الأحد، 10 يونيو 2018

38.ذكر الدخان الذي يكون قبل يوم القيامة

ذِكْرُ الدُخَّانِ الَّذِي يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ : إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [ الدُّخَانِ : 10 - 16 ] . وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَمَقْنَعٌ ، وَقَدْ نَقَلَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ فَسَّرَ ذَلِكَ بِمَا كَانَ يَحْصُلُ لِقُرَيْشٍ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ ، بِسَبَبِ الْقَحْطِ الَّذِي دَعَا عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ .

وَهَذَا التَّفْسِيرُ غَرِيبٌ جِدًّا ، وَلَمْ يُنْقَلْ مِثْلُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِهِ ، وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ رَدَّ ذَلِكَ ، وَمُعَارَضَتَهُ بِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ " . فَذَكَرَ فِيهِنَّ الدُّخَانَ ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ : " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا " . فَذَكَرَ فِيهِنَّ الدُّخَانَ ، وَالْحَدِيثَانِ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مَرْفُوعَانِ ، وَالْمَرْفُوعُ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ مَوْقُوفٍ ، وَفِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ دُخَانٍ مِنَ السَّمَاءِ يَغْشَى [ ص: 266 ] النَّاسَ ، وَهَذَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ عَامٌّ ، وَلَيْسَ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ خَيَالٌ فِي أَعْيُنِ قُرَيْشٍ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ .

قَالَ تَعَالَى : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ . أَيْ : ظَاهِرٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ ، لَيْسَ خَيَالًا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ ، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ . أَيْ : يُنَادِي أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ رَبَّهُمْ بِهَذَا الدُّعَاءِ; يَسْأَلُونَ كَشْفَ هَذِهِ الشِّدَّةِ عَنْهُمْ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ آمَنُوا ، وَأَيْقَنُوا بِمَا وُعِدُوا بِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ الْكَائِنَةِ ، بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، حَيْثُ يُمْكِنُ رَفْعُهُ ، وَيُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَ : بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ قَالَ : يَجِيءُ دُخَانٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ . فَفَزِعْنَا ، فَأَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ . قَالَ : وَكَانَ مُتَّكِئًا . فَغَضِبَ فَجَلَسَ ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ : اللَّهُ أَعْلَمُ . فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ : اللَّهُ أَعْلَمُ . فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ . [ ص : 86 ] [ ص: 267 ] وَإِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنِ الْإِسْلَامِ ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ " . فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا ، وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ ، وَيَرَى الرَّجُلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَقَوْمُكَ قَدْ هَلَكُوا ، فَادْعُ اللَّهَ . فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ إِلَى قَوْلِهِ : إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمْ عَذَابُ الْآخِرَةِ إِذَا جَاءَ ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [ الدُّخَانِ : 16 ] . فَذَاكَ يَوْمُ بَدْرٍ ، فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [ الْفُرْقَانِ : 77 ] فَذَاكَ يَوْمُ بَدْرٍ ، الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [ الرُّومِ : 1 - 3 ] ، وَالرُّومُ قَدْ مَضَى ، فَقَدْ مَضَتِ الْأَرْبَعُ .

وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ ، وَمَنْصُورٍ بِهِ نَحْوَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ : فَقَدْ مَضَى الْقَمَرُ ، وَالدُّخَانُ ، وَالرُّومُ ، وَاللِّزَامُ . وَقَدْ سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ . وَقَوْلُ هَذَا الْقَاصِّ : إِنَّ هَذَا [ ص: 268 ] الدُّخَانَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . لَيْسَ بِجَيِّدٍ ، وَمِنْ هُنَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ بِالرَّدِّ ، بَلْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَكُونُ وُجُودُ هَذَا الدُّخَانِ ، كَمَا يَكُونُ وُجُودُ الْآيَاتِ ، مِنَ الدَّابَّةِ وَالدَّجَّالِ ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ عَنْ أَبَى سَرِيحَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَكَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِيهَا ، وَأَمَّا النَّارُ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ ، تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ ، تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا ، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا ، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق