمدينة رجل يلحد والآخر يضرح فقالوا: نستخير الله (2) ونبعث
__________
(1) سنن ابن ماجه حديث 1557 - لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة.
(2) ابن ماجه: نستخير ربنا.
(*)
إليهما، فأيهما سبق تركناه.
فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبى صلى الله عليه وسلم.
تفرد به ابن ماجه وقد رواه الامام أحمد، عن أبى النضر هاشم بن القاسم به.
وقال ابن ماجه أيضا: حدثنا عمر بن شبة بن عبيدة بن زيد (1)، حدثنا عبيد بن طفيل، حدثنا عبدالرحمن بن أبى مليكة، حدثنى ابن أبى مليكة، عن عائشة، قالت: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في اللحد والشق حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم.
فقال عمر: لاتصخبوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا ولا ميتا - أو كلمة نحوها - فأرسلوا إلى الشقاق واللاحد جميعا.
فجاء اللاحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دفن.
تفرد به ابن ماجه.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا العمرى، عن نافع، عن ابن عمر.
وعن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحد له لحد.
تفرد به أحمد من هذين الوجهين.
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن شعبة وابن جعفر، حدثنا شعبة، حدثنى أبو جمرة عن ابن عباس، قال: جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء.
وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي من طرق، عن شعبة به.
وقد رواه وكيع
عن شعبة.
وقال وكيع: كان هذا خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه ابن عساكر.
__________
(1) الاصل: ابن يزيد.
وما أثبته عن سنن ابن ماجه.
(*)
وقال ابن سعد: أنبأنا محمد بن عبدالله الانصاري، حدثنا أشعث بن عبدالملك الحمراني، عن الحسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط تحته قطيفة حمراء كان يلبسها، قال: وكانت أرضا ندية.
وقال هشيم بن منصور عن الحسن قال: جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء كان أصابها يوم حنين.
قال [ الحسن (1) ]: جعلها لان المدينة أرض سبخة.
وقال محمد بن سعد: حدثنا حماد بن خالد الخياط، عن عقبة بن أبى الصهباء، سمعت الحسن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " افرشوا لى قطيفة في لحدي فإن الارض لم تسلط على أجساد الانبياء ".
وروى الحافظ البيهقى من حديث مسدد، حدثنا عبد الواحد، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: قال على: غسلت النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر إلى ما يكون من الميت فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا.
قال: وولى دفبه عليه الصلاة والسلام وإجنانه دون الناس أربعة، على والعباس والفضل وصالح مولى النبي صلى الله عليه وسلم، ولحد للنبى صلى الله عليه وسلم لحد، ونصب عليه اللبن نصبا.
وذكر البيهقى عن بعضهم أنه نصب على لحده عليه السلام تسع لبنات.
وروى الواقدي عن ابن أبى سبرة عن عبدالله بن معبد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس من
يوم الاثنين إلى أن زاغت الشمس يوم الثلاثاء، يصلى الناس عليه وسريره على شفير قبره فلما أرادوا أن يقبروه عليه السلام نحوا السرير قبل رجليه فأدخل من هناك.
ودخل في حفرته العباس وعلى وقثم والفضل وشقران.
__________
(1) ليست في ا.
(*)
وروى البيهقى من حديث إسماعيل السدى، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: دخل قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس وعلى والفضل وسوى لحده رجل من الانصار وهو الذى سوى لحود قبور الشهداء يوم بدر.
قال ابن عساكر: صوابه يوم أحد.
وقد تقدم رواية ابن إسحاق عن حسين بن عبدالله، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان الذين نزلوا في قبر رسول الله على والفضل وقثم وشقران، وذكر الخامس وهو أوس بن خولى، وذكر قصة القطيفة التى وضعها في القبر شقران.
وقال الحافظ البيهقى: أخبرنا أبو طاهر الخداباذى، حدثنا أبو قلابة، حدثنا أبو عاصم، حدثنا سفيان بن سعيد، هو الثوري، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن الشعبى، قال: حدثنى أبو مرحب، قال: كأنى أنظر إليهم في قبر النبي صلى الله عليه وسلم أربعة: أحدهم عبد الرحمن بن عوف.
وهكذا رواه أبو داود عن محمد بن الصباح، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبى خالد به.
ثم رواه عن أحمد بن يونس، عن زهير عن إسماعيل، عن الشعبى، حدثنى مرحب أو ابن عمى مرحب (1): أنهم أدخلوا معهم عبدالرحمن بن عوف، فلما فرغ على قال: إنما يلى الرجل أهله.
وهذا حديث غريب جدا وإسناده جيد قوى، ولا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقد قال أبو عمر بن عبد البر في استيعابه: أبو مرحب اسمه سويد بن قيس، وذكر أبا مرحب آخر وقال: لا أعرف خبره.
قال ابن الاثير في الغابة: فيحتمل أن يكون راوي هذا الحديث أحدهما أو ثالث غيرهما [ ولله الحمد ] (2).
__________
(1) ح: أو أبو مرحب.
(2) ليست في ا.
(*)
ذكر من كان آخر الناس به عهدا عليه الصلاة والسلام قال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبى، عن ابن إسحاق، حدثنى أبى إسحاق ابن يسار، عن مقسم أبى القاسم مولى عبدالله بن الحارث بن نوفل، عن مولاه عبدالله بن الحارث، قال: اعتمرت مع على في زمان عمر أو زمان عثمان، فنزل على أخته أم هانئ بنت أبى طالب، فلما فرغ من عمرته رجع فسكبت له غسلا فاغتسل.
فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق فقالوا: يا أبا حسن جئناك نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه.
قال: أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم أنه كان أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: أجل.
عن ذلك جئنا نسألك.
قال: أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن عباس.
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقد رواه يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق به مثله سواء، إلا أنه قال قبله عن ابن إسحاق قال: وكان المغيرة بن شعبة يقول: أخذت خاتمي فألقيته في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت حين خرج القوم: إن خاتمي قد سقط في القبر.
وإنما طرحته عمدا لامس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون آخر الناس عهدا به.
قال ابن إسحاق: فحدثني والدى إسحاق بن يسار، عن مقسم، عن مولاه عبدالله بن الحارث، قال: اعتمرت مع على.
فذكر ما تقدم.
وهذا الذى ذكر عن المغيرة بن شعبة لا يقتضى أنه حصل له ما أمله، فإنه قد يكون على رضى الله عنه لم يمكنه من النزول في القبر بل أمر غيره فناوله أياه، وعلى ما تقدم يكون الذى أمره بمناولته له قثم بن عباس.
وقد قال الواقدي: حدثنى عبدالرحمن بن أبى الزناد، عن أبيه، عن عبيدالله بن
عبدالله بن عتبة، قال: ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال على: إنما ألقيته لتقول: نزلت في قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
فنزل فأعطاه.
أو أمر رجلا فأعطاه.
وقد قال الامام أحمد حدثنا بهز وأبو كامل، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبى عمران الجونى، عن أبى عسيب أو أبى عسيم قال بهز: إنه شهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: كيف نصلى، قال: ادخلوا أرسالا أرسالا، فكانوا يدخلون من هذا الباب فيصلون عليه ثم يخرجون من الباب الآخر.
قال: فلما وضع في لحده قال المغيرة: قد بقى من رجليه شئ لم تصلحوه.
قالوا: فادخل فأصلحه.
فدخل وأدخل يده فمس قدميه عليه السلام.
فقال: أهيلوا على التراب.
فأهالوا عليه حتى بلغ إلى أنصاف ساقيه، ثم خرج فكان يقول: أنا أحدثكم عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم ! متى وقع دفنه عليه الصلاة والسلام وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثتني فاطمة بنت محمد امرأة عبدالله بن أبى بكر وأدخلني عليها حتى سمعته (1) منها، عن عمرة، عن عائشة، أنها قالت: ما علمنا بدفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحى في جوف ليلة الاربعاء.
وقال الواقدي: حدثنا ابن أبى سبرة، عن الحليس بن هشام، عن عبدالله بن وهب، عن أم سلمة، قالت: بينا نحن مجتمعون نبكى لم ننم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوتنا
ونحن نتسلى برؤيته على السرير، إذ سمعنا صوت الكرازين (2) في السحر.
قالت أم سلمة: فصحنا وصاح أهل المسجد، فارتجت المدينة صيحة واحدة، وأذن بلال بالفجر، فلما ذكر
__________
(1) ا: تسمعه.
(2) الكرازين: جمع كرزن وهو الفأس الكبيرة.
(*)
النبي صلى الله عليه وسلم بكى وانتحب، فزادنا حزنا وعالج الناس الدخول إلى قبره فغلق دونهم، فيالها من مصيبة ما أصبنا بعدها بمصيبة إلا هانت إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه وسلم.
وقد روى الامام أحمد من حديث محمد بن إسحاق، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء.
وقد تقدم مثله في غير ما حديث.
وهو الذى نص عليه غير واحد من الائمة سلفا وخلفا ; منهم سليمان بن طرخان التيمى، وجعفر بن محمد الصادق، وابن إسحاق، وموسى ابن عقبة وغيرهم.
وقد روى يعقوب بن سفيان، عن عبدالحميد، عن بكار، عن محمد بن شعيب، عن الاوزاعي أنه قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار، ودفن يوم الثلاثاء.
وهكذا روى الامام أحمد عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في الضحى يوم الاثنين ودفن من الغد في الضحى.
* * * وقال يعقوب: حدثنا سفيان، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا سفيان، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه و [ عن ] (1) ابن جريج، عن أبى جعفر، أن رسول الله توفى يوم
الاثنين، فلبث ذلك اليوم وتلك الليلة ويوم الثلاثاء إلى آخر النهار.
فهو قول غريب، والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه من أنه عليه السلام توفى يوم الاثنين، ودفن ليلة الاربعاء.
__________
(1) ليست في ا.
(*)
ومن الاقوال الغريبة في هذا أيضا ما رواه يعقوب بن سفيان عن عبدالحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، عن أبى النعمان، عن مكحول، قال: ولد رسول الله يوم الاثنين، وأوحى إليه يوم الاثنين، وهاجر يوم الاثنين، وتوفى يوم الاثنين لثنتين وستين سنة ونصف، ومكث ثلاثة أيام لا يدفن، يدخل عليه الناس أرسالا أرسالا يصلون لا يصفون ولا يؤمهم عليه أحد.
فقوله: إنه مكث ثلاثة أيام لا يدفن.
غريب، والصحيح أنه مكث بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء بكماله، ودفن ليلة الاربعاء كما قدمنا.
والله أعلم.
وضده ما رواه سيف، عن هشام، عن أبيه، قال: توفى رسول الله يوم الاثنين.
[ وغسل يوم الاثنين ] (1) ودفن ليلة الثلاثاء.
قال سيف: وحدثنا يحيى بن سعيد مرة بجميعه عن عائشة به.
وهذا غريب جدا.
وقال الواقدي: حدثنا عبدالله بن جعفر، عن ابن أبى عون، عن أبى عتيق، عن جابر بن عبدالله، قال: رش على قبر النبي صلى الله عليه وسلم الماء رشا، وكان الذى رشه بلال بن رباح بقربة، بدأ من قبل رأسه من شقه الايمن حتى انتهى إلى رجليه، ثم ضرب بالماء إلى الجدار لم يقدر على أن يدور من الجدار.
وقال سعيد بن منصور، عن الدراوردى عن يزيد بن عبدالله بن أبى يمن، عن أم سلمة، قالت: توفى رسول الله يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء.
وقال ابن خزيمة: حدثنا مسلم بن حماد، عن أبيه، عن عبدالله بن عمر، عن كريب، عن ابن عباس، قال: توفى رسول الله يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء.
وقال الواقدي: حدثنى أبى بن عياش بن سهل بن سعد، عن أبيه، قال: توفى رسول الله
__________
(1) سقطت من ا.
(*)
صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ودفن ليلة الثلاثاء.
وقال أبو بكر بن أبى الدنيا عن محمد بن سعد: توفى رسول الله يوم الاثنين لثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاول، ودفن يوم الثلاثاء.
وقال عبدالله بن محمد بن أبى الدنيا: حدثنا الحسن بن إسرائيل أبو محمد النهرتيرى (1)، حدثنا عيسى بن يونس، عن إسماعيل بن أبى خالد، سمعت عبدالله بن أبى أوفى يقول: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ; فلم يدفن إلا يوم الثلاثاء.
وهكذا قال سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبدالرحمن، وأبو جعفر الباقر.
فصل في صفة قبره عليه الصلاة والسلام قد علم بالتواتر أنه عليه الصلاة والسلام دفن في حجرة عائشة التى كانت تختص بها شرقي مسجده في الزاوية الغربية القبليه من الحجرة.
ثم دفن بعده فيها أبو بكر ثم عمر رضى الله عنهما.
وقد قال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن سفيان التمار، أنه حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما (2).
تفرد به البخاري.
وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن أبى فديك، أخبرني عمرو بن عثمان بن هانئ، عن القاسم، قال: دخلت على عائشة وقلت لها: يا أمه اكشفي لى عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه.
فكشفت لى عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا
لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء النبي صلى الله عليه وسلم.
أبو بكر رضى الله عنه عمر رضى الله عنه
__________
(1) نسبة إلى نهر تيرى، بلد من نواحى الاهواز (2) التسنيم: ضد التسطيح.
(*)
[ تفرد به أبو داود ] (1).
وقد رواه الحاكم والبيهقي من حديث ابن أبى فديك، عن عمرو بن عثمان، عن القاسم، قال فرأيت النبي عليه السلام مقدما، وأبو بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجل النبي صلى الله عليه وسلم.
قال البيهقى: وهذه الرواية تدل على أن قبورهم مسطحة لان الحصباء لا تثبت إلا على المسطح.
وهذا عجيب من البيهقى رحمه الله، فإنه ليس في الرواية ذكر الحصباء بالكلية، وبتقدير ذلك فيمكن أن يكون مسنما وعليه الحصباء مغروزة بالطين ونحوه.
وقد روى الواقدي عن الدراوردى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: جعل قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسطحا.
وقال البخاري: حدثنا فروة بن أبى المغراء، حدثنا على بن مسهر، عن هشام، عن عروة، عن أبيه، قال: لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبدالملك أخذوا في بنائه فبدت لهم قدم ففزعوا فظنوا أنها قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فما وجد واحد يعلم ذلك حتى قال لهم عروة: لا والله ماهى قدم النبي صلى الله عليه وسلم ; ما هي إلا قدم عمر.
وعن هشام، عن أبيه، عن عائشة: أنها أوصت عبدالله بن الزبير: لا تدفني معهم وادفني مع صواحبي بالبقيع، لا أزكى به أبدا.
قلت: كان الوليد بن عبدالملك حين ولى الامارة في سنة ست وثمانين قد شرع
في بناء جامع دمشق وكتب إلى نائبه بالمدينة ابن عمه عمر بن عبد العزيز أن يوسع في مسجد المدينة، فوسعه حتى من ناحية الشرق (2) فدخلت الحجرة النبوية فيه.
وقد روى الحافظ ابن عساكر بسنده عن زاذان مولى الفرافصة، وهو الذى بنى المسجد النبوى أيام [ ولاية ] عمر بن عبد العزيز على المدينة، فذكر عن سالم بن عبدالله نحو ما ذكره البخاري، وحكى صفة القبور كما رواه أبو داود.
__________
(1) سقط من ا.
(2) ت: من ناحية السوق.
(*)
ذكر ما أصاب المسلمين من المصيبة العظيمة بوفاته عليه الصلاة والسلام قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا ثابت، عن أنس، قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب.
فقالت فاطمة: واكرب أبتاه.
فقال لها: " ليس على أبيك كرب بعد اليوم ".
فلما مات قالت: وأبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه.
فلما دفن قالت فاطمة: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب ؟ ! تفرد به البخاري رحمه الله.
وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا ثابت البنانى، قال أنس: فلما دفن النبي صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة: يا أنس أطابت أنفسكم أن دفنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التراب ورجعتم ؟ وهكذا رواه ابن ماجه مختصرا من حديث حماد بن زيد به.
وعنده قال حماد: فكان ثابت إذا حدث بهذا الحديث بكى حتى تختلف أضلاعه.
وهذا لا يعد نياحة بل هو من باب ذكر فضائله الحق عليه أفضل الصلاة والسلام،
وإنما قلنا هذا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النياحة.
وقد روى الامام أحمد والنسائي من حديث شعبة، سمعت قتادة، سمعت مطرفا يحدث عن حكيم بن قيس بن عاصم، عن أبيه - فيما أوصى به إلى بنيه - أنه قال: ولا تنوحوا على فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه.
وقد رواه إسماعيل بن إسحاق القاضى في النوادر، عن عمرو بن ميمون عن شعبة به.
ثم رواه عن على بن المدينى، عن المغيرة بن سلمة، عن الصعق بن حزن، عن القاسم بن مطيب، عن الحسن البصري، عن قيس بن عاصم به.
قال: لا تنوحوا على فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه، وقد سمعته ينهى عن النياحة.
ثم رواه عن على عن محمد بن الفضل، عن الصعق، عن القاسم، عن يونس بن عبيد، عن الحسن عن عاصم به.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عقبة بن سنان، حدثنا عثمان بن عثمان، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت، عن أنس قال: لما كان اليوم الذى قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شئ، فلما كان اليوم الذى مات فيه أظلم منها كل شئ.
قال: وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الايدى حتى أنكرنا قلوبنا.
وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه جميعا، عن بشر بن هلال الصواف، عن جعفر بن سليمان الضبعى به.
وقال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب.
قلت.
وإسناده على شرط الصحيحين، ومحفوظ من حديث جعفر بن سليمان، وقد
أخرج له الجماعة، ورواه الناس عنه كذلك.
* * * وقد أغرب الكديمى، وهو محمد بن يونس رحمه الله في روايته له حيث قال: حدثنا أبو الوليد هشام بن عبدالملك الطيالسي، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعى، عن ثابت عن أنس، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلمت المدينة حتى لم ينظر بعضنا
إلى بعض، وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها أو لا يبصرها، وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.
رواه البيهقى من طريقه كذلك.
وقد رواه من طريق غيره من الحفاظ عن أبى الوليد الطيالسي، كما قدمنا، وهو المحفوظ والله أعلم.
وقد روى الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر من طريق أبى حفص بن شاهين، حدثنا حسين ابن أحمد بن بسطام بالابله، حدثنا محمد بن يزيد الرؤاسى، حدثنا مسلمة ابن علقمة، عن داود بن أبى هند، عن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدرى، قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شئ، فلما كان اليوم الذى مات فيه أظلم منها كل شئ.
وقال ابن ماجه: حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عبد الوهاب ابن عطاء العجلى، عن ابن عون، عن الحسن، عن أبى بن كعب، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما وجهنا واحد، فلما قبض نظرنا هكذا وهكذا.
وقال أيضا: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامى، حدثنا خالي محمد بن إبراهيم بن المطلب بن السائب بن أبى وداعة السهمى، حدثنى موسى بن عبدالله بن أبى أمية المخزومى، حدثنى مصعب بن عبدالله، عن أم سلمة بنت أبى أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها
قالت: كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلى يصلى لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلى لم يعد بصر أحدهم موضع جبينه، فتوفى أبو بكر وكان عمر، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلى لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة، فتوفى عمر وكان عثمان وكانت الفتنة، فتلفت الناس يمينا وشمالا.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، عن ثابت عن أنس ; أن أم أيمن بكت لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها ما يبكيك على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: إن قد علمت أن رسول الله سيموت، ولكني إنما أبكى على الوحى الذى رفع عنا.
هكذا رواه مختصرا.
وقد قال البيهقى: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن نعيم ومحمد بن النضر الجارودي، قالا: حدثنا الحسن بن على الخولانى (1)، حدثنا عمرو بن عاصم الكلابي، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم أيمن زائرا وذهبت معه، فقربت إليه شرابا.
فإما كان صائما وإما كان لا يريده فرده، فأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تضاحكه.
فقال أبو بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها.
فلما انتهينا إليها بكت.
فقالا لها: ما يبكيك ؟ ما عند الله خير لرسوله.
قالت: والله ما أبكى ألا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكى أن الوحى انقطع من السماء.
فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان.
ورواه مسلم منفردا به عن زهير بن حرب، عن عمرو بن عاصم به.
* * * وقال موسى بن عقبة في قصة وفاة رسول صلى الله عليه وسلم وخطبة أبى بكر فيها: قال: ورجع الناس حين فرغ أبو بكر من الخطبة وأم أيمن قاعدة تبكى، فقيل لها: ما يبكيك ؟ قد أكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم فأدخله جنته، وأراحه من نصب الدنيا.
__________
(1) ا: الحلواني.
(*)
فقالت: إنما أبكى على خبر السماء كان يأتينا غضا جديدا كل يوم وليلة، فقد انقطع ورفع، فعليه أبكى.
فعجب الناس من قولها.
وقد قال مسلم بن الحجاج في صحيحه: وحدثت عن أبى أسامة، وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهرى، حدثنا أبو أسامة، حدثنى بريد بن عبدالله عن أبى بردة، عن أبى موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الله إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا يشهد لها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حى فأهلكها وهو ينظر إليها فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره ".
تفرد به مسلم إسنادا ومتنا.
وقد قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا عبدالمجيد بن عبد العزيز بن أبى رواد، عن سفيان، عن عبدالله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله - هو ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتى السلام ".
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتى خير لكم تعرض على أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه،
وما رأيت من شر استغفرت الله لكم ".
ثم قال البزار: لا نعرف آخره يروى عن عبدالله إلا من هذا الوجه.
قلت: وأما أوله وهو قوله عليه السلام: " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتى السلام " فقد رواه النسائي من طرق متعددة، عن سفيان الثوري وعن الاعمش، كلاهما عن عبدالله بن السائب، عن أبيه به.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا حسين بن على الجعفي، عن عبدالرحمن بن يزيد ابن جابر، عن أبى الاشعث الصنعانى، عن أوس بن أوس، قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا على من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة على ".
قالوا: يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ - يعنى قد بليت - قال: " إن الله قد حرم على الارض أن تأكل أجساد الانبياء عليهم السلام ".
وهكذا رواه أبو داود عن هارون بن عبدالله وعن الحسن بن على، والنسائي عن إسحاق بن منصور، ثلاثتهم عن حسين بن على به.
ورواه ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة، عن حسين بن على، عن ابن جابر، عن أبى الاشعث، عن شداد بن أوس فذكره.
قال شيخنا أبو الحجاج المزى: وذلك وهم من ابن ماجه، والصحيح أوس بن أوس وهو الثقفى رضى الله عنه.
قلت: وهو عندي في نسخة جيدة مشهورة على الصواب، كما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن أوس ابن أوس.
ثم قال ابن ماجه: حدثنا عمرو بن سواد المصرى، حدثنا عبدالله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبى هلال، عن زيد بن أيمن، عن عبادة بن نسى، عن أبى الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكثروا الصلاة على يوم
الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة، وإن أحدا لن يصلى على إلا عرضت على صلاته حتى يفرغ منها ".
قال قلت: وبعد الموت ؟ قال: إن الله حرم على الارض أن تأكل أجساد الانبياء عليهم السلام - نبى الله حى ويرزق (1).
وهذا من أفراد ابن ماجه رحمه الله.
وقد عقد الحافظ ابن عساكر هاهنا بابا في إيراد الاحاديث المروية في زيارة قبره الشريف صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين، وموضع استقصاء ذلك في كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله تعالى.
__________
(1) ابن ماجه حديث 1637: فنبي الله حى يرزق.
(*)
ذكر ما ورد من التعزية به عليه الصلاة والسلام وقال ابن ماجه: حدثنا الوليد بن عمرو بن السكين، حدثنا أبو همام وهو محمد بن الزبرقان الاهوازي، حدثنا موسى بن عبيدة، حدثنا مصعب بن محمد، عن أبى سلمة ابن عبدالرحمن، عن عائشة، قالت: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بابا بينه وبين الناس - أو كشف سترا - فإذا الناس يصلون وراء أبى بكر، فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم رجاء أن يخلفه فيهم بالذى رآهم (1).
فقال: " يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بى عن المصيبة التى تصيبه بغيرى، فإن أحدا من أمتى لن يصاب بمصيبة بعدى أشد عليه من مصيبتي ".
تفرد به ابن ماجه.
وقال الحافظ البيهقى: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه، حدثنا شافع بن محمد حدثنا أبو جعفر بن سلامة الطحاوي، حدثنا المزى، حدثنا الشافعي، عن القاسم بن عبدالله ابن عمر بن حفص، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن رجالا من قريش دخلوا على أبيه على بن الحسين، فقال: ألا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: بلى.
فحدثنا
عن أبى القاسم قال: لما ان مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال: يا محمد إن الله أرسلني إليك تكريما لك وتشريفا لك وخاصة لك، أسألك عما هو أعلم به منك يقول: كيف تجدك ؟ قال: " أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا ".
ثم جاءه اليوم الثاني فقال له ذلك فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما رد أول يوم، ثم جاءه اليوم الثالث فقال له كما قال أول يوم ورد عليه كما رد، وجاء معه ملك يقال له إسماعيل على مائة ألف ملك، كل ملك على مائة ألف ملك، فاستأذن عليه فسأل عنه ثم قال:
__________
(1) ابن ماجه حديث 1259: ورجاء أن يخلفه الله فيهم.
(*)
جبريل: هذا ملك الموت يستأذن عليك ما استأذن على آدمى قبلك، ولا يستأذن على آدمى بعدك.
فقال عليه السلام: إيذن له.
فأذن له.
فدخل فسلم عليه ثم قال: يا محمد إن الله أرسلني إليك فإن أمرتنى أن أقبض روحك قبضت، وإن أمرتنى أن أتركه تركته.
فقال رسول الله: " أو تفعل يا ملك الموت ؟ " قال: نعم، وبذلك أمرت، وأمرت أن أطيعك.
قال: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل فقال له جبريل: يا محمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لملك الموت: " امض لما أمرت به " فقبض روحه.
فلما توفى النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا صوتا من ناحية البيت، السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المصاب من حرم الثواب.
فقال على رضى الله عنه: أتدرون من هذا ؟ هذا الخضر عليه السلام.
وهذا الحديث مرسل وفى إسناده ضعف بحال القاسم العمرى هذا، فإنه قد ضعفه
غير واحد من الائمة، وتركه بالكلية آخرون.
وقد رواه الربيع عن الشافعي عن القاسم عن جعفر عن أبيه عن جده - فذكر منه قصة التعزية فقط موصولا - وفى الاسناد العمرى المذكور، قد نبهنا على أمره لئلا يغتر به.
على أنه قد رواه الحافظ البيهقى، عن الحاكم، عن أبى جعفر البغدادي، حدثنا عبدالله بن الحارث أو عبدالرحمن بن المرتعد الصغانى، حدثنا أبو الوليد المخزومى، حدثنا أنس بن عياض، عن جعفر بن محمد، عن جابر بن عبدالله، قال: لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ناداهم مناد ] يسمعون الحس ولا يرون الشخص.
فقال: السلام عليكم
أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل فائت، ودركا من كل هالك، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المحروم من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم قال البيهقى: هذان الاسنادان وإن كانا ضعيفين فأحدهما يتأكد بالآخر، ويدل على أن له أصلا من حديث جعفر والله أعلم.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن بالويه، حدثنا محمد بن بشر بن مطر، حدثنا كامل بن طلحة، حدثنا عباد بن عبد الصمد، عن أنس بن مالك، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدق به أصحابه فبكوا حوله واجتمعوا، فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل فائت، وخلفا من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا وإليه فارغبوا، ونظره إليكم في البلايا فانظروا، فإن المصاب من لم يجبر، فانصرف.
فقال بعضهم لبعض: تعرفون الرجل ؟ فقال أبو بكر وعلى: نعم هذا أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضر.
ثم قال البيهقى: عباد بن عبد الصمد ضعيف.
وهذا منكر بمرة.
وقد روى الحارث بن أبى أسامة عن محمد بن سعد، أنبأنا هاشم بن القاسم، حدثنا صالح المزى، عن أبى حازم المدنى، أن رسول الله حين قبضه الله عزوجل دخل المهاجرون فوجا فوجا يصلون عليه ويخرجون، ثم دخلت الانصار على مثل ذلك، ثم دخل أهل المدينة حتى إذا فرغت الرجال دخلت النساء، فكان منهن صوت وجزع كبعض ما يكون منهن، فسمعن هدة في البيت فعرفن فسكتن، فإذا قائل يقول: إن في الله عزاء
من كل هالك، وعوضا من كل مصيبة، وخلفا من كل فائت، والمجبور من جبره الثواب والمصاب من لم يجبره الثواب.
فصل فيما روى من معرفة أهل الكتاب بيوم وفاته عليه السلام قال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا عبدالله بن إدريس، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس بن أبى حازم، عن جرير بن عبدالله البجلى، قال: كنت باليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع وذا عمرو، فجعلت أحدثهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقالا لى: إن كان ما تقول حقا فقد مضى صاحبك على أجله منذ ثلاث.
قال: فأقبلت وأقبلا، حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من المدينة، فسألناهم فقالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر والناس صالحون.
قال: فقالا لى: أخبر صاحبك أنا قد جئنا، ولعلنا سنعود إن شاء الله عزوجل.
قال: ورجعا إلى اليمن، فلما أتيت أخبرت أبا بكر بحديثهم قال: أفلا جئت بهم ؟ فلما كان بعد قال لى ذو عمرو: يا جرير إن لك على كرامة وإنى مخبرك خبرا، إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم في آخر، أما إذا كانت بالسيف.
كنتم ملوكا تغضبون غضب الملوك وترضون رضا الملوك.
هكذا رواه الامام أحمد والبخاري عن أبى بكر بن أبى شيبة، وهكذا رواه البيهقى عن الحاكم عن عبدالله بن جعفر، عن يعقوب بن سفيان عنه.
وقال البيهقى: أنبأنا الحاكم، أنبأنا على بن المتوكل، حدثنا محمد بن يونس، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، حدثنا زائدة، عن زياد بن علاقة، عن جرير، قال: لقيني حبر باليمن وقال لى: إن كان صاحبكم نبيا فقد مات يوم الاثنين.
هكذا رواه البيهقى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق