الخميس، 14 يناير 2021

.ذكر قتال الملحمة مع الروم الذي يكون آخره فتح القسطنطينية ثم خروج الدجال ثم خروج عيسي بن مريم ثم خروج يأجوج ومأجوج ثم ما بعدهم

 .ذكر قتال الملحمة مع الروم الذي

يكون آخره فتح القسطنطينية

يكون آخره فتح القسطنطينية


[ ص: 99 ] ذِكْرُ قِتَالِ الْمَلْحَمَةِ مَعَ الرُّومِ الَّذِي يَكُونُ آخِرُهُ فَتْحَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ

وَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ ، وَيَنْزِلُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ ، وَقْتَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ ، بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ .

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ ، هُوَ الْقَرْقَسَانِيُّ ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ ذِي مِخْمَرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا ، وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ ، فَتَسْلَمُونَ وَتَغْنَمُونَ ، ثُمَّ تَنْزِلُونَ بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ ، فَيَقُومُ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ ، فَيَرْفَعُ الصَّلِيبَ ، وَيَقُولُ : أَلَا غَلَبَ الصَّلِيبُ . فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَيَقْتُلُهُ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ ، وَتَكُونُ الْمَلَاحِمُ ، فَيَجْمَعُونَ لَكُمْ ، فَيَأْتُونَكُمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَةً ، مَعَ كُلِّ غَايَةٍ عَشَرَةُ آلَافٍ " . ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ ، عَنْ رَوْحٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، بِهِ ، وَقَالَ فِيهِ : " فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ ، وَيَجْمَعُونَ لِلْمَلْحَمَةِ " . وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ ، مِنْ حَدِيثِ [ ص: 100 ] الْأَوْزَاعِيِّ ، بِهِ .

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ، فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " : " فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً ، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثَنَا عَشَرَ أَلْفًا " . وَهَكَذَا فِي حَدِيثِ شَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ ، عَنْ مُعَاذٍ : " فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ بِثَمَانِينَ بَنْدًا ، تَحْتَ كُلِّ بَنْدٍ اثَنَا عَشَرَ أَلْفًا " .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ ، قَالَ : هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى إِلَّا : يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، جَاءَتِ السَّاعَةُ . قَالَ : وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ ، فَقَالَ : إِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى لَا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ ، وَلَا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ . قَالَ : عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ، وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الْإِسْلَامِ . وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ ، قُلْتُ؟ الرُّومَ تَعْنِي؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمُ الْقِتَالِ رِدَّةٌ شَدِيدَةٌ . قَالَ : فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً ، فَيَقْتَتِلُونَ ، حَتَّى يَحْجِزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ ، وَتَفْنَى [ ص: 101 ] الشُّرْطَةُ ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تُرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً ، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجِزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لَا تَرْجِعُ إِلَّا غَالِبَةً ، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا ، فَيَفِيءُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ ، فَيَقْتَتِلُونَ مَقْتَلَةً - إِمَّا قَالَ : لَا يُرَى مِثْلُهَا ، وَإِمَّا قَالَ : لَمْ يُرَ مِثْلُهَا - حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنْبَاتِهِمْ . فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيِّتًا . قَالَ : فَيَتَعَادُّ بَنُو الْأَبِ ، كَانُوا مِائَةً ، فَلَا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ ، فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ؟ أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ؟ قَالَ : فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ : إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ ، فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَيُقْبِلُونَ فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَأَعْلَمُ أَسْمَاءَهُمْ ، وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ ، وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ ، هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ " .

[ ص: 102 ] تَفَرَّدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ ، فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ ، وَمِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ ، وَمِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، كِلَاهُمَا عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ الْعَدَوِيِّ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ ، وَالْأَشْهَرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَعِينٍ أَنَّهُ تَمِيمُ بْنُ نُذَيْرٍ ، وَوَثَّقَهُ . وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ وَغَيْرُهُ : كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَتَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فِي تَعْدَادِ الْأَشْرَاطِ : " وَهُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ ، وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ ، فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَةً ، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثَنَا عَشَرَ أَلْفًا ، وَفُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا : الْغُوطَةُ . فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا : دِمَشْقُ " . رَوَاهُ أَحْمَدُ .

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ " مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ أَيْضًا ، عَنْ أَبَى الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا : دِمَشْقُ ، مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ " .

وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي حَيَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، فِي فَتْحِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ ، وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي قَبِيلٍ فِي فَتْحِ رُومِيَّةَ بَعْدَهَا أَيْضًا

وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ : حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ [ ص: 103 ] مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ، حَدَّثَنِي سُهَيْلٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ : خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سُبُوا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ . فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ : لَا وَاللَّهِ ، لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا . فَيُقَاتِلُونَهُمْ ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا ، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا ، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ ، إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ : إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ . فَيَخْرُجُونَ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّامَ خَرَجَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّهُمْ ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ " .

وَقَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ، يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ثَوْرٍ ، وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ الدِّيلِيُّ ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ ، وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ؟ " قَالُوا : نَعَمْ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي [ ص: 104 ] إِسْحَاقَ ، فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا ، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ ، وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ; قَالُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا " . قَالَ ثَوْرٌ : لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ : " الَّذِي فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ . فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ . فَيُفَرَّجُ لَهُمْ ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ ، فَقَالَ : إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ ، فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُونَ " .

وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ الْحُنَيْنِيُّ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ أَدْنَى مَسَالِحِ الْمُسْلِمِينَ بِبَوْلَاءَ " . ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا عَلِيُّ ، يَا عَلِيُّ ، يَا عَلِيُّ " . قَالَ : بِأَبِي وَأُمِّي . قَالَ : " إِنَّكُمْ [ ص: 105 ] سَتُقَاتِلُونَ بَنِي الْأَصْفَرِ ، وَيُقَاتِلُهُمُ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِكُمْ ، حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ رُوقَةُ الْإِسْلَامِ ، أَهْلُ الْحِجَازِ الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، فَيَفْتَتِحُونَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ ، فَيُصِيبُونَ غَنَائِمَ لَمْ يُصِيبُوا مِثْلَهَا ، حَتَّى يَقْتَسِمُوا بِالْأَتْرِسَةِ ، وَيَأْتِيَ آتٍ ، فَيَقُولُ : إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَرَجَ فِي بِلَادِكُمْ ، أَلَا وَهِيَ كِذْبَةٌ ، فَالْآخِذُ نَادِمٌ ، وَالتَّارِكُ نَادِمٌ " 

وَقَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، . عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ " .

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ " . فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو : أَبْصِرْ مَا تَقُولُ . قَالَ : أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا : إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ : وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ .

[ ص: 106 ] ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّ الْمُسْتَوْرِدَ الْقُرَشِيَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ " . قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، فَقَالَ : مَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تُذْكَرُ عَنْكَ أَنَّكَ تَقُولُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ : قُلْتُ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : فَقَالَ عَمْرٌو : لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ ، إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ ، وَأَصْبَرُ النَّاسِ عِنْدَ مُصِيبَةٍ ، وَخَيْرُ النَّاسِ لِمَسَاكِينِهِمْ وَضُعَفَائِهِمْ . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّومَ يُسْلِمُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، وَلَعَلَّ فَتْحَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ يَكُونُ عَلَى يَدَيْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّهُ يَغْزُوهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ ، وَالرُّومُ مِنْ سُلَالَةِ الْعِيصِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَهُمْ أَوْلَادُ عَمِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَهُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ ، فَالرُّومُ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَيْرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَإِنَّ الدَّجَّالَ يَتْبَعُهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ ، فَهُمْ أَنْصَارُ الدَّجَّالِ ، وَهَؤُلَاءِ أَعْنِي الرُّومَ ، قَدْ مُدِحُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، فَلَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ عَلَى يَدَيِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ : " مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ " . وَقَوَّى ذَلِكَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

[ ص: 107 ] وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ : حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " سَتُقَاتِلُونَ بَنِي الْأَصْفَرِ ، وَيُقَاتِلُهُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلُ الْحِجَازِ ، حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَرُومِيَّةَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ ، فَيَنْهَدِمَ حِصْنُهَا فَيُصِيبُونَ مَالًا لَمْ يُصِيبُوا مِثْلَهُ قَطُّ ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ بِالْأَتْرِسَةِ ، ثُمَّ يَصْرُخُ صَارِخٌ : يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ ، الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ فِي بِلَادِكُمْ وَذَرَارِيِّكُمْ . فَيَنْفَضُّ النَّاسُ عَنِ الْمَالِ ، مِنْهُمُ الْآخِذُ ، وَمِنْهُمُ التَّارِكُ ، الْآخِذُ نَادِمٌ ، وَالتَّارِكُ نَادِمٌ ، فَيَقُولُونَ : مَنْ هَذَا الصَّارِخُ؟ وَلَا يَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فَيَقُولُونَ : ابْعَثُوا طَلِيعَةً إِلَى إِيلِيَاءَ ، فَإِنْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ خَرَجَ فَسَيَأْتُونَكُمْ بِعِلْمِهِ . فَيَأْتُونَ ، فَيَنْظُرُونَ ، فَلَا يُرَوْنَ شَيْئًا ، وَيَرَوْنَ النَّاسَ سَاكِتِينَ فَيَقُولُونَ : مَا صَرَخَ الصَّارِخُ إِلَّا لِنَبَأٍ عَظِيمٍ ، فَاعْتَزِمُوا ، ثُمَّ ارْتَضُوا ، فَيَعْتَزِمُونَ أَنْ نَخْرُجَ بِأَجْمَعِنَا إِلَى إِيلِيَاءَ ، فَإِنْ يَكُنِ الدَّجَّالُ خَرَجَ نُقَاتِلْهُ بِأَجْمَعِنَا ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ ، وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَإِنَّهَا بِلَادُكُمْ وَعَشَائِرُكُمْ إِنْ رَجَعْتُمْ إِلَيْهَا .

وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ بَهَاءُ الدِّينِ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ " الْمُسْتَقْصَى فِي فَضَائِلِ الْأَقْصَى " بِسَنَدٍ لَهُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ ، أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ مَدِينَةَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ شَمَتَتْ بِخَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، يَعْنِي زَمَنَ بُخْتُ نَصَّرَ ، فَتَعَزَّزَتْ وَتَجَبَّرَتْ وَشَمَخَتْ ، فَسَمَّاهَا اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، الْعَاتِيَةَ الْمُسْتَكْبِرَةَ; وَذَلِكَ أَنَّهَا قَالَتْ مَعَ شَمَاتَتِهَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ . إِنْ يَكُنْ عَرْشُ رَبِّي عَلَى الْمَاءِ ، فَقَدْ بُنِيتُ أَنَا عَلَى الْمَاءِ ، فَغَضِبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا ، وَوَعَدَهَا الْعَذَابَ وَالْخَرَابَ وَقَالَ [ ص: 108 ] لَهَا : حَلَفْتُ يَا مُسْتَكْبِرَةُ لِمَا قَدْ عَتَيْتِ عَنْ أَمْرِي وَتَجَبَّرْتِ ، لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْكِ عِبَادًا لِي مُؤْمِنِينَ مِنْ مَسَاكِنِ سَبَأٍ ، ثُمَّ لَأُشَجِّعَنَّ قُلُوبَهُمْ حَتَّى أَدَعَهَا كَقُلُوبِ الْأُسْدِ الضَّارِيَةِ ، وَلَأَجْعَلَنَّ صَوْتَ أَحَدِهِمْ عِنْدَ الْبَأْسِ كَصَوْتِ الْأَسَدِ حِينَ يَخْرُجُ مِنَ الْغَابَةِ ، ثُمَّ لَأُرْعِبَنَّ قُلُوبَ أَهْلِكِ كَرُعْبِ الْعُصْفُورِ ، ثُمَّ لَأَنْزِعَنَّ عَنْكِ حُلِيَّكِ وَدِيبَاجَكِ وَرِيَاشَكِ ، ثُمَّ لَأَتْرُكُنَّكِ جَلْحَاءَ قَرْعَاءَ صَلْعَاءَ; فَإِنَّهُ طَالَ مَا أُشْرِكَ بِي فِيكِ ، وَعُبِدَ غَيْرِي ، وَافْتُرِيَ عَلَيَّ ، وَأَمْهَلْتُكِ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ خِزْيُكِ ، فَلَا تَسْتَعْجِلِي يَا عَاتِيَةُ فَإِنَّهُ لَنْ يَفُوتَنِي شَيْءٌ أُرِيدُهُ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَبَّاسِ الشَّامِيُّ ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ : أَرَاهُ عَنْ هُزَيْلٍ ، قَالَ : قَامَ حُذَيْفَةُ فِي دَارِ عَامِرِ بْنِ حَنْظَلَةَ فِيهَا الْيَمَنِيُّ وَالْمُضَرِيُّ ، فَقَالَ : " لَيَأْتِيَنَّ عَلَى مُضَرَ يَوْمٌ لَا يَدَعُونَ لِلَّهِ عَبْدًا يَعْبُدُهُ إِلَّا قَتَلُوهُ ، أَوْ لَيُضْرَبُنَّ ضَرْبًا لَا يَمْنَعُونَ ذَنَبَ تَلْعَةٍ " . فَقِيلَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَقُولُ هَذَا لِقَوْمِكَ - أَوْ : لِقَوْمٍ أَنْتَ مِنْهُمْ - فَقَالَ : لَا أَقُولُ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ ، عَنْ [ ص: 109 ] مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ " . قَالَ : ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخْذِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ مَنْكِبِهِ ، ثُمَّ قَالَ " إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا " . أَوْ : " كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ " . يَعْنِي مُعَاذًا .

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ عَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ ، بِهِ .

وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَحَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَعَلَيْهِ نُورُ الصِّدْقِ وَجَلَالَةُ النُّبُوَّةِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَدِينَةَ تَخْرَبُ بِالْكُلِّيَّةِ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، بَلْ قَدْ يَكُونُ عِمَارَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبَبًا فِي خَرَابِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ; لِأَنَّ النَّاسَ يَرْحَلُونَ مِنْهَا إِلَى الشَّامِ لِأَجْلِ الرِّيفِ وَالرُّخْصِ ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ الدَّجَّالَ لَا يَدْخُلُهَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا عَلَى أَنْقَابِهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، بِأَيْدِيهِمُ السُّيُوفُ الْمُصْلَتَةُ .

وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمَدِينَةُ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ " . وَفِي " جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ " أَنَّ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ إِذَا مَاتَ يُدْفَنُ فِي الْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ .

[ ص: 110 ] وَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَبْلُغُ الْمَسَاكِنُ إِهَابَ " . أَوْ : " يِهَابَ " . قَالَ زُهَيْرٌ : قُلْتُ لِسُهَيْلٍ : فَكَمْ ذَلِكَ مِنَ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ : كَذَا وَكَذَا مِيلًا .

فَهَذِهِ الْعِمَارَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَبْلَ عِمَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَقَدْ تَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ ، ثُمَّ تَخْرَبُ بِالْكُلِّيَّةِ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي سَنُورِدُهَا .

وَقَدْ رَوَى الْقُرْطُبِيُّ ، مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَلَى الْمِنْبَرِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَخْرُجُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْهَا ، ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَيْهَا فَيُعَمِّرُونَهَا حَتَّى تَمْتَلِئَ ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهَا أَبَدًا

وَفِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، مَرْفُوعًا مِثْلُهُ ، وَزَادَ : " وَلَيَدَعُنَّهَا وَهِيَ خَيْرُ مَا تَكُونُ ، مُونِعَةً " . قِيلَ : فَمَنْ يَأْكُلُهَا؟ قَالَ : " الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ " .

وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَتْرُكُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ ، لَا يَغْشَاهَا إِلَّا الْعَوَافِي - يُرِيدُ عَوَافِي السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ - [ ص: 111 ] ثُمَّ يَخْرُجُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا ، فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا ، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا "

وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ ، إِلَّا أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ : مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْهَا؟ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَنِصْفُ ثَمَرِهَا زَهْوٌ ، وَنِصْفُهُ رُطَبٌ " . قِيلَ : مَا يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ : أُمَرَاءُ السُّوءِ .

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ سُفْيَانَ الْغَسَّانِيِّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُطْبٍ السَّكُونِيِّ ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمَلْحَمَةُ الْكُبْرَى ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ ، وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ " . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ ، وَقَالَ : حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَفِي الْبَابِ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ ، [ ص: 112 ] وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ .

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، بِهِ .

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ ، وَاللَّفْظُ لَهُ : حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ خَالِدٍ ، هُوَ ابْنُ مَعْدَانَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي بِلَالٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَيْنَ الْمَلْحَمَةِ وَفَتْحِ الْمَدِينَةِ سِتُّ سِنِينَ ، وَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي السَّابِعَةِ " . وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ بَقِيَّةَ ، بِهِ .

وَهَذَا مُشْكِلٌ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَوَّلِ الْمَلْحَمَةِ وَآخِرِهَا سِتُّ سِنِينَ ، وَيَكُونُ بَيْنَ آخِرِهَا وَفَتْحِ الْمَدِينَةِ ، وَهَيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ ، مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ ، بِحَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ مَعَ قِيَامِ السَّاعَةِ . قَالَ مَحْمُودٌ : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةُ هِيَ مَدِينَةُ الرُّومِ تُفْتَحُ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ، وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةُ قَدْ فُتِحَتْ فِي زَمَانِ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ 

[ ص: 113 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . هَكَذَا قَالَ إِنَّهَا فُتِحَتْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ; فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَيْهَا ابْنَهُ يَزِيدَ فِي جَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ فَتْحُهَا ، وَحَاصَرَهَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، فِي زَمَانِ دَوْلَتِهِمْ ، وَلَمْ يَفْتَحْهَا أَيْضًا ، وَلَكِنْ صَالَحَهُمْ عَلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ بِهَا ، كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ مَبْسُوطًا . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

16.ذكر قتال الملحمة مع الروم الذي

 

 

 




 

 

===========*==========

 

 

حديث فاطمة بنت قيس في الدجال

 

 

 


19.حديث فاطمة بنت قيس في الدجال

قَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ ، وَحَجَّاجُ [ ص: 128 ] ابْنُ الشَّاعِرِ ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ ، وَاللَّفْظُ لِعَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّي ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُرَيْدَةَ ، حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ ، شَعْبُ هَمْدَانَ ، أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ ، فَقَالَ : حَدِّثِينِي حَدِيثًا سَمِعْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسْنِدِيهِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ . فَقَالَتْ : لَئِنْ شِئْتَ لَأَفْعَلَنَّ . فَقَالَ لَهَا : أَجَلْ ، حَدِّثِينِي . فَقَالَتْ : نَكَحْتُ ابْنَ الْمُغِيرَةِ ، وَهُوَ مِنْ خِيَارِ شَبَابِ قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ ، فَأُصِيبَ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا تَأَيَّمْتُ خَطَبَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَطَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْلَاهُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَكُنْتُ قَدْ حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ أُسَامَةَ " . فَلَمَّا كَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ؟ أَمْرِي بِيَدِكَ ، فَأَنْكِحْنِي مَنْ شِئْتَ . فَقَالَ : " انْتَقِلِي إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ " . وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ، عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ . فَقُلْتُ : سَأَفْعَلُ . فَقَالَ : " لَا تَفْعَلِي; إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ ، وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ ، أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عَنْ سَاقَيْكِ ، فَيَرَى الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ ، وَلَكِنِ انْتَقِلِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ " . وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ ، فِهْرِ قُرَيْشٍ ، وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ . فَانْتَقَلَتْ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا [ ص: 129 ] انْقَضَتْ عِدَّتِي سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي ، مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي : الصَّلَاةَ جَامِعَةً . فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنْتُ فِي النِّسَاءِ اللَّاتِي يَلِينَ ظُهُورَ الْقَوْمِ ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ ، فَقَالَ : " لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ " . ثُمَّ قَالَ : " أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟ " قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : " إِنِّي ، وَاللَّهِ ، مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا ، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ; حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ ، فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حِينَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ ، فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعْرِ ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعْرِ ، فَقَالُوا : وَيْلَكِ ، مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ . قَالُوا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ : أَيُّهَا الْقَوْمُ ، انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ ، فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ . قَالَ : لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً . قَالَ : فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا ، وَأَشَدُّهُ وَثَاقًا ، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ ، بِالْحَدِيدِ . قُلْنَا : وَيْلَكَ ، مَا أَنْتَ؟ قَالَ : قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي ، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا : [ ص: 130 ] نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ ، رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا ، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا ، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعْرِ ، لَا نَدْرِي مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعْرِ ، فَقُلْنَا : وَيْلَكِ ، مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ . قُلْنَا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتِ : اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ; فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ . فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا ، وَفَزِعْنَا مِنْهَا ، وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً . فَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ . قُلْنَا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ : أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا ، هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ . قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ . قُلْنَا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ : هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا : هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ . قَالَ : أَمَا إِنْ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ . قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ . قَالُوا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ : هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا . قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا : قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ ، وَنَزَلَ يَثْرِبَ . قَالَ : أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ ، وَأَطَاعُوهُ . قَالَ لَهُمْ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي ، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ ، وَإِنِّي يُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ ، فَأَخْرُجَ [ ص: 131 ] فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ ، فَلَا أَدَعُ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا ، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً ، أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا ، يَصُدُّنِي عَنْهَا ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبِ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا " . قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ : " هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ " . يَعْنِي الْمَدِينَةَ . " أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ عَنْ ذَلِكَ؟ " فَقَالَ النَّاسُ : نَعَمْ . " فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ ، أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ ، لَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ " . وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ ، قَالَتْ : فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَيَّارٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ فَاطِمَةَ ، قَالَتْ . فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ ، فَقَالَ : " إِنَّ بَنِي عَمٍّ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَكِبُوا فِي الْبَحْرِ " . وَسَاقَ الْحَدِيثَ .

وَمِنْ حَدِيثِ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْهَا ، فَذَكَرَتْهُ : أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ رَكِبَ فِي الْبَحْرِ ، فَتَاهَتْ بِهِ السَّفِينَةُ ، فَسَقَطَ إِلَى جَزِيرَةٍ ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا يَلْتَمِسُ الْمَاءَ ، فَلَقِيَ إِنْسَانًا يَجُرُّ شَعْرَهُ ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ : فَأَخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ ، فَحَدَّثَهُمْ ، قَالَ : " هَذِهِ طَيْبَةُ ، وَذَاكَ الدَّجَّالُ " .

[ ص: 132 ] حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ ، يَعْنِي الْحِزَامِيَّ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، حَدَّثَنِي تَمِيمٌ الدَّارِيُّ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ قَوْمِهِ كَانُوا فِي الْبَحْرِ فِي سَفِينَةٍ لَهُمْ ، فَانْكَسَرَتْ بِهِمْ ، فَرَكِبَ بَعْضُهُمْ عَلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ ، فَخَرَجُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ " . وَسَاقَ الْحَدِيثَ ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ ، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ مَجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْهَا ، بِنَحْوِهِ .

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْهَا ، وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ، مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ .

وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنْ الشَّعْبِيِّ ، عَنْهَا بِنَحْوِهِ ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، عَنْ عَفَّانَ ، وَعَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ ، كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، ثَنَا مَجَالِدٌ ، عَنْ عَامِرٍ ، قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ، فَأَتَيْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ ، فَحَدَّثَتْنِي أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا عَلَى عَهْدِ [ ص: 133 ] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ ، فَقَالَ لِي أَخُوهُ : اخْرُجِي مِنَ الدَّارِ . فَقُلْتُ : إِنَّ لِي نَفَقَةً وَسُكْنَى حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ . قَالَ : لَا . قَالَتْ : فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : إِنَّ فَلَانًا طَلَّقَنِي ، وَإِنَّ أَخَاهُ أَخْرَجَنِي ، وَمَنَعَنِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : " مَا لَكَ ، وَلِابْنَةِ آلِ قَيْسٍ؟ " قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَخِي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جَمِيعًا . قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " انْظُرِي يَا ابْنَةَآلِ قَيْسٍ ، إِنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا ، مَا كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ فَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى ، اخْرُجِي فَانْزِلِي عَلَى فُلَانَةَ " . ثُمَّ قَالَ : " إِنَّهُ يُتَحَدَّثُ إِلَيْهَا ، انْزِلِي عَلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ; فَإِنَّهُ أَعْمَى لَا يَرَاكِ " . ثُمَّ قَالَ : " لَا تَنْكِحِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُنْكِحُكِ " .

قَالَتْ : فَخَطَبَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَأْمِرُهُ ، فَقَالَ : " أَلَا تَنْكِحِينَ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ؟ " فَقُلْتُ : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَنْكِحْنِي مَنْ أَحْبَبْتَ . قَالَتْ : فَأَنْكَحَنِي مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ . قَالَ : فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَخْرُجَ ، قَالَتِ : اجْلِسْ حَتَّى أُحَدِّثَكَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

قَالَتْ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ ، فَصَلَّى صَلَاةَ الْهَاجِرَةِ ، ثُمَّ قَعَدَ فَفَزِعَ النَّاسُ ، فَقَالَ : " اجْلِسُوا أَيُّهَا النَّاسُ ، فَإِنِّي لَمْ أَقُمْ مَقَامِي هَذَا لِفَزَعٍ ، وَلَكِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي خَبَرًا مَنَعَنِي مِنَ الْقَيْلُولَةِ; مِنَ الْفَرَحِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَنْشُرَ عَلَيْكُمْ فَرَحَ نَبِيِّكُمْ . أَخْبَرَنِي أَنَّ رَهْطًا مِنْ بَنِي عَمِّهِ رَكِبُوا الْبَحْرَ ، فَأَصَابَتْهُمْ رِيحٌ عَاصِفٌ ، فَأَلْجَأَتْهُمُ الرِّيحُ إِلَى [ ص: 134 ] جَزِيرَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا فَقَعَدُوا فِي قُوَيْرِبِ سَفِينَةٍ ، حَتَّى خَرَجُوا إِلَى الْجَزِيرَةِ ، فَإِذَا هُمْ بِشَيْءٍ أَهْلَبَ كَثِيرِ الشَّعْرِ ، لَا يَدْرُونَ أَرَجُلٌ هُوَ أَوِ امْرَأَةٌ؟ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ ، فَقَالُوا : أَلَا تُخْبِرُنَا؟ فَقَالَ : مَا أَنَا بِمُخْبِرِكُمْ ، وَلَا بِمُسْتَخْبِرِكُمْ ، وَلَكِنَّ هَذَا الدَّيْرَ الَّذِي قَدْ رَهِقْتُمُوهُ فِيهِ مَنْ هُوَ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ أَنْ يُخْبِرَكُمْ وَيَسْتَخْبِرَكُمْ . قَالُوا : قُلْنَا : مَا أَنْتِ؟ قَالَ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ . فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوُا الدَّيْرَ ، فَإِذَا هُمْ بِرَجُلٍ مُوثَقٍ شَدِيدِ الْوَثَاقِ ، مُظْهِرِ الْحُزْنِ كَثِيرِ التَّشَكِّي ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : مِمَّنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا : مِنَ الْعَرَبِ . قَالَ : مَا فَعَلَتِ الْعَرَبُ؟ أَخَرَجَ نَبِيُّهُمْ بَعْدُ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : فَمَا فَعَلُوا؟ قَالُوا : خَيْرًا ، آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ . قَالَ : ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ . قَالَ : فَكَانَ لَهُ عَدُوٌّ فَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ : فَالْعَرَبُ الْيَوْمَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ ، وَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : فَمَا فَعَلَتْ عَيْنُ زُغَرَ؟ قَالُوا : صَالِحَةٌ ، يَشْرَبُ مِنْهَا أَهْلُهَا ، تَسْقِيهِمْ ، وَيَسْقُونَ مِنْهَا زَرْعَهُمْ . قَالَ : فَمَا فَعَلَ نَخْلٌ بَيْنَ عَمَّانَ وَبَيْسَانَ؟ قَالُوا : صَالِحٌ ، يُطْعِمُ جَنَاهُ كُلَّ عَامٍ . قَالَ " فَمَا فَعَلَتْ بُحَيْرَةُ الطَّبَرِيَّةِ؟ قَالُوا : مَلْأَى . قَالَ : فَزَفَرَ ثُمَّ زَفَرَ ثُمَّ زَفَرَ ، ثُمَّ حَلَفَ : لَوْ خَرَجْتُ مِنْ مَكَانِي هَذَا مَا تَرَكْتُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللَّهِ إِلَّا وَطِئْتُهَا غَيْرَ طَيْبَةَ ، لَيْسَ لِي عَلَيْهَا سُلْطَانٌ " . قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِلَى هَذَا انْتَهَى فَرَحِي " . ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . " إِنَّ طَيْبَةَ الْمَدِينَةُ ، إِنَّ اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، حَرَّمَ [ ص: 135 ] حَرَمهَا عَلَى الدَّجَّالِ أَنْ يَدْخُلَهَا " . ثُمَّ حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا لَهَا طَرِيقٌ ضَيِّقٌ وَلَا وَاسِعٌ فِي سَهْلٍ وَلَا جَبَلٍ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ شَاهِرٌ بِالسَّيْفِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، مَا يَسْتَطِيعُ الدَّجَّالُ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَى أَهْلِهَا " .

قَالَ عَامِرٌ : فَلَقِيتُ الْمُحَرَّرَ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَتْكَ فَاطِمَةُ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ فِي نَحْوِ الْمَشْرِقِ " . قَالَ : ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيثَ فَاطِمَةَ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْنِي كَمَا حَدَّثَتْكَ فَاطِمَةُ غَيْرَ أَنَّهَا قَالَتْ : " الْحَرَمَانِ عَلَيْهِ حَرَامٌ ، مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ " .

وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ ، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ مَجَالِدٍ ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، بَسَطَهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَأَحَالَهُ أَبُو دَاوُدَ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ قَبْلَهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُتَابَعَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَعَائِشَةَ ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ .

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ : " إِنَّهُ حَبَسَنِي حَدِيثٌ كَانَ يُحَدِّثُنِيهِ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ عَنْ رَجُلٍ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ تَجُرُّ شَعْرَهَا ، قَالَ : مَا أَنْتِ؟ قَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ ، اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْقَصْرِ . فَأَتَيْتُهُ ، [ ص: 136 ] فَإِذَا رَجُلٌ يَجُرُّ شَعْرَهُ ، مُسَلْسَلٌ فِي الْأَغْلَالِ ، يَنْزُو فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَقُلْتُ : مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ : أَنَا الدَّجَّالُ ، خَرَجَ نَبِيُّ الْأُمِّيِّينَ بَعْدُ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : أَطَاعُوهُ أَمْ عَصَوْهُ؟ قُلْتُ : بَلْ أَطَاعُوهُ . قَالَ : ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ . فَهَذِهِ مُتَابَعَةٌ لِلشَّعْبِيِّ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِبَعْضِهِ ، ثُمَّ أَوْرَدَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، بِطُولِهِ كَنَحْوٍ مِمَّا تَقَدَّمَ .

ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ : " إِنَّهُ بَيْنَمَا أُنَاسٌ يَسِيرُونَ فِي الْبَحْرِ ، فَنَفِدَ طَعَامُهُمْ ، فَرُفِعَتْ لَهُمْ جَزِيرَةٌ ، فَخَرَجُوا يُرِيدُونَ الْخُبْزَ ، فَلَقِيَتْهُمُ الْجَسَّاسَةُ " . قُلْتُ لِأَبِي سَلَمَةَ : وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَ : امْرَأَةٌ تَجُرُّ شَعَرَ جِلْدِهَا وَرَأْسِهَا . فَقَالَتْ : فِي هَذَا الْقَصْرِ . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَسَأَلَ عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ ، وَعَيْنِ زُغَرَ . قَالَ : هُوَ الْمَسِيحُ . فَقَالَ لِي ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ : إِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْئًا مَا حَفِظْتُهُ . قَالَ : شَهِدَ جَابِرٌ أَنَّهُ ابْنُ صَيَّادٍ . قُلْتُ : فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ . قَالَ : وَإِنْ مَاتَ . قُلْتُ : فَإِنَّهُ أَسْلَمَ . قَالَ : وَإِنْ أَسْلَمَ . قُلْتُ : فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ . قَالَ : وَإِنْ دَخْلَ الْمَدِينَةَ . تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ ، وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا .

[ ص: 137 ] وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ سَعْدُ بْنُ زِيَادٍ ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَايَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَقَالَ : " حَدَّثَنِي تَمِيمٌ " . فَرَأَى تَمِيمًا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : " يَا تَمِيمُ ، حَدِّثِ النَّاسَ مَا حَدَّثْتَنِي " . فَقَالَ : كُنَّا فِي جَزِيرَةٍ ، فَإِذَا نَحْنُ بِدَابَّةٍ لَا يُدْرَى قُبُلُهَا مِنْ دُبُرِهَا . فَقَالَتْ : تَعْجَبُونَ مِنْ خَلْقِي ، وَفِي الدَّيْرِ مَنْ يَشْتَهِي كَلَامَكُمْ! فَدَخَلْنَا الدَّيْرَ ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ مُوثَقٍ فِي الْحَدِيدِ ، مِنْ كَعْبِهِ إِلَى أُذُنِهِ ، وَإِذَا أَحَدُ مِنْخَرَيْهِ مَسْدُودٌ ، وَإِحْدَى عَيْنَيْهِ مَطْمُوسَةٌ ، وَالْأُخْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ . قَالَ : مَنْ أَنْتُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ ، فَقَالَ : مَا فَعَلَتْ بُحَيْرَةُ طَبَرِيَّةَ؟ قُلْنَا : كَعَهْدِهَا . قَالَ : فَمَا فَعَلَ نَخْلُ بَيْسَانَ؟ قُلْنَا : بِعَهْدِهِ . قَالَ : لَأَطَأَنَّ الْأَرْضَ بِقَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ، إِلَّا بَلْدَةَ إِبْرَاهِيمَ وَطَابَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " طَابَا هِيَ الْمَدِينَةُ " . وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا .

وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : أَبُو عَاصِمٍ هَذَا لَيْسَ بِالْمَتِينِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ وَلَدَتْ غُلَامًا مَمْسُوحَةً عَيْنُهُ ، طَالِعَةً نَاتِئَةً ، فَأَشْفَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الدَّجَّالَ ، فَوَجَدَهُ تَحْتَ قَطِيفَةٍ يُهَمْهِمُ ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ فَقَالَتْ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ [ ص: 138 ] جَاءَ فَاخْرُجْ إِلَيْهِ . فَخَرَجَ مِنَ الْقَطِيفَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ؟ لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ " .

ثُمَّ قَالَ : " يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى؟ " قَالَ : أَرَى حَقًّا ، وَأَرَى بَاطِلًا ، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ . قَالَ : فَلُبِسَ عَلَيْهِ . فَقَالَ : " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " . فَقَالَ هُوَ : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ " . ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ مَرَّةً أُخْرَى ، فَوَجَدَهُ فِي نَخْلٍ لَهُ يُهَمْهِمُ ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ ، فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ؟ لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ " . قَالَ : فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْمَعُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا؟ لِيَعْلَمَ أَهْوَ هُوَ أَمْ لَا؟ قَالَ : " يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى؟ " . قَالَ : أَرَى حَقًّا ، وَأَرَى بَاطِلًا ، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ . قَالَ : " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " . قَالَ هُوَ : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ " . فَلُبِسَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ . ثُمَّ جَاءَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَنَا مَعَهُ . قَالَ : فَبَادَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَيْدِينَا ، وَرَجَا أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا ، فَسَبَقَتْهُ أُمُّهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَتْ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ؟ لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ " . فَقَالَ : " يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى؟ " . قَالَ : أَرَى حَقًّا ، وَأَرَى بَاطِلًا ، وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ . قَالَ : " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " . قَالَ : أَتَشْهَدُ [ ص: 139 ] أَنْتَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ " . فَلُبِسَ عَلَيْهِ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا ابْنَ صَيَّادٍ ، إِنَّا قَدْ خَبَّأْنَا لَكَ خَبِيئًا ، فَمَا هُوَ؟ " . قَالَ : الدُّخُّ ، الدُّخُّ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اخْسَأْ اخْسَأْ " . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ائْذَنْ لِي فَأَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَسْتَ صَاحِبَهُ ، إِنَّمَا صَاحِبُهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَإِنْ لَا يَكُنْ هُوَ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ " . قَالَ - يَعْنِي جَابِرًا - : فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْفِقًا أَنَّهُ الدَّجَّالُ . وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ جِدًّا .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يُونُسُ ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَمْشِي إِذْ مَرَّ بِصِبْيَانٍ يَلْعَبُونَ ، فِيهِمُ ابْنُ صَيَّادٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَرِبَتْ يَدَاكَ ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " فَقَالَ هُوَ : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ . قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ يَكُنِ الَّذِي تَخَافُ فَلَنْ تَسْتَطِيعَهُ " . وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ابْنِ صَيَّادٍ كَثِيرَةٌ ، وَفِي بَعْضِهَا التَّوَقُّفُ فِي أَمْرِهِ ، هَلْ هُوَ الدَّجَّالُ أَمْ لَا؟ فَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ الدَّجَّالِ وَتَعْيِينِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ فَاصِلٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ ، وَسَنُورِدُ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّجَّالَ لَيْسَ بِابْنِ صَيَّادٍ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا [ ص: 140 ] اللَّيْثُ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ ، سَبْطُ الشَّعْرِ ، يَنْطِفُ - أَوْ : يُهَرَاقُ - رَأْسُهُ مَاءً ، قُلْتُ : مَنْ هَذَا؟ قَالُوا : ابْنُ مَرْيَمَ . ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ ، فَإِذَا رَجُلٌ جَسِيمٌ ، أَحْمَرُ ، جَعْدُ الرَّأْسِ ، أَعْوَرُ الْعَيْنِ ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ، قَالُوا : هَذَا الدَّجَّالُ ، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ ، رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ " .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي خِفَّةٍ مِنَ الدِّينِ ، وَإِدْبَارٍ مِنَ الْعِلْمِ ، فَلَهُ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً يَسِيحُهَا فِي الْأَرْضِ ، الْيَوْمُ مِنْهَا كَالسَّنَةِ ، وَالْيَوْمُ مِنْهَا كَالشَّهْرِ ، وَالْيَوْمُ مِنْهَا كَالْجُمُعَةِ ، ثُمَّ سَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ هَذِهِ ، وَلَهُ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ ، عَرْضُ مَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا ، فَيَقُولُ لِلنَّاسِ : أَنَا رَبُّكُمْ . وَهُوَ أَعْوَرُ - وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ - مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : كَافِرٌ ، ك ف ر مُهَجَّاةٌ ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ، يَرِدُ كُلَّ مَاءٍ وَمَنْهَلٍ إِلَّا الْمَدِينَةَ وَمَكَّةَ; حَرَّمَهُمَا اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَقَامَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَبْوَابِهَا ، وَمَعَهُ جِبَالٌ مَنْ خُبْزٍ ، وَالنَّاسُ فِي جَهْدٍ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَهُ ، وَمَعَهُ نَهَرَانِ - أَنَا أَعْلَمُ بِهِمَا مِنْهُ ، [ ص: 141 ] نَهَرٌ يَقُولُ : الْجَنَّةُ . وَنَهَرٌ يَقُولُ : النَّارُ . فَمَنْ أُدْخِلَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْجَنَّةَ فَهُوَ النَّارُ ، وَمَنْ أُدْخِلَ الَّذِي يُسَمِّيهِ النَّارَ فَهُوَ الْجَنَّةُ " . قَالَ : " وَتُبْعَثُ مَعَهُ شَيَاطِينُ تُكَلِّمُ النَّاسَ ، وَمَعَهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ ، يَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ ، وَيَقْتُلُ نَفْسًا ثُمَّ يُحْيِيهَا فِيمَا يَرَى النَّاسُ ، لَا يُسَلَّطُ عَلَى غَيْرِهَا ، وَيَقُولُ لِلنَّاسِ : هَلْ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا إِلَّا الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ؟ " قَالَ : " فَيَفِرُّ الْمُسْلِمُونَ إِلَى جَبَلِ الدُّخَانِ بِالشَّامِ ، فَيَأْتِيهِمْ فَيُحَاصِرُهُمْ ، فَيَشْتَدُّ حِصَارُهُمْ ، وَيُجْهِدُهُمْ جُهْدًا شَدِيدًا ، ثُمَّ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، فَيُنَادِي مِنَ السَّحَرِ ، فَيَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى الْكَذَّابِ الْخَبِيثِ؟ فَيَقُولُونَ : هَذَا رَجُلٌ جِنِّيٌّ . فَيَنْطَلِقُونَ ، فَإِذَا هُمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَتُقَامُ الصَّلَاةُ ، فَيُقَالُ لَهُ : تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللَّهِ . فَيَقُولُ : لِيَتَقَدَّمْ إِمَامُكُمْ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ . فَإِذَا صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ خَرَجُوا إِلَيْهِ " قَالَ : " فَحِينَ يَرَاهُ الْكَذَّابُ يَنْمَاثُ كَمَا يَنْمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، فَيَمْشِي إِلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ ، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ وَالْحَجَرَ يُنَادِي : يَا رُوحَ اللَّهِ ، هَذَا يَهُودِيٌّ ، فَلَا يَتْرُكُ مِمَّنْ كَانَ يَتْبَعُهُ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ أَيْضًا ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ ، وَهُوَ ثِقَةٌ .

 

 


ذُكْرُ خُرُوجِ الدَّجَّالِ بَعْدَ وُقُوعِ الْمَلْحَمَةِ الرُّومِيَّةِ وَفَتْحِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ

وَلْنَذْكُرْ قَبْلَ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً فِيمَا وَرَدَ فِي ذِكْرِ الْكَذَّابِينَ الدَّجَّالِينَ الَّذِينَ هُمْ كَالْمُقَدِّمَةِ بَيْنَ يَدِيِ الدَّجَّالِ الْكَبِيِرِ خَاتَمِهِمْ ، قَبَّحَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ ، وَجَعَلَ نَارَ الْجَحِيمِ مُنْقَلَبَهُمْ وَمَثْوَاهُمْ .

رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَغَيْرِهِ ، عَنْ سِمَاكٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ " . قَالَ جَابِرٌ : فَاحْذَرُوهُمْ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُوسَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ كَذَّابُونَ ، [ ص: 114 ] مِنْهُمْ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ صَنْعَاءَ الْعَنْسِيُّ ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ حِمْيَرَ ، وَمِنْهُمُ الدَّجَّالُ ، وَهُوَ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً " . قَالَ جَابِرٌ : وَبَعْضُ أَصْحَابِي يَقُولُ : قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ .

وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ ، عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ ، كُلٌّ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ " . وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ بِطُولِهِ .

وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ ، كُلٌّ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ " .

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : " يَنْبَعِثُ " .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، سَمِعْتُ الْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ ثَلَاثُونَ دَجَّالُونَ ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ، وَيَفِيضُ [ ص: 115 ] الْمَالُ فَيَكْثُرُ ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ " . قَالَ : قِيلَ : أَيُّمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ : " الْقَتْلُ الْقَتْلُ " ثَلَاثًا . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ . وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ ، عَنِ الْعَلَاءِ بِهِ .

وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ دَجَّالًا كَذَّابًا ، كُلُّهُمْ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ " .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ عَوْفٍ ، حَدَّثَنَا خِلَاسٌ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ دَجَّالِينَ كَذَّابِينَ ، كُلُّهُمْ يَقُولُ : أَنَا نَبِيٌّ ، أَنَا نَبِيٌّ " . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ حَسَنٌ ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ أَيْضًا .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، حَدَّثَنَا سَلَامَانُ بْنُ عَامِرٍ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْأَصْبَحِيِّ ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ ، يَأْتُونَكُمْ بِبِدَعٍ مِنَ الْحَدِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ ، لَا يَفْتِنُوكُمْ " .

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ [ ص: 116 ] الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيُّ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي الْجُلَاسِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ السَّبَائِيِّ : وَيْلَكَ ، وَاللَّهِ مَا أَفْضَى إِلَيَّ بِشَيْءٍ كَتَمْتُهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : " إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا " . وَإِنَّكَ لَأَحَدُهُمْ . وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي بُكَيْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، بِهِ .

وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ كَذَّابُونَ ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، لَا نَبِيَّ بَعْدِي " . الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ ، حَدَّثَنَا إِيَادٌ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نُعْمٍ ، أَوْ نُعَيْمٍ الْأَعْرَجِيِّ ، شَكَّ أَبُو الْوَلِيدِ ، قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمُتْعَةِ - وَأَنَا عِنْدَهُ - مُتْعَةِ النِّسَاءِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَانِينَ وَلَا مُسَافِحِينَ ، ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيَكُونَنَّ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ، [ ص: 117 ] وَكَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ ، أَوْ أَكْثَرُ " . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، بِنَحْوِهِ ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُ عَنِ الْمُخْتَارِ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ثَلَاثِينَ دَجَّالًا كَذَّابًا " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .

وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَكِنْ قَالَ : " سَبْعُونَ " . قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ : حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ فِي أُمَّتِي لَنَيِّفًا وَسَبْعِينَ دَاعِيًا ، كُلُّهُمْ دَاعٍ إِلَى النَّارِ ، لَوْ أَشَاءُ لَأَنْبَأْتُكُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ " . وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ . وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِهِ حَدِيثًا فِي الْكَرْعِ وَالشُّرْبِ بِالْيَدِ .

[
ص: 118 ] وَقَالَ أَبُو يَعْلَى : حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ بِشْرٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَكُونُ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ نَيِّفٌ عَلَى سَبْعِينَ دَجَّالًا " . فِيهِ غَرَابَةٌ ، وَالَّذِي فِي الصِّحَاحِ أَثْبَتُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : أَكْثَرَ النَّاسُ فِي مُسَيْلِمَةَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْئًا ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا ، فَقَالَ : " أَمَّا بَعْدُ ، فَفِي شَأْنِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَدْ أَكْثَرْتُمْ فِيهِ ، وَإِنَّهُ كَذَّابٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا ، يَخْرُجُونَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بَلَدٌ إِلَّا يَبْلُغُهَا رُعْبُ الْمَسِيحِ إِلَّا الْمَدِينَةَ; عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْ نِقَابِهَا مَلَكَانِ يَذُبَّانِ عَنْهَا رُعْبَ الْمَسِيحِ " .

وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ حَجَّاجٍ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ ، أَنَّ عِيَاضَ بْنَ مُسَافِعٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، فَذَكَرَهُ ، وَقَالَ فِيهِ : " فَإِنَّهُ كَذَّابٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا ، يَخْرُجُونَ قَبْلَ [ ص: 119 ] الدَّجَّالِ ، وَإِنَّهُ لَيْسَ بَلَدٌ إِلَّا يَدْخُلُهُ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ إِلَّا الْمَدِينَةَ; عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْ نِقَابِهَا يَوْمَئِذٍ مَلَكَانِ يَذُبَّانِ عَنْهَا رُعْبَ الْمَسِيحِ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيُّ ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً ، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ " . قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ : " الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ " . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : ثَنَا مُعَاذٌ . يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ قَالَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ هَمَّامٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ دَجَّالُونَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ ، مِنْهُمْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ، وَإِنِّي خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، لَا نَبِيَّ بَعْدِي

 


18.الكلام على أحاديث الدجال



[
ص: 120 ] الْكَلَامُ عَلَى أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ

قَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ صَيَّادٍ : " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ " فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ ، فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرَفَضَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : " آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ " . ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَاذَا تَرَى؟ " قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ : يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خُلِّطَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ " . ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا " . فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ : هُوَ [ ص: 121 ] الدُّخُّ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اخْسَأْ ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ " . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ذَرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ يَكُنْهُ قُلْنَ تَسَلَّطَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ " . وَقَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ : انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيُّ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخْلَ طَفِقَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ ، وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنَ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشٍ فِي قَطِيفَةٍ ، لَهُ فِيهَا زَمْزَمَةٌ ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ ، فَقَالَتْ لِابْنِ صَيَّادٍ : يَا صَافِ - وَهُوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ - هَذَا مُحَمَّدٌ . فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ " .

قَالَ سَالِمٌ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ ، فَقَالَ : " إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ ، مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا [ ص: 122 ] وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ ، وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ ، تَعَلَّمُوا أَنَّهُ أَعْوَرُ ، وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ " .

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ : " إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ، يَقْرَؤُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ ، أَوْ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ " . وَقَالَ : " تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ " . وَأَصْلُ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، بِنَحْوِهِ .

وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا ، مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الدَّجَّالَ بَيْنَ ظَهَرَانَيِ النَّاسِ فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، أَلَا وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ " . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ ، أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَمَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ " . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ ، بِنَحْوِهِ .

قَالَ مُسْلِمٌ : وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ ص: 123 ] " الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ " . ثُمَّ تَهَجَّاهَا كَ فَ رَ ، " يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ " .

وَقَالَ أَحْمَدُ : ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَصَفَ الدَّجَّالَ لِأُمَّتِهِ ، وَلَأَصِفَنَّهُ صِفَةً لَمْ يَصِفْهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي ، إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِأَعْوَرَ " لَمْ يُخْرِجُوهُ ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ .

وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ شَقِيقٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى ، جُفَالُ الشَّعْرِ ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ " .

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ; أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ ، وَالْآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلِيُغَمِّضْ ، ثُمَّ لِيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ ، فَيَشْرَبَ مِنْهُ ، فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ ، وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ [ ص: 124 ] الْعَيْنِ ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ " .

ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ رِبْعِيٍّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِنَحْوِهِ .

قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ : وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ ، بِنَحْوِهِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، ثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ ، سَمِعْتُ صَخْرًا يُحَدِّثُ عَنْ سُبَيْعٍ قَالَ : أَرْسَلُونِي مِنْ مَاءٍ إِلَى الْكُوفَةِ أَشْتَرِي الدَّوَابَّ فَأَتَيْنَا الْكُنَاسَةَ ، فَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ جَمْعٌ ، فَأَمَّا صَاحِبِي فَانْطَلَقَ إِلَى الدَّوَابِّ ، وَأَمَّا أَنَا فَأَتَيْتُهُ ، فَإِذَا حُذَيْفَةُ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْخَيْرِ ، وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قُلْتُ : فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْهُ؟ قَالَ : " السَّيْفُ " .

[
ص: 125 ] قُلْتُ : ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ : " ثُمَّ تَكُونُ هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ " . قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ : " ثُمَّ تَكُونُ دُعَاةُ الضَّلَالَةِ ، فَإِنْ رَأَيْتَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَالْزَمْهُ ، وَإِنْ نَهَكَ جِسْمَكَ ، وَأَخَذَ مَالَكَ ، فَإِنْ لَمْ تَرَهُ فَاهْرُبْ فِي الْأَرْضِ ، وَلَوْ أَنْ تَمُوتَ وَأَنْتَ عَاضٌّ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ " . قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ : " ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ " . قَالَ : قُلْتُ : فَبِمَ يَجِيءُ بِهِ مَعَهُ؟ قَالَ : " بِنَهْرٍ - أَوْ قَالَ : مَاءٍ وَنَارٍ - فَمَنْ دَخَلَ نَهْرَهُ حَبِطَ أَجْرُهُ ، وَوَجَبَ وَزِرُهُ ، وَمَنْ دَخَلَ نَارَهُ وَجَبَ أَجْرُهُ ، وَحَبِطَ وِزْرُهُ " . قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ : " لَوْ أَنْتَجْتَ فَرَسًا لَمْ تُرْكَبْ فُلُوُّهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ " . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَدِيثًا مَا حَدَّثَهُ نَبِيٌّ قَوْمَهُ؟ إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ مِثْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ ، هِيَ النَّارُ ، وَإِنِّي أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ ، كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهَ " .

وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ : رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ " الدَّجَّالُ ، فَقُلْتُ : أَتَحْلِفُ بِاللَّهِ؟ قَالَ؟ إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَقِيَ ابْنَ صَيَّادٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ [ ص: 126 ] الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ قَوْلًا أَغْضَبَهُ ، فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلَأَ السِّكَّةَ - وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ نَخَرَ كَأَشَدِّ نَخِيرِ حِمَارٍ يَكُونُ ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ ضَرَبَهُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عَصَاهُ - ثُمَّ دَخَلَ عَلَى أُخْتِهِ حَفْصَةَ ، فَقَالَتْ لَهُ : مَا أَرَدْتَ مِنَ ابْنِ صَيَّادٍ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا " .

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : ابْنُ صَيَّادٍ كَانَ بَعْضُ الصِّحَابَةِ يَظُنُّهُ الدَّجَّالَ الْأَكْبَرَ ، وَلَيْسَ بِهِ ، إِنَّمَا كَانَ دَجَّالًا مِنَ الدَّجَاجِلَةِ صَغِيرًا . وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " أَنَّهُ صَحِبَ أَبَا سَعِيدٍ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، وَأَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ تَبَرَّمَ إِلَيْهِ مِمَّا تَقُولُ النَّاسُ فِيهِ إِنَّهُ الدَّجَّالُ ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ : أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ " . وَقَدْ وُلِدْتُ بِهَا ، " وَإِنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ " . وَقَدْ وُلِدَ لِي ، " وَإِنَّهُ كَافِرٌ " . وَأَنَا قَدْ أَسْلَمْتُ؟ ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ : وَمَعَ هَذَا إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ ، وَأَيْنَ مَكَانُهُ ، وَلَوْ عُرِضَ عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ إِيَّاهُ لَمَا كَرِهْتُ ذَلِكَ .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُتَعَالِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : ذُكِرَ ابْنُ صَيَّادٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ : إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَمُرُّ بِشَيْءٍ إِلَّا كَلَّمَهُ .

وَقَالَ أَحْمَدُ : ثَنَا سَعِيدٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ، حَدَّثَنِي مَهْدِيُّ بْنُ [ ص: 127 ] عِمْرَانَ الْمَازِنِيُّ ، سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ ، وَسُئِلَ هَلْ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ : نَعَمْ . قِيلَ : هَلْ كَلَّمْتَهُ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُهُ انْطَلَقَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَمَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى دَارًا قَوْرَاءَ ، فَقَالَ : " افْتَحُوا هَذَا الْبَابَ " . فَفَتَحُوا ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ ، فَإِذَا قَطِيفَةٌ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ ، فَقَالَ : " ارْفَعُوا هَذِهِ الْقَطِيفَةَ " . فَرَفَعُوهَا ، فَإِذَا غُلَامٌ أَعْوَرُ تَحْتَ الْقَطِيفَةِ ، فَقَالَ : " قُمْ يَا غُلَامُ " . فَقَامَ الْغُلَامُ . فَقَالَ : " يَا غُلَامُ ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ " . فَقَالَ الْغُلَامُ : أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ : " أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ " . فَقَالَ الْغُلَامُ : أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرٍّ هَذَا " مَرَّتَيْنِ .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ لَيْسَ بِالدَّجَّالِ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَطْعًا; لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّةِ ، فَإِنَّهُ فَيْصَلٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

 

حَدِيثُ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ فِي مَعْنَاهُ ، وَأَبْسَطُ مِنْهُ

قَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، [ ص: 142 ] حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ ، قَاضِي حِمْصَ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ ( ح ) ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ ، قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا ، فَقَالَ : " مَا شَأْنُكُمْ؟ " قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً ، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ . فَقَالَ : " غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ ، عَيْنُهُ طَافِيَةٌ ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا ، يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا " . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ : " أَرْبَعُونَ يَوْمًا; يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ " . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ : " لَا ، اقْدِرُوا لَهُ قَدْرَهُ " . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ : " كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ ، وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ [ ص: 143 ] فَتُمْطِرُ وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًى وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا : أَخْرِجِي كُنُوزَكِ . فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًّا ، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ ، فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ ، شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرَفُهُ ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلَهُ ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ ، وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى : إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ . وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا ، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ : لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ، [ ص: 144 ] وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغْفَ فِي رِقَابِهِمْ ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ ، فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ ، فَيَغْسِلُ اللَّهُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ : أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا ، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، [ ص: 145 ] فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ " .

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ - قَالَ ابْنُ حُجْرٍ : دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي حَدِيثِ الْآخَرِ - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ : " لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ " : " ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمْرِ ، وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَيَقُولُونَ : لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ . فَيَرْمُونَ بِنِشَابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نِشَابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا " . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ : " فَإِنِّي قَدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَيْ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ " . انْتَهَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ إِسْنَادًا وَمَتْنًا . وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ الْبُخَارِيِّ .

وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي " مُسْنَدِهِ " ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ ، وَزَادَ فِي سِيَاقِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ : " فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ " قَالَ ابْنُ جَابِرٍ : فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَطَاءٍ السَّكْسَكِيُّ ، عَنْ كَعْبٍ أَوْ غَيْرِهِ ، قَالَ : " فَتَطْرَحُهُمْ بِالْمَهْبِلِ " . قَالَ ابْنُ جَابِرٍ : وَأَيْنَ الْمَهْبِلُ؟ قَالَ : مَطْلِعُ الشَّمْسِ .

[
ص: 146 ] وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ صَالِحٍ الْمُؤَذِّنِ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، بِبَعْضِهِ .

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ ، وَسَاقَهُ بِطُولِهِ ، وَقَالَ : غَرِيبٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جَابِرٍ .

وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ ، مُخْتَصَرًا .

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ بِإِسْنَادِهِ ، قَالَ : " يَسْتَوْقِدُ النَّاسُ مِنْ قِسِيِّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَنِشَابِهِمْ وَأَتْرِسَتِهِمْ سَبْعَ سِنِينَ " . وَذَكَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِتَمَامِهِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذِهِ الْقِصَّةَ ، وَلَا ذَكَرَ فِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى بْنَ جَابِرٍ الطَّائِيَّ .

 

حديث عن أبي أمامة الباهلي صدي بن عجلان في معنى حديث النواس بن سمعان [ ص: 147 ]

قَالَ ابْنُ مَاجَهْ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِيُّ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبَى زُرْعَةَ السَّيْبَانِيِّ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَكْثَرُ خُطْبَتِهِ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ عَنِ الدَّجَّالِ ، وَحَذَّرَنَاهُ ، فَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ قَالَ : " إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ مُنْذُ ذَرَأَ اللَّهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلَّا حَذَّرَ مِنَ الدَّجَّالِ ، وَأَنَا آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَأَنْتُمْ آخَرُ الْأُمَمِ ، وَهُوَ خَارِجٌ فِيكُمْ لَا مَحَالَةَ ، فَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ فَأَنَا حَجِيجٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ، وَإِنْ يَخْرُجْ مِنْ بَعْدِي فَكُلٌّ حَجِيجُ نَفْسِهِ ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ . وَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ ، فَيَعِيثُ يَمِينًا ، وَيَعِيثُ شِمَالًا . يَا عِبَادَ اللَّهِ ، أَيُّهَا النَّاسُ ، فَاثْبُتُوا ، وَإِنِّي سَأَصِفُهُ فِي صِفَةٍ لَمْ يَصِفْهَا إِيَّاهُ نَبِيٌّ قَبْلِي; إِنَّهُ يَبْدَأُ ، فَيَقُولُ : أَنَا نَبِيٌّ . وَلَا نَبِيَّ بَعْدِي ، ثُمَّ يُثَنِّي فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ . وَلَا تَرَوْنَ رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ ، عَزَّ وَجَلَّ ، لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : [ ص: 148 ] كَافِرٌ ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ، وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنَّ مَعَهُ جَنَّةً وَنَارًا ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ ، فَمَنِ ابْتُلِيَ بِنَارِهِ ، فَلْيَسْتَغِثْ بِاللَّهِ ، وَلِيَقْرَأْ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ; فَتَكُونُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتِ النَّارُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَقُولَ لِأَعْرَابِيٍّ : أَرَأَيْتَ إِنْ بَعَثْتُ لَكَ أَبَاكَ وَأُمَّكَ ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ . فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيْطَانَانِ فِي صُورَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ ، فَيَقُولَانِ : يَا بُنَيَّ ، اتَّبِعْهُ ، فَإِنَّهُ رَبُّكَ . وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يُسَلَّطَ عَلَى نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، فَيَقْتُلُهَا وَيَنْشُرُهَا بِالْمِنْشَارِ ، حَتَّى تُلْقَى شِقَّتَيْنِ ، ثُمَّ يَقُولُ : انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا ، فَإِنِّي أَبْعَثُهُ الْآنَ ، ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رَبًّا غَيْرِي ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ ، فَيَقُولُ لَهُ الْخَبِيثُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّي اللَّهُ ، وَأَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ ، أَنْتَ الدَّجَّالُ ، وَاللَّهِ ، مَا كُنْتُ بَعْدُ أَشَدَّ بَصِيرَةً بِكَ مِنِّي الْيَوْمَ " .

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ - يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ : فَحَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيُّ ، عَنْ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ذَلِكَ الرَّجُلُ أَرْفَعُ أُمَّتِي دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ " . قَالَ : قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : وَاللَّهِ ، مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ الرَّجُلَ إِلَّا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ .

قَالَ الْمُحَارِبِيُّ : ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ ، قَالَ : " وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَأْمُرَ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ ، وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ ، وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَمُرَّ بِالْحَيِّ ، فَيُكَذِّبُونَهُ ، فَلَا تَبْقَى لَهُمْ سَائِمَةٌ إِلَّا هَلَكَتْ ، وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَمُرَّ بِالْحَيِّ ، [ ص: 149 ] فَيُصَدِّقُونَهُ ، فَيَأْمُرَ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ ، وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ ، حَتَّى تَرُوحَ مَوَاشِيهِمْ مِنْ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ أَسْمَنَ مَا كَانَتْ ، وَأَعْظَمَهُ ، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ، وَأَدَرَّهُ ضُرُوعًا . وَإِنَّهُ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا وَطِئَهُ ، وَظَهَرَ عَلَيْهِ ، إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ; فَإِنَّهُ لَا يَأْتِيهِمَا مِنْ نَقْبٍ مِنْ نِقَابِهِمَا إِلَّا لَقِيَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِالسُّيُوفِ صَلْتَةً حَتَّى يَنْزِلَ عِنْدَ الظَّرِيبِ الْأَحْمَرِ ، عِنْدَ مُنْقَطَعِ السَّبَخَةِ ، فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ ، فَلَا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَيْهِ ، فَتَنْفِي الْخَبَثَ مِنْهَا ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ، وَيُدْعَى ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْخَلَاصِ " . فَقَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ بِنْتُ أَبِي الْعَكَرِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ : ( هُمْ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ ، وَجُلُّهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَإِمَامُهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ ، فَبَيْنَمَا إِمَامُهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبْحَ إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، فَيَرْجِعُ ذَلِكَ الْإِمَامُ يَمْشِي الْقَهْقَرَى; لِيَتَقَدَّمَ بِهِمْ عِيسَى يُصَلِّي ، فَيَضَعُ عِيسَى ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ : تَقَدَّمْ فَصَلِّ; فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ . فَيُصَلِّي بِهِمْ إِمَامُهُمْ ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ عِيسَى : أَقِيمُوا الْبَابَ . فَيُفْتَحُ ، [ ص: 150 ] وَوَرَاءَهُ الدَّجَّالُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ يَهُودِيٍّ ، كُلُّهُمْ ذُو سَيْفٍ مُحَلَّى وَسَاجٍ ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، وَيَنْطَلِقُ هَارِبًا ، وَيَقُولُ عِيسَى : إِنَّ لِي فِيكَ ضَرْبَةً لَنْ تَسْبِقَنِي بِهَا . فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ الشَّرْقِيِّ ، فَيَقْتُلُهُ ، فَيَهْزِمُ اللَّهُ الْيَهُودَ ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ يَتَوَارَى بِهِ يَهُودِيٌّ إِلَّا أَنْطَقَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ; لَا حَجَرَ وَلَا شَجَرَ وَلَا حَائِطَ وَلَا دَابَّةَ - إِلَّا الْغَرْقَدَةَ ، فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِهِمْ لَا تَنْطِقُ - إِلَّا قَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ الْمُسْلِمَ ، هَذَا يَهُودِيٌّ ، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ " .

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَإِنَّ أَيَّامَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً ، السَّنَةُ كَنِصْفِ السَّنَةِ ، وَالسَّنَةُ كَالشَّهْرِ ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ ، وَآخِرُ أَيَّامِهِ كَالشَّرَرَةِ ، يُصْبِحُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ ، فَلَا يَبْلُغُ بَابَهَا الْآخَرَ حَتَّى يُمْسِيَ " . قِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ نُصَلِّي فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الْقِصَارِ؟ قَالَ : " تَقْدُرُونَ فِيهَا الصَّلَاةَ ، كَمَا تَقْدُرُونَهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الطِّوَالِ ، ثُمَّ صَلُّوا " .

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَيَكُونُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فِي أُمَّتِي حَكَمًا عَدْلًا ، وَإِمَامًا مُقْسِطًا ، يَدُقُّ الصَّلِيبَ ، وَيَذْبَحُ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ ، وَيَتْرُكُ الصَّدَقَةَ فَلَا يَسْعَى عَلَى شَاةٍ وَلَا بَعِيرٍ ، وَتُرْفَعُ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ ، وَتُنْزَعُ حُمَةُ كُلِّ ذِي حُمَةٍ ، حَتَّى يُدْخِلَ الْوَلِيدُ يَدَهُ فِي فِي الْحَيَّةِ ، فَلَا تَضُرُّهُ ، وَيُنْفِرَ الْوَلِيدُ الْأَسَدَ ، فَلَا [ ص: 151 ] يَضُرُّهُ ، وَيَكُونُ الذِّئْبُ فِي الْغَنَمِ كَأَنَّهُ كَلْبُهَا ، وَتُمْلَأَ الْأَرْضُ مِنَ السِّلْمِ ، كَمَا يُمْلَأُ الْإِنَاءُ مِنَ الْمَاءِ ، وَتَكُونَ الْكَلِمَةٌ وَاحِدَةً ، فَلَا يُعْبَدُ إِلَّا اللَّهُ ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ، وَتُسْلَبُ قُرَيْشٌ مُلْكَهَا ، وَتَكُونُ الْأَرْضُ كَفَاثُورِ الْفِضَّةِ ، تُنْبِتُ نَبَاتَهَا كَعَهْدِ آدَمَ ; حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّفَرُ عَلَى الْقَطْفِ مِنَ الْعِنَبِ ، فَيُشْبِعُهُمْ ، وَيَجْتَمِعُ النَّفَرُ عَلَى الرُّمَّانَةِ فَتُشْبِعُهُمْ ، وَيَكُونُ الثَّوْرُ بِكَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَالِ ، وَيَكُونُ الْفَرَسُ بِالدُّرَيْهِمَاتِ " . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا يُرَخِّصُ الْفَرَسَ؟ قَالَ : " لَا يُرْكَبُ لِحَرْبٍ أَبَدًا " . قِيلَ لَهُ : فَمَا يُغْلِي الثَّوْرَ؟ قَالَ؟ " تُحْرُثُ الْأَرْضُ كُلُّهَا . وَإِنَّ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ شِدَادٍ ، يُصِيبُ النَّاسَ فِيهَا جُوعٌ شَدِيدٌ ، يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى أَنْ تَحْبِسَ ثُلُثَ مَطَرِهَا ، وَيَأْمُرَ الْأَرْضَ أَنْ تَحْبِسَ ثُلُثَ نَبَاتِهَا ، ثُمَّ يَأْمُرُ السَّمَاءَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ، فَتَحْبِسُ ثُلُثَيْ مَطَرِهَا ، وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ ، فَتَحْبِسُ ثُلُثَيْ نَبَاتِهَا ، ثُمَّ يَأْمُرُ السَّمَاءَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ، فَتَحْبِسُ مَطَرَهَا كُلَّهُ فَلَا تَقْطُرُ قَطْرَةً ، وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ فَتَحْبِسُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ فَلَا تُنْبِتُ خَضْرَاءَ ، فَلَا تَبْقَى ذَاتُ ظِلْفٍ إِلَّا هَلَكَتْ ، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ " . قِيلَ : مَا يُعِيشُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؟ قَالَ : " التَّهْلِيلُ ، وَالتَّكْبِيرُ ، وَالتَّسْبِيحُ ، وَالتَّحْمِيدُ ، وَيُجْرَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مُجْرَى الطَّعَامِ " .

قَالَ ابْنُ مَاجَهْ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الطَّنَافِسِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ [ ص: 152 ] الْمُحَارِبِيَّ يَقُولُ : يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَى الْمُؤَدِّبِ حَتَّى يُعَلِّمَهُ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ . انْتَهَى سِيَاقُ ابْنِ مَاجَهْ .

وَقَدْ وَقَعَ تَخْبِيطٌ فِي إِسْنَادِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ ، فَكَمَا وَجَدْتُهُ فِي نُسْخَةٍ كَتَبْتُ إِسْنَادَهُ ، وَقَدْ سَقَطَ التَّابِعِيُّ مِنْهُ ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، أَبُو عَبْدِ الْجَبَّارِ الشَّامِيُّ الرَّاوِي لَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ .

قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ فِي " الْأَطْرَافِ " : وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي الْفِتَنِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيِّ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ السَّيْبَانِيِّ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بِهِ بِتَمَامِهِ ، كَذَا قَالَ ، وَكَذَا رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ ، وَهُوَ وَهْمٌ فَاحِشٌ .

قُلْتُ : وَقَدْ جَوَّدَ إِسْنَادَهُ أَبُو دَاوُدَ ، فَرَوَاهُ عَنْ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ضَمْرَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، نَحْوَ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ .

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي " مُسْنَدِهِ " ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ : وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ : حَدَّثَنِي مَهْدِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّمْلِيُّ ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ ، عَنِ السَّيْبَانِيِّ ، وَاسْمُهُ يَحْيَى [ ص: 153 ] بْنُ أَبِي عَمْرٍو ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ ، وَهُمْ كَذَلِكَ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ : " بِبَيْتِ الْقُدْسِ ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْقُدْسِ " .

وَقَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَالْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ وَالسِّيَاقُ لِعَبْدٍ - قَالَ : حَدَّثَنِي - وَقَالَ الْآخَرَانِ : حَدَّثَنَا - يَعْقُوبُ ، هُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلًا عَنِ الدَّجَّالِ ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا قَالَ : " يَأْتِي وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ ، فَيَنْتَهِي إِلَى بَعْضِ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ ، أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ ، فَيَقُولُ لَهُ : أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ . فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ ، أَتَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ : لَا . قَالَ : فَيَقْتُلُهُ ، ثُمَّ يُحْيِيهِ ، فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ : وَاللَّهِ ، مَا كُنْتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْآنَ . قَالَ : فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ ، فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ " . قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : يُقَالُ : إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ [ ص: 154 ] هُوَ الْخَضِرُ .

قَالَ مُسْلِمٌ : وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ ، أَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، أَنَا شُعَيْبٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ ، بِمِثْلِهِ .

وَقَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَادَ ، مِنْ أَهْلِ مُرْوَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَتَلْقَاهُ مَسَالِحُ الدَّجَّالِ ، فَيَقُولُونَ لَهُ : أَيْنَ تَعْمِدُ؟ فَيَقُولُ : أَعْمِدُ إِلَى هَذَا الَّذِي خَرَجَ " . قَالَ : " فَيَقُولُونَ لَهُ : أَوَمَا تُؤْمِنُ بِرَبِّنَا؟ فَيَقُولُ : مَا بِرَبِّنَا خَفَاءٌ . فَيَقُولُونَ : اقْتُلُوهُ . فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا أُحُدًا دُونَهُ؟ " قَالَ : " فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّالِ ، فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، هَذَا الدَّجَّالُ الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " . قَالَ : " فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ بِهِ ، فَيُشَبَّحُ ، فَيَقُولُ : خُذُوهُ وَشُجُّوهُ . فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْبًا " . قَالَ : " فَيَقُولُ : أَوَمَا تُؤْمِنُ بِي؟ " قَالَ : " فَيَقُولُ : أَنْتَ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ " . قَالَ : " فَيُؤْمَرُ بِهِ ، فَيُؤْشَرُ بِالْمِئْشَارِ مِنْ مَفْرِقِهِ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ " . قَالَ : " ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ [ ص: 155 ] بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ : قُمْ . فَيَسْتَوِي قَائِمًا " . قَالَ : " ثُمَّ يَقُولُ لَهُ : أَتُؤْمِنُ بِي؟ فَيَقُولُ : مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً " . قَالَ : " ثُمَّ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ بَعْدِي بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ " . قَالَ : " فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ ، فَيُجْعَلُ مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ نُحَاسًا ، فَلَا يَسْتَطِيعُ إِلَيْهِ سَبِيلًا " . قَالَ : " فَيَأْخُذُ بِيَدَيْهِ وَرَجُلَيْهِ ، فَيَقْذِفُ بِهِ ، فَيَحْسَبُ النَّاسُ أَنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّمَا أُلْقِيَ فِي الْجَنَّةِ " . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ " .

 

 

 

.. 22.ذكر أحاديث منثورة في الدجال


ذِكْرُ أَحَادِيثَ مَنْثُورَةٍ فِي الدَّجَّالِ حَدِيثٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا رَوْحٌ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سُبَيْعٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَفَاقَ مِنْ مَرْضَةٍ لَهُ ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ ، فَاعْتَذَرَ بِشَيْءٍ وَقَالَ : مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ . ثُمَّ قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ فِي أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا : خُرَاسَانُ . يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ بِهِ . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .

[
ص: 156 ] قُلْتُ : وَقَدْ رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ ، فَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ رَوْحٌ ، كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ ، وَلَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ; فَإِنَّ يَعْقُوبَ بْنَ شَيْبَةَ قَالَ : لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ أَبِي الْتَّيَّاحِ ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنَ ابْنِ شَوْذَبٍ عَنْهُ .

حَدِيثٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ، حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : ذَكَرْنَا الدَّجَّالَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ ، فَاسْتَيْقَظَ مُحْمَرًّا لَوْنُهُ ، فَقَالَ : " غَيْرُ ذَلِكَ أَخْوَفُ لِي عَلَيْكُمْ " . ذَكَرَ كَلِمَةً . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ .

حَدِيثٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : قَالَ . رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَصَفَ الدَّجَّالَ لِأُمَّتِهِ ، وَلَأَصِفَنَّهُ صِفَةً لَمْ يَصِفْهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي; إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، لَيْسَ بِأَعْوَرَ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ .

[
ص: 157 ] حَدِيثٌ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ : حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْدٍ الْحِمْصِيُّ ، ثَنَا حَيْوَةُ ، ثَنَا بَقِيَّةُ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : لَمَّا فُتِحَتْ إصْطَخْرُ إِذَا مُنَادٍ يُنَادِي : أَلَا إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ . قَالَ : فَلَقِيَهُمُ الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ فَقَالَ : لَوْلَا مَا تَقُولُونَ لَأَخْبَرْتُكُمْ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَذْهَلَ النَّاسُ عَنْ ذِكْرِهِ ، وَحَتَّى يَتْرُكَ الْأَئِمَّةُ ذِكْرَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ " . إِسْنَادُهُ حَسَنٌ ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ .

حَدِيثٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ بَعْدَ نُوحٍ ، إِلَّا قَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ ، وَأَنَا أُنْذِرُكُمُوهُ " . فَوَصَفَهُ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " لَعَلَّهُ سَيُدْرِكُهُ بَعْضُ مَنْ رَأَى أَوْ سَمِعَ كَلَامِي " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ قُلُوبُنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ : " مِثْلُهَا - يَعْنِي الْيَوْمَ - أَوْ خَيْرٌ " .

[
ص: 158 ] ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جُزَيٍّ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ .

وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ وَعَبْدِ الصَّمَدِ ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ . وَرَوَى أَحْمَدُ ، عَنْ غُنْدَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِبَعْضِهِ .

حَدِيثٌ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : رَوَى أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ ، وَرَوْحٍ ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ، وَوَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ ، سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبْزَى ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ ، سَمِعَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ الدَّجَّالُ ، فَقَالَ : " إِحْدَى عَيْنَيْهِ كَأَنَّهَا زُجَاجَةٌ خَضْرَاءُ ، وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ .

حَدِيثٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ : وَجَدْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُتَعَالِ بْنُ [ ص: 159 ] عَبْدِ الْوَهَّابِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ ، حَدَّثَنَا مَجَالِدٌ ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو سَعِيدٍ : هَلْ تُقِرُّ الْخَوَارِجُ بِالدَّجَّالِ؟ قُلْتُ : لَا . فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي خَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ ، وَمَا بُعِثَ نَبِيٌّ يُتَّبَعُ إِلَّا وَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ ، وَإِنِّي قَدْ بُيِّنَ لِي مِنْ أَمْرِهِ مَا لَمْ يُبَيَّنْ لِأَحَدٍ ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَعَيْنُهُ الْيُمْنَى عَوْرَاءُ جَاحِظَةٌ لَا تَخْفَى ، كَأَنَّهَا نُخَامَةٌ فِي حَائِطٍ مُجَصَّصٍ ، وَعَيْنُهُ الْيُسْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، مَعَهُ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ ، وَمَعَهُ صُورَةُ الْجَنَّةِ خَضْرَاءُ ، يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ ، وَصُورَةُ النَّارِ سَوْدَاءُ ، تَدْخُنُ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ . وَقَدْ رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي " مُسْنَدِهِ " ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا ، نَحْوَهُ .

حَدِيثٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا بَهْزٌ وَعَفَّانُ ، قَالَا : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَجِيءُ الدَّجَّالُ فَيَطَأُ الْأَرْضَ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ ، فَيَأْتِي الْمَدِينَةَ ، فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِهَا صُفُوفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَيَأْتِي سَبَخَةَ الْجُرْفِ " فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ ، فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ " .

[
ص: 160 ] وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، بِهِ نَحْوَهُ .

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِنَّ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الشِّمَالِ ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : كَفَرَ أَوْ كَافِرٌ " . هَذَا حَدِيثٌ ثُلَاثِيُّ الْإِسْنَادِ ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ " .

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ ، مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ ، عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ .

[
ص: 161 ] طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ; هُوَ ابْنُ الْحَبْحَابِ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ : كَافِرٌ - ثُمَّ تَهَجَّاهَا - يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ : ك ف ر " .

حَدَّثَنَا يُونُسُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ - عَنْ حُمَيْدٍ وَشُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الدَّجَّالُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : كَافِرٌ . يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ؟ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ " .

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرٍ ، عَنْ عَفَّانَ ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ ، عَنْ شُعَيْبٍ بِهِ ، بِنَحْوِهِ .

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ [ ص: 162 ] أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ ، أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : كَافِرٌ " .

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ .

حَدِيثٌ عَنْ سَفِينَةَ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ، حَدَّثَنَا حَشْرَجٌ ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ ، عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أَلَا إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبَلِي إِلَّا قَدْ حَذَّرَ الدَّجَّالَ أُمَّتَهُ ، هُوَ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُسْرَى ، بِعَيْنِهِ الْيُمْنَى ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : كَافِرٌ ، يَخْرُجُ مَعَهُ وَادِيَانِ; أَحَدُهُمَا جَنَّةٌ وَالْآخَرُ نَارٌ ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ ، مَعَهُ مَلَكَانِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُشْبِهَانِ نَبِيِّينِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَوْ شِئْتُ سَمَّيْتُهُمَا بِأَسْمَائِهِمَا وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمَا ، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ ، وَذَلِكَ فِتْنَةٌ ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ أَلَسْتُ أُحْيِي وَأُمِيتُ؟ فَيَقُولُ لَهُ أَحَدُ الْمَلَكَيْنِ : كَذَبْتَ . مَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا صَاحَبَهُ ، فَيَقُولُ لَهُ : صَدَقْتَ . فَيَسْمَعُهُ النَّاسُ فَيَظُنُّونَ أَنَمَا يُصَدِّقُ الدَّجَّالَ ، وَذَلِكَ فِتْنَةٌ ، ثُمَّ يَسِيرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَدِينَةَ ، فَلَا يُؤْذَنُ لَهُ فِيهَا؟ فَيَقُولُ : هَذِهِ قَرْيَةُ ذَاكَ الرَّجُلِ . ثُمَّ يَسِيرُ حَتَّى يَأْتِيَ الشَّامَ ، فَيُهْلِكُهُ اللَّهُ عِنْدَ عَقَبَةِ [ ص: 163 ] أَفِيقَ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ ، وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَلَكِنْ فِي مَتْنِهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

حَدِيثٌ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ " : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا خُنَيْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ يَحْيَى الْمُعَافِرِيُّ ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ ، أَنَّ قَوْمًا دَخَلُوا عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَقَالُوا لَهُ : حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَنْسَهُ . فَقَالَ : أَجْلِسُونِي . فَأَخَذَ بَعْضُ الْقَوْمِ بِيَدِهِ ، وَجَلَسَ بَعْضُهُمْ خَلْفَهُ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ ، وَإِنِّي أُحَذِّرُكُمْ أَمْرَهُ ، إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبِّي ، عَزَّ وَجَلَّ ، لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : كَافِرٌ . يَقْرَؤُهُ الْكَاتِبُ وَغَيْرُ الْكَاتِبِ ، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ " . قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ : تَفَرَّدَ بِهِ خُنَيْسٌ ، وَمَا عَلِمْتُ فِيهِ جَرْحًا ، وَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ .

[
ص: 164 ] حَدِيثٌ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، عَنِ الْأُسُودِ بْنِ قَيْسٍ ، حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ ، مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، قَالَ : شَهِدْتُ يَوْمًا خُطْبَةً لِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، فَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ حَدِيثًا فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ ، فَقَالَ : "وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا ، آخِرُهُمُ الْأَعْوَرُ الدَّجَّالُ ، مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى ، كَأَنَّهَا عَيْنُ أَبِي تِحْيَى ، وَإِنَّهُ مَتَى يَخْرُجُ - أَوْ قَالَ : مَتَى مَا يَخْرُجُ - فَإِنَّهُ سَوْفَ يَزْعُمُ أَنَّهُ اللَّهُ ، فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ; لَمْ يَنْفَعْهُ صَالِحٌ مِنْ عَمَلِهِ سَلَفَ ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَهُ; لَمْ يُعَاقَبْ بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ - وَقَالَ الْحَسَنُ : بِسَيِّئٍ مِنْ عَمَلِهِ - سَلَفَ ، وَإِنَّهُ سَوْفَ يَظْهَرُ عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا إِلَّا الْحَرَمَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ ، وَإِنَّهُ يَحْصُرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَيُزَلْزَلُونَ زِلْزَالًا شَدِيدًا ، ثُمَّ يُهْلِكُهُ اللَّهُ تَعَالَى ، حَتَّى إِنَّ جِذْمَ الْحَائِطِ ، وَأَصْلَ الشَّجَرَةِ لَيُنَادِي : يَا مُؤْمِنُ ، هَذَا يَهُودِيٌّ - أَوْ قَالَ : هَذَا كَافِرٌ - تَعَالَ فَاقْتُلْهُ . وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى تَرَوْا أُمُورًا يَتَفَاقَمُ شَأْنُهَا فِي أَنْفُسِكُمْ ، [ ص: 165 ] وَتَسْأَلُونَ بَيْنَكُمْ : هَلْ كَانَ نَبِيُّكُمْ ذَكَرَ لَكُمْ مِنْهَا ذِكْرًا ، وَحَتَّى تَزُولَ جِبَالٌ عَنْ مَرَاتِبِهَا ثُمَّ شَهِدَ خُطْبَةَ سَمُرَةَ مَرَّةً أُخْرَى ، فَمَا قَدَّمَ كَلِمَةً وَلَا أَخَّرَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا .

وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ حِبَّانَ ، وَالْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " أَيْضًا .

وَقَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي كِتَابِهِ " فِي نَبَأِ الدَّجَّالِ " : سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا : " الدَّجَّالُ أَعْوَرُ عَيْنِ الشِّمَالِ ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ " .

قُلْتُ : وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي " الْمُسْنَدِ " ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ ، وَكَانَ الْأَوْلَى بِشَيْخِنَا أَنْ يُسْنِدَهُ ، أَوْ يَعْزُوَهُ إِلَى كِتَابٍ مَشْهُورٍ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ سَمُرَةَ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا رَوْحٌ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ ، أَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ [ ص: 166 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : " إِنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ ، وَهُوَ أَعْوَرُ عَيْنِ الشِّمَالِ ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ ، وَإِنَّهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى ، وَيَقُولُ لِلنَّاسِ : أَنَا رَبُّكُمْ . فَمَنْ قَالَ : أَنْتَ رَبِّي . فَقَدْ فُتِنَ ، وَمَنْ قَالَ : رُبِّيَ اللَّهُ . حَتَّى يَمُوتَ ، فَقَدْ عُصِمَ مِنْ فِتْنَتِهِ ، وَلَا فِتْنَةَ بَعْدَهُ عَلَيْهِ وَلَا عَذَابَ ، فَيَلْبَثُ فِي الْأَرْضِ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يَجِيءُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ ، مُصَدِّقًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مِلَّتِهِ ، فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ ، ثُمَّ إِنَّمَا هُوَ قِيَامُ السَّاعَةِ " .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ جَعْفَرٍ السَّمُرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ ، عَنْ خُبَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ سَمُرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : " إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ الشِّمَالِ ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ ، وَإِنَّهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى ، وَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ . فَمَنِ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ ، فَقَالَ . رَبِّيَ اللَّهُ . ثُمَّ أَبَى إِلَّا ذَلِكَ حَتَّى يَمُوتَ ، فَلَا عَذَابَ عَلَيْهِ وَلَا فِتْنَةَ ، وَمَنْ قَالَ : أَنْتَ رَبِّي . فَقَدْ فُتِنَ ، وَإِنَّهُ يَلْبَثُ فِي الْأَرْضِ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يَجِيءُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِنَ الْمَشْرِقِ مُصَدِّقًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مِلَّتِهِ ، ثُمَّ يَقْتُلُ الدَّجَّالَ " .

[
ص: 167 ] حَدِيثٌ غَرِيبٌ .

حَدِيثٌ عَنْ جَابِرٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، عَنْ زَيْدٍ - يَعْنِي ابْنَ أَسْلَمَ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : أَشْرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَلَقٍ مِنْ أَفْلَاقِ الْحَرَّةِ ، وَنَحْنُ مَعَهُ ، فَقَالَ : " نِعْمَتِ الْأَرْضُ الْمَدِينَةُ إِذَا خَرَجَ الدَّجَّالُ ، عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِهَا مَلَكٌ ، لَا يَدْخُلُهَا ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ رَجَفَتِ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ ، لَا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَيْهِ ، وَأَكْثَرُ - يَعْنِي مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ - النِّسَاءُ ، وَذَلِكَ يَوْمُ التَّخْلِيصِ; يَوْمٌ تَنْفِي الْمَدِينَةُ الْخَبَثَ ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ ، يَكُونُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ ، عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَاجٌ وَسَيْفٌ مُحَلًّى ، فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ بِهَذَا الضَّرْبِ الَّذِي عِنْدَ مُجْتَمَعِ السُّيُولِ " . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا كَانَتْ فِتْنَةٌ وَلَا تَكُونُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، أَكْبَرَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ ، وَلَأُخْبِرَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مَا أَخْبَرَهُ نَبِيٌّ أُمَّتَهُ قَبْلِي " . ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : " أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ .

[
ص: 168 ] طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ : قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا مَجَالِدٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَخَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ نَبِيٌّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ ، وَإِنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ لِي مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ " . تَفَرَّدَ بِهِ الْبَزَّارُ ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ ، وَلَفْظُهُ غَرِيبٌ جِدًّا .

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي " السُّنَّةِ " ، مِنْ طَرِيقِ مَجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ جَابِرٍ; أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ : " إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ " . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ ، عَنْ مُجَالِدٍ بِهِ ، أَطْوَلَ مِنْ هَذَا .

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا رَوْحٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الدَّجَّالُ أَعْوَرُ ، وَهُوَ أَشَدُّ الْكَذَّابِينَ " .

وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ حَتَّى يَنْزِلَ [ ص: 169 ] عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ . . . . " وَتَقَدَّمَتِ الطَّرِيقُ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ ، فِي الدَّجَّالِ .

حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَّالِ : " أَعْوَرُ هِجَانٌ أَزْهَرُ ، كَأَنَّ رَأْسَهُ أَصَلَةٌ ، أَشْبَهُ النَّاسَ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ ، فَإِمَّا هَلَكَ الْهُلَّكُ ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ " . قَالَ شُعْبَةُ : فَحَدَّثْتُ بِهِ قَتَادَةَ ، فَحَدَّثَنِي بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .

وَرَوَى أَحْمَدُ ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ، وَأَبُو يَعْلَى ، مِنْ طَرِيقِ هِلَالٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ ، قَالَ : وَرَأَى الدَّجَّالَ فِي صُورَتِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ ، لَيْسَ رُؤْيَا مَنَامٍ ، وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ ، فَقَالَ : " رَأَيْتُهُ فَيْلَمَانِيًّا أَقْمَرَ هِجَانًا ، إِحْدَى عَيْنَيْهِ قَائِمَةٌ ، كَأَنَّهَا [ ص: 170 ] كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، كَأَنَّ شَعْرَهُ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ " . وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ .

حَدِيثٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ - يَعْنِي ابْنَ هِلَالٍ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ " .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِمْ ، قَالَ : قَالَ هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ لِجِيرَانِهِ : إِنَّكُمْ لَتَخْطُونَ إِلَى رِجَالٍ مَا كَانُوا بِأَحْضَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَوْعَى لِحَدِيثِهِ مِنِّي ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ " .

وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ ، عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ ، أَنَّهُ قَالَ : إِنَّكُمْ لَتُجَاوِزُنَّنِي إِلَى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانُوا أَحْصَى وَلَا أَحْفَظَ لِحَدِيثِهِ مِنِّي ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ " .

[
ص: 171 ] وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ ، عَنْ رَهْطٍ ، مِنْهُمْ أَبُو الدَّهْمَاءِ وَأَبُو قَتَادَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ رَأَسَ الدَّجَّالِ مِنْ وَرَائِهِ حُبُكٌ حُبُكٌ ، فَمَنْ قَالَ : أَنْتَ رَبِّي . افْتَتَنَ ، وَمَنْ قَالَ : كَذَبْتَ ، رَبِّيَ اللَّهُ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ . فَلَا يَضُرُّهُ " . أَوْ قَالَ : " فَلَا فِتْنَةَ عَلَيْهِ " .

حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ ، بِمَرِّ قَنَاةٍ ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ ، وَإِلَى أُمِّهِ ، وَابْنَتِهِ ، وَأُخْتِهِ ، وَعَمَّتِهِ ، فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا ، مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ ، ثُمَّ يُسَلِّطُ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ ، فَيَقْتُلُونَهُ ، وَيَقْتُلُونَ شِيعَتَهُ ، حَتَّى إِنَّ الْيَهُودِيَّ لَيَخْتَبِئُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَوِ الْحَجَرِ ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرَةُ [ ص: 172 ] لِلْمُسْلِمِ : هَذَا يَهُودِيٌّ تَحْتِي فَاقْتُلْهُ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ سَالِمٍ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ ، تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، فَذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ : " إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ; لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ ، وَلَكِنْ سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ; تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ ، وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ " . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الصَّحِيحِ مَعَ حَدِيثِ ابْنِ صَيَّادٍ . وَبِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ ، فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ : يَا مُسْلِمُ ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي ، فَاقْتُلْهُ " . وَأَصْلُهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ، بِنَحْوِهِ .

طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَخِيهِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ ، يَعْنِي أَبَا عُمَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : كُنَّا نُحَدَّثُ بِحِجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَلَا نَدْرِي أَنَّهُ الْوَدَاعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ ، خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ، فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ : " مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ أُمَّتَهُ; لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ ، وَالنَّبِيُّونَ ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، مِنْ بَعْدِهِ ، أَلَا مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ [ ص: 173 ] مِنْ شَأْنِهِ فَلَا يَخْفَيَنَّ عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، أَلَا مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَا يَخْفَيَنَّ عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .

طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا وَصَفَهُ لِأُمَّتِهِ ، وَلَأَصِفَنَّهُ صِفَةً لَمْ يَصِفْهَا مَنْ كَانَ قَبْلِي ، إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، عَيْنُهُ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ " . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ حَسَنٌ .

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الدَّجَّالِ فَقَالَ : " أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، أَلَا وَإِنَّهُ أَعْوَرُ ، عَيْنُهُ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ " . قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ ، وَحُذَيْفَةَ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَسْمَاءَ ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَبِي بَكْرَةَ ، وَعَائِشَةَ ، وَأَنَسٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَالْفَلَتَانِ بْنِ عَاصِمٍ .

حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، قَالَ : لَمَّا جَاءَتْنَا بَيْعَةُ يَزِيدَ بْنِ [ ص: 174 ] مُعَاوِيَةَ قَدِمْتُ الشَّامَ ، فَأُخْبِرْتُ بِمَقَامٍ يَقُومُهُ نَوْفٌ ، فَجِئْتُهُ ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ - فَاشْتَدَّ النَّاسُ - عَلَيْهِ خَمِيصَةٌ ، وَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَلَمَّا رَآهُ نَوْفٌ أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ ، يَنْحَازُ النَّاسُ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ ، لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ إِلَّا شِرَارُ أَهْلِهَا ، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ ، تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ ، تَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ ، تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا ، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا ، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ " . قَالَ : وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " سَيَخْرُجُ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ ، كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ - حَتَّى عَدَّهَا زِيَادَةً عَلَى عَشْرِ مَرَّاتٍ - كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ ، حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ فِي بَقِيَّتِهِمْ " . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ ، عَنْ شَهْرٍ ، عَنْهُ .

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّامَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا فِرْدَوْسٌ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَّالِ : " مَا شُبِّهَ عَلَيْكُمْ مِنْهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ ، سُبْحَانَهُ ، لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، يَخْرُجُ [ ص: 175 ] فَيَكُونُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، يَرِدُ كُلَّ مَنْهَلٍ إِلَّا الْكَعْبَةَ ، وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ وَالْمَدِينَةَ ، الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ ، وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ ، وَمَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ ، مَعَهُ جَبَلٌ مِنْ خُبْزٍ ، وَنَهْرٌ مِنْ مَاءٍ ، يَدْعُو بِرَجُلٍ ، لَا يُسَلِّطُهُ اللَّهُ إِلَّا عَلَيْهِ ، فَيَقُولُ : مَا تَقُوُلُ فِيَّ؟ فَيَقُولُ : أَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ ، وَأَنْتَ الدَّجَّالُ الْكَذَّابُ . فَيَدْعُو بِمِنْشَارٍ ، فَيَضَعُهُ حَذْوَ رَأْسِهِ فَيَشُقُّهُ ، ثُمَّ يُحْيِيهِ ، فَيَقُولُ لَهُ : مَا تَقُوُلُ فِيَّ؟ فَيَقُولُ : وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي فِيكَ الْآنَ ، أَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ؟ الدَّجَّالُ الَّذِي أَخْبَرَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَيَهْوِي إِلَيْهِ بِسَيْفِهِ فَلَا يَسْتَطِيعُهُ ، فَيَقُولُ : أَخِّرُوهُ عَنِّي " . قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَمَسْعُودٌ لَا يُعْرَفُ . وَسَيَأْتِي حَدِيثُ يَعْقُوبَ بْنِ عَاصِمٍ عَنْهُ ، فِي مُكْثِ الدَّجَّالِ فِي الْأَرْضِ ، وَنُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ .

حَدِيثٌ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيَّةِ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّةِ ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي ، فَذَكَرَ الدَّجَّالَ ، فَقَالَ : " إِنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ سِنِينَ; سَنَةً تُمْسِكُ السَّمَاءُ ثُلُثَ قَطْرِهَا ، وَالْأَرْضُ ثُلُثَ نَبَاتِهَا ، وَالثَّانِيَةَ تُمْسِكُ السَّمَاءُ ثُلُثَيْ قَطْرِهَا ، وَالْأَرْضُ ثُلُثَيْ نَبَاتِهَا ، وَالثَّالِثَةَ تُمْسِكُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا كُلَّهُ ، وَالْأَرْضُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ ، وَلَا يَبْقَى ذَاتُ ضِرْسٍ وَلَا ذَاتُ [ ص: 176 ] ظِلْفً مِنَ الْبَهَائِمِ إِلَّا هَلَكَتْ ، وَإِنَّ مِنْ أَشَدِّ فِتْنَتِهِ أَنْ يَأْتِيَ الْأَعْرَابِيَّ فَيَقُولُ : أَرَأَيْتَ إِنْ أَحْيَيْتُ لَكَ إِبِلَكَ؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَبُّكَ؟ " قَالَ : " فَيَقُولُ : بَلَى . فَتَمَثَّلُ لَهُ الشَّيَاطِينُ نَحْوَ إِبِلِهِ كَأَحْسَنِ مَا تَكُونُ ضُرُوعُهَا وَأَعْظَمِهِ أَسْنِمَةً " . قَالَ : " وَيَأْتِي الرَّجُلَ قَدْ مَاتَ أَخُوهُ ، وَمَاتَ أَبُوهُ ، فَيَقُولُ : أَرَأَيْتَ إِنْ أَحْيَيْتُ لَكَ أَبَاكَ ، وَأَحْيَيْتُ لَكَ أَخَاكَ ، أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ : بَلَى . فَتَمَثَّلُ لَهُ الشَّيَاطِينُ نَحْوَ أَبِيهِ وَنَحْوَ أَخِيهِ " . قَالَتْ : ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَةٍ ، ثُمَّ رَجَعَ وَالْقَوْمُ فِي اهْتِمَامٍ وَغَمٍّ ، مِمَّا حَدَّثَهُمْ بِهِ ، قَالَتْ : فَأَخَذَ بِلُجْفَتَيِ الْبَابِ وَقَالَ : " مَهْيَمْ أَسْمَاءُ " . قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ خَلَعْتَ أَفْئِدَتَنَا بِذِكْرِ الدَّجَّالِ . قَالَ : " فَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا حَيٌّ فَأَنَا حَجِيجُهُ ، وَإِلَّا فَإِنَّ رَبِّي خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ " . قَالَتْ أَسْمَاءُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا وَاللَّهِ لَنَعْجِنُ عَجِينَتَنَا فَمَا نَخْتَبِزُهَا حَتَّى نَجُوعَ ، فَكَيْفَ بِالْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ : " يُجْزِئُهُمْ مَا يُجْزِئُ أَهْلَ السَّمَاءِ مِنَ التَّسْبِيحِ ، وَالتَّقْدِيسِ " .

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ شَهْرٍ ، عَنْهَا ، بِنَحْوِهِ ، وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ ، وَتَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الطَّوِيلِ ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ بَعْدَهُ شَاهِدٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَيْضًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

[
ص: 177 ] وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا هَاشِمٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ ، حَدَّثَنَا شَهْرٌ ، حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثٍ : " فَمَنْ حَضَرَ مَجْلِسِي ، وَسَمِعَ قَوْلِي ، فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، صَحِيحٌ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَأَنَّ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ ، مَمْسُوحُ الْعَيْنِ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : كَافِرٌ . يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ; كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ " . وَسَيَأْتِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ نَحْوُهُ ، وَالْمَحْفُوظُ هَذَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

حَدِيثُ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ جَهْدًا يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ الدَّجَّالِ ، فَقَالُوا : أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ يَوْمَئِذٍ . قَالَ : " غُلَامٌ شَدِيدٌ يَسْقِي أَهْلَهُ الْمَاءَ ، وَأَمَّا الطَّعَامُ فَلَيْسَ " . قَالُوا : فَمَا طَعَامُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ : " التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ ، وَالتَّحْمِيدُ ، وَالتَّهْلِيلُ " . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ : " الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ فِيهِ غَرَابَةٌ ، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ ، وَأَبِي أُمَامَةَ شَاهِدٌ لَهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهَا : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، حَدَّثَنِي الْحَضْرَمِيُّ بْنُ لَاحِقٍ ، أَنَّ ذَكْوَانَ أَبَا [ ص: 178 ] صَالِحٍ أَخْبَرَهُ ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ ، قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي ، فَقَالَ : " مَا يُبْكِيكِ؟ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ذَكَرْتُ الدَّجَّالَ ، فَبَكَيْتُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ يَخْرُجِ الدَّجَّالُ وَأَنَا حَيٌّ كَفَيْتُكُمُوهُ ، وَإِنْ يَخْرُجِ الدَّجَّالُ بَعْدِي فَإِنَّ رَبَّكُمْ ، عَزَّ وَجَلَّ ، لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، إِنَّهُ يَخْرُجُ فِي يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ ، حَتَّى يَأْتِيَ الْمَدِينَةَ ، فَيَنْزِلَ نَاحِيَتَهَا ، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ ، عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَكَانِ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ شِرَارُ أَهْلِهَا ، حَتَّى يَأْتِيَالشَّامَ ، مَدِينَةً بِفِلَسْطِينَ بِبَابِ لُدٍّ ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَيَقْتُلُهُ ، ثُمَّ يَمْكُثُ عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِمَامًا عَادِلًا ، وَحَكَمًا مُقْسِطًا " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ .

وَقَالَ - أَحْمَدُ أَيْضًا : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ دَاوُدَ ، عَنْ عَامِرٍ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ " . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ ، بِهِ . وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ .

وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ زَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، أَنَّهَا قَالَتْ فِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَئِذٍ : " وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَرِيبًا ، أَوْ مِثْلَ ، فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " . لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ؟ الْحَدِيثُ بِطُولِهِ .

[
ص: 179 ] وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيَفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ حَتَّى يَلْحَقُوا بِرُءُوسِ الْجِبَالِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ : " هُمْ قَلِيلٌ " .

حَدِيثٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، قَالَ : قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : ذَكَرْتُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ لَيْلَةً ، فَلَمْ يَأْتِنِي النَّوْمُ ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : " لَا تَفْعَلِي ، فَإِنَّهُ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ يَكْفِكُمُ اللَّهُ بِي ، وَإِنْ يَخْرُجْ بَعْدَ أَنْ أَمُوتَ يَكْفِكُمُ اللَّهُ بِالصَّالِحِينَ " . ثُمَّ قَامَ ، فَقَالَ : " مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا حَذَّرَ أُمَّتَهُ مِنْهُ ، وَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُوهُ ، إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ " . قَالَ الذَّهَبِيُّ : إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ .

حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَطِيَّةَ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَمِّ الْقَدَرِيَّةِ ، وَأَنَّهُمْ زَنَادِقَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَفِي زَمَانِهِمْ يَكُونُ ظُلْمُ السُّلْطَانِ ، وَحَيْفٌ وَأَثَرَةٌ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ طَاعُونًا ، فَيُفْنِي عَامَّتَهُمْ ، ثُمَّ يَكُونُ الْخَسْفُ ، فَمَا أَقَلَّ مَنْ يَنْجُو مِنْهُمْ ، الْمُؤْمِنُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ فَرَحُهُ ، شَدِيدٌ غَمُّهُ ، ثُمَّ يَكُونُ الْمَسْخُ ، فَيَمْسَخُ اللَّهُ عَامَّتَهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ، ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ عَلَى [ ص: 180 ] إِثْرِ ذَلِكَ قَرِيبًا . ثُمَّ بَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَكَيْنَا لِبُكَائِهِ ، وَقُلْنَا : مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ : " رَحْمَةً لِأُولَئِكَ الْأَشْقِيَاءِ ، لِأَنَّ فِيهِمُ الْمُقْتَصِدَ ، وَفِيهِمُ الْمُجْتَهِدَ . . . " . الْحَدِيثَ .

حَدِيثٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، قَالَ : أَتَيْنَا عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ; لِنَعْرِضَ عَلَيْهِ مُصْحَفًا لَنَا عَلَى مُصْحَفِهِ ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْجُمُعَةُ أَمَرَنَا فَاغْتَسَلْنَا ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِطِيبٍ فَتَطَيَّبْنَا ، ثُمَّ جِئْنَا الْمَسْجِدَ ، فَجَلَسْنَا إِلَى رَجُلٍ ، فَحَدَّثَنَا عَنِ الدَّجَّالِ ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ ، فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَجَلَسْنَا ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةُ أَمْصَارٍ ; مِصْرٌ بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ ، وَمِصْرٌ بِالْحِيرَةِ ، وَمِصْرٌ بِالشَّامِ ، فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزَعَاتٍ ، فَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ ، فَيَهْزِمُ مَنْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ ، فَأَوَّلُ مِصْرٍ يَرُدُّهُ الْمِصْرُ الَّذِي بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ ، فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ; فِرْقَةٌ تُقِيمُ تَقُولُ : نُشَامُّهُ; نَنْظُرُ مَا هُوَ ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْأَعْرَابِ ، [ ص: 181 ] وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ ، وَمَعَ الدَّجَّالِ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ ، وَأَكْثَرُ تَبَعِهِ الْيَهُودُ وَالنِّسَاءُ ، ثُمَّ يَأْتِي الْمِصْرَ الَّذِي يَلِيهِ ، فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ; فِرْقَةٌ تَقُولُ : نُشَامُّهُ نَنْظُرُ مَا هُوَ ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْأَعْرَابِ ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ بِغَرْبِيِّ الشَّامِ ، وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَقَبَةِ أَفِيقَ ، فَيَبْعَثُونَ سَرْحًا لَهُمْ ، فَيُصَابُ سَرْحُهُمْ ، فَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَتُصِيبُهُمْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ شَدِيدٌ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَحْرِقُ وَتَرَ قَوْسِهِ فَيَأْكُلُهُ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّحَرِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَتَاكُمُ الْغَوْثُ . ثَلَاثًا ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إِنَّ هَذَا الصَّوْتَ لَصَوْتُ رَجُلٍ شَبْعَانَ ، وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ، فَيَقُولُ لَهُ أَمِيرُهُمْ : يَا رُوحَ اللَّهِ ، تَقَدَّمْ صَلِّ . فَيَقُولُ : هَذِهِ الْأُمَّةُ أُمَرَاءُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَيَتَقَدَّمُ أَمِيرُهُمْ فَيُصَلِّي ، فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ أَخَذَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَرْبَتَهُ ، فَيَذْهَبُ نَحْوَ الدَّجَّالِ ، فَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ ، فَيَضَعُ حَرْبَتَهُ بَيْنَ ثَنْدُوَتَيْهِ فَيَقْتُلُهُ ، وَيَنْهَزِمُ أَصْحَابُهُ ، فَلَيْسَ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ يُوَارِي مِنْهُمْ أَحَدًا ، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لَتَقُولُ : يَا مُؤْمِنُ ، هَذَا كَافِرٌ . وَيَقُولُ الْحَجَرُ : يَا مُؤْمِنُ ، هَذَا كَافِرٌ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ .

وَلَعَلَّ هَذَيْنَ الْمِصْرَيْنِ هَمَا الْبَصْرَةُ وَالْكُوفَةُ; بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ، حَدَّثَنَا الْحَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ الْقَيْسِيُّ الْكُوفِيُّ ، [ ص: 182 ] حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَتَنْزِلَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي أَرْضًا يُقَالُ لَهَا : الْبَصْرَةُ . يَكْثُرُ بِهَا عَدَدُهُمْ ، وَيَكْثُرُ بِهَا نَخْلُهُمْ ، ثُمَّ يَجِيءُ بَنُو قَنْطُورَاءَ صِغَارُ الْعُيُونِ ، حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى جِسْرٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ : دِجْلَةُ . فَيَتَفَرَّقُ الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَ فِرَقٍ ، فَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَأْخُذُونَ بِأَذْنَابِ الْإِبِلِ ، وَتَلْحَقُ بِالْبَادِيَةِ ، وَهَلَكَتْ ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَأْخُذُ عَلَى أَنْفُسِهَا ، وَكَفَرَتْ ، فَهَذِهِ وَتِلْكَ سَوَاءٌ ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَجْعَلُونَ عِيَالَهُمْ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ وَيُقَاتِلُونَ ، فَقَتْلَاهُمْ شُهَدَاءُ ، وَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى بَقِيَّتِهَا " .

ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَغَيْرِهِ ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، فَذَكَرَهُ . قَالَ الْعَوَّامُ : بَنُو قَنْطُورَاءَ هُمُ التُّرْكُ . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ .

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ " يُقَاتِلُكُمْ قَوْمٌ صِغَارُ الْأَعْيُنِ " . يَعْنِي التُّرْكَ ، قَالَ : " تَسُوقُونَهُمْ ثَلَاثَ مِرَارٍ ، حَتَّى تُلْحِقُوهُمْ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، فَأَمَّا فِي السِّيَاقَةِ [ ص: 183 ] الْأُولَى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَيَنْجُو بَعْضٌ وَيَهْلِكُ بَعْضٌ ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَيُصْطَلَمُونَ " . أَوْ كَمَا قَالَ . لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ .

وَرَوَى الثَّوْرِيُّ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : يَفْتَرِقُ النَّاسُ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلَاثَ فِرَقٍ ، فِرْقَةٌ تَتْبَعُهُ ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِأَرْضِ آبَائِهَا بِمَنَابِتِ الشِّيحِ ، وَفِرْقَةٌ تَأْخُذُ بِشَطِّ الْفُرَاتِ ، يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ ، حَتَّى يَجْتَمِعَ الْمُؤْمِنُونَ بِقُرَى الشَّامِ ، وَيَبْعَثُونَ طَلِيعَةً ، فِيهِمْ فَارِسٌ فَرَسُهُ أَشْقَرُ أَوْ أَبْلَقُ ، فَيُقْتَلُونَ فَلَا يَرْجِعُ مِنْهُمْ بَشَرٌ .

حَدِيثٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ : قَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ : حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الْمَعَافِرِيُّ ، هُوَ الْبُرُلُّسِيُّ - أَحَدُ الثِّقَاتِ - عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو الْوَازِعِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيُدْرِكَنَّ الدَّجَّالَ مَنْ رَآنِي " . أَوْ قَالَ : " لَيَكُونَنَّ قَرِيبًا مِنْ مَوْتِي " . قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ : أَبُو الْوَازِعِ لَا يُعْرَفُ ، وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ . قُلْتُ : وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ شَاهِدٌ لَهُ .

[
ص: 184 ] حَدِيثٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَرِيشِ ، حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ، قَالَ : أَقْبَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ الْعَقِيقِ ، حَتَّى إِذَا كُنَّا مَعَ الثَّنِيَّةِ ، قَالَ : " إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى مَوَاقِعِ عَدُوِّ اللَّهِ الْمَسِيحِ ، إِنَّهُ يُقْبِلُ حَتَّى يَنْزِلَ مِنْ كَذَا ، حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْهِ الْغَوْغَاءُ ، مَا مِنْ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ أَوْ مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهِ ، مَعَهُ صُورَتَانِ; صُورَةُ الْجَنَّةِ ، وَصُورَةُ النَّارِ خَضْرَاءُ ، وَمَعَهُ شَيَاطِينُ يَتَشَبَّهُونَ بِالْأَمْوَاتِ ، يَقُولُ لِلْحَيِّ : تَعْرِفُنِي؟ أَنَا أَخُوكَ ، أَنَا أَبُوكَ ، أَنَا ذُو قُرَابَةٍ مِنْكَ ، أَلَسْتُ قَدْ مِتُّ؟ هَذَا رَبُّنَا فَاتَّبِعْهُ . فَيَقْضِي اللَّهُ مَا شَاءَ مِنْهُ ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ لَهُ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَيُسْكِتُهُ وَيُبَكِّتُهُ ، وَيَقُولُ : هَذَا الْكَذَّابُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، لَا يَغُرَّنَّكُمْ ، فَإِنَّهُ كَذَّابٌ وَيَقُولُ بَاطِلًا ، وَلَيْسَ رَبُّكُمْ بِأَعْوَرَ . فَيَقُولُ : هَلْ أَنْتَ مُتَّبِعِي؟ فَيَأْتِي ، فَيَشُقُّهُ شِقَّتَيْنِ ، وَيَفْصِلُ ذَلِكَ ، وَيَقُولُ : أُعِيدُهُ لَكُمْ؟ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ أَشَدَّ مَا كَانَ تَكْذِيبًا لَهُ ، وَأَشَدَّ شَتْمًا ، فَيَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّمَا رَأَيْتُمْ بَلَاءً ابْتُلِيتُمْ بِهِ ، وَفِتْنَةً افْتُتِنْتُمْ بِهَا ، إِنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيُعِدْنِي مَرَّةً أُخْرَى ، أَلَا هُوَ كَذَّابٌ . فَيَأْمُرُ بِهِ إِلَى هَذِهِ النَّارِ ، وَهَىَ صُورَةُ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ يَخْرُجُ قِبَلَ الشَّامِ " .

[
ص: 185 ] مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ ضَعِيفٌ ، وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ غَرَابَةٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

حَدِيثُ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يُونُسُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ ، عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ ، فَقَالَ : " يَوْمُ الْخَلَاصِ ، وَمَا يَوْمُ الْخَلَاصِ؟! " ثَلَاثًا . فَقِيلَ لَهُ : وَمَا يَوْمُ الْخَلَاصِ . قَالَ : " يَجِيءُ الدَّجَّالُ ، فَيَصْعَدُ أُحُدًا ، فَيَنْظُرُ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ : هَلْ تَرَوْنَ هَذَا الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ ، هَذَا مَسْجِدُ أَحْمَدَ . ثُمَّ يَأْتِي الْمَدِينَةَ ، فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنِقَابِهَا مَلَكًا مُصْلِتًا ، فَيَأْتِي سَبَخَةَ الْجُرْفِ ، فَيَضْرِبُ رُوَاقَهُ ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ ، فَلَا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ ، وَلَا فَاسِقٌ وَلَا فَاسِقَةٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَيْهِ ، فَذَلِكَ يَوْمُ الْخَلَاصِ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ .

ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ ، عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ ، قَالَ : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي ، فَصَعِدَ عَلَى أُحُدٍ ، فَأَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ : " وَيْلَ أُمِّهَا قَرْيَةً! يَدَعُهَا أَهْلُهَا خَيْرَ مَا تَكُونُ - أَوْ كَأَخْيَرِ مَا تَكُونُ - فَيَأْتِيهَا الدَّجَّالُ ، فَيَجِدُ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا مَلَكًا مُصْلِتًا بِجَنَاحِهِ ، فَلَا يَدْخُلُهَا " . قَالَ : ثُمَّ نَزَلَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي ، فَقَالَ لِي : " مَنْ هَذَا؟ " فَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ خَيْرًا ، فَقَالَ : " اسْكُتْ ، لَا تُسْمِعْهُ فَتُهْلِكَهُ " . قَالَ : ثُمَّ أَتَى حُجْرَةَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ ، فَنَفَضَ يَدَهُ مِنْ يَدِي ، وَقَالَ : " إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ [ ص: 186 ] أَيْسَرُهُ " .

حَدِيثٌ آخَرُ : قَالَ مَعْمَرٌ فِي " جَامِعِهِ " ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيُّ ، أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ، فَقَالَ : " يَأْتِي سِبَاخَ الْمَدِينَةِ ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَهَا ، فَتَنْتَفِضُ بِأَهْلِهَا نَفْضَةً أَوْ نَفْضَتَيْنِ ، وَهِيَ الزَّلْزَلَةُ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ ، ثُمَّ يُوَلِّي الدَّجَّالُ قِبَلَ الشَّامِ ، حَتَّى يَأْتِيَ بَعْضَ جِبَالِ الشَّامِ ، وَبَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُعْتَصِمُونَ بِذُرْوَةِ جَبَلٍ ، فَيُحَاصِرُهُمْ نَازِلًا بِأَصْلِهِ ، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ ، قَالَ رَجُلٌ : حَتَّى مَتَى أَنْتُمْ هَكَذَا ، وَعَدُوُّ اللَّهِ نَازِلٌ بِأَصْلِ جَبَلِكُمْ؟ هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا بَيْنَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ; بَيْنَ أَنْ يَسْتَشْهِدَكُمْ أَوْ يُظْهِرَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ . فَتَتَبَايَعُونَ عَلَى الْمَوْتِ بَيْعَةً يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهَا الصِّدْقُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، ثُمَّ تَأْخُذُهُمْ ظُلْمَةٌ لَا يُبْصِرُ امْرُؤٌ كَفَّهُ ، فَيَنْزِلُ ابْنُ مَرْيَمَ ، فَيَحْسِرُ عَنْ أَبْصَارِهِمْ ، وَبَيْنَ أَظْهُرِهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ لَأْمَةٌ ، فَيَقُولُونَ : مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَرُوحُهُ ، وَكَلِمَتُهُ ، عِيسَى ، اخْتَارُوا إِحْدَى ثَلَاثٍ ، بَيْنَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ عَلَى الدَّجَّالِ وَجُنُودِهِ عَذَابًا مِنَ السَّمَاءِ ، أَوْ يَخْسِفَ بِهِمُ الْأَرْضَ ، أَوْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ سِلَاحَكُمْ ، وَيَكُفَّ سِلَاحَهُمْ عَنْكُمْ . فَيَقُولُونَ : هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَشَفَى لِصُدُورِنَا . فَيَوْمَئِذٍ يُرَى الْيَهُودِيُّ الْعَظِيمُ الطَّوِيلُ ، الْأَكُولُ الشَّرُوبُ ، لَا تُقِلُّ يَدُهُ سَيْفَهُ; مِنَ الرِّعْدَةِ ، فَيَنْزِلُونَ إِلَيْهِمْ ، فَيُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ ، وَيَذُوبُ الدَّجَّالُ [ ص: 187 ] حَتَّى يُدْرِكَهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، فَيَقْتُلَهُ " قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ قَوِيُّ الْإِسْنَادِ .

حَدِيثُ نَهِيكِ بْنِ صُرَيْمٍ : قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ : حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الزَّمِنُ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ ، عَنْ نَهِيكِ بْنِ صُرَيْمٍ السَّكُونِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَتُقَاتِلُنَّ الْمُشْرِكِينَ ، حَتَّى تُقَاتِلَ بَقِيَّتُكُمُ الدَّجَّالَ عَلَى نَهَرِ الْأُرْدُنِّ ، أَنْتُمْ شَرْقِيَّهُ ، وَهُوَ غَرْبِيَّهُ " . قَالَ : وَمَا أَدْرِي أَيْنَ الْأُرْدُنُّ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْأَرْضِ؟ وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ . حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ : يَا مُسْلِمُ ، يَا عَبْدَ اللَّهِ ، هَذَا الْيَهُودِيُّ مِنْ خَلْفِي ، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ ، إِلَّا الْغَرْقَدَ; فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ " .

[
ص: 188 ] وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ " . الْحَدِيثَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِطُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ ، وَالظَّاهِرُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّ الْمُرَادَ بِهَؤُلَاءِ التُّرْكِ أَنْصَارُ الدَّجَّالِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ .

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيَنْزِلَنَّ الدَّجَّالُ بِخُوزَ وَكَرْمَانَ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ " . إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ حَسَنٌ .

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : قَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ : حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ ، وَذَكَرَ الدَّجَّالَ ، فَقَالَ : " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا حَذَّرَهُ أُمَّتَهُ ، وَسَأَصِفُهُ لَكُمْ مَا لَمْ يَصِفْهُ نَبِيٌّ قَبْلِي; إِنَّهُ أَعْوَرُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : كَافِرٌ . يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ يَكْتُبُ أَوْ لَا يَكْتُبُ " . هَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ لَمْ يُخْرِجُوهُ .

[
ص: 189 ] طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْعَلَاءِ الثَّقَفِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمَدِينَةُ وَمَكَّةُ مَحْفُوفَتَانِ بِالْمَلَائِكَةِ ، عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهُمَا مَلَكٌ لَا يَدْخُلُهُمَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ " . هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا ، وَذِكْرُ مَكَّةَ فِي هَذَا لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ ، أَوْ ذِكْرُ الطَّاعُونِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَالْعَلَاءُ الثَّقَفِيُّ هَذَا إِنْ كَانَ ابْنَ زَيْدَلٍ ، فَهُوَ كَذَّابٌ .

طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ : قَالَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ : حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ عِمَارَةَ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : مَازِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلَاثٍ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ " . قَالَ : وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِي " . قَالَ : وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعْتِقِيهَا; فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ " .

حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ ، عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَمِعَ [ ص: 190 ] بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ ، مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ " أَوْ لِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ " . هَكَذَا قَالَ . تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ . وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ ، عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ ، فَمَا يَزَالُ بِهِ - لِمَا مَعَهُ مِنَ الشُّبَهِ - حَتَّى يَتَّبِعَهُ " . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ ، وَأَبُو الدَّهْمَاءِ - وَاسْمُهُ قِرْفَةُ بْنُ بُهَيْسٍ الْعَدَوِيُّ - ثِقَةٌ .

وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ ، وَمَشَى فِي الْأَسْوَاقِ " . يَعْنِي الدَّجَّالَ .

حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ ، حَدَّثَنَا بِحِيرٌ ، عَنْ خَالِدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ [ ص: 191 ] جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ ، حَتَّى خَشِيتُ أَلَّا تَعْقِلُوا ، إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ رَجُلٌ قَصِيرٌ ، أَفْحَجُ ، جَعْدٌ ، أَعْوَرُ ، مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ ، وَلَا حَجْرَاءَ ، فَإِنْ لُبِّسَ عَلَيْكُمْ ، فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ " . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، كُلُّهُمْ عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ ، بِهِ .

حَدِيثٌ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ، أَنَّهَا شَكَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَاجَةَ ، فَقَالَ : " كَيْفَ بِكُمْ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِعَبْدٍ قَدْ سُخِّرَتْ لَهُ أَنْهَارُ الْأَرْضِ وَثِمَارُهَا ، فَمَنِ اتَّبَعَهُ أَطْعَمَهُ وَأَكْفَرَهُ ، وَمَنْ عَصَاهُ حَرَمَهُ وَمَنَعَهُ؟ " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ الْجَارِيَةَ لَتُخْلَفَنَّ عَلَى التَّنُّورِ سَاعَةً تَخْبِزُهَا ، فَأَكَادُ أَفْتَتِنُ بِهَا فِي صَلَاتِي ، فَكَيْفَ بِنَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ [ ص: 192 ] لَيَعْصِمُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يَعْصِمُ بِهِ الْمَلَائِكَةَ مِنَ التَّسْبِيحِ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : كَافِرٌ ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ " .

حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ : قَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، قَالَ : مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُ . قَالَ : " وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ؟ إِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ مَعَهُ الطَّعَامَ وَالْأَنْهَارَ . قَالَ : " هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ " .

حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ قَيْسٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ . قَالَ : " وَمَا سُؤَالُكَ؟ " . قَالَ : قُلْتُ : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ : مَعَهُ جِبَالٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ ، وَنَهْرٌ مِنْ مَاءٍ . قَالَ " هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ " .

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي الِاسْتِئْذَانِ ، مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ، عَنْ مُسَدَّدٍ ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ، بِهِ .

[
ص: 193 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَاءَهُ نَارٌ ، وَنَارَهُ مَاءٌ بَارِدٌ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ .

وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، كَابْنِ حَزْمٍ وَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِي أَنَّ الدَّجَّالَ مُمَخْرِقٌ مُمَوِّهٌ ، لَا حَقِيقَةَ لِمَا يُبْدِي لِلنَّاسِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُشَاهَدُ فِي زَمَانِهِ ، بَلْ كُلُّهَا خَيَالَاتٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ . وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ حَقِيقَةٌ; لِئَلَّا يَشْتَبِهَ خَارِقُ السَّاحِرِ بِخَارِقِ النَّبِيِّ . وَقَدْ أَجَابَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الدَّجَّالَ إِنَّمَا يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِبَشَرِيَّتِهِ ، فَلَا يَمْتَنِعُ إِجْرَاءُ الْخَارِقِ عَلَى يَدَيْهِ ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ .

وَقَدْ أَنْكَرَتْ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ خُرُوجَ الدَّجَّالِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَرَدُّوا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِيهِ ، فَلَمْ يَصْنَعُوا شَيْئًا ، وَخَرَجُوا بِذَلِكَ عَنْ حَيِّزِ الْعُلَمَاءِ; لِرَدِّهِمْ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَفِيهِ كِفَايَةٌ وَمَقْنَعٌ ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ .

وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ الدَّجَّالَ يَمْتَحِنُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ بِمَا يَخْلُقُهُ مَعَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ الْمُشَاهَدَةِ فِي زَمَانِهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنِ اسْتَجَابَ لَهُ يَأْمُرُ السَّمَاءَ [ ص: 194 ] فَتُمْطِرُهُمْ ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ لَهُمْ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ ، وَأَنْفُسُهُمْ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيهِمْ سِمَانًا لَبَنًا ، وَمَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ تُصِيبُهُمُ السَّنَةُ وَالْجَدْبُ وَالْقَحْطُ وَالْغُلَّةُ وَمَوْتُ الْأَنْعَامِ وَنَقْصُ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ، وَأَنَّهُ يَتْبَعُهُ كُنُوزُ الْأَرْضِ كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ، وَأَنَّهُ يَقْتُلُ ذَلِكَ الشَّابَّ ثُمَّ يُحْيِيهِ ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِمَخْرَقَةٍ ، بَلْ لَهُ حَقِيقَةٌ امْتَحَنَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ، فَيُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ، وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ، يَكْفُرُ الْمُرْتَابُونَ ، وَيَزْدَادُ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا .

وَقَدْ حَمَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَعْنَى الْحَدِيثِ : " هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ " . أَيْ هُوَ أَقَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَا يُضِلُّ بِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُ نَاقِصٌ ، ظَاهِرُ النَّقْصِ وَالْفُجُورِ وَالظُّلْمِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا مَعَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ; فَبَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ : كَافِرٌ . كِتَابَةً ظَاهِرَةً ، وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ الشَّارِعُ فِي خَبَرِهِ بِقَوْلِهِ : " كَ فَ رَ " . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كِتَابَةٌ حِسِّيَّةٌ ، لَا مَعْنَوِيَّةٌ ، كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ ، وَعَيْنُهُ الْوَاحِدَةُ عَوْرَاءُ شَنِيعَةُ الْمَنْظَرِ نَاتِئَةٌ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : " كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ " . أَيْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ ، وَمَنْ رَوَى ذَلِكَ : " طَافِئَةٌ " . فَمَعْنَاهُ : لَا ضَوْءَ فِيهَا . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : " كَأَنَّهَا نُخَامَةٌ عَلَى حَائِطٍ مُجَصَّصٍ " . أَيْ بَشِعَةُ الشَّكْلِ .

وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ عَيْنَهُ الْيُمْنَى عَوْرَاءُ ، وَجَاءَ فِي بَعْضِهَا : الْيُسْرَى . فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ غَيْرَ مَحْفُوظَةٍ ، أَوْ أَنَّ الْعَوَرَ [ ص: 195 ] حَاصِلٌ فِي كُلٍّ مِنَ الْعَيْنَيْنِ ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْعَوَرِ النَّقْصَ وَالْعَيْبَ ، وَيُقَوِّي هَذَا الْجَوَابَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ وَأَبُو خَلِيفَةَ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ ، حَدَّثَنَا سِمَاكٌ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الدَّجَّالُ جَعْدٌ هِجَانٌ أَقْمَرُ ، كَأَنَّ رَأْسَهُ غُصْنُ شَجَرَةٍ ، مَطْمُوسُ عَيْنِهِ الْيُسْرَى ، وَالْأُخْرَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ " . الْحَدِيثَ . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ سِمَاكٍ بِنَحْوِهِ . لَكِنْ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ : " وَعَيْنُهُ الْأُخْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ " .

وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ الْوَاحِدَةُ غَلَطًا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ عَوْرَاءُ فِي نَفْسِهَا ، وَالْأُخْرَى عَوْرَاءُ بِاعْتِبَارِ انْفِرَادِهَا . وَاللَّهُ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

وَقَدْ سَأَلَ سَائِلٌ سُؤَالًا ، فَقَالَ : مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الدَّجَّالَ مَعَ كَثْرَةِ شَرِّهِ وَفُجُورِهِ ، وَانْتِشَارِ أَمْرِهِ ، وَدَعْوَاهُ الرُّبُوبِيَّةَ ، وَهُوَ فِي ذَاكَ ظَاهِرُ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ ، وَقَدْ حَذَّرَ مِنْهُ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ ، كَيْفَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ ، وَيُبَصَّرْ مِنْهُ ، وَيُصَرَّحْ بِاسْمِهِ ، وَيُنَوَّهْ بِكَذِبِهِ وَعِنَادِهِ؟ .

وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ; أَحَدُهَا أَنَّهُ قَدْ أُشِيرَ إِلَى ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [ ص: 196 ] الْآيَةَ [ الْأَنْعَامِ : 158 ] .

فَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِهَا : حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا الدَّجَّالُ ، وَالدَّابَّةُ ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ - أَوْ مِنْ مَغْرِبِهَا " . ثُمَّ قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .

الثَّانِي : أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَكَمَا سَيَأْتِي ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ نُزُولُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لِيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [ النِّسَاءِ : 158 ، 159 ] .

وَقَدْ قَرَّرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : قَبْلَ مَوْتِهِ . عَائِدٌ عَلَى عِيسَى ، أَيْ سَيَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ ، وَيُؤْمِنُ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا ، فَمِنْ مُدِّعِي الْإِلَهِيَّةِ كَالنَّصَارَى ، وَمِنْ قَائِلٍ فِيهِ قَوْلًا عَظِيمًا ، وَهُوَ أَنَّهُ وَلَدُ زَنْيَةٍ ، وَهُمُ الْيَهُودُ ، وَمِنْ قَائِلٍ أَنَّهُ قُتِلَ وَصُلِبَ وَمَاتَ . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَحَقَّقَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ كَذِبَ نَفْسِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ فِيهِ مِنَ الِافْتِرَاءِ ، وَسَنُقَرِّرُ هَذَا قَرِيبًا . وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ ذِكْرُ نُزُولِ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِشَارَةً إِلَى ذِكْرِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ مَسِيحِ الضَّلَالَةِ ، وَهُوَ ضِدُّ مَسِيحِ الْهُدَى ، وَمِنْ [ ص: 197 ] عَادَةِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَكْتَفِي بِذِكْرِ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ .

الثَّالِثُ : أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ بِصَرِيحِ اسْمِهِ فِي الْقُرْآنِ احْتِقَارًا لَهُ ، حَيْثُ إِنَّهُ يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ وَهُوَ بَشَرٌ ، وَهُوَ مَعَ بَشَرِيَّتِهِ نَاقِصُ الْخَلْقِ يُنَافِي حَالُهُ جَلَالَ الرَّبِّ وَعَظَمَتَهُ وَكِبْرِيَاءَهُ وَتَنْزِيهَهُ عَنِ النَّقْصِ ، فَكَانَ أَمْرُهُ عِنْدَ الرَّبِّ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ ، وَأَصْغَرَ ، وَأَدْحَرَ مِنْ أَنْ يُجْلَى عَنْ أَمْرِ دَعْوَاهُ وَيُحَذَّرَ ، وَلَكِنِ انْتَصَرَ الرُّسُلُ لِجَنَابِ الرَّبِّ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَجَلَوْا لِأُمَمِهِمْ عَنْ أَمْرِهِ ، وَحَذَّرُوهُمْ مَا مَعَهُ مِنَ الْفِتَنِ الْمُضِلَّةِ ، وَالْخَوَارِقِ الْمُنْقَضِيَةِ الْمُضْمَحِلَّةِ ، فَاكْتَفَى بِإِخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَتَوَاتَرَ ذَلِكَ عَنْ سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ عَنْ أَنْ يَذْكُرَ أَمْرَهُ الْحَقِيرَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَلَالِ اللَّهِ ، فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَوَكَلَ بَيَانَ أَمْرِهِ إِلَى كُلِّ نَبِيٍّ كَرِيمٍ .

فَإِنْ قُلْتَ : فَقَدْ ذُكِرَ فِرْعَوْنُ فِي الْقُرْآنِ ، وَقَدِ ادَّعَى مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْإِلَهِيَّةِ وَالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ; حَيْثُ قَالَ : أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [ النَّازِعَاتِ : 24 ] . وَقَالَ : يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [ الْقَصَصِ : 38 ] . فَالْجَوَابُ أَنَّ أَمْرَ فِرْعَوْنَ قَدِ انْقَضَى ، وَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَعَاقِلٍ ، وَأَمْرُ الدَّجَّالِ سَيَأْتِي ، وَهُوَ كَائِنٌ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فِتْنَةً وَاخْتِبَارًا لِلْعِبَادِ ، فَتُرِكَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ احْتِقَارًا لَهُ ، وَامْتِحَانًا بِهِ ، إِذْ أَمْرُهُ وَكَذِبُهُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهِ ، وَيُحَذَّرَ مِنْهُ ، وَقَدْ يُتْرَكُ ذِكْرُ الشَّيْءِ لِوُضُوحِهِ ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَدْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مِنْ بَعْدِهِ ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ ، وَقَالَ : " يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ " . فَتَرَكَ نَصَّهُ عَلَيْهِ لِوُضُوحِ جَلَالَتِهِ ، وَعَظِيمِ [ ص: 198 ] قَدْرِهِ عِنْدَ الصَّحَابَةِ ، وَعَلِمَ ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، أَنَّهُمْ لَا يَعْدِلُونَ بِهِ أَحَدًا بَعْدَهُ ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْأَمْرُ ، وَلِهَذَا يُذْكَرُ هَذَا الْحَدِيثُ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ .

وَهَذَا الْمَقَامُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ، وَهُوَ أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ ظُهُورُهُ كَافِيًا عَنِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ وَأَجْلَى مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ مَعَهُ إِلَى زِيَادَةِ إِيضَاحٍ عَلَى مَا فِي الْقُلُوبِ مُسْتَقِرٌّ ، فَالدَّجَّالُ وَاضِحُ الذَّمِّ ظَاهِرُ النَّقْصِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَقَامِ الَّذِي يَدَّعِيهِ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ ، فَتَرَكَ اللَّهُ ذِكْرَهُ وَالنَّصَّ عَلَيْهِ; لِمَا يَعْلَمُ تَعَالَى مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ مِثْلَ الدَّجَّالِ لَا يَخْفَى ضَلَالُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَهِيضُهُمْ ، وَلَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ، وَتَصْدِيقًا لِلْحَقِّ ، وَرَدًّا لِلْبَاطِلِ .

وَلِهَذَا يَقُولُ ذَلِكَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُسَلَّطُ عَلَيْهِ الدَّجَّالُ فَيَقْتُلُهُ ، ثُمَّ يُحْيِيهِ : وَاللَّهِ مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً ، أَنْتَ الْأَعْوَرُ الْكَذَّابُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ سَمِعَ خَبَرَ الدَّجَّالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِفَاهًا .

وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ الْفَقِيهُ الرَّاوِي لِلصَّحِيحِ عَنْ مُسْلِمٍ ، فَحَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ الْخَضِرُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ مَعْمَرٍ فِي " جَامِعِهِ " .

[
ص: 199 ] وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " ، وَالتِّزْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ " ، بِإِسْنَادِهِمْ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَعَلَّهُ سَيُدْرِكُهُ مَنْ رَآنِي ، وَسَمِعَ كَلَامِي " . وَهَذَا مِمَّا قَدْ يَتَقَوَّى بِهِ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا ، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ غَرَابَةٌ ، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُبَيَّنَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِ الدَّجَّالِ مَا بُيِّنَ فِي ثَانِي الْحَالِ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي قِصَّةِ الْخَضِرِ كَلَامَ النَّاسِ فِي حَيَاتِهِ ، وَدَلَّلْنَا عَلَى وَفَاتِهِ بِأَدِلَّةٍ أَسْلَفْنَاهَا هُنَالِكَ ، فَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَتَأَمَّلْهَا فِي قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

 

ذكر ما يعصم من الدجال


ذِكْرُ مَا يَعْصِمُ مِنَ الدَّجَّالِ فَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ فِتْنَتِهِ ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ ، مِنْ غَيْرِ [ ص: 200 ] وَجْهٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ فِي الصَّلَاةِ ، وَأَنَّهُ أَمَرَ أُمَّتَهُ بِذَلِكَ أَيْضًا : " اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " . وَذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَعَائِشَةَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَسَعْدٍ ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، وَغَيْرِهِمْ .

قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ : وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنَ الدَّجَّالِ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَمِنْ ذَلِكَ حِفْظُ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ ، كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ، حَدَّثَنَا هُشَامٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ مَعْدَانَ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مَنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ " . قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَكَذَا قَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ حَفِظَ مِنْ خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْكَهْفِ " . وَقَالَ شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ : " مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ " .

[
ص: 201 ] وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ ، وَهِشَامٍ ، وَشُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، بِهِ ، بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ : " الثَّلَاثُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ " . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، وَعَفَّانَ وَعَبْدِ الصَّمَدِ ، عَنْ هَمَّامٍ ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ : " مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ " .

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ رَوْحٍ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ قَتَادَةَ بِمِثْلِهِ ، وَرَوَاهُ عَنْ حُسَيْنٍ ، عَنْ شَيْبَانَ ، عَنْ قَتَادَةَ كَذَلِكَ ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ غُنْدَرٍ وَحَجَّاجٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ وَقَالَ : " مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ " .

وَمِنْ ذَلِكَ الِابْتِعَادُ عَنْهُ فَلَا يَرَاهُ; فَإِنَّ مَنْ رَآهُ افْتَتَنَ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : " مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ; لِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ " .

[
ص: 202 ] وَمِمَّا يَعْصِمُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَمَكَّةَ ، شَرَّفَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، مِنْ حَدِيثِ الْإِمَامِ مَالِكٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ ، لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ " .

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ; لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ " . وَقَدْ رَوَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصِّحَابَةِ مِنْهُمْ; أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ ، وَمِحْجَنُ بْنُ الْأَدْرَعِ ، كَمَا تَقَدَّمَ .

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَأْتِي الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ ، فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا ، فَلَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ " . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُوسَى ، وَإِسْحَاقِ بْنِ أَبِي عِيسَى ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، وَمِحْجَنٍ ، وَأُسَامَةَ ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ تَمَنَعُهُ الْمَلَائِكَةُ; لِشَرَفِ هَاتَيْنِ [ ص: 203 ] الْبُقْعَتَيْنِ ، فَهُمَا حَرَمَانِ آمِنَانِ ، وَإِنَّمَا إِذَا نَزَلَ عِنْدَ سَبَخَةِ الْمَدِينَةِ تَرْجُفُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ ، إِمَّا حِسًّا ، وَإِمَّا مَعْنًى ، عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ ، فَيَوْمَئِذٍ تَنْفِي الْمَدِينَةُ خَبَثَهَا ، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا ، كَمَا تَقَدَّمَ .

 

ملخص سيرة الدجال
 

مُلَخَّصُ سِيرَةِ الدَّجَّالِ ، لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى

هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ ، خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، لِيَكُونَ مِحْنَةً وَاخْتِبَارًا لِلنَّاسِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، فَيُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ، وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ، وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ .

وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ، فِي " تَارِيخِهِ " ، مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : كُنْيَةُ الدَّجَّالِ أَبُو يُوسُفَ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي ذَرٍّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، أَنَّهُ ابْنُ صَيَّادٍ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَمْكُثُ أَبَوَا الدَّجَّالِ ثَلَاثِينَ عَامًا لَا يُولَدُ لَهُمَا ، ثُمَّ يُولَدُ لَهُمَا غُلَامٌ أَعْوَرُ أَضَرُّ شَيْءٍ ، وَأَقَلُّهُ نَفْعًا ، تَنَامُ عَيْنَاهُ ، وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ " . ثُمَّ نَعَتَ أَبَوَيْهِ ، فَقَالَ : " أَبُوهُ رَجُلٌ طَوِيلٌ ، مُضْطَرِبُ اللَّحْمِ ، طَوِيلُ الْأَنْفِ ، كَأَنَّ أَنْفَهُ مِنْقَارٌ ، وَأُمُّهُ امْرَأَةٌ [ ص: 204 ] فِرْضَاخِيَّةٌ ، عَظِيمَةُ الثَّدْيَيْنِ " . قَالَ : فَبَلَغَنَا أَنَّ مَوْلُودًا مِنَ الْيَهُودِ وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبَوَيْهِ ، فَرَأَيْنَا فِيهِمَا نَعْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِذَا هُوَ مُنْجَدِلٌ فِي الشَّمْسِ فِي قَطِيفَةٍ ، لَهُ هَمْهَمَةٌ ، فَسَأَلْنَا أَبَوَيْهِ ، فَقَالَا : مَكَثْنَا ثَلَاثِينَ عَامًا لَا يُولَدُ لَنَا ، ثُمَّ وُلِدَ لَنَا غُلَامٌ أَعْوَرُ ، أَضَرُّ شَيْءٍ ، وَأَقَلُّهُ نَفْعًا . فَلَمَّا خَرَجْنَا مَرَرْنَا بِهِ ، فَقَالَ : مَا كُنْتُمَا فِيهِ؟ قُلْنَا : وَسَمِعْتَ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِنَّهُ تَنَامُ عَيْنَايَ ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي . فَإِذَا هُوَ ابْنُ صَيَّادٍ . وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ . قُلْتُ : بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ جِدًّا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ كَانَ ابْنُ صَيَّادٍ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ ، وَقِيلَ : كَانَ مِنَ الْأَنْصَارِ . وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ، وَيُقَالُ : صَافُ . وَقَدْ جَاءَ هَذَا وَهَذَا ، وَقَدْ يَكُونُ أَصْلَ اسْمِهِ صَافُ ، ثُمَّ تَسَمَّى لَمَّا أَسْلَمَ بِعَبْدِ اللَّهِ ، وَكَانَ ابْنُهُ عُمَارَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الدَّجَّالَ غَيْرُ ابْنِ صَيَّادٍ ، وَأَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ كَانَ دَجَّالًا مِنَ الدَّجَاجِلَةِ ، ثُمَّ تِيبَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ .

[
ص: 205 ] وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِضَمِيرِهِ وَسَرِيرَتِهِ .

وَأَمَّا الدَّجَّالُ الْأَكْبَرُ فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، الَّذِي رَوَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، وَفِيهِ قِصَّةُ الْجَسَّاسَةِ ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، بَعْدَ فَتْحِ الْمُسْلِمِينَ مَدِينَةَ الرُّومِ الْمُسَمَّاةَ بِقُسْطَنْطِينِيَّةَ ، فَيَكُونُ بُدُوُّ ظُهُورِهِ مِنْ أَصْبَهَانَ مِنْ حَارَةٍ بِهَا يُقَالُ لَهَا : الْيَهُودِيَّةُ . وَيَنْصُرُهُ مِنْ أَهْلِهَا سَبْعُونَ أَلْفَ يَهُودِيٍّ ، عَلَيْهِمُ الْأَسْلِحَةُ وَالسِّيجَانُ ، وَهَى الطَّيَالِسَةُ الْخُضْرُ ، وَكَذَلِكَ يَنْصُرُهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ التَّتَارِ ، وَخَلْقٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ ، فَيَظْهَرُ أَوَّلًا فِي صُورَةِ مَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ الْجَبَابِرَةِ ، ثُمَّ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ ، ثُمَّ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ ، فَيَتْبَعُهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَهَلَةُ مِنْ بُنِيَ آدَمَ ، وَالطَّغَامُ مِنَ الرَّعَاعِ وَالْعَوَامِّ ، وَيُخَالِفُهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ ، وَحِزْبِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ ، وَيَتَدَنَّى فَيَأْخُذُ الْبِلَادَ بَلَدًا بَلَدًا ، وَحِصْنًا حِصْنًا ، وَإِقْلِيمًا إِقْلِيمًا ، وَكُورَةً كُورَةً ، وَلَا يَبْقَى بَلَدٌ مِنَ الْبِلَادِ إِلَّا وَطِئَهُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ ، غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، وَمُدَّةُ مُقَامِهِ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا ، يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِ النَّاسِ هَذِهِ ، وَمُعَدَّلُ ذَلِكَ سَنَةٌ وَشَهْرَانِ وَنِصْفٌ ، وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ خَوَارِقَ كَثِيرَةً ، يُضِلُّ بِهَا مَنْ [ ص: 206 ] يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَيَثْبُتُ مَعَهَا الْمُؤْمِنُونَ ، فَيَزْدَادُونَ بِهَا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ، وَهُدًى إِلَى هُدَاهُمْ ، وَيَكُونُ نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، مَسِيحِ الْهُدَى فِي أَيَّامِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ مَسِيحِ الضَّلَالَةِ عَلَى الْمَنَارَةِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ ، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ ، وَيَلْتَفِتُ مَعَهُ عِبَادُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ ، فَيَسِيرُ بِهِمْ قَاصِدًا نَحْوَ الدَّجَّالِ ، وَقَدْ تَوَجَّهَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ عَقَبَةِ أَفِيقَ ، فَيَنْهَزِمُ مِنْهُ الدَّجَّالُ ، فَيَلْحَقُهُ عِنْدَ بَابِ مَدِينَةِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ بِحَرْبَتِهِ ، وَهُوَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا ، وَيَقُولُ لَهُ : إِنَّ لِي فِيكَ ضَرْبَةً لَنْ تَفُوتَنِي . وَإِذَا وَاجَهَهُ الدَّجَّالُ انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ ، فَتَكُونُ وَفَاتُهُ هُنَالِكَ ، لَعَنَهُ اللَّهُ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَكَمَا سَيَأْتِي .

وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَمِّي مُجَمِّعَ بْنَ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ " .

[
ص: 207 ] وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ ، عَنِ اللَّيْثِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، بِهِ . وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، بِهِ . وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، بِهِ . وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، فَهُوَ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِهِ ، وَإِسْنَادُهُ مِنْ بَعْدِهِ ثِقَاتٌ ، وَلِهَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ : هَذَا حَدِيثٌ " صَحِيحٌ . قَالَ : وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، وَنَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ ، وَأَبِي بَرْزَةَ ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَكَيْسَانَ ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ ، وَجَابِرٍ ، وَأَبِي أُمَامَةَ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ، وَالنَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ ، وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ .

وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ يَهُودِيًّا عَنِ الدَّجَّالِ ، فَقَالَ : وَإِلَهِ يَهُودَ لَيَقْتُلَنَّهُ ابْنُ مَرْيَمَ بِفِنَاءِ لُدٍّ .

 

. صفة الدجال


[ ص: 208 ]صِفَةُ الدَّجَّالِ ، قَبَّحَهُ اللَّهُ وَلَعَنَهُ وَأَخْزَاهُ وَأَخَسَاهُ

قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ أَعْوَرُ ، وَأَنَّهُ أَزْهَرُ هِجَانٌ فَيْلَمَانِيٌّ ، وَهُوَ كَثِيرُ الشَّعْرِ ، وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ قَصِيرٌ أَفْحَجُ . وَفِي حَدِيثٍ أَنَّهُ طَوِيلٌ ، وَجَاءَ أَنَّ مَا بَيْنَ أُذُنَيْ حِمَارِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ ، وَيُرْوَى فِي حَدِيثٍ آخَرَ : سَبْعُونَ بَاعًا . وَلَا يَصِحُّ ، وَفِي الْأَوَّلِ نَظَرٌ .

وَقَالَ عَبْدَانُ فِي كِتَابِ " مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ " : رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ ، عَنْ حَوْطٍ الْعَبْدِيِّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : أُذُنُ حِمَارِ الدَّجَّالِ تُظِلُّ سَبْعِينَ أَلْفًا .

قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ : حَوْطٌ مَجْهُولٌ ، وَالْخَبَرُ مُنْكَرٌ .

وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ، وَإِنَّ رَأْسَهُ مِنْ وَرَائِهِ كَأَنَّهُ أَصَلَةٌ - أَيْ حَيَّةٌ - لَعَلَّهُ طَوِيلُ الرَّأْسِ .

وَقَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ : دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا النَّاسُ قَدْ تَكَابُّوا عَلَى رَجُلٍ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ بَعْدِيَ الْكَذَّابَ الْمُضِلَّ ، وَإِنَّ رَأْسَهُ مِنْ [ ص: 209 ] وَرَائِهِ حُبُكٌ حُبُكٌ " . وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَمَعْنَى حُبُكٍ أَيْ : جَعْدٌ خَشِنٌ ، كَقَوْلِهِ : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ [ الذَّارِيَاتِ : 7 ] .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ وَأَبُو النَّضْرِ ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ ، الْمَعْنَى ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ ، وَقَدْ بُيِّنَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، وَمَسِيحُ الضَّلَالَةِ . فَكَانَ تَلَاحٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بِسُدَّةِ الْمَسْجِدِ ، فَأَتَيْتُهُمَا; لِأَحْجِزَ بَيْنَهُمَا ، فَأَنْسَيْتُهُمَا ، وَسَأَشْدُو لَكُمْ مِنْهُمَا شَدْوًا ، أَمَّا لَيْلَةُ الْقَدْرِ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَتْرًا ، وَأَمَّا مَسِيحُ الضَّلَالَةِ ، فَإِنَّهُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ ، أَجْلَى الْجَبْهَةِ ، عَرِيضُ النَّحْرِ ، فِيهِ دُفًا ، كَأَنَّهُ قَطَنُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى " . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ يَضُرُّنِي شَبَهُهُ؟ قَالَ : " لَا . أَنْتَ امْرُؤٌ مُسْلِمٌ ، وَهُوَ امْرُؤٌ كَافِرٌ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ; وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى ( ح ) ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ الْأَصْبَهَانِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَنْبَسَةَ قَالَا : حَدَّثَنَا [ ص: 210 ] سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ ، حَدَّثَنَا حَلَّامُ بْنُ صَالِحٍ ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ شِهَابٍ الْعَبْسِيُّ قَالَ : نَزَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَغْنَمٍ ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " الدَّجَّالُ لَيْسَ بِهِ خَفَاءٌ ، إِنَّهُ يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ، فَيَدْعُو إِلَى حَقٍّ ، فَيُتَّبَعُ ، وَيَنْتَصِبُ لِلنَّاسِ فَيُقَاتِلُهُمْ ، فَيَظْهَرُ عَلَيْهِمْ ، فَلَا يَزَالُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَقْدَمَ الْكُوفَةَ ، فَيُظْهِرُ دِينَ اللَّهِ ، وَيَعْمَلُ بِهِ ، فَيُتَّبَعُ وَيُحَبُّ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ : إِنِّي نَبِيٌّ . فَيَفْزَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلُّ ذِي لُبٍّ وَيُفَارِقُهُ ، فَيَمْكُثُ بَعْدَ ذَلِكَ ، حَتَّى يَقُولَ : أَنَا اللَّهُ . فَتَعْمَشُ عَيْنُهُ ، وَتُقْطَعُ أُذُنُهُ ، وَيُكْتَبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ، فَلَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، فَيُفَارِقُهُ كُلُّ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ، وَيَكُونُ أَصْحَابُهُ وَجُنُودُهُ الْمَجُوسَ وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ، وَهَذِهِ الْأَعَاجِمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، ثُمَّ يَدْعُو بِرَجُلٍ فِيمَا يَرَوْنَ ، فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُقْتَلُ ، ثُمَّ يُقَطِّعُ أَعْضَاءَهُ ، كُلَّ عُضْوٍ عَلَى حِدَةٍ ، فَيُفَرِّقُ بَيْنَهَا حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهَا ، ثُمَّ يَضْرِبُهُ بِعَصَاهُ ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ ، فَيَقُولُ : أَنَا اللَّهُ ، أُحْيِي وَأُمِيتُ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ سِحْرٌ يَسْحَرُ بِهِ أَعْيُنَ النَّاسِ ، لَيْسَ يَصْنَعُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا " .

قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ : وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ مُوسَى خَتٌّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيِّ ، وَهُوَ وَاهٍ ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّجَّالِ : هُوَ صَافِي بْنُ صَائِدٍ ، يَخْرُجُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ عَلَى حِمَارٍ أَبْتَرَ ، مَا بَيْنَ [ ص: 211 ] أُذُنَيْهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا ، وَمَا بَيْنَ حَافِرِهِ إِلَى الْحَافِرِ الْآخَرِ أَرْبَعُ لَيَالٍ ، يَتَنَاوَلُ السَّمَاءَ بِيَدِهِ ، أَمَامَهُ جَبَلٌ مِنْ دُخَانٍ ، وَخَلْفَهُ جَبَلٌ آخَرُ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ، يَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ، أَتْبَاعُهُ أَصْحَابُ الرِّبَا وَأَوْلَادُ الزِّنَا . رَوَاهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي فِي كِتَابِ " أَخْبَارِ الدَّجَّالِ " ، وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ .

 

=================*======

خبر عجيب ونبأ غريب في الدحال

 

خَبَرٌ عَجِيبٌ ، وَنَبَأٌ غَرِيبٌ

قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي " كِتَابِ الْفِتَنِ " : حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ حُسَيْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَيْنَ أُذُنَيْ حِمَارِ الدَّجَّالِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا ، وَخُطْوَةُ حِمَارِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، يَخُوضُ الْبَحْرَ كَمَا يَخُوضُ أَحَدُكُمُ السَّاقِيَةَ ، وَيَقُولُ : أَنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ، وَهَذِهِ الشَّمْسُ تَجْرِي بِإِذْنِي ، أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أَحْبِسَهَا؟ فَتُحْبَسُ الشَّمْسُ ، حَتَّى يُجْعَلَ الْيَوْمُ كَالشَّهْرِ وَالْجُمُعَةِ ، وَيَقُولُ : أَتُرِيدُونَ أَنْ أُسَيِّرَهَا؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ . فَيُجْعَلُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ ، وَتَأْتِيهِ الْمَرْأَةُ فَتَقُولُ : يَا رَبِّ; أَحْيِ لِي ابْنِي ، وَأَحْيِ لِي زَوْجِي . حَتَّى إِنَّهَا تُعَايِنُ شَيَاطِينَ عَلَى صُوَرِهِمْ ، . وَبُيُوتُهُمْ مَمْلُوءَةٌ شَيَاطِينَ ، وَيَأْتِيهِ الْأَعْرَابُ فَتَقُولُ : يَا رَبَّنَا ، أَحْيِ لَنَا إِبِلَنَا وَغَنَمَنَا . فَيُعْطِيهِمْ شَيَاطِينَ أَمْثَالَ إِبِلِهِمْ وَغَنَمِهِمْ ، سَوَاءً بِالسِّنِّ وَالسِّمَةِ ، فَيَقُولُونَ : لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا رَبَّنَا لَمْ يُحْيِ لَنَا مَوْتَانَا . وَمَعَهُ جَبَلٌ مِنْ مَرَقٍ وَعُرَاقِ [ ص: 212 ] اللَّحْمِ ، حَارٌّ لَا يَبْرَدُ ، وَنَهْرٌ جَارٍ ، وَجَبَلٌ مِنْ جِنَانٍ وَخُضْرَةٍ ، وَجَبَلٌ مِنْ نَارٍ وَدُخَانٍ ، يَقُولُ : هَذِهِ جَنَّتِي وَهَذِهِ نَارِي ، وَهَذَا طَعَامِي وَهَذَا شَرَابِي . وَالْيَسَعُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، مَعَهُ يُنْذِرُ النَّاسَ مِنْهُ; يَقُولُ : هَذَا الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ فَاحْذَرُوهُ ، لَعَنَهُ اللَّهُ . وَيُعْطِيهِ اللَّهُ مِنَ السُّرْعَةِ وَالْخِفَّةِ مَا لَا يَلْحَقُهُ الدَّجَّالُ ، فَإِذَا قَالَ : أَنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ . قَالَ لَهُ النَّاسُ : كَذَبْتَ . وَيَقُولُ الْيَسَعُ : صَدَقَ النَّاسُ . فَيَمُرُّ بِمَكَّةَ ، فَإِذَا هُوَ بِخَلْقٍ عَظِيمٍ ، فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ : أَنَا مِيكَائِيلُ ، بَعَثَنِي اللَّهُ أَنْ أَمْنَعَهُ مِنْ حَرَمِهِ . وَيَمُرُّ بِالْمَدِينَةِ ، فَإِذَا هُوَ بِخَلْقٍ عَظِيمٍ ، فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ : أَنَا جِبْرِيلُ ، بَعَثَنِي اللَّهُ لِأَمْنَعهُ مِنْ حَرَمِ رَسُولِهِ . فَيَمُرُّ الدَّجَّالُ بِمَكَّةَ ، فَإِذَا رَأَى مِيكَائِيلَ وَلَّى هَارِبًا ، فَيَصِيحُ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ مُنَافِقُوهَا ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ . وَيَأْتِي النَّذِيرُ إِلَى الَّذِينَ فَتَحُوا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ ، وَمَنْ تَأْلَّفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ وَخَلَفَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ " . قَالَ : " فَيَتَنَاوَلُ الدَّجَّالُ ذَلِكَ ، فَيَقُولُ : هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ ، فَاقْتُلُوهُ . فَيُنْشَرُ فَيَقُولُ : أَنَا أُحْيِيهِ ، قُمْ . فَيَأْذَنُ اللَّهُ بِإِحْيَائِهِ ، وَلَا يَأْذَنُ بِإِحْيَاءِ نَفْسٍ غَيْرِهَا ، فَيَقُولُ : أَلَيْسَ قَدْ أَمَتُّكَ ثُمَّ أَحْيَيْتُكَ؟ فَيَقُولُ : الْآنَ قَدِ ازْدَدْتُ فِيكَ يَقِينًا; بَشَّرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّكَ تَقْتُلُنِي ، ثُمَّ أَحْيَا بِإِذْنِ اللَّهِ لَا بِإِذْنِكَ . فَيُوضَعُ عَلَى جِلْدِهِ صَفَائِحُ مِنْ نُحَاسٍ ، فَلَا يُحِيكُ فِيهِ سِلَاحُهُمْ ، فَيَقُولُ : اطْرَحُوهُ فِي نَارِي . فَيُحَوِّلُ اللَّهُ ذَلِكَ الْجَبَلَ عَلَى النَّذِيرِ جِنَانًا ، فَيَشُكُّ النَّاسُ فِيهِ ، وَيُبَادِرُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَإِذَا صَعِدَ عَلَى عَقَبَةِ أَفِيقَ [ ص: 213 ] وَقَعَ ظِلُّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَيُوَتِّرُونَ قِسِيَّهُمْ لِقِتَالِهِ ، فَأَقْوَاهُمْ مَنْ يُوَتِّرُ وَهُوَ بَارِكٌ ، أَوْ جَالِسٌ مِنَ الْجُوعِ وَالضَّعْفِ ، وَيَسْمَعُونَ النِّدَاءَ : جَاءَكُمُ الْغَوْثُ . فَيَقُولُونَ : هَذَا كَلَامُ رَجُلٍ شَبْعَانَ . وَتُشْرِقُ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ، وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَيَقُولُ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، احْمَدُوا رَبَّكُمْ وَسَبِّحُوهُ . فَيَفْعَلُونَ ، وَيُرِيدُونَ الْفِرَارَ ، فَيُضَيِّقُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْأَرْضَ ، فَإِذَا أَتَوْا بَابَ لُدٍّ فِي نِصْفِ سَاعَةٍ ، فَيُوَافُونَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِذَا نَظَرَ الدَّجَّالُ إِلَى عِيسَى قَالَ : أَقِمِ الصَّلَاةَ . فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، قَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ . فَيَقُولُ عِيسَى : يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، زَعَمْتَ أَنَّكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، فَلِمَنْ تُصَلِّي؟ فَيَضْرِبُهُ بِمِقْرَعَةٍ فِي يَدِهِ فَيَقْتُلُهُ ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَنْصَارِهِ خَلْفَ شَيْءٍ إِلَّا نَادَى : يَا مُؤْمِنُ ، هَذَا دَجَّالٌ فَاقْتُلْهُ . إِلَى أَنْ قَالَ : فَتَمَتَّعُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً ، لَا يَمُوتُ أَحَدٌ ، وَلَا يَمْرَضُ أَحَدٌ ، وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِغَنَمِهِ وَدَوَابِّهِ : اذْهَبُوا فَارْعَوْا . وَتَمُرُّ الْمَاشِيَةُ بَيْنَ الزَّرْعَيْنِ لَا تَأْكُلُ مِنْهُ سُنْبُلَةً ، وَالْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ لَا تُؤْذِي أَحَدًا ، وَالسَّبُعُ عَلَى أَبْوَابِ الدُّورِ لَا يُؤْذِي أَحَدًا ، وَيَأْخُذُ الرَّجُلُ الْمُدَّ مِنَ الْقَمْحِ ، فَيَبْذُرُهُ بِلَا حِرَاثٍ ، فَيَجِيءُ مِنْهُ سَبْعُمِائَةِ مُدٍّ ، فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى يُكْسَرَ سَدُّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، فَيَخْرُجُونَ وَيُفْسِدُونَ مَا عَلَى الْأَرْضِ ، فَيَسْتَغِيثُ النَّاسُ ، فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ ، وَأَهْلُ طُورِ سَيْنَاءَ هَمُ الَّذِينَ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ فَيَدْعُونَ ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ ذَاتَ قَوَائِمَ ، فَتَدْخُلُ فِي آذَانِهِمْ ، فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى أَجْمَعُونَ ، وَتُنْتِنُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ، فَيُؤْذُونَ النَّاسَ بِنَتَنِهِمْ أَشَدَّ مِنْ حَيَاتِهِمْ ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِاللَّهِ تَعَالَى ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا يَمَانِيَّةً غَبْرَاءَ ، فَتَصِيرُ عَلَى النَّاسِ غَمًّا وَدُخَانًا ، وَتَقَعُ عَلَيْهِمُ [ ص: 214 ] الزُّكْمَةُ ، وَيُكْشَفُ مَا بِهِمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ ، وَقَدْ قُذِفَتْ جِيَفُهُمْ فِي الْبَحْرِ ، وَلَا يَلْبَثُونَ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَجَفَّتِ الْأَقْلَامُ ، وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ تَوْبَةٌ ، وَيَخِرُّ إِبْلِيسُ سَاجِدًا يُنَادِي : إِلَهِي ، مُرْنِي أَنْ أَسْجُدَ لِمَنْ شِئْتَ . وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الشَّيَاطِينُ ، تَقُولُ : يَا سَيِّدَنَا ، إِلَى مَنْ تَفْزَعُ؟ فَيَقُولُ : سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُنْظِرَنِي إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ، وَقَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَهَذَا الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ . وَتَصِيرُ الشَّيَاطِينُ ظَاهِرَةً فِي الْأَرْضِ ، حَتَّى يَقُولَ الرَّجُلُ : هَذَا قَرِينِي الَّذِي كَانَ يُغْوِينِي ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْزَاهُ . وَلَا يَزَالُ إِبْلِيسُ سَاجِدًا بَاكِيًا ، حَتَّى تَخْرُجَ الدَّابَّةُ فَتَقْتُلُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ ، وَيَتَمَتَّعُ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، لَا يَتَمَنَّوْنَ شَيْئًا إِلَّا أُعْطُوهُ ، وَبَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ ، لَا يَمُوتُ مُؤْمِنٌ حَتَّى تَتِمَّ أَرْبَعُونَ سَنَةً بَعْدَ الدَّابَّةِ ، ثُمَّ يَعُودُ فِيهِمُ الْمَوْتُ وَيُسْرِعُ ، فَلَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ ، وَيَقُولُ الْكَافِرُ : قَدْ كُنَّا مَرْعُوبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَلَيْسَ يُقْبَلُ مِنَّا تَوْبَةٌ . فَيَتَهَارَجُونَ فِي الطُّرُقِ كَالْبَهَائِمِ ، حَتَّى يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ ، يَقُومُ وَاحِدٌ عَنْهَا ، وَيَنْزِلُ عَلَيْهَا آخَرُ ، وَأَفْضَلُهُمْ مَنْ يَقُولُ : لَوْ تَنَحَّيْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ كَانَ أَحْسَنَ . فَيَكُونُونَ عَلَى ذَلِكَ ، حَتَّى لَا يُوَلَدَ أَحَدٌ مِنْ نِكَاحٍ ، ثُمَّ يُعْقِمُ اللَّهُ النِّسَاءَ ثَلَاثِينَ سَنَةً ، إِلَّا الزَّوَانِيَ وَالزَّانِيَاتِ فَإِنَّهُنَّ يَحْبَلْنَ ، وَيَلِدْنَ مِنَ الزِّنَى ، وَيَكُونُونَ كُلُّهُمْ أَوْلَادَ زِنًى ، شِرَارَ النَّاسِ ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ " . كَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاتِمٍ الْمُرَادِيِّ ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ ، فَذَكَرَهُ .

قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ : وَهَذَا الْحَدِيثُ شِبْهُ مَوْضُوعٍ ، وَأَبُو عُمَرَ مَجْهُولٌ ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ كَذَلِكَ ، وَشَيْخُهُ يُقَالُ لَهُ : الْبُنَانِيُّ . وَقَدْ أَنْبَأَنِي شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ إِجَازَةً - إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَاعًا - أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْيُونِينِيُّ ، أَنْبَأَنَا الْبَهَاءُ [ ص: 215 ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، حُضُورًا ، أَنْبَأَنَا عَتِيقُ بْنُ صِيلَا ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عُلْوَانَ ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ دُوسْتَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الدَّجَّالُ يَتَنَاوَلُ السَّحَابَ ، وَيَخُوضُ الْبَحْرَ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَيَسْبِقُ الشَّمْسَ إِلَى مَغْرِبِهَا ، وَتَسِيرُ مَعَهُ الْآكَامُ طَعَامًا ، وَفِي جَبْهَتِهِ قَرْنٌ مَكْسُورُ الطَّرْفِ ، يَخْرُجُ مِنْهُ الْحَيَّاتُ ، وَقَدْ صُوِّرَ فِي جَسَدِهِ السِّلَاحُ كُلُّهُ ، حَتَّى الرُّمْحُ وَالسَّيْفُ وَالدَّرَقُ " . قُلْتُ لِلْحَسَنِ : يَا أَبَا سَعِيدٍ ، مَا الدَّرَقُ؟ قَالَ : التُّرْسُ . ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا : هَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ .

وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ فِي " كِتَابِ الْإِيمَانِ " : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَدِينِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَعْدُوَيْهِ ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ ، عَنْ رِبْعِيٍّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ ، مَعَهُ نَهْرَانِ ، أَحَدُهُمَا نَارٌ تَأَجَّجُ فِي عَيْنِ مَنْ يَرَاهُ ، وَالْآخَرُ مَاءٌ أَبْيَضُ ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُغْمِضْ عَيْنَيْهِ ، وَلِيَشْرَبْ مِنَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا; فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْآخَرَ ، فَإِنَّهُ فِتْنَةٌ ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : كَافِرٌ ، يَقْرَؤُهُ مَنْ كَتَبَ ، وَمَنْ لَمْ يَكْتُبْ ، وَأَنَّ إِحْدَى عَيْنَيْهِ مَمْسُوحَةٌ ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ ، وَأَنَّهُ يَطْلُعُ مِنْ آخِرِ عُمُرِهِ عَلَى بَطْنِ الْأُرْدُنِّ عَلَى ثَنِيَّةِ فِيقَ ، وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بِبَطْنِ الْأُرْدُنِّ ، وَأَنَّهُ يَقْتُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُلُثًا ، وَيَهْزِمُ ثُلُثًا ، وَيَبْقَى ثُلُثٌ ، فَيَحْجِزُ بَيْنَهُمُ اللَّيْلَ ، فَيَقُولُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ لِبَعْضٍ : مَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ [ ص: 216 ] تَلْحَقُوا بِإِخْوَانِكُمْ فِي مَرْضَاةِ رَبِّكُمْ؟ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ طَعَامٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى أَخِيهِ ، وَصَلُّوا حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ ، وَعَجِّلُوا الصَّلَاةَ ، ثُمَّ أَقْبِلُوا عَلَى عَدُوِّكُمْ ، فَلَمَّا قَامُوا يُصَلُّونَ ، نَزَلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَإِمَامُهُمْ يُصَلِّي بِهِمْ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : هَكَذَا فَرِّجُوا بَيْنِي وَبَيْنَ عَدُوِّ اللَّهِ . فَيَذُوبُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ ، فَيُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُونَهُمْ ، حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ لَيُنَادِي : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، يَا مُسْلِمُ ، هَذَا يَهُودِيٌّ فَاقْتُلْهُ . فَيُعِينُهُمُ اللَّهُ ، وَيَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ ، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَخْرَجَ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، فَيَشْرَبُ أَوَّلُهُمُ الْبُحَيْرَةَ ، وَيَجِيءُ آخِرُهُمْ ، وَقَدِ انْتَشَفُوا ، فَمَا يَدَعُونَ فِيهَا قَطْرَةً ، فَيَقُولُونَ : كَانَ هَاهُنَا أَثَرُ مَاءٍ مَرَّةً . وَنَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ وَرَاءَهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا مَدِينَةً مِنْ مَدَائِنِ فِلَسْطِينَ ، يُقَالُ لَهَا : بَابُ لُدٍّ . فَيَقُولُونَ : ظَهَرْنَا عَلَى مَنْ فِي الْأَرْضِ ، فَتَعَالَوْا نُقَاتِلُ مَنْ فِي السَّمَاءِ . فَيَدْعُو اللَّهَ نَبِيُّهُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، عِنْدَ ذَلِكَ ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قُرْحَةً فِي حُلُوقِهِمْ ، فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ بَشَرٌ ، وَتُؤْذِي رَيحُهُمُ الْمُسْلِمِينَ ، فَيَدْعُو عِيسَى عَلَيْهِمْ ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا تَقْذِفُهُمْ فِي الْبَحْرِ أَجْمَعِينَ " . قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ : هَذَا إِسْنَادٌ صَالِحٌ . قُلْتُ : وَفِيهِ سِيَاقٌ غَرِيبٌ ، وَأَشْيَاءُ مُنْكَرَةٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذَا الْأَثَرُ فِي قُرَيْشٍ يَلِيهِ بَرُّهُمْ بِبَرِّهِمْ ، وَفَاجِرُهُمْ بِفَاجِرِهِمْ ، حَتَّى يَدْفَعُوهُ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ " . وَفِي لَفْظٍ : " بَرُّهُمْ بِبِرِّهِ ، وَفَاجِرُهُمْ بِفُجُورِهِ " . قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ : وَهُوَ الْأَصَحُّ .
 

 

 

 

 ذِكْرُ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا إِلَى الْأَرْضِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ


قَالَ تَعَالَى : وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [ النِّسَاءِ : 157 - 159 ] .

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ : حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ . قَالَ : قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ . وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ ، وَكَذَا رَوَى الْعَوْفِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ . ذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا آمَنَ بِهِ . وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ . قَالَ : قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى ، وَاللَّهِ إِنَّهُ الْآنَ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ ، وَلَكِنْ إِذَا نَزَلَ آمَنُوا بِهِ أَجْمَعُونَ . رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ .

[ ص: 218 ] وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ . فَقَالَ : قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى ، إِنَّ اللَّهَ رَفَعَ عِيسَى إِلَيْهِ ، وَهُوَ بَاعِثُهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَقَامًا يُؤْمِنُ بِهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ . وَهَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، كَمَا سَيَأْتِي مَوْقُوفًا ، وَفِي رِوَايَةٍ مَرْفُوعًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ السِّيَاقِ الْإِخْبَارُ بِحَيَاتِهِ الْآنَ فِي السَّمَاءِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ الْجَهَلَةُ أَنَّهُمْ صَلَبُوهُ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ، ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ كَمَا سَبَقَ فِي أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ ، وَكَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ .

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ : قَبْلَ مَوْتِهِ عَائِدٌ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ ، أَيْ يُؤْمِنُ بِعِيسَى قَبْلَ الْمَوْتِ ، وَذَلِكَ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْأَوَّلِ ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَعْنَى وَالْإِسْنَادِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .

 

 

ذكر الأحاديث الواردة في ذلك(في نزول عيسي ابن مريم آخر الزمان)


[
ص: 219 ] ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ

قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ عِيسَى يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ . وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ : أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ . وَهَذَا أَشْبَهُ ، فَإِنَّ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ " فَيَنْزِلُ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ لِلصُّبْحِ فَيَقُولُ لَهُ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ : تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللَّهِ . فَيَقُولُ : لَا ، إِنَّهَا إِنَّمَا أُقِيمَتْ لَكَ " فَفِيهِ مِنَ الدَّلَالَةِ الظَّاهِرَةِ أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى مَنَارَةِ الْمَعْبَدِ الْأَعْظَمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ إِذْ ذَاكَ ، وَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ هُوَ الْمَهْدِيُّ فِيمَا قِيلَ ، وَهُوَ جَامِعُ دِمَشْقَ الْأَكْبَرُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ يَنْزِلُ فِي غَيْرِ دِمَشْقَ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْفُوظٍ .

وَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي سَاقَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " تَارِيخِهِ " مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِذٍ ، ثَنَا الْوَلِيدُ ، ثَنَا مَنْ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ رَبِيعَةَ ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ نَافِعِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ جَدِّهِ نَافِعِ بْنِ كَيْسَانَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ بَابِ دِمَشْقَ - قَالَ نَافِعٌ : وَلَا أَدْرِي أَيَّ بَابِهَا يُرِيدُ - عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ لِسِتِّ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ فِي ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ ، كَأَنَّمَا يَتَحَدَّرُ مَنْ رَأْسِهِ اللُّؤْلُؤُ " . فَفِيهِ مُبْهَمٌ لَمْ يُسَمَّ ، وَهُوَ مُنْكَرٌ; إِذْ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ أَنَّ نُزُولَهُ وَقْتَ السَّحَرِ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ وَقَدْ [ ص: 220 ] أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ ، سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : مَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي تُحَدِّثُ بِهِ؟ تَقُولُ : إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكَذَا . فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ - أَوْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهُمَا - لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أُحَدِّثَ أَحَدًا شَيْئًا أَبَدًا ، إِنَّمَا قُلْتُ : إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أَمْرًا عَظِيمًا; يُحَرَّقُ الْبَيْتُ ، وَيَكُونُ وَيَكُونُ . ثُمَّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ - لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا ، أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا - فَيَبْعَثُ اللَّهُ تَعَالَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ ، لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامِ ، فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبَدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ ، حَتَّى تَقْبِضَهُ " . قَالَ : سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : " فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ ، وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ ، لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا ، وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا ، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ : أَلَّا تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ : فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ، فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا " . قَالَ : " وَأَوَّلُ مَنْ [ ص: 221 ] يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ " . قَالَ : " فَيُصْعَقُ ، وَيُصْعَقُ النَّاسُ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ - أَوْ قَالَ : " يُنْزِلُ اللَّهُ " - مَطَرًا ، كَأَنَّهُ الطَّلُّ - أَوِ الظِّلُّ ، نُعْمَانُ الشَّاكُّ - فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى ، فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ [ الصَّافَّاتِ " 24 ] يُقَالُ : أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ . فَيُقَالُ : مِنْ كَمْ؟ فَيُقَالُ : مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ " . قَالَ : " وَذَلِكَ يَوْمٌ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ، وَيَوْمَ يُكْشَفُ . عَنْ سَاقٍ " .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ ، حَدَّثَنَا فُلَيْجٌ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَنْزِلُ ابْنُ مَرْيَمَ إِمَامًا عَادِلًا ، وَحَكَمًا مُقْسِطًا ، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ، وَيَرْجِعُ السِّلْمُ ، وَتُتَّخَذُ السُّيُوفُ مَنَاجِلَ ، وَتَذْهَبُ حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ ، وَتُنْزِلُ السَّمَاءُ رِزْقَهَا ، وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ بَرَكَتَهَا ، حَتَّى يَلْعَبَ الصَّبِيُّ بِالثُّعْبَانِ وَلَا يَضُرُّهُ ، وَيُرَاعِي الْغَنَمَ الذِّئْبُ فَلَا يَضُرُّهَا ، وَيُرَاعِي الْأَسَدُ الْبَقَرَ فَلَا يَضُرُّهَا " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ صَالِحٌ .

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، [ ص: 222 ] حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا ، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [ النِّسَاءِ : 159 ] .

وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ حَسَنٍ الْحُلْوَانِيِّ ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ ، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ .

وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا ، يَقْتُلُ الدَّجَّالَ ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ ، وَيَفِيضُ الْمَالُ ، وَتَكُونُ السَّجْدَةُ وَاحِدَةً لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ . مَوْتِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، ثُمَّ يُعِيدُهَا أَبُو هُرَيْرَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، وَهُوَ ابْنُ حُسَيْنٍ ، عَنِ [ ص: 223 ] الزُّهْرِيِّ ، عَنْ حَنْظَلَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، فَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ، وَيَمْحُو الصَّلِيبَ ، وَتُجْمَعُ لَهُ الصَّلَاةُ ، وَيُعْطِي الْمَالَ حَتَّى لَا يُقْبَلَ ، وَيَضَعَ الْخَرَاجَ ، وَيَنْزِلَ الرَّوْحَاءَ ، فَيَحُجُّ مِنْهَا أَوْ يَعْتَمِرُ ، أَوْ يَجْمَعُهُمَا " . قَالَ : وَتَلَا أَبُو هُرَيْرَةَ : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا . فَزَعَمَ حَنْظَلَةُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : يُؤْمِنُ بِهِ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى . فَلَا أَدْرِي ، هَذَا كُلُّهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ شَيْءٌ قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ؟ .

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ حَنْظَلَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لِيُهِلَّنَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، مِنْ فَجِّ الرَّوْحَاءِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، أَوْ لَيُثَنِّيَنَّهُمَا جَمِيعًا " .

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟ " ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ : تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ .

وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ ، [ ص: 224 ] عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ .

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، بِهِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَهُوَ ابْنُ آدَمَ مَوْلَى أُمِّ بُرْثُنٍ صَاحِبِ السِّقَايَةِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعِلَّاتٍ ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنِّي أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ ، وَإِنَّهُ نَازِلٌ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ ، رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ ، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ ، وَيَدْعُو النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْأُمَمَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ، ثُمَّ تَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ ، حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ ، وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ ، وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ ، لَا تَضُرُّهُمْ ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ " . وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ .

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ ، وَلَمْ يُورِدْ عِنْدَ تَفْسِيرِهَا غَيْرَهُ ، عَنْ بِشْرِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ يَزِيدَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ ، وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ .

[
ص: 225 ] وَرَوَى الْبُخَارِيُّ ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ ، عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ ، وَالْأَنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ " . ثُمَّ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانِ ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ " . ثُمَّ قَالَ : وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ كَالْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

 

 

.حديث عن ابن مسعود في أمر الساعة


حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ ، عَنْ مُؤْثِرِ بْنِ عَفَازَةَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَقِيتُ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِي إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " . قَالَ : " فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ السَّاعَةِ ، فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ، فَقَالَ : لَا عِلْمَ لِي بِهَا . فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى مُوسَى ، فَقَالَ : لَا عِلْمَ لِي بِهَا . فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى عِيسَى ، فَقَالَ : أَمَّا وَجْبَتُهَا فَلَا يَعْلَمُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ ، وَلَكِنْ فِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي ، عَزَّ وَجَلَّ ، [ ص: 226 ] أَنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ ، وَمَعِي قَضِيبَانِ ، فَإِذَا رَآنِي ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ " . قَالَ : " فَيُهْلِكُهُ اللَّهُ إِذَا رَآنِي ، حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ لَيَقُولُ : يَا مُسْلِمُ ، إِنْ تَحْتِي كَافِرًا ، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ " . قَالَ : " فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، فَيَطَئُونَ بِلَادَهُمْ ، لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا أَكَلُوهُ ، وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ " . قَالَ : " ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيَّ فَيَشْكُونَهُمْ ، فَأَدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِمْ فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ وَيُمِيتُهُمْ حَتَّى تَجْوَى الْأَرْضُ مِنْ نَتَنِ رِيحِهِمْ ، وَيُنْزِلُ اللَّهُ الْمَطَرَ ، فَتَجْرُفُ أَجْسَادَهُمْ حَتَّى يَقْذِفَهُمْ فِي الْبَحْرِ " ، فَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي ، عَزَّ وَجَلَّ ، أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ السَّاعَةَ كَالْحَامِلِ الْمُتِمِّ الَّتِي لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادَتِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا " .

وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ بِهِ ، نَحْوَهُ .

 

.صفة المسيح عيسى ابن مريم رسول الله عليه السلام
 

[ص: 227 ]صِفَةُ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ رَسُولِ اللَّهِ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ

ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِي لَقِيتُ مُوسَى - قَالَ : فَنَعَتَهُ - فَإِذَا رَجُلٌ - حَسِبْتُهُ قَالَ - : مُضْطَرِبٌ - أَيْ طَوِيلٌ - رَجِلُ الرَّأْسِ ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ " . قَالَ : " وَلَقِيتُ عِيسَى " . فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " رَبْعَةٌ أَحْمَرُ ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ " . يَعْنِي الْحَمَّامَ .

وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رَأَيْتُ عِيسَى ، وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ ، فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ [ ص: 228 ] الصَّدْرِ ، وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ " . وَلَهُمَا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَيْنَ ظَهَرَانَيِ النَّاسِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ، فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ، وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ ، وَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ ، رَجِلُ الشَّعْرِ ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ . فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا : هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ . ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلًا وَرَاءَهُ ، جَعْدًا قَطَطًا أَعْوَرَ عَيْنِ الْيُمْنَى ، كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا؟ قَالُوا : " الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ " . تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ ، عَنْ نَافِعٍ .

ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيِّ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِيسَى : " أَحْمَرُ " . وَلَكِنْ قَالَ : " بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعْرِ ، يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، يَنْظِفُ رَأْسُهُ مَاءً - أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً - [ ص: 229 ] فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا؟ قَالُوا : ابْنُ مَرْيَمَ . فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ ، جَعْدُ الرَّأْسِ ، أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ . قُلْتُ : مَنْ هَذَا؟ قَالُوا : هَذَا الدَّجَّالُ ، وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ " . قَالَ الزُّهْرِيُّ : رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ .

وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ : " فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ ، شَرْقِيَّ دِمَشْقَ ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ مِثْلُ جُمَانِ اللُّؤْلُؤِ ، وَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرَفُهُ " .

هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي مَوْضِعِ نُزُولِهِ أَنَّهُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ ، وَقَدْ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ : أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ جَامِعِ دِمَشْقَ . فَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ ، وَتَكُونُ الرِّوَايَةُ : " فَيَنْزِلُ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ الشَّرْقِيَّةِ بِدِمَشْقَ " فَتَصَرَّفَ الرَّاوِي فِي التَّعْبِيرِ بِحَسَبِ مَا فَهِمَ ، وَلَيْسَ فِي دِمَشْقَ مَنَارَةٌ تُعْرَفُ بِالشَّرْقِيَّةِ سِوَى الَّتِي إِلَى جَانِبِ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ بِدِمَشْقَ مِنْ شَرْقِيِّهِ ، وَهَذَا هُوَ الْأَنْسَبُ وَالْأَلْيَقُ; لِأَنَّهُ يَنْزِلُ ، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، فَيَقُولُ لَهُ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ : " يَا رُوحَ اللَّهِ تَقَدَّمْ " . فَيَقُولُ : " تَقَدَّمْ أَنْتَ ، فَإِنَّهَا إِنَّمَا أُقِيمَتْ لَكَ " . وَفِي رِوَايَةٍ : " بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ ، تَكْرِمَةُ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ " .

وَقَدْ جُدِّدَ بِنَاءُ مَنَارَةٍ فِي زَمَانِنَا فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ ، مِنْ حِجَارَةٍ بِيضٍ ، مِنْ أَمْوَالِ النَّصَارَى الَّذِينَ حَرَقُوا الْمَنَارَةَ الَّتِي كَانَتْ مَكَانَهَا ، وَلَعَلَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ الظَّاهِرَةِ ، حَيْثُ قَبَضَ اللَّهُ بِنَاءَ هَذِهِ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ مِنْ أَمْوَالِ [ ص: 230 ] النَّصَارَى ، لِيَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهَا ، فَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ، وَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ جِزْيَةً ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ قَتَلَهُ ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُهُ فِي سَائِرِ كُفَّارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى حُكْمٌ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا لَهُ ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ عَنِ الْمَسِيحِ بِذَلِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ سَوَّغَ لَهُ ذَلِكَ ، وَشَرَعَهُ لَهُ ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَحْكُمُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ .

وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، أَنَّهُ يَنْزِلُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَالْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي أَنَّ الدَّجَّالَ يُقْتَلُ بَلُدٍّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، فَتَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الدَّجَّالُ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ حِمَايَةً لَهُ مِنْهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ : أَنَّ عِيسَى يَنْزِلُ بِالْأُرْدُنِّ ، وَفِي رِوَايَةٍ بِمُعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهَذَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدَمَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " وَإِنَّهُ نَازِلٌ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ ، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ ، وَيَدْعُو النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ تَعَالَى فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ، ثُمَّ تَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ ، حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ ، وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ ، وَيَلْعَبُ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ لَا تَضُرُّهُمْ ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ " . رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُدَ .

[
ص: 231 ] وَهَكَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً .

وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ سَبْعَ سِنِينَ . فَهَذَا مَعَ هَذَا مُشْكِلٌ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ السَّبْعُ عَلَى مُدَّةِ إِقَامَتِهِ بَعْدَ نُزُولِهِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى مُكْثِهِ فِيهَا قَبْلَ رَفْعِهِ مُضَافًا إِلَيْهِ ، وَكَانَ عُمْرُهُ قَبْلَ رَفْعِهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً عَلَى الْمَشْهُورِ . وَهَذِهِ السَّبْعُ تَكْمِلَةُ الْأَرْبَعِينَ ، فَيَكُونُ هَذَا مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ رَفْعِهِ وَبَعْدَ نُزُولِهِ ، . وَأَمَّا مُقَامُهُ فِي السَّمَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ فَهُوَ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَخْرُجُونَ فِي زَمَانِهِ وَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا سَيَأْتِي ، وَثَبَتَ أَنَّهُ يَحُجُّ فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ نُزُولِهِ .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ : فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ ، أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ يَكُونُونَ فِي حِوَارِيِّهِ ، وَأَنَّهُمْ يَحُجُّونَ مَعَهُ ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمَلَاحِمِ ، فِي آخِرِ كِتَابِ " التَّذْكِرَةِ " ، وَتَكُونُ وَفَاتُهُ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ ، فَيُصَلَّى عَلَيْهِ هُنَالِكَ ، وَيَدْفَنُ بِالْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ . وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَسَاكِرَ ، وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ " ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، فَقَالَ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ الْبَصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَوْدُودٍ الْمَدَنِيُّ ، [ ص: 232 ] حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ ، وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يُدْفَنُ مَعَهُ . قَالَ : فَقَالَ أَبُو مَوْدُودٍ : وَقَدْ بَقِيَ فِي الْبَيْتِ مَوْضِعُ قَبْرٍ . ثُمَّ قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ . هَكَذَا قَالَ عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ ، وَالْمَعْرُوفُ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَدَنِيُّ . انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الضَّحَّاكِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : يُدْفَنُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، فَيَكُونُ قَبْرُهُ رَابِعًا .

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَسْعَدَةَ ، عَنْ رِيَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : يَمْكُثُ النَّاسُ بَعْدَ الدَّجَّالِ يُعَمِّرُونَ الْأَسْوَاقَ ، وَيَغْرِسُونَ النَّخْلَ .

 

31.ذكر خروج يأجوج ومأجوج


[ ص: 233 ] ذِكْرُ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ بَعْدَ قَتْلِهِ الدَّجَّالَ ، فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ عَلَيْهِمْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [ الْأَنْبِيَاءِ : 96 ، 97 ] وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ : حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا [ الْكَهْفِ 93 ، 94 ] الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " ، وَفِي قِصَّةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ خَبَرَ بِنَائِهِ لِلسَّدِّ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ ، فَصَارَ رَدْمًا وَاحِدًا ، وَقَالَ : هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي . أَيْ يَحْجِزُ بِهِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ وَبَيْنَ النَّاسِ . فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا [ الْكَهْفِ : 98 ] . أَيِ الْوَقْتُ الَّذِي قَدَّرَ انْهِدَامَهُ فِيهِ . جَعَلَهُ دَكَّاءَ أَيْ مُسَاوِيًا لِلْأَرْضِ . وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا . أَيْ هَذَا شَيْءٌ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ وَوُقُوعِهِ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [ الْكَهْفِ : 99 ] أَيْ إِذَا انْهَدَمَ يَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ فَيَمُوجُونَ فِيهِمْ ، وَيَنْسِلُونَ أَيْ [ ص: 234 ] يُسْرِعُونَ الْمَشْيَ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ ، ثُمَّ يَكُونُ النَّفْخُ فِي الصُّورِ لِلْفَزَعِ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [ الْأَنْبِيَاءِ : 96 ، 97 ] الْآيَةَ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ الْمَسِيحِ طَرَفًا صَالِحًا مَنْ ذِكْرِهِمْ ، مِنْ رِوَايَةِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ وَغَيْرِهِ .
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ عِنْدَهَا ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ ، وَهُوَ يَقُولُ : " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ " . وَحَلَّقَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : وَعَقَدَ سَبْعِينَ أَوْ تِسْعِينَ . قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ " .
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا " . وَعَقَدَ تِسْعِينَ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا رَوْحٌ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَيَحْفِرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ ، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ [ ص: 235 ] الشَّمْسِ ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ : ارْجِعُوا ، فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا . فَيُعُودُونَ إِلَيْهِ كَأَشَدِّ مَا كَانَ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ : اغْدُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ . وَيَسْتَثْنِي ، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ ، وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَحْفِرُونَهُ ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ ، فَيَنْشُفُونَ الْمِيَاهَ ، وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ ، فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ ، فَتَرْجِعُ وَعَلَيْهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ ، فَيَقُولُونَ : قَهَرْنَا أَهْلَ الْأَرْضِ ، وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ . فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا " . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، إِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ لَتَسْمَنُ وَتَشْكُرُ شُكْرًا مِنْ لُحُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ " . ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ : مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ . وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ، فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ ، [ ص: 236 ] كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ [ الْأَنْبِيَاءِ : 96 ] . فَيَغْشَوْنَ النَّاسَ ، وَيَنْحَازُ النَّاسُ ، عَنْهُمْ إِلَى مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ ، وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيَهُمْ ، فَيَشْرَبُونَ مِيَاهَ الْأَرْضِ ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَمُرُّ بِالنَّهْرِ ، فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهِ ، حَتَّى يَتْرُكُوهُ يَبَسًا ، حَتَّى إِنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ لَيَمُرُّ بِذَلِكَ النَّهْرِ ، فَيَقُولُ : قَدْ كَانَ هَاهُنَا مَاءٌ مَرَّةً . حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا أَحَدٌ فِي حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ قَالَ قَائِلَهُمْ : هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْأَرْضِ قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ ، بَقِيَ أَهْلُ السَّمَاءِ " . قَالَ : " ثُمَّ يَهُزُّ أَحَدُهُمْ حَرْبَتَهُ ، ثُمَّ يَرْمِي بِهَا إِلَى السَّمَاءِ ، فَتَرْجِعُ إِلَيْهِ مُخْتَضِبَةً دَمًا لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ دُودًا فِي أَعْنَاقِهِمْ كَنَغَفِ الْجَرَادِ الَّذِي يَخْرُجُ فِي أَعْنَاقِهِ ، فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى ، لَا يُسْمَعُ لَهُمْ حِسٌّ ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ : أَلَا رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ ، فَيَنْظُرُ مَا فَعَلَ هَذَا الْعَدُوُّ؟ قَالَ : " فَيَتَجَرَّدُ رَجُلٌ مِنْهُمْ مُحْتَسِبًا نَفْسَهُ ، قَدْ وَطَّنَهَا عَلَى أَنَّهُ مَقْتُولٌ ، فَيَنْزِلُ فَيَجِدُهُمْ مَوْتَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَيُنَادِي : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، أَلَا أَبْشِرُوا ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَفَاكُمْ [ ص: 237 ] عَدُوَّكُمْ . فَيَخْرُجُونَ مِنْ مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ ، وَيُسَرِّحُونَ مَوَاشِيَهُمْ ، فَمَا يَكُونُ لَهَا رَعْيٌ إِلَّا لُحُومُهُمْ ، فَتَشْكُرُ عَنْهُ كَأَحْسَنِ مَا شَكَرَتْ عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّبَاتِ أَصَابَتْهُ قَطُّ " . وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ ، مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ ، وَهُوَ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ ، بَعْدَ ذِكْرِ قَتْلِ عِيسَى الدَّجَّالَ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ الشَّرْقِيِّ ، قَالَ : " فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى : إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي ، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ . فَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، فَيَرْغَبُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي رِقَابِهِمْ ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، فَيَهْبِطُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ بَيْتًا إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتَنُهُمْ ، فَيَرْغَبُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ " .
قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ : " بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الْمَهْبِلُ عِنْدَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ " . الْحَدِيثُ إِلَى آخِرِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ .
كَذَلِكَ حَدِيثُ مُؤْثِرِ بْنِ عَفَازَةَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فِي اجْتِمَاعِ الْأَنْبِيَاءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ ، وَتَذَاكُرِهِمْ أَمْرَ السَّاعَةِ ، فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى عِيسَى ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، كَمَا [ ص: 238 ] تَقَدَّمَ ، وَفِي آخِرِهِ : " فَيَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى أَوْطَانِهِمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَطَئُونَ بِلَادَهُمْ ، لَا يَمُرُّونَ عَلَى شَيْءٍ ، إِلَّا أَهْلَكُوهُ ، وَلَا عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ " ، قَالَ : " ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيَّ يَشْكُونَهُمْ ، فَأَدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِمْ ، فَيُهْلِكُهُمْ وَيُمِيتُهُمْ حَتَّى تَجْوَى الْأَرْضُ مِنْ نَتَنِ رِيحِهِمْ ، وَيُنْزِلُ اللَّهُ الْمَطَرَ ، فَتَجْرُفُ أَجْسَادَهُمْ ، حَتَّى يَقْذِفَهُمْ فِي الْبَحْرِ ، فَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ السَّاعَةَ كَالْحَامِلِ الْمُتِمِّ ، لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَّى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادَتِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا " وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ ، عَنْ خَالَتِهِ قَالَتْ : خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَاصِبٌ إِصْبَعَهُ مِنْ لَدْغَةِ عَقْرَبٍ ، فَقَالَ : " إِنَّكُمْ تَقُولُونَ : لَا عَدُوَّ لَكُمْ ، وَإِنَّكُمْ لَا تَزَالُونَ تُقَاتِلُونَ عَدُوًّا حَتَّى يَأْتِيَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ، عِرَاضُ الْوُجُوهِ ، صِغَارُ الْعُيُونِ ، صُهْبُ الشِّعَافِ ، مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ " .
قُلْتُ : يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ طَائِفَتَانِ مِنَ التُّرْكِ كَبِيرَتَانِ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ [ ص: 239 ] سُبْحَانَهُ ، وَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا آدَمُ . فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ . فَيُنَادِي بِصَوْتٍ : ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ . فَيَقُولُ : مِنْ كَمْ؟ فَيَقُولُ : مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِلَى النَّارِ ، وَوَاحِدًا إِلَى الْجَنَّةِ . فَيَوْمَئِذٍ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا فَيُقَالُ : أَبْشِرُوا ، فَإِنَّ فِي يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَكُمْ فِدَاءً " . وَفِي رِوَايَةٍ : " فَيُقَالُ : إِنَّ فِيكُمْ أُمَّتَيْنِ مَا كَانَتَا فِي شَيْءٍ إِلَّا كَثَّرَتَاهُ; يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ " . وَسَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ بِطُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ .
ثُمَّ هُمْ مِنْ حَوَّاءَ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُمْ مِنْ آدَمَ لَا مِنْ حَوَّاءَ ، وَذَلِكَ أَنَّ آدَمَ احْتَلَمَ ، فَاخْتَلَطَ مَنِيُّهُ بِالتُّرَابِ ، فَخَلَقَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ . وَهَذَا مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَرِدْ عَمَّنْ يَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي هَذَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، مِنْ سُلَالَةِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ ، وَهُوَ أَبُو التُّرْكِ ، وَقَدْ كَانُوا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ، وَيُؤْذُونَ أَهْلَهَا ، فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ فَحَصَرَهُمْ فِي مَكَانِهِمْ دَاخِلَ السَّدِّ إِلَى أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي خُرُوجِهِمْ عَلَى النَّاسِ ، فَيَكُونُ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَحَادِيثِ .
وَهُمْ كَالنَّاسِ يُشْبِهُونَهُمْ كَأَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ مِنَ التُّرْكِ الْغُتْمِ ، الْمَغُولِ الْمُخَرْزَمَةِ عُيُونُهُمْ ، الذُّلْفِ أُنُوفُهُمْ ، الصُّهْبِ ، شُعُورُهُمْ عَلَى أَشْكَالِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ ، وَمَنْ زَعَمَ [ ص: 240 ] أَنَّ مِنْهُمُ الطَّوِيلَ كَالنَّخْلَةِ السَّحُوقِ وَأَطْوَلَ ، وَمِنْهُمُ الْقَصِيرَ كَالشَّيْءِ الْحَقِيرِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أُذُنَانِ يَتَغَطَّى بِإِحْدَاهُمَا وَيَتَوَطَّأُ بِالْأُخْرَى ، فَقَدْ تَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ ، وَقَالَ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ أَنَّ أَحَدَهُمْ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَرَى مِنْ نَسْلِهِ أَلْفَ إِنْسَانٍ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ .
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْأَصْبَهَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِنْ وَلَدِ آدَمَ ، وَلَوْ أُرْسِلُوا لَأَفْسَدُوا عَلَى النَّاسِ مَعَايِشَهُمْ ، وَلَنْ يَمُوتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا تَرَكَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَلْفًا فَصَاعِدًا ، وَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِمْ ثَلَاثَ أُمَمٍ؟ تَاوِيلَ ، وَتَارِيسَ ، وَمَنْسَكَ " . وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنَ الزَّامِلَتَيْنِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ ، قَالَ : رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ صِبْيَانًا يَنْزُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَلْعَبُونَ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هَكَذَا تَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ .

 

 

===============””=====================..================================

 

. ذكر تخريب الكعبة شرفها الله على يدي ذي السويقتين الأفحج الحبشي


[ ص: 241 ] ذِكْرُ تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ ، شَرَّفَهَا اللَّهُ ، عَلَى يَدَيْ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ الْأَفْحَجِ الْحَبَشِيِّ ، قَبَّحَهُ اللَّهُ

وَرُوِّينَا عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي " التَّفْسِيرِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى : حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ [ الْأَنْبِيَاءِ : 96 ] أَنَّ أَوَّلَ ظُهُورِ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ فِي أَيَّامِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، فَيَبْعَثُ إِلَيْهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ طَلِيعَةً مَا بَيْنَ السَّبْعِمِائَةِ إِلَى الثَّمَانِمِائَةِ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِلَيْهِ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا يَمَانِيَّةً طَيِّبَةً ، فَتُقْبَضُ فِيهَا رُوحُ كُلِّ مُؤْمِنٍ ، ثُمَّ يَبْقَى عَجَاجٌ مِنَ النَّاسِ ، يَتَسَافَدُونَ كَمَا تَتَسَافَدُ الْبَهَائِمُ . ثُمَّ قَالَ كَعْبٌ : وَتَكُونُ السَّاعَةُ قَرِيبَةً حِينَئِذٍ . قُلْتُ : وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَحُجُّ بَعْدَ نُزُولِهِ إِلَى الْأَرْضِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيُحَجَّنَّ هَذَا الْبَيْتُ ، وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ " . انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ ، فَرَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ [ ص: 242 ] طَهْمَانَ ، عَنْ حَجَّاجٍ - هُوَ ابْنُ حَجَّاجٍ - عَنْ قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ بِهِ . قَالَ : تَابَعَهُ أَبَانٌ وَعِمْرَانُ ، عَنْ قَتَادَةَ . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ " . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ . انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ .

وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارِ ، عَنْ قَتَادَةَ ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ . وَرِوَايَةُ عِمْرَانَ بْنِ دَاوُدَ الْقَطَّانِ قَدْ أَوْرَدَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، كَمَا رَأَيْتَ .

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ; سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عُتْبَةَ يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ " . ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ .

قُلْتُ : وَلَا مُنَافَاةَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ; لِأَنَّ الْكَعْبَةَ يَحُجُّهَا النَّاسُ وَيَعْتَمِرُونَ بِهَا ، بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهَلَاكِهِمْ ، وَطُمَأْنِينَةِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ أَرْزَاقِهِمْ فِي زَمَانِ الْمَسِيحِ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، فَيَقْبِضُ بِهَا رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ، وَيُتَوَفَّى نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ، وَيُدْفَنُ بِالْحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ يَكُونُ خَرَابُ الْكَعْبَةِ عَلَى يَدَيْ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ بَعْدَ هَذَا ، وَإِنْ كَانَ ظُهُورُهُ فِي زَمَنِ الْمَسِيحِ ، كَمَا قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

 

--------------------------------**=======================================

 

ذكر تخريبه إياها


[
ص: 243 ] ذِكْرُ تَخْرِيبِهِ إِيَّاهَا ، قَبَّحَهُ اللَّهُ ، وَشَرَّفَهَا

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَهُوَ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ ، وَيَسْلُبُهَا حِلْيَتَهَا ، وَيُجَرِّدُهَا مِنْ كِسْوَتِهَا ، وَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ أُصَيْلِعَ أُفَيْدِعَ ، يَضْرِبُ عَلَيْهَا بِمِسْحَاتِهِ وَمِعْوَلِهِ " . انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ ، وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ .

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَهْيِيجِ الْحَبَشَةِ ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اتْرُكُوا الْحَبَشَةَ مَا تَرَكُوكُمْ; فَإِنَّهُ لَا يَسْتَخْرِجُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ إِلَّا ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ ، قَالَ : [ ص: 244 ] أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ - وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ - أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ ، أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَنْقُضُهَا حَجَرًا حَجَرًا " . يَعْنِي الْكَعْبَةَ .

انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ ، فَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ ، عَنْ يَحْيَى ، وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، بِهِ .

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ، عَنْ ثَوْرٍ ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ ، يُخَرِّبُ بَيْتَ اللَّهِ " .

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ ، بِهِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ " .

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ ، وَمُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ ، كِلَاهُمَا " عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ ، سَالِمٍ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً بِسَوَاءٍ . وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الرَّجُلُ هُوَ ذَا السُّوَيْقَتَيْنِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ; فَإِنَّ هَذَا مِنْ قَحْطَانَ ، وَذَاكَ مِنَ الْحَبَشَةِ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

[
ص: 245 ] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِي يُقَالُ لَهُ : جَهْجَاهُ " .

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ بِهِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْمَ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ الْحَبَشِيِّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا حَسَنٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَخْبَرَهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " سَيَخْرُجُ أَهْلُ مَكَّةَ ثُمَّ لَا يُعْبَرُ بِهَا - أَوْ لَا يَعْبُرُ بِهَا إِلَّا قَلِيلٌ - ثُمَّ تَمْتَلِئُ وَتُبْنَى ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا ، فَلَا يَعُودُونَ فِيهَا أَبَدًا " . وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ .

=====================**==================================

المدينة النبوية لا يدخلها الدجال


فَصْلُ ( الْمَدِينَةُ النَّبَوِيَّةُ لَا يَدْخُلُهَا الدَّجَّالُ )

وَأَمَّا الْمَدِينَةُ النَّبَوِيَّةُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّجَّالَ لَا يَدْخُلُهَا وَلَا مَكَّةَ ، وَأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ يَحْرُسُونَهَا مِنْهُ .

وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " ، مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ ، عَنْ أَبِي [ ص: 246 ] هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَدْخُلُهَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ ، وَلَا الطَّاعُونُ " . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُخَيِّمُ بِظَاهِرِهَا ، وَأَنَّهَا تَرْجُفُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ ، وَفَاسِقٍ وَفَاسِقَةٍ ، وَيَثْبُتُ فِيهَا كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ، وَمُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ ، وَيُسَمَّى يَوْمَئِذٍ يَوْمَ الْخَلَاصِ ، وَأَكْثَرُ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ وَهِيَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهَا طَيْبَةُ ، تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا " .

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ الْآيَةَ [ النُّورِ : 26 ] .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمَدِينَةَ تَكُونُ عَامِرَةً أَيَّامَ الدَّجَّالِ ، ثُمَّ تَكُونُ كَذَلِكَ فِي زَمَنِ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، حَتَّى تَكُونَ وَفَاتُهُ بِهَا ، وَدَفْنُهُ بِهَا ، ثُمَّ تُخَرَّبُ بَعْدَ ذَلِكَ .

كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيَسِيرَنَّ الرَّاكِبُ فِي جَنَبَاتِ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ لَيَقُولُ : لَقَدْ كَانَ فِي هَذَا حَاضِرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَثِيرٌ " . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : وَلَمْ يَجُزْ بِهِ حَسَنٌ الْأَشْيَبُ جَابِرًا . انْفَرَدَ بِهِمَا أَحْمَدُ .

 

 

=======================**===============================

 

.خروج الدابة

[ ص: 247 ] خُرُوجُ الدَّابَّةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ [ النَّمْلِ : 82 ] . وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ، فِي كِتَابِنَا " التَّفْسِيرِ " ، وَأَوْرَدْنَا هُنَالِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ ، وَلَوْ كَتَبْتُ مَجْمُوعَهَا هَاهُنَا كَانَ حَسَنًا كَافِيًا .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنُ ، وَقَتَادَةُ : تُكَلِّمُهُمْ ، أَيْ تُخَاطِبُهُمْ مُخَاطَبَةً . وَرَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ : تُخَاطِبُهُمْ فَتَقُولُ لَهُمْ : أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ وَحَكَاهُ عَنْ عَلِيٍّ ، وَعَطَاءٍ ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : تُكَلِّمُهُمْ : تُجَرِّحُهُمْ . يَعْنِي تَكْتُبُ عَلَى جَبِينِ الْكَافِرِ : " كَافِرٌ " وَعَلَى جَبِينِ الْمُؤْمِنِ : " مُؤْمِنٌ " . وَعَنْهُ : تُخَاطِبُهُمْ وَتَجْرَحُهُمْ . وَهَذَا الْقَوْلُ يَنْتَظِمُ الْمَذْهَبَيْنِ ، وَهُوَ قَوِىٌّ حَسَنٌ جَامِعٌ لَهُمَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَمُسْلِمٌ ، وَأَهْلُ السُّنَنِ ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ : طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَالدُّخَانُ ، وَالدَّابَّةُ ، وَخُرُوجُ يَأْجُوجَ [ ص: 248 ] وَمَأْجُوجَ ، وَخُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وَالدَّجَّالُ ، وَثَلَاثَةُ خُسُوفٍ : خَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ ، وَخَسْفٌ بِالْمُشْرِقِ ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ ، تَسُوقُ النَّاسَ - أَوْ تَحْشُرُ النَّاسَ - تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا ، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا " .

وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا : طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، أَوِ الدُّخَانَ ، أَوِ الدَّجَّالَ ، أَوِ الدَّابَّةَ ، أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ ، أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ " .

وَلَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا : الدَّجَّالَ ، وَالدُّخَانَ ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ ، وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكُمْ " .

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ حَرْمَلَةَ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، وَابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا : طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَالدُّخَانَ ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ ، وَالدَّجَّالَ ، وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكُمْ ، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ " . تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ : عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو ، وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ; فَأَمَّا [ ص: 249 ] طَلْحَةُ فَقَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ حَدَّثَهُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ أَبِي سَرِيحَةَ ، وَأَمَّا جَرِيرٌ فَقَالَ : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ . وَحَدِيثُ طَلْحَةَ أَتَمُّ وَأَحْسَنُ ، قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ ، فَقَالَ : لَهَا ثَلَاثُ خَرَجَاتٍ فِي الدَّهْرِ ، فَتَخْرُجُ خَرْجَةً مِنْ أَقْصَى الْبَادِيَةِ ، وَلَا يَدْخُلُ ذِكْرُهَا الْقَرْيَةَ - يَعْنِي مَكَّةَ - ثُمَّ تَكْمُنُ زَمَانًا طَوِيلًا ، ثُمَّ تَخْرُجُ خَرْجَةً أُخْرَى دُونَ تِلْكَ ، فَيَعْلُو ذِكْرُهَا فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ ، وَيَدْخُلُ ذِكْرُهَا الْقَرْيَةَ " . يَعْنِي مَكَّةَ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثُمَّ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ عَلَى اللَّهِ حُرْمَةً وَأَكْرَمِهَا; الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، لَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا وَهِيَ تَرْغُو بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ ، تَنْفُضُ عَنْ رَأْسِهَا التُّرَابَ ، فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا شَتَّى وَمَعًا ، وَثَبَتَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَنْ يُعْجِزُوا اللَّهَ ، فَبَدَأَتْ بِهِمْ ، فَجَلَتْ وُجُوهُهُمْ حَتَّى جَعَلَتْهَا كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ ، وَوَلَّتْ فِي الْأَرْضِ ، لَا يُدْرِكُهَا طَالِبٌ ، وَلَا يَنْجُو مِنْهَا هَارِبٌ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَعَوَّذُ مِنْهَا بِالصَّلَاةِ فَتَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِهِ ، فَتَقُولُ : يَا فُلَانُ ، الْآنَ تُصَلِّي؟! فَيُقْبِلُ عَلَيْهَا ، فَتَسِمُهُ فِي وَجْهِهِ ، ثُمَّ تَنْطَلِقُ ، وَيَشْتَرِكُ النَّاسُ فِي الْأَمْوَالِ ، وَيَصْطَحِبُونَ فِي الْأَمْصَارِ ، يُعْرَفُ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْكَافِرِ ، حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَقُولُ : يَا كَافِرُ ، اقْضِنِي حَقِّي . وَحَتَّى إِنَّ الْكَافِرَ لَيَقُولُ : يَا مُؤْمِنُ ، اقْضِنِي حَقِّي " . هَكَذَا رَوَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا السِّيَاقِ ، وَفِيهِ [ ص: 250 ] غَرَابَةٌ . وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مَوْقُوفًا ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ مَرْفُوعًا ، وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ فِي زَمَانِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ ، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ : حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : ذَهَبَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَوْضِعٍ بِالْبَادِيَةِ قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ ، فَإِذَا أَرْضٌ يَابِسَةٌ حَوْلَهَا رَمْلٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ " . فَإِذَا فِتْرٌ فِي شِبْرٍ . قَالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ : فَحَجَجْتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِنِينَ ، فَأَرَانَا عَصًا لَهُ ، فَإِذَا هُوَ بِعَصَايَ هَذِهِ ، هَكَذَا وَهَكَذَا . يَعْنِي أَنَّهُ كُلَّمَا لَهُ يَتَّسِعُ حَتَّى يَكُونَ وَقْتُ خُرُوجِهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ، قَالَ : هِيَ دَابَّةٌ ذَاتُ زَغَبٍ ، لَهَا أَرْبَعُ قَوَائِمَ ، تَخْرُجُ مِنْ بَعْضِ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ . وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، بِنَحْوِهِ " .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، عَنْ عَطِيَّةَ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ صَدْعٍ مِنَ الصَّفَا ، [ ص: 251 ] كَجَرْيِ الْفَرَسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، لَا يَخْرُجُ ثُلُثُهَا .

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّهُ قَالَ " تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ تَحْتِ صَخْرَةٍ بِشِعْبِ أَجْيَادٍ ، فَتَسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقَ ، فَتَصْرُخُ صَرْخَةً تُنْفِذُهُ ، ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الشَّامَ ، فَتَصْرُخُ صَرْخَةً تُنْفِذُهُ ، ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الْمَغْرِبَ ، فَتَصْرُخُ صَرْخَةً تُنْفِذُهُ ، ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الْيَمَنَ ، فَتَصْرُخُ صَرْخَةً تُنْفِذُهُ ، ثُمَّ تَرُوحُ مِنْ مَكَّةَ ، فَتُصْبِحُ بِعُسْفَانَ . قِيلَ لَهُ : ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ : ثُمَّ لَا أَعْلَمُ . وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : تَخْرُجُ الدَّابَّةُ لَيْلَةَ جَمْعٍ . وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، أَنَّهُ حَكَى عَنْ عُزَيْرٍ النَّبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ تَحْتِ سَدُومَ . يَعْنِي مَدِينَةَ قَوْمِ لُوطٍ ، فَهَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَعَارِضَةٌ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ، أَنَّهُ قَالَ : تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنَ الصَّفَا أَوِ الْمَرْوَةِ . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ، ثُمَّ سَاقَ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا رَبَاحُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ [ ص: 252 ] اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بِئْسَ الشِّعْبُ شِعْبُ جِيَادٍ " . مَرَّتَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثًا ، قَالُوا : وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : " تَخْرُجُ مِنْهُ الدَّابَّةُ ، فَتَصْرُخُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ ، فَيَسْمَعُهَا مَنْ بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ " .

ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ فَرْقَدِ بْنِ الْحَجَّاجِ : سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي الْحَسْنَاءِ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَخْرُجُ دَابَّةُ الْأَرْضِ مِنْ جِيَادٍ ، فَيَبْلُغُ صَدْرُهَا الرُّكْنَ ، وَلَمْ يَخْرُجْ ذَنَبُهَا بَعْدُ " . قَالَ : " وَهِيَ دَابَّةٌ ذَاتُ وَبَرٍ وَقَوَائِمَ " .

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، وَبَهْزِ بْنِ أَسَدٍ ، وَعَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَخْرُجُ دَابَّةُ الْأَرْضِ وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى ، وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ ، فَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتَمِ ، وَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْخِوَانِ الْوَاحِدِ لَيَجْتَمِعُونَ ، فَيَقُولُ هَذَا : يَا مُؤْمِنُ . وَيَقُولُ هَذَا : يَا كَافِرُ " . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، بِهِ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَهُ مِثْلَهُ ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " فَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْعَصَا ، [ ص: 253 ] وَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْخَاتَمِ " . وَهَذَا أَنْسَبُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : إِنَّ الدَّابَّةَ فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ ، مَا بَيْنَ قَرْنَيْهَا فَرْسَخٌ لِلرَّاكِبِ . وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : إِنَّهَا دَابَّةٌ لَهَا رِيشٌ وَزَغَبٌ وَحَافِرٌ ، وَمَا لَهَا ذَنَبٌ ، وَلَهَا لِحْيَةٌ ، وَإِنَّهَا لَتَخْرُجُ حُضْرَ الْفَرَسِ الْجَوَادِ ثَلَاثًا ، وَمَا خَرَجَ ثُلُثَاهَا . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ .

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ وَصَفَ الدَّابَّةَ ، فَقَالَ : رَأْسُهَا رَأْسُ ثَوْرٍ ، وَعَيْنُهَا عَيْنُ خِنْزِيرٍ ، وَأُذُنُهَا أُذُنُ فِيلٍ ، وَقَرْنُهَا قَرْنُ إِيَّلٍ ، وَعُنُقُهَا عُنُقُ نَعَامَةٍ ، وَصَدْرُهَا صَدْرُ أَسَدٍ ، وَلَوْنُهَا لَوْنُ نَمِرٍ ، وَخَاصِرَتُهَا خَاصِرَةُ هِرٍّ ، وَذَنَبُهَا ذَنَبُ كَبْشٍ ، وَقَوَائِمُهَا قَوَائِمُ بَعِيرٍ ، بَيْنَ كُلِّ مَفْصِلَيْنِ اثَنَا عَشَرَ ذِرَاعًا ، يَخْرُجُ مَعَهَا عَصَا مُوسَى ، وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ ، فَلَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ إِلَّا نَكَتَتْ فِي وَجْهِهِ بِعَصَا مُوسَى نُكْتَةً بَيْضَاءَ ، فَتَفْشُو تِلْكَ النُّكْتَةُ حَتَّى يَبْيَضَّ لَهَا وَجْهُهُ ، وَلَا يَبْقَى كَافِرٌ إِلَّا نَكَتَتْ فِي وَجْهِهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ بِخَاتَمِ سُلَيْمَانَ ، فَتَفْشُو تِلْكَ النُّكْتَةُ حَتَّى يَسْوَدَّ لَهَا وَجْهُهُ ، حَتَّى إِنَّ النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ : بِكَمْ ذَا يَا مُؤْمِنُ؟ بِكَمْ ذَا يَا كَافِرُ؟ وَحَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَجْلِسُونِ عَلَى مَائِدَتِهِمْ ، فَيَعْرِفُونَ مُؤْمِنَهُمْ مِنْ كَافِرِهِمْ ، ثُمَّ تَقُولُ [ ص: 254 ] لَهُمُ الدَّابَّةُ : يَا فُلَانُ ، أَبْشِرْ ، أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ . وَ : يَا فُلَانُ ، أَنْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ . فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ [ النَّمْلِ : 82 ] . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الدَّابَّةَ تَقْتُلُ إِبْلِيسَ الرَّجِيمَ ، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِ " الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ " ، تَصْنِيفِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ .

وَقَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى ، فَأَيَّتُهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا ، فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا " . أَيْ أَوَّلُ الْآيَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مَأْلُوفَةً ، وَإِنْ كَانَ الدَّجَّالُ ، وَنُزُولُ عِيسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ خُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، فَكُلُّ ذَلِكَ أُمُورٌ مَأْلُوفَةٌ ، لِأَنَّهُمْ بَشَرٌ ، مُشَاهَدَتُهُمْ وَأَمْثَالُهُمْ مَعْرُوفَةٌ مَأْلُوفَةٌ ، فَأَمَّا خُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى شَكْلٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ ، وَمُخَاطَبَتُهَا النَّاسَ ، وَوَسْمُهَا إِيَّاهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ ، فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَجَارِي الْعَادَاتِ ، وَذَلِكَ أَوَّلُ الْآيَاتِ الْأَرْضِيَّةِ ، كَمَا أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوَّلُ الْآيَاتِ السَّمَاوِيَّةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهَا الْمَأْلُوفَةِ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

 

======================*/====================================

 

حديث عن أبي أمامة


[ ص: 255 ] حَدِيثٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : ثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي سَلَمَةَ - الْمَاجِشُونُ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ دِلَافٍ الْمُزَنِيِّ ، لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تَخْرُجُ الدَّابَّةُ فَتَسِمُ النَّاسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِمْ ثُمَّ يَغْمُرُونَ فِيكُمْ حَتَّى يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْبَعِيرَ فَيُقَالُ : مِمَّنِ اشْتَرَيْتَهُ؟ فَيَقُولُ : مِنْ أَحَدِ الْمُخْطَمِينَ " وَقَالَ يُونُسُ - يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ - : " ثُمَّ يَغْمُرُونَ فِيكُمْ " وَلَمْ يَشُكَّ . قَالَ : فِي رَفْعِهِ . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ .

 

=================*/======================

 

ذِكْرُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا . الْآيَةَ [ الْأَنْعَامِ : 158 ] . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا .

[
ص: 256 ] قَالَ : " طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا " . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، بِهِ . وَقَالَ : غَرِيبٌ ، وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَرْفَعْهُ .

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ - عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا ، فَذَاكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ " . وَقَدْ أَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ - إِلَّا التِّرْمِذِيَّ - مِنْ طُرُقٍ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ .

ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ ، وَذَلِكَ حِيَنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا " . ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ . وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيِّ بِهِ ، وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ سَلْمَانَ ، [ ص: 257 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا; طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَالدُّخَانُ ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ " . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ وَكِيعٍ بِهِ ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ ، بِهِ ، نَحْوَهُ .

وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَيْضًا ، فَعَنْ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ; طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا . . . . " . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَمُسْلِمٌ ، وَأَهْلُ السُّنَنِ ، كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ .

وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَمِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا " . فَذَكَرَ مِنْهُنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، كَمَا تَقَدَّمَ .

وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ إِذَا غَرَبَتْ " ؟ قُلْتُ : لَا أَدْرِي . قَالَ : " إِنَّهَا تَنْتَهِي فَتَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ ، فَيُوشِكُ أَنْ يُقَالَ لَهَا : ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ . وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ [ ص: 258 ] نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا " .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ ، قَالَ : جَلَسَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَرْوَانَ بِالْمَدِينَةِ ، فَسَمِعُوهُ يَقُولُ وَهُوَ يُحَدِّثُ فِي الْآيَاتِ : إِنَّ أَوَّلَهَا خُرُوجُ الدَّجَّالِ . قَالَ : فَانْصَرَفَ النَّفَرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، فَحَدَّثُوهُ بِالَّذِي سَمِعَ مِنْ مَرْوَانَ فِي الْآيَاتِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : لَمْ يَقُلْ مَرْوَانُ شَيْئًا ، قَدْ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ ضُحًى ، فَأَيَّتُهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا ، قَرِيبًا " . ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ، وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ : وَأَظُنُّ أُولَاهُمَا خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّهَا كُلَّمَا غَرَبَتْ أَتَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ فَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ ، فَأُذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ ، حَتَّى إِذَا بَدَا لِلَّهِ أَنْ تَطْلُعَ مِنْ مَغْرِبِهَا فَعَلَتْ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ; أَتَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ فَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ ، فَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهَا شَيْءٌ ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا شَيْءٌ ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا شَيْءٌ ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَذْهَبَ ، وَعَرَفَتْ أَنَّهُ إِنْ أَذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ لَمْ تُدْرِكِ الْمَشْرِقَ ، قَالَتْ : رَبِّ ، مَا أَبْعَدَ الْمَشْرِقَ ، مَنْ لِي بِالنَّاسِ؟ حَتَّى إِذَا صَارَ الْأُفُقُ كَأَنَّهُ [ ص: 259 ] طَوْقٌ ، اسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ ، فَيُقَالُ لَهَا : ارْجِعِي مِنْ مَكَانِكِ فَاطْلُعِي . فَطَلَعَتْ عَلَى النَّاسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، ثُمَّ تَلَا عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ الْآيَةَ : يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [ الْأَنْعَامِ : 158 ] .

وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَيَّانَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ . . . وَذَكَرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ هَاهُنَا الَّتِي لَيْسَتْ مَأْلُوفَةً ، بَلْ هِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْعَادَاتِ ، وَقَدْ ظَنَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى خُرُوجِ الدَّابَّةِ ، وَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ وَمُنَاسِبٌ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ " ، فَقَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ حَيَّانَ الرَّقِّيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زِبْرِيقٍ الْحِمْصِيُّ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا خَرَّ إِبْلِيسُ سَاجِدًا يُنَادِي وَيَجْهَرُ : إِلَهِي ، مُرْنِي أَنْ أَسْجُدَ لِمَنْ شِئْتَ " . قَالَ : " فَتَجْتَمِعُ إِلَيْهِ زَبَانِيَتُهُ ، فَيَقُولُونَ : يَا سَيِّدَهُمْ ، مَا هَذَا التَّضَرُّعُ؟ [ ص: 260 ] فَيَقُولُ : إِنَّمَا سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُنْظِرَنِي إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ، وَهَذَا الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ . قَالَ : " ثُمَّ تَخْرُجُ دَابَّةُ الْأَرْضِ مِنْ صَدْعٍ فِي الصَّفَا " . قَالَ : " فَأَوَّلُ خُطْوَةٍ تَضَعُهَا بِأَنْطَاكِيَةَ ، فَتَأْتِي إِبْلِيسَ فَتَلْطِمُهُ " . وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا ، وَرَفْعُهُ فِيهِ نَكَارَةٌ ، لَعَلَّهُ مِنَ الزَّامِلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَصَابَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَ الْيَرْمُوكِ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْهُمَا أَشْيَاءَ غَرَائِبَ .

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي " الْفِتَنِ " ، أَنَّ الدَّابَّةَ تَقْتُلُ إِبْلِيسَ . وَهَذَا مِنْ أَغْرَبِ الْأَخْبَارِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِي حَدِيثِ طَالُوتَ بْنِ عَبَّادٍ ، عَنْ فَضَّالِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيِّ بْنِ عَجْلَانَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا " .

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي " تَفْسِيرِهِ " : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ [ ص: 261 ] اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ لَيْلَةٌ تَعْدِلُ ثَلَاثَ لَيَالٍ مِنْ لَيَالِيكُمْ هَذِهِ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ يَعْرِفُهَا الْمُتَنَفِّلُونَ ، يَقُومُ أَحَدُهُمْ ، فَيَقْرَأُ حِزْبَهُ ، ثُمَّ يَنَامُ ، ثُمَّ يَقُومُ ، فَيَقْرَأُ حِزْبَهُ ، ثُمَّ يَنَامُ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ صَاحَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ ، فَقَالُوا : مَا هَذَا؟ فَيَفْزَعُونَ إِلَى الْمَسَاجِدِ ، فَإِذَا هُمْ بِالشَّمْسِ قَدْ طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا ، حَتَّى إِذَا صَارَتْ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ رَجَعَتْ فَطَلَعَتْ مِنْ مَطْلِعِهَا " . قَالَ : " فَحِينَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا " .

ثُمَّ سَاقَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ رِبْعِيٍّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا آيَةُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا؟ فَقَالَ : " تَطُولُ تِلْكَ اللَّيْلَةُ حَتَّى تَكُونَ قَدْرَ لَيْلَتَيْنِ ، فَيَنْتَبِهُ الَّذِينَ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهَا ، فَيَعْمَلُونَ كَمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ قَبْلَهَا ، وَالنُّجُومُ لَا تُرَى; قَدْ بَاتَتْ مَكَانَهَا ، ثُمَّ يَرْقُدُونَ ، ثُمَّ يَقُومُونَ ، فَيُصَلُّونَ ، ثُمَّ يَرْقُدُونَ ، ثُمَّ يَقُومُونَ ، فَتَكِلُّ عَلَيْهِمْ جُنُوبُهُمْ حِينَ يَتَطَاوَلُ اللَّيْلُ ، فَيَفْزَعُ النَّاسُ وَلَا يُصْبِحُونَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَنْتَظِرُونَ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَشْرِقِهَا إِذْ طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنُوا ، وَلَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ " .

[
ص: 262 ] وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ " : أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُصَيْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ الْآمُلِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِيَاسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِجُلَسَائِهِ : أَرَأَيْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ : تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ؟ [ الْكَهْفِ : 86 ] مَاذَا يَعْنِي بِهَا؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : إِنَّهَا إِذَا غَرَبَتْ سَجَدَتْ لَهُ وَسَبَّحَتْهُ وَعَظَّمَتْهُ ، ثُمَّ كَانَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَإِذَا حَضَرَ طُلُوعُهَا ، سَجَدَتْ لَهُ وَسَبَّحَتْهُ وَعَظَّمَتْهُ ثُمَّ اسْتَأْذَنَتْهُ ، فَيُؤْذَنُ لَهَا ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي تُحْبَسُ فِيهِ ، سَجَدَتْ لَهُ وَسَبَّحَتْهُ وَعَظَّمَتْهُ ثُمَّ اسْتَأْذَنَتْهُ ، فَيُقَالُ لَهَا : اثْبُتِي . فَإِذَا حَضَرَ طُلُوعُهَا سَجَدَتْ لَهُ وَسَبَّحَتْهُ وَعَظَّمَتْهُ ثُمَّ اسْتَأْذَنَتْهُ فَيُقَالُ : اثْبُتِي . فَتُحْبَسُ مِقْدَارَ لَيْلَتَيْنِ . قَالَ : وَيَفْزَعُ الْمُتَهَجِّدُونَ ، وَيُنَادِي الرَّجُلُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ جَارَهُ : يَا فُلَانُ ، مَا شَأْنُنَا اللَّيْلَةَ؟ لَقَدْ نِمْتُ حَتَّى شَبِعْتُ وَصَلَّيْتُ حَتَّى أَعْيَيْتُ . ثُمَّ يُقَالُ لَهَا : اطْلُعِي مِنْ حَيْثُ غَرَبْتِ . فَذَلِكَ يَوْمٌ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ الْآيَةَ [ الْأَنْعَامِ : 158 ] .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ ، يَرُدُّهُ إِلَى مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ ، عَنِ ابْنِ [ ص: 263 ] السَّعْدِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا دَامَ الْعَدُوُّ يُقَاتِلُ " . فَقَالَ مُعَاوِيَةُ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ; إِحْدَاهُمَا أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ ، وَالْأُخْرَى أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَلَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتِ التَّوْبَةُ ، وَلَا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ الْمَغْرِبِ ، فَإِذَا طَلَعَتْ ، طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ ، وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ " . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ .

وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ - وَصَحَّحَهُ - وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ فَتَحَ بَابًا قِبَلَ الْمَغْرِبِ عَرْضُهُ سَبْعُونَ - أَوْ قَالَ : أَرْبَعُونَ - عَامًا لِلتَّوْبَةِ ، لَا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ " .

فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ ، مَعَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ إِيمَانًا ، أَوْ تَوْبَةً بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَعَلَامَاتِهَا الدَّالَّةِ عَلَى اقْتِرَابِهَا وَدُنُوِّهَا ، فَعُومِلَ ذَلِكَ الْوَقْتُ مُعَامَلَةَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [ الْأَنْعَامِ : 158 ] .

[
ص: 264 ] وَقَالَ تَعَالَى : فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [ غَافِرٍ : 84 ، 85 ] .

وَقَالَ تَعَالَى : فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ [ مُحَمَّدٍ : 18 ] .

وَقَدْ حَكَى الْبَيْهَقِيُّ ، عَنِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ قَالَ : أَوَّلُ الْآيَاتِ ظُهُورًا خُرُوجُ الدَّجَّالِ ، ثُمَّ نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، ثُمَّ فَتْحُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، ثُمَّ خُرُوجُ الدَّابَّةِ ، ثُمَّ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، قَالَ : لِأَنَّهَا إِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا ، فَلَوْ كَانَ نُزُولُ عِيسَى بَعْدَهَا ، لَمْ يَلْقَ كَافِرًا .

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ; لِأَنَّ إِيمَانَ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُهُمْ ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، فَمَنْ أَحْدَثَ إِيمَانًا أَوْ تَوْبَةً يَوْمَئِذٍ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا أَوْ تَائِبًا قَبْلَ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ نُزُولِ عِيسَى فِي آخِرِ الزَّمَانِ : وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [ النِّسَاءِ : 159 ] . أَيْ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى ، وَبَعْدَ نُزُولِهِ يُؤْمِنُ جَمِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِهِ إِيمَانًا ضَرُورِيًّا ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَتَحَقَّقُونَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، فَالنَّصْرَانِيُّ يَعْلَمُ كَذِبَ نَفْسِهِ فِي دَعْوَاهُ فِيهِ الرُّبُوبِيَّةَ وَالْبُنُوَّةَ ، وَالْيَهُودِيُّ يَعْلَمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ ، لَا وَلَدَ زَانِيَةٍ ، كَمَا كَانَ الْمُجْرِمُونَ مِنْهُمْ يَزْعُمُونَ ذَلِكَ ، عَلَيْهِمْ [ ص: 265 ] لِعَائِنُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ الْمُتَدَارِكُ .

==========================*/=====================================

ذِكْرُ الدُخَّانِ الَّذِي يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ : إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [ الدُّخَانِ : 10 - 16 ] . وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَمَقْنَعٌ ، وَقَدْ نَقَلَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ فَسَّرَ ذَلِكَ بِمَا كَانَ يَحْصُلُ لِقُرَيْشٍ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ ، بِسَبَبِ الْقَحْطِ الَّذِي دَعَا عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ .

وَهَذَا التَّفْسِيرُ غَرِيبٌ جِدًّا ، وَلَمْ يُنْقَلْ مِثْلُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِهِ ، وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ رَدَّ ذَلِكَ ، وَمُعَارَضَتَهُ بِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ " . فَذَكَرَ فِيهِنَّ الدُّخَانَ ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ : " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا " . فَذَكَرَ فِيهِنَّ الدُّخَانَ ، وَالْحَدِيثَانِ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مَرْفُوعَانِ ، وَالْمَرْفُوعُ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ مَوْقُوفٍ ، وَفِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ دُخَانٍ مِنَ السَّمَاءِ يَغْشَى [ ص: 266 ] النَّاسَ ، وَهَذَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ عَامٌّ ، وَلَيْسَ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ خَيَالٌ فِي أَعْيُنِ قُرَيْشٍ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ .

قَالَ تَعَالَى : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ . أَيْ : ظَاهِرٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ ، لَيْسَ خَيَالًا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ ، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ . أَيْ : يُنَادِي أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ رَبَّهُمْ بِهَذَا الدُّعَاءِ; يَسْأَلُونَ كَشْفَ هَذِهِ الشِّدَّةِ عَنْهُمْ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ آمَنُوا ، وَأَيْقَنُوا بِمَا وُعِدُوا بِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ الْكَائِنَةِ ، بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، حَيْثُ يُمْكِنُ رَفْعُهُ ، وَيُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَ : بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ قَالَ : يَجِيءُ دُخَانٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ . فَفَزِعْنَا ، فَأَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ . قَالَ : وَكَانَ مُتَّكِئًا . فَغَضِبَ فَجَلَسَ ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ : اللَّهُ أَعْلَمُ . فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ : اللَّهُ أَعْلَمُ . فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ . [ ص : 86 ] [ ص: 267 ] وَإِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنِ الْإِسْلَامِ ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ " . فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا ، وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ ، وَيَرَى الرَّجُلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَقَوْمُكَ قَدْ هَلَكُوا ، فَادْعُ اللَّهَ . فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ إِلَى قَوْلِهِ : إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمْ عَذَابُ الْآخِرَةِ إِذَا جَاءَ ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [ الدُّخَانِ : 16 ] . فَذَاكَ يَوْمُ بَدْرٍ ، فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [ الْفُرْقَانِ : 77 ] فَذَاكَ يَوْمُ بَدْرٍ ، الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [ الرُّومِ : 1 - 3 ] ، وَالرُّومُ قَدْ مَضَى ، فَقَدْ مَضَتِ الْأَرْبَعُ .

وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ ، وَمَنْصُورٍ بِهِ نَحْوَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ : فَقَدْ مَضَى الْقَمَرُ ، وَالدُّخَانُ ، وَالرُّومُ ، وَاللِّزَامُ . وَقَدْ سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ . وَقَوْلُ هَذَا الْقَاصِّ : إِنَّ هَذَا [ ص: 268 ] الدُّخَانَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . لَيْسَ بِجَيِّدٍ ، وَمِنْ هُنَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ بِالرَّدِّ ، بَلْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَكُونُ وُجُودُ هَذَا الدُّخَانِ ، كَمَا يَكُونُ وُجُودُ الْآيَاتِ ، مِنَ الدَّابَّةِ وَالدَّجَّالِ ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ عَنْ أَبَى سَرِيحَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَكَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِيهَا ، وَأَمَّا النَّارُ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ ، تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ ، تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا ، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا ، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ .

================*/==================================

 

  .ذكر الصواعق التي تكون عند اقتراب الساعة

  40.ذكر وقوع المطر الشديد قبل يوم القيامة

  41.باب ذكر أمور لا تقوم الساعة حتى تكون ، منها ما ...

  42.صفة أهل آخر الزمان

  43.ذكر طرق حديث بعثت أنا والساعة كهاتين

  44.حديث في تقريب يوم القيامة بالنسبة إلى ما سلف من...

  45.ذكر دنو الساعة واقترابها

  46.ذكر زوال الدنيا وإقبال الآخرة

  47.حديث الصور بطوله

  48.النفخ في الصور

  49.ذكر أمر هذه النار وحشرها الناس إلى أرض الشام

  50.نفخة الصعق

  51 فَصْلٌ ( اللَّهُ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ا...

  52.ست آيات قبل يوم القيامة

  53. نفخة البعث

  54.ذكر أحاديث في البعث

  55.حديث أبي رزين في البعث والنشور

  56.ذكر أسماء يوم القيامة

  57.ذكر أن يوم القيامة هو يوم النفخ في الصور لبعث ا...

  58.ذكر أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة رسول ا...

  59ذكر بعث الناس حفاة عراة غرلا ، وذكر أول من يكسى ...

  60.ذكر شيء من أهوال يوم القيامة

  61.ذكر الأحاديث والأثار الدالة على أهوال يوم القيامة

  62.فصل إذا قام الناس من قبورهم وجدوا الأرض غير صفة...

  63.ذكر طول يوم القيامة وما ورد في مقداره

  64.ذكر المقام المحمود الذي خص به رسول الله صلى الل...

  65.ذكر ما ورد في الحوض النبوي المحمدي

  66.ذكر أن لكل نبي حوضا وأن حوض نبينا محمد صلى الله...

  67.فصل في مجيء الرب سبحانه وتعالى كما يشاء يوم الق...

  68.ذكر كلام الرب تعالى مع آدم عليه السلام

  69.كلام الرب تعالى مع نوح عليه السلام وسؤاله إياه ...

  70.ذكر تشريف إبراهيم الخليل عليه السلام يوم القيام...

  71.ذكر موسى صلى الله عليه وسلم وظهور شرفه وجلالته ...

  72.ذكر عيسى عليه الصلاة والسلام وكلام الرب معه يوم...

  73.ذكر ما ورد في كلام الرب سبحانه مع العلماء يوم ف...

  74.ذكر أول كلامه عز وجل للمؤمنين

  75.فصل في مخاطبة الله عز وجل لعبده الكافر يوم القيامة

  76.فصل في إبراز النيران ، والجنان ، ونصب الميزان ،...

  77.ذكر إبداء عنق من النار إلى المحشر فيطلع على الناس

  78.ذكر الميزان

  79.بيان كون الميزان له كفتان حسيتان مشاهدتان

  80.إنكار المعتزلة للميزان والرد عليهم

  81.الحكم فيمن ثقلت حسناته على سيئاته بحسنة أو بحسنات

  82.ذكر العرض على الله عز وجل يوم القيامة وتطاير ال...

  83.فصل أول ما يقضي الله تعالى بينهم من المخلوقات ا...

  84. فصل أول ما يقضي الله فيه الدماء

  85.ذكر أول ما يقضى بين الناس فيه يوم القيامة ومن ي...

  86.حديث فيه أن الله تعالى يصالح عن عبده الذي له به...

  87.فصل ما يدعى الناس يوم القيامة بآبائهم

  88.فصل حال الناس عند أخذ الكتاب يوم القيامة >>

  89. فصل ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة

  90.ذكر من يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب

  91. ذكر كيفية تفرق العباد عن موقف الحساب وما إليه ...

  92 . فصل في ذكر الصراط غير ما ذكر آنفا من الأحاديث...

  93. فصل في ورود الناس جميعهم جهنم

  94. فصل في كيفية الحشر

  95 فصل أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر لي...

  96.كتاب صفة النار وما فيها من العذاب الأليم

  97.صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على ...

 

=========================================*/====================

 

 

 

 

 

 

 

 

..