الجمعة، 15 يونيو 2018

ص21. ج6//3 السيرة النبوية لابن كثير

ص20 ج6//3 السيرة النبوية لابن كثير
ص21.
 



ص21. ج6//3 السيرة النبوية لابن كثير


وقد قال الامام أحمد: حدثنا أبو سعيد، حدثنا زائدة ; حدثنا زياد بن علاقة، عن جرير، قال: قال لى حبر باليمن: إن كان صاحبكم نبيا فقد مات اليوم.
قال جرير: فمات يوم الاثنين.
وقال البيهقى: أنبأنا أبو الحسين بن بشران المعدل ببغداد، أنبأنا أبو جعفر محمد بن عمرو، حدثنا محمد بن الهيثم، حدثنا سعيد بن كثير بن عفير، حدثنى عبدالحميد بن كعب بن علقمة بن كعب بن عدى التنوخى، عن عمرو بن الحارث، عن ناعم بن أجبل، عن كعب بن عدى، قال: أقبلت في وفد من أهل الحيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فعرض علينا الاسلام، فأسلمنا ثم انصرفنا إلى الحيرة.
فلم نلبث أن جاءتنا وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فارتاب أصحابي وقالوا: لو كان نبيا لم يمت.
فقلت: قد مات الانبياء قبله، وثبت على إسلامى، ثم خرجت أريد المدينة فمررت براهب كنا لا نقطع أمرا دونه، فقلت له: أخبرني عن أمر أردته نفخ في صدري منه شئ، فقال: إئت باسم من الاسماء.
فأتيته بكعب فقال: ألقه في هذا السفر، لسفر أخرجه، فألقيت الكعب فيه فصفح فيه فإذا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم كما رأيته، وإذا هو يموت في الحين الذى مات فيه. قال: فاشتدت بصيرتي في إيمانى، وقدمت على أبى بكر رضى الله عنه فأعلمته وأقمت عنده، فوجهني إلى المقوقس فرجعت، ووجهني أيضا عمر بن الخطاب فقدمت عليه بكتابه، فأتيته، وكانت وقعة اليرموك ولم أعلم بها فقال لى: أعلمت أن الروم قتلت العرب وهزمتهم ؟ فقلت كلا قال: ولم ؟ قلت إن الله وعد نبيه أن يظهره على الدين كله، وليس بمخلف الميعاد.
قال: فإن نبيكم قد صدقكم، قتلت الروم والله قتل عاد.
قال: ثم سألني عن وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته وأهدى إلى عمر وإليهم.
وكان ممن أهدى إليه على وعبد الرحمن والزبير - وأحسبه ذكر العباس - قال كعب: وكنت شريكا لعمر في البز في الجاهلية، فلما أن فرض الديوان فرض لى في بنى عدى بن كعب.
وهذا أثر غريب وفيه نبأ عجيب وهو صحيح.
فصل قال محمد بن إسحاق: ولما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، واشرأبت اليهودية والنصرانية ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم، حتى جمعهم الله على أبى بكر رضى الله عنه.
قال ابن هشام: وحدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم أن أكثر أهل مكة لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا بالرجوع عن الاسلام وأرادوا ذلك، حتى خافهم عتاب بن أسيد رضى الله عنه فتوارى، فقام سهيل بن عمرو رضى الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إن ذلك لم يزد الاسلام إلا قوة، فمن رابنا ضربنا عنقه.
فتراجع الناس وكفوا عما هموا به، فظهر عتاب بن أسيد.
فهذا المقام الذى أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لعمر الخطاب - يعنى
حين أشار بقلع ثنيته حين وقع في الاسارى يوم بدر -: إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمنه ! قلت: وقد ذكرنا (1) ما وقع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الردة في أحياء كثيرة من العرب، وما كان من أمر مسيلمة بن حبيب المتنبئ باليمامة، والاسود العنسى باليمن، وما كان من أمر الناس حتى فاءوا ورجعوا إلى الله تائبين نازعين عما كانوا عليه في حال ردتهم من السفاهة والجهل العظيم الذى استفزهم الشيطان به، حتى نصرهم الله وثبتهم وردهم إلى دينه الحق على يدى الخليفة الصديق أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه.
__________
(1) وذلك في أخبار سنة إحدى عشرة من البداية والنهاية للمؤلف (*)
فصل وقد ذكر ابن إسحاق وغيره قصائد لحسان بن ثابت رضى الله عنه في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أجل ذلك وأفصحه وأعظمه، ما رواه عبدالملك بن هشام رحمه الله عن أبى زيد الانصاري، أن حسان بن ثابت رضى الله عنه قال يبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بطيبة رسم للرسول ومعهد * منير وقد تعفو الرسوم وتهمد (1) ولا تمتحى الآيات من دار حرمة * بها منبر الهادى الذى كان يصعد وواضح آيات (2) وباقى معالم * وربع له فيه مصلى ومسجد بها حجرات كان ينزل وسطها * من الله نور يستضاء ويوقد معارف لم تطمس على العهد آيها * أتاها البلى فالآى منها تجدد عرفت بها رسم الرسول وعهده * وقبرا بها واراه في الترب ملحد
ظللت بها أبكى الرسول فأسعدت * عيون ومثلاها من الجن تسعد يذكرن آلاء الرسول ولا أرى * لها محصيا نفسي فنفسي تبلد مفجعة قد شفها فقد أحمد * فظلت لآلاء الرسول تعدد وما بلغت من كل أمر عشيره * ولكن لنفسي بعد ما قد توجد أطالت وقوفا تذرف العين جهدها * على طلل القبر الذى فيه أحمد فبوركت يا قبر الرسول وبوركت * بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
__________
(1) الاصل: تمهد.
وما أثبته عن ابن هشام 2 / 666 (2) ابن هشام: آثار (*)
وبورك لحد منك ضمن طيبا * عليه بناء من صفيح منضد (1) تهيل عليه الترب أيد وأعين * عليه - وقد غارت بذلك أسعد لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة * عشية علوه الثرى لا يوسد وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم * وقد وهنت منهم ظهور وأعضد ويبكون من تبكى السموات يومه * ومن قد بكته الارض فالناس أكمد وهل عدلت يوما رزية هالك * رزية يوم مات فيه محمد تقطع فيه منزل الوحى عنهم * وقد كان ذا نور يغور وينجد يدل على الرحمن من يقتدى به * وينقذ من هول الخزايا ويرشد إمام لهم يهديهم الحق جاهدا * معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا عفو عن الزلات يقبل عذرهم * وإن يحسنوا فالله بالخير أجود وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله * فمن عنده تيسير ما يتشدد فبينا هم في نعمة الله وسطهم * دليل به نهج الطريقة يقصد عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى * حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثنى جناحه * إلى كنف يحنو عليه ويمهد فبيناهم في ذلك النور إذ غدا * إلى نورهم سهم من الموت مقصد فأصبح محمودا إلى الله راجعا * يبكيه حق المرسلات ويحمد (2) وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها * لغيبة ما كانت من الوحى تعهد قفارا سوى معمورة اللحد ضافها * فقيد يبكيه بلاط وغرقد (3) ومسجده فالموحشات لفقده * خلاء له فيها (4) مقام ومقعد
__________
(1) من ت وابن هشام (2) المرسلات: الملائكة.
وفى ج: جفن المرسلات.
ويروى جن، أي الملائكة المستورون (3) البلاط: الارض المستوية الملساء.
والغرقد: شجر.
(4) ابن هشام فيه.
(*)
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت * ديار وعرصات وربع ومولد فبكى رسول الله يا عين عبرة * ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد ومالك لا تبكين ذا النعمة التى * على الناس منها سابغ يتغمد فجودي عليه بالدموع وأعولى * لفقد الذى لا مثله الدهر يوجد وما فقد الماضون مثل محمد * ولا مثله حتى القيامة يفقد أعف وأوفى ذمة بعد ذمة * وأقرب منه نائلا لا ينكد وأبذل منه للطريف وتالد * إذا ضن معطاء بما كان يتلد وأكرم حيا (1) في البيوت إذا انتمى * وأكرم جدا أبطحيا يسود وأمنع ذروات وأثبت في العلا * دعائم عز شاهقات تشيد وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا * وعودا غذاه المزن فالعود أغيد رباه وليدا فاستم تمامه * على أكرم الخيرات رب ممجد تناهت وصاة المسلمين بكفه * فلا العلم محبوس ولا الرأى يفند
أقول ولا يلفى لما قلت (2) عائب * من الناس إلا عازب العقل مبعد وليس هوائي نازعا عن ثنائه * لعلى به في جنة الخلد أخلد مع المصطفى أرجو بذاك جواره * وفى نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد وقال الحافظ أبو القاسم السهيلي في آخر كتابه الروض: وقال أبو سفيان بن الحارث ابن عبدالمطلب يبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرقت فبات ليلى لا يزول * وليل أخى المصيبة فيه طول وأسعدنى البكاء وذاك فيما * أصيب المسلمون به قليل لقد عظمت مصيبتنا وجلت * عشية قيل قد قبض الرسول
__________
(1) ا: صيتا.
(2) ابن هشام: لقولي.
(*)
وأضحت أرضنا مما عراها * تكاد بنا جوانبها تميل فقدنا الوحى والتنزيل فينا * يروح به ويغدو جبرئيل وذاك أحق ما سالت عليه * نفوس الناس أو كادت (1) تسيل نبى كان يجلو الشك عنا * بما يوحى إليه وما يقول ويهدينا فلا نخشى ضلالا * علينا والرسول لنا دليل أفاطم إن جزعت فذاك عذر * وإن لم تجزعي ذاك السبيل فقبر أبيك سيد كل قبر * وفيه سيد الناس الرسول
__________
(1) الروض الانف: كربت.
(*)
باب بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرا ولا شيئا يورث عنه
بل أرضا جعلها كلها صدقة لله عزوجل فإن الدنيا بحذافيرها كانت أحقر عنده - كما هي عند الله - من أن يسعى لها أو يتركها بعده ميراثا صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين.
قال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن أبى إسحاق، عن عمرو ابن الحارث، قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة، إلا بغلته البيضاء التى كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة.
انفرد به البخاري دون مسلم، فرواه في أماكن من صحيحه من طرق متعددة، عن أبى الاحوص وسفيان الثوري وزهير بن معاوية.
ورواه الترمذي من حديث إسرائيل، والنسائي أيضا من حديث يونس بن أبى إسحاق، كلهم عن أبى إسحاق عمرو بن عبدالله السبيعى، عن عمرو بن الحارث بن المصطلق بن أبى ضرار، أخى جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضى الله عنهما به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الاعمش وابن نمير، عن الاعمش، عن شقيق، عن مسروق، عن عائشة، قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشئ.
وهكذا رواه مسلم منفردا به عن البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه من طرق
متعددة عن سليمان بن مهران الاعمش، عن شقيق بن سلمة أبى وائل، عن مسروق بن الاجدع، عن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سموات رضى الله عنها وأرضاها.
وقال الامام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف، عن سفيان، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن عائشة، قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا
أمة ولا عبدا ولا شاة ولا بعيرا.
وحدثنا عبدالرحمن عن سفيان، عن عاصم عن زر عن عائشة: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا.
قال سفيان: وأكثر علمي وأشك في العبد والامة.
وهكذا رواه الترمذي في الشمائل عن بندار، عن عبدالرحمن بن مهدى به.
قال الامام أحمد: وحدثنا وكيع، حدثنا مسعر، عن عاصم بن أبى النجود، عن زر عن عائشة، قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة لا شاة ولا بعيرا.
هكذا رواه الامام أحمد من غير شك.
وقد رواه البيهقى، عن أبى زكريا بن أبى إسحاق المزكى، عن أبى عبدالله محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، أنبأنا جعفر بن عون، أنبأنا مسعر، عن عاصم عن زر، قال: قالت عائشة: تسألونى عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة.
قال مسعر: أراه قال: ولا شاة ولا بعيرا.
قال: وأنبأنا مسعر، عن عدى بن ثابت، عن على بن الحسين، قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث الاعمش، عن إبرهيم، عن الاسود، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودى إلى أجل، ورهنه درعا من حديد.
وفى لفظ للبخاري رواه عن قبيصة، عن الثوري، عن الاعمش، عن إبراهيم عن الاسود، عن عائشة رضى الله عنها.
قالت: توفى النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة
عند يهودى بثلاثين (1).
ورواه البيهقى من حديث يزيد بن هارون، عن الثوري، عن الاعمش، عن إبراهيم عن الاسود عنها، قالت: توفى النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة بثلاثين صاعا من شعير.
ثم قال: رواه البخاري، عن محمد بن كثير، عن سفيان.
ثم قال البيهقى: أنبأنا على بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أبو بكر محمد بن حمويه العسكري، حدثنا جعفر بن محمد القلانسى، حدثنا آدم، حدثنا شيبان، عن قتادة عن أنس، قال: لقد دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم على خبز شعير وإهالة سنخة (2).
قال أنس: ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " والذى نفس محمد بيده ما أصبح عند آل محمد صاع بر ولا صاع تمر ".
وإن له يومئذ تسع نسوة، ولقد رهن درعا له عند يهودى بالمدينة وأخذ منه طعاما فما وجد ما يفتكها به حتى مات صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) زاد في البخاري: أي صاعا من شعير.
(2) الاهالة: الزيت.
السنخة: المتغيرة الرائحة.
(*)
وقد روى ابن ماجه بعضه من حديث شيبان بن عبدالرحمن النحوي عن قتادة به.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا ثابت، حدثنا هلال، عن عكرمة، عن ابن عباس ; أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أحد فقال: " والذى نفسي بيده ما يسرنى أن أحدا لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله، أموت يوم أموت وعندي منه ديناران إلا أن أرصدهما لدين ".
قال: فمات فما ترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة، فترك درعه رهنا عند يهودى بثلاثين صاعا من شعير.
وقد روى آخره ابن ماجه، عن عبدالله بن معاوية الجمحى، عن ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب العبدى الكوفى به.
ولاوله شاهد في الصحيح من حديث أبى ذر رضى الله عنه.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد وأبو سعيد وعفان، قالوا: حدثنا ثابت - هو ابن يزيد - حدثنا هلال - هو ابن خباب - عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه.
فقال: يا نبى الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا ؟ فقال: " مالى وللدنيا، ما مثلى ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها ".
تفرد به أحمد وإسناده جيد.
وله شاهد من حديث ابن عباس عن عمر في المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم ; وقصة الايلاء.
وسيأتى الحديث مع غيره (1) مما شاكله في بيان زهده عليه السلام وتركه الدنيا، وإعراضه عنها، واطراحه لها، وهو مما يدل على ما قلناه من أنه عليه السلام لم تكن الدنيا عنده ببال.
وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، حدثنا عبد العزيز بن رفيع، قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس فقال ابن عباس: ما ترك رسول الله صلى الله.
عليه وسلم إلا ما بين هذين اللوحين.
قال: ودخلنا على محمد بن على فقال مثل ذلك.
وهكذا رواه البخاري، عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة به.
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا مالك بن مغول، عن طلحة، قال سألت عبدالله بن أبى أوفى: أأوصى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: لا.
فقلت: كيف كتب على الناس الوصية، أو أمروا (2) بها ؟ قال: أوصى بكتاب الله عزوجل.
وقد رواه البخاري أيضا ومسلم وأهل السنن إلا أبا داود من طرق عن مالك ابن مغول به.
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث مالك ابن مغول.
تنبيه قد ورد أحاديث كثيرة سنوردها قريبا بعد هذا الفصل في ذكر أشياء كان يختص بها صلوات الله وسلامه عليه في حياته من دور ومساكن نسائه وإماء وعبيد
__________
(1) وذلك في قسم الشمائل من متعلقات السيرة النبوية: الذى سننشره مفردا.
(2) البخاري: أو أمروا بالوصية.
(*)
وخيول وإبل وغنم وسلاح وبغلة وحمار وثياب وأثاث وخاتم وغير ذلك مما سنوضحه بطرقه ودلائله.
فلعله عليه السلام تصدق بكثير منها في حياته منجزا، وأعتق من أعتق من إمائه وعبيده، وأرصد ما أرصده من أمتعته، مع ما خصه الله به من الارضين من بنى النضير وخيبر وفدك في مصالح المسلمين على ما سنبينه إن شاء الله، إلا أنه لم يخلف من ذلك شيئا يورث عنه قطعا، لما سنذكره قريبا.
وبالله المستعان.
باب بيان أنه عليه السلام قال: لا نورث قال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن أبى الزناد، عن الاعرج، عن أبى هريرة يبلغ به.
وقال مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتسم ورثتي دينارا
ولا درهما، ما تركت بعد نفقة نسائى ومؤنة عاملي فهو صدقة ".
وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود من طرق، عن مالك بن أنس، عن أبى الزناد عبدالله بن ذكوان، عن عبدالرحمن بن هرمز الاعرج، عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائى ومؤنة عاملي فهو صدقة ".
لفظ البخاري.
ثم قال البخاري: حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان إلى أبى بكر ليسألنه ميراثهن، فقالت عائشة: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نورث، ما تركنا صدقة ؟ ".
وهكذا رواه مسلم، عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبى، والنسائي عن قتيبة، كلهم عن مالك به.
فهذه إحدى النساء الوارثات - إن لو قدر ميراث - قد اعترفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ما تركه صدقة لا ميراثا، والظاهر أن بقية أمهات المؤمنين وافقنها على
ما روت، وتذكرن ما قالت لهن من ذلك، فإن عبارتها تؤذن بأن هذا أمر مقرر عندهن.
والله أعلم.
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن أبان، حدثنا عبدالله بن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث ما تركنا صدقة ".
وقال البخاري: باب قول رسول الله: لا نورث ما تركنا صدقة: حدثنا عبدالله ابن محمد، حدثنا هشام، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة
والعباس أتيا أبا بكر رضى الله عنه يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال ".
قال أبو بكر: والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته.
قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت.
وهكذا رواه الامام أحمد، عن عبد الرزاق، عن معمر.
ثم رواه أحمد عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ميراثها مما ترك مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث ما تركنا صدقة " فغضبت فاطمة وهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت.
قال: وعاشت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، وذكر تمام الحديث.
هكذا قال الامام أحمد.
وقد روى البخاري هذا الحديث في كتاب المغازى من صحيحه عن ابن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة كما تقدم، وزاد: فلما توفيت دفنها على ليلا ولم يؤذن أبا بكر وصلى عليها.
وكان لعلى من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر على وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبى بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الاشهر، فأرسل إلى أبى بكر: إيتنا ولا يأتنا معك أحد، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر.
فقال عمر: والله لا تدخل عليهم وحدك.
قال أبو بكر: وما عسى أن يصنعوا بى ؟ والله لآتينهم.
فانطلق أبو بكر رضى الله عنه [ فتشهد على ] وقال: إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك، ولكنكم استبددتم بالامر، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لنا في هذا الامر نصيبا، فلم يزل على يذكر حتى بكى أبو بكر رضى الله عنه.
وقال: والذى نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتي، وأما الذى شجر بينكم في هذه الاموال فإنى لم آل فيها عن الخير، ولم أترك أمرا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته.
فلما صلى أبو بكر رضى الله عنه الظهر رقى على المنبر فتشهد وذكر شأن على وتخلفه عن البيعة وعذره بالذى اعتذر به، وتشهد على رضى الله عنه فعظم حق أبى بكر وذكر فضيلته وسابقته، وحدث أنه لم يحمله على الذى صنع نفاسة على أبى بكر.
ثم قام إلى أبى بكر رضى الله عنهما فبايعه.
فأقبل الناس على على فقالوا: أحسنت.
وكان الناس إلى على قريبا حين راجع الامر المعروف.
وقد رواه البخاري أيضا ومسلم وأبو داود والنسائي من طرق متعددة عن الزهري عن عروة عن عائشة بنحوه.
فهذه البيعة التى وقعت من على رضى الله عنه، لابي بكر رضى الله عنه، بعد وفاة
فاطمة رضى الله عنها، بيعة مؤكدة للصلح الذى وقع بينهما وهى ثانية للبيعة التى ذكرناها أولا يوم السقيفة، كما رواه ابن خزيمة وصححه مسلم بن الحجاج، ولم يكن على مجانبا لابي بكر هذه الستة الاشهر، بل كان يصلى وراءه ويحضر عنده للمشورة، وركب معه إلى ذى القصة.
وفى صحيح البخاري أن أبا بكر رضى الله عنه صلى العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال، ثم خرج من المسجد فوجد الحسن بن على يلعب مع الغلمان، فاحتمله على كاهله وجعل يقول: يا بأبى شبه النبي * ليس شبيها بعلى ؟
وعلى يضحك.
ولكن لما وقعت هذه البيعة الثانية اعتقد بعض الرواة أن عليا لم يبايع قبلها فنفى ذلك، والمثبت مقدم على النافي كما تقدم وكما تقرر.
والله أعلم.
* * * وأما تغضب فاطمة رضى الله عنها وأرضاها على أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه فما أدرى ما وجهه.
فإن كان لمنعه إياها ما سألته من الميراث فقد اعتذر إليها بعذر يجب قبوله، وهو ما رواه عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا نورث ما تركنا صدقة " وهى ممن تنقاد لنص الشارع الذى خفى عليها قبل سؤالها الميراث، كما خفى على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخبرتهن عائشة بذلك، ووافقنها عليه.
وليس يظن بفاطمة رضى الله عنها أنها اتهمت الصديق رضى الله عنه فيما أخبرها به، حاشاها وحاشاه من ذلك، كيف وقد وافقه على رواية هذا الحديث عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، والعباس بن عبدالمطلب، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبى وقاص، وأبو هريرة، وعائشة رضى الله عنهم أجمعين.
كما سنبينه قريبا.
ولو تفرد بروايته الصديق رضى الله عنه لوجب على جميع أهل الارض قبول روايته والانقياد له في ذلك.
وإن كان غضبها لاجل ما سألت الصديق، إذا كانت هذه الاراضي صدقة لا ميراثا أن يكون زوجها ينظر فيها، فقد اعتذر بما حاصله: أنه لما كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يرى أن فرضا عليه أن يعمل بما كان يعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلى ما كان يليه رسول الله، ولهذا قال: وإنى والله لا أدع أمرا كان يصنعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته.
قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت.
وهذا الهجران والحالة هذه فتح على فرقة الرافضة شرا عريضا، وجهلا طويلا، وأدخلوا أنفسهم بسببه فيما لا يعنيهم.
ولو تفهموا الامور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله، وقبلوا منه عذره الذى يجب على كل أحد قبوله.
ولكنهم طائفة مخذولة، وفرقة مرذولة، يتمسكون بالمتشابه، ويتركون الامور المحكمة المقدرة عند أئمه الاسلام، من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الاعصار، والامصار رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
بيان رواية الجماعة لما رواه الصديق وموافقتهم على ذلك قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان، وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لى ذكرا من حديثه ذلك، فانطلقت حتى دخلت عليه فسألته فقال: انطلقت حتى أدخل على عمر فأتاه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد ؟ قال: نعم فأذن لهم.
ثم قال: هل لك في على وعباس ؟ قال نعم: قال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بينى وبين هذا.
قال: أنشدكم بالله الذى بإذنه تقوم السماء والارض: هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نورث ما تركنا صدقة ؟ " يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه ؟ قال الرهط: قد قال ذلك.
فأقبل على على وعباس فقال: هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك ؟ قالا: قد قال ذلك.
قال عمر بن الخطاب: فإنى أحدثكم عن هذا الامر: إن الله كان قد خص لرسول الله في هذا الفئ بشئ لم يعطه أحدا غيره، قال: " ما أفاء الله على رسوله (1) " إلى قوله " قدير " فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما احتازها دونكم،
ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وبتها فيكم حتى بقى منها هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله من هذا المال نفقة سنته، ثم يأخذ ما بقى فيجعله مجعل مال الله، فعمل بذلك رسول الله حياته، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك ؟ قالوا: نعم.
ثم قال لعلى وعباس: أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك ؟ قالا: نعم.
فتوفى الله نبيه، فقال أبو بكر رضى الله عنه: أنا ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقبضها فعمل بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم توفى الله أبا بكر فقلت: أنا ولى ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع، حتى جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا يسألنى نصيب امرأته من أبيها، فقلت: إن شئتما دفعتها إليكما بذلك، فتلتمسان منى قضاء غير ذلك ؟ فوالله الذى بإذنه تقوم السماء والارض لا أقضى فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما فادفعاها إلى فأنا أكفيكماها (2).
__________
(1) سورة الحشر 7.
(2) البخاري كتاب الفرائض 3 / 227.
(*)
وقد رواه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه، ومسلم وأهل السنن من طرق، عن الزهري به.
وفى رواية في الصحيحين فقال عمر: فوليها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يعلم أنه صادق بار راشد تابع للحق، ثم وليتها فعملت فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، والله يعلم أنى صادق بار راشد تابع للحق.
ثم جئتماني فدفعتها إليكما لتعملا فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر وعملت فيها أنا، أنشدكم بالله أدفعتها إليهما بذلك ؟ قالوا: نعم.
ثم قال لهما.
أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك ؟ قالا: نعم، قال: أفتلتمسان منى قضاء غير ذلك ؟ لا والذى بإذنه تقوم
السماء والارض.
وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن الزهري، عن مالك بن أوس، قال سمعت عمر يقول لعبد الرحمن وطلحة والزبير وسعد: نشدتكم بالله الذى تقوم السماء والارض بأمره أعلمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: " لا نورث ما تركنا صدقة ؟ " قالوا: نعم.
على شرط الصحيحين.
* * * قلت: وكان الذى سألاه بعد تفويض النظر إليهما، والله أعلم، هو أن يقسم بينهما النظر، فيجعل لكل واحد منهما نظر ما كان يستحقه بالارض لو قدر أنه كان وارثا.
وكأنهما قدما: بين أيديهما جماعة من الصحابة منهم عثمان وابن عوف وطلحة والزبير وسعد، وكان قد وقع بينهما خصومة شديدة بسبب إشاعة النظر بينهما، فقالت الصحابة الذين قدموهم بين أيديهما: يا أمير المؤمنين اقض بينهما، أو أرح أحدهما من الآخر.
فكأن عمر رضى الله عنه تحرج من قسمة النظر بينهما بما يشبه قسمة الميراث ولو في الصورة الظاهرة، محافظة على امتثال قوله صلى الله عليه وسلم: " لا نورث ما تركنا صدقة " فامتنع عليهم كلهم وأبى من ذلك أشد الاباء رضى الله عنه وأرضاه.
ثم إن عليا والعباس استمرا على ما كانا عليه ينظران فيها جميعا إلى زمان عثمان بن عفان، فغلبه عليها على وتركها له العباس بإشارة ابنه عبدالله رضى الله عنهما بين يدى عثمان، كما رواه أحمد في مسنده.
فاستمرت في أيدى العلويين.
وقد تقصيت طرق هذا الحديث وألفاظه في مسندي الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، فإنى ولله الحمد جمعت لكل واحد منهما مجلدا ضخما مما رواه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ورآه من الفقه النافع الصحيح، ورتبته على أبواب الفقه المصطلح عليها اليوم.
وقد روينا أن فاطمة رضى الله عنها احتجت أولا بالقياس وبالعموم في الآية الكريمة، فأجابها الصديق بالنص على الخصوص بالمنع في حق النبي، وأنها سلمت له ما قال.
وهذا هو المظنون بها رضى الله عنها.
فقال الامام أحمد: حدثنا عفان ; حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، أن فاطمة قالت لابي بكر: من يرثك إذا مت ؟ قال: ولدى وأهلي.
قالت: فما لنا لا نرث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن النبي لا يورث " ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعول وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق.
وقد رواه الترمذي في جامعه عن محمد بن المثنى، عن أبى الوليد الطيالسي، عن محمد ابن عمرو، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، فذكره فوصل الحديث وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
فأما الحديث الذى قال الامام أحمد: حدثنا عبدالله بن محمد بن أبى شيبة، حدثنا محمد بن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن أبى الطفيل، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت فاطمة إلى أبى بكر: أأنت ورثت رسول الله أم أهله ؟ فقال: لا بل أهله، فقالت: فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبو بكر: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعله للذى [ يقوم (1) ] من بعده " فرأيت أن أرده على المسلمين.
قالت: فأنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهكذا رواه أبو داود عن عثمان بن أبى شيبة، عن محمد بن فضيل به.
ففى لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة، ولعله روى بمعنى ما فهمه بعض الرواة، وفيهم من فيه تشيع، فليعلم ذلك.
وأحسن ما فيه قولها: أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا هو الصواب والمظنون بها، واللائق بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها، رضى الله عنها.
وكأنها سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظرا على هذه الصدقة فلم يجبها إلى ذلك لما قدمناه، فتعتبت عليه بسبب ذلك، وهى امرأة من بنات آدم تأسف كما يأسفن، وليست بواجبة العصمة مع وجود نص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخالفة أبى بكر الصديق رضى الله عنها.
وقد روينا عن أبى بكر رضى الله عنه: أنه ترضى فاطمة وتلاينها قبل موتها فرضيت رضى الله عنها.
قال الحافظ أبو بكر البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، حدثنا عبدان بن عثمان العتكى بنيسابور، أنبأنا أبو جمرة، عن إسماعيل بن
__________
(1) ليست في ا.
(*)
ابن أبى خالد، عن الشعبى، قال: لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها.
فقال على: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك ؟ فقالت أتحب أن آذن له ؟ قال: نعم.
فأذنت له فدخل عليها يترضاها فقال: والله ما تركت الدار والمال والاهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله، ومرضاة رسوله، ومرضاتكم أهل البيت.
ثم ترضاها حتى رضيت.
وهذا إسناد جيد قوى، والظاهر أن عامر الشعبى سمعه من على، أو ممن سمعه من على.
وقد اعترف علماء أهل البيت بصحة ما حكم به أبو بكر في ذلك:
قال الحافظ البيهقى: أنبأنا محمد بن عبدالله الحافظ، حدثنا أبو عبد الله الصفار، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضى، حدثنا نصر بن على، حدثنا ابن داود، عن فضيل بن مرزوق، قال: قال زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب: أما أنا فلو كنت مكان أبى بكر لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك.
فصل وقد تكلمت الرافضة في هذا المقام بجهل، وتكلفوا ما لا علم لهم به، وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، ولما يأتهم تأويله، وأدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم.
وحاول بعضهم أن يرد خبر أبى بكر رضى الله عنه فيما ذكرناه بأنه مخالف للقرآن حيث يقول الله تعالى: " وورث سليمان داود (1) " الآية.
وحيث قال تعالى إخبارا عن زكريا أنه قال: " فهب لى من لدنك وليا، يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا (2) ".
__________
(1) سورة النمل 16 (2) سورة مريم 5، 6.
(*)
واستدلالهم بهذا باطل من وجوه.
أحدها أن قوله: " وورث سليمان داود " إنما يعنى بذلك في الملك والنبوة، أي جعلناه قائما بعده فيما كان يليه من الملك وتدبير الرعايا، والحكم بين بنى إسرائيل، وجعلناه نبيا كريما كأبيه، وكما جمع لابيه الملك والنبوة كذلك جعل ولده بعده.
وليس المراد بهذا وراثة المال، لان داود كما ذكره كثير من المفسرين كان له أولاد كثيرون يقال مائة، فلم اقتصر على ذلك سليمان من بينهم لو كان المراد وراثة المال ؟ إنما المراد وراثة القيام بعده في النبوة والملك، ولهذا قال: " وورث سليمان داود " وقال: " يأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين " وما بعدها من الآيات.
وقد أشبعنا الكلام على هذا في كتابنا التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة كثيرا.
وأما قصة زكريا فإنه عليه السلام من الانبياء الكرام، والدنيا كانت عنده أحقر من أن يسأل الله ولدا ليرثه في ماله، كيف وإنما كان نجارا يأكل من كسب يده كما رواه البخاري، ولم يكن ليدخر منها فوق قوته حتى يسأل الله ولدا يرث عنه ماله، أن لو كان له مال، وإنما سأل ولدا صالحا يرثه في النبوة والقيام بمصالح بنى إسرائيل، وحملهم على السداد.
ولهذا قال تعالى: " كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا، إذ نادى ربه نداء خفيا، قال رب إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا، وإنى خفت الموالى من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لى من لدنك وليا، يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا " القصة بتمامها.
فقال: وليا يرثنى ويرث من آل يعقوب " يعنى النبوة كما قررنا ذلك في التفسير ولله الحمد والمنة.
وقد تقدم في رواية أبى سلمة عن أبى هريرة عن أبى بكر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " والنبى لا يورث " وهذا اسم جنس يعم كل الانبياء وقد حسنه الترمذي.
وفى الحديث الآخر: " نحن معشر الانبياء لا نورث ".
والوجه الثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خص من بين الانبياء، بأحكام لا يشاركونه فيها، كما سنعقد له بابا مفردا في آخر السيرة إن شاء الله، فلو قدر أن غيره من الانبياء يورثون - وليس الامر كذلك - لكان ما رواه من ذكرنا من الصحابة الذين منهم الائمة الاربعة ; أبو بكر وعمر وعثمان وعلى مبينا لتخصيصه بهذا الحكم دون ما سواه.
والثالث: أنه يجب العمل بهذا الحديث والحكم بمقتضاه كما حكم به الخلفاء، واعترف بصحته العلماء، سواء كان من خصائصه أم لا.
فإنه قال: " لا نورث
ما تركناه صدقة.
إذ يحتمل من حيث اللفظ أن يكون قوله عليه السلام: " ما تركناه صدقة " أن يكون خبرا عن حكمه أو حكم سائر الانبياء معه على ما تقدم، وهو الظاهر.
ويحتمل أن يكون إنشاء وصية كأنه يقول: لا نورث لان جميع ما تركناه صدقة، ويكون تخصيصه من حيث جواز جعله ماله كله صدقة.
والاحتمال الاول أظهر، وهو الذى سلكه الجمهور، وقد يقوى المعنى الثاني بما تقدم من حديث مالك وغيره، عن أبى الزناد، عن الاعرج، عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائى ومؤنة عاملي فهو صدقة ".
وهذا اللفظ مخرج في الصحيحين، وهو يرد تحريف من قال من الجهلة من طائفة الشيعة في رواية هذا الحديث: ما تركنا صدقة بالنصب، جعل ما نافية، فكيف يصنع بأول
الحديث وهو قوله: لا نورث ؟ وبهذه الرواية: " ما تركت بعد نفقة نسائى ومؤنة عاملي فهو صدقة ".
وما شأن هذا إلا كما حكى عن بعض المعتزلة أنه قرأ على شيخ من أهل السنة: " وكلم الله موسى تكليما " بنصب الجلالة، فقال له الشيخ: ويحك كيف تصنع بقوله تعالى: " فلما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه " ! والمقصود أنه يجب العمل بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نورث ما تركنا صدقة " على كل تقدير احتمله اللفظ والمعنى، فإنه مخصص لعموم آية الميراث، ومخرج له عليه السلام منها، إما وحده أو مع غيره من إخوانه الانبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام.
باب
ذكر زوجاته صلوات الله وسلامه عليه ورضى عنهن وأولاده صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: " يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى في قلبه مرض وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا " (1).
لا خلاف أنه عليه السلام توفى عن تسع وهن: عائشة بنت أبى بكر الصديق التيمية، وحفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية، وأم حبيبة رملة بنت أبى سفيان صخر بن حرب ابن أمية الاموية، وزينب بنت جحش الاسدية، وأم سلمة هند بنت أبى أمية المخزومية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وسودة بنت زمعة العامرية، وجويرية بنت الحارث ابن أبى ضرار المصطلقية، وصفية بنت حيى بن أخطب النضرية الاسرائيلية الهارونية، رضى الله عنهن وأرضاهن.
وكانت له سريتان وهما، مارية بنت شمعون القبطية المصرية من كورة أنصناء وهى أم ولده إبراهيم عليه السلام، وريحانة بنت شمعون القرظية، أسملت ثم أعتقها فلحقت بأهلها، ومن الناس من يزعم أنها احتجبت عندهم والله أعلم.
__________
(1) سورة الاحزاب 32 - 34.
(*)
وأما الكلام على ذلك مفصلا ومرتبا من حيث ما وقع أولا فأولا، مجموعا من كلام الائمة رحمهم الله فنقول وبالله المستعان: روى الحافظ الكبير أبو بكر البيهقى، من طريق سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة امرأة، دخل منهن بثلاث عشرة، واجتمع عنده إحدى عشرة، ومات عن تسع.
ثم ذكر هولاء التسع اللاتى ذكرناهن رضى الله عنهن.
ورواه سيف بن عمر، عن سعيد، عن قتادة عن أنس، والاول أصح (1).
ورواه سيف بن عمر التميمي عن سعيد عن قتادة عن أنس وابن عباس مثله.
وروى سيف عن سعيد بن عبدالله، عن عبدالله بن أبى مليكة، عن عائشة مثله.
قالت فالمرأتان اللتان لم يدخل بهما فهما ; عمرة بنت يزيد الغفارية والشنباء، فأما عمرة فإنه خلا بها وجردها فرأى بها وضحا فردها وأوجب لها الصداق وحرمت على غيره، وأما الشنباء فلما أدخلت عليه لم تكن يسيرة فتركها ينتظر بها اليسر، فلما مات ابنه إبراهيم على بغتة ذلك قالت: لو كان نبيا لم يمت ابنه.
فطلقها وأوجب لها الصداق وحرمت على غيره.
قالت: فاللاتي اجتمعن عنده ; عائشة وسودة وحفصة وأم سلمة وأم حبيبة وزينب بنت جحش وزينب بنت خزيمة وجويرية وصفية وميمونة وأم شريك.
قلت: وفى صحيح البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه وهن إحدى عشرة امرأة.
والمشهور أن أم شريك لم يدخل بها كما سيأتي بيانه، ولكن المراد بالاحدى عشرة اللاتى كان يطوف عليهن التسع المذكورات والجاريتان مارية وريحانة.
__________
(1) هامش الاصل: ورواه بحير بن كثير عن قتادة عن أنس والاول أصح.
(*)
ورواه يعقوب بن سفيان الفسوى، عن الحجاج بن أبى منيع، عن جده عبيد الله ابن أبى زياد الرصافي، عن الزهري.
وقد علقه البخاري في صحيحه عن الحجاج هذا.
وأورد له الحافظ ابن عساكر طرفا عنه، أن أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصى، زوجه إياها أبوها
قبل البعثة.
وفى رواية قال الزهري: وكان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة، وقيل خمسا وعشرين سنة، زمان بنيت الكعبة.
وقال الواقدي وزاد: ولها خمس وأربعون سنة.
وقال آخرون من أهل العلم: كان عمره عليه السلام يومئذ ثلاثين سنة.
وعن حكيم ابن حزام قال: كان عمر رسول الله يوم تزوج خديجة خمسا وعشرين سنة، وعمرها أربعون سنة.
وعن ابن عباس كان عمرها ثمانيا وعشرين سنة.
رواهما ابن عساكر.
* * * وقال ابن جرير: كان عليه السلام ابن سبع وثلاثين سنة، فولدت له القاسم وبه كان يكنى والطيب والطاهر، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.
قلت: وهى أم أولاده كلهم سوى إبرهيم، فمن مارية كما سيأتي بيانه.
ثم تكلم على كل بنت من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تزوجها.
وحاصله: أن زينب تزوجها العاص بن الربيع بن عبدالعزى بن عبد شمس بن عبد مناف وهو ابن أخت خديجة، أمه هالة بنت خويلد، فولدت له ابنا اسمه على، وبنتا اسمها أمامة بنت زينب، وقد تزوجها على بن أبى طالب بعد وفاة فاطمة ومات وهى عنده،
ثم تزجت بعده بالمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب.
وأما رقية فتزوجها عثمان بن عفان، فولدت له ابنه عبدالله وبه كان يكنى أولا، ثم اكتنى بابنه عمرو، وماتت رقية ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر.
ولما قدم زيد ابن حارثة بالبشارة وجدهم قد ساووا التراب عليها، وكان عثمان قد أقام عندها يمرضها، فضرب له رسول اله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، ثم زوجه بأختها أم كلثوم، ولهذا
كان يقال له ذو النورين، فتوفيت عنده أيضا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما فاطمة فتزوجها ابن عمه على بن أبى طالب بن عبدالمطلب، فدخل بها بعد وقعة بدر كما قدمنا، فولدت له حسنا وبه كان يكنى، وحسينا وهو المقتول شهيدا بأرض العراق.
قلت: ويقال ومحسنا.
قال: وزينب وأم كلثوم، وقد تزوج زينب هذه ابن عمها عبدالله بن جعفر فولدت له عليا وعونا وماتت عنده، وأما أم كلثوم فتزوجها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فولدت له زيدا ومات عنها، فتزوجت بعده ببنى عمها جعفر واحدا بعد واحد، تزوجت بعون بن جعفر فمات عنها، فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها، فخلف عليها أخوهما عبدالله بن جعفر فماتت عنده.
قال الزهري: وقد كانت خديجة بنت خويلد تزوجت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين ; الاول منهما عتيق بن عائذ بن مخزوم، فولدت منه جارية (1) وهى أم.
محمد بن صيفي، والثانى أبو هالة التميمي فولدت له هند بن هند (2).
وقد سماه ابن إسحاق فقال: ثم خلف عليها بعد هلاك عائذ أبو هالة النباش بن زرارة
__________
(1) واسمها هند، كما في المواهب 3 / 220.
(2) وهو هند بن أبى هالة الصحابي، راوي حديث صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
وله ولد اسمه أيضا هند، شرح المواهب 3 / 220.
(*)
أحد بنى عمرو بن تميم حليف بنى عبد الدار، فولدت له رجلا وامرأة ثم هلك عنها، فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت له بناته الاربع ثم بعدهن القاسم والطيب والطاهر، فذهب الغلمة جميعا وهم يرضعون.
قلت: ولم يتزوج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياتها امرأة.
كذلك رواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري عن عروة، عن عائشة، أنها
قالت ذلك.
وقد قدمنا تزويجها في موضعه وذكرنا شيئا من فضائلها بدلائلها (1).
* * * قال الزهري: ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة بعائشة بنت أبى بكر عبدالله بن أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، ولم يتزوج بكرا غيرها.
قلت: ولم يولد له منها ولد، وقيل: بل أسقطت منه ولدا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله، ولهذا كانت تكنى بأم عبدالله.
وقيل إنما كانت تكنى بعبدالله ابن اختها أسماء من الزبير بن العوام رضى الله عنهم.
قلت: وقد قيل إنه تزوج سودة قبل عائشة، قاله ابن إسحاق وغيره، كما قدمنا ذكر الخلاف في ذلك.
فالله أعلم.
وقد قدمنا صفة تزويجه عليه السلام بهما قبل الهجرة وتأخر دخوله بعائشة إلى ما بعد الهجرة (2).
قال: وتزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة ابن قيس بن عدى بن حذافة بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى، مات عنها مؤمنا.
__________
(1) تقدم ذكر تزويجها بالرسول في الجزء الاول ص 263 وذكر فضائلها في الجزء الثاني ص 132 (2) سبق ذلك في الجزء الثاني ص 139 (*)
قال: وتزوج أم سلمة هند بنت أبى أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، وكانت قبله تحت ابن عمها أبى سلمة عبدالله بن عبد الاسد بن هلال بن عبدالله بن عمر ابن مخزوم.
قال: وتزوج سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤى، وكانت قبله تحت السكران بن عمرو أخى سهيل بن عمرو ابن عبد شمس، مات عنها مسلما بعد رجوعه وإياها من أرض الحبشة إلى مكة رضى الله عنهما.
قال: وتزوج أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى، وكانت قبله تحت عبيد الله (1) بن جحش بن رئاب من بنى أسد ابن خزيمة، مات بأرض الحبشة نصرانيا، بعث إليها رسول الله يعنى عمرو بن أمية الضمرى إلى أرض الحبشة، فخطبها عليه فزوجها منه عثمان بن عفان.
كذا قال والصواب عثمان بن أبى العاص وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة.
وقد قدمنا ذلك كله مطولا ولله الحمد.
قال: وتزوج [ زينب ] بنت جحش بن رئاب بن أسد بن خزيمة، وأمها أميمة بنت عبدالمطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت قبله تحت زيد بن حارثة مولاه عليه الصلاة والسلام، وهى أول نسائه لحوقا به، وأول من عمل عليها النعش، صنعته أسماء بنت عميس عليها، كما رأت ذلك بأرض الحبشة.
قال: وتزوج زينب بنت خزيمة، وهى من بنى عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة، ويقال لها أم المساكين، وكانت قبله تحت عبدالله بن جحش بن رئاب قتل يوم أحد، فلم تلبث عنده عليه السلام إلا يسيرا حتى توفيت رضى الله عنها.
__________
(1) الاصل: عبدالله.
وما أثبته عن ابن هشام والمواهب.
(*)
وقال يونس عن محمد بن إسحاق: كانت قبله عند الحصين بن الحارث بن عبدالمطلب ابن عبد مناف، أو عند أخيه الطفيل بن الحارث.
قال الزهري: وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حزن ابن بجير بن الهزم بن رؤبة بن عبدالله بن هلال بن عامر بن صعصعة.
قال: وهى التى
وهبت نفسها.
قلت: الصحيح أنه خطبها، وكان السفير بينهما أبو رافع مولاه كما بسطنا ذلك في عمرة القضاء.
قال الزهري: وقد تزوجت قبله رجلين أولهما ابن عبد ياليل.
وقال سيف بن عمر في روايته: كانت تحت عمير بن عمرو أحد بنى عقدة بن ثقيف ابن عمرو الثقفى مات عنها، ثم خلف عليها أبورهم بن عبدالعزى بن أبى قيس بن عبد ود ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى.
قال: وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار بن الحارث بن عامر بن مالك بن المصطلق من خزاعة يوم المريسيع، فأعتقها وتزوجها.
ويقال بل قدم أبوها الحارث، وكان ملك خزاعة، فأسلم ثم تزوجها منه، وكانت قبله عند ابن عمها صفوان بن أبى الشفر.
قال قتادة: عن سعيد بن المسيب والشعبى ومحمد بن إسحاق وغيرهم قالوا: وكان هذا البطن من خزاعة حلفاء لابي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا يقول حسان: وحلف الحارث بن أبى ضرار * وحلف قريظة فيكم سواء وقال سيف بن عمر في روايته عن سعيد بن عبدالله عن ابن أبى مليكة، عن عائشة قالت: وكانت جويرية تحت ابن عمها مالك بن صفوان بن تولب ذى الشفر بن
أبى السرح ابن مالك بن المصطلق.
قال: وسبى صفية بنت حيي بن أخطب من بنى النضير يوم خيبر وهى عروس بكنانة بن أبى الحقيق.
وقد زعم سيف بن عمر في روايته أنها كانت قبل كنانة عند سلام بن مشكم
فالله أعلم.
فقال: فهذه إحدى عشرة امرأة دخل بهن.
قال: وقد قسم عمر بن الخطاب في خلافته لكل امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عشر ألفا، وأعطى جويرية وصفية ستة آلاف ستة آلاف، بسبب أنهما سبيتا.
قال الزهري: وقد حجبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم لهما.
قلت: وقد بسطنا الكلام فيما تقدم في تزويجه عليه السلام كل واحدة من هذه النسوة رضى الله عنهن في موضعه.
* * * قال الزهري: وقد تزوج العالية بنت ظبيان بن عمرو، من بنى بكر بن كلاب، ودخل بها وطلقها.
قال البيهقى: كذا في كتابي، وفى رواية غيره: ولم يدخل بها فطلقها.
وقد قال محمد بن سعد عن هشام بن محمد السائب الكلبى: حدثنى رجل من بنى أبى بكر بن كلاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج العالية بنت ظبيان بن عمرو ابن عوف بن كعب بن عبد بن أبى بكر بن كلاب، فمكثت عنده دهرا ثم طلقها.
وقد روى يعقوب بن سفيان، عن حجاج بن أبى منيع، عن جده، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن الضحاك بن سفيان الكلابي هو الذى دل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وأنا أسمع من وراء الحجاب، قال يا رسول الله هل لك في أخت أم شبيب ؟
وأم شبيب امرأة الضحاك.
وبه قال الزهري: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بنى عمرو بن كلاب فأنبئ أن بها بياضا فطلقها ولم يدخل بها.
قلت: الظاهر أن هذه هي التى قبلها والله أعلم.
قال: وتزوج أخت بنى الجون الكندى وهم حلفاء بنى فزارة فاستعاذت منه فقال: " لقد عذت بعظيم، الحقى بأهلك " فطلقها ولم يدخل بها.
قال: وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سرية يقال لها مارية، فولدت له غلاما اسمه ابراهيم، فتوفى وقد ملاء المهد، وكانت له وليدة يقال لها ريحانة بنت شمعون من أهل الكتاب من خنافة، وهم بطن من بنى قريظة، أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أنها قد احتجبت.
وقد روى الحافظ ابن عساكر بسنده عن على بن مجاهد أن رسول الله تزوج خولة بنت الهذيل بن هبيرة التغلبي، وأمها خرنق بنت خليفة أخت دحية بن خليفة، فحملت إليه من الشام فماتت في الطريق، فتزوج خالتها شراف بنت فضالة بن خليفة فحملت إليه من الشام فماتت في الطريق أيضا.
وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أسماء بنت كعب الجونية فلم يدخل بها حتى طلقها وتزوج عمرة بنت زيد إحدى نساء بنى كلاب ثم من بنى الوحيد، وكانت قبله عند الفضل بن عباس بن عبدالمطلب، فطلقها ولم يدخل بها.
وقال البيهقى: فهاتان هما اللتان ذكرهما الزهري ولم يسمهما، إلا أن ابن إسحاق لم يذكر العالية.
وقال البيهقى: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الاصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس
ابن بكير، عن زكريا بن أبى زائدة، عن الشعبى، قال: وهبن لرسول الله صلى الله عليه وسلم نساء أنفسهن فدخل ببعضهن وأرجى بعضهن، فلم يقربهن حتى توفى، ولم ينكحن بعده، منهن أم شريك فذلك قوله تعالى: " ترجى من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء، ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ".
قال البيهقى: وقد روينا عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت خولة - يعنى بنت حكيم - ممن وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال البيهقى: وروينا في حديث أبى رشيد الساعدي في قصة الجونية التى استعاذت فألحقها بأهلها أن اسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل.
كذا قال.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبدالله الزبيري ; حدثنا عبدالرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبى أسيد، عن أبيه وعباس بن سهل عن أبيه، قالا: مر بنا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب له فخرجنا معه حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجلسوا " ودخل هو وقد أتى بالجونية فعزلت في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها داية لها، فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هبى لى نفسك.
قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة ! وقالت: إنى أعوذ بالله منك.
قال: لقد عذت بمعاذ.
ثم خرج علينا فقال: " يا أبا أسيد اكسها دراعتين وألحقها بأهلها ".
وقال غير أبى أحمد: امرأة من بنى الجون يقال لها أمينة.
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا عبدالرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبى أسيد، عن أبى أسيد، قال: خرجنا مع رسول الله حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط، حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال: " اجلسوا هاهنا " فدخل وقد أتى بالجونية فأنزلت في محل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هبى لى نفسك ".
قالت: وهل تهب الملكة نفسها لسوقة ؟ ! قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن، فقالت: أعوذ بالله منك.
قال: " لقد عذت بمعاذ ".
ثم خرج علينا فقال: " يا أبا أسيد اكسها رازقيين (1) وألحقها بأهلها ".
قال البخاري: وقال الحسين بن الوليد، عن عبدالرحمن بن الغسيل، عن عباس ابن سهل بن سعد، عن أبيه وأبى أسيد، قالا: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل، فلما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك.
فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين.
ثم قال البخاري: حدثنا عبدالله بن محمد، حدثنا إبراهيم بن الوزير، حدثنا عبد الرحمن بن حمزة، عن أبيه وعن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه بهذا.
انفرد البخاري بهذه الروايات من بين أصحاب الكتب.
وقال البخاري: حدثنا الحميدى، حدثنا الوليد، حدثنا الاوزاعي، سألت الزهري: أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه ؟ فقال: أخبرني عروة عن عائشة أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله قالت: أعوذ بالله منك، فقال: " لقد عذت بعظيم، الحقى بأهلك ".
قال: ورواه حجاج بن أبى منيع، عن جده عن الزهري أن عروة أخبره أن عائشة قالت.
الحديث.
انفرد به دون مسلم.
قال البيهقى: ورأيت في كتاب المعرفة لابن منده أن اسم التى استعاذت منه أميمة بنت النعمان بن شراحيل.
ويقال فاطمة بنت الضحاك، والصحيح أنها أميمة والله أعلم.
__________
(1) الرازقية: ثياب كتان بيض.
(*)
وزعموا أن الكلابية اسمها عمرة، وهى التى وصفها أبوها بأنها لم تمرض قط، فرغب عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى محمد بن سعد عن محمد بن عبدالله عن الزهري، قال: هي فاطمة بنت الضحاك بن سفيان استعاذت منه فطلقها، فكانت تلقط البعر وتقول: أنا الشقية.
قال: وتزوجها في ذى القعدة سنة ثمان، وماتت سنة ستين.
* * * وذكر يونس عن ابن إسحاق فيمن تزوجها عليه السلام ولم يدخل بها أسماء بنت كعب الجونية (1) وعمرة بنت يزيد الكلابية.
وقال ابن عباس وقتادة: أسماء بنت النعمان ابن أبى الجون.
فالله أعلم.
قال ابن عباس: لما استعاذت منه خرج من عندها مغضبا، فقال له الاشعث: لا يسؤك ذلك يا رسول الله فعندي أجمل منها، فزوجه أخته قتيلة.
وقال غيره: كان ذلك في ربيع سنة تسع.
وقال سعيد بن أبى عروبة عن قتادة: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة امرأة، فذكر منهن أم شريك الانصارية النجارية.
قال: وقد قال رسول الله صلى الله وسلم: " إنى لاحب أن أتزوج من الانصار ولكني أكره غيرتهن " ولم يدخل بها.
قال: وتزوج أسماء بنت الصلت من بنى حرام ثم من بنى سليم ولم يدخل بها، وخطب حمزة بنت الحارث المزنية.
وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوج رسول الله ثمانى عشرة امرأة، فذكر منهن قتيلة بنت قيس أخت الاشعث بن قيس،
__________
(1) ابن هشام: أسماء بنت النعمان بن الجون الكندية.
(*)
فزعم بعضهم أنه تزوجها قبل وفاته بشهرين، وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه.
قال ولم تكن قدمت عليه ولا رآها ولم يدخل بها.
قال: وزعم آخرون أنه عليه السلام أوصى أن تخير قتيلة فإن شاءت يضرب عليها الحجاب وتحرم على المؤمنين، وإن شاءت فلتنكح من شاءت، فاختارت النكاح
فتزوجها عكرمة بن أبى جهل بحضرموت، فبلغ ذلك أبا بكر.
فقال: لقد هممت أن أحرق عليهما.
فقال عمر بن الخطاب: ماهى من أمهات المؤمنين.
ولا دخل بها ولا ضرب عليها الحجاب.
قال أبو عبيدة: وزعم بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص فيها بشئ، وأنها ارتدت بعده، فاحتج عمر على أبى بكر بارتدادها أنها ليست من أمهات المؤمنين.
وذكر ابن منده أن التى ارتدت هي البرصاء من بنى عوف بن سعد بن ذبيان.
وقد روى الحافظ ابن عساكر من طرق، عن داود بن أبى هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله تزوج قتيلة أخت الاشعث بن قيس، فمات قبل أن يخيرها فبرأها الله منه.
وروى حماد بن سلمة عن داود بن أبى هند، عن الشعبى، أن عكرمة بن أبى جهل لما تزوج قتيلة أراد أبو بكر أن يضرب عنقه، فراجعه عمر بن الخطاب فقال: إن رسول الله صلى الله عليه لم يدخل بها وأنها ارتدت مع أخيها، فبرئت من الله ورسوله.
فلم يزل به حتى كف عنه.
قال الحاكم: وزاد أبو عبيدة في العدد فاطمة بنت شريح، وسبأ بنت أسماء بن الصلت السلمية.
هكذا روى ذلك ابن عساكر من طريق ابن منده بسنده عن قتادة فذكره.
وقال محمد بن سعد عن ابن الكلبى مثل ذلك.
قال ابن سعد: وهى سبأ.
قال ابن عساكر: ويقال: سبأ بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام ابن سماك بن عوف السلمى.
قال ابن سعد: وأخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبى حدثنى العرزمى، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم سبأ بنت سفيان بن
عوف بن كعب بن أبى بكر بن كلاب.
وقال ابن عمر: إن رسول الله بعث أبا أسيد يخطب عليه امرأة من بنى عامر يقال لها عمرة بنت يزيد بن عبيد بن كلاب، فتزوجها فبلغه أن بها بياضا فطلقها.
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: حدثنى أبو معشر قال: تزوج رسول الله مليكة بنت كعب، وكانت تذكر بجمال بارع، فدخلت عليها عائشة فقالت: ألا تستحين أن تنكحي قاتل أبيك ؟ فاستعاذت منه فطلقها.
فجاء قومها فقالوا يا رسول الله إنها صغيرة ولا رأى لها، وإنها خدعت فارتجعها، فأبى.
فاستأذنوه أن يزوجوها بقريب لها من بنى عذرة فأذن لهم.
قال: وكان أبوها قد قتله خالد بن الوليد يوم الفتح.
قال الواقدي: وحدثني عبد العزيز الجندعى، عن أبيه، عن عطاء بن يزيد قال: دخل بها رسول الله في رمضان سنة ثمان، وماتت عنده.
قال الواقدي: وأصحابنا ينكرون ذلك.
* * * وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: أنبأنا.
أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد الماهانى، أنبأنا شجاع بن على بن شجاع، أنبأنا أبو عبد الله بن منده، أنبأنا الحسن بن محمد بن حكيم المروزى، حدثنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه الفزارى، أنبأنا عبد الله بن عثمان، أنبأنا عبدالله بن المبارك، أنبأنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب الزهري،
قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بمكة، وكانت قبله تحت عتيق بن عائذ المخزومى، ثم تزوج بمكة عائشة بنت أبى بكر، ثم تزوج بالمدينة حفصة بنت عمر، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمى، ثم تزوج سودة بنت زمعة وكانت قبله تحت السكران بن عمرو أخى بنى عامر بن لؤى، ثم تزوج أم حبيبة
بنت أبى سفيان وكانت قبله تحت عبيدالله بن جحش الاسدي أحد بنى خزيمة، ثم تزوج أم سلمة بنت أبى أمية وكان اسمها هند وكانت قبله تحت أبى سلمة عبدالله بن عبد الاسد ابن عبدالعزى، ثم تزوج زينب بنت خزيمة الهلالية، وتزوج العالية بنت ظبيان من بنى بكر بن عمرو بن كلاب، وتزوج امرأة من بنى الجون من كندة، وسبى جويرية - في الغزوة التى هدم فيها مناة غزوة المريسيع - ابنة الحارث بن أبى ضرار من بنى المصطلق من خزاعة، وسبى صفية بنت حيى بن أخطب من بنى النضير، وكانتا مما أفاء الله عليه فقسمهما له، واستسر مارية القبطية فولدت له إبراهيم، واستسر ريحانة من بنى قريظة ثم أعتقها فلحقت بأهلها واحتجبت وهى عند أهلها.
وطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم العالية بنت ظبيان، وفارق أخت بنى عمرو بن كلاب وفارق أخت بنى الجون الكندية من أجل بياض كان بها، وتوفيت زينب بنت خزيمة الهلالية ورسول الله صلى الله عليه وسلم حى، وبلغنا أن العالية بنت ظبيان التى طلقت تزوجت قبل أن يحرم الله النساء، فنكحت ابن عم لها من قومها وولدت فيهم.
سقناه بالسند لغرابة ما فيه من ذكره تزويج سودة بالمدينة، والصحيح أنه كان بمكة قبل الهجرة، كما قدمناه والله أعلم.
قال يونس بن بكير: عن محمد بن إسحاق قال: فماتت خديجة بنت خويلد قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين لم يتزوج عليها امرأة حتى ماتت هي وأبو طالب في سنة، فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة سودة بنت
زمعة، ثم تزوج بعد سودة عائشة بنت أبى بكر لم يتزوج بكرا غيرها ولم يصب منها ولدا حتى مات، ثم تزوج بعد عائشة حفصة بنت عمر، ثم تزوج بعد حفصة زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين، ثم تزوج بعدها أم حبيبة بنت أبى سفيان، ثم تزوج بعدها أم سلمة هند بنت أبى أمية، ثم تزوج بعدها زينب بنت جحش، ثم تزوج بعدها جويرية
بنت الحارث بن أبى ضرار.
قال: ثم تزوج بعد جويرية صفية بنت حيى بن أخطب، ثم تزوج بعدها ميمونة بنت الحارث الهلالية.
فهذا الترتيب أحسن وأقرب مما رتبه الزهري.
والله أعلم.
وقال يونس بن بكير عن أبى يحيى، عن حميل بن زيد الطائى، عن سهل بن زيد الانصاري، قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بنى غفار، فدخل بها فأمرها فنزعت ثوبها، فرأى بها بياضا من برص عند ثدييها، فانماز رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " خذى ثوبك " وأصبح فقال لها: " الحقى بأهلك " فأكمل لها صداقها.
[ (1) وقد رواه أبو نعيم من حديث حميل بن زيد، عن سهل بن زيد الانصاري، وكان ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من غفار فذكر مثله.
قلت: وممن تزوجها صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها أم شريك الازدية.
قال الواقدي: والمثبت أنها دوسية وقيل الانصارية، ويقال عامرية وأنها خولة بنت حكيم السلمى.
وقال الواقدي: اسمها غزية بنت جابر بن حكيم.
قال محمد بن إسحاق: عن حكيم بن حكيم، عن محمد بن على بن الحسين، عن
__________
(1) من هنا إلى نهاية الفصل من ت.
(*)
أبيه، قال: كان جميع ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشر امرأة، منهن أم شريك الانصارية، وهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وسلم.
وقال سعيد بن أبى عروبة عن قتادة، وتزوج أم شريك الانصارية من بنى النجار.
وقال: " إنى أحب أن أتزوج من الانصار لكنى أكره غيرتهن "
ولم يدخل بها.
وقال ابن إسحاق عن حكيم، عن محمد بن على، عن أبيه، قال: تزوج صلى الله عليه وسلم ليلى بنت الخطيم الانصارية وكانت غيورا فخافت نفسها عليه فاستقالته فأقالها.
فصل فيمن خطبها عليه السلام ولم يعقد عليها قال إسماعيل بن أبى خالد، عن الشعبى، عن أم هائئ فاختة بنت أبى طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها فذكرت أن لها صبية صغارا، فتركها وقال: " خير نساء ركبن الابل صالح نساء قريش، أحناه على ولد طفل في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده ".
[ وقال عبد الرزاق: عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ بنت أبى طالب فقالت: يا رسول الله إنى قد كبرت ولى عيال.
وقال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عبدالله بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن السدى، عن أبى صالح، عن أم هانئ بنت أبى طالب، قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني، ثم أنزل الله " إنا أحللنا لك أزواجك اللاتى آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتى هاجرن معك " الآية.
قالت: فلم أكن أحل له لانى لم أهاجر، كنت من الطلقاء.
ثم قال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث السدى.
فهذا يقتضى أن من لم تكن من المهاجرات لا تحل له صلى الله عليه وسلم.
وقد نقل هذا المذهب مطلقا القاضى الماوردى في تفسيره عن بعض العلماء.
وقيل: المراد بقوله " اللاتى
هاجرن معك " أي من القرابات المذكورات.
وقال قتادة: " اللاتى هاجرن معك " أي أسلمن معك، فعلى هذا لا يحرم عليه
إلا الكفار، وحل له جميع المسلمات، فلا ينافى تزويجه من نساء الانصار إن ثبت ذلك ولكن لم يدخل بواحدة منهن أصلا.
وأما حكاية الماوردى عن الشعبى، أن زينب بنت خزيمة أم المساكين أنصارية، فليس بجيد.
فإنها هلالية بلا خلاف كما تقدم بيانه والله أعلم ] (1).
وروى محمد بن سعد، عن هشام بن الكلبى، عن أبيه، عن أبى صالح، عن ابن عباس، قال: أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى رسول الله وهو مول ظهره إلى الشمس، فضربت منكبه فقال: " من هذا ؟ أكله الاسود ! " فقالت: أنا بنت مطعم الطير، ومبارى الريح، أنا ليلى بنت الخطيم، جئتك لاعرض عليك نفسي تزوجني ؟ قال: " قد فعلت " فرجعت إلى قومها فقالت: قد تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: بئس ما صنعت، أنت امرأة غيرى ورسول الله صاحب نساء تغارين عليه، فيدعو الله عليك، فاستقيليه.
فرجعت فقالت: أقلنى يا رسول الله.
فأقالها، فتزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر فولدت له، فبينما هي يوما تغتسل في بعض حيطان المدينة إذ وثب عليها ذئب أسود فأكل بعضها، فماتت.
وبه عن ابن عباس أن ضباعة بنت عامر بن قرط كانت تحت عبدالله بن جدعان فطلقها، فتزوجها بعده هشام بن المغيرة فولدت له سلمة، وكانت امرأة ضخمة جميلة لها شعر غزير يجلل جسهما، فخطبها رسول الله من ابنها سلمة، فقال: حتى أستأمرها ؟ فاستأذنها فقالت: يا بنى أفى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذن ؟ فرجع ابنها فسكت ولم يرد جوابا، وكأنه رأى أنها قد طعنت في السن، وسكت النبي صلى الله عليه
وسلم عنها.
وبه عن ابن عباس قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت بشامة بن
__________
(1) سقط من ا.
(*)
نضلة العنبري: وكان أصابها سبى، فخيرها رسول الله فقال: " إن شئت أنا وإن شئت زوجك " فقالت: بل زوجي.
فأرسلها، فلعنتها بنو تميم.
وقال محمد بن سعد: أنبأنا الواقدي، حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمى، عن أبيه، قال: كانت أم شريك امرأة من بنى عامر بن لؤى قد وهبت نفسها من رسول الله، فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت.
قال محمد بن سعد: وأنبأنا وكيع، عن شريك، عن جابر، عن الحكم، عن على ابن الحسين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم شريك الدوسية.
قال الواقدي: الثبت عندنا أنها من دوس من الازد.
قال محمد بن سعد: واسمها غزية بنت جابر بن حكيم.
وقال الليث بن سعد: عن هشام بن محمد، عن أبيه، قال متحدث أن أم شريك كانت وهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وسلم، وكانت امرأة صالحة.
وممن خطبها ولم يعقد عليها حمرة (1) بنت الحارث بن عون بن أبى حارثة المرى فقال أبوها: إن بها - سوءا ولم يكن بها - فرجع إليها وقد تبرصت، وهى أم شبيب بن البرصاء الشاعر.
هكذا ذكره سعيد بن أبى عروبة عن قتادة.
قال: وخطب حبيبة بنت العباس بن عبدالمطلب فوجد أباها أخاه من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة مولاة أبى لهب.
فهؤلاء نساؤه وهن ثلاثة أصناف ; صنف دخل بهن ومات عنهن، وهن التسع
المبتدأ بذكرهن.
وهن حرام على الناس بعد موته عليه السلام بالاجماع المحقق المعلوم من الدين
__________
(1) كذا، وفى القاموس: والبرصاء لقب أم شبيب الشاعر، واسمها أمامة أو قرصافة.
(*)
ضرورة، وعدتهن بانقضاء أعمارهن.
قال الله تعالى: " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما (1) ".
وصنف دخل بهن وطلقهن في حياته، فهل يحل لاحد أن يتزوجهن بعد انقضاء عدتهن منه عليه السلام ؟ فيه قولان للعلماء، أحدهما: لا لعموم الآية التى ذكرناها.
والثانى: نعم بدليل آية التخيير وهى قوله: " يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا، وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ".
قالوا: فلولا أنها تحل لغيره أن يتزوجها بعد فراقه إياها لم يكن في تخييرها بين الدنيا والآخرة فائدة، إذ لو كان فراقه لها لا يبيحها لغيره لم يكن فيه فائدة لها.
وهذا قوى والله تعالى أعلم.
وأما الصنف الثالث وهى من تزوجها وطلقها قبل أن يدخل بها، فهذه يحل لغيره أن يتزوجها، ولا أعلم في هذا القسم نزاعا.
وأما من خطبها ولم يعقد عقده عليها فأولى لها أن تتزوج وأولى.
وسيجئ فصل في كتاب الخصائص يتعلق بهذا المقام والله أعلم.
__________
(1) سورة الاحزاب 53.
(*)
فصل في ذكر سراريه عليه السلام
كانت له عليه السلام سريتان ; إحداهما مارية بنت شمعون القبطية، أهداها له صاحب إسكندرية واسمه جريج بن مينا، وأهدى معها أختها شيرين.
وذكر أبو نعيم أنه أهداها في أربع جوار والله أعلم.
وغلاما خصيا اسمه مابور، وبغلة يقال لها الدلدل، فقبل هديته واختار لنفسه مارية، وكانت من قرية ببلاد مصر يقال لها حفن من كورة أنصنا، وقد وضع عن أهل هذه البلدة معاوية بن أبى سفيان في أيام إمارته الخراج إكراما لها من أجل أنها حملت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بولد ذكر وهو إبراهيم عليه السلام.
قالوا: وكانت مارية جميلة بيضاء، أعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبها وحظيت عنده، ولا سيما بعد ما وضعت إبراهيم ولده.
وأما أختها شيرين فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت، فولدت له ابنه عبدالرحمن بن حسان.
وأما الغلام الخصى وهو مابور، فقد كان يدخل على مارية وشيرين بلا إذن، كما جرت به عادته بمصر، فتكلم بعض الناس فيها بسبب ذلك ولم يشعروا أنه خصى حتى انكشف الحال، على ما سنبينه قريبا إن شاء الله.
وأما البغلة فكان عليه السلام يركبها، والظاهر والله أعلم أنها التى كان راكبها يوم حنين.
وقد تأخرت هذه البغلة وطالت مدتها حتى كانت عند على بن أبى طالب في أيام إمارته، ومات فصارت إلى عبدالله بن جعفر بن أبى طالب، وكبرت حتى كان يجش (1) لها الشعير لتأكله.
__________
(1) يجش: يطحن.
(*)
قال أبو بكر بن خزيمة: حدثنا محمد بن زياد بن عبيد الله، أنبأنا سفيان بن عيينة، عن بشير بن المهاجر عن عبدالله بن بريدة بن الحصيب، عن أبيه، قال: أهدى
أمير القبط إلى رسول الله جاريتين أختين وبغلة فكان يركب البغلة بالمدينة، واتخذ إحدى الجاريتين فولدت له إبراهيم ابنه، ووهب الاخرى.
وقال الواقدي: حدثنا يعقوب بن محمد بن أبى صعصعة، عن عبدالله بن عبدالرحمن ابن أبى صعصعة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجب بمارية القبطية وكانت بيضاء جعدة (1) جميلة، فأنزلها وأختها على أم سليم بنت ملحان، فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمتا هناك، فوطئ مارية بالملك، وحولها إلى مال له بالعالية كان من أموال بنى النضير، فكانت فيه في الصيف، وفى خرافة النخل (2).
فكان يأتيها هناك، وكانت حسنة الدين، ووهب أختها شيرين لحسان بن ثابت فولدت له عبدالرحمن.
وولدت مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما سماه إبراهيم، وعق عنه بشاة يوم سابعه، وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، وأمر بشعره فدفن في الارض، وسماه إبراهيم، وكانت قابلتها سلمى (3) مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت إلى زوجها أبى رافع فأخبرته بأنها قد ولدت غلاما، فجاء أبو رافع إلى رسول الله فبشره فوهب له عقدا، وغار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد عليهن حين رزق منها الولد.
وروى الحافظ أبو الحسن الدارقطني، عن أبى عبيد القاسم بن إسماعيل، عن زياد ابن أيوب، عن سعيد بن زكريا المدائني، عن ابن أبى سارة، عن عكرمة، عن
__________
(1) الجعدة: ذات الشعر غير السبط.
(2) الخرافة، النخل المجتنى.
(3) في القاموس: وأم سلمى امرأة أبى رافع.
(*)
ابن عباس، قال: لما ولدت مارية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتقها ولدها ".
ثم قال الدارقطني: تفرد به زياد بن أيوب وهو ثقة.
وقد رواه ابن ماجه من حديث حسين بن عبدالله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس بمثله ورويناه من وجه آخر.
وقد أفردنا لهذه المسألة وهى بيع أمهات الاولاد مصنفا مفردا على حدته، وحكينا فيه أقوال العلماء بما حاصله يرجع إلى ثمانية أقوال، وذكرنا مستند كل قول ولله الحمد والمنة.
* * * وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، عن إبراهيم بن محمد بن على بن أبى طالب، عن أبيه، عن جده على بن أبى طالب، قال: أكثروا على مارية أم إبراهيم في قبطى ابن عم لها يزورها ويختلف إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذ هذا السيف فانطلق فإن وجدته عندها فاقتله " قال: قلت يارسول الله، أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنينى شئ حتى أمضى لما أمرتنى به، أم الشاهد يرى مالا يرى الغائب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل الشاهد يرى مالا يرى الغائب ".
فأقبلت متوشحا السيف فوجدته عندها، فاخترطت السيف، فلما رأني عرف أنى أريده، فأتى نخلة فرقى فيها ثم رمى بنفسه على قفاه، ثم شال رجليه، فإذا به أجب أمسح ماله مما للرجال لا قليل ولا كثير، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: " الحمد لله الذى صرف عنا أهل البيت ".
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سفيان، حدثنى محمد بن عمر بن على بن أبى طالب، عن على قال: قلت يا رسول الله إذا بعثتني أكون كالسكة المحماة ؟
أم الشاهد يرى مالا يرى الغائب ؟ قال: " الشاهد يرى مالا يرى الغائب ".
هكذا رواه مختصرا.
وهو أصل الحديث الذى أوردناه وإسناده رجال ثقات
.
[ وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحرانى، حدثنا أبى، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب وعقيل، عن الزهري، عن أنس، قال: لما ولدت مارية إبراهيم كاد أن يقع في النبي صلى الله عليه وسلم منه شئ حتى نزل جبريل عليه السلام فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم.
وقال أبو نعيم: حدثنا عبدالله بن محمد، حدثنا أبو بكر بن أبى عاصم، حدثنا محمد ابن يحيى الباهلى، حدثنا يعقوب بن محمد، عن رجل سماه عن الليث بن سعد، عن الزهري، عن عروة عن عائشة، قالت: أهدى ملك من بطارقة الروم يقال له المقوقس جارية قبطية من بنات الملوك يقال لها مارية وأهدى معها ابن عم لها شابا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ذات يوم يدخل خلوته فأصابها حملت بإبراهيم.
قالت عائشة: فلما استبان حملها جزعت من ذلك، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن لها لبن فاشترى لها ضأنة لبونا تغذى منها الصبى، فصلح إليه جسمه وحسن لونه، وصفا لونه، فجاءته ذات يوم تحمله على عاتقها فقال: " يا عائشة كيف ترين الشبه ؟ فقلت: أنا وغيري ما أرى شبها، فقال: " ولا اللحم ؟ " فقلت: لعمري من تغدى بألبان الضأن ليحسنن لحمه (1) ].
قال الواقدي: ماتت مارية في المحرم سنة خمس عشرة فصلى عليها عمر ودفنها في البقيع، وكذا قال المفضل بن غسان الغلابى (2).
وقال خليفة وأبو عبيدة ويعقوب بن سفيان: ماتت سنة ست عشرة رحمها الله.
* * *
__________
(1) سقط من ا.
(2) نسب إلى امرأة وهى أم خالد بن الحارث بن أوس بن النابغة.
اللباب 2 / 184 (*)
ومنهن ريحانة بنت زيد من بنى النضير ويقال من بنى قريظة.
قال الواقدي: كانت ريحانة بنت زيد من بنى النضير ويقال من بنى قريظة.
قال الواقدي: كانت ريحانة بنت زيد من بنى النضير وكانت مزوجة فيهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذها لنفسه صفيا، وكانت جميلة فعرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسلم فأبت إلا اليهودية.
فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد في نفسه، فأرسل إلى ابن سعية فذكر له ذلك فقال ابن سعية: فداك أبى وأمى هي تسلم، فخرج حتى جاءها فجعل يقول لها: لا تتبعي قومك فقد رأيت ما أدخل عليهم حيى بن أخطب، فأسلمي يصطفيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه.
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ سمع وقع نعلين فقال: " إن هاتين لنعلا ابن سعية يبشرني بإسلام ريحانة " فجاء يقول: يا رسول الله قد أسلمت ريحانة.
فسر بذلك.
[ وقال محمد بن إسحاق (1): لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريظة اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خنافة، فكانت عنده حتى توفى عنها وهى في ملكه، وكان عرض عليها الاسلام ويتزوجها فأبت إلا اليهودية.
ثم ذكر من إسلامها ما تقدم ].
قال الواقدي: فحدثني عبدالملك بن سليمان، عن أيوب بن عبدالرحمن بن أبى صعصعة، عن أيوب بن بشير المعاوى، قال: فأرسل بها رسول الله إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر، فكانت عندها حتى حاضت حيضة ثم طهرت من حيضها، فجاءت أم المنذر فأخبرت رسول الله، فجاءها في منزل أم المنذر فقال لها: " إن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت، وأن أحببت أن تكوني في ملكى أطأك بالملك فعلت " فقالت: يا رسول الله إن أخف عليك وعلى أن أكون في ملكك، فكانت في ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطأها حتى ماتت.
__________
(1) سقط من ا ولم يرد في ابن هشام، إذ أن هذه الرواية من طريق يونس بن بكير.
(*)
قال الواقدي: وحدثني ابن أبى ذئب قال: سألت الزهري عن ريحانة فقال: كانت
أمة رسول الله فأعتقها وتزوجها، فكانت تحتجب في أهلها وتقول: لا يرانى أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: وهذا أثبت الحديثين عندنا، وكان زوجها قبله عليه السلام الحكم.
وقال الواقدي: حدثنا عاصم بن عبدالله بن الحكم، عن عمر بن الحكم، قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة، وكانت عند زوج لها، وكان محبا لها مكرما، فقالت: لا أستخلف بعده أحدا أبدا، وكانت ذات جمال.
فلما سبيت بنو قريظة عرض السبى على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت: فكنت فيمن عرض عليه فأمر بى فعزلت، وكان يكون له صفى في كل غنيمة، فلما عزلت خار الله لى، فأرسل بى إلى منزل أم المنذر بنت قيس أياما حتى قتل الاسرى وفرق السبى، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجنبت منه حياء، فدعاني فأجلسني بين يديه فقال: إن اخترت الله ورسوله اختارك رسول الله لنفسه.
فقلت: إنى أختار الله ورسوله.
فلما أسلمت أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجني، وأصدقني اثنتى عشرة أوقية ونشا كما كان يصدق نساءه، وأعرس بى في بيت أم المنذر، وكان يقسم لى كما يقسم لنسائه، وضرب على الحجاب.
قال، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجبا بها، وكانت لا تسأله شيئا إلا أعطاها، فقيل لها: لو كنت سألت رسول الله صل الله عليه وسلم بنى قريظة لاعتقهم، فكانت تقول: لم يخل بى حتى فرق السبى، ولقد كان يخلو بها ويستكثر منها، فلم تزل عنده حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع.
فدفنها بالبقيع.
وكان تزويجه إياها في المحرم سنه ست من الهجرة.
وقال ابن وهب عن يونس بن يزيد، عن الزهري قال: واستسر رسول الله ريحانة
من بنى قريظة ثم أعتقها فلحقت بأهلها.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كانت ريحانة بنت زيد بن شمعون من بنى النضير.
وقال بعضهم: من بنى قريظة وكانت تكون في نخل من نخل الصدقة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيل عندها أحيانا.
وكان سباها في شوال سنة أربع.
وقال أبو بكر بن أبى خيثمة: حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا زهير، عن سعيد، عن قتادة، قال: كانت لرسول الله وليدتان، مارية القبطية وريحة أو ريحانة بنت شمعون بن زيد بن خنافة، من بنى عمرو بن قريظة، كانت عند ابن عم لها يقال له عبد الحكم فيما بلغني، وماتت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ولائد ; مارية القبطية، وريحانة القرظية، وكانت له جارية أخرى جميلة فكادها نساؤه وخفن أن تغلبهن عليه، وكانت له جارية نفيسة وهبتها له زينب، وكان هجرها في شأن صفية بنت حيى ذا الحجة والمحرم وصفر، فلما كان شهر ربيع الاول الذى قبض فيه رضى عن زينب ودخل عليها، فقالت: ما أدرى ما أجزيك ؟ فوهبتها له صلى الله عليه وسلم.
وقد روى سيف بن عمر، عن سعيد بن عبدالله، عن ابن أبى مليكة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم لمارية وريحانة مرة، ويتركهما مرة.
وقال أبو نعيم: قال أبو محمد بن عمر الواقدي: توفيت ريحانة سنة عشرة وصلى عليها عمر بن الخطاب ودفنها بالبقيع ولله الحمد.
فصل في ذكر أولاده عليه وعليهم الصلاة والسلام لا خلاف أن جميع أولاده من خديجة بنت خويلد، سوى إبراهيم فمن مارية بنت شمعون القبطية.
قال محمد بن سعد: أنبأنا هشام بن الكلبى، أخبرني أبى، عن أبى صالح، عن ابن
عباس، قال: كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم، ثم زينب، ثم عبدالله، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، فمات القاسم، وهو أول ميت من ولده بمكة، ثم مات عبدالله فقال العاص بن وائل السهمى: قد انقطع نسله فهو أبتر، فأنزل الله عزوجل: " إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الابتر ".
قال: ثم ولدت له مارية بالمدينة إبراهيم في ذى الحجة سنة ثمان من الهجرة، فمات ابن ثمانية عشر شهرا وقال أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريرى: حدثنا عبد الباقي بن نافع، حدثنا محمد ابن زكريا، حدثنا العباس بن بكار، حدثنى محمد بن زياد والفرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قال: ولدت خديجة من النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله ابن محمد، ثم أبطأ عليه الولد من بعده، فبينا رسول الله يكلم رجلا والعاص بن وائل ينظر إذ قال له رجل: من هذا ؟ قال له هذا الابتر.
وكانت قريش إذا ولد للرجل ثم أبطأ عليه الولد من بعده قالوا هذا إليه الابتر، فأنزل الله: " إن شانئك هو الابتر " أي مبغضك هو الابتر من كل خير.
قال: ثم ولدت له زينب، ثم ولدت له رقية، ثم ولدت له القاسم، ثم ولدت الطاهر، ثم ولدت المطهر، ثم ولدت الطيب، ثم ولدت المطيب، ثم ولدت أم كلثوم، ثم ولدت فاطمة.
وكانت أصغرهم.
وكانت خديجة إذ ولدت ولدا دفعته إلى من يرضعه، فلما ولدت فاطمة لم يرضعها غيرها.
* * * وقال الهيثم بن عدى: حدثنا هشام بن عروة، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: كان للنبى صلى الله عليه وسلم ابنان ; طاهر والطيب، وكان يسمى أحدهما عبد شمس،
والآخر عبدالعزى.
وهذا فيه نكارة.
والله أعلم.
وقال محمد بن عائذ: أخبرني الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، أن خديجة ولدت القاسم والطيب والطاهر ومطهرا وزينب ورقية وفاطمة وأم كلثوم.
وقال الزبير بن بكار: أخبرني عمى مصعب بن عبدالله قال: ولدت خديجة القاسم والطاهر وكان يقال له الطيب، وولد الطاهر بعد النبوة، ومات صغيرا واسمه عبدالله، وفاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم.
قال الزبير: وحدثني إبراهيم بن المنذر، عن ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبى الاسود، أن خديجة ولدت القاسم والطاهر والطيب وعبد الله وزينب ورقية وفاطمة وأم كلثوم.
وحدثني محمد بن فضالة عن بعض من أدرك من المشيخة قال: ولدت خديجة القاسم وعبد الله، فأما القاسم فعاش حتى مشى، وأما عبدالله فمات وهو صغير.
وقال الزبير بن بكار: كانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة بنت خويلد، وقد ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم وهو أكبر ولده وبه كان يكنى، ثم زينب، ثم عبدالله وكان يقال له الطيب، ويقال له الطاهر، ولد بعد النبوة ومات صغيرا.
ثم ابنته أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية.
هكذا الاول فالاول.
ثم مات القاسم بمكة، وهو أول ميت من ولده، ثم مات عبدالله.
ثم ولدت له مارية بنت شمعون إبراهيم، وهى القبطية التى أهداها المقوقس صاحب إسكندرية، وأهدى معها أختها شيرين وخصيا يقال له مابور، فوهب شيرين لحسان بن ثابت، فولدت له ابنه عبدالرحمن.
وقد انقرض نسل حسان بن ثابت.
وقال أبو بكر بن البرقى (1): يقال إن الطاهر هو الطيب وهو عبدالله، ويقال إن
الطيب والمطيب ولدا في بطن، والطاهر والمطهر ولدا في بطن.
وقال المفضل بن غسان عن أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا ابن جريج، عن مجاهد، قال: مكث القاسم ابن النبي صلى الله عليه وسلم سبع ليال ثم مات.
قال المفضل: وهذا خطأ، والصواب أنه عاش سبعة عشر شهرا.
وقال الحافظ أبو نعيم: قال مجاهد: مات القاسم وله سبعة أيام.
وقال الزهري: وهو ابن سنتين.
وقال قتادة: عاش حتى مشى.
وقال هشام بن عروة: وضع أهل العراق ذكر الطيب والطاهر، فأما مشايخنا فقالوا: عبدالعزى وعبد مناف والقاسم، ومن النساء رقية وأم كلثوم وفاطمة.
هكذا رواه ابن عساكر وهو منكر، والذى أنكره هو المعروف.
وسقط ذكر زينب ولا بد منها.
والله أعلم.
فأما زينب فقال عبد الرزاق عن ابن جريج: قال لى غير واحد: كانت زينب أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت فاطمة أصغرهن وأحبهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوج زينب أبو العاص بن الربيع فولدت منه عليا وأمامة، وهى التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها.
__________
(1) ينسب إلى برق، بيت كبير من خوارزم انتقلوا إلى بخارى وسكنوها.
(*)
ولعل ذلك كان بعد موت أمها سنة ثمان من الهجرة، على ما ذكره الواقدي وقتادة وعبد الله بن أبى بكر بن حزم وغيرهم، وكأنها كانت طفلة صغيرة.
فالله أعلم.
وقد تزوجها على بن أبى طالب رضى الله عنه بعد موت فاطمة.
وكانت وفاة زينب رضى الله عنها في سنة ثمان.
قاله قتادة عن عبدالله بن أبى بكر
ابن حزم وخليفة بن خياط وأبو بكر بن أبى خيثمة وغير واحد.
وقال قتادة عن ابن حزم في أول سنة ثمان.
وذكر حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنها لما هاجرت دفعها رجل فوقعت على صخرة فأسقطت حملها، ثم لم تزل وجعة حتى ماتت، فكانوا يرونها ماتت شهيدة.
وأما رقية فكان قد تزوجها أولا ابن عمها عتبة بن أبى لهب كما تزوج أختها أم كلثوم أخوه عتيبة بن أبى لهب، ثم طلقاهما قبل الدخول بهما بغضة في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله: " تبت يدا أبى لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد ".
فتزوج عثمان بن عفان رضى الله عنه رقية، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، ويقال إنه أول من هاجر إليها.
ثم رجعا إلى مكة، كما قدمنا، وهاجرا إلى المدينة وولدت له ابنه عبدالله فبلغ ست سنين، فنقره ديك في عينيه فمات وبه كان يكنى أولا، ثم اكتنى بابنه عمرو.
وتوفيت وقد انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، ولما أن جاء البشير بالنصر إلى المدينة - وهو زيد بن حارثة - وجدهم قد ساووا على قبرها التراب، وكان عثمان قد أقام عليها يمرضها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وضرب له بسهمه وأجره، ولما رجع زوجه بأختها أم كلثوم أيضا ولهذا كان يقال له ذو النورين، ثم ماتت عنده في شعبان سنة تسع ولم تلد له شيئا.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو كانت عندي ثالثة لزوجتها عثمان " وفى رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو كن عشرا لزوجتهن عثمان ".
وأما فاطمة فتزوجها ابن عمها على بن أبى طالب في صفر سنة اثنتين، فولدت له
الحسن والحسين، ويقال ومحسن، وولدت له أم كلثوم وزينب.
وقد تزوج عمر بن الخطاب في أيام ولايته بأم كلثوم بنت على بن أبى طالب من فاطمة وأكرمها إكراما زائدا، أصدقها أربعين ألف درهم لاجل نسبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فولدت له زيدا بن عمر بن الخطاب.
ولما قتل عمر بن الخطاب تزوجها بعده ابن عمها عون بن جعفر فمات عنها، فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها، فتزوجها أخوهما عبدالله بن جعفر فماتت عنده.
وقد كان عبدالله بن جعفر تزوج بأختها زينب بنت على وماتت عنده أيضا، وقد توفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر على أشهر الاقوال.
وهذا الثابت عن عائشة في الصحيح، وقاله الزهري أيضا وأبو جعفر الباقر.
وعن الزهري بثلاثة أشهر، وقال أبو الزبير بشهرين، وقال أبو بريدة: عاشت بعده سبعين من بين يوم وليلة.
وقال عمرو بن دينار: مكثت بعده ثمانية أشهر.
وكذا قال عبدالله بن الحارث.
وفى رواية عن عمرو بن دينار بأربعة أشهر.
وأما إبراهيم فمن مارية القبطية كما قدمنا، وكان ميلاده في ذى الحجة سنة ثمان.
وقد روى عن ابن لهيعة وغيره عن عبدالرحمن بن زياد قال: لما حبل بإبراهيم أتى جبريل فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم، إن الله قد وهب لك غلاما من أم ولدك مارية،
وأمرك أن تسميه إبراهيم، فبارك الله لك فيه وجعله قرة عين لك في الدنيا والآخرة.
وروى الحافظ أبو بكر البزار عن محمد بن مسكين، عن عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن عقيل ويزيد بن أبى حبيب، عن الزهري، عن أنس قال: لما ولد للنبى صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم وقع في نفسه منه شئ فأتاه جبريل فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم.
وقال أسباط عن السدى، وهو إسماعيل بن عبدالرحمن، قال: سألت أنس بن مالك قلت: كم بلغ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من العمر ؟ قال: وقد
كان ملا مهده، ولو بقى لكان نبيا، ولكن لم يكن ليبقى لان نبيكم صلى الله عليه وسلم آخر الانبياء.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عبدالرحمن بن مهدى، حدثنا سفيان، عن السدى، عن أنس بن مالك، قال: لو عاش إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم لكان صديقا نبيا.
وقال أبو عبد الله بن منده: حدثنا محمد بن سعد، ومحمد بن إبراهيم، حدثنا محمد ابن عثمان العبسى، حدثنا منجاب، حدثنا أبو عامر الاسدي، حدثنا سفيان، عن السدى عن أنس، قال: توفى إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستة عشر شهرا فقال رسول الله: " ادفنوه في البقيع فإن له مرضعا يتم رضاعه في الجنة ".
وقال أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن عمرو بن سعيد، عن أنس، قال: ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله، كان ابراهيم مسترضعا في عوالي المدينة، وكان ينطلق ونحن معه فيدخل إلى البيت وإنه ليدجن (1)، وكان ظئره فينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع.
قال عمرو: فلما توفى إبراهيم قال رسول الله: " إن ابراهيم ابني، وإنه
__________
(1) وفى ا: يدخن.
(*)
مات في الثدى، وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة ".
وقد روى جرير وأبو عوانة، عن الاعمش، عن مسلم بن صبيح أبى الضحى، عن البراء قال: توفى إبراهيم بن رسول الله وهو ابن ستة عشر شهرا، فقال: " ادفنوه في البقيع فإن له مرضعا في الجنة ".
ورواه أحمد من حديث جابر، عن عامر، عن البراء، وهكذا رواه سفيان الثوري عن فراس، عن الشعبى، عن البراء بن عازب بمثله.
وكذا رواه الثوري أيضا عن أبى إسحاق، عن البراء وأورد له ابن عساكر من طريق عتاب بن محمد بن شوذب، عن عبدالله بن أبى أوفى قال: توفى إبراهيم فقال رسول الله: " يرضع بقية رضاعه في الجنة ".
وقال أبو يعلى الموصلي: حدثنا زكريا بن يحيى الواسطي، حدثنا هشيم، عن إسماعيل، قال سألت ابن أبى أوفى - أو سمعته يسأل - عن إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: مات وهو صغير، ولو قضى أن يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبى لعاش.
وروى ابن عساكر من حديث أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ، حدثنا عبيد بن إبراهيم الجعفي، حدثنا الحسن بن أبى عبدالله الفراء، حدثنا مصعب بن سلام، عن أبى حمزة الثمالى، عن أبى جعفر محمد بن على، عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو عاش إبراهيم لكان نبيا ".
وروى ابن عساكر من حديث محمد ابن إسماعيل بن سمرة، عن محمد بن الحسن الاسدي، عن أبى شيبة، عن أنس، قال: لما مات إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تدرجوه في أكفانه حتى أنظر إليه ".
فجاء فانكب عليه وبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه صلى الله عليه وسلم.
قلت: أبو شيبة هذا لا يتعامل بروايته.
ثم روى من حديث مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن خيثم، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: لما توفى إبراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر وعمر: أنت أحق من علم لله حقه.
فقال: " تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، لولا أنه وعد صادق، وموعود جامع، وأن الآخر منا يتبع الاول، لوجدنا عليك يا إبراهيم وجدا أشد مما وجدنا، وإنا بك
يا إبراهيم لمحزونون ".
وقال الامام أحمد حدثنا أسود بن عامر، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن الشعبى عن البراء، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم، ومات وهو ابن شتة عشر شهرا، وقال: " إن له في الجنة من يتم رضاعه وهو صديق ".
وقد روى من حديث الحكم بن عيينة، عن الشعبى، عن البراء.
وقال أبو يعلى: حدثنا القواريرى، حدثنا إسماعيل بن أبى خالد، عن ابن أبى أوفى، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه، وصليت خلفه وكبر عليه أربعا.
وقد روى يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثنى محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: مات إبراهيم ابن رسول الله وهو ابن ثمانية عشر شهرا، فلم يصل عليه.
وروى ابن عساكر من حديث إسحاق ابن محمد الفروى، عن عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بن على بن أبى طالب، عن أبيه، عن أبى جده عن على، قال: لما توفى إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على بن أبى طالب إلى أمه مارية القبطية وهى في مشربة، فحمله على في سفط (1) وجعله بين يديه على الفرس، ثم جاء به إلى رسول الله
__________
(1) السفط: كالجوالق أو القفة.
(*)
صلى الله عليه وسلم فغسله وكفنه وخرج به وخرج الناس معه، فدفنه في الزقاق الذى يلى دار محمد بن زيد، فدخل على في قبره حتى سوى عليه ودفنه، ثم خرج ورش على قبره، وأدخل رسول الله يده في قبره فقال: " أما والله إنه لنبى ابن نبى " وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى المسلمون حوله حتى ارتفع الصوت.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يغضب الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون ".
وقال الواقدي: مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الاول سنة عشر، وهو ابن ثمانية عشر شهرا في بنى مازن بن النجار في دار أم برزة بنت المنذر، ودفن بالبقيع.
قلت: وقد قدمنا أن الشمس كسفت يوم موته، فقال الناس: كسفت لموت إبراهيم.
فخطب رسول الله فقال في خطبته: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عزوجل، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ".
قال الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر:
باب ذكر عبيده عليه السلام وإمائه وذكر خدمه وكتابه وأمنائه، مع مراعاة الحروف في أسمائهم، وذكر بعض ما ذكر من أنبائهم ولنذكر ما أورده مع الزيادة والنقصان وبالله المستعان.
فمنهم أسامة بن زيد بن حارثة أبو زيد الكلبى، ويقال أبو يزيد ويقال أبو محمد.
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه، وحبه وابن حبه، وأمه أم أيمن واسمها بركة، كانت حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صغره، وممن آمن به قديما بعد بعثته.
وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أيام حياته، وكان عمره إذ ذاك ثمانى عشرة أو تسع عشرة، وتوفى وهو أمير على جيش كثيف، منهم عمر بن الخطاب، ويقال وأبو بكر الصديق وهو ضعيف، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نصبه للامامة.
فلما توفى عليه السلام وجيش أسامة مخيم بالجرف كما قدمناه، استطلق أبو بكر من أسامة عمر بن الخطاب في الاقامة عنده ليستضئ برأيه فأطلقه له، وأنفذ أبو بكر
جيش أسامة بعد مراجعة كثيرة من الصحابة له في ذلك، وكل ذلك يأبى عليهم ويقول: والله لا أحل راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فساروا حتى بلغوا تخوم البلقاء من أرض الشام حيث قتل أبوه زيد وجعفر بن أبى طالب وعبد الله بن رواحة رضى الله عنهم، فأغار على تلك البلاد وغنم وسبى وكر راجعا سالما مؤيدا.
فلهذا كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه لا يلقى أسامة إلا قال له: السلام عليك أيها الامير.
ولما عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم راية الامرة طعن بعض الناس في إمارته، فخطب رسول الله فقال فيها: " إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقا للامارة، وإن كان لمن أحب الخلق إلى بعده ".
وهو في الصحيح من حديث موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه.
وثبت في صحيح البخاري عن أسامة رضى الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن فيقول: " اللهم إنى أحبهما فأحبهما ".
وروى عن الشعبى عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أحب الله ورسوله فليحب أسامة بن زيد ".
ولهذا لما فرض عمر بن الخطاب للناس في الديوان فرض لاسامة في خمسة آلاف ; وأعطى ابنه عبدالله بن عمر في أربعة آلاف.
فقيل له في ذلك فقال: إنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك.
وقد روى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة، أن رسول الله أردفه خلفه على حمار عليه قطيفة، حين ذهب يعود سعد بن عبادة، قبل وقعة بدر.
قلت: وهكذا أردفه وراءه على ناقته حين دفع من عرفات إلى المزدلفة، كما قدمنا في حجة الوداع.
وقد ذكر غير واحد أنه رضى الله عنه لم يشهد مع على شيئا من مشاهده، واعتذر إليه بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قتل ذلك الرجل وقد قال لا إله إلا الله، فقال: " من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ؟ أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة " الحديث.
وذكر فضائله كثيرة رضى الله عنه.
وقد كان أسود كالليل، أفطس حلوا حسنا كبيرا فصيحا عالما ربانيا، رضى الله عنه.
وكان أبوه كذلك، إلا أنه كان أبيض شديد البياض، ولهذا طعن بعض من لا يعلم في نسبه منه.
ولما مر مجزز المدلجى عليهما وهما نائمان في قطيفة وقد بدت أقدامهما أسامة بسواده وأبوه زيد ببياضه، قال: سبحان الله: إن بعض هذه الاقدام لمن بعض.
أعجب بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل على عائشة مسروا تبرق أسارير وجهه فقال: " ألم ترى أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الاقدام لمن بعض ؟ ! " ولهذا أخذ فقهاء الحديث كالشافعي وأحمد من هذا الحديث، من حيث التقرير عليه والاستبشار به ; العمل بقول القافة في اختلاط الانساب واشتباهها، كما هو مقرر في موضعه.
والمقصود أنه رضى الله عنه توفى سنة أربع وخمسين مما صححه أبو عمر.
وقال غيره سنة ثمان أو تسع وخمسين، وقيل مات بعد مقتل عثمان فالله أعلم.
وروى له الجماعة في كتبهم الستة.
* * *
ومنهم أسلم وقيل إبراهيم وقيل ثابت وقيل هرمز أبو رافع القبطى، أسلم قبل بدر ولم يشهدها لانه كان بمكة مع سادته آل العباس، وكان ينحت القداح، وقصته مع الخبيث أبى لهب حين جاء خبر وقعة بدر تقدمت ولله الحمد.
ثم هاجر وشهد أحدا وما بعدها، وكان كاتبا، وقد كتب بين يدى على بن أبى طالب بالكوفة.
قاله المفضل بن غسان الغلابى.
وشهد فتح مصر في أيام عمر.
وقد كان أولا للعباس بن عبدالمطلب فوهبه للنبى صلى الله عليه وسلم وعتقه وزوجه
مولاته سلمى، فولدت له أولادا وكان يكون على ثقل (1) النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر وبهز قالا: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبى رافع، عن أبى رافع، أن رسول الله بعث رجلا من بنى مخزوم على الصدقة، فقال لابي رافع: اصحبني كيما تصيب منها.
فقال: لا.
حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله.
فأتى رسول الله فسأله فقال: " الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم منهم ".
وقد رواه الثوري عن محمد بن عبدالرحمن بن أبى ليلى، عن الحكم به.
وروى أبو يعلى في مسنده عنه أنه أصابهم برد شديد وهم بخيبر، فقال رسول الله: " من كان له لحاف فليلحف من لا لحاف له ".
قال أبو رافع: فلم أجد من يحلفنى معه، فأتيت رسول الله فألقى على لحافه، فنمنا حتى أصبحنا، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رجليه حية فقال: " يا أبا رافع اقتلها اقتلها ".
وروى له الجماعة في كتبهم، ومات في أيام على رضى الله عنه.
ومنهم أنسة بن زياد (2) أبو مشرح، ويقال أبو مسرح، من مولدي السراة، مهاجري شهد بدرا فيما ذكره عروة والزهرى وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق والبخاري وغير واحد.
قالوا: وكان ممن يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس.
وذكر خليفة بن خياط في كتابه قال: قال على بن محمد، عن عبد العزيز بن أبى ثابت، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: استشهد يوم بدر أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: وليس هذا بثبت عندنا، ورأيت أهل العلم يثبتون أنه شهد أحدا أيضا وبقى زمانا وأنه توفى في حياة أبى بكر رضى الله عنه أيام خلافته.
__________
(1) الثقل: متاع المسافر (2) ا: ابن مادة.
(*)
ومنهم أيمن بن عبيد بن زيد الحبشى ونسبه ابن مندة إلى عوف بن الخزرج وفيه نظر.
وهو ابن أم أيمن بركة، أخو أسامة لامه.
قال ابن إسحاق: وكان على مطهرة (1) النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممن ثبت يوم حنين، ويقال: إن فيه وفى أصحابه نزل قوله تعالى: " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (2) ".
قال الشافعي: قتل أيمن مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين.
قال: فرواية مجاهد عنه منقطعة يعنى بذلك ما رواه الثوري عن منصور، عن مجاهد، عن عطاء، عن أيمن الحبشى قال: لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم السارق إلا في المجن (3)، وكان ثمن المجن يومئذ دينارا.
وقد رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، عن هارون بن عبدالله، عن أسود ابن عامر، عن الحسين بن صالح، عن منصور، عن الحكم، عن مجاهد وعطاء، عن أيمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وهذا يقتضى تأخر موته عن النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يكن الحديث مدلسا عنه، ويحتمل أن يكون أريد غيره.
والجمهور كابن اسحاق وغيره ذكروه فيمن قتل من الصحابة يوم حنين فالله أعلم.
ولابنه الحجاج بن أيمن مع عبدالله بن عمر قصة.
ومنهم با ام ؟ وسيأتى ذكره في ترجمة طهمان.
__________
(1) المطهرة بكسر الميم وفتحها: الاداوة، أو الاناء الذى يتطهر به.
(2) سورة الكهف 110 (3) المجن: الترس.
(*)
ومنهم ثوبان بن بجدد، ويقال ابن جحدر أبو عبدالله، ويقال أبو عبد الكريم، ويقال أبو عبد الرحمن.
أصله من أهل السراة، مكان بين مكة واليمن، وقيل من حمير من أهل اليمن.
وقيل من الهان (1)، وقيل من حكم بن سعد العشيرة من مذحج أصابه سبى في الجاهلية.
فاشتراه رسول الله فأعتقه وخيره إن شاء أن يرجع إلى قومه، وإن شاء يثبت فإنه منهم أهل البيت.
فأقام على ولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه حضرا ولا سفرا حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشهد فتح مصر أيام عمر، ونزل حمص بعد ذلك وابتنى بها دارا، وأقام بها إلى أن مات سنة أربع وخمسين، وقيل سنة أربع وأربعين - وهو خطأ - وقيل إنه مات بمصر، والصحيح بحمص كما قدمنا والله أعلم.
روى له البخاري في كتاب الادب، ومسلم في صحيحه وأهل السنن الاربعة.
ومنهم حنين مولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جد إبراهيم بن عبدالله بن حنين.
وروينا أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ويوضئه، فإذا فرغ النبي صلى الله عليه وسلم خرج بفضلة الوضوء إلى أصحابه، فمنهم من يشرب منه، ومنهم من يتمسح به،
فاحتبسه حنين فخبأه عنده في جرة حتى شكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: " ما تصنع به ؟ " فقال: أدخره عندي أشربه يا رسول الله.
فقال عليه السلام: " هل رأيتم غلاما أحصى ما أحصى هذا ؟ ".
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وهبه لعمه العباس فأعتقه رضى الله عنهما.
ومنهم ذكوان يأتي ذكره في ترجمة طهمان.
ومنهم رافع أو أبو رافع ويقال له أبو البهى.
__________
(1) كذا، ولعلها الهون.
(*)
قال أبو بكر بن أبى خيثمة: كان لابي أحيحة سعيد بن العاص الاكبر فورثه بنوه وأعتق ثلاثة منهم أنصباءهم وشهد معهم يوم بدر، فقتلوا ثلاثتهم، ثم اشترى أبو رافع بقية أنصباء بنى سعيد مولاه إلا نصيب خالد بن سعيد، فوهب خالد نصيبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وأعتقه.
فكان يقول، انا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك كان بنوه يقولون من بعده.
ومنهم رباح الاسود، وكان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذى أخذ الاذن لعمر بن الخطاب حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المشربة يوم آلى من نسائه واعتزلهن في تلك المشربة وحده عليه السلام.
هكذا جاء مصرحا باسمه في حديث عكرمة بن عمار، عن سماك بن الوليد، عن ابن عباس، عن عمر.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الاكوع، عن أبيه قال: كان للنبى صلى الله عليه وسلم غلام يسمى رباح.
ومنهم رويفع مولاه عليه الصلاة والسلام.
هكذا عده في الموالى مصعب بن عبدالله الزبيري وأبو بكر بن أبى خيثمة قالا:
وقد وفد ابنه على عمر بن عبد العزيز في أيام خلافته ففرض له.
قالا: ولا عقب له.
قلت: كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله شديد الاعتناء بموالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحب أن يعرفهم ويحسن إليهم، وقد كتب في أيام خلافته إلى أبى بكر بن حزم عالم أهل المدينة في زمانه: أن يفحص له عن موالى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء وخدامه.
رواه الواقدي.
وقد ذكره أبو عمر مختصرا وقال: لا أعلم له رواية، حكاه ابن الاثير في الغابة.
ومنهم زيد بن حارثة الكلبى.
وقد قدمنا طرفا من ذكره عند ذكر مقتله بغزوة مؤتة رضى الله عنه، وذلك في جمادى من سنة ثمان قبل الفتح بأشهر.
وقد كان هو الامير المقدم، ثم بعده جعفر، ثم بعدهما عبدالله بن رواحة.
وعن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في سرية إلا أمره عليهم، ولو بقى بعده لاستخلفه.
رواه أحمد.
ومنهم زيد أبو يسار.
قال أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة: سكن المدينة، روى حديثا واحدا لا أعلم له غيره: حدثنا محمد بن على الجوزجانى، حدثنا أبو سلمة - هو التبوذكى - حدثنا حفص ابن عمر الطائى، حدثنا أبو عمر بن مرة، سمعت بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم، سمعت أبى حدثنى عن جدى، أنه سمع رسول الله يقول: " من قال: أستغفر الله الذى لا إله إلا هو الحى القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فر من الزحف ".
وهكذا رواه أبو داود عن أبى سلمة، وأخرجه الترمذي عن محمد بن إسماعيل البخاري، عن أبى سلمة موسى بن إسماعيل به.
وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
* * * ومنهم سفينة أبو عبد الرحمن ويقال أبوالبخترى.
كان اسمه مهران، وقيل عبس، وقيل أحمر، وقيل رومان، فلقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبب سنذكره، فغلب عليه.
وكان مولى لام سلمة، فأعتقته واشترطت عليه أن يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يموت، فقبل ذلك.
وقال: لو لم تشترطي على ما فارقته.
وهذا الحديث في السنن.
وهو من مولدي العرب، وأصله من أبناء فارس وهو سفينة بن مافنه.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا حشرج بن نباتة العبسى، كوفى، حدثنا سعيد بن جمهان، حدثنى سفينة، قال: قال رسول الله: " الخلافة في أمتى ثلاثون سنة، ثم ملكا بعد ذلك ".
ثم قال لى سفينة: أمسك خلافة أبى بكر، وخلافة عمر، وخلافة عثمان، وأمسك خلافة على، ثم قال: فوجدناها ثلاثين سنة.
ثم نظرت بعد ذلك في الخلفاء فلم أجده يتفق لهم ثلاثون.
قلت لسعيد: أين لقيت سفينة ؟ قال: ببطن نخلة في زمن الحجاج، فأقمت عنده ثلاث ليال أسأله عن أحاديث رسول الله.
قلت له: ما اسمك ؟ قال: ما أنا بمخبرك، سمانى رسول الله سفينة.
قلت: ولم سماك سفينة ؟ قال: خرج رسول الله ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم فقال لى: " ابسط كساءك " فبسطته، فجعلوا فيه متاعهم ثم حملوه على، فقال
لى رسول الله: " احمل فإنما أنت سفينة " فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل على، إلا أن يحفوا (1).
وهذا الحديث عن أبى داود والترمذي والنسائي، ولفظه عندهم: " خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا ".
وقال الامام أحمد: حدثنا بهز، حدثنا حماد بن سلمة، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة، قال: كنا في سفر، فكان كلما أعيا رجل ألقى على ثيابه، ترسا أو سيفا،
__________
(1) يحفوا: يزيدوا ويبالغوا (*)
حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنت سفينة ".
هذا هو المشهور في تسميته سفينة.
وقد قال أبو القاسم البغوي: حدثنا الربيع سليمان بن داود الزهراني ومحمد بن جعفر الوركانى، قالا: حدثنا شريك بن عبدالله النخعي، عن عمران البجلى، عن مولى لام سلمة، قال: كنا مع رسول الله فمررنا بواد - أو نهر - فكنت أعبر الناس، فقال لى رسول الله: " ما كنت منذ اليوم إلا سفينة ".
وهكذا رواه الامام أحمد، عن أسود بن عامر، عن شريك.
وقال أبو عبد الله بن منده: حدثنا الحسن بن مكرم، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا أسامة بن زيد، عن محمد بن المنكدر، عن سفينة، قال: ركبت البحر في سفينة فكسرت بنا، فركبت لوحا منها فطرحني في جزيرة فيها أسد فلم يرعنى إلا به، فقلت: يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامنى على الطريق، ثم همهم فظننت أنه السلام.
وقد رواه أبو القاسم البغوي عن إبراهيم بن هانئ، عن عبيدالله بن موسى، عن رجل، عن محمد بن المنكدر، عنه.
ورواه أيضا عن محمد بن عبدالله المخرمى، عن حسين بن محمد، قال: قال عبد العزيز بن عبدالله بن أبى سلمة، عن محمد بن المنكدر، عن سفينة.
فذكره. ورواه أيضا: حدثنا هارون بن عبدالله، حدثنا على بن عاصم، حدثنى أبو ريحانة، عن سفينة مولى رسول الله قال: لقيني الاسد فقلت: أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فضرب بذنبه الارض وقعد.
وروى له مسلم وأهل السنن.
وقد تقدم في الحديث الذى رواه الامام أحمد أنه كان يسكن بطن نخلة، وأنه تأخر إلى أيام الحجاج.
* * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق