الجمعة، 15 يونيو 2018

ص22 ج6//4 السيرة النبوية لابن هشام الحافظ

ص20.
ص21.
ص22.
 


...........................

........... ومنهم سلمان الفارسى، أبو عبد الله مولى الاسلام.
أصله من فارس وتنقلت به الاحوال إلى أن صار لرجل من يهود المدينة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أسلم سلمان وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فكاتب سيده اليهودي، وأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أداء ما عليه فنسب إليه وقال: " سلمان منا أهل البيت ".
وقد قدمنا صفة هجرته (1) من بلده وصحبته لاولئك الرهبان واحدا بعد واحد حتى آل به الحال إلى المدينة النبوية، وذكرنا صفة إسلامه رضى الله عنه في أوائل الهجرة النبوية إلى المدينة، وكانت وفاته في سنة خمس وثلاثين في آخر أيام عثمان - أو في أول سنة ست وثلاثين - وقيل: إنه توفى في أيام عمر بن الخطاب، والاول أكثر.
قال العباس بن يزيد البحراني: وكان أهل العلم لا يشكون أنه عاش مائتين وخمسين سنة، واختلفوا فيما زاد على ذلك إلى ثلاثمائة وخمسين.
وقد ادعى بعض الحفاظ المتأخرين أنه لم يجاوز المائة.
فالله أعلم بالصواب.
* * *
ومنهم شقران الحبشى، واسمه صالح بن عدى، ورثه عليه السلام من أبيه.
وقال مصعب الزبيري ومحمد بن سعد: كان لعبد الرحمن بن عوف فوهبه للنبى صلى الله عليه وسلم.
وقد روى أحمد بن حنبل، عن إسحاق بن عيسى، عن أبى معشر، أنه ذكره فيمن شهد بدرا، قال: ولم يقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) وذلك في الجزء الاول من الكتاب.
(*)
وهكذا ذكره محمد بن سعد فيمن شهد بدرا وهو مملوك فلهذا لم يسهم له بل استعمله على الاسرى، فحذاه (1) كل رجل له أسير شيئا، فحصل له أكثر من نصيب كامل.
قال: وقد كان ببدر ثلاثة غلمان غيره: غلام لعبد الرحمن بن عوف، وغلام لحاطب ابن أبى بلتعة، وغلام لسعد بن معاذ، فرضخ لهم ولم يقسم.
قال أبو القاسم البغوي: وليس له ذكر فيمن شهد بدرا في كتاب الزهري، ولا في كتاب ابن إسحاق.
وذكر الواقدي عن أبى بكر بن عبدالله بن أبى سبرة عن أبى بكر بن عبدالله بن أبى جهم قال: استعمل رسول الله شقران مولاه على جميع ما وجد في رحال المريسيع من رثة (2) المتاع والسلاح والنعم والشاء وجمع الذرية ناحية.
وقال الامام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا مسلم بن خالد، عن عمرو بن يحيى المازنى، عن أبيه، عن شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيته - يعنى النبي صلى الله عليه وسلم - متوجها إلى خيبر على حمار يصلى عليه يومئ إيماء.
وفى هذه الاحاديث شواهد أنه رضى الله عنه شهد هذه المشاهد.
وروى الترمذي عن زيد بن أخزم، عن عثمان بن فرقد، عن جعفر بن محمد، أخبرني ابن أبى رافع قال: سمعت شقران يقول: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول
الله صلى الله عليه وسلم في القبر.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: الذى اتخذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم أبو طلحة، والذى ألقى القطيفة شقران.
ثم قال: الترمذي حسن غريب.
__________
(1) حذاه: أعطاه.
(2) الرثة: ما يسقط من المتاع.
(*)
وقد تقدم أنه شهد غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في قبره، وأنه وضع تحته القطيفة التى كان يصلى عليها وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك.
وذكر الحافظ أبو الحسن بن الاثير في الغابة أنه انقرض نسله فكان آخرهم موتا بالمدينة في أيام الرشيد.
* * * ومنهم ضميرة بن أبى ضميرة الحميرى، أصابه سبى في الجاهلية فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه، ذكره مصعب الزبيري قال: وكانت له دار بالبقيع وولد.
قال عبدالله بن وهب: عن ابن أبى ذئب، عن حسين بن عبدالله بن ضميرة، عن أبيه عن جده ضميرة، أن رسول الله مر بأم ضميرة وهى تبكى فقال لها: " ما يبكيك ؟ أجائعة أنت، أعارية أنت ؟ ".
قالت: يارسول الله فرق بينى وبين ابني.
فقال رسول الله: " لا يفرق بين الوالدة وولدها ".
ثم أرسل إلى الذى عنده ضميرة فدعاه فابتاعه منه ببكر.
قال ابن أبى ذئب: ثم أقرأنى كتابا عنده: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله لابي ضميرة وأهل بيته، أن رسول الله أعتقهم، وأنهم أهل بيت
من العرب، إن أحبوا أقاموا عند رسول الله، وإن أحبوا رجعوا إلى قومهم، فلا يعرض لهم إلا بحق، ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيرا.
وكتب أبى بن كعب.
ومنهم طهمان، ويقال ذكوان.
ويقال مهران، ويقال ميمون، وقيل كيسان، وقيل باذام.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الصدقة لا تحل لى ولا لاهل بيتى، وإن مولى القوم من أنفسهم ".
رواه البغوي عن منجاب بن الحارث وغيره، عن شريك، عن عطاء بن السائب،
عن إحدى بنات على بن أبى طالب وهى أم كلثوم بنت على، قالت: حدثنى مولى للنبى صلى الله عليه وسلم يقال له طهمان أو ذكوان، قال قال رسول الله.
فذكره.
ومنهم عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو داود الطيالسي: عن شعبة، عن سليمان التيمى، عن شيخ، عن عبيد مولى للنبى صلى الله عليه وسلم قال: قلت: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بصلاة سوى المكتوبة ؟ قال: صلاة بين المغرب والعشاء.
قال أبو القاسم البغوي: لا أعلم روى غيره.
قال ابن عساكر: وليس كما قال.
ثم ساق من طريق أبى يعلى الموصلي: حدثنا عبدالاعلى بن حماد، حدثنا حماد بن سلمة، عن سليمان التيمى، عن عبيد مولى رسول الله أن امرأتين كانتا صائمتين، وكانتا تغتابان الناس، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فقال لهما: " قيئا " فقاءا قيحا ودما ولحما عبيطا ثم قال: " إن هاتين صامتا عن الحلال وأفطرتا على الحرام ".
وقد رواه الامام أحمد، عن يزيد بن هارون وابن أبى عدى، عن سليمان التيمى، عن رجل حدثهم في مجلس أبى عثمان، عن عبيد مولى رسول الله فذكره.
ورواه أحمد أيضا عن غندر، عن عثمان بن غياث قال: كنت مع أبى عثمان فقال
رجل: حدثنى سعيد - أو عبيد -، يشك عثمان، مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
فذكره.
ومنهم فضالة مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن سعد: أنبأنا الواقدي، حدثنى عتبة بن خيرة الاشهلى، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبى بكر محمد بن عمرو بن حزم، أن افحص لى عن خدم رسول الله من الرجال والنساء ومواليه.
فكتب إليه قال: وكان فضالة مولى له يمانى نزل الشام بعد، وكان أبو مويهبة مولدا من مولدي مزينة فأعتقه قال ابن عساكر: لم أجد لفضالة ذكرا في الموالى إلا من هذا الوجه.
ومنهم قفيز أوله قاف وآخره زاى.
قال أبو عبد الله بن منده: أنبأنا سهل بن السرى، حدثنا أحمد بن محمد بن المنكدر، حدثنا محمد بن يحيى، عن محمد بن سليمان الحرانى، عن زهير بن محمد، عن أبى بكر بن عبدالله بن أنيس، قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يقال له قفيز.
تفرد بن محمد بن سليمان.
ومنهم كركرة، كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته.
وقد ذكر أبو بكر بن حزم فيما كتب به إلى عمر بن عبد العزيز.
قال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن سالم بن أبى الجعد، عن عبدالله ابن عمرو، قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة، فمات فقال: " هو في النار " فنظروا فإذا عليه عباءة قد غلها، أو كساء قد غله.
رواه البخاري عن على بن المدينى، عن سفيان.
قلت: وقصته شبيهة بقصة مدعم الذى أهداه رفاعة من بنى النصيب كما سيأتي.
ومنهم كيسان.
قال البغوي: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا ابن فضيل، عن عطاء بن السائب قال: أتيت أم كلثوم بنت على فقالت: حدثنى مولى للنبى صلى الله عليه وسلم يقال له كيسان قال له النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من أمر الصدقة: " إنا أهل بيت نهينا أن نأكل الصدقة، وإن مولانا من أنفسنا فلا تأكل الصدقة ".
ومنهم مابور القبطى الخصى، أهداه له صاحب إسكندرية مع مارية وشيرين والبغلة.
وقد قدمنا من خبره في ترجمة مارية رضى الله عنهما ما فيه كفاية.
ومنهم مدعم، وكان أسود من مولدي حسمى (1) أهداه رفاعة بن زيد الجذامي، قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك مرجعهم من خيبر.
فلما وصلوا إلى وادى القرى فبينما مدعم يحط عن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم رحلها، إذ جاءه سهم عائر فقتله، فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلا والذى نفسي بيده، إن الشملة التى أخذها يوم خيبر - لم تصبها المقاسم - لتشتعل عليه نارا ".
فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك - أو شراكين - فقال النبي صلى الله عليه وسلم " شراك من نار، أو شرا كان من نار ".
أخرجاه من حديث مالك، عن ثور بن يزيد، عن أبى الغيث، عن أبى هريرة.
ومنهم مهران ويقال طهمان، وهو الذى روت عنه أم كلثوم بنت على في تحريم الصدقة على بنى هاشم ومواليهم كما تقدم.
ومنهم ميمون وهو الذى قبله (2).
ومنهم نافع مولاه.
قال الحافظ ابن عساكر: أنبأنا أبو الفتح الماهانى، أنبأنا شجاع الصوفى، أنبأنا محمد ابن إسحاق، أنبأنا أحمد بن محمد بن زياد، حدثنا محمد بن عبدالملك بن مروان، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا أبو مالك الاشجعى، عن يوسف بن ميمون، عن نافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يدخل الجنة شيخ زان، ولا مسكين متكبر، ولا منان بعمله على الله عزوجل ".
__________
(1) حسمى: أرض ببادية الشام.
(2) قتله.
وهو تحريف.
(*)
ومنهم نفيع، ويقال مسروح، ويقال نافع بن مسروح والصحيح نافع بن الحارث ابن كلدة بن عمرو بن علاج بن سلمة بن عبدالعزى بن غيرة بن عوف بن قيس، وهو ثقيف أبو بكرة الثقفى.
وأمه سمية أم زياد.
تدلى هو وجماعة من العبيد من سور الطائف، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان نزوله في بكرة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرة.
قال أبو نعيم: وكان رجلا صالحا آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبى برزة الاسلمي.
قلت: وهو الذى صلى عليه بوصيته إليه، ولم يشهد أبو بكرة وقعة الجمل، ولا أيام صفين، وكانت وفاته في سنة إحدى وخمسين، وقيل سنة اثنتين وخمسين.
ومنهم واقد، أو أبو واقد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ أبو نعيم الاصبهاني: حدثنا أبو عمرو بن حمدان، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم، حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا الهيثم بن حماد، عن الحارث بن غسان، عن رجل من قريش من أهل المدينة، عن زاذان، عن واقد مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أطاع
الله فقد ذكر الله، وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن، ومن عصى الله فلم يذكره، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ".
ومنهم هرمز أبو كيسان، ويقال هرمز أو كيسان، وهو الذى يقال فيه طهمان كما تقدم.
وقد قال ابن وهب: حدثنا على بن عابس، عن عطاء بن السائب، عن فاطمة بنت على، أو أم كلثوم بنت على قالت: سمعت مولى لنا يقال له هرمز يكنى أبا كيسان، قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة، وإن موالينا من أنفسنا فلا تأكلوا الصدقة ".
وقد رواه الربيع بن سليمان، عن أسد بن موسى، عن ورقاء، عن عطاء بن السائب، قال: دخلت على أم كلثوم فقالت: إن هرمز أو كيسان حدثنا أن رسول الله قال: " إنا لا نأكل الصدقة ".
وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا منصور بن أبى مزاحم، حدثنا أبو حفص الابار، عن ابن أبى زياد، عن معاوية قال: شهد بدرا عشرون مملوكا، منهم مملوك للنبى صلى الله عليه وسلم يقال له هرمز، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " إن الله قد أعتقك وإن مولى القوم من أنفسهم ; وإنا أهل بيت لا نأكل الصدقة فلا تأكلها ".
ومنهم هشام مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن سعد: أنبأنا سليمان بن عبيدالله الرقى، أنبأنا محمد بن أيوب الرقى، عن سفيان، عن عبد الكريم، عن أبى الزبير، عن هشام مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي لا تدفع يد لامس.
قال: " طلقها " قال: إنها تعجبني، قال: " فتمتع بها ".
قال ابن منده: وقد رواه جماعة عن سفيان الثوري، عن أبى الزبير، عن مولى بنى هاشم عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمه.
ورواه عبيدالله بن عمرو، عن عبد الكريم،
عن أبى الزبير، عن جابر.
ومنهم يسار، ويقال إنه الذى قتله العرنيون وقد مثلوا به.
وقد ذكر الواقدي بسنده عن يعقوب بن عتبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه يوم قرقرة الكدر مع نعم بنى غطفان وسليم، فوهبه الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله منهم، لانه رآه يحسن الصلاة فأعتقه، ثم قسم في الناس النعم فأصاب كل إنسان منهم سبعة أبعرة، وكانوا مائتين.
ومنهم أبو الحمراء مولى النبي صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو الذى يقال إن اسمه هلال بن الحارث، وقيل ابن مظفر، وقيل هلال بن الحارث بن ظفر السلمى، أصابه سباء في الجاهلية.
وقال أبو جعفر محمد بن على بن دحيم: حدثنا أحمد بن حازم، أنبأنا عبدالله بن موسى والفضل بن دكين، عن يونس بن أبى إسحاق، عن أبى داود القاص، عن أبى الحمراء، قال: رابطت المدينة سبعة أشهر كيوم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي باب على وفاطمة كل غداة فيقول: " الصلاة الصلاة، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ".
قال أحمد بن حازم: وأنبأنا عبيدالله بن موسى والفضل بن دكين - واللفظ له - عن يونس بن أبى إسحاق، عن أبى داود، عن أبى الحمراء، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل عنده طعام في وعاء فأدخل يده، فقال: " غششته ! من غشنا فليس منا ".
وقد رواه ابن ماجه، عن أبى بكر بن أبى شيبة عن أبى نعيم به.
وليس عنده سواه.
وأبو داود هذا هو نفيع بن الحارث الاعمى أحد المتروكين الضعفاء.
قال عباس الدوري عن ابن معين: أبو الحمراء صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم اسمه هلال بن الحارث، كان يكون بحمص، وقد رأيت بها غلاما من ولده.
وقال غيره: كان منزله خارج باب حمص.
وقال أبو الوازع عن سمرة: كان أبو الحمراء في الموالى.
ومنهم أبو سلمة راعى النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال أبو سلام واسمه حريث.
قال أبو القاسم البغوي: حدثنا كامل بن طلحة، حدثنا عباد بن عبد الصمد، حدثنى أبو سلمة راعى النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " من لقى الله يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وآمن بالبعث والحساب ; دخل الجنة ".
قلنا: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأدخل إصبعيه في أذنيه ثم قال: أنا سمعت هذا منه غير مرة، ولا مرتين، ولا ثلاث، ولا أربع.
لم يورد له ابن عساكر سوى هذا الحديث.
وقد روى له النسائي في اليوم والليلة آخر، وأخرج له ابن ماجه ثالثا.
ومنهم أبو صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو القاسم البغوي: حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا معتمر، حدثنا أبو كعب عن جده بقية، عن أبى صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يوضع له نطع (1) ويجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار، ثم يرفع فإذا صلى الاولى سبح حتى يمسى.
ومنهم أبو ضميرة مولى النبي صلى الله عليه وسلم والد ضميرة المتقدم، وزوج أم ضميرة.
وقد تقدم في ترجمة ابنه طرف من ذكرهم وخبرهم في كتابهم وقال محمد بن سعد في الطبقات: أنبأنا إسماعيل بن عبدالله بن أويس المدنى، حدثنى حسين بن عبدالله بن أبى ضميرة، أن الكتاب الذى كتبه رسول الله صلى الله عليه
وسلم لابي ضميرة: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من محمد رسول الله لابي ضميرة وأهل بيته، إنهم كانوا أهل بيت من العرب، وكانوا ممن أفاء الله على رسوله فأعتقهم ثم خير أبا ضميرة إن أحب أن يلحق بقومه فقد أذن له، وإن أحب أن يمكث مع رسول الله فيكونوا من أهل بيته، فاختار الله ورسوله ودخل في الاسلام، فلا يعرض لهم أحد إلا بخير، ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيرا، وكتب أبى بن كعب.
__________
(1) النطع: بساط من الاديم، وهو الجلد.
(*)
قال إسماعيل بن أبى أويس: فهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد حمير.
وخرج قوم منهم في سفر ومعهم هذا الكتاب فعرض لهم اللصوص، فأخذوا ما معهم فأخرجوا هذا الكتاب إليهم فأعلموهم بما فيه، فقرءوه فردوا عليهم ما أخذوا منهم ولم يعرضوا لهم.
قال: ووفد حسين بن عبدالله بن أبى ضميرة إلى المهدى أمير المؤمنين وجاء معه بكتابهم هذا، فأخذه المهدى فوضعه على بصره، وأعطى حسينا ثلاثمائة دينار.
ومنهم أبو عبيد مولاه عليه الصلاة والسلام.
قال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا أبان العطار، حدثنا قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبى عبيد أنه طبخ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدرا فيها لحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ناولنى ذراعها " فناولته فقال: " ناولنى ذراعها " فناولته فقال " ناولنى ذراعها ".
فقلت: يا نبى الله كم للشاة من ذراع ؟ قال: " والذى نفسي بيده لو سكت لاعطيتني ذراعها ما دعوت به ".
ورواه الترمذي في الشمائل عن بندار، عن مسلم بن إبراهيم، عن أبان بن يزيد العطار به.
* * * ومنهم أبوعسيب، ومنهم من يقول أبوعسيم، والصحيح الاول، ومن الناس من فرق بينهما.
وقد تقدم أنه شهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ; وحضر دفنه، وروى قصة المغيرة بن شعبة.
وقال الحارث بن أبى أسامة: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا مسلم بن عبيد أبو
نضرة، قال سمعت أبا عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتانى جبريل بالحمى والطاعون ; فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة لامتي ورحمة لهم ورجس على الكافر ".
وكذا رواه الامام أحمد عن يزيد بن هارون.
وقال أبو عبد الله بن منده: أنبأنا محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصغانى حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حشرج بن نباتة، حدثنى أبو نضرة البصري، عن أبى عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فمر بى فدعاني ثم مر بأبى بكر فدعاه فخرج إليه، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه، ثم انطلق يمشى حتى دخل حائطا لبعض الانصار، فقال رسول الله لصاحب الحائط: " أطعمنا بسرا " فجاء به فوضعه فأكل رسول الله وأكلوا جميعا ثم دعا بماء فشرب منه، ثم قال: " إن هذا النعيم، لتسألن يوم القيامة عن هذا " فأخذ عمر العذق فضرب به الارض حتى تناثر البسر، ثم قال: يا نبى الله إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال: " نعم إلا من ثلاثة، خرقة يستر بها الرجل عورته.
أو كسرة يسد بها جوعته، أو حجر يدخل فيه - يعنى من الحر والقر - ".
ورواه الامام أحمد عن شريح، عن حشرج.
وروى محمد بن سعد في الطبقات عن موسى بن إسماعيل، حدثتنا مسلمة بنت أبان الفريعية، قالت: سمعت ميمونة بنت أبى عسيب قالت: كان أبوعسيب يواصل بين ثلاث في الصيام، وكان يصلى الضحى قائما فعجز، وكان يصوم أيام البيض.
قالت: وكان في سريره جلجل فيعجز صوته حين يناديها به، فإذا حركه جاءت.
* * * ومنهم أبو كبشة الانمارى، من أنمار مذحج على المشهور، مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
في اسمه أقوال أشهرها أن اسمه سليم، وقيل عمرو بن سعد، وقيل عكسه.
وأصله من مولدي أرض دوس، وكان ممن شهد بدرا.
قاله موسى بن عقبة عن الزهري.
وذكره ابن إسحاق والبخاري والواقدى ومصعب الزبيري وأبو بكر بن أبى خيثمة.
زاد الواقدي: وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد.
وتوفى يوم استخلف عمر بن الخطاب، وذلك في يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة.
وقال خليفة بن خياط: وفى سنة ثلاث وعشرين توفى أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد تقدم عن أبى كبشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر في ذهابه إلى تبوك بالحجر جعل الناس يدخلون بيوتهم، فنودى أن الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما يدخلكم على هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم ؟ " فقال رجل: نعجب منهم يا رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفسكم
ينبئكم بما كان قبلكم، وما هو كائن بعدكم " الحديث.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبدالرحمن بن مهدى، عن معاوية بن صالح ; عن أزهر ابن سعيد الحوارى، سمعت أبا كبشة الانمارى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه، فدخل ثم خرج وقد اغتسل، فقلنا: يا رسول الله قد كان شئ ؟ قال: " أجل، مرت بى فلانة فوقع في نفسي شهوة النساء فأتيت بعض أزواجي فأصبتها، فكذلك فافعلوا، لانه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال ".
وقال أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا الاعمش، عن سالم بن أبى الجعد، عن أبى كبشة
الانمارى، قال: قال رسول الله: " مثل هذه الامة مثل أربعة نفر.
رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله وينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول: لو كان لى مثل مال هذا عملت فيه مثل الذى يعمل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهما في الاجر سواء ".
ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط (1) فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لى مثل مال هذا عملت فيه مثل الذى يعمل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهما في الوزر سواء ".
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة وعلى بن محمد، كلاهما عن وكيع.
ورواه ابن ماجه أيضا من وجه آخر من حديث منصور، عن سالم بن أبى الجعد، عن ابن أبى كبشة، عن أبيه.
وسماه بعضهم عبدالله بن أبى كبشة.
وقال أحمد، حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا محمد بن حرب، حدثنا الزبيدى، عن راشد بن سعد، عن أبى عامر الهوزنى، عن أبى كبشة الانمارى، أنه أتاه فقال: أطرقنى من فرسك، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أطرق مسلما فعقب له الفرس كان كأجر سبعين حمل عليه في سبيل الله عزوجل ".
وقد روى الترمذي عن محمد بن إسماعيل، عن أبى نعيم، عن عبادة بن مسلم، عن يونس بن خباب، عن سعيد أبى البخترى الطائى، حدثنى أبو كبشة أنه قال: ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه ; ما نقص مال عبد صدقة وما ظلم عبد بمظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر.
الحديث.
__________
(1) يخبط: يسير فيه على غير هدى.
(*)
وقال: حسن صحيح.
وقد رواه أحمد عن غندر، عن شعبة، عن الاعمش، عن سالم بن أبى الجعد عنه.
وروى أبو داود وابن ماجه من حديث الوليد بن مسلم، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن أبى كبشة الانمارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه.
وروى الترمذي حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا محمد بن حمران، عن أبى سعيد - وهو عبدالله بن بسر - قال: سمعت أبا كبشة الانمارى يقول: كانت كمام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطحا (1).
* * * ومنهم أبو مويهبة مولاه عليه السلام، كان من مولدي مزينة، اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، ولا يعرف اسمه رضى الله عنه.
وقال أبو مصعب الزبيري: شهد أبو مويهبة المريسيع، وهو الذى كان يقود لعائشة رضى الله عنها بعيرها.
وقد تقدم ما رواه الامام أحمد بسنده عنه في ذهابه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل إلى البقيع، فوقف عليه السلام فدعا لهم واستغفر لهم ثم قال: " ليهنكم ما أنتم
فيه مما فيه بعض الناس، أتت الفتن كقطع الليل المظلم يركب بعضها بعضا، الآخرة أشد من الاولى، فليهنكم أنتم فيه ".
ثم رجع فقال: " يا أبا مويهبة إنى خيرت مفاتيح ما يفتح على أمتى من بعدى والجنة أو لقاء ربى ; فاخترت لقاء ربى " قال: فما لبث بعد ذلك إلا سبعا - أو ثمانيا - حتى قبض.
فهؤلاء عبيده عليه السلام.
__________
(1) الكمام: القلانس.
والبطح: اللازقة بالرأس غير الذاهبة في الهواء.
(*)
وأما إماؤه عليه السلام فمنهن أمة الله بنت رزينة (1).
الصحيح أن الصحبة لامها رزينة كما سيأتي، ولكن وقع في رواية ابن أبى عاصم: حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا محمد بن موسى، حدثتنا عليكة بنت الكميت العتكية، قالت حدثنى أبى، عن أمة الله خادم النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله سبى صفية يوم قريظة والنضير فأعتقها وأمهرها رزينة أم أمة الله.
وهذا حديث غريب جدا.
[ ومنهن أميمة.
قال ابن الاثير وهى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ] (2).
روى حديثها أهل الشام.
روى عنها جبير بن نفير أنها كانت توضئ رسول الله، فأتاه رجل يوما فقال له: أوصني، فقال: " لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت بالنار، ولا تدع صلاة متعمدا، فمن تركها متعمدا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله، ولا تشربن مسكرا فإنه رأس كل خطيئة، ولا تعصين والديك وإن أمراك أن تختلى من أهلك ودنياك ".
ومنهن بركة أم أيمن وأم أسامة بن زيد بن حارثة.
وهى بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين بن مالك بن سلمة بن عمرو بن
النعمان الحبشية.
غلب عليها كنيتها أم أيمن، وهو ابنها من زوجها الاول عبيد بن زيد الحبشى، ثم تزوجها بعده زيد بن حارثة فولدت له أسامة بن زيد، وتعرف بأم الظباء.
__________
(1) رزينة: بفتح أولها، وقيل بالتصغير.
الاصابة 8 / 81 (2) سقط من ح (*)
وقد هاجرت الهجرتين رضى الله عنها، وهى حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه امنة بنت وهب، وقد كانت ممن ورثها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيه.
قاله الواقدي.
وقال غيره: بل ورثها من أمه.
وقيل: بل كانت لاخت خديجة فوهبتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنت قديما وهاجرت، وتأخرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وتقدم ما ذكرناه من زيارة أبى بكر [ وعمر ] رضى الله عنهما إياها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها بكت فقالا لها: أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: بلى، ولكن أبكى لان الوحى قد انقطع من السماء.
فجعلا يبكيان معها.
وقال البخاري في التاريخ: وقال عبدالله بن يوسف، عن ابن وهب، عن يونس ابن يزيد، عن الزهري، قال: كانت أم أيمن تحضن النبي صلى الله عليه وسلم حتى كبر، فأعتقها ثم زوجها زيد بن حارثة.
وتوفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر.
وقيل سته أشهر.
وقيل: إنها بقيت بعد قتل عمر بن الخطاب.
وقد رواه مسلم عن أبى الطاهر وحرملة، كلاهما عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، قال: كانت أم أيمن الحبشية فذكره.
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: توفيت أم أيمن في أول خلافة عثمان بن عفان.
قال الواقدي: وأنبأنا يحيى بن سعيد بن دينار، عن شيخ من بنى سعد بن بكر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لام أيمن: " يا أمه " وكان إذا نظر إليها قال: " هذه بقية أهل بيتى ".
وقال أبو بكر بن أبى خيثمة: أخبرني سليمان بن أبى شيخ، قال: كان
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أم أيمن أمي بعد أمي ".
وقال الواقدي، عن أصحابه المدنيين قالوا: نظرت أم أيمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشرب فقالت: اسقنى.
فقالت عائشة: أتقولين هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! فقالت: ما خدمته أطول.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صدقت " فجاء بالماء فسقاها.
وقال المفضل بن غسان: حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبى، قال: سمعت عثمان ابن القاسم قال: لما هاجرت أم أيمن أمست بالمنصرف دون الروحاء وهى صائمة، فأصابها عطش شديد حتى جهدها.
قال: فدلى عليها دلو من السماء برشاء أبيض فيه ماء قالت: فشربت فما أصابني عطش بعد، وقد تعرضت العطش بالصوم في الهواجر فما عطشت بعد ! وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن أبى بكر المقدمى، حدثنا سالم بن قتيبة، عن الحسين بن حريث، عن يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبدالرحمن، عن أم أيمن قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فخارة يبول فيها، فكان إذا أصبح يقول: " يا أم أيمن صبى ما في الفخارة " فقمت ليلة وأنا عطشى فشربت ما فيها، فقال رسول الله: " يا أم أيمن صبى ما في الفخارة " فقالت: يا رسول الله قمت وأنا عطشى فشربت ما فيها فقال: " إنك لن تشتكى بطنك بعد يومك هذا أبدا " (1).
قال ابن الاثير في الغابة: وروى حجاج بن محمد، عن [ ابن ] جريج، عن حكيمة بنت أميمة، عن أمها أميمة بنت رقيقة قالت: كان للنبى صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه يضعه تحت السرير، فجاءت امرأة اسمها بركة فشربته، فطلبه
__________
(1) ننبه إلى أن أمثال هذه الروايات منافية في حقيقتها للمعروف من هدى الرسول وأمره، ولا يلزم أحدا تصديقها، ومن ثم فليس لها وزن علمي.
(*)
فلم يجده، فقيل: شربته بركة.
فقال: " لقد احتظرت من النار بحظار ".
قال الحافظ أبو الحسن بن الاثير: وقيل إن التى شربت بوله عليه السلام إنما هي بركة الحبشية التى قدمت مع أم حبيبة من الحبشة، وفرق بينهما.
فالله أعلم.
قلت: فأما بريرة فإنها كانت لآل أبى أحمد بن جحش، فكاتبوها فاشترتها عائشة منهم فأعتقتها، فثبت ولاؤها لها كما ورد الحديث بذلك في الصحيحين، ولم يذكرها ابن عساكر.
ومنهن خضرة.
ذكرها ابن منده فقال: [ روى معاوية عن هشام، عن سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال ] (1): كان للنبى صلى الله عليه وسلم خادم يقال لها خضرة.
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: حدثنا فائد مولى عبيد الله، عن عبيدالله بن على بن أبى رافع، عن جدته سلمى قالت: كان خدم رسول الله: أنا وخضرة ورضوى وميمونة بنت سعد، أعتقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهن.
ومنهن خليسة مولاة حفصة بنت عمر.
قال ابن الاثير في الغابة: روت حديثها عليكة بنت الكميت عن جدتها، عن خليسة مولاة حفصة، في قصة حفصة وعائشة مع سودة بنت زمعة ومزحهما معها بأن الدجال قد خرج، فاختبأت في بيت كانوا يوقدون فيه واستضحكتا، وجاء رسول الله فقال:
" ما شأنكما ؟ " فأخبرتاه بما كان من أمر سودة، فذهب إليها فقالت: يا رسول الله أخرج الدجال ؟ فقال: " لا، وكأن قد خرج " فخرجت وجعلت تنفض عنها بيض العنكبوت.
وذكر ابن الاثير خليسة مولاة سلمان الفارسى وقال: لها ذكر في إسلام سلمان وإعتاقها إياه، وتعويضه عليه السلام لها بأن غرس لها ثلاثمائة فسيلة، ذكرتها تمييزا.
__________
(1) سقطت من ا.
(*)
ومنهن خولة خادم النبي صلى الله عليه وسلم، كذا قال ابن الاثير.
وقد روى حديثها الحافظ أبو نعيم من طريق حفص بن سعيد القرشى، عن أمه، عن أمها خولة وكانت خادم النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثا في تأخر الوحى بسبب جرو كلب مات تحت سريره عليه السلام ولم يشعروا به، فلما أخرجه جاء الوحى، فنزل قوله تعالى: " والضحى والليل إذا سجى ".
وهذا غريب، والمشهور في سبب نزولها غير ذلك.
والله أعلم.
* * * ومنهن رزينة، قال ابن عساكر: والصحيح أنها كانت لصفية بنت حيى، وكانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وقد تقدم في ترجمة ابنتها أمة الله أنه عليه السلام أمهر صفية بنت حيى أمها رزينة، فعلى هذا يكون أصلها له عليه السلام.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو سعيد الجشمى، حدثتنا عليكة بنت الكميت، قالت سمعت أمي أمينة قالت حدثتني أمة الله بنت رزينة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى صفية يوم قريظة والنضير حين فتح الله عليه، فجاء يقودها سبية، فلما رأت النساء قالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وإنك رسول
الله.
فأرسلها وكان ذراعها في يده، فأعتقها ثم خطبها وتزوجها وأمهرها رزينة.
هكذا وقع في هذا السياق، وهو أجود مما سبق من رواية ابن أبى عاصم.
ولكن الحق أنه عليه السلام اصطفى صفية من غنائم خيبر، وأنه أعتقها وجعل عتقها صداقها وما وقع في هذه الرواية يوم قريظة والنضير تخبيط فإنهما يومان بينهما سنتان.
والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقى في الدلائل: أخبرنا ابن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد
الصفار، حدثنا على بن الحسن السكرى، حدثنا عبيدالله بن عمر القواريرى، حدثتنا عليكة بنت الكميت العتكية، عن أمها أمينة، قالت قلت لامة الله بنت رزينة مولاة رسول الله: يا أمة الله أسمعت أمك تذكر أنها سمعت رسول الله يذكر صوم عاشوراء ؟ قالت: نعم كان يعظمه ويدعو برضعائه ورضعاء ابنته فاطمة فيتفل في أفواههم ويقول لامهاتهم: " لا ترضعيهم إلى الليل ".
له شاهد في الصحيح.
ومنهن رضوى، قال ابن الاثير: روى سعيد بن بشير، عن قتادة، عن رضوى بنت كعب، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحائض تخضب، فقال " ما بذلك بأس " رواه أبو موسى المدينى.
ومنهن ريحانة بنت شمعون القرظية، وقيل النضرية، وقد تقدم ذكرها بعد أزواجه رضى الله عنهن.
ومنهن زرينة والصحيح رزينة كما تقدم.
ومنهن سائبة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روت عنه حديثا في اللقطة، وعنها طارق بن عبدالرحمن، روى حديثها أبو موسى
المدينى هكذا ذكر ابن الاثير في الغابة.
ومنهن سديسة الانصارية، وقيل مولاة حفصة بنت عمر.
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه ".
قال ابن الاثير: رواه عبدالرحمن بن الفضل بن الموفق، عن أبيه، عن إسرائيل، عن الاوزاعي عن سالم، عن سديسة، ورواه إسحاق بن يسار عن الفضل.
فقال عن
سديسة، عن حفصة عن النبي صلى عليه وسلم، فذكره.
رواه أبو نعيم وابن مندة.
ومنهن سلامة، حاضنة إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روت عنه حديثا في فضل الحمل والطلق والرضاع والسهر، فيه غرابة ونكارة من جهة إسناده ومتنه.
رواه أبو نعيم وابن مندة، من حديث هشام بن عمار بن نصير خطيب دمشق، عن أبيه عمرو بن سعيد الخولانى، عن أنس عنها.
ذكرها ابن الاثير.
ومنهن سلمى، وهى أم رافع امرأة أبى رافع، كما رواه الواقدي عنها أنها قالت: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وخضرة ورضوى وميمونة بنت سعد فأعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلنا.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو عامر وأبو سعيد مولى بنى هاشم، حدثنا عبدالرحمن ابن أبى الموالى، عن فائد مولى ابن أبى رافع، عن جدته سلمى خادم النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ما سمعت قط أحدا يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا في رأسه إلا قال: " احتجم " وفى رجليه إلا قال: " اخضبهما بالحناء ".
وهكذا رواه أبو داود من حديث ابن أبى الموالى، والترمذي وابن ماجه من حديث زيد بن الحباب، كلاهما عن فائد عن مولاه عبيدالله بن على بن أبى رافع، عن جدته سلمى به.
وقال الترمذي: غريب إنما نعرفه من حديث فائد.
وقد روت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يطول ذكرها واستقصاؤها.
قال مصعب الزبيري: وقد شهدت سلمى وقعة حنين.
قلت: وقد ورد أنها كانت تطبخ للنبى صلى الله عليه وسلم الحريرة فتعجبه.
وقد تأخرت إلى بعد موته عليه السلام، وشهدت وفاة فاطمة رضى الله عنها، وقد كانت أولا لصفية بنت عبدالمطلب عمته عليه السلام، ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت قابلة أولاد فاطمة وهى التى قبلت إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شهدت غسل فاطمة وغسلتها مع زوجها على بن أبى طالب وأسماء بنت عميس امرأة الصديق.
وقد قال لامام: أحمد حدثنا أبو النضر، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن عبيدالله بن على بن أبى رافع، عن أبيه، عن سلمى، قالت: أشتكت فاطمة عليها السلام شكواها الذى قبضت فيه، فكنت أمرضها.
فأصبحت يوما كمثل ما يأتيها في شكواها ذلك.
قالت: وخرج على لبعض حاجته فقالت: يا أمه اسكبي لى غسلا.
فسكبت لها غسلا فأغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: يا أمه أعطني ثيابي الجدد.
فلبستها، ثم قالت: يا أمه قدمى لى فراشي وسط البيت، ففعلت، واضطجعت فاستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها ثم قالت: يا أمه إنى مقبوضة الآن، وقد تطهرت فلا يكشفنى أحد.
فقبضت مكانها.
قالت: فجاء على فأخبرته.
وهو غريب جدا.
* * * ومنهن شيرين، ويقال سيرين، أخت مارية القبطية خالة إبراهيم عليه السلام، وقدمنا أن المقوقس صاحب اسكندرية واسمه جريج بن مينا أهداهما مع غلام اسمه مابور وبغلة يقال لها الدلدل فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت، فولدت له ابنه عبدالرحمن بن حسان.
ومنهن عنقودة أم مليح الحبشية، جارية عائشة، كان اسمها عنبة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنقودة.
رواه أبو نعيم.
ويقال اسمها غفيرة.
فروة ظئر النبي صلى الله عليه وسلم - يعنى مرضعه.
قالت قال لى رسول الله: " إذا أويت إلى فراشك فاقرئي: قل يا أيها الكافرون فإنها براءة من الشرك ".
ذكرها أبو أحمد العسكري.
قاله ابن الاثير في الغابة.
فأما فضة النوبية فقد ذكر ابن الاثير في الغابة أنها كانت مولاة لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أورد بإسناد مظلم عن محبوب بن حميد البصري، عن القاسم بن بهرام، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله تعالى: " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ".
ثم ذكر ما مضمونه: أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وعادهما عامة العرب، فقالوا لعلى: لو نذرت ؟ فقال على: إن برئا مما بهما صمت لله ثلاثة أيام.
وقالت فاطمة كذلك، وقالت فضة كذلك.
فألبسهما الله العافية فصاموا، وذهب على فاستقرض من شمعون الخيبرى ثلاثة آصع من شعير، فهيأوا منه تلك الليلة صاعا، فلما وضعوه بين أيديهم للعشاء وقف على
الباب سائل فقال: أطعموا المسكين أطعمكم الله على موائد الجنة.
فأمرهم على فأعطوه ذلك الطعام وطووا، فلما كانت الليلة الثانية صنعوا لهم الصاع الآخر فلما وضعوه بين أيديهم وقف سائل فقال: أطعموا اليتيم.
فأعطوه ذلك وطووا.
فلما كانت الليلة الثالثة قال: أطعموا الاسير.
فأعطوه وطووا ثلاثة أيام وثلاث ليال.
فأنزل الله في حقهم: " هل أتى على الانسان " إلى قوله " لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ".
وهذا الحديث منكر، ومن الائمة من يجعله موضوعا ويسند ذلك إلى ركة ألفاظه، وأن هذه السورة مكية والحسن والحسين إنما ولدا بالمدينة.
والله أعلم.
ليلى مولاة عائشة، قالت: يا رسول الله إنك تخرج من الخلاء فأدخل في أثرك فلم أر شيئا، إلا أنى أجد ريح المسك ؟ فقال: " إنا معشر الانبياء تنبت أجسادنا على أرواح أهل الجنة، فما خرج منا من نتن ابتلعته الارض ".
رواه أبو نعيم من حديث أبى عبدالله المدنى - وهو أحد المجاهيل - عنها.
مارية القبطية أم إبراهيم، تقدم ذكرها مع أمهات المؤمنين.
وقد فرق ابن الاثير بينها وبين مارية أم الرباب، قال: وهى جارية للنبى صلى الله عليه وسلم أيضا.
حديثها عند أهل البصرة رواه عبدالله بن حبيب، عن أم سلمى، عن أمها عن جدتها مارية، قالت: تطأطأت للنبى صلى الله عليه وسلم حتى صعد حائطا ليلة فر من المشركين.
ثم قال: ومارية خادم النبي صلى الله عليه وسلم.
روى أبو بكر عن ابن عباس، عن المثنى بن صالح، عن جدته مارية - وكانت خادم النبي صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: ما مسست بيدى شيئا قط ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب: لا أدرى أهى التى قبلها أم لا.
ومنهن ميمونة بنت سعد، قال لامام أحمد: حدثنا على بن بحر (1)، حدثنا عيسى - هو ابن يونس، حدثنا ثور، هو ابن يزيد، عن زياد بن أبى سودة، عن أخيه، أن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس ؟.
قال: " أرض المنشر والمحشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة "
__________
(1) المطبوعة: على بن محمد بن محرز.
وهو تحريف.
(*)
قالت: أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه ؟ قال: " فليهد إليه زيتا يسرج فيه، فإنه من أهدى له كان كمن صلى فيه ".
وهكذا رواه ابن ماجه، عن إسماعيل بن عبدالله الرقى، عن عيسى بن يونس، عن ثور، عن زياد، عن أخيه عثمان بن أبى سودة، عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه أبو داود، عن الفضل بن مسكين بن بكير، عن سعيد بن عبد العزيز، عن ثور، عن زياد، عن ميمونة لم يذكر أخاه، فالله أعلم.
وقال أحمد: حدثنا حسين وأبو نعيم قالا: حدثنا إسرائيل، عن زيد بن جبير، عن أبى يزيد الضبى، عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ولد الزنا قال: " لا خير فيه، نعلان أجاهد بهما في سبيل الله أحب إلى من أن أعتق ولد الزنا ".
وهكذا رواه النسائي عن عباس الدوري وابن ماجه، من حديث أبى بكر بن أبى شيبة، كلاهما عن أبى نعيم الفضل بن دكين به.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا المحاربي، حدثنا موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن ميمونة - وكانت تخدم النبي صلى الله
عليه وسلم - قالت: قال رسول الله: " الرافلة في الزينة في غير أهلها، كالظلمة يوم القيامة لا نور لها ".
ورواه الترمذي من حديث موسى بن عبيدة وقال: لا نعرفه إلا من حديثه.
وهو يضعفه في الحديث.
وقد رواه بعضهم عنه فلم يرفعه.
ومنهن ميمونة بنت أبى عنيسة أو عنبسة، قاله أبو عمرو بن منده.
قال أبو نعيم: وهو تصحيف، والصواب ميمونة بنت أبى عسيب، كذلك روى
حديثها المنجع بن مصعب أبو عبد الله العبدى، عن ربيعة بنت مرثد وكانت تنزل في بنى قريع، عن منبه، عن ميمونة بنت أبى عسيب، وقيل بنت أبى عنبسة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة من حريش أتت النبي صلى الله عليه وسلم فنادت: يا عائشة أغيثيني بدعوة من رسول الله تسكنينى بها وتطمنيني بها، وأنه قال لها: " ضعى يدك اليمنى على فؤادك فامسحيه، وقولى: بسم الله اللهم داونى بدوائك، واشفني بشفائك، وأغنني بفضلك عمن سواك ".
قالت ربيعة: فدعوت به فوجدته جيدا.
ومنهن أم ضميرة زوج أبى ضميرة.
وقد تقدم الكلام عليهم رضى الله عنهم.
ومنهن أم عياش بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابنته تخدمها حين زوجها عثمان بن عفان قال أبو القاسم البغوي: حدثنا عكرمة، حدثنا عبد الواحد بن صفوان، حدثنى أبى صفوان، عن أبيه، عن جدته أم عياش - وكانت خادم النبي صلى الله عليه وسلم - بعث بها مع ابنته إلى عثمان، قالت: كنت أمغث (1) لعثمان التمر غدوة فيشربه عشية، وأنبذه عشية فيشربه غدوة، فسألني ذات يوم فقال: تخلطين فيه شيئا ؟ فقلت: أجل.
قال: فلا تعودي.
فهؤلاء إماؤه رضى الله عنهن.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا القاسم بن الفضل، حدثنى ثمامة بن حزن قال:
سألت عائشة عن النبيذ فقالت: هذه خادم رسول الله فسلها، لجارية حبشية، فقالت: كنت أنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء عشاء فأوكيه، فإذا أصبح شرب منه.
ورواه مسلم والنسائي من حديث القاسم بن الفضل به.
هكذا ذكره أصحاب الاطراف في مسند عائشة، والاليق ذكره في مسند جارية حبشية كانت تخدم النبي، وهى إما أن تكون واحدة ممن قدمنا ذكرهن، أو زائدة عليهن والله أعلم.
__________
(1) المغث: الضرب الخفيف.
(*)
فصل وأما خدامه عليه السلام ورضى الله عنهم الذين خدموه من الصحابة من غير مواليه فمنهم: أنس بن مالك أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عاصم بن غنم ابن عدى بن النجار الانصاري النجارى، أبو حمزة المدنى نزيل البصرة.
خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة مقامه بالمدينة عشر سنين، فما عاتبه على شئ أبدا، ولا قال لشئ فعله: لم فعلته ؟ ولا لشئ لم يفعله، ألا فعلته.
وأمه أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام، هي التى أعطته رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وسألته أن يدعو له فقال: " اللهم أكثر ماله وولده، وأطل عمره وأدخله الجنة ".
قال أنس: فقد رأيت اثنتين وأنا أنتظر الثالثة، والله إن مالى لكثير، وإن ولدى وولد ولدى ليتعادون على نحو من مائة.
وفى رواية: وإن كرمى ليحمل في السنة مرتين، وإن ولدى لصلبي مائة
وستة أولاد.
وقد اختلف في شهوده بدرا، وقد روى الانصاري عن أبيه، عن ثمامة قال قيل لانس: أشهدت بدرا ؟ فقال: وأين أغيب عن بدر لا أم لك ! والمشهور أنه لم يشهد بدرا لصغره، ولم يشهد أحدا أيضا لذلك، وشهد الحديبية وخيبر وعمرة القضاء والفتح وحنينا والطائف وما بعد ذلك.
قال أبو هريرة: ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم سليم - يعنى أنس بن مالك -.
وقال ابن سيرين، كان أحسن الناس صلاة في سفره وحضره.
وكانت وفاته بالبصرة، وهو آخر من كان قد بقى فيها من الصحابة، فيما قاله على بن المدينى، وذلك في سنة تسعين، وقيل إحدى وقيل: ثنتين، وقيل ثلاث وتسعين، وهو الاشهر، وعليه الاكثر.
وأما عمره يوم مات فقد روى الامام أحمد في مسنده: حدثنا معتمر بن سليمان، عن حميد، أن أنسا عمر مائة سنة غير سنة.
وأقل ما قيل: ست وتسعون، وأكثر ما قيل مائة وسبع سنين، وقيل ست، وقيل مائة وثلاث سنين.
فالله أعلم.
* * * ومنهم رضى الله عنهم الاسلع بن شريك بن عوف الاعرجي.
قال محمد بن سعد: كان اسمه ميمون بن سنباذ.
قال الربيع بن بدر الاعرجي، عن أبيه عن جده عن الاسلع قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم وأرحل معه، فقال ذات ليلة: " يا أسلع قم فارحل " قال: أصابتني جنابة يارسول الله.
قال: فسكت ساعة وأتاه جبريل بآية الصعيد، [ فقال: قم يا أسلع فتيمم ] قال: فتمسحت وصليت، فلما انتهيت
إلى الماء قال: " يا أسلع قم فاغتسل " قال: فأراني التيمم فضرب رسول الله يديه إلى الارض ثم نفضهما، ثم مسح بهما وجهه، ثم ضرب بيديه الارض ثم نفضهما فمسح بهما ذراعيه، باليمنى على اليسرى، وباليسرى على اليمنى، ظاهرهما وباطنهما.
قال الربيع: وأرانى أبى، كما أراه أبوه، كما أراه الاسلع، كما أراه رسول الله.
قال الربيع فحدثت بهذا الحديث عوف بن أبى جميلة فقال: هكذا والله رأيت الحسن يصنع.
رواه ابن منده والبغوى في كتابيهما معجم الصحابة من حديث الربيع بن بدر هذا، قال البغوي: ولا أعلمه روى غيره.
قال ابن عساكر: وقد روى - يعنى هذا الحديث - الهيثم بن رزيق المالكى المدلجى، عن أبيه، عن الاسلع بن شريك.
ومنهم رضى الله عنهم أسماء بن حارثة بن سعد بن عبدالله بن عباد بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أقصى الاسلمي.
وكان من أهل الصفة ; قاله محمد بن سعد.
وهو أخو هند بن حارثة، وكانا يخدمان النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا عبدالرحمن بن حرملة عن يحيى بن هند بن حارثة، وكان هند من أصحاب الحديبية، وكان أخوه الذى بعثه رسول الله يأمر قومه بالصيام يوم عاشوراء، وهو أسماء بن حارثة.
فحدثني يحيى بن هند عن أسماء بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه فقال: " مر قومك بصيام هذا اليوم ".
قال: أرأيت إن وجدتهم قد طعموا ؟ قال: " فليتموا آخر يومهم ".
وقد رواه أحمد بن خالد الذهبي، عن محمد بن إسحاق، حدثنى عبدالله بن أبى بكر،
عن حبيب بن هند بن أسماء الاسلمي، عن أبيه هند قال: بعثنى رسول الله إلى قوم من أسلم فقال: " مر قومك فليصوموا هذا اليوم، ومن وجدت منهم أكل في أول يومه فليصم آخره ".
قال محمد بن سعد عن الواقدي: أنبأنا محمد بن نعيم بن عبدالله المجمر، عن أبيه، قال: سمعت أبا هريرة يقول: ما كنت أظن أن هندا وأسماء ابني حارثة إلا مملوكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: كانا يخدمانه لا يبرحان بابه، هما وأنس بن مالك.
قال محمد بن سعد: وقد توفى أسماء بن حارثة في سنة ست وستين بالبصرة عن ثمانين سنة.
ومنهم بكير بن الشداخ الليثى.
ذكر ابن منده من طريق أبى بكر الهذلى، عن عبدالملك بن يعلى الليثى، أن بكير بن شداخ الليثى كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم.
فاحتلم فأعلم بذلك رسول الله وقال: إنى كنت أدخل على أهلك.
وقد احتلمت الآن يا رسول الله، فقال: " اللهم صدق قوله، ولقه الظفر ".
فلما كان في زمان عمر قتل رجل من اليهود، فقام عمر خطيبا فقال: أنشد الله رجلا عنده من ذلك علم ؟ فقام بكير فقال: أنا قتلته يا أمير المؤمنين.
فقال عمر: بؤت بدمه فأين المخرج ؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن رجلا من الغزاة استخلفني على أهله، فجئت فإذا هذا اليهودي عند امرأته وهو يقول: وأشعث غره الاسلام منى * خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها ويمسى * على جرد الاعنة والحزام (1)
كان مجامع الربلات منها * فئام ينهضون إلى فئام (2) قال: فصدق عمر قوله وطل دم اليهودي بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لبكير بما تقدم.
* * *
__________
(1) الترائب: عظام الصدر.
والاعنة، جمع عنان وهو سير اللجام الذى تمسك به الدابة.
والجرد: المغبرة (2) الربلات: جمع ربلة وهى باطن الفخذ، أو كل لحمة غليظة.
والفئام: الجماعة من الناس.
(*)
ومنهم رضى الله عنهم بلال بن رباح الحبشى.
ولد بمكة وكان مولى لامية بن خلف، فاشتراه أبو بكر منه بمال جزيل، لان أمية كان يعذبه عذابا شديدا ليرتد عن الاسلام فيأبى إلا الاسلام رضى الله عنه، فلما اشتراه أبو بكر أعتقه ابتغاء وجه الله.
وهاجر حين هاجر الناس، وشهد بدرا وأحدا وما بعدهما من المشاهد رضى الله عنه.
وكان يعرف ببلال بن حمامة وهى أمه.
وكان من أفصح الناس، لا كما يعتقده بعض الناس أن سينه كانت شينا، حتى أن بعض الناس يروى حديثا في ذلك لا أصل له عن رسول الله أنه قال: إن سين بلال شين.
وهو أحد المؤذنين الاربعة كما سيأتي، وهو أول من أذن كما قدمنا.
وكان يلى أمر النفقة على العيال، ومعه حاصل ما يكون من المال.
ولما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيمن خرج إلى الشام للغزو، ويقال: إنه أقام يؤذن لابي بكر أيام خلافته، والاول أصح وأشهر.
قال الواقدي: مات بدمشق سنة عشرين وله بضع وستون سنة.
وقال الفلاس: قبره بدمشق، ويقال بداريا (1)، وقيل إنه مات بحلب، والصحيح
أن الذى مات بحلب أخوه خالد.
قال مكحول: حدثنى من رأى بلالا قال: كان شديد الادمة نحيفا أجنأ (2) له شعر كثير، وكان لا يغير شيبه رضى الله عنه.
* * *
__________
(1) داريا: قرية كبيرة من قرى دمشق بالغوطة.
المراصد.
(2) الاجنأ: من أشرف كاهله على صدره.
(*)
ومنهم رضى الله عنهم حبة وسواء ابنا خالد رضى الله عنهما.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، قال حدثنا وكيع، حدثنا الاعمش، عن سلام ابن شرحبيل، عن حبة وسواء ابنا خالد قالا: دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلح شيئا فأعناه، فقال: " لا تيئسا من الرزق ما تهزهزت رؤسكما، فإن الانسان تلده أمه أحيمر ليس عليه قشرة، ثم يرزقه الله عزوجل ".
ومنهم رضى الله عنهم ذو مخمر، ويقال ذو مخبر ; وهو ابن أخى النجاشي ملك الحبشة، ويقال ابن أخته.
والصحيح الاول.
كان بعثه ليخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نيابة عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا جرير، عن يزيد بن صليح، عن ذى مخمر - وكان رجلا من الحبشة يخدم النبي صلى الله عليه وسلم - قال: كنا معه في سفر فأسرع السير حتى انصرف، وكان يفعل ذلك لقلة الزاد.
فقال له قائل: يا رسول الله قد انقطع الناس، قال: فحبس وحبس الناس معه حتى تكاملوا إليه، فقال لهم: " هل لكم أن نهجع هجعة ؟ " [ أو قال له قائل ] (1) فنزل ونزلوا، فقالوا: من يكلؤنا الليلة ؟ فقلت: أنا جعلني الله فداك: فأعطاني خطام ناقته فقال: " هاك لا تكونن لكعا ".
قال: فأخذت بخطام ناقة رسول الله وخطام ناقتي، فتنحيت غير بعيد فخليت
سبيلهما ترعيان، فإنى كذلك أنظر إليهما إذ أخذني النوم، فلم أشعر بشئ حتى وجدت حر الشمس على وجهى، فاستيقظت فنظرت يمينا وشمالا فإذا أنا بالراحلتين منى غير بعيد، فأخذت بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخطام ناقتي، فأتيت أدنى القوم فأيقظته فقلت: أصليت ؟ قال: لا.
فأيقظ الناس بعضهم بعضا حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
__________
(1) سقط من ح.
(*)
" يا بلال هل في الميضأة ماء " يعنى الاداوة، فقال: نعم جعلني الله فداك، فأتاه بوضوء لم يلت (1) منه التراب، فأمر بلالا فأذن، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الركعتين قبل الصبح وهو غير عجل، ثم أمره فأقام الصلاة فصلى وهو غير عجل، فقال له قائل: يا رسول الله أفرطنا ؟ قال: " لا، قبض الله أرواحنا وردها إلينا، وقد صلينا ".
* * * ومنهم رضى الله عنهم ربيعة بن كعب الاسلمي أبو فراس.
قال الاوزاعي: حدثنى يحيى بن أبى كثير، عن أبى سلمة، عن ربيعة بن كعب، قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآتيه بوضوئه وحاجته، فكان يقوم من الليل فيقول: " سبحان ربى وبحمده " الهوى (2) " سبحان رب العالمين ".
الهوى.
فقال رسول الله: " هل لك حاجة ؟ " قلت: يا رسول الله مرافقتك في الجنة، قال: " فأعنى على نفسك بكثرة السجود ".
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبى، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنى محمد بن عمرو بن عطاء، عن نعيم بن محمد، عن ربيعة بن كعب قال: كنت أخدم رسول الله نهاري أجمع، حتى يصلى عشاء الآخرة، فأجلس ببابه إذا دخل بيته أقول: لعلها أن
تحدث لرسول الله حاجة.
فما أزال أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " سبحان الله وبحمده " حتى أمل فأرجع، أو تغلبني عيناى فأرقد.
فقال لى يوما - لما يرى من حقى له وخدمتي إياه -: " يا ربيعة بن كعب سلنى أعطك " قال: فقلت: أنظر في أمرى يا رسول الله ثم أعلمك ذلك.
قال: ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لى فيها رزقا
__________
(1) يلت: يزل أو ينقص.
(2) الهوى: ساعة من الليل.
(*)
سيكفيني ويأتينى، قال: فقلت: أسأل رسول الله لآخرتي فإنه من الله بالمنزل الذى هو به.
قال: فجئته فقال: " ما فعلت يا ربيعة ؟ " قال: فقلت: نعم يا رسول الله أسألك أن تشفع لى إلى ربك فيعتقني من النار.
قال: فقال: " من أمرك بهذا يا ربيعة ؟ " قال فقلت: لا والذى بعثك بالحق ما أمرنى به أحد، ولكنك لما قلت: سلنى أعطك وكنت من الله بالمنزل الذى أنت به، نظرت في أمرى فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لى فيها رزقا سيأتيني، فقلت: أسأل رسول الله لآخرتي.
قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال لى: " إنى فاعل، فأعنى على نفسك بكثرة السجود ".
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، أنبأنا يزيد بن هارون، حدثنا مبارك بن فضالة، حدثنا أبوعمران الجونى، عن ربيعة الاسلمي - وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم - قال فقال لى ذات يوم: " يا ربيعة ألا تزوج ؟ " قال قلت: يا رسول الله ما أحب أن يشغلني عن خدمتك شئ وما عندي ما أعطى المرأة.
قال: فقلت بعد ذلك: رسول الله أعلم بما عندي منى يدعوني إلى التزويج، لئن دعاني هذه المرة لاجيبنه.
قال: فقال لى: " يا ربيعة ألا تزوج ؟ " فقلت: يا رسول الله ومن
يزوجنى، ما عندي ما أعطى المرأة.
فقال لى: انطلق إلى بنى فلان فقل لهم إن رسول الله يأمركم أن تزوجوني فتاتكم فلانة.
قال: فأتيتهم فقلت: إن رسول الله أرسلني إليكم لتزوجوني فتاتكم فلانة.
قالوا: فلانة ؟ قال: نعم.
قالوا: مرحبا برسول الله ومرحبا برسوله.
فزوجوني.
فأتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله أتيتك من خير أهل بيت صدفوني وزوجوني فمن أين لى ما أعطى صداقي ؟ فقال رسول الله لبريدة الاسلمي: " اجمعوا لربيعة في صداقه
في وزن نواة من ذهب.
فجمعوها فأعطوني فأتيتهم فقبلوها، فأتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله قد قبلوا، فمن أين لى ما أولم ؟ قال: فقال رسول الله لبريدة: " اجمعوا لربيعة في ثمن كبش " قال: فجمعوا وقال لى: " انطلق إلى عائشة فقل لها فلتدفع إليك ما عندها من الشعير " قال: فأتيتها فدفعت إلى، فانطلقت بالكبش والشعير فقالوا: أما الشعير فنحن نكفيك، وأما الكبش فمر أصحابك فليذبحوه.
وعملوا الشعير، فأصبح والله عندنا خبز ولحم.
ثم إن رسول الله أقطع أبا بكر أرضا له فاختلفنا في عذق، فقلت: هو في أرضى.
وقال أبو بكر: هو في أرضى.
فتنازعنا فقال لى أبو بكر كلمة كرهتها، فندم فأحضرني فقال لى: قل لى كما قلت.
قال: فقلت: لا والله لا أقول لك كما قلت لى.
قال: إذا آتى رسول الله.
قال: فأتى رسول الله وتبعته، فجاءني قومي يتبعونني فقالوا: هو الذى قال لك وهو يأتي رسول الله فيشكو ! قال: فالتفت إليهم فقلت: تدرون من هذا ؟ هذا الصديق وذو شيبة المسلمين، ارجعوا لا يلتفت فيراكم فيظن أنكم إنما جئتم لتعينوني عليه فيغضب فيأتى رسول الله فيخبره فيهلك ربيعة ! قال: فأتى رسول الله فقال: إنى قلت لربيعة كلمة كرهتها، فقلت له يقول لى مثل
ما قلت له فأبى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا ربيعة ومالك وللصديق ؟ " قال: فقلت: يارسول الله والله لا أقول له كما قال لى.
فقال رسول الله: " لا تقل له كما قال لك، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر ".
* * * ومنهم رضى الله عنهم سعد مولى أبى بكر رضى الله عنه، ويقال مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عامر، عن الحسن، عن سعد مولى أبى بكر الصديق، أن رسول الله قال لابي بكر - وكان سعد مملوكا لابي بكر، وكان رسول الله يعجبه خدمته -: " أعتق سعدا " فقال: يا رسول الله مالنا خادم هاهنا غيره، فقال: " أعتق سعدا أتتك الرجال أتتك الرجال ".
وهكذا رواه أحمد عن أبى داود الطيالسي.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عامر، عن الحسن، عن سعد قال: قربت بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا، فجعلوا يقرنون، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القران (1).
ورواه ابن ماجه عن بندار عن أبى داود به.
ومنهم رضى الله عنهم عبدالله بن رواحة.
دخل يوم عمرة القضاء مكة وهو يقود بناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: خلوا بنى الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله * ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله *
كما قدمنا ذلك بطوله.
وقد قتل عبدالله بن رواحة بعد هذا بأشهر في يوم مؤتة كما تقدم أيضا.
ومنهم رضى الله عنهم عبدالله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ أبو عبد الرحمن الهذلى.
أحد أئمة الصحابة، هاجر الهجرتين وشهد بدرا وما بعدها، كان بلى حمل نعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويلى طهوره، ويرحل دابته إذا أراد الركوب.
وكانت له اليد الطولى في تفسير كلام الله، وله العلم الجم والفضل والحلم، وفى الحديث
__________
(1) القران في التمر: الجمع بين تمرتين في الاكل.
(*)
أن رسول الله قال لاصحابه - وقد جعلوا يعجبون من دقة ساقيه - فقال: " والذى نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد ".
وقال عمر بن الخطاب في ابن مسعود: هو كنيف ملئ علما.
وذكروا أنه [ كان ] نحيف الخلق حسن الخلق، يقال إنه كان إذا مشى يسامت الجلوس، وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وسمته.
يعنى أنه يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته وكلامه ويتشبه بما استطاع من عبادته.
توفى رضى الله عنه في أيام عثمان سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين بالمدينة، عن ثلاث وستين سنة، وقيل إنه توفى بالكوفة والاول أصح.
ومنهم رضى الله عنهم عقبة بن عامر الجهنى.
قال الامام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر، عن القاسم أبى عبدالرحمن، عن عقبة بن عامر، قال: بينما أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب (1) من تلك النقاب، إذ قال لى: " يا عقبة ألا تركب ؟ " قال: فأشفقت أن تكون معصية.
قال:
فنزل رسول الله وركبت هنيهة، ثم ركب ثم قال: " يا عقب ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس ؟ " قلت: بلى يا رسول الله.
فأقرأني: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس.
ثم أقيمت الصلاة فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بهما.
ثم مر بى فقال: " اقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت ".
وهكذا رواه النسائي من حديث الوليد بن مسلم وعبد الله بن المبارك، عن ابن جابر، ورواه أبو داود والنسائي أيضا من حديث ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن العلاء
__________
(1) النقب، الطريق في الجبل.
(*)
ابن الحارث، عن القاسم أبى عبدالرحمن عن عقبة به.
ومنهم رضى الله عنهم قيس بن سعد بن عبادة الانصاري الخزرجي.
روى البخاري عن أنس قال: كان قيس بن سعد بن عبادة من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الامير.
وقد كان قيس هذا رضى الله عنه من أطول الرجال، وكان كوسجا (1) ويقال إن سراويله كان يضعه على أنفه من يكون من أطول الرجال فتصل رجلاه الارض.
وقد بعث سراويله معاوية إلى ملك الروم يقول له: هل عندكم رجل تجئ هذه السراويل على طوله ؟ فتعجب صاحب الروم من ذلك.
وذكروا أنه كان كريما ممدحا ذا رأى ودهاء، وكان مع على بن أبى طالب أيام صفين.
وقال مسعر عن معبد بن خالد: كان قيس بن سعد لا يزال رافعا إصبعه المسبحة يدعو رضى الله عنه وأرضاه.
وقال الواقدي وخليفة بن خياط وغيرهما: توفى بالمدينة في آخر أيام معاوية.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني، حدثنا على بن يزيد الحنفي، حدثنا سعيد بن الصلت، عن الاعمش، عن أبى سفيان، عن أنس قال: كان عشرون شابا من الانصار يلزمون رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوائجه، فإذا أراد أمرا بعثهم فيه.
* * * ومنهم رضى الله عنهم المغيرة بن شعبة الثقفى رضى الله عنه.
كان بمنزلة السلحدار (2) بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان رافعا السيف في يده وهو واقف على
__________
(1) الكوسج: الناقص الاسنان.
(2) السلحدار: صاحب السلاح.
أعجمية.
(*)
رأس النبي صلى الله عليه وسلم في الخيمة يوم الحديبية، فجعل كلما أهوى عمه عروة بن مسعود الثقفى حين قدم في الرسيلة إلى لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم - على ما جرت به عادة العرب في مخاطباتها - يقرع يده بقائمة السيف ويقول: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ألا تصل إليك.
الحديث كما قدمنا.
قال محمد بن سعد وغيره: شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولاه مع أبى سفيان الامرة حين ذهبا فخربا طاغوت أهل الطائف، وهى المدعوة بالربة، وهى اللات.
وكان داهية من دهاة العرب.
قال الشعبى: سمعته يقول: ما غلبنى أحد قط.
وقال الشعبى: سمعت قبيصة بن جابر يقول: صحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها.
وقال الشعبى: القضاة أربعة: أبو بكر وعمر وابن مسعود وأبو موسى، والدهاة أربعة: معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد.
وقال الزهري: الدهاة خمسة ; معاوية وعمرو والمغيرة، واثنان مع على وهما قيس
ابن سعد بن عبادة وعبد الله بن بديل (1) بن ورقاء.
وقال الامام مالك: كان المغيرة بن شعبة رجلا نكاحا للنساء، وكان يقول: صاحب الواحدة إن حاضت حاض معها، وإن مرضت مرض معها، وصاحب الثنتين بين نارين يشتعلان.
قال: فكان ينكح أربعا ويطلقهن جميعا ! وقال غيره: تزوج ثمانين امرأة، وقيل ثلاثمائة امرأة، وقيل: أحصن ألف امرأة.
وقد اختلف في وفاته على أقوال أشهرها وأصحها وهو الذى حكى عليه الخطيب البغدادي الاجماع: أنه توفى سنة خمسين.
* * *
__________
(1) ا: وبديل بن ورقاء.
(*)
ومنهم رضى الله عنهم المقداد بن الاسود أبو معبد الكندى، حليف بنى زهرة.
قال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبدالرحمن بن أبى ليلى، عن المقداد بن الاسود قال: قدمت المدينة أنا وصاحبان، فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد، فأتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا له، فذهب بنا إلى منزله وعنده أربعة أعنز، فقال: " احلبهن يا مقداد، وجزئهن أربعة أجزاء، وأعط كل إنسان جزءا " فكنت أفعل ذلك.
فرفعت للنبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فاحتبس، واضطجعت على فراشي فقالت لى نفسي: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أتى أهل بيت من الانصار، فلو قمت فشربت هذه الشربة.
فلم تزل بى حتى قمت فشربت جزأه، فلما دخل في بطني وتقار أخذني ما قدم وما حدث، فقلت: يجئ الآن النبي صلى الله عليه وسلم جائعا ظمآنا فلا يرى في القدح شيئا، فسجيت ثوبا على وجهى.
وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم تسليمة تسمع اليقظان ولا توقظ النائم، فكشف عنه فلم ير شيئا، فرفع رأسه إلى السماء فقال: " اللهم اسق من سقاني، وأطعم من أطعمني ".
فاغتنمت دعوته وقمت فأخذت الشفرة فدنوت إلى الاعنز فجعلت أجسهن أيتهن أسمن لاذبحها، فوقعت يدى على ضرع إحداهن فإذا هي حافل، ونظرت إلى الاخرى فإذا هي حافل، فنظرت فإذا هن كلهن حفل، فحلبت في إناء فأتيته به فقلت: اشرب.
فقال: " ما الخبر يا مقداد ؟ " فقلت: اشرب ثم الخبر.
فقال: " بعض سوأتك يا مقداد " فشرب ثم قال: " اشرب " فقلت: اشرب يا نبى الله، فشرب حتى تضلع ثم أخذته فشربته، ثم أخبرته الخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هيه " فقلت: كان كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذه بركة منزلة من السماء أفلا أخبرتني
حتى أسقى صاحبيك ؟ " فقلت: إذا شربت البركة أنا وأنت فلا أبالى من أخطأت.
وقد رواه الامام أحمد أيضا عن أبى النضر، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبدالرحمن بن أبى ليلى، عن المقداد.
فذكر ما تقدم، وفيه أنه حلب في الاناء الذى كانوا لا يطمعون أن يحلبوا فيه، فحلب حتى علته الرغوة.
ولما جاء به قال له رسول الله: " أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد ؟ " فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب ثم ناولنى فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب ثم ناولنى فأخذت ما بقى ثم شربت.
فلما عرفت أن رسول الله قد روى فأصابتني دعوته ضحكت حتى ألقيت إلى الارض، فقال رسول الله: " إحدى سوأتك يا مقداد ! ".
فقلت: يا رسول الله كان من أمرى كذا، صنعت كذا.
فقال: " ما كانت هذه إلا رحمة الله، ألا كنت آذنتتى توقظ صاحبيك هذين فيصيبان منها " قال: قلت: والذى بعثك بالحق ما أبالى إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من الناس.
وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سليمان بن المغيرة به.
ومنهم رضى الله عنهم مهاجر مولى أم سلمة.
قال الطبراني: حدثنا أبوالزنباع روح بن الفرج، حدثنا يحيى بن عبدالله بن بكير، حدثنى إبراهيم بن عبدالله، سمعت بكيرا يقول: سمعت مهاجرا مولى أم سلمة قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين فلم يقل لى لشئ صنعته لم صنعته، ولا لشئ تركته لم تركته.
وفى رواية: خدمته عشر سنين أو خمس سنة.
ومنهم رضى الله عنهم أبو السمح.
قال أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفى: حدثنا مجاهد بن موسى، حدثنا عبدالرحمن بن مهدى، حدثنا يحيى بن الوليد، حدثنى محل ابن خليفة، حدثنى أبو السمح، قال: كنت أخدم رسول الله.
قال كان إذا أراد أن
يغتسل قال: ناولنى إداوتى، قال: فأناوله وأستره، فأتى بحسن أو حسين فبال على صدره، فجئت لاغسله فقال: " يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام ".
وهكذا رواه أو داود والنسائي وابن ماجه عن مجاهد بن موسى.
ومنهم رضى الله عنهم أفضل الصحابة على الاطلاق أبو بكر الصديق رضى الله عنه تولى خدمته بنفسه في سفرة الهجرة، لا سيما في الغار وبعد خروجهم منه حتى وصلوا إلى المدينة.
كما تقدم ذلك مبسوطا ولله الحمد والمنة.
فصل وأما كتاب الوحى وغيره بين يديه صلوات الله وسلامه عليه ورضى عنهم أجمعين
فمنهم الخلفاء الاربعة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهم ومنهم رضى الله عنهم أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى الاموى.
أسلم بعد أخويه خالد وعمرو، وكان إسلامه بعد الحديبية، لانه هو الذى أجار عثمان حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة يوم الحديبية، وقيل خيبر، لان له ذكرا في الصحيح من حديث أبى هريرة في قسمة غنائم خيبر.
وكان سبب إسلامه أنه اجتمع براهب وهو في تجارة بالشام فذكر له أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الراهب: ما اسمه ؟ قال: محمد.
قال: فأنا أنعته لك، فوصفه بصفته سواء وقال: إذا رجعت إلى أهلك فأقرئه السلام.
فأسلم بعد مرجعه وهو أخو عمرو بن سعيد الاشدق الذى قتله عبدالملك ابن مروان.
قال أبو بكر بن أبى شيبة: كان أول من كتب الوحى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى بن كعب، فإذا لم يحضر كتب زيد بن ثابت، وكتب له عثمان وخالد ابن سعيد وأبان بن سعيد.
هكدا قال.
يعنى بالمدينة، وإلا فالسور المكية لم يكن أبى بن كعب حال نزولها، وقد كتبها الصحابة بمكة رضى الله عنهم.
وقد اختلف في وفاة أبان بن سعيد هذا، فقال موسى بن عقبة ومصعب بن الزبير والزبير ابن بكار وأكثر أهل النسب: قتل يوم أجنادين، يعنى في جمادى الاولى سنة ثنتى عشرة.
قال آخرون: قتل يوم مرج الصفر سنة أربع عشرة.
وقال محمد بن إسحاق: قتل هو وأخوه عمرو يوم اليرموك، لخمس مضين من رجب
سنة خمس عشرة.
وقيل إنه تأخر إلى أيام عثمان، وإنه أمره عثمان أن يملى المصحف الامام على زيد بن ثابت، ثم توفى سنة تسع وعشرين فالله أعلم.
ومنهم أبى بن كعب بن قيس بن عبيد الخزرجي الانصاري.
أبو المنذر، ويقال أبو الطفيل.
سيد القراء شهد العقبة الثانية وبدرا وما بعدها.
وكان ربعة نحيفا أبيض الرأس واللحية لا يغير شيبه.
قال أنس: جمع القرآن أربعة - يعنى من الانصار - أبى بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، ورجل من الانصار يقال له أبو يزيد.
أخرجاه.
وفى الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابي: " إن الله أمرنى أن أقرأ عليك القرآن ".
قال: وسماني لك يا رسول الله ؟ قال: " نعم " قال فذرفت عيناه.
ومعنى أن أقرأ عليك القرآن قراءة إبلاغ وإسماع لا قراءة تعلم منه، هذا لا يفهمه أحد من أهل العلم، وإنما نبهنا على هذا لئلا يعتقد خلافه.
وقد ذكرنا في موضع آخر سبب القراءة عليه وأنه قرأ عليه سورة: " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة ".
وذلك أن أبى بن كعب كان قد أنكر على رجل قراءة سورة على خلاف ما كان يقرأ أبى، فرفعه أبى إلى رسول الله فقال: " اقرأ يا أبى " فقرأ فقال، " هكذا أنزلت ".
ثم قال لذلك الرجل " اقرأ " فقرأ فقال: " هكذا أنزلت ".
قال أبى: فأخذني من الشك ولا إذ كنت في الجاهلية، فال: فضرب رسول الله في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله فرقا، فبعد ذلك تلا عليه رسول الله هذه السورة كالتثبيت
له والبيان له أن هذا القرآن حق وصدق، وإنه أنزل على أحرف كثيرة رحمة ولطفا بالعباد.
وقال ابن أبى خيثمة: هو أول من كتب الوحى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف في وفاته، فقيل: في سنة تسع عشرة.
وقيل سنة عشرين، وقيل ثلاث وعشرون وقيل قبل مقتل عثمان بجمعة.
فالله أعلم.
* * * ومنهم رضى الله عنهم أرقم بن أبى الارقم، واسمه عبد مناف بن أسد بن جندب ابن عبدالله بن عمر بن مخزوم المخزومى.
أسلم قديما وهو الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا في داره عند الصفا وتعرف تلك الدار بعد ذلك بالخيزران.
وهاجر وشهد بدرا وما بعدها.
وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبدالله بن أنيس.
وهو الذى كتب إقطاع عظيم بن الحارث المحاربي بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفخ وغيره، وذلك فيما رواه الحافظ ابن عساكر من طريق عتيق بن يعقوب الزبيري، حدثنى عبدالملك بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه عن جده عمرو ابن حزم.
وقد توفى في سنة ثلاث وقيل خمس وخمسين، وله خمس وثمانون سنة.
وقد روى الامام أحمد له حديثين ; الاول قال أحمد والحسن بن عرفة - واللفظ لاحمد -: حدثنا عباد بن عباد المهلبى، عن هشام بن زياد، عن عمار بن سعد، عن عثمان بن أرقم بن أبى الارقم، عن أبيه - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله قال: " إن الذى يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرق بين الاثنين بعد
خروج الامام كالجار قصبه (1) في النار ".
والثانى قال أحمد: حدثنا عصام بن خالد، حدثنا العطاف بن خالد، حدثنا يحيى بن عمران، عن عبدالله بن عثمان بن الارقم، عن جده الارقم، أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أين تريد ؟ " قال أردت يا رسول الله هاهنا، وأومأ بيده إلى حيز بيت المقدس، قال: " ما يخرجك إليه أتجارة ؟ " قال: لا ولكن أردت الصلاة فيه.
قال: " الصلاة هاهنا - وأمأ بيده إلى مكة - خير من ألف صلاة " وأومأ بيده إلى الشام.
تفرد بهما أحمد.
* * * ومنهم رضى الله عنهم ثابت بن قيس بن شماس الانصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن، ويقال أبو محمد المدنى، خطيب الانصار، ويقال له خطيب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن سعد، أنبأنا على بن محمد المدائني بأسانيده عن شيوخه في وفود العرب على رسول الله، قالوا، قدم عبدالله بن عبس الثمالى ومسلمة بن هزان الحدانى على رسول الله في رهط من قومهما بعد فتح مكة، فأسلموا وبايعوا على قومهم، وكتب لهم كتابا بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم، كتبه ثابت بن قيس بن شماس وشهد فيه سعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة رضى الله عنهم.
__________
(1) القصب: الامعاء.
(*)
وهذا الرجل ممن ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة.
وروى الترمذي في جامعه بإسناد على شرط مسلم، عن أبى هريرة، أن رسول الله قال: " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر.
نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن عمرو
ابن الجموح ".
وقد قتل رضى الله عنه شهيدا يوم اليمامة سنة اثنتى عشرة في أيام أبى بكر الصديق.
* * * ومنهم رضى الله عنهم حنظلة بن الربيع بن صيفي بن رباح بن الحارث بن مخاشن ابن معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم التميمي الاسيدى الكاتب، وأخوه رباح صحابي أيضا، وعمه أكثم بن صيفي كان حكيم العرب.
قال الواقدي: كتب للنبى صلى الله عليه وسلم كتابا.
وقال غيره: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الطائف في الصلح، وشهد مع خالد حروبه بالعراق وغيرها، وقد أدرك أيام على وتخلف عن القتال معه في الجمل وغيره، ثم انتقل عن الكوفة لما شتم بها عثمان، ومات بعد أيام على.
وقد ذكر ابن الاثير في الغابة، أن امرأته لما مات جزعت عليه فلامها جاراتها في ذلك فقالت: تعجبت دعد لمحزونة * تبكى على ذى شيبة شاحب إن تسأليني اليوم ما شفنى * أخبرك قولا ليس بالكاذب إن سواد العين أودى به * حزن على حنظلة الكاتب
قال أحمد بن عبدالله بن الرقى: كان معتزلا للفتنة حتى مات بعد على، جاء عنه حديثان.
قلت: بل ثلاثة.
قال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد وعفان، قالا: حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن حنظلة الكاتب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من حافظ على
الصلوات الخمس بركوعهن وسجودهن ووضوئهن ومواقيتهن، وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة " أو قال: " وجبت له الجنة ".
تفرد به أحمد، وهو منقطع بين قتادة وحنظلة.
والله أعلم.
والحديث الثاني: رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه من حديث سعيد الجريرى عن أبى عثمان النهدي، عن حنظلة: " لو تدومون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفى طرقكم وعلى فرشكم، ولكن ساعة وساعة ".
وقد رواه أحمد والترمذي أيضا من حديث عمران بن داود القطان، عن قتادة، عن يزيد بن عبدالله بن الشخير، عن حنظلة.
والثالث: رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، من حديث سفيان الثوري، عن أبى الزناد، عن المرقع بن صيفي بن حنظلة، عن جده في النهى عن قتل النساء في الحرب.
لكن رواه الامام أحمد، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرت عن أبى الزناد عن مرقع بن صيفي بن رباح بن ربيع، عن جده رباح بن ربيع أخى حنظلة الكاتب فذكره.
وكذلك رواه أحمد أيضا، عن حسين بن محمد وإبراهيم بن أبى العباس، كلاهما عن المغيرة بن عبدالرحمن، عن أبيه.
وعن سعيد بن منصور وأبى عامر العقدى، كلاهما عن المغيرة بن عبدالرحمن، عن أبى الزناد، عن مرقع عن جده رباح.
ومن طريق
المغيرة رواه النسائي وابن ماجه كذلك.
وروى أبو داود والنسائي من حديث عمر بن مرقع عن أبيه، عن جده رباح فذكره.
فالحديث عن رباح لا عن حنظلة، ولذا قال أبو بكر بن أبى شيبة: كان (1) سفيان الثوري يخطئ في هذا الحديث.
قلت: وصح قول ابن الرقى أنه لم يرو سوى حديثين.
والله أعلم.
ومنهم رضى الله عنهم خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو سعيد الاموى.
أسلم قديما، يقال بعد الصديق بثلاثة أو أربعة، وأكثر ما قيل خمسة.
وذكروا أن سبب إسلامه أنه رأى في النوم كأنه واقف على شفير جهنم فذكر من سعتها ما الله به عليم.
قال: وكأن أباه يدفعه فيها، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بيده ليمنعه من الوقوع، فقص هذه الرؤيا على أبى بكر الصديق فقال له: لقد أريد بك خير، هذا رسول الله فاتبعه تنج مما خفته.
فجاء رسول الله فأسلم.
فلما بلغ أباه إسلامه غضب عليه وضربه بعصا في يده حتى كسرها على رأسه وأخرجه من منزله ومنعه القوت، ونهى بقية إخوته أن يكلموه، فلزم خالد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا ونهارا، ثم أسلم أخوه عمرو.
فلما هاجر الناس إلى أرض الحبشة هاجرا معهم، ثم كان هو الذى ولى العقد في تزويج أم حبيبة من رسول الله كما قدمنا، ثم هاجرا من أرض الحبشة صحبة جعفر، فقدما على رسول الله بخيبر وقد افتتحها، فأسهم لهما عن مشورة المسلمين، وجاء أخوهما أبان بن
__________
(1) ا: فإن.
(*)
سعيد فشهد فتح خيبر كما قدمنا، ثم كان رسول الله يوليهم الاعمال.
فلما كانت خلافة الصديق خرجوا إلى الشام للغزو فقتل خالد بأجنادين، ويقال بمرج الصفر والله أعلم.
قال عتيق بن يعقوب: حدثنى عبدالملك بن أبى بكر، عن أبيه، عن جده عن عمرو ابن حزم ; يعنى أن خالد بن سعيد كتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله راشد بن عبد رب السلمى، أعطاه غلوتين
وغلوة بحجر برهاط (1)، فمن خافه فلا حق له وحقه حق وكتب خالد بن سعيد.
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: حدثنى جعفر بن محمد بن خالد، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان قال: أقام خالد بن سعيد بعد أن قدم من أرض الحبشة بالمدينة، وكان يكتب لرسول الله، وهو الذى كتب كتاب أهل الطائف لوفد ثقيف وسعى في الصلح بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنهم رضى الله عنهم خالد بن الوليد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم [ أبو سليمان ] (2) المخزومى.
وهو أمير الجيوش المنصورة الاسلامية، والعساكر المحمدية، والمواقف المشهودة، والايام المحمودة.
ذو الرأى السديد، والبأس الشديد، والطريق الحميد.
أبو سليمان خالد بن الوليد.
ويقال إنه لم يكن في جيش فكسر لا في جاهلية ولا إسلام.
__________
(1) الغلوة: قدر ما يبلغ السهم.
ورهاط: موضع على ثلاث ليال من مكة، أو قرية على طريق المدينة بواد يقال له غران.
المراصد.
(2) ليست في ا.
(*)
قال الزبير بن بكار: كانت إليه في قريش القبة وأعنة الخيل.
أسلم هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة بن أبى طلحة بعد الحديبية وقبل خيبر، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه فيما يبعثه أميرا، ثم كان المقدم على العساكر كلها في أيام الصديق.
فلما ولى عمر بن الخطاب عزله وولى أبا عبيدة أمين الامة على ألا يخرج عن رأى أبى سليمان.
ثم مات خالد في أيام عمر، وذلك في سنة إحدى وعشرين.
وقيل اثنتين وعشرين - والاول أصح - بقرية على ميل من حمص.
قال الواقدي: سألت عنها فقيل لى دثرت.
وقال دحيم: مات بالمدينة.
والاول أصح.
وقد روى أحاديث كثيرة يطول ذكرها.
قال عتيق بن يعقوب: حدثنى عبدالملك بن أبى بكر، عن أبيه عن جده، عن عمرو ابن حزم، أن هذه قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المؤمنين أن صيدوح (1) وصيده لا يعضد صيده ولا يقتل، فمن وجد يفعل من ذلك شيئا فإنه يجلد وينزع ثيابه، وإن تعدى ذلك أحد فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا من محمد النبي.
وكتب خالد بن الوليد بأمر رسول الله فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمره به محمد.
* * * ومنهم رضى الله عنهم الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصى، أبو عبد الله الاسدي.
أحد العشرة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفى رسول الله وهو عنهم راض
__________
(1) صيدوح: قرية بشرقي المدينة من شراج الحرة.
والشراج: مجارى المياه من الحرار.
المراصد.
(*)
[ وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية بنت عبدالمطلب وزوج أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنه ] (1).
روى عتيق بن يعقوب بسنده المتقدم، أن الزبير بن العوام هو الذى كتب لبنى معاوية بن جرول الكتاب الذى أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتبه لهم رواه ابن عساكر بإسناده عن عتيق به.
أسلم الزبير قديما رضى الله عنه وهو ابن ست عشرة سنة، ويقال ابن ثمانى سنين، وهاجر الهجرتين وشهد المشاهد كلها، وهو أول من سل سيفا في سبيل الله.
وقد شهد اليرموك وكان أفضل من شهدها، واخترق يومئذ صفوف الروم من أولهم
إلى آخرهم مرتين، ويخرج من الجانب الآخر سالما، لكن جرح في قفاه بضربتين رضى الله عنه.
وقد جمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق أبويه (2) وقال: " إن لكل نبى حواريا وحواري الزبير ".
وله فضائل ومناقب كثيرة وكانت وفاته يوم الجمل، وذلك أنه كر راجعا عن القتال، فلحقه عمرو بن جرموز وفضالة بن حابس ورجل ثالث يقال له النعر التميميون، بمكان يقال له وادى السباع، فبدر إليه عمرو بن جرموز وهو نائم فقتله، وذلك في يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الاولى سنة ست وثلاثين وله من العمر يومئذ سبع وستون سنة.
وقد خلف رضى الله عنه بعده تركة عظيمة، فأوصى من ذلك بالثلث بعد إخراج ألفى ألف ومائتي ألف دينار، فلما قضى دينه وأخرج ثلث ماله قسم الباقي على ورثته، فنال كل امرأة من نسائه - وكن أربعا - ألف ألف ومائتا ألف، فمجموع ما ذكرناه مما
__________
(1) سقطت من ا.
(2) في قوله: ارم فداك أبى وأمى.
(*)
تركه رضى الله عنه تسعة وخمسون ألف ألف وثمانمائة ألف.
وهذا كله من وجوه حل نالها في حياته مما كان يصيبه من الفئ والمغانم، ووجوه متاجر الحلال، وذلك كله بعد إخراج الزكاة في أوقاتها، والصلات البارعة الكثيرة لاربابها في أوقات حاجاتها.
رضى الله عنه ورأضاه وجعل جنات الفردوس مثواه، وقد فعل ! فإنه قد شهد له سيد الاولين والآخرين ورسول رب العالمين بالجنة، ولله الحمد والمنة.
وذكر ابن الاثير في الغابة أنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، وأنه كان يتصدق بذلك كله.
وقال فيه حسان بن ثابت يمدحه ويفضله بذلك.
أقام على عهد النبي وهديه * حواريه والقول بالفضل يعدل أقام على منهاجه وطريقه * يوالى ولى الحق والحق أعدل هو الفارس المشهور والبطل الذى * يصول إذا ما كان يوم محجل (1) وإن امرءا كانت صفية أمه * ومن أسد في بيته لمرفل (2) له من رسول الله قربى قريبة * ومن نصرة الاسلام مجد مؤثل فكم كربة ذب الزبير بسيفه * عن المصطفى والله يعطى ويجزل إذا كشفت عن ساقها الحرب حشها * بأبيض [ سباق (3) ] إلى الموت يرفل فما مثله فيهم ولا كان قبله * وليس يكون الدهر ما دام يذبل قد تقدم أنه قتله عمرو بن جرموز التميمي بوادي السباع وهو نائم، ويقال بل قام من آثار النوم وهو دهش فركب وبارزه ابن جرموز، فلما صمم عليه الزبير أنجده صاحباه فضالة والنعر فقتلوه، وأخذ عمرو بن جرموز رأسه وسيفه.
فلما دخل بهما على
__________
(1) المحجل: المعروف.
(2) المرفل: المعظم والمسود.
(3) من تاريخ ابن عساكر 5 / 364.
(*)
على قال على رضى الله عنه لما رأى سيف الزبير: إن هذا السيف طالما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال على فيما قال: بشر قاتل ابن صفية بالنار.
فيقال إن عمرو بن جرموز لما سمع ذلك قتل نفسه.
والصحيح أنه عمر بعد على حتى كانت أيام ابن الزبير، فاستناب أخاه مصعبا على العراق، فاختفى عمرو بن جرموز خوفا من سطوته أن يقتله بأبيه.
فقال مصعب: أبلغوه أنه آمن، أيحسب أنى أقتله بأبى عبدالله ؟ كلا والله ليسا سواء.
وهذا من حلم مصعب وعقله ورياسته.
وقد روى الزبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة يطول ذكرها.
ولما قتل الزبير بن العوام بوادي السباع كما تقدم، قالت امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثيه رضى الله عنها وعنه: غدر ابن جرموز بفارس بهمة * يوم اللقاء وكان غير معرد (1) يا عمرو لو نبهته لوجدته * لا طائشا رعش الجنان ولا اليد كم غمرة قد خاضها لم يثنه * عنها طراد يا ابن فقع القردد (2) ثكلتك أمك إن ظفرت بمثله * فيمن مضى فيمن يروح ويغتدى والله ربك إن قتلت لمسلما * حلت عليك عقوبة المتعمد ومنهم رضى الله عنهم زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن
__________
(1) البهمة: الجيش، وأيضا: الشجاع الذى لا يهتدى من أين يؤتى.
والمعرد: الهارب.
(2) الفقع: البيضاء الرخوة من الكمأة، والقردد: الجبل.
ويقال للذليل: هو أذل من فقع بقرقرة.
لانه لا يمتنع على من جناه، أو لانه يوطأ بالارجل.
وفى ا: طرادك.
(*)
عبيد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الانصاري النجارى، أبو سعيد ويقال أبو خارجة، ويقال أبو عبد الرحمن المدنى.
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة، فلهذا لم يشهد بدرا لصغره، قيل ولا أحدا، وأول مشاهده الخندق، ثم شهد ما بعدها.
وكان حافظا لبيبا عالما عاقلا، ثبت عنه في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب يهود ليقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتبوا إليه، فتعلمه في خمسة عشر يوما.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا عبدالرحمن، عن أبى الزناد،
عن خارجة بن زيد، أن أباه زيدا أخبره أنه لما قدم رسول الله المدينة قال زيد: ذهب بى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجب بى، فقالوا: يا رسول الله هذا غلام من بنى النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة.
فأعجب ذلك رسول الله وقال: " يا زيد تعلم لى كتاب يهود، فإنى والله ما آمن يهود على كتابي ".
قال زيد: فتعلمت لهم كتابهم ما مرت خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب.
ثم رواه أحمد عن شريح بن النعمان، عن ابن أبى الزناد، عن أبيه، عن خارجة، عن أبيه فذكر نحوه.
وقد علقه البخاري في الاحكام عن خارجة بن زيد بن ثابت بصيغة الجزم فقال: وقال خارجة بن زيد.
فذكره.
ورواه أبو داود عن أحمد بن يونس، والترمذي عن على بن حجر، كلاهما عن عبدالرحمن بن أبى الزناد، عن أبيه، عن خارجة، عن أبيه به نحوه.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وهذا ذكاء مفرط جدا.
وقد كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من القراء كما ثبت في الصحيحين عن أنس.
وروى أحمد والنسائي من حديث أبى قلابة، عن أنس عن رسول الله أنه قال: " أرحم أمتى بأمتى أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأقضاهم على بن أبى طالب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأعلمهم بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الامة أبو عبيدة بن الجراح ".
ومن الحفاظ من يجعله مرسلا إلا ما يتعلق بأبى عبيدة، ففى صحيح البخاري من هذا الوجه.
وقد كتب الوحى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير ما موطن.
ومن أوضح ذلك ما ثبت في الصحيح عنه أنه قال: لما نزل قوله تعالى " لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله (1) " الآية دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اكتب لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ".
فجاء ابن أم مكتوم فجعل يشكو ضرارته، فنزل الوحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت فخذه على فخذي حتى كادت ترضها، فنزل: " غير أولى الضرر " فأمرني فألحقتها، فقال زيد: فأنى لاعرف [ موضع (2) ] ملحقها عند صدع في ذلك اللوح - يعنى من عظام - الحديث.
وقد شهد زيد اليمامة وأصابه سهم فلم يضره، وهو الذى أمره الصديق بعد هذا بأن يتتبع القرآن فيجمعه، وقال له: إنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه.
ففعل ما أمره به الصديق، فكان في ذلك خير كثير ولله الحمد والمنة.
__________
(1) سورة النساء (2) ليست في ا.
(*)
وقد استنابه عمر مرتين في حجتين على المدينة، واستنابه لما خرج إلى الشام، وكذلك كان عثمان يستنيبه على المدينة أيضا.
وكان على يحبه، وكان يعظم عليا ويعرف له قدره، ولم يشهد معه شيئا من حروبه.
وتأخر بعده حتى توفى سنة خمس وأربعين، وقيل سنة إحدى وقيل خمس وخمسين.
وهو ممن كان يكتب المصاحف الائمة التى نفذ بها عثمان بن عفان إلى سائر الآفاق اللائى وقع على التلاوة طبق رسمهن الاجماع والاتفاق، كما قررنا ذلك في كتاب فضائل القرآن الذى كتبناه مقدمة في أول كتابنا التفسير ولله الحمد والمنة.
* * *
ومنهم السجل، كما ورد به الحديث المروى في ذلك عن ابن عباس - إن صح - وفيه نظر.
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا نوح بن قيس، عن يزيد بن كعب، عن عمرو بن مالك، عن أبى الجوزاء، عن ابن عباس، قال: السجل كاتب للنبى صلى الله عليه وسلم.
وهكذا رواه النسائي عن قتيبة به، عن ابن عباس أنه كان يقول: في هذه الآية " يوم نطوى السماء كطى السجل للكتاب " (1) السجل: الرجل.
هذا لفظه.
ورواه أبو جعفر بن جرير في تفسيره عند قوله تعالى: " يوم نطوى السماء كطى السجل للكتاب " عن نصر بن على، عن نوح بن قيس، وهو ثقة من رجال مسلم، وقد ضعفه ابن معين في رواية عنه.
وأما شيخه يزيد بن كعب العوذى البصري فلم يرو عنه سوى نوح بن قيس، وقد ذكره مع ذلك ابن حبان في الثقات.
__________
(1) سورة الانبياء.
(*)
وقد عرضت هذا الحديث على شيخنا الحافظ الكبير أبى الحجاج المزى فأنكره جدا، وأخبرته أن شيخنا العلامة أبا العباس ابن تيمية كان يقول: هو حديث موضوع، وإن كان في سنن أبى داود.
فقال شيخنا المزى: وأنا أقوله.
قلت: وقد رواه الحافظ ابن عدى في كامله من حديث محمد بن سليمان الملقب ببومة، عن يحيى بن عمرو، عن مالك البكري، عن أبيه، عن أبى الجوزاء، عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له السجل، وهو قوله تعالى: " يوم نطوى السماء كطى السجل للكتاب " قال: كما يطوى السجل للكتاب كذلك تطوى السماء.
وهكذا رواه البيهقى عن أبى نصر بن قتادة عن أبى على الرفاء، عن على بن عبد العزيز عن مسلم بن إبراهيم، عن يحيى بن عمرو بن مالك به.
ويحيى هذا ضعيف جدا فلا يصلح للمتابعه.
والله أعلم.
وأغرب من ذلك أيضا ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب وابن مندة من حديث أحمد ابن سعيد البغدادي المعروف بحمدان، عن ابن بهز، عن عبيدالله، عن نافع عن ابن عمر قال: كان للنبى صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له سجل فأنزل الله: " يوم نطوى السماء كطى السجل للكتاب " قال ابن مندة: غريب تفرد به حمدان.
وقال البرقانى: قال أبو الفتح الازدي.
تفرد به ابن نمير إن صح.
قلت: وهذا أيضا منكر عن ابن عمر، كما هو منكر عن ابن عباس، وقد ورد عن ابن عباس وابن عمر خلاف ذلك، فقد روى الوالبى والعوفى، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية قال: كطى الصحيفة على الكتاب.
وكذلك قال مجاهد.
وقال ابن جرير: هذا هو المعروف في اللغة أن السجل هو الصحيفة.
قال: ولا يعرف في الصحابة أحد اسمه السجل، وأنكر أن يكون السجل اسم ملك
من الملائكة، كما رواه عن أبى كريب، عن ابن يمان، حدثنا أبو الوفاء الاشجعى، عن أبيه، عن ابن عمر في قوله: " يوم نطوى السماء كطى السجل للكتاب " قال: السجل ملك فإذا صعد بالاستغفار قال الله: اكتبها نورا.
وحدثنا بندار، عن مؤمل، عن سفيان، سمعت السدى يقول.
فذكر مثله.
وهكذا قال أبو جعفر الباقر فيما رواه أبو كريب عن المبارك، عن معروف بن خربوذ عمن سمع أبا جعفر يقول: السجل الملك.
وهذا الذى أنكره ابن جرير من كون السجل اسم صحابي أو ملك قوى جدا، والحديث في ذلك منكر جدا.
ومن ذكره في أسماء الصحابة كابن منده وأبى نعيم
الاصبهاني وابن الاثير في الغابة، إنما ذكره إحسانا للظن بهذا الحديث، أو تعليقا على صحته والله أعلم.
* * * ومنهم سعد بن أبى سرح فيما قاله خليفة بن خياط وقد وهم إنما هو ابنه عبدالله بن سعد بن أبى سرح، كما سيأتي قريبا إن شاء الله.
ومنهم عامر بن فهيرة، مولى أبى بكر الصديق.
قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر قال: قال الزهري: أخبرني عبدالملك ابن مالك المدلجى، وهو ابن أخى سراقة بن مالك، أن أباه أخبره أنه سمع سراقة يقول.
فذكر خبر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه: فقلت له إن قومك جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم من أخبار سفرهم وما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزؤونى منه شيئا ولم يسألونى إلا أن أخف عنا، فسألته أن يكتب لى كتاب موادعة آمن به، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى.
قلت: وقد تقدم الحديث بتمامه في الهجرة وقد روى أن أبا بكر هو الذى كتب لسراقة هذا الكتاب فالله أعلم.
وقد كان عامر بن فهيرة - ويكنى أبا عمرو - من مولدي الازد أسود اللون، وكان أولا مولى للطفيل بن الحارث أخى عائشة لامها أم رومان، فأسلم قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم بن أبى الارقم التى عند الصفا مستخفيا، فكان عامر يعذب مع جملة المستضعفين بمكة ليرجع عن دينه [ فيأبى (1) ]، فاشتراه أبو بكر الصديق فأعتقه، فكان يرعى له غنما بظاهر مكة.
ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر كان معهما رديفا لابي بكر
ومعهم الدليل الدبلى فقط.
كما تقدم مبسوطا (2).
ولما وردوا المدينة نزل عامر بن [ فهيرة (1) ] على سعد بن خيثمة، وآخى رسول الله بينه وبين أوس بن معاذ وشهد بدرا واحدا.
وقتل يوم بئر معونة، كما تقدم، وذلك سنة أربع من الهجرة، وكان عمره إذ ذاك أربعين سنة فالله أعلم.
وقد ذكر عروة وابن إسحاق والواقدى وغير واحد، أن عامرا قتله يوم بئر معونة رجل يقال له جبار بن سلمى من بنى كلاب، فلما طعنه بالرمح قال: فزت ورب الكعبة.
ورفع عامر حتى غاب عن الابصار حتى قال عامر بن الطفيل: لقد رفع حتى رأيت السماء دونه.
وسئل عمرو بن أمية عنه فقال: كان من أفضلنا ومن أول أهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال جبار: فسألت الضحاك بن سفيان عما قال ما يعنى به ؟ فقال: يعنى الجنة.
__________
(1) ليست في ا (2) تقدم ذلك في الجزء الثاني.
(*)
ودعانى الضحاك إلى الاسلام فأسلمت لما رأيت من قتل عامر بن فهيرة، فكتب الضحاك إلى رسول الله يخبره بإسلامى وما كان من أمر عامر، فقال: " وارته الملائكة وأنزل عليين " وفى الصحيحين عن أنس أنه قال: قرأنا فيهم قرآنا: أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا.
وقد تقدم ذلك وبيانه في موضعه عند غزوة بئر معونة.
وقال محمد بن إسحاق: حدثنى هشام بن عروة، عن أبيه، أن عامر بن الطفيل كان يقول: من رجل منكم لما قتل رأيته رفع بين السماء والارض حتى رأيت السماء دونه ؟ قالوا: عامر بن فهيرة.
وقال الواقدي: حدثنى محمد بن عبدالله، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: رفع عامر بن فهيرة إلى السماء فلم توجد جثته.
يرون أن الملائكة وارته.
* * * ومنهم رضى الله عنهم عبدالله بن أرقم بن أبى الارقم المخزومى.
أسلم عام الفتح وكتب للنبى صلى الله عليه وسلم.
قال الامام مالك: وكان ينفذ ما يفعله ويشكره ويستجيده.
وقال سلمة عن محمد بن إسحاق بن يسار، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير، أن رسول الله استكتب عبدالله بن الارقم بن عبد يغوث، وكان يجيب عنه الملوك، وبلغ من أمانته أنه [ كان يأمره أن ] يكتب إلى بعض الملوك فيكتب، ويختم على ما يقرأه لامانته عنده.
وكتب لابي بكر وجعل إليه بيت المال، وأقره عليهما عمر بن الخطاب، فلما كان عثمان عزله عنهما.
قلت: وذلك بعد ما استعفاه عبدالله بن أرقم.
ويقال إن عثمان عرض عليه ثلاثمائة ألف درهم عن أجرة عمالته فأبى أن يقبلها وقال: إنما عملت لله فأجرى على الله عزوجل.
قال ابن إسحاق: وكتب لرسول الله زيد بن ثابت، فإذا لم يحضر ابن الارقم وزيد بن ثابت كتب من حضر من الناس.
وقد كتب عمر وعلى وزيد والمغيرة بن شعبة ومعاوية وخالد بن سعيد بن العاص وغيرهم ممن سمى من العرب.
وقال الاعمش: قلت لشقيق بن سلمة: من كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ؟
قال: عبدالله بن الارقم، وقد جاء عمر بكتاب أبى بكر بالقادسية وفى أسفله: وكتب عبدالله بن الارقم.
وقال البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا محمد بن صالح بن هانئ، حدثنا الفضل بن محمد البيهقى، حدثنا عبدالله بن صالح، حدثنا عبد العزيز بن أبى سلمة الماجشون، عن عبد الواحد بن أبى عون، عن القاسم بن محمد، عن عبدالله بن عمر، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم كتاب رجل، فقال لعبدالله بن الارقم: " أجب عنى " فكتب جوابه ثم قرأه عليه، فقال: " أصبت وأحسنت، اللهم وفقه ".
قال: فلما ولى عمر كان يشاوره.
وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: ما رأيت أخشى لله منه - يعنى في العمال - أضر رضى الله عنه قبل وفاته.
ومنهم رضى الله عنهم عبدالله بن زيد بن عبد ربه الانصاري الخزرجي، صاحب الاذان.
أسلم قديما فشهد عقبة السبعين، وحضر بدرا وما بعدها.
ومن أكبر مناقبه رؤيته الاذان والاقامة في النوم، وعرضه ذلك على رسول الله وتقريره عليه، وقوله له: " إنها لرؤيا حق فألقه على بلال، فإنه أندى صوتا منك "،.
وقد قدمنا الحديث بذلك في موضعه.
وقد روى الواقدي بأسانيده عن ابن عباس أنه كتب كتابا لمن أسلم من جرش فيه الامر لهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإعطاء خمس المغنم.
وقد توفى رضى الله عنه سنة اثنتين وثلاثين عن أربع وستين سنة، وصلى عليه عثمان ابن عفان رضى الله عنه.
* * *
ومنهم رضى الله عنهم عبدالله بن سعد بن أبى سرح، القرشى العامري، أخو عثمان لامه من الرضاعة.
أرضعته أم عثمان.
وكتب الوحى ثم ارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين بمكة، فلما فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان قد أهدر دمه فيمن أهدر من الدماء - فجاء إلى عثمان بن عفان فاستأمن له، فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قدمنا في غزوة الفتح.
ثم حسن إسلام عبدالله بن سعد جدا.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد المروزى، حدثنا على بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان عبدالله بن سعد ابن أبى سرح يكتب للنبى صلى الله عليه وسلم، فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله أن يقتل، فاستجار له عثمان بن عفان فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه النسائي من حديث على بن الحسين بن واقد به.
قلت: وكان على ميمنة عمرو بن العاص حين افتتح عمرو مصر سنة عشرين في الدولة العمرية، فاستناب عمر بن الخطاب عمرا عليها، فلما صارت الخلافة إلى عثمان عزل عنها عمرو بن العاص وولى عليها عبدالله بن سعد سنة خمس وعشرين.
وأمره بغزو بلاد أفريقية فغزاها ففتحها وحصل للجيش منها مال عظيم، كان قسم الغنيمة لكل فارس من الجيش ثلاثة آلاف مثقال من ذهب، وللراجل ألف مثقال، وكان معه في جيشه هذا ثلاثة من العبادلة ; عبدالله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو.
ثم غزا عبدالله بن سعد بعد أفريقية الاساود من أرض النوبة فهادنهم، فهى إلى اليوم، وذلك سنة إحدى وثلاثين.
ثم غزا غزوة الصوارى في البحر إلى الروم وهى غزوة عظيمة.
فلما اختلف الناس على عثمان خرج من مصر واستناب عليها ليذهب إلى عثمان لينصره.
فلما قتل عثمان أقام بعسقلان وقيل بالرملة ودعا الله أن يقبضه في الصلاة، فصلى يوما الفجر وقرأ في الاولى منها بفاتحة الكتاب والعاديات، وفى الثانية بفاتحة الكتاب وسورة، ولما فرغ من التشهد سلم التسليمة الاولى، ثم أراد أن يسلم الثانية فمات بينهما رضى الله عنه، وذلك في سنة ست وثلاثين، وقيل سنة سبع، وقيل إنه تأخر إلى سنة تسع وخمسين، والصحيح الاول.
قلت: ولم يقع له رواية في الكتب الستة ولا في المسند للامام أحمد.
* * * ومنهم رضى الله عنهم عبدالله بن عثمان، أبو بكر الصديق.
وقد ذكرت ترجمته (1)
__________
(1) وذلك في الجزء السادس من البداية للمؤلف.
(*)
في أيام خلافته.
وقد جمعت مجلدا في سيرته وما رواه من الاحاديث وما روى عنه من الآثار.
والدليل على كتابته ما ذكره موسى بن عقبة، عن الزهري، عن عبدالرحمن ابن مالك بن جعشم عن أبيه، عن سراقة بن مالك في حديثه حين اتبع رسول الله حين خرج هو وأبو بكر من الغار فمروا على أرضهم، فلما غشيهم - وكان من أمر فرسه ما كان - سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتاب أمان، فأمر أبا بكر فكتب له كتابا ثم ألقاه إليه.
وقد روى الامام أحمد من طريق الزهري بهذا السند، أن عامر بن فهيرة كتبه، فيحتمل أن أبا بكر كتب بعضه ثم أمر مولاه عامرا فكتب باقيه.
والله أعلم.
ومنهم رضى الله عنهم عثمان بن عفان أمير المؤمنين.
وقد ذكرت ترجمته في أيام خلافته وكتابته بين يديه عليه السلام مشهورة.
وقد روى الواقدي بأسانيده أن نهشل بن مالك الوائلي لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان فكتب له كتابا فيه شرائع الاسلام.
ومنهم رضى الله عنهم على بن أبى طالب أمير المؤمنين.
وقد ذكرت ترجمته في خلافته، وقد تقدم أنه كتب الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش يوم الحديبية أن يأمن الناس، وأنه لا إسلال ولا إغلال، وعلى وضع الحرب عشر سنين.
وقد كتب غير ذلك من الكتب بين يديه صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يدعيه طائفة من يهود خيبر أن بأيديهم كتابا من النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الجزية عنهم وفى آخره: وكتب على بن أبى طالب.
وفيه شهادة جماعة من
الصحابة منهم سعد بن معاذ ومعاوية بن أبى سفيان، فهو كذب وبهتان مختلق موضوع مصنوع وقد بين جماعة من العلماء بطلانه، واغتر بعض الفقهاء المتقدمين فقالوا بوضع الجزية عنهم.
وهذا ضعيف جدا.
وقد جمعت في ذلك جزءا مفردا بينت فيه بطلانه وأنه موضوع، اختلقوه وصنعوه وهم أهل لذلك، وبينته وجمعت مفرق كلام الائمة فيه ولله الحمد والمنة.
ومن الكتاب بين يديه صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وقد ذكرت ترجمته في موضعها.
وقد أفردت له مجلدا على حدة، ومجلدا ضخما في الاحاديث التى رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار والاحكام المروية عنه رضى الله عنه، وقد تقدم بيان كتابته في ترجمة عبدالله بن الارقم.
* * *
ومنهم رضى الله عنهم العلاء بن الحضرمي واسم الحضرمي عباد، ويقال عبدالله ابن عباد بن أكبر بن ربيعة بن عريف بن مالك بن الخزرج بن إياد بن الصدف بن زيد ابن مقنع بن حضرموت بن قحطان.
وقيل غير ذلك في نسبه.
وهو من حلفاء بنى أمية.
وقد تقدم بيان كتابته في ترجمة أبان بن سعيد ابن العاص.
وكان له من الاخوة عشرة غيره فمنهم: عمرو بن الحضرمي، أول قتيل من المشركين قتله المسلمون في سرية عبدالله بن جحش، وهى أول سرية كما تقدم.
ومنهم عامر بن الحضرمي الذى أمره أبو جهل لعنه الله فكشف عن عورته ونادى: واعمراه.
حين اصطف المسلمون والمشركون يوم بدر، فهاجت الحرب وقامت على ساق، وكان ما كان مما قدمناه مبسوطا في موضعه.
ومنهم شريح بن الحضرمي، وكان من خيار الصحابة، قال فيه رسول الله: " ذاك رجل لا يتوسد القرآن " يعنى لا ينام ويتركه، بل يقوم به آناء الليل والنهار.
ولهم كلهم أخت واحدة وهى الصعبة بنت الحضرمي، أم طلحة بن عبيدالله.
وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، ثم ولاه عليها أميرا حين افتتحها، وأقره عليها الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ولم يزل بها حتى عزله عنها عمر بن الخطاب وولاه البصرة.
فلما كان في أثناء الطريق توفى وذلك في سنة إحدى وعشرين.
وقد روى البيهقى وغيره عنه كرامات كثيرة، منها أنه سار بجيشه على وجه البحر ما يصل إلى ركب خيولهم، وقيل إنه ما بل أسافل نعال خيولهم، وأمرهم كلهم فجعلوا يقولون: يا حليم يا عظيم.
وأنه كان في جيشه فاحتاجوا إلى ماء فدعا الله فأمطرهم قدر كفايتهم، وأنه لما دفن لم ير له أثر بالكلية، وكان قد سأل الله ذلك.
وسيأتى هذا في كتاب دلائل النبوة قريبا إن شاء الله عزوجل.
وله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث: الاول: قال الامام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنى عبدالرحمن بن حميد بن عبدالرحمن بن عوف، عن السائب بن يزيد، عن العلاء بن الحضرمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا ".
وقد أخرجه الجماعة من حديثه.
والثانى قال أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا منصور، عن ابن سيرين، عن ابن العلاء بن الحضرمي، أن أباه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ بنفسه.
وكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل.
والحديث الثالث رواه أحمد وابن ماجه، من طريق محمد بن زيد، عن حبان
الاعرج، عنه أنه كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البحرين في الحائط - يعنى البستان - يكون بين الاخوة فيسلم أحدهم ؟ فأمره أن يأخذ العشر ممن أسلم.
والخراج - يعنى ممن لم يسلم -.
* * * ومنهم العلاء بن عقبة، قال الحافظ ابن عساكر: كان كاتبا للنبى صلى الله عليه وسلم، ولم أجد أحدا ذكره إلا فيما أخبرنا.
ثم ذكر إسناده إلى عتيق بن يعقوب، حدثنى عبدالملك بن أبى بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم، عن أبيه عن جده، عن عمرو بن حزم أن هذه قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء القوم فذكرها، وذكر فيها: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى النبي محمد عباس بن مرداس السلمى، أعطاه مدمورا (1) فمن خافه فيها فلا حق له، وحقه حق، وكتب العلاء بن عقبة وشهد.
ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله عوسجة بن حرملة الجهنى، من ذى المروة وما بين بلكثة إلى الظبية إلى الجعلات إلى جبل القبلية (2) فمن خافه فلا حق له وحقه حق، وكتبه العلاء بن عقبة.
وروى الواقدي بأسانيده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع لبنى سيح من جهينة وكتب كتابهم بذلك العلاء بن عقبة، وشهد.
وقد ذكر ابن الاثير في الغابة هذا الرجل مختصرا فقال: العلاء بن عقبة كتب للنبى صلى الله عليه وسلم، ذكره في حديث عمرو بن حزم، ذكره جعفر أخرجه أبو موسى - يعنى المدينى - في كتابه.
__________
(1) لم أجدها في كتب البلدان.
(2) بلكثة: عرص من المدينة.
والظبية: على ثلاثة أميال قرب الروحاء.
(*)
ومنهم رضى الله عنهم محمد بن مسلمة بن حريش بن خالد بن عدى بن مجدعة بن حارثة ابن الحارث بن الخزرج الانصاري الحارثى الخزرجي أبو عبد الله، ويقال أبو عبد الرحمن، ويقال أبو سعد المدنى حليف بنى عبد الاشهل.
أسلم على يدى مصعب بن عمير، وقيل سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وآخى رسول الله حين قدم المدينة بينه وبين أبى عبيدة بن الجراح.
وشهد بدرا والمشاهد بعدها، واستخلفه رسول الله على المدينة عام تبوك.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: كان شديد السمرة طويلا أصلع ذا جثة وكان من فضلاء الصحابة، وكان ممن اعتزل الفتنة واتخذ سيفا من خشب.
ومات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين على المشهور عند الجمهور، وصلى عليه مروان بن الحكم، وقد روى حديثا كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر محمد بن سعد، عن على بن محمد المدائني بأسانيده أن محمد بن مسلمة هو الذى
كتب لوفد مرة كتابا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * * ومنهم رضى الله عنهم معاوية بن أبى سفيان، صخر بن حرب بن أمية الاموى وقد ذكرنا ترجمته في أيام إمارته.
وقد ذكره مسلم بن الحجاج في كتابه عليه السلام.
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث عكرمة بن عمار، عن أبى زميل سماك بن الوليد، عن ابن عباس، أن أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن ؟ قال: نعم قال: تؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين.
قال: نعم.
قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك.
قال: نعم، الحديث.
وقد أفردت لهذا الحديث جزءا على حدة، بسبب ما وقع فيه من ذكر طلبه تزويج أم حبيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن فيه من المحفوظ تأمير أبى سفيان
وتولية معاوية منصب الكتابة بين يديه صلوات الله وسلامه عليه.
وهذا قدر متفق عليه بين الناس قاطبة.
فأما الحديث الذى قال الحافظ ابن عساكر في تاريخه في ترجمة معاوية هاهنا: أخبرنا أبو غالب بن البنا، أنبأنا أبو محمد الجوهرى، أنبأنا أبو على محمد بن أحمد بن يحيى بن عبدالله العطشى، حدثنا أحمد بن محمد البورانى، حدثنا السرى بن عاصم، حدثنا الحسن ابن زياد، عن القاسم بن بهرام، عن أبى الزبير، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار جبريل في استكتاب معاوية فقال: استكتبه فإنه أمين.
فإنه حديث غريب بل منكر.
والسرى بن عاصم هذا هو أبو عاصم الهمذانى وكان يؤدب المعتز بالله، كذبه في الحديث ابن خراش.
وقال ابن حبان وابن عدى: كان يسرق الحديث.
زاد ابن حبان: ويرفع الموقوفات لا يحل الاحتجاج به.
وقال الدارقطني: كان ضعيف الحديث.
وشيخه الحسن بن زياد: إن كان اللؤلؤي فقد تركه غير واحد من الائمة، وصرح كثير منهم بكذبه، وإن كان غيره فهو مجهول العين والحال.
وأما القاسم بن بهرام فاثنان ; أحدهما يقال له القاسم بن بهرام الاسدي الواسطي الاعرج، أصله من أصبهان، روى له النسائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حديث القنوت بطوله، وقد وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو داود وابن حبان.
والثانى القاسم ابن بهرام أبو همدان قاضى هيت.
قال ابن معين: كان كذابا.
وبالجملة فهذا الحديث من هذا الوجه ليس بثابت ولا يغتر به.
والعجب من الحافظ ابن عساكر مع جلالة قدره واطلاعه على صناعة الحديث أكثر من غيره من أبناء عصره - بل ومن تقدمه بدهر - كيف يورد في تاريخه هذا وأحاديث كثيرة من هذا النمط ثم لا يبين حالها، ولا يشير إلى شئ من ذلك إشارة لا ظاهرة ولا
خفية، ومثل هذا الصنيع فيه نظر.
والله أعلم.
ومنهم رضى الله عنهم المغيرة بن شعبة الثقفى، وقد قدمت ترجمته فيمن كان يخدمه عليه السلام من أصحابه من غير مواليه، وأنه كان سيافا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى ابن عساكر بسنده عن عتيق بن يعقوب بإسناده المتقدم غير مرة، أن المغيرة بن شعبة هو الذى كتب إقطاع حصين بن نضلة الاسدي الذى أقطعه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره.
فهولاء كتابه الذين كانوا يكتبون بأمره بين يديه صلوات الله وسلامه عليه.
فصل وقد ذكر ابن عساكر من أمنائه أبا عبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح القرشى
الفهرى أحد العشرة رضى الله عنه، وعبد الرحمن بن عوف الزهري.
أما أبو عبيدة فقد روى البخاري من حديث أبى قلابة، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لكل أمة أمين وأمين هذه الامة أبو عبيدة ابن الجراح ".
وفى لفظ: أن رسول الله قال لوفد عبدالقيس نجران: " لابعثن معكم أمينا حق أمين " فبعث معهم أبا عبيدة.
قال: ومنهم معيقيب بن أبى فاطمة الدوسى مولى بنى عبد شمس، كان على خاتمه، ويقال كان خادمه، وقال غيره: أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة في الناس، ثم إلى المدينة وشهد بدرا وما بعدها، وكان على الخاتم، واستعمله الشيخان على بيت المال.
قالوا: وكان قد أصابه الجذام فأمر عمر بن الخطاب فدووي بالحنظل فتوقف المرض.
وكانت وفاته في خلافة عثمان وقيل سنة أربعين فالله أعلم.
قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن أبى بكير، حدثنا شيبان، عن يحيى بن أبى كثير، عن أبى سلمة، حدثنى معيقيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوى التراب حيث يسجد قال: " إن كنت لا بد فاعلا فواحدة ".
وأخرجاه في الصحيحين من حديث شيبان النحوي، زاد مسلم: وهشام الدستوائى.
زاد الترمذي والنسائي وابن ماجه: والاوزاعي، ثلاثتهم عن يحيى بن أبى كثير به، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الامام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا أيوب، عن عتبة، عن يحيى
ابن أبى كثير، عن أبى سلمة، عن معيقيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويل للاعقاب من النار ".
وتفرد به الامام أحمد.
وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبى عتاب سهل بن حماد الدلال، عن
أبى مكين نوح بن ربيعة، عن إياس بن الحارث بن المعيقيب، عن جده - وكان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم - قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوى عليه فضة، قال: فربما كان في يدى.
قلت: أما خاتم النبي صلى الله عليه وسلم فالصحيح أنه كان من فضة فصه منه، كما سيأتي في الصحيحين.
وكان قد اتخذ قبله خاتم ذهب فلبسه حينا ثم رمى به وقال: " والله لا ألبسه ".
ثم اتخذ هذا الخاتم من فضة فصه منه ونقشه: محمد رسول الله، محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر.
فكان في يده عليه السلام، ثم كان في يد أبى بكر من بعده، ثم في يد عمر، ثم كان في يد عثمان في يده ست سنين، ثم سقط منه في بئر أريس، فاجتهد في تحصيله فلم يقدر عليه.
وقد صنف أبو داود رحمة الله عليه كتابا مستقلا في سننه في الخاتم وحده، وسنورد منه إن شاء الله قريبا ما نحتاج إليه وبالله المستعان.
وأما لبس معيقيب لهذا الخاتم فيدل على ضعف ما نقل أنه أصابه الجذام، كما ذكر ابن عبد البر وغيره، لكنه مشهور، فلعله أصابه ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم، أو كان به وكان مما لا يعدى منه، أو كان ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لقوة توكله، كما قال لذلك المجذوم - ووضع يده في القصعة - " كل، ثقة بالله وتوكلا عليه ".
رواه أبو داود.
وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فر من المجذوم فرارك من الاسد ".
والله أعلم.
وأما أمراؤه عليه السلام فقد ذكرناهم عند بعث السرايا منصوصا على أسمائهم.
ولله الحمد والمنة.
* * * وأما جملة الصحابة فقد اختلف الناس في عدتهم، فنقل عن أبى زرعة أنه قال: يبلغون مائة ألف وعشرين ألفا.
وعن الشافعي رحمه الله أنه قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ممن سمع منه ورآه زهاء ستين ألفا.
وقال الحاكم أبو عبد الله: يروى الحديث عن قريب من خمسة آلاف صحابي.
قلت: والذين روى عنهم الامام أحمد مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته وإمامته من الصحابة تسعمائة وسبعة وثمانون نفسا.
[ ووضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك قريب من ثلاثمائة صحابي أيضا (1) ].
وقد اعتنى جماعة من الحفاظ رحمهم الله بضبط أسمائهم وذكر أيامهم ووفياتهم، من أجلهم الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري في كتابه الاستيعاب، وأبو عبد الله محمد ابن إسحاق بن مندة، وأبو موسى المدينى.
ثم نظم جميع ذلك الحافظ عز الدين أبو الحسن على بن محمد بن عبد الكريم الجزرى المعروف بابن الصحابة، صنف كتابه الغابة في ذلك فأجاد وأفاد، وجمع وحصل، ونال مارام وأمل، فرحمه الله وأثابه وجمعه والصحابة آمين يا رب العالمين.
__________
(1) سقط من ا.
(*)
باب ما يذكر من آثار النبي صلى الله عليه وسلم التى كان يختص بها في حياته من ثياب وسلاح ومراكب وغير ذلك مما يجرى مجراه وينتظم في معناه ذكر الخاتم الذى كان يلبسه عليه السلام ومن أي شئ كان من الاجسام وقد أفرد له أبو داود في كتابه السنن كتابا على حدة، ولنذكر عيون ما ذكره
في ذلك مع ما نضيفه إليه، والمعول في أصل ما نذكره عليه.
قال أبو داود: حدثنا عبدالرحيم بن مطرف الرؤاسى.
حدثنا عيسى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى بعض الاعاجم فقيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا بخاتم.
فاتخذ خاتما من فضة، ونقش فيه: محمد رسول الله.
وهكذا رواه البخاري عن عبدالاعلى بن حماد، عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة به.
ثم قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية، عن خالد، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بمعنى حديث عيسى بن يونس.
زاد: فكان في يده حتى قبض، وفى يد أبى بكر حتى قبض، وفى يد عمر حتى قبض، وفى يد عثمان، فبينما هو عند بئر إذ سقط في البئر فأمر بها فنزحت، فلم يقدر عليه.
تفرد به أبو داود من هذا الوجه.
ثم قال أبو داود رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن صالح قالا: أخبرنا ابن
وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثنى أنس قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق فصه حبشي.
وقد روى هذا الحديث البخاري من حديث الليث، ومسلم من حديث ابن وهب، وطلحة عن يحيى الانصاري، وسلبمان بن بلال، زاد النسائي وابن ماجه، وعثمان عن عمر، خمستهم عن يونس بن يزيد الايلى به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
ثم قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا حميد الطويل، عن أنس، قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من فضة كله فصه منه.
وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث زهير بن معاوية الجعفي أبى خيثمة الكوفى به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
وقال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، قال: اصطنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما، فقال: إنا اتخذنا خاتما ونقشنا فيه نقشا فلا ينقش عليه أحد.
قال: فإنى أرى بريقه في خنصره.
ثم قال أبو داود: حدثنا نصر بن الفرج، حدثنا أبو أسامة، عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر [ قال (1) ] اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلى بطن كفه، ونقش فيه: محمد رسول الله.
فاتخذ الناس خواتم الذهب، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال: لا ألبسه أبدا.
ثم اتخذ خاتما من فضة نقش فيه: محمد رسول الله.
ثم لبس الخاتم بعده أبو بكر، ثم لبسه بعد أبى بكر عمر، ثم لبسه بعده عثمان حتى وقع في بئر أريس.
__________
(1) من سنن أبى داود 2 / 197.
(*)
وقد رواه البخاري عن يوسف بن موسى، عن أبى أسامة حماد بن أسامة به.
ثم قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبى شيبه، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أيوب ابن موسى، عن نافع، عن ابن عمر في هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: فنقش فيه محمد رسول الله، وقال: لا ينقش أحد على خاتمي هذا.
وساق الحديث.
وقد رواه مسلم وأهل السنن الاربعة، من حديث سفيان بن عيينة به نحوه.
ثم قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، حدثنا أبو عاصم، عن المغيرة بن زياد، عن نافع، عن ابن عمر في هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فالتمسوه فلم
يجدوه، فاتخذ عثمان خاتما ونقش فيه: محمد رسول الله.
قال: فكان يختم به أو يتختم به.
ورواه النسائي عن محمد بن معمر، عن أبى عاصم الضحاك بن مخلد النبيل به.
ثم قال أبو داود: باب [ ما جاء (1) ] في ترك الخاتم حدثنا محمد بن سليمان لوين، عن إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا، فصنع الناس فلبسوا.
وطرح النبي صلى الله عليه وسلم فطرح الناس.
ثم قال: رواه عن الزهري زياد بن سعد وشعيب وابن مسافر، كلهم قال: من ورق.
قلت: وقد رواه البخاري: حدثنا يحيى بن بكير.
حدثنا الليث، عن يونس، عن
__________
(1) من سنن أبى داود 2 / 197.
(*)











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق