قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ
إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [ الْمَائِدَةِ :
116 ] ، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ . وَهَذَا السُّؤَالُ مِنَ اللَّهِ [ ص: 489 ]
تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - مَعَ عِلْمِهِ تَعَالَى
أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا خَطَرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ
قَطُّ ، وَلَا حَدَّثَتْهُ بِهِ نَفْسُهُ - إِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ
التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ لِمَنِ اعْتَقَدَ فِيهِ ذَلِكَ ، مِنْ ضُلَّالِ
النَّصَارَى ، وَجَهَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَيَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ
تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ ، وَمِمَّنْ قَالَهَا فِيهِ وَفِي أُمِّهِ ، كَمَا
تَتَبَرَّأُ الْمَلَائِكَةُ مِمَّنِ اعْتَقَدَ فِيهِمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ
أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ
وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ
بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [ سَبَإٍ : 40 ،
41 ] . وَقَالَ تَعَالَى : وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ
ضَلُّوا السَّبِيلَ . إِلَى قَوْلِهِ
: نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [ الْفُرْقَانِ :
17 - 19 ] . وَقَالَ تَعَالَى : وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ
لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا
بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ يُونُسَ : 28 ]
وَأَمَّا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الْمُحَمَّدِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَا يُسَاوِيهِ ، بَلْ وَلَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ فِيهِ ، وَيَحْصُلُ لَهُ مِنَ التَّشْرِيفَاتِ مَا يَغْبِطُهُ بِهَا الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا وَرَدَ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ مِنَ الْأَحَادِيثِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ مَنْ يَسْجُدُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَوَّلُ مَنْ يَشْفَعُ فَيُشَفَّعُ ، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى [ ص: 490 ] بَعْدَ الْخَلِيلِ حُلَّتَيْنِ خَضْرَاوَيْنِ ، وَيَجْلِسُ الْخَلِيلُ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ ، فَيَقُولُ : " يَا رَبِّ ، إِنَّ هَذَا - وَيُشِيرُ إِلَى جِبْرِيلَ - أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ " . فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : صَدَقَ جِبْرِيلُ " . وَقَدْ رَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ، وَأَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ ، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ، وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ : إِنَّهُ يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ . وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، وَجَمَعَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ جُزْءًا كَبِيرًا ، وَحَكَاهُ هُوَ وَغَيْرُهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ; كَأَحْمَدَ ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَخَلْقٍ . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : وَهَذَا شَيْءٌ لَا يُنْكِرُهُ مُثْبِتٌ وَلَا نَافٍ . وَقَدْ نَظَمَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قُلْتُ : وَمِثْلُ هَذَا لَا يَنْبَغِي قَبُولُهُ إِلَّا عَنْ مَعْصُومٍ ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذَا حَدِيثٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُصَارُ بِسَبَبِهِ إِلَيْهِ ، وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ ، وَغَيْرِهِ فِي هَذَا : إِنَّهُ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بِمُجَرَّدِهِ ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ لَا يَصِحُّ ، وَلَكِنْ قَدْ تَلَقَّاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِالْقَبُولِ ، وَلَمْ يَصِحَّ إِسْنَادُهُ إِلَى ابْنِ سَلَامٍ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ . وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْمَعْمَرِيُّ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ ص: 491 ] " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ ، حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ " . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى ، وَجِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ ، وَاللَّهِ مَا رَآهُ قَبْلَهَا ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ ، إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ . فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : صَدَقَ . ثُمَّ أَشْفَعُ فَأَقُولُ : يَا رَبِّ ، عِبَادُكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ . فَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ " . قُلْتُ : قَدْ وَرَدَ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ أَنَّهُ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فِي الْخَلْقِ لِيُقْضَى بَيْنَهُمْ حِينَ يَأْتُونَ آدَمَ ، وَنُوحًا ، وَإِبْرَاهِيمَ ، وَمُوسَى ، وَعِيسَى ، فَإِذَا جَاءُوا لَدَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ ، قَالَ : " أَنَا لَهَا ، أَنَا لَهَا " . فَهَذَا هُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي يَحْمَدُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ ، كَمَا رُوِيَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ |
للساعة علامات يهتدي بوقوعها المؤمنون ليحذروا شرور تلك الايام والزمان ويبتعدوا عما يغضب الرحمن فأقرأها
المصاحف
جواهر القران لأبي حامد الغزالي
كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي
كانت
المرأة قبل نزول سورة الطلاق....فأصبحت المرأة فأصبحت بعد نزولها />
الأحد، 10 يونيو 2018
72.ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام وكلام الرب معه يوم القيامة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق