الأحد، 10 يونيو 2018

2.خبر الأبلة



2.خبر الأبلة
خَبَرُ الْأُبُلَّةِ : قَالَ أَبُو دَاوُدَ : حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَالِحِ بْنِ دِرْهَمٍ ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : انْطَلَقْنَا حَاجِّينَ ، فَإِذَا رَجُلٌ ، فَقَالَ لَنَا : مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ [ ص: 6 ] فَقُلْنَا : مِنْ بَلَدِ كَذَا وَكَذَا . فَقَالَ : إِنَّ بِجَنْبِكُمْ قَرْيَةً يُقَالُ لَهَا : الْأُبُلَّةُ؟ فَقُلْنَا : نَعَمْ . فَقَالَ : مَنْ يَضْمَنُ أَنْ يُصَلِّيَ لِي فِي مَسْجِدِ الْعَشَّارِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا ، وَيَقُولُ : هَذِهِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ؟ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

" إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مِنْ مَسْجِدِ الْعَشَّارِ شُهَدَاءَ لَا يَقُومُ مَعَ شُهَدَاءِ بَدْرٍ غَيْرُهُمْ

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " : " إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " . 

وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَعُمْرَ ، وَعُثْمَانَ; انْزَاحَتْ يَدُ قَيْصَرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ - وَاسْمُهُ هِرَقْلُ - عَنْ بِلَادِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ ، وَثَبَتَ مُلْكُهُ مَقْصُورًا عَلَى بِلَادِ الرُّومِ فَقَطُّ ، وَالْعَرَبُ إِنَّمَا كَانُوا يُسَمُّونَ قَيْصَرَ لِمَنْ مَلَكَ بِلَادَ الرُّومِ مَعَ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ الشَّامِ; وَهُوَ أَنَّ يَدَ مَلِكِ الرُّومِ لَا تَعُودُ إِلَيْهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ

وَسَنُورِدُ هَذَا الْحَدِيثَ قَرِيبًا بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَأَمَّا كِسْرَى فَإِنَّهُ سُلِبَ عَامَّةَ مُلْكِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، ثُمَّ اسْتُؤْصِلَ بَاقِيهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ ، وَقُتِلَ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ ، وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ مُطَوَّلًا فِيمَا سَلَفَ ، وَقَدْ دَعَا عَلَى كِسْرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّهُ مَزَّقَ كِتَابَهُ ، بِأَنْ يُمَزَّقَ مُلْكُهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ ، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ .

وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ ، وَجَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ ، عَنْ [ ص: 7 ] شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ : أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ : أَنَا . قَالَ : هَاتِ إِنَّكَ لِجَرِيءٌ . فَقُلْتُ : ذَكَرَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ ، يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ . فَقَالَ : لَيْسَ هَذَا أَعْنِي ، إِنَّمَا أَعْنِي الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ . فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا . فَقَالَ : وَيْحَكَ ! أَيُفْتَحُ الْبَابُ أَمْ يُكْسَرُ؟ قُلْتُ : بَلْ يُكْسَرُ . قَالَ : إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا . قُلْتُ : أَجَلْ . فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ : أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ : نَعَمْ; إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ . قَالَ : فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ : مَنِ الْبَابُ؟ فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ : سَلْهُ . فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : هُوَ عُمَرُ . وَهَكَذَا وَقَعَ الْأَمْرُ سَوَاءً بَعْدَ مَقْتَلِ عُمَرَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ; وَقَعَتِ الْفِتَنُ بَيْنَ النَّاسِ بَعْدَ مَقْتَلِهِ ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ انْتِشَارِهَا بَيْنَهُمْ .

وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ ، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ; حُصِرَ وَقُتِلَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا شَهِيدًا ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عِنْدَ مَقْتَلِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ بِالْإِنْذَارِ بِذَلِكَ ، وَالْإِعْلَامِ بِهِ قَبْلَ كَوْنِهِ; فَوَقَعَ طِبْقَ ذَلِكَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ . وَذَكَرْنَا مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي الْجَمَلِ وَصِفِّينَ ، فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ . وَكَذَلِكَ الْإِخْبَارُ بِمَقْتَلِ عَمَّارٍ . وَمَا وَرَدَ فِي [ ص: 8 ] الْأَحَادِيثِ بِمَقْتَلِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَصَفَتِهِمْ ، وَنَعْتِ ذِي الثُّدَيَّةِ مِنْهُمْ . كُلُّ ذَلِكَ قَدْ حَرَّرْنَاهُ فِيمَا سَلَفَ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ . وَذَكَرْنَا عِنْدَ مَقْتَلِ عَلِيٍّ الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ بِطُرُقِهِ ، وَأَلْفَاظِهِ ، وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ ، عَنْ سَفِينَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا " . وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الثَّلَاثُونَ سَنَةً عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَعُمَرَ الْفَارُوقِ ، وَعُثْمَانَ الشَّهِيدِ ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الشَّهِيدِ أَيْضًا ، وَكَانَ تَمَامُهَا وَخِتَامُهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلِيَهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَ أَبِيهِ ، وَعِنْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِينَ نَزَلَ عَنِ الْأَمْرِ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَأَصْفَقَتِ الْبَيْعَةُ لِمُعَاوِيَةَ وَسُمِّيَ ذَلِكَ عَامَ الْجَمَاعَةِ ، وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَانِبِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ - : " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " . وَهَكَذَا وَقَعَ .

وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ أَنَّ نَاسًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَغْزُونَ الْبَحْرَ مَرَّتَيْنِ ، وَأَنَّهَا تَكُونُ مَعَ الْأَوَّلِينَ ، فَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ ، مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ ، حِينَ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانَ فِي غَزْوِ قُبْرُسَ ، [ ص: 9 ] فَأَذِنَ لَهُ فَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْمَرَاكِبَ إِلَيْهَا وَفَتَحُوهَا قَسْرًا ، وَتُوُفِّيَتْ أُمُّ حَرَامٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، وَكَانَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ زَوْجَتُهُ فَاخِتَةُ بِنْتُ قَرَظَةَ  


وَأَمَّا غَزْوَةُ الْبَحْرِ الثَّانِيَةُ فَكَانَتْ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ أَيْضًا ، غَزَاهَا ابْنُهُ يَزِيدُ وَمَعَهُ الْجُنُودُ فَدَخَلُوا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ ، وَكَانَ مَعَهُ فِي هَذَا الْجَيْشِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ ، مِنْهُمْ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَمَاتَ هُنَالِكَ وَأَوْصَى إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، أَنْ يَدْفِنَهُ تَحْتَ سَنَابِكِ الْخَيْلِ ، وَأَنْ يُوغِلَ بِهِ إِلَى أَقْصَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَهِيَ بِهِ إِلَى نَحْوِ جِهَةِ الْعَدُوِّ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ .

وَتَفَرَّدَ الْبُخَارِيُّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ ، عَنْ أُمِّ حَرَامٍ ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا " . قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ : " أَنْتِ فِيهِمْ " . ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ " . قُلْتُ : أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : " لَا " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق