ذِكْرُ الدُخَّانِ الَّذِي يَكُونُ
قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ : إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [ الدُّخَانِ : 10 - 16 ] . وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَمَقْنَعٌ ، وَقَدْ نَقَلَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ فَسَّرَ ذَلِكَ بِمَا كَانَ يَحْصُلُ لِقُرَيْشٍ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ ، بِسَبَبِ الْقَحْطِ الَّذِي دَعَا عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ . وَهَذَا التَّفْسِيرُ غَرِيبٌ جِدًّا ، وَلَمْ يُنْقَلْ مِثْلُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِهِ ، وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ رَدَّ ذَلِكَ ، وَمُعَارَضَتَهُ بِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ " . فَذَكَرَ فِيهِنَّ الدُّخَانَ ، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ : " بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا " . فَذَكَرَ فِيهِنَّ الدُّخَانَ ، وَالْحَدِيثَانِ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مَرْفُوعَانِ ، وَالْمَرْفُوعُ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ مَوْقُوفٍ ، وَفِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ دُخَانٍ مِنَ السَّمَاءِ يَغْشَى [ ص: 266 ] النَّاسَ ، وَهَذَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ عَامٌّ ، وَلَيْسَ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ خَيَالٌ فِي أَعْيُنِ قُرَيْشٍ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ . قَالَ تَعَالَى : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ . أَيْ : ظَاهِرٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ ، لَيْسَ خَيَالًا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ ، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ . أَيْ : يُنَادِي أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ رَبَّهُمْ بِهَذَا الدُّعَاءِ; يَسْأَلُونَ كَشْفَ هَذِهِ الشِّدَّةِ عَنْهُمْ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ آمَنُوا ، وَأَيْقَنُوا بِمَا وُعِدُوا بِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ الْكَائِنَةِ ، بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، حَيْثُ يُمْكِنُ رَفْعُهُ ، وَيُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَ : بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ قَالَ : يَجِيءُ دُخَانٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ . فَفَزِعْنَا ، فَأَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ . قَالَ : وَكَانَ مُتَّكِئًا . فَغَضِبَ فَجَلَسَ ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ : اللَّهُ أَعْلَمُ . فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ : اللَّهُ أَعْلَمُ . فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ . [ ص : 86 ] [ ص: 267 ] وَإِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنِ الْإِسْلَامِ ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ " . فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا ، وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ ، وَيَرَى الرَّجُلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَقَوْمُكَ قَدْ هَلَكُوا ، فَادْعُ اللَّهَ . فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ إِلَى قَوْلِهِ : إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمْ عَذَابُ الْآخِرَةِ إِذَا جَاءَ ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [ الدُّخَانِ : 16 ] . فَذَاكَ يَوْمُ بَدْرٍ ، فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [ الْفُرْقَانِ : 77 ] فَذَاكَ يَوْمُ بَدْرٍ ، الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [ الرُّومِ : 1 - 3 ] ، وَالرُّومُ قَدْ مَضَى ، فَقَدْ مَضَتِ الْأَرْبَعُ . وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ ، وَمَنْصُورٍ بِهِ نَحْوَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ : فَقَدْ مَضَى الْقَمَرُ ، وَالدُّخَانُ ، وَالرُّومُ ، وَاللِّزَامُ . وَقَدْ سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ . وَقَوْلُ هَذَا الْقَاصِّ : إِنَّ هَذَا [ ص: 268 ] الدُّخَانَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . لَيْسَ بِجَيِّدٍ ، وَمِنْ هُنَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ بِالرَّدِّ ، بَلْ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَكُونُ وُجُودُ هَذَا الدُّخَانِ ، كَمَا يَكُونُ وُجُودُ الْآيَاتِ ، مِنَ الدَّابَّةِ وَالدَّجَّالِ ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ عَنْ أَبَى سَرِيحَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَكَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِيهَا ، وَأَمَّا النَّارُ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ ، تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ ، تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا ، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا ، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ . |
للساعة علامات يهتدي بوقوعها المؤمنون ليحذروا شرور تلك الايام والزمان ويبتعدوا عما يغضب الرحمن فأقرأها
المصاحف
جواهر القران لأبي حامد الغزالي
كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي
كانت
المرأة قبل نزول سورة الطلاق....فأصبحت المرأة فأصبحت بعد نزولها />
الأحد، 10 يونيو 2018
38.ذكر الدخان الذي يكون قبل يوم القيامة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق