الجمعة، 15 يونيو 2018

ص 19. السيرة النبوية لابن كثير الجزء السادس -ج6//1


السيرة النبوية لابن كثير الجزء السادس
ص 19 بالمدونة ج6//1
بعرفة فقال: وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف.
ووقف بالمزدلفة وقال: وقفت هاهنا، والمزدلفة كلها موقف.
هكذا أورد الامام أحمد هذا الحديث، وقد اختصر آخره جدا.
ورواه الامام مسلم بن الحجاج في المناسك من صحيحه، عن أبى بكر بن أبى شيبة وإسحاق بن ابراهيم، كلاهما عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد بن على بن الحسين ابن على بن أبى طالب، عن أبيه، عن جابر بن عبدالله فذكره.
وقد أعلمنا في الزيادات المتفاوتة من سياق أحمد ومسلم، إلى قوله عليه السلام لعلى: صدقت صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج ; قال: قلت: اللهم إنى أهل بما أهل به رسولك صلى الله عليه وسلم.
قال: فإن معى الهدى.
قال: فلا تحل.
قال: فكان جماعة الهدى الذى قدم به على من اليمن والذى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة.
قال: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى.
فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلا حتى طلعت
الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت له بنمرة (1).
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه (2) واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها.
__________
(1) نمرة: موضع بجنب عرفات، وليس منها.
(2) إلا أنه: في أنه.
فإلا زائدة، وإن في موضع نصب على إسقاط الجار.
والمشعر الحرام: جبل في المزدلفة يقال له قزح.
(*)
حتى إذا زاغت (1) الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: " إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.
ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمى موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث (2) كان مسترضعا في بنى سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه من ربانا ربا العباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله.
واتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
وقد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله.
وأنتم تسألون عنى، فما أنتم قائلون ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت.
فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها (3) على الناس: اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات.
ثم أذن ثم أقام، فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء
إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة (4) بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص، وأردف أسامة بن زيد خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق (5) للقصواء الزمام حتى إن رأسها لتصيب مورك (6)
__________
(1) زاغت: مالت.
(2) قيل اسمه آدم، وقيل تمام.
الروض الانف 2.
(3) ينكتها: يقلبها ويرددها مشيرا إلى الناس وفى مسلم: إلى الناس..(4) جبل المشاة: يروى بالحاء وبالجيم.
ومعناه بالجيم الطريق.
وبالحاء مجتمع المشاة.
(5) شنق: ضيق.
(6) المورك: الموضع الذى يجعل عليه الراكب رجله.
(*)
رحله ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة.
كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد.
حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعا فحمد الله وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا.
فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن العباس، وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت ظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، فحول الفضل يده إلى الشق الآخر، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل، فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر.
حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا، ثم سلك الطريق الوسطى التى تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التى عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها [ مثل ] حصى الخذف (1)، رمى من بطن الوادي.
ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى بنى عبدالمطلب وهم يسقون على زمزم، فقال: انزعوا بنى عبدالمطلب، فلولا أن
__________
(1) الخذف: حصى صغار يرمى باصبعين.
وهو مصدر سمى به.
(*)
يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم.
فناولوه دلوا فشرب منه.
ثم رواه مسلم عن عمر بن حفص، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر فذكره بنحوه.
وذكر قصة أبى سيارة (1)، وأنه كان يدفع بأهل الجاهلية على حمار عرى (2) وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحرت هاهنا ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم.
ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا وجمع (3) كلها موقف.
وقد رواه أبو داود بطوله عن النفيلى وعثمان بن أبى شيبة، وهشام بن عمار وسليمان ابن عبدالرحمن.
وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة والشئ، أربعتهم عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، بنحو من رواية مسلم.
وقد رمزنا لبعض زياداته عليه.
ورواه أبو داود أيضا والنسائي، عن يعقوب بن إبراهيم، عن يحيى بن سعيد القطان، عن جعفر به.
ورواه النسائي أيضا عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد ببعضه، عن إبراهيم بن هارون البلخى، عن حاتم بن إسماعيل ببعضه.
__________
(1) الاصل أبى سنان، وهو تحريف (2) العرى: مالا سرج عليه.
(3) جمع: المزدلفة.
(*)
ذكر الاماكن التى صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب
من المدينة إلى مكة في عمرته وحجته قال البخاري: باب المساجد التى على طريق المدينة، والمواضع التى صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن أبى بكر المقدمى، قال: حدثنا فضيل بن سليمان، قال: حدثنا موسى بن عقبة، قال: رأيت سالم بن عبدالله يتحرى أماكن من الطريق فيصلى فيها ويحدث أن أباه كان يصلى فيها، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلى في تلك الامكنة.
وحدثني نافع، عن ابن عمر رضى الله عنهما، أنه كان يصلى في تلك الامكنة، وسألت سالما فلا أعلمه إلا وافق نافعا في الامكنة كلها، إلا أنهما اختلفا في مسجد بشرف الروحاء.
قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس بن عياض، قال: حدثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن عبدالله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذى الحليفة حين يعتمر وفى حجته حين حج تحت سمرة في موضع المسجد الذى بذى الحليفة، وكان إذا رجع من غزو كان في تلك الطريق أو في حج أو عمرة هبط من بطن واد، فإذا ظهر من بطن واد أناخ بالبطحاء التى على شفير الوادي الشرقية فعرس (1) ثم حتى يصبح ليس عند المسجد الذى بحجارة ولا على الاكمة التى عليها المسحد، كان ثم خليج (2) يصلى عبدالله عنده في بطنه كثب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلى، فدحا (3) السيل فيه بالبطحاء حتى دفن ذلك المكان الذى كان عبدالله يصلى فيه.
__________
(1) عرس: نزل ليستريح.
(2) الخليج: واد له عمق (3) دحا: دفع.
(*)
وأن عبدالله بن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى حيث المسجد الصغير الذى دون المسجد الذى بشرف الروحاء، وقد كان عبدالله يعلم المكان الذى كان صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ثم عن يمينك حنى تقوم في المسجد تصلى، وذلك المسجد على حافة الطريق اليمنى وأنت ذاهب إلى مكة، بينه وبين المسجد الاكبر رمية
بحجر أو نحو ذلك.
وأن ابن عمر كان يصلى إلى العرق الذى عند منصرف الروحاء، وذلك العرق انتهاء طرفه على حافة الطريق دون المسجد الذى بينه وبين المنصرف وأنت ذاهب إلى مكة، وقد ابتنى ثم مسجد، فلم يكن عبدالله يصلى في ذلك المسجد، كان يتركه عن يساره ووراءه ويصلى أمامه إلى العرق نفسه، وكان عبدالله يروح من الروحاء فلا يصلى الظهر حتى يأتي ذلك المكان فيصلى فيه الظهر، وإذا أقبل من مكة فإن مر به قبل الصبح بساعة أو من آخر السحر عرس حتى يصلى بها الصبح.
وأن عبدالله حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل تحت سرحة (1) ضخمة دون الرويثة (2) عن يمين الطريق ووجاه الطريق في مكان بطح (3) سهل، حتى يفضى من أكمة دوين بريد الرويثة بميلين، وقد انكسر أعلاها فانثنى في جوفها، وهى قائمة على ساق وفى ساقها كثب كثيرة.
وأن عبدالله بن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في طرف تلعة (4) من وراء العرج وأنت ذاهب إلى هضبة، عند ذلك المسجد قبران أو ثلاثة، على القبور رضم من حجارة عن يمين الطريق عند سلمات (5) الطريق بين أولئك السلمات كان
__________
(1) السرحة: الشجرة لا شوك فيها (2) الرويثة: منهل من المناهل بين مكة والمدينة: المراصد.
(3) الصلح: المسيل الواسع (4) التلعة: ما ارتفع من الارض، وما انخفض.
(5) السلمات: أشجار لسلم.
(*)
عبدالله يروح من العرج بعد أن تميل الشمس بالهاجرة، فيصلى الظهر في ذلك المسجد.
وأن عبدالله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عند سرحات عن يسار الطريق في مسيل دون هرشى (1) ; ذلك المسيل لاصق بكراع هرشى، بينه وبين
الطريق قريب من غلوة (2) وكان عبدالله يصلى إلى سرحة هي أقرب السرحات إلى الطريق، وهى أطولهن.
وأن عبدالله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل في المسيل الذى في أدنى مر الظهران قبل المدينة حين يهبط من الصفراوات، ينزل في بطن ذلك المسيل عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة، ليس بين منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الطريق إلا رمية بحجر.
وأن عبدالله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذى طوى ويبيت حتى يصبح يصلى الصبح حين يقدم مكة، ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك على أكمة غليظة، وليس في المسجد الذى بنى ثم، ولكن أسفل من ذلك على أكمة غليظة.
وأن عبدالله حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل فرضتي الجبل الذى بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة، فجعل المسجد الذى بنى ثم يسار المسجد بطرف الاكمة، مصلى النبي صلى الله عليه وسلم أسفل منه على الاكمة السوداء، تدع من الاكمة عشرة أذرع أو نحوها، ثم تصلى مستقبل الفرضتين من الجبل الذى بينك وبين الكعبة.
* * *
__________
(1) هرشى: ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة (2) الغلوة: قدر مرماة السهم.
(*)
تفرد البخاري رحمه الله بهذا الحديث بطوله وسياقه، إلا أن مسلما روى منه عند قوله في آخره: " وأن عبدالله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذى طوى " إلى آخر الحديث، عن محمد بن إسحاق المسيبى، عن أنس عن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر فذكره.
وقد رواه الامام أحمد بطوله عن
أبى قرة موسى بن طارق، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر به نحوه.
وهذه الاماكن لا يعرف اليوم كثير منها أو أكثرها، لانه قد غير أسماء أكثر هذه البقاع اليوم عند هؤلاء الاعراب الذين هناك، فإن الجهل قد غلب على أكثرهم.
وإنما أوردها البخاري رحمه الله في كتابه لعله أحدا يهتدى إليها بالتأمل والتفرس والتوسم، أو لعل أكثرها أو كثيرا منها كان معلوما في زمان البخاري.
والله تعالى أعلم.
باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة شرفها الله عزوجل قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن عبدالله، حدثنى نافع، عن ابن عمر، قال: بات النبي صلى الله عليه وسلم بذى طوى حتى أصبح، ثم دخل مكة.
وكان ابن عمر يفعله.
ورواه مسلم من حديث يحيى بن سعيد القطان به، وزاد: " حتى صلى الصبح، أو قال: حتى أصبح ".
وقال مسلم: حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، كان لا يقدم مكة إلا بات بذى طوى حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهارا، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله.
ورواه البخاري من حديث حماد بن زيد، عن أيوب به.
ولهما من طريق أخرى، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذى طوى.
وذكره.
وتقدم آنفا ما أخرجاه من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يبيت بذى طوى حتى يصبح، فيصلى الصبح حين يقدم مكة، ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أكمة غليظة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل فرضتي الجبل الذى بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة، فجعل المسجد الذى بنى ثم يسار المسجد بطرف الاكمة، ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل منه على الاكمة السوداء، يدع من الاكمة عشرة أذرع أو نحوها، ثم يصلى مستقبل الفرضتين من الجبل الذى بينك وبين الكعبة.
أخرجاه في الصحيحين.
* * * وحاصل هذا كله: أنه عليه السلام لما انتهى في مسيره إلى ذى طوى ؟ وهو قريب من مكة متاخم للحرم، أمسك عن التلبية، لانه قد وصل إلى المقصود، وبات بذلك المكان حتى أصبح، فصلى هنالك الصبح في المكان الذى وصفوه بين فرضتي الجبل الطويل هنالك.
ومن تأمل هذه الاماكن المشار إليها بعين البصيرة عرفها معرفة جيدة وتعين له المكان الذى صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم اغتسل صلوات الله وسلامه عليه لاجل دخول مكة، ثم ركب ودخلها نهارا جهرة علانية من الثنية العليا التى بالبطحاء.
ويقال كداء ليراه الناس ويشرف عليهم، وكذلك دخل منها يوم الفتح كما ذكرناه.
قال مالك عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى.
أخرجاه في الصحيحين من حديثه ولهما من طريق عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من الثنية العليا التى في البطحاء، وخرج من الثنية السفلى.
ولهما أيضا من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مثل ذلك.
* * * ولما وقع بصره عليه السلام على البيت قال ما رواه الشافعي في مسنده: أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال: " اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من شرفه وكرمه، ومن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا ".
قال الحافظ البيهقى: هذا منقطع، وله شاهد مرسل عن سفيان الثوري، عن أبى سعيد الشامي، عن مكحول، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر وقال: " اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا، وزد من حجه أو اعتمره تكريما وتشريفا وتعظيما وبرا ".
وقال الشافعي: أنبأنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، قال: حدثت عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ترفع الايدى في الصلاة وإذا رأى البيت، وعلى الصفا والمروة، وعشية عرفة وبجمع، وعند الجمرتين وعلى الميت ".
قال الحافظ البيهقى: وقد رواه محمد بن عبدالرحمن بن أبى ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، وعن نافع عن ابن عمر، مرة موقوفا عليهما ومرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر الميت.
قال: وابن أبى ليلى هذا غير قوى.
* * * ثم إنه عليه السلام دخل المسجد من باب بنى شيبة.
قال الحافظ البيهقى: روينا عن ابن جريج، عن عطاء بن أبى رباح، قال: يدخل
المحرم من حيث شاء.
قال: ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من باب بنى شيبة وخرج من باب بنى مخزوم إلى الصفا.
ثم قال البيهقى: وهذا مرسل جيد.
وقد استدل البيهقى على استحباب دخول المسجد من باب بنى شيبة، بما رواه من طريق أبى دواد الطيالسي، حدثنا حماد بن سلمة، وقيس بن سلام، كلهم عن سماك بن حرب
عن خالد بن عرعرة، عن على رضى الله عنه، قال، لما انهدم البيت بعد جرهم بنته قريش، فلما أرادوا وضع الحجر تشاجروا من يضعه، فاتفقوا أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب بنى شيبة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل فخذ أن يأخذوا بطائفة من الثوب، فرفعوه وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه.
وقد ذكرنا (1) هذا مبسوطا في باب بناء الكعبة قبل البعثة.
وفى الاستدلال على استحباب الدخول من باب بنى شيبة بهذا نظر.
والله أعلم.
__________
(1) تقدم ذلك في الجزء الاول.
(*)
صفة طوافه صلوات الله وسلامه عليه قال البخاري: حدثنا أصبغ بن الفرج، عن ابن وهب، أخبرني عمرو بن محمد، عن محمد بن عبدالرحمن، قال ذكرت لعروة قال: أخبرتني عائشة: أن أول شئ بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ ثم طاف ثم لم تكن عمرة، ثم حج أبو بكر وعمر مثله، ثم حججت مع أبى الزبير، فأول شئ بدأ به الطواف، ثم رأيت المهاجرين والانصار يفعلونه، وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة،
فلما مسحوا الركن حلوا.
هذا لفظه.
وقد رواه في موضع آخر عن أحمد بن عيسى، ومسلم، عن هارون بن سعيد، ثلاثتهم عن ابن وهب به.
وقولها: " ثم لم تكن عمرة " يدل على أنه عليه السلام لم يتحلل بين النسكين.
* * * ثم كان أول ما ابتدأ به عليه السلام استلام الحجر الاسود قبل الطواف، كما قال جابر: حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة، عن عمر، أنه جاء إلى الحجر فقبله وقال: إنى لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى وأبى بكر بن أبى شيبة وزهير بن حرب وابن أبى نمير، جميعا عن أبى معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة، قال: رأيت عمر يقبل الحجر ويقول: إنى لاعلم (1) أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
__________
(1) مسلم: إنى لاقبلك وأعلم.
(*)
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبيدة وأبو معاوية، قالا: حدثنا الاعمش، عن إبراهيم بن عابس بن ربيعة، قال: رأيت عمر أتى الحجر فقال: أما والله لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك.
ثم دنا فقبله.
فهذا السياق يقتضى أنه قال ما قال ثم قبله بعد ذلك، بخلاف سياق صاحبي الصحيح.
فالله أعلم.
وقال أحمد: حدثنا وكيع ويحيى واللفظ لوكيع، عن هشام، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب أتى الحجر فقال: إنى لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك.
وقال: ثم قبله.
وهذا منقطع بين عروة بن الزبير وبين عمر.
وقال البخاري أيضا: حدثنا سعيد بن أبى مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن أبى كثير، أخبرني زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب قال للركن: أما والله إنى لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك.
فاستلمه.
ثم قال: وما لنا والرمل، إنما كنا راءينا به المشركين ولقد أهلكهم الله.
ثم قال: شئ صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه.
وهذا يدل على أن الاستلام تأخر عن القول.
وقال البخاري: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا ورقاء، حدثنا زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال: لولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
وقال مسلم بن الحجاج: حدثنا حرملة، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، هو ابن
يزيد الايلى، وعمرو، وهو ابن دينار.
ح.
وحدثنا هارون بن سعيد الايلى، أنبأنا ابن وهب، أخبرني عمرو، عن ابن شهاب، عن سالم، أن أباه حدثه أنه قال: قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال: أما والله لقد علمت أنك حجر، ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
زاد هارون في روايته: قال عمرو: وحدثني بمثلها زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم - يعنى عن عمر - به.
وهذا صريح في أن التقبيل تقدم على القول.
فالله أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا عبدالله، عن نافع، عن ابن عمر أن عمر قبل الحجر ثم قال: قد علمت أنك حجر، ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك.
هكذا رواه الامام أحمد.
وقد أخرجه مسلم في صحيحه، عن محمد بن أبى بكر المقدمى، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر، قبل الحجر وقال: إنى لاقبلك وإنى لاعلم أنك حجر، ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك.
ثم قال مسلم: حدثنا خلف بن هشام والمقدمي وأبو كامل وقتيبة، كلهم عن حماد قال خلف: حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم الاحول، عن عبدالله بن سرجس، قال: رأيت الاصلع - يعنى عمر - يقبل الحجر ويقول: والله إنى لاقبلك وإنى لاعلم أنك حجر، وأنك لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
وفى رواية المقدمى وأبى كامل: رأيت الاصيلع.
وهذا من أفراد مسلم دون البخاري.
وقد رواه الامام أحمد عن أبى معاوية، عن عاصم الاحول، عن عبدالله بن سرجس به.
ورواه أحمد أيضا عن غندر، عن شعبة، عن عاصم الاحول به.
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا عبدالرحمن بن مهدى، عن سفيان، عن إبراهيم بن عبدالاعلى، عن سويد بن غفلة، قال: رأيت عمر يقبل الحجر ويقول: إنى لاعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولكني رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم بك حفيا.
ثم رواه أحمد عن وكيع، عن سفيان الثوري به.
وزاد: فقبله والتزمه.
وهكذا رواه مسلم من حديث عبدالرحمن بن مهدى بلا زيادة، ومن حديث وكيع بهذه الزيادة: قبل الحجر والتزمه وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن عمر بن الخطاب أكب على الركن وقال: إنى لاعلم أنك حجر، ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبلك واستلمك ما استلمتك ولا قبلتك " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ".
وهذا إسناد جيد قوى، ولم يخرجوه.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا جعفر بن عثمان القرشى ; من أهل مكة، قال: رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ثم قال: رأيت خالك ابن عباس قبله وسجد عليه، وقال ابن عباس: رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه.
ثم قال عمر: لو لم أر النبي صلى الله عليه وسلم قبله ما قبلته.
وهذا أيضا إسناد حسن، ولم يخرجه إلا النسائي، عن عمرو بن عثمان، عن
الوليد بن مسلم، عن حنظلة بن أبى سفيان، عن طاوس، عن ابن عباس، عن عمر فذكر نحوه.
وقد روى هذا الحديث عن عمر الامام أحمد أيضا من حديث يعلى بن أمية عنه، وأبو يعلى الموصلي في مسنده من طريق هشام بن حشيش بن الاشقر ; عن عمر.
وقد أوردنا ذلك كله بطرقه وألفاظه وعزوه وعلله في الكتاب الذى جمعناه في مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
ولله الحمد والمنة.
* * * وبالجملة فهذا الحديث مروى من طرق متعددة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
رضى الله عنه.
وهى تفيد القطع عند كثير من أئمة هذا الشأن.
وليس في هذه الرواية أنه عليه السلام سجد على الحجر، إلا ما أشعر به رواية أبى داود الطيالسي، عن جعفر بن عثمان، وليست صريحة في الرفع.
ولكن رواه الحافظ البيهقى من طريق أبى عاصم النبيل، حدثنا جعفر بن عبدالله، قال: رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ثم قال: رأيت خالك ابن عباس قبله وسجد عليه.
وقال ابن عباس: رأيت عمر قبله وسجد عليه.
ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا ففعلت.
قال الحافظ البيهقى: أنبأنا أبو الحسن على بن أحمد بن عبدان، أنبأنا الطبراني، أنبأنا أبوالزنباع، حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي، حدثنا يحيى بن يمان، حدثنا سفيان بن أبى حسين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد على الحجر.
قال الطبراني: لم يروه عن سفيان إلا يحيى بن يمان.
وقال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا حماد، عن الزبير بن عربي، قال: سأل رجل
ابن عمر عن استلام الحجر.
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله.
قال: أرأيت إن زحمت أرأيت إن غلبت ؟ قال: اجعل أرأيت باليمن (1) ! رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله.
وتفرد به دون مسلم.
وقال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر قال: ما تركت استلام هذين الركنين في شدة ولا رخاء منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما.
فقلت لنافع: أكان ابن عمر يمشى بين الركنين ؟ قال: إنما كان يمشى ليكون أيسر لاستلامه.
وروى أبو داود والنسائي من حديث يحيى بن سعيد القطان، عن عبد العزيز بن أبى رواد، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة ".
* * * وقال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا ليث، عن ابن شهاب، عن سالم ابن عبدالله، عن أبيه، قال: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى وقتيبة، عن الليث بن سعد به.
وفى رواية عنه أنه قال: ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين الشاميين إلا أنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم.
وقال البخاري: وقال محمد بن بكر، أنبأنا ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، عن أبى الشعثاء، أنه قال: ومن يتقى شيئا من البيت !
__________
(1) أي اتركها بعيدا عنك (*)
وكان معاوية يستلم الاركان فقال له ابن عباس: إنه لا يستلم هذان الركنان.
فقال له: ليس من البيت شئ مهجور.
وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن.
انفرد بروايته البخاري رحمه الله تعالى.
وقال مسلم في صحيحه: حدثنى أبو الطاهر، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن قتادة بن دعامة حدثه، أن أبا الطفيل البكري حدثه، أنه سمع ابن عباس يقول: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم غير الركنين اليمانيين انفرد به مسلم.
فالذي رواه ابن عمر موافق لما قاله ابن عباس، أنه لا يستلم الركنان الشاميان،
لانها لم يتمما على قواعد إبراهيم، لان قريشا قصرت بهم النفقة، فأخرجوا الحجر من البيت حين بنوه.
كما تقدم بيانه (1).
وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لو بناه فتممه على قواعد إبراهيم، ولكن خشى من حداثة عهد الناس بالجاهلية، فتنكره قلوبهم.
فلما كانت إمرة عبدالله بن الزبير هدم الكعبة وبناها على ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم كما أخبرته خالته أم المؤمنين عائشة بنت الصديق.
فإن كان ابن الزبير استلم الاركان كلها بعد بنائه إياها على قواعد إبراهيم فحسن جدا وهو والله المظنون به ! * * * وقال أبو داود: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن عبد العزيز بن أبى رواد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة ".
__________
(1) تقدم ذلك في الجزء الاول (*)
ورواه النسائي عن محمد بن المثنى عن يحيى.
وقال النسائي: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقى، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن جريج، عن يحيى بن عبيد، عن أبيه، عن عبدالله بن السائب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين الركن اليماني والحجر: " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (1) ".
ورواه أبو داود، عن مسدد، عن عيسى بن يونس، عن ابن جريج به.
وقال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة دخل
المسجد فاستلم الحجر، ثم مضى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا، ثم أتى المقام فقال: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (2) " فصلى ركعتين والمقام بينه وبين البيت، ثم أتى الحجر بعد الركعتين فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا، أظنه قال: " إن الصفا والمروة من شعائر الله ".
هذا حديث حسن صحيح.
والعمل على هذا عند أهل العلم.
وهكذا رواه إسحاق بن راهويه، عن يحيى بن آدم.
ورواه الطبراني عن النسائي وغيره، عن عبدالاعلى بن واصل، عن يحيى بن آدم به.
__________
(1) سورة البقرة 201 (2) سورة البقرة 125 (*)
ذكر رمله عليه الصلاة والسلام في طوافه واضطباعه قال البخاري: حدثنا أصبغ بن الفرج، أخبرني ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سالم عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة إذا استلم الركن الاسود أول ما يطوف يخب (1) ثلاثة أشواط من السبع.
ورواه مسلم عن أبى الطاهر بن السرح، وحرملة، كلاهما عن ابن وهب به.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن سلام، حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا فليح، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سعى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشواط ومشى أربعة في الحج والعمرة.
تابعه الليث: حدثنى كثير بن فرقد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
انفرد به البخاري.
وقد روى النسائي عن محمد وعبد الرحمن ابني عبدالله بن عبد الحكم، كلاهما عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن كثير بن فرقد، عن نافع، عن
ابن عمر به.
وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، حدثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن عبدالله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم، سعى ثلاثة أطواف ومشى أربعة ثم سجد سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة.
__________
(1) يخب: يسرع، وهو ضرب من الرمل.
(*)
ورواه مسلم من حديث موسى بن عقبة.
وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان إذا طاف بالبيت الطواف الاول يخب ثلاثة أطواف ويمشى أربعة، وأنه كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة ".
ورواه مسلم من حديث عبيد الله بن عمر.
وقال مسلم: أنبأنا عبدالله بن عمر بن أبان الجعفي، أنبأنا ابن المبارك، أنبأنا عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا.
ثم رواه من حديث سليم بن أخضر، عن عبيدالله بنحوه وقال مسلم أيضا: حدثنى أبو الطاهر، حدثنى عبدالله بن وهب، أخبرني مالك وابن جريج، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبدالله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رمل ثلاثة (1) أطواف من الحجر إلى الحجر.
وقال عمر بن الخطاب: فيم الرملان والكشف عن المناكب، وقد أطد الله الاسلام ونفى الكفر ؟ ومع ذلك لا نترك شيئا كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي، من حديث هشام بن سعيد، عن زيد
ابن أسلم، عن أبيه عنه * * * وهذا كله رد على ابن عباس ومن تابعه من أن الرمل ليس بسنة، لان رسول الله إنما فعله لما قدم هو وأصحابه صبيحة رابعة - يعنى في عمرة القضاء - وقال المشركون: إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب.
فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرملوا
__________
(1) مسلم: الثلاثة (*)
الاشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعهم أن يرملوا الاشواط كلها إلا الابقاء عليهم.
وهذا ثابت في الصحيحين، وتصريحه بعذر سببه في صحيح مسلم أظهر.
فكأن ابن عباس ينكر وقوع الرمل في حجة الوداع.
وقد صح بالنقل الثابت كما تقدم، بل فيه زيادة تكميل الرمل من الحجر إلى الحجر، ولم يمش مابين الركنين اليمانيين لزوال تلك العلة المشار إليها وهى الضعف.
وقد ورد في الحديث الصحيح عن ابن عباس، أنهم رملوا في عمرة الجعرانة واضطبعوا (1).
وهو رد عليه، فإن عمرة الجعرانة لم يبق في أيامها خوف، لانها بعد الفتح كما تقدم.
رواه حماد بن سلمة، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت واضطبعوا ووضعوا أرديتهم تحت آباطهم وعلى عواتقهم.
ورواه أبو داود من حديث حماد بنحوه، ومن حديث عبدالله بن خثيم، عن أبى الطفيل، عن ابن عباس به.
فأما الاضطباع في حجة الوداع فقد قال قبيصة والفريابي، عن سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن عبدالحميد بن جبير بن شيبة، عن يعلى بن أمية، عن أمية، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت مضطبعا.
رواه الترمذي من حديث الثوري، وقال: حسن صحيح.
__________
(1) الاضطباع: أن يدخل الرداء من تحت إبطه الايمن ويرد طرفه على يساره، ويبدى منكبه الايمن ويغطى الايسر، سمى به لابداء أحد الضبعين.
(*)
وقال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن يعلى، عن أبيه، قال: طاف رسول الله مضطبعا ببرد أخضر.
وهكذا رواه الامام أحمد، عن وكيع، عن الثوري، عن ابن جريج، عن ابن يعلى، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم طاف بالبيت وهو مضطبع ببرد له حضرمى.
وقال جابر في حديثه المتقدم: حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " فجعل المقام بينه وبين البيت.
فذكر أنه صلى ركعتين قرأ فيهما: " قل هو الله أحد ".
و " قل يا أيها الكافرون ".
* * * فإن قيل: فهل كان عليه السلام في هذا الطواف راكبا أو ماشيا ؟ فالجواب: أنه قد ورد نقلان، قد يظن أنهما متعارضان، ونحن نذكرهما ونشير إلى التوفيق بينهما ورفع اللبس عند من يتوهم فيهما تعارضا.
وبالله التوفيق وعليه الاستعانة وهو حسبنا ونعم الوكيل.
قال البخاري رحمه الله: حدثنا أحمد بن صالح ويحيى بن سليمان، قالا: حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبدالله، عن
ابن عباس، قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعيره في حجة الوداع يستلم الركن بمحجن (1).
وأخرجه بقية الجماعة، إلا الترمذي، من طرق عن ابن وهب.
قال البخاري: تابعه الدراوردى، عن ابن أخى الزهري، عن عمه.
وهذه المتابعة غريبة جدا.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا خالد الحذاء،
__________
(1) المحجن: العصا المعوجة.
(*)
عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير، كلما أتى الركن أشار إليه.
وقد رواه الترمذي من حديث عبد الوهاب بن عبدالمجيد الثقفى وعبد الوارث، كلاهما عن خالد بن مهران الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فإذا انتهى إلى الركن أشار إليه.
وقال: حسن صحيح.
ثم قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا خالد بن عبدالله، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير، فلما أتى الركن أشار إليه بشئ كان عنده وكبر.
تابعه إبراهيم بن طهمان، عن خالد الحذاء.
وقد أسند هذا التعليق هاهنا في كتاب الطواف، عن عبدالله بن محمد، عن أبى عامر، عن إبراهيم بن طهمان به.
وروى مسلم عن الحكم بن موسى، عن شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع حول
الكعبة على بعير يستلم الركن، كراهية أن يضرب عنه الناس.
فهذا إثبات أنه عليه السلام طاف في حجة الوداع على بعير، ولكن حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف: الاول طواف القدوم، والثانى طواف الافاضة وهو طواف الفرض وكان يوم النحر، والثالث طواف الوداع.
فلعل ركوبه صلى الله عليه وسلم كان في أحد الآخرين أو في كليهما، فأما الاول وهو طواف القدوم فكان ماشيا فيه.
وقد نص الشافعي على هذا كله.
والله أعلم وأحكم.
والدليل على ذلك ما قال الحافظ أبو بكر البيهقى في كتابه السنن الكبير: أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى، حدثنا الفضل ابن محمد بن المسيب، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا عيسى بن يونس، عن محمد بن إسحاق هو - ابن يسار رحمه الله - عن أبى جعفر، وهو محمد بن على بن الحسين، عن جابر بن عبدالله، قال: دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه بالبكاء، ثم رمل ثلاثا ومشى أربعا، حتى فرغ.
فلما فرغ قبل الحجر ووضع يده عليه ومسح بهما وجهه.
وهذا إسناد جيد.
* * * فأما ما رواه أبو داود: حدثنا مسدد، حدثنا خالد بن عبدالله، حدثنا يزيد بن أبى زياد، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكى، فطاف على راحلته فلما أتى على الركن استلمه بمحجن، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين.
تفرد به يزيد بن أبى زياد وهو ضعيف.
ثم لم يذكر أنه في حجة الوداع، ولا ذكر أنه في الطواف الاول من حجة الوداع.
ولم يذكر ابن عباس في الحديث الصحيح عنه عند مسلم، وكذا جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب في طوافه لضعفه، وإنما ذكرا كثرة الناس وغشيانهم له، وكان لا يحب أن يضربوا بين يديه.
كما سيأتي تقريره قريبا إن شاء الله.
ثم هذا التقبيل الثاني الذى ذكره ابن إسحاق [ في روايته ] (1) بعد الطواف وبعد ركعتيه أيضا، ثابت في صحيح مسلم من حديث جابر.
قال فيه، بعد ذكر صلاة ركعتي الطواف: ثم رجع إلى الركن فاستلمه.
وقد قال مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وابن نمير جميعا،
__________
(1) ليست في ا.
(*)
عن أبى خالد، قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد الاحمر، عن عبيدالله، عن نافع، قال: رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم قبل يده.
قال: وما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
فهذا يحتمل أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطوافات، أو في آخر استلام فعل مثل هذا.
لما ذكرنا أو أن ابن عمر لم يصل إلى الحجر لضعف كان به، أو لئلا يزاحم غيره فيحصل لغيره أذى به.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوالده، ما رواه أحمد في مسنده: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن أبى يعفور العبدى، قال: سمعت شيخا بمكة في إمارة الحجاج يحدث عن عمر بن الخطاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا عمر إنك رجل قوى، لا تزاحم على الحجر فتؤذى الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر.
وهذا إسناد جيد، لكن راويه عن عمر مبهم لم يسم.
والظاهر أنه ثقة جليل، فقد رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة، عن أبى يعفور
العبدى واسمه وقدان، سمعت رجلا من خزاعة حين قتل ابن الزبير وكان أميرا على مكة يقول: قال رسول الله لعمر: يا أبا حفص إنك رجل قوى، فلا تزاحم على الركن، فإنك تؤذى الضعيف، ولكن إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فكبر وامض.
قال سفيان بن عيينة: هو عبدالرحمن بن الحارث، كان الحجاج استعمله عليها منصرفه منها حين قتل ابن الزبير.
قلت: وقد كان عبدالرحمن هذا جليلا نبيلا كبير القدر، وكان أحد النفر الاربعة الذين ندبهم عثمان بن عفان في كتابة المصاحف التى نفذها إلى الآفاق ووقع على ما فعله الاجماع والاتفاق.
ذكر طوافه عليه السلام بين الصفا والمروة روى مسلم في صحيحه عن جابر، في حديثه الطويل المتقدم، بعد ذكره طوافه عليه السلام بالبيت سبعا وصلاته عند المقام ركعتين.
قال: ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: " إن الصفا والمروة من شعائر الله " أبدأ بما بدأ الله به.
فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير.
لا إله إلا الله أنجز وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده.
ثم دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مرات.
ثم نزل، حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة فرقى عليها حتى نظر إلى البيت فقال عليها كما قال على الصفا.
وقال الامام أحمد: حدثنا عمر بن هارون البلخى، أبو حفص، حدثنا ابن جريج، عن بعض بنى يعلى بن أمية، عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
مضطبعا بين الصفا والمروة ببرد له نجرانى.
وقال الامام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا عبدالله بن المؤمل، عن عمر بن عبد الرحمن، حدثنا عطية، عن حبيبة بنت أبى نجراة (1) قالت: دخلت دار حصين في نسوة من قريش والنبى صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة، قالت: وهو يسعى يدور به إزاره من شدة السعي وهو يقول لاصحابه.
" اسعوا إن الله كتب عليكم السعي ".
__________
(1) الاصل غير منقوطة.
وما أثبته عن هامش المشتبه للذهبي 1 / 112 (*)
وقال أحمد أيضا: حدثنا شريح، حدثنا عبدالله بن المؤمل، حدثنا عطاء بن أبى رباح، عن صفية بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبى تجراة قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم، وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره وهو يقول: " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي.
تفرد به أحمد.
وقد رواه أحمد أيضا عن عبد الرزاق، عن معمر، عن واصل مولى أبى عيينة، عن موسى بن عبيدة، عن صفية بنت شيبة، أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة يقول: " كتب عليكم السعي فاسعوا ".
وهذه المرأة هي حبيبة بنت أبى تجراة المصرح بذكرها في الاسنادين الاولين.
وعن أم ولد شيبة بن عثمان، أنها أبصرت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول: " لا يقطع الابطح إلا شدا ".
رواه النسائي، والمراد بالسعي هاهنا هو الذهاب من الصفا إلى المروة ومنها إليها، وليس المراد بالسعي هاهنا الهرولة والاسراع، فإن الله لم يكتبه علينا حتما، بل لو مشى
الانسان على هيئته في السبع الطوافات بينهما ولم يرمل في المسيل، أجزأه ذلك عند جماعة العلماء لا نعرف بينهم اختلافا في ذلك.
وقد نقله الترمذي رحمه الله عن أهل العلم.
ثم قال: حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا ابن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن كثير بن جهمان، قال: رأيت ابن عمر يمشى في المسعى فقلت: أتمشى في السعي بين الصفا والمروة ؟ فقال: لئن سعيت فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى، ولئن مشيت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى، وأنا شيخ كبير.
ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس نحو هذا.
وقد رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عطاء بن السائب، عن كثير بن جهمان السلمى الكوفى، عن ابن عمر.
فقول ابن عمر: إنه شاهد الحالين منه صلى الله عليه وسلم يحتمل شيئين: أحدهما: أنه رآه يسعى في وقت ماشيا لم يمزجه برمل فيه بالكلية.
والثانى: أنه رآه يسعى في بعض الطريق ويمشى في بعضه.
وهذا له قوة، لانه قد روى البخاري ومسلم من حديث عبيدالله بن عمر العمرى، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة.
وتقدم في حديث جابر أنه عليه السلام: نزل من الصفا فلما انصبت قدماه في الوادي رمل، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة.
وهذا هو الذى تستحبه العلماء قاطبة، أن الساعي بين الصفا والمروة - وتقدم في حديث جابر - يستحب له أن يرمل في بطن الوادي في كل طوفة في بطن المسيل الذى
بينهما، وحددوا ذلك بما بين الاميال الخضر، فواحد مفرد من ناحية الصفا مما يلى المسجد، واثنان مجتمعان من ناحية المروة مما يلى المسجد أيضا.
وقال بعض العلماء: ما بين هذه الاميال اليوم أوسع من بطن المسيل الذى رمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالله أعلم.
* * * وأما قول محمد بن حزم في الكتاب الذى جمعه في حجة الوداع: ثم خرج عليه السلام إلى الصفا فقرأ: " إن الصفا والمروة من شعائر الله " أبدأ بما بدأ الله به، فطاف
بين الصفا والمروة أيضا سبعا راكبا على بعير يخب ثلاثا ويمشى أربعا.
فإنه لم يتابع على هذا القول ولم يتفوه به أحد قبله، من أنه عليه السلام خب ثلاثة أشواط بين الصفا والمروة ومشى أربعا.
ثم مع هذا الغلط الفاحش لم يذكر عليه دليلا بالكلية، بل لما انتهى إلى موضع الاستدلال عليه قال: ولم نجد عدد الرمل بين الصفا والمروة منصوصا، ولكنه متفق عليه.
هذا لفظه.
فإن أراد بأن الرمل في الثلاث الطوفات الاول، على ما ذكر، متفق عليه، فليس بصحيح، بل لم يقله أحد.
وإن أراد أن الرمل في الثلاث الاول في الجملة متفق عليه، فلا يجدى له شيئا ولا يحصل له مقصودا، فإنهم كما اتفقوا على الرمل في الثلاث الاول في بعضها، على ما ذكرناه، كذلك اتفقوا على استحبابه في الاربع الاخر أيضا.
فتخصيص ابن حزم الثلاث الاول باستحباب الرمل فيها مخالف لما ذكره العلماء.
والله أعلم.
وأما قول ابن حزم إنه عليه السلام كان راكبا بين الصفا والمروة، فقد تقدم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى بطن المسيل.
أخرجاه.
وللترمذي عنه: إن أسعى فقد رأيت رسول الله يسعى، وإن مشيت فقد رأيت رسول الله يمشى.
وقال جابر: فلما انصبت قدماه في الوادي رمل، حتى إذا صعد مشى.
رواه مسلم.
وقالت حبيبة بنت أبى تجراة: يسعى يدور به إزاره من شدة السعي.
رواه أحمد.
وفى صحيح مسلم عن جابر كما تقدم أنه رقى على الصفا حتى رأى البيت.
وكذلك على المروة.
وقد قدمنا من حديث محمد بن إسحاق، عن أبى جعفر الباقر، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بعيره على باب المسجد، يعنى حتى طاف، ثم لم يذكر أنه ركبه حال ما خرج إلى الصفا.
وهذا كله مما يقتضى أنه عليه السلام سعى بين الصفا والمروة ماشيا.
ولكن قال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا محمد - يعنى ابن بكر - أخبرنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبدالله يقول: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة على بعير، ليراه الناس وليشرف وليسألوه، فإن الناس غشوه ولم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا.
ورواه مسلم أيضا، عن أبى بكر بن أبى شيبة، عن على بن مسهر، وعن على بن خشرم، عن عيسى بن يونس، وعن محمد بن حاتم، عن يحيى بن سعيد، كلهم عن ابن
جريج به.
وليس في بعضها: وبين الصفا والمروة.
وقد رواه أبو داود، عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن سعيد القطان، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبدالله يقول: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة.
ورواه النسائي عن الفلاس عن يحيى، وعن عمران بن يزيد، عن سعيد بن إسحاق، كلاهما عن ابن جريج به.
* * *
فهذا محفوظ من حديث ابن جريج.
وهو مشكل جدا، لان بقية الروايات عن جابر وغيره تدل على أنه عليه السلام كان ماشيا بين الصفا والمروة.
وقد تكون رواية أبى الزبير عن جابر لهذه الزيادة وهى قوله: وبين الصفا والمروة مقحمة أو مدرجة ممن بعد الصحابي.
والله أعلم.
أو أنه عليه السلام طاف بين الصفا والمروة بعض الطوفان على قدميه، وشوهد منه ما ذكر، فلما ازدحم الناس عليه وكثروا ركب، كما يدل عليه حديث ابن عباس الآتى قريبا.
وقد سلم ابن حزم أن طوافه الاول بالبيت كان ماشيا، وحمل ركوبه في الطواف على ما بعد ذلك.
وادعى أنه كان راكبا في السعي بين الصفا والمروة قال: لانه لم يطف بينهما إلا مرة واحدة، ثم تأول قول جابر: حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل.
بأنه يصدق ذلك وإن كان راكبا، فإنه إذا انصب بعيره فقد انصب كله وانصبت قدماه مع سائر جسده.
قال: وكذلك ذكر الرمل يعنى به رمل الدابة براكبها.
وهذا التأويل بعيد جدا.
والله أعلم.
وقال أبو داود: حدثنا أبو سلمة موسى، حدثنا حماد، أنبأنا أبو عاصم الغنوى،
عن أبى الطفيل، قال: قلت لابن عباس: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت وأن ذلك من سنته (1).
قال: صدقوا وكذبوا.
فقلت: ما صدقوا وما كذبوا ؟ قال: صدقوا، رمل رسول الله، وكذبوا ليس بسنة، إن قريشا قالت زمن الحديبية: دعوا محمدا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف (2)، فلما صالحوه على أن يحجوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قعيقعان، فقال رسول الله لاصحابه: ارملوا بالبيت ثلاثا.
وليس بسنة.
__________
(1) ا: وأن ذلك سنة.
(2) النغف: الدود وهو يضرب للمستحقن.
(*)
قلت: يزعم قومك أن رسول الله طاف بين الصفا والمروة على بعير، وأن ذلك سنة.
قال: صدقوا وكذبوا قلت: ما صدقوا وكذبوا ؟ قال: صدقوا، قد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على بعير، وكذبوا ليست بسنة، كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصرفون عنه، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه وليروا مكانه ولا تناله أيديهم.
هكذا رواه أبو داود.
وقد رواه مسلم عن أبى كامل، عن عبد الواحد بن زياد، عن الجريرى، عن أبى الطفيل، عن ابن عباس، فذكر فضل الطواف بالبيت كنحو ما تقدم ثم قال: قلت لابن عباس أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا، أسنة هو ؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة.
قال: صدقوا وكذبوا.
قلت: فما قولك صدقوا وكذبوا ؟ قال: إن رسول الله كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت، وكان رسول الله لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثر عليه الناس ركب قال ابن عباس: والمشى والسعى أفضل.
هذا لفظ مسلم.
وهو يقتضى أنه إنما ركب في أثناء الحال.
وبه يحصل الجمع بين الاحاديث
والله أعلم.
* * * وأما ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال: حدثنا محمد بن رافع، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا زهير، عن عبدالملك بن سعيد، عن أبى الطفيل، قال: قلت لابن عباس: أرانى قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فصفه لى.
قلت: رأيته عند المروة على ناقة وقد كثر الناس عليه.
فقال ابن عباس: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنهم كانوا لا يضربون عنه ولا يكرهون.
فقد تفرد به مسلم، وليس فيه دلالة على أنه عليه السلام سعى بين الصفا والمروة راكبا، إذ لم يقيد ذلك بحجة الوداع ولا غيرها.
وبتقدير أن يكون ذلك في حجة الوداع فمن الجائز أنه عليه السلام بعد فراغه من السعي وجلوسه على المروة وخطبته الناس وأمره إياهم من لم يسق الهدى منهم أن يفسخ الحج إلى العمرة، فحل الناس كلهم إلا من ساق الهدى، كما تقدم في حديث جابر.
ثم بعد هذا كله أتى بناقته فركبها وسار إلى منزله بالابطح، كما سنذكره قريبا، وحينئذ رآه أبو الطفيل عامر بن واثلة البكري، وهو معدود في صغار الصحابة.
قلت: قد ذهب طائفة من العراقيين كأبى حنيفة وأصحابه والثوري إلى أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين، وهو مروى عن على وابن مسعود ومجاهد والشعبى.
ولهم أن يحتجوا بحديث جابر الطويل، ودلالته على أنه سعى بين الصفا والمروة ماشيا، وحديثه هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بينهما راكبا على تعداد الطواف بينهما مرة ماشيا ومرة راكبا.
وقد روى سعيد بن منصور في سننه عن على رضى الله عنه، أنه أهل بحجة وعمرة، فلما قدم مكة طاف بالبيت وبالصفا والمروة لعمرته، ثم عاد فطاف بالبيت وبالصفا والمروة
لحجته، ثم أقام حراما إلى يوم النحر.
هذا لفظه.
ورواه أبو ذر الهروي في مناسكه عن على، أنه جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل.
وكذلك رواه البيهقى والدارقطني والنسائي في خصائص على.
فقال البيهقى في سننه: أنبأنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأنا على بن عمير الحافظ، أنبأنا أبو محمد بن صاعد، حدثنا محمد بن زنبور، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن مالك
ابن الحارث، أو منصور عن مالك بن الحارث، عن أبى نصر، قال: لقيت عليا وقد أهللت بالحج وأهل هو بالحج والعمرة، فقلت: هل أستطيع أن أفعل كما فعلت ؟ قال: ذلك لو كنت بدأت بالعمرة.
قلت: كيف أفعل إذا أردت ذلك ؟ قال: تأخذ إداوة من ماء فتفيضها عليك، ثم تهل بهما جميعا ثم تطوف لهما طوافين وتسعى لهما سعيين ولا يحل لك حرام دون يوم النحر.
قال منصور: فذكرت ذلك لمجاهد قال: ما كنا نبنى إلا بطواف واحد، فأما الآن فلا نفعل.
قال الحافظ البيهقى: وقد رواه سفيان بن عيينة وسفيان الثوري وشعبة عن منصور، فلم يذكر فيه السعي.
قال: وأبو نصر هذا مجهول.
وإن صح فيحتمل أنه أراد طواف القدوم وطواف الزيارة.
قال: وقد روى بأسانيد أخر عن على مرفوعا وموقوفا، ومدارها على الحسن بن عمارة وحفص بن أبى داود وعيسى بن عبدالله وحماد بن عبدالرحمن، وكلهم ضعيف لا يحتج بشئ مما رووه في ذلك.
والله أعلم.
* * *
قلت: والمنقول في الاحاديث الصحاح خلاف ذلك (1).
فقد قدمنا عن ابن عمر في صحيح البخاري أنه أهل بعمرة وأدخل عليها الحج، فصار قارنا، وطاف لهما طوافا واحدا بين الحج والعمرة.
وقال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى الترمذي وابن ماجه والبيهقي من حديث الدراوردى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جمع بين الحج والعمرة طاف لهما طوافا واحدا وسعى لهما سعيا واحدا ".
__________
(1) ا: خلافه.
(*)
قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب.
قلت: إسناده على شرط مسلم.
وهكذا جرى لعائشة أم المؤمنين، فإنها كانت ممن أهل بعمرة لعدم سوق الهدى معها، فلما حاضت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتهل بحج مع عمرتها، فصارت قارنة، فلما رجعوا من منى طلبت أن يعمرها من بعد الحج، فأعمرها تطييبا لقلبها، كما جاء مصرحا به في الحديث.
وقد قال الامام أبو عبد الله الشافعي: أنبأنا مسلم - هو ابن خالد - الزنجي، عن ابن جريج، عن عطاء أن رسول الله قال لعائشة: طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك.
وهذا ظاهره الارسال، وهو مسند في المعنى، بدليل ما قال الشافعي أيضا: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبى نجيح، عن عطاء، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشافعي: وربما قال سفيان: عن عطاء، عن عائشة وربما قال: عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة.
فذكره.
قال الحافظ البيهقى: ورواه ابن أبى عمر، عن سفيان بن عيينة موصولا.
وقد رواه مسلم من حديث وهيب، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن عائشة بمثله.
وروى مسلم من حديث ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرا يقول: دخل رسول الله على عائشة وهى تبكى، فقال: مالك تبكين ؟ قالت: أبكى أن الناس حلوا ولم أحل وطافوا بالبيت ولم أطف، وهذا الحج قد حضر.
قال: إن هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي وأهلي بحج.
قالت: ففعلت ذلك، فلما طهرت قال: " طوفى بالبيت وبين الصفا والمرة ثم قد حللت من حجك
وعمرتك " قالت: يا رسول الله إنى أجد في نفسي من عمرتي أنى لم أكن طفت حتى حججت قال: " اذهب بها يا عبدالرحمن فأعمرها من التنعيم ".
وله من حديث ابن جريج أيضا: أخبرني أبو الزبير، سمعت جابرا قال: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا.
وعند أصحاب أبى حنيفة رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ساقوا الهدى كانوا قد قرنوا بين الحج والعمرة، كما دل عليه الاحاديث المتقدمة.
والله أعلم.
وقال الشافعي: أنبأنا إبراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن على، قال في القارن: يطوف طوافين ويسعى سعيا.
قال الشافعي: وقال بعض الناس: طوافان وسعيان.
واحتج فيه برواية ضعيفة عن على، قال جعفر: يروى عن على قولنا، ورويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبدالله، ومحمد بن رافع، قالا: حدثنا أبو عاصم، عن معروف - يعنى ابن خربوذ المكى - حدثنا أبو الطفيل، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجن ثم يقبله.
زاد محمد بن رافع: ثم خرج إلى الصفا والمروة فطاف سبعا على راحلته.
وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث أبى داود الطيالسي، عن معروف بن خربوذ به.
بدون الزيادة التى ذكرها محمد بن رافع.
وكذلك رواه عبيد الله بن موسى عن معروف بدونها.
ورواه الحافظ البيهقى عن أبى سعيد بن أبى عمرو، عن الاصم، عن يحيى بن أبى طالب، عن يزيد بن أبى حكيم، عن يزيد بن مالك، عن أبى الطفيل بدونها.
فالله أعلم.
وقال الحافظ البيهقى: أنبأنا أبو بكر بن الحسن وأبو زكريا بن أبى إسحاق، قالا:
حدثنا أبو جعفر محمد بن على بن دحيم، حدثنا أحمد بن حازم، أنبأنا عبيد الله بن موسى وجعفر بن عون، قالا: أنبأنا أيمن بن نابل، عن قدامة بن عبدالله بن عمار قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا والمروة على بعير لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك.
وقال البيهقى: كذا قالا.
وقد رواه جماعة غير أيمن فقالوا: يرمى الجمرة يوم النحر.
قال: ويحتمل أن يكونا صحيحين.
قلت: رواه الامام أحمد في مسنده، عن وكيع وقران بن تمام، وأبى قرة موسى ابن طارف قاضى أهل اليمن، وأبى أحمد محمد بن عبدالله الزبيري ومعتمر بن سليمان، عن أيمن بن نابل الحبشى أبى عمران المكى نزيل عسقلان مولى أبى بكر الصديق، وهو ثقة جليل من رجال البخاري، عن قدامة بن عبدالله بن عمار الكلابي، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمى الجمرة يوم النحر من بطن الوادي على ناقة صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك.
وهكذا رواه الترمذي، عن أحمد بن منيع، عن مروان بن معاوية.
وأخرجه النسائي عن إسحاق بن راهويه.
وابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة، كلاهما عن
وكيع، كلاهما عن أيمن بن نابل، عن قدامة.
كما رواه الامام أحمد.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
فصل قال جابر في حديثه: حتى إذا كان آخر طوافه عند المروة قال: " إنى لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق الهدى ".
رواه مسلم.
ففيه دلالة على من ذهب إلى أن السعي بين الصفا والمروة أربعة عشر، كل ذهاب وإياب يحسب مرة.
قاله جماعة من أكابر الشافعية.
وهذا الحديث رد عليهم، لان آخر الطواف عن قولهم يكون عند الصفا لا عند المروة.
ولهذا قال أحمد في روايته في حديث جابر: فلما كان السابع عند المروة قال: " أيها الناس إنى لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة، فمن لم يكن معه هدى فليحل وليجعلها عمرة " فحل الناس كلهم.
وقال مسلم: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى.
فصل روى أمره عليه السلام لمن لم يسق الهدى بفسخ الحج إلى العمرة خلق من الصحابة يطول ذكرنا لهم هاهنا، وموضع سرد ذلك كتاب الاحكام الكبير.
إن شاء الله.
وقد اختلف العلماء في ذلك فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: كان ذلك من خصائص الصحابة، ثم نسخ جواز الفسخ لغيرهم.
وتمسكوا بقول أبى ذر رضى الله عنه:
لم يكن فسخ الحج إلى العمرة إلا لاصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
رواه مسلم.
وأما الامام أحمد فرد ذلك، وقال: قد رواه أحد عشر صحابيا، فأين تقع هذه الرواية من ذلك ؟ وذهب رحمه الله إلى جواز الفسخ لغير الصحابة.
وقال ابن عباس رضى الله عنهما بوجوب الفسخ على كل من لم يسق الهدى، بل عنده أنه يحل شرعا إذا طاف بالبيت، ولم يكن ساق هديا صار حلالا بمجرد ذلك، وليس عنه النسك إلا القران لمن ساق الهدى أو التمتع لمن لم يسق.
فالله أعلم.
قال البخاري: حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن عبدالملك بن جريج، عن عطاء، عن جابر.
وعن طاوس عن ابن عباس، قالا: قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبح رابعة من ذى الحجة يهلون بالحج لا يخلطه شئ، فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة وأن نحل إلى نسائنا، ففشت في ذلك (2) المقالة.
قال عطاء: قال جابر: فيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا ! قال جابر - بكفه - فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلغني أن قوما يقولون كذا وكذا.
والله لانا أبر وأتقى لله منهم، ولو أنى استقبلت من أمرى ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معى الهدى لاحللت.
فقام سراقة بن جعشم فقال: يا رسول الله هي لنا أو للابد ؟ فقال: بل للابد.
وقال مسلم: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، هو ابن سعد، عن أبى الزبير، عن جابر، أنه قال: أقبلنا مهلين مع رسول الله بحج مفرد، وأقبلت عائشة بعمرة، حتى إذا كنا بسرف عركت (1) حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة والصفا والمروة، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدى.
قال: فقلنا: حل ماذا ؟ قال: الحل كله فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب ولبسنا ثيابا وليس بيننا وبين
عرفة إلا أربع ليال.
* * *
__________
(1) غير ا: ففشت تلك.
(2) عركت: حاضت.
(*)
فهذان الحديثان فيهما التصريح بأنه عليه السلام قدم مكة عام حجة الوداع لصبح رابعة ذى الحجة، وذلك يوم الاحد حين ارتفع النهار وقت الضحى لان أول ذى الحجة تلك السنة كان يوم الخميس بلا خلاف، لان يوم عرفة منه كان يوم الجمعة بنص حديث عمر بن الخطاب الثابت في الصحيحين.
كما سيأتي فلما قدم عليه السلام يوم الاحد رابع الشهر، بدأ كما ذكرنا بالطواف بالبيت ثم بالسعي بين الصفا والمروة، فلما انتهى طوافه بينهما عند المروة أمر من لم يكن معه هدى أن يحل من إحرامه حتما، فوجب ذلك عليهم لا محالة ففعلوه وبعضهم متأسف لاجل أنه عليه السلام لم يحل من إحرامه لاجل سوقه الهدى، وكانوا يحبون موافقته عليه السلام والتأسى به، فلما رأى ما عندهم من ذلك قال لهم: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدى ولجعلتها عمرة.
أي لو أعلم أن هذا يشق عليكم لكنت تركت سوق الهدى حتى أحل كما أحللتم.
ومن هاهنا تتضح الدلالة على أفضلية التمتع، كما ذهب إليه الامام أحمد، أخذا من هذا، فإنه قال: لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارنا، ولكن التمتع أفضل لتأسفه عليه.
وجوابه: أنه عليه السلام لم يتأسف على التمتع لكونه أفضل من القران في حق من ساق الهدى، وإنما تأسف عليه لئلا يشق على أصحابه في بقائه على إحرامه وأمره لهم بالاحلال.
ولهذا - والله أعلم - لما تأمل الامام أحمد هذا السر نص في رواية أخرى عنه على أن التمتع أفضل في حق من لم يسق الهدى، لامره عليه السلام من لم يسق الهدى من أصحابه بالتمتع، وأن القران أفضل في حق من ساق الهدى، كما اختار الله
عزوجل لنبيه صلوات الله وسلامه عليه في حجة الوداع وأمره له بذلك كما تقدم.
والله أعلم.
فصل ثم سار صلوات الله وسلامه عليه بعد فراغه من طوافه بين الصفا والمروة وأمره بالفسخ لمن لم يسق الهدى، والناس معه حتى نزل بالابطح شرقي مكة فأقام هنالك بقية يوم الاحد ويوم الاثنين والثلاثاء والاربعاء حتى صلى الصبح من يوم الخميس، كل ذلك يصلى بأصحابه هنالك ولم يعد إلى الكعبة من تلك الايام كلها.
قال البخاري: باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة ويرجع بعد الطواف الاول: حدثنا محمد بن أبى بكر، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، قال أخبرني كريب، عن عبدالله بن عباس، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة فطاف سبعا وسعى بين الصفا والمروة، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة.
انفرد به البخاري.
فصل وقدم - في هذا الوقت ورسول الله صلى الله عليه وسلم منيخ بالبطحاء خارج مكة - على من اليمن.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعثه - كما قدمنا - إلى اليمن أميرا بعد خالد بن الوليد رضى الله عنهما.
فلما قدم وجد زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حلت، كما حل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين لم يسوقوا الهدى، واكتحلت ولبست ثيابا صبيغا فقال: من أمرك بهذا ؟ قالت: أبى.
فذهب محرشا عليها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنها حلت ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، وزعمت أنك أمرتها بذلك يا رسول الله.
فقال: صدقت صدقت صدقت.
ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم أهللت حين أوجبت الحج ؟ قال: بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: فإن معى الهدى فلا تحل.
فكان جماعة الهدى الذى جاء به على من اليمن والذى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة واشتراه في الطريق مائة من الابل، واشتركا في الهدى جميعا.
وقد تقدم هذا كله في صحيح مسلم رحمه الله.
وهذا التقرير يرد الرواية التى ذكرها الحافظ أبو القاسم الطبراني رحمه الله من حديث عكرمة، عن ابن عباس، أن عليا تلقى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجحفة.
والله أعلم.
وكان أبو موسى في جملة من قدم مع على، ولكنه لم يسق هديا، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحل بعد ما طاف للعمرة وسعى، ففسخ حجه إلى العمرة وصار متمتعا، فكان يفتى بذلك في أثناء خلافة عمر بن الخطاب.
فلما رأى عمر بن الخطاب أن يفرد الحج عن العمرة ترك فتياه مهابة لامير المؤمنين عمر رضى الله عنه وأرضاه.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان، عن عون بن أبى جحيفة، عن أبيه، قال: رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وهاهنا وإصبعاه في أذنيه.
قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له حمراء أراها من أدم.
قال: فخرج بلال
بين يديه بالعنزة (1) فركزها فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الرزاق: وسمعته بمكة قال: بالبطحاء يمر بين يديه الكلب والمرأة والحمار وعليه حلة حمراء، كأنى أنظر إلى بريق ساقيه.
قال: سفيان نراها حبرة.
وقال أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن عون بن أبى جحيفة، عن أبيه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالابطح وهو في قبة له حمراء، فخرج بلال بفضل وضوئه، فمن ناضح ونائل.
قال: فأذن بلال، فكنت أتتبع فاه هكذا وهكذا - يعنى يمينا وشمالا - قال: ثم ركزت له عنزة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه جبة له حمراء أو حلة حمراء، وكأني أنظر إلى بريق ساقيه، فصلى بنا إلى عنزة الظهر أو العصر ركعتين، تمر المرأة والكلب والحمار لا يمنع، ثم لم يزل يصلى ركعتين حتى أتى المدينة.
وقال مرة: فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري.
وقال أحمد أيضا: حدثنا محمد بن جعفر ; حدثنا شعبة وحجاج، عن الحكم، سمعت أبا جحيفة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ وصلى الظهر ركعتين وبين يديه عنزة.
وزاد فيه عون عن أبيه، عن أبى جحيفة: وكان يمر من ورائنا الحمار والمرأة.
قال حجاج في الحديث: ثم قام الناس فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم قال: فأخذت يده فوضعتها على وجهى فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك.
وقد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث شعبة بتمامه.
__________
(1) العنزة: رميح بين العصا والرمح فيه زج.
(*)
فصل فأقام عليه السلام بالابطح - كما قدمنا - يوم الاحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الاربعاء.
وقد حل الناس إلا من ساق الهدى.
وقدم في هذه الايام على بن أبى طالب من اليمن بمن معه من المسلمين وما معه من الاموال، ولم يعد عليه السلام إلى الكعبة بعد ما طاف بها.
فلما أصبح عليه السلام يوم الخميس صلى بالابطح الصبح من يومئذ، وهو يوم التروية، ويقال له يوم منى لانه يسار فيه إليها.
وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب قبل هذا اليوم، ويقال للذى قبله فيما رأيته في بعض التعاليق يوم الزينة، لانه يزين فيه البدن بالجلال (1) ونحوها فالله أعلم.
قال الحافظ البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أحمد بن محمد بن جعفر الجلودى، حدثنا محمد بن إسماعيل بن مهران، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا أبو قرة، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم التروية خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم.
فركب عليه السلام قاصدا إلى منى قبل الزوال، وقيل بعده، وأحرم الذين كانوا قد حلوا بالحج من الابطح حين توجهوا إلى منى، وانبعثت رواحلهم نحوها.
قال عبدالملك، عن عطاء، عن جابر بن عبدالله، قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحللنا، حتى كان يوم التروية وجعلنا مكة منا بظهر، لبينا بالحج.
ذكره البخاري تعليقا مجزوما.
__________
(1) الجلال: جمع جل، وهو ما تلبسه الدابة لتصان به.
(*)
وقال مسلم: حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير عن جابر، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى.
قال: وأهللنا من الابطح.
وقال عبيد بن جريج لابن عمر: رأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى يوم التروية ؟ فقال: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته.
رواه البخاري في جملة حديث طويل (1).
قال البخاري: وسئل عطاء عن المجاور منى يلبى بالحج.
فقال: كان ابن عمر يلبى يوم التروية إذا صلى الظهر واستوى على راحلته.
قلت: هكذا كان ابن عمر يصنع إذا حج معتمرا، يحل من العمرة، فإذا كان يوم التروية لا يلبى حتى تنبعث به راحلته متوجها إلى منى، كما أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذى الحليفة بعد ما صلى الظهر وانبعثت به راحلته.
لكن يوم التروية لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالابطح، وإنما صلاها يومئذ بمنى، وهذا مما لا نزاع فيه.
* * * قال البخاري: باب أين يصلى الظهر يوم التروية.
حدثنا عبدالله بن محمد، حدثنا إسحاق الازرق، حدثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، قال: سألت أنس بن مالك قال: قلت: أخبرني بشئ عقلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أين صلى الظهر والعصر يوم التروية ؟ قال: بمنى.
قلت: فأين صلى العصر يوم النفر ؟ قال: بالابطح.
ثم قال: افعل كما يفعل أمراؤك !
__________
(1) الحديث بطوله في صحيح البخاري في كتاب اللباس: باب النعال السبتية ؟ وغيرها.
4 / 25 ط الاميرية (*)
وقد أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق، عن إسحاق بن يوسف الازرق، عن سفيان الثوري به.
وكذلك رواه الامام أحمد عن إسحاق بن يوسف الازرق به.
وقال الترمذي: حسن صحيح يستغرب من حديث الازرق، عن الثوري.
ثم قال البخاري: أنبأنا على، سمع أبا بكر بن عياش، حدثنا عبد العزيز بن رفيع، قال: لقيت أنس بن مالك.
وحدثني إسماعيل بن أبان، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد العزيز، قال: خرجت إلى منى يوم التروية فلقيت أنسا ذاهبا على حمار، فقلت: أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا اليوم الظهر ؟ فقال: انظر حيث يصلى أمراؤك فصل.
وقال أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو كدينة، عن الاعمش، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خمس صلوات بمنى.
وقال أحمد أيضا: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو محياة يحيى بن يعلى التيمى، عن الاعمش، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس ] (1)، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم التروية بمنى وصلى الغداة يوم عرفة بها.
وقد رواه أبو داود عن زهير بن حرب، عن أحوص، عن جواب، عن عمار بن رزيق، عن سليمان بن مهران الاعمش به.
ولفظه: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى.
وأخرجه الترمذي عن الاشج، عن عبدالله بن الاجلح، عن الاعمش بمعناه.
وقال: ليس هذا مما عده شعبة فيما سمعه الحكم عن مقسم.
وقال الترمذي: حدثنا أبو سعيد الاشج، حدثنا عبدالله بن الاجلح، عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: صلى بنا رسول الله بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم غدا إلى عرفات.
ثم قال: وإسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه.
__________
(1) سقط من ا.
(*)
وفى الباب عن عبدالله بن الزبير وأنس بن مالك.
وقال الامام أحمد: حدثنا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه راح إلى منى يوم التروية وإلى جانبه بلال بيده عود عليه ثوب يظلل به رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعنى من الحر -.
تفرد به أحمد.
وقد نص الشافعي على أنه عليه السلام ركب من الابطح إلى منى بعد الزوال، ولكنه إنما صلى الظهر بمنى، فقد يستدل له بهذا الحديث.
والله أعلم.
* * * وتقدم في حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، قال: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة له من شعر فضربت له بنمرة.
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس.
وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شئ من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمى، ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، وكان مسترضعا في بنى سعد فقتلته هذيل.
وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع
كله، واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدى إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها على الناس: اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد.
ثلاث مرات.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي: أنبأنا على بن حجر، عن مغيرة، عن موسى بن زياد بن حذيم بن عمرو السعدى، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع: " اعلموا أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا كحرمة شهركم هذا كحرمة بلدكم هذا.
وقال أبو داود: باب الخطبة على المنبر بعرفة: حدثنا هناد، عن ابن أبى زائدة، حدثنا سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن رجل من بنى ضمرة، عن أبيه أو عمه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر بعرفة.
وهذا الاسناد ضعيف، لان فيه رجلا مبهما.
ثم تقدم في حديث جابر الطويل أنه عليه السلام خطب على ناقته القصواء.
ثم قال أبو داود: حدثنا مسدد، حدثنا عبدالله بن داود، عن سلمة بن نبيط، عن رجل من الحى، عن أبيه نبيط، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفة على بعير أحمر يخطب.
وهذا فيه مبهم أيضا، ولكن حديث جابر شاهد له.
ثم قال أبو داود: حدثنا هناد بن السرى وعثمان بن أبى شيبة، قالا: حدثنا وكيع، عن عبدالمجيد بن أبى عمرو، قال: حدثنى العداء بن خالد بن هوذة.
وقال هناد: عن
عبدالمجيد، حدثنى خالد بن العداء بن هوذة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائما في الركابين.
قال أبو داود: رواه ابن العلاء عن وكيع كما قال هناد.
وحدثنا عباس بن عبد العظيم، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا عبد المجيد أبو عمرو، عن العداء بن خالد بمعناه.
وفى الصحيحين عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات: " من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل للمحرم ".
* * * وقال محمد بن إسحاق: حدثنى يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه عباد، قال: كان الرجل الذى يصرخ في الناس بقول رسول الله وهو بعرفة ربيعة بن أمية بن خلف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل أيها الناس إن رسول الله يقول: هل تدرون أي شهرا هذا ؟ فيقولون: الشهر الحرام.
فيقول: قل لهم: إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة شهركم هذا.
ثم يقول: قل أيها الناس إن رسول الله يقول هل تدرون أي بلد هذا.
وذكر تمام الحديث.
وقال محمد بن إسحاق: حدثنى ليث بن أبى سليم، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن خارجة، قال: بعثنى عتاب بن أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة في حاجة، فبلغته ثم وقفت تحت ناقته وإن لعابها ليقع على رأسي، فسمعته يقول: " أيها الناس إن الله أدى إلى كل ذى حق حقه، وإنه لا تجوز وصية لوارث.
والولد للفراش وللعاهر الحجر، ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله له صرفا ولا عدلا ".
ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبدالرحمن بن غنم، عن عمرو بن خارجة به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
قلت: وفيه اختلاف على قتادة.
والله أعلم.
وسنذكر الخطبة التى خطبها عليه السلام بعد هذه الخطبة يوم النحر، وما فيها من الحكم والمواعظ والتفاصيل والآداب النبوية إن شاء الله.
* * * قال البخاري: باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة: حدثنا عبدالله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن محمد بن أبى بكر الثقفى، أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة: كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه.
وأخرجه مسلم من حديث مالك وموسى بن عقبة، كلاهما عن محمد بن أبى بكر بن عوف بن رباح الثقفى الحجازى، عن أنس به.
وقال البخاري: حدثنا عبدالله بن مسلمة، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبدالله، أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج بن يوسف أن يأتم بعبدالله بن عمر في الحج، فلما كان يوم عرفة جاء ابن عمر وأنا معه حين زاغت الشمس - أو زالت الشمس - فصاح عند فسطاطه: أين هذا ؟ فخرج إليه.
فقال ابن عمر: الرواح.
فقال: الآن ؟ قال: نعم.
فقال: أنظرني حتى أفيض على ماء.
فنزل ابن عمر حتى خرج، فسار بينى وبين أبى فقلت (1): إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فاقصر الخطبة وعجل الوقوف فقال ابن عمر: صدق.
ورواه البخاري أيضا عن القعنبى عن مالك.
وأخرجه النسائي من حديث أشهب وابن وهب، عن مالك.
ثم قال البخاري، بعد روايته هذا الحديث: وقال الليث: حدثنى عقيل، عن ابن
__________
(1) القائل: سالم بن عبدالله للحجاج بن يوسف.
(*)
شهاب، عن سالم، أن الحجاج عام نزل بابن الزبير سأل عبدالله: كيف تصنع في هذا الموقف ؟ فقال: إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة.
فقال ابن عمر: صدق، إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة.
فقلت لسالم: أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: هل يبتغون بذلك إلا سنة ؟ ! وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يعقوب، حدثنا أبى عوف، عن ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة فنزل بنمرة وهى منزل الامام الذى ينزل به بعرفة، حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرا، فجمع بين الظهر والعصر.
وهكذا ذكر جابر في حديثه بعد ما أورد الخطبة المتقدمة قال: ثم أذن بلال ثم أقام، فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا.
وهذا يقتضى أنه عليه السلام خطب أولا ثم أقيمت الصلاة، ولم يتعرض للخطبة الثانية.
وقد قال الشافعي: أنبأنا إبراهيم بن محمد وغيره، عن جعفر بن محمد، عن أبيه وعن جابر في حجة الوداع (1)، قال: فراح النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الاولى ثم أذن بلال ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الاذان، ثم أقام بلال فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر.
قال البيهقى: تفرد به إبراهيم بن محمد بن أبى يحيى.
قال مسلم: عن جابر: ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة.
وقال البخاري: حدثنا يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث
عن بكير، عن كريب، عن ميمونة، أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) ا: حجة الاسلام.
(*)
فأرسلت إليه بحلاب (1) وهو واقف في الموقف، فشرب منه والناس ينظرون.
وأخرجه مسلم عن هارون بن سعيد الايلى، عن ابن وهب به.
وقال البخاري: أنبأنا عبدالله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن أبى النضر مولى عمر بن عبيدالله، عن عمير مولى ابن عباس، عن أم الفضل بنت الحارث، أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم.
وقال بعضهم: ليس بصائم.
فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه.
ورواه مسلم من حديث مالك أيضا.
وأخرجاه من طرق أخر عن أبى النضر به.
قلت: أم الفضل هي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، وقصتهما واحدة.
والله أعلم.
وصح إسناد الارسال إليها، لانه من عندها، اللهم إلا أن يكون بعد ذلك أو تعدد الارسال من هذه ومن هذه.
والله أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، قال: لا أدرى أسمعته من سعيد ابن جبير أم عن بنيه عنه، قال: أتيت على ابن عباس وهو بعرفة وهو يأكل رمانا، وقال: أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة وبعثت إليه أم الفضل بلبن فشربه.
وقال أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا ابن أبى ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس: أنهم تماروا في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت أم فضل إلى رسول الله بلبن فشربه.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق وأبو بكر، قالا: أنبأنا ابن جريج، قال: قال عطاء: دعا عبدالله بن عباس الفضل بن عباس إلى الطعام يوم عرفة، فقال: إنى صائم.
فقال عبدالله: لا تصم فإن رسول الله قرب إليه حلاب فيه لبن يوم عرفة فشرب منه، فلا تصم
فإن الناس مستنون بكم.
وقال ابن بكير وروح: إن الناس يستنون بكم.
__________
(1) الحلاب: إناء يحلب فيه.
(*)
وقال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: قال: بينا رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال فأوقصته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا ".
ورواه مسلم عن أبى الربيع الزهراني عن حماد بن زيد.
وقال النسائي: أنبأنا إسحاق بن إبراهيم، هو ابن راهويه، أخبرنا وكيع، أنبأنا سفيان الثوري، عن بكير بن عطاء، عن عبدالرحمن بن يعمر الديلى، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، وأتاه أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحج عرفة، فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه ".
وقد رواه بقية أصحاب السنن من حديث سفيان الثوري.
زاد النسائي وشعبة عن بكير ابن عطاء به.
وقال النسائي: أنبأنا قتيبة، أنبأنا سفيان، عن عمرو بن دينار، أخبرني عمرو بن عبدالله ابن صفوان أن يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفا بعرفة مكانا بعيدا من الموقف، فأتانا ابن مربع الانصاري فقال: إنى رسول رسول الله إليكم يقول، لكم: " كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم ".
وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، من حديث سفيان بن عيينة به، وقال الترمذي: هذا حديث حسن ولا نعرفه إلا من حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار.
وابن مربع اسمه زيد بن مربع الانصاري، وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد.
قال: وفى الباب عن على وعائشة وجبير بن مطعم والشريد بن سويد.
وقد تقدم
من رواية مسلم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف: زاد مالك في موطئه: وارفعوا عن بطن عرفة.
فصل فيما حفظ من دعائه عليه السلام وهو واقف بعرفة قد تقدم أنه عليه السلام أفطر يوم عرفة، فدل على أن الافطار هناك أفضل من الصيام، لما فيه من التقوى على الدعاء، لانه المقصود الاهم هناك.
ولهذا وقف عليه السلام وهو راكب على الراحلة من لدن الزوال إلى أن غربت الشمس.
وقد روى أبو داود الطيالسي في مسنده، عن حوشب بن عقيل، عن مهدى الهجرى، عن عكرمة، عن أبى هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبدالرحمن بن مهدى، حدثنا حوشب بن عقيل، حدثنى مهدى المحاربي، حدثنى عكرمة مولى ابن عباس، قال: دخلت على أبى هريرة في بيته فسألته عن صوم يوم عرفة بعرفات، فقال: نهى رسول لله صلى الله عليه وسلم عن صوم عرفة بعرفات.
وقال عبدالرحمن مرة: عن مهدى العبدى.
وكذلك رواه أحمد عن وكيع، عن حوشب، عن مهدى العبدى فذكره.
وقد رواه أبو داود عن سليمان بن حرب، عن حوشب، والنسائي عن سليمان بن معبد، عن سليمان بن حرب به.
وعن الفلاس عن ابن مهدى به.
وابن ماجه عن أبى بكر بن
أبى شيبة وعلى بن محمد، كلاهما عن وكيع، عن حوشب.
وقال الحافظ البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبى عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أبو أسامة الكلبى، حدثنا حسن بن الربيع، حدثنا الحارث بن عبيد، عن حوشب بن عقيل، عن مهدى الهجرى، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة.
قال البيهقى: كذا قال الحارث بن عبيد، والمحفوظ: عن عكرمة عن أبى هريرة وروى أبو حاتم محمد بن حبان البستى، في صحيحه عن عبدالله بن عمرو، أنه سئل عن صوم يوم عرفة فقال: حججت مع رسول الله فلم يصمه، ومع أبى بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، وأنا فلا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه.
* * * قال الامام مالك عن زياد بن أبى زياد مولى ابن عباس، عن طلحة بن عبيدالله بن كريز، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ".
قال البيهقى: هذا مرسل.
وقد روى عن مالك بإسناد آخر موصولا، وإسناده ضعيف.
وقد روى الامام أحمد والترمذي، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلى، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير ".
وللامام أحمد أيضا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كان أكثر
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير ".
وقال أبو عبدالله بن مندة، أنبأنا أحمد بن إسحاق بن أيوب النيسابوري، حدثنا أحمد بن داود بن جابر الاحمسي، حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي، حدثنا فرج ابن فضالة، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعائي ودعاء الانبياء قبلى عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ".
وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد، يعنى ابن عبد ربه الجرجى، حدثنا بقية بن الوليد، حدثنى جبير بن عمرو القرشى، عن أبى سعيد الانصاري، عن أبى يحيى مولى آل الزبير ابن العوام، عن الزبير بن العوام رضى الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب.
* * * وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في مناسكه: حدثنا الحسن بن مثنى بن معاذ العنبري حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا قيس بن الربيع، عن الاغر بن الصباح، عن خليفة، عن على، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضل ما قلت أنا والانبياء قبلى عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ".
وقال الترمذي في الدعوات: حدثنا محمد بن حاتم المؤدب، حدثنا على بن ثابت، حدثنا قيس بن الربيع، وكان من بنى أسد، عن الاغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن على رضى الله عنه، قال: كان أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم عرفة في الموقف: " اللهم لك الحمد كالذى نقول وخيرا مما نقول، اللهم لك
صلاتي ونسكى ومحياى ومماتي ولك رب تراثي، أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الامر، اللهم إنى أعوذ بك من شر ما تهب به الريح ".
ثم قال: غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوى.
وقد رواه الحافظ البيهقى من طريق موسى بن عبيدة، عن أخيه عبدالله بن عبيدة، عن على قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أكثر دعاء من كان قبلى ودعائي يوم عرفة أن أقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم اجعل في بصرى نورا وفى سمعي نورا وفى قلبى نورا.
اللهم اشرح لى صدري ويسر لى أمرى، اللهم إنى أعوذ بك من وسواس الصدر وشتات الامر وشر فتنة القبر وشر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار وشر ما تهب به الرياح وشر بوائق الدهر ".
ثم قال: تفرد به موسى بن عبيدة، وهو ضعيف وأخوه عبدالله لم يدرك عليا.
وقال الطبراني في مناسكه: حدثنا يحيى بن عثمان النصرى، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا يحيى بن صالح الايلى، عن إسماعيل بن أمية، عن عطاء بن أبى رباح، عن ابن عباس قال: كان فيما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سرى وعلانيتي، ولا يخفى عليك شئ من أمرى، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته، وذل لك جسده ورغم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا وكن بى رؤوفا رحيما، ياخير المسئولين وياخير المعطين ".
وقال الامام أحمد: حدثنا هشيم، أنبأنا عبدالملك، حدثنا عطاء، قال: قال
أسامة بن زيد: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، فرفع يديه يدعو،
فمالت به ناقته فسقط خطامها.
قال: فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الاخرى.
وهكذا رواه النسائي عن يعقوب بن إبراهيم، عن هشيم.
وقال الحافظ البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا على بن الحسن، حدثنا عبدالمجيد بن عبد العزيز، حدثنا ابن جريج، عن حسين ابن عبدالله الهاشمي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بعرفة يداه إلى صدره كاستطعام المسكين.
* * * وقال أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا عبدالقاهر بن السرى، حدثنى ابن لكنانة بن العباس بن مرداس، عن أبيه، عن جده عباس بن مرداس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عشية عرفة لامته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء، فأوحى الله إليه: إنى قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا، وأما ذنوبهم فيما بينى وبينهم فقد غفرتها.
فقال: يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته وتغفر لهذا الظالم، فلم يجبه تلك العشية.
فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء، فأجابه الله تعالى: إنى قد غفرت لهم (1).
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها ؟ قال: تبسمت من عدو الله إبليس، إنه لما علم أن الله عزوجل قد استجاب لى في أمتى أهوى يدعو بالويل والثبور ويحثو التراب على رأسه.
__________
(1) ذكر الزرقاني في شرح المواهب 8 / 189 أن ابن حجر صنف في هذا الحديث كراسا سماه: " قوة
الحجاج في عموم لمغفرة للحجاج " ثم قال: وأورده ابن الجوزى في الموضوعات من حديث ابن مرداس.
وقال الطبري: إنه محمول بالنسبة إلى المظالم على من تاب وعجز عن وفائها.
(*)
ورواه أبو داود السجستاني في سننه، عن عيسى بن إبراهيم البركى وأبى الوليد الطيالسي، كلاهما عن عبدالقاهر بن السرى، عن ابن لكنانة بن عباس بن مرداس، عن أبيه عن جده.
مختصرا.
ورواه ابن ماجه، عن أيوب بن محمد الهاشمي بن عبدالقاهر بن السرى، عن عبدالله بن كنانة بن عباس، عن أبيه عن جده به.
مطولا.
ورواه ابن جرير في تفسيره عن إسماعيل بن سيف العجلى، عن عبد القاهر ابن السرى، عن ابن لكنانة، يقال له أبو لبابة، عن أبيه عن جده العباس بن مرداس فذكره.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبرى (1)، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عمن سمع قتادة يقول: حدثنا جلاس بن عمرو، عن عبادة ابن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: " أيها الناس إن الله تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم.
وأعطى محسنكم ما سأل، فادفعوا باسم الله ".
فلما كانوا بجمع قال: " إن الله قد غفر لصالحكم وشفع صالحيكم في طالحيكم، تنزل الرحمة فتعمهم ثم تفرق الرحمة في الارض فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده.
وإبليس وجنوده على جبال عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم ; فإذا نزلت الرحمة دعا هو وجنوده بالويل والثبور، كنت أستفزهم حقبا من الدهر [ خوف ] (2) المغفرة فغشيتهم.
فيتفرقون يدعون بالويل والثبور.
__________
(1) نسبة إلى دبر: قرية باليمن.
(2) بياض بالاصل.
(*)
ذكر ما نزل على رسول الله من الوحى المنيف في هذا الموقف الشريف قال الامام أحمد: حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو العميس، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا.
قال: وأى آية هي ؟ قال: قوله تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ".
فقال عمر: والله إنى لاعلم اليوم الذى نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التى نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في يوم جمعة.
ورواه البخاري عن الحسن بن الصباح، عن جعفر بن عون.
وأخرجه أيضا ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن قيس بن مسلم به.
ذكر إفاضته عليه السلام من عرفات إلى المشعر الحرام قال جابر في حديثه الطويل: فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا قليلا حين غاب القرص، فأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق لناقته القصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رجله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة.
كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا.
ورواه مسلم.
وقال البخاري: باب السير إذا دفع من عرفة.
حدثنا عبدالله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سئل أسامة وأنا جالس: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع ؟ قال: كان يسير العنق (1) فإذا وجد فجوة نص.
قال هشام: - والنص - فوق العنق.
ورواه الامام أحمد وبقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن أسامة بن زيد به.
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبى، عن ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسامة بن زيد، قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة.
قال: فلما وقعت الشمس دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع حطمة (2) الناس خلفه قال: رويدا أيها الناس، عليكم السكينة إن البر ليس بالايضاع (3).
__________
(1) العنق: نوع من سير الابل فيه إسراع.
(2) الحطمة: ازدحام الناس ودفع بعضهم بعضا.
(3) الايضاع: الاسراع.
(*)
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التحم عليه الناس أعنق وإذا وجد فرجة نص، حتى أتى المزدلفة فجمع فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة.
ثم رواه الامام أحمد من طريق محمد بن إسحاق، حدثنى إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن أسامة بن زيد، فذكر مثله.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد، عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد، قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وأنا رديفه، فجعل يكبح راحلته حتى إن ذفراها (1) ليكاد
يصيب قادمة الرحل.
ويقول: " يا أيها الناس عليكم السكينة والوقار، فإن البر ليس في إيضاع الابل ".
وكذا رواه عن عفان، عن حماد بن سلمة به، ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة به.
ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن عبدالملك بن أبى سليمان، عن عطاء، عن ابن عباس، عن أسامة بنحوه.
قال: وقال أسامة: فما زال يسير على هيئته حتى أتى جمعا.
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا أحمد بن الحجاج، حدثنا ابن أبى فديك، عن ابن أبى ذئب، عن شعبة، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد، أنه ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة حتى دخل الشعب، ثم أهراق الماء وتوضأ، ثم ركب ولم يصل.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا همام، عن قتادة، عن عروة، عن الشعبى، عن أسامة بن زيد، أنه حدثه قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفات، فلم ترفع راحلته رجلها غادية حتى بلغ جمعا.
__________
(1) الذفرى: العظم الشاخص خلف الاذن.
(*)
وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، أخبرني أسامة بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفة، فلما أتى الشعب نزل فبال، ولم يقل أهراق الماء، فصببت عليه فتوضأ وضوءا خفيفا فقلت: الصلاة ؟ فقال: الصلاة أمامك.
قال: ثم أتى المزدلفة فصلى المغرب، ثم حلوا رحالهم وأعنته ثم صلى العشاء.
كذا رواه الامام أحمد عن كريب، عن ابن عباس عن أسامة بن زيد، فذكره.
ورواه النسائي عن الحسين بن حريث (1)، عن سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن عقبة ومحمد ابن أبى حرملة، كلاهما عن كريب، عن ابن عباس، عن أسامة.
قال شيخنا أبو الحجاج المزى في أطرافه: والصحيح: كريب عن أسامة.
وقال البخاري: حدثنا عبدالله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن موسى بن عقبة، عن كريب، عن أسامة بن زيد، أنه سمعه يقول: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة، فنزل الشعب فبال ثم توضأ فلم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاة ؟ فقال: الصلاة أمامك.
فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت الصلاة فصلى العشاء ولم يصل بينهما.
وهكذا رواه البخاري أيضا عن القعنبى، ومسلم عن يحيى بن يحيى، والنسائي عن قتيبة عن مالك، عن موسى بن عقبة به.
وأخرجاه من حديث يحيى بن سعيد الانصاري، عن موسى بن عقبة أيضا.
ورواه مسلم من حديث إبراهيم بن عقبة ومحمد بن عقبة، عن كريب، كنحو رواية أخيهما موسى بن عقبة عنه.
وقال البخاري أيضا: حدثنا قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن محمد بن أبى حرملة، عن كريب، عن أسامة بن زيد، أنه قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما
__________
(1) الحديث في سنن النسائي 2 / 46: حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان.
(*)
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعب الايسر الذى دون المزدلفة أناخ فبال ; ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا.
فقلت: الصلاة يا رسول الله ؟ قال: الصلاة أمامك ; فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المزدلفة ; فصلى ثم ردف الفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع.
قال كريب: فأخبرني عبدالله بن عباس عن الفضل ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبى حتى بلغ الجمرة.
ورواه مسلم عن قتيبة ويحيى بن يحيى.
ويحيى بن أيوب ; وعلى بن حجر ; أربعتهم عن إسماعيل بن جعفر به.
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا عمر بن ذر ; عن مجاهد عن أسامة بن زيد ; أن رسول الله أردفه من عرفة.
قال: فقال الناس: سيخبرنا صاحبنا ما صنع.
قال: فقال أسامة: لما دفع من عرفة فوقف كف رأس راحلته حتى أصاب رأسها واسطة الرحل أو كاد يصيبه، يشير إلى الناس بيده: السكينة السكينة السكينة.
حتى أتى جمعا ثم أردف الفضل بن عباس، قال فقال الناس: سيخبرنا صاحبنا بما صنع رسول الله.
فقال الفضل: لم يزل يسير سيرا لينا كسيره بالامس، حتى أتى على وادى محسر فدفع فيه حتى استوت به الارض.
وقال البخاري: حدثنا سعيد بن أبى مريم، حدثنا إبراهيم بن سويد، حدثنى عمرو ابن أبى عمرو مولى المطلب، أخبرني سعيد بن جبير مولى والبة الكوفى، حدثنى ابن عباس أنه دفع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجزا شديدا وضربا للابل فأشار بسوطه إليهم وقال: " أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالايضاع ".
تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وقد تقدم رواية الامام أحمد ومسلم والنسائي
هذا من طريق عطاء بن أبى رباح، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد.
فالله أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثنا المسعودي، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: لما أفاض رسول الله من عرفات أوضع الناس، فأمر رسول الله مناديا ينادى: أيها الناس ليس البر بإيضاع الخيل ولا الركاب.
قال: فما رأيت من رافعة يديها غادية حتى نزل جمعا.
وقال الامام أحمد: حدثنا حسين وأبو نعيم، قالا: حدثنا إسرائيل، عن عبد العزيز ابن رفيع، قال: حدثنى من سمع ابن عباس يقول: لم ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات وجمع إلا أريق الماء.
وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا عبدالملك، عن أنس بن سيرين، قال: كنت مع ابن عمر بعرفات، فلما كان حين راح رحت معه حتى الامام، فصلى معه الاولى والعصر، ثم وقف وأنا وأصحاب لى حتى أفاض الامام فأفضنا معه، حتى انتهينا إلى المضيق دون المأزمين (1) فأناخ وأنخنا، ونحن نحسب أنه يريد أن يصلى، فقال غلامه الذى يمسك راحلته: إنه ليس يريد الصلاة، ولكنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته، فهو يحب أن يقضى حاجته.
وقال البخاري: حدثنا موسى، حدثنا جويرية، عن نافع، قال: كان عبدالله بن عمر يجمع بين المغرب والعشاء بجمع، غير أنه يمر بالشعب الذى أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدخل فينتفض ويتوضأ ولا يصلى حتى يجئ جمعا.
تفرد به البخاري رحمه الله من هذا الوجه.
وقال البخاري: حدثنا آدم بن أبى ذئب، عن الزهري، عن سالم بن عبدالله، عن ابن عمر، قال: جمع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بجمع، كل واحدة منهما
__________
(1) المأزمان مضيق بين جمع وعرفة، وآخر بين مكة ومنى.
(*)
بإقامة، ولم يسبح بينهما ولا على إثر واحدة منهما.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن مالك، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا.
ثم قال مسلم: حدثنى حرملة، حدثنى ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب أن عبيدالله بن عبدالله بن عمر أخبره أن أباه قال: جمع رسول الله بين المغرب والعشاء
بجمع ليس بينهما سجدة، فصلى المغرب ثلاث ركعات وصلى العشاء ركعتين.
فكان عبدالله يصلى بجمع كذلك حتى لحق بالله.
ثم روى مسلم من حديث شعبة عن الحكم، وسلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، أنه صلى المغرب بجمع والعشاء بإقامة واحدة.
ثم حدث عن ابن عمر أنه صلى مثل ذلك.
وحدث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل ذلك.
ثم رواه من طريق الثوري، عن سلمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع، صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة.
ثم قال مسلم: حدثنا أبو بكر ابن أبى شيبة، حدثنا عبدالله بن جبير، حدثنا إسماعيل ابن أبى خالد، عن أبى إسحاق، قال: قال سعيد بن جبير: أفضنا مع ابن عمر، حتى أتينا جمعا فصلى بنا المغرب والعشاء بإقامة واحدة، ثم انصرف فقال: هكذا صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان.
وقال البخاري: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنى يحيى بن سعيد، حدثنى عدى بن ثابت، حدثنى عبدالله بن يزيد الخطمى، حدثنى أبو يزيد الانصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في حجة الوداع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة.
ورواه البخاري أيضا في المغازى عن القعنبى، عن مالك، ومسلم من حديث سليمان
ابن بلال والليث بن سعد، ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن عدى بن ثابت.
ورواه النسائي أيضا عن الفلاس عن يحيى القطان عن شعبة عن عدى بن ثابت به.
ثم قال البخاري: باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا زهير بن حرب، حدثنا أبو إسحاق، سمعت عبدالرحمن
ابن يزيد يقول: حج عبدالله فأتينا المزدلفة حين الاذان بالعتمة أو قريبا من ذلك، فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين، ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أمر أرى رجلا فأذن وأقام.
قال عمرو: لا أعلم الشك إلا من زهير.
ثم صلى العشاء ركعتين فلما طلع الفجر قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلى هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم.
قال عبدالله: هما صلاتان تحولان عن وقتهما: صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة، والفجر حين يبزغ الفجر.
قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.
وهذا اللفظ وهو قوله: " والفجر حين يبزغ الفجر " أبين وأظهر من الحديث الآخر الذى رواه البخاري عن حفص بن عمر بن غياث، عن أبيه، عن الاعمش، عن عمارة عن عبدالرحمن عن عبدالله بن مسعود قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة بغير ميقاتها إلا صلاتين: جمع بين المغرب والعشاء وصلاة الفجر قبل ميقاتها.
ورواه مسلم من حديث أبى معاوية وجرير عن الاعمش به.
وقال جابر في حديثه: ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة.
وقد شهد معه هذه الصلاة عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائى.
قال الامام أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا ابن أبى خالد وزكريا، عن الشعبى، أخبرني
عروة بن مضرس، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بجمع فقلت: يا رسول الله جئتك من جبلى طيئ أتعبت نفسي وأنضيت راحلتي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لى من حج ؟ فقال: من شهد معنا هذه الصلاة يعنى صلاة الفجر بجمع ووقف معنا حتى يفيض منه، وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا، فقد تم حجه وقضى تفثه (1).
وقد رواه الامام أحمد أيضا وأهل السنن الاربعة من طرق، عن الشعبى، عن عروة ابن مضرس.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
فصل وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم طائفة من أهله بين يديه من الليل قبل حطمة الناس من المزدلفة إلى منى.
قال البخاري: باب من قدم ضعفه أهله بالليل، فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر.
حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: قال سالم: كان عبدالله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقف الامام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة.
وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع بليل.
__________
(1) التفث: الشعث، وما كان من نحو قص الاظفار والشارب وحلق العانة وغير ذلك.
(*)
وقال البخاري: حدثنا على بن عبدالله، حدثنا سفيان، أخبرني عبدالله بن أبى يزيد، سمع ابن عباس يقول: أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله.
وروى مسلم من حديث ابن جريج، أخبرني عطاء، عن ابن عباس، قال: بعث بى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع بسحر مع ثقله.
وقال الامام أحمد: حدثنا روح حدثنا سفيان الثوري، حدثنا سلمة بن كهيل، عن
الحسن العرنى، (1) عن ابن عباس، قال: قدمنا رسول الله أغيلمة بنى عبدالمطلب على حراثنا فجعل يلطح (2) أفخاذنا بيده ويقول: أبنى لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس.
قال ابن عباس: ما أخال أحدا يرمى الجمرة حتى تطلع الشمس.
وقد رواه أحمد أيضا عن عبدالرحمن بن مهدى، عن سفيان الثوري فذكره.
وقد رواه أبو داود، عن محمد بن كثير، عن الثوري به.
والنسائي عن محمد بن عبدالله بن يزيد، عن سفيان بن عيينة، عن سفيان الثوري به.
وأخرجه بن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة، وعلى بن محمد، كلاهما عن وكيع، عن مسعر وسفيان الثوري، كلاهما عن سلمة بن كهيل به.
وقال أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو الأحوص، عن الاعمش، عن الحكم ابن عيينة، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: مر بنا رسول الله لية النحر وعلينا سواد من الليل، فجعل يضرب أفخاذنا ويقول: أبنى أفيضوا لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس.
ثم رواه الامام أحمد من حديث المسعودي، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس،
__________
(1) نسب إلى عرينة بن نذير..بطن من بجيلة.
اللباب 2 / 133.
(2) يلطح: يضرب ببطن كفه.
(*)
قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفة أهله من المزدلفة بليل، فجعل يوصيهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس.
وقال أبو داود: حدثنا عثمان ابن أبى شيبة، حدثنا الوليد بن عقبة، حدثنا حمزة الزيات بن حبيب، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفة أهله بغلس (1) ويأمرهم - يعنى أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس -.
وكذا رواه النسائي عن محمود بن غيلان، عن بشر بن السرى، عن سفيان، عن
حبيب.
قال الطبراني: وهو ابن أبى ثابت.
عن عطاء، عن ابن عباس.
فخرج حمزة الزيات من عهدته وجاد إسناد الحديث.
والله أعلم.
* * * وقد قال البخاري: حدثنا مسدد، عن يحيى، عن ابن جريج، حدثنى عبدالله مولى أسماء، عن أسماء، أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تصلى فصلت ساعة ثم قالت: يا بنى هل غاب القمر ؟ قلت: لا.
فصلت ساعة ثم قالت: هل غاب القمر ؟ قلت: نعم.
قالت: فارتحلوا.
فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: ياهنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا.
فقالت: يا بنى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن.
ورواه مسلم من حديث ابن جريج به.
فإن كانت أسماء بنت الصديق رمت الجمار قبل طلوع الشمس، كما ذكر هاهنا، عن توقيف فروايتها مقدمة على رواية ابن عباس، لان إسناد حديثها أصح من إسناد حديثه، اللهم إلا أن يقال: إن الغلمان أخف حالا من النساء وأنشط، فلهذا أمر الغلمان بأن لا يرموا قبل طلوع الشمس وأذن للظعن في الرمى قبل طلوع الشمس، لانهم أثقل حالا وأبلغ في التستر.
والله أعلم.
__________
(1) الغلس: ظلمة آخر الليل.
(*)
وإن كانت أسماء لم تفعله عن توقيف، فحديث ابن عباس مقدم على فعلها.
لكن يقوى الاول قول أبى داود: حدثنا محمد بن خلاد الباهلى، حدثنا يحيى، عن ابن جريج، أخبرني عطاء، أخبرني مخبر عن أسماء، أنها رمت الجمرة بليل.
قلت: إنا رمينا الجمرة بليل.
قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا أفلح بن حميد، عن القاسم، عن محمد،
عن عائشة، قالت: نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة بطيئة، فأذن لها فدفعت قبل حطمة الناس، وأقمنا نحن حتى أصبحنا، ثم دفعنا بدفعه فلان أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودة أحب إلى من مفروح به.
وأخرجه مسلم عن القعنبى عن أفلح بن حميد به.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة به.
وقال أبو داود: حدثنا هارون بن عبدالله، حدثنا ابن أبى فديك، عن الضحاك - يعنى ابن عثمان - عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم الذى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو داود - يعنى عندها -.
انفرد به أبو داود، وهو إسناد جيد قوى رجاله ثقات.
ذكر تلبيته عليه السلام بالمزدلفة قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن كثير بن مدرك، عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: قال عبدالله ونحن بجمع: سمعت الذى أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام: لبيك اللهم لبيك.
فصل في وقوفه عليه السلام بالمشعر الحرام، ودفعه من المزدلفة قبل طلوع الشمس وإيضاعه في وادى محسر قال الله تعالى: " فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام (1) " الآية وقال جابر في حديثه: فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب
القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعا الله عزوجل وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، ودفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس وراءه.
وقال البخاري: حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا شعبة، عن ابن إسحاق، قال: سمعت عمرو بن ميمون يقول: شهدت عمر صلى بجمع الصبح ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون أشرق ثبير، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض قبل أن تطلع الشمس.
وقال البخاري: حدثنا عبدالله بن رجاء، حدثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: خرجت مع عبدالله إلى مكة ثم قدمنا جمعا، فصلى صلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر، قائل يقول: طلع الفجر.
وقائل يقول: لم يطلع الفجر.
ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان: المغرب فلا تقدم الناس جمعا حتى يقيموا، وصلاة الفجر هذه الساعة.
ثم وقف حتى أسفر ثم قال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة.
فلا أدرى: أقوله كان أسرع أو دفع عثمان، فلم يزل
__________
(1) سورة البقرة 198.
(*)
يلبى حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر.
* * * وقال الحافظ البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، حدثنا عبدالرحمن بن المبارك العبسى، حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة، قال: خطبنا رسول الله بعرفة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد فإن
أهل الشرك والاوثان كانوا يدفعون من هاهنا عند غروب الشمس حتى تكون الشمس على رءوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها، هدينا مخالف لهديهم.
وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رءوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها، هدينا مخالف لهديهم ".
قال: ورواه عبدالله بن إدريس، عن ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة مرسلا.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو خالد سليمان بن حيان، سمعت الاعمش، عن الحكم عن مقسم، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من المزدلفة قبل طلوع الشمس.
وقال البخاري: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبى، عن يونس الايلى، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله بن عباس، أن أسامة كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى.
قال: فكلاهما قال: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبى حتى رمى جمرة العقبة.
ورواه ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس.
وروى مسلم من حديث الليث بن سعد، عن أبى الزبير، عن أبى معبد، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس، وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال في عشية
عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا: عليكم بالسكينة.
وهو كاف ناقته حتى دخل محسرا وهو من منى.
قال: عليكم بحصى الخذف الذى يرمى به الجمرة.
قال: ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى حتى رمى الجمرة.
* * * وقال الحافظ البيهقى: باب الايضاع في وادى محسر (1).
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عمرو المقرى وأبو بكر الوراق، أنبأنا الحسن بن سفيان، حدثنا هشام بن عمار
وأبو بكر بن أبى شيبة، قالا: حدثنا حاتم بن اسماعيل، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر في حج النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: حتى إذا أتى محسرا حرك قليلا.
رواه مسلم في الصحيح، عن أبى بكر بن شيبة.
ثم روى البيهقى من حديث سفيان الثوري، عن أبى الزبير، عن جابر قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة وأمرهم بالسكينة وأوضع في وادى محسر، وأمرهم أن يرموا الجمار بمثل حصى الخذف.
وقال: خذوا عنى مناسككم، لعلى لا أراكم بعد عامى هذا.
ثم روى البيهقى من حديث الثوري، عن عبدالرحمن بن الحارث، عن زيد بن على، عن أبيه، عن عبيدالله بن أبى رافع، عن على، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من جمع حتى أتى محسرا، فقرع ناقته حتى جاوز الوادي فوقف، ثم أردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها.
هكذا رواه مختصرا.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا أبو أحمد محمد بن عبدالله الزبيري، حدثنا سفيان بن عبدالرحمن بن الحارث بن عياش بن أبى ربيعة، عن زيد بن على، عن أبيه، عن
__________
(1) محسر: واد قرب المزدلفة.
(*)
عبيدالله بن أبى رافع، عن على قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: هذا الموقف وعرفة كلها موقف.
وأفاض حين غابت الشمس وأردف أسامة، فجعل يعنق على بعيره، والناس يضربون يمينا وشمالا، لا يلتفت إليهم، ويقول: السكينة أيها الناس.
ثم أتى جمعا فصل بهم الصلاتين، المغرب والعشاء، ثم بات حتى أصبح ثم أتى قزح (1) فوقف على قزح فقال: هذا الموقف وجمع كلها موقف.
ثم سار حتى أتى محسرا فوقف
عليه فقرع دابته فخبت حتى جاز الوادي ثم حبسها، ثم أردف الفضل وسار حتى أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال: هذا المنحر ومنى كلها منحر.
قال: واستفتته جارية شابة من خثعم فقالت: إن أبى شيخ كبير قد أفند (2) وقد أدركته فريضة الله في الحج، فهل يجزئ عنه أن أؤدى عنه ؟ قال: نعم.
فأدى عن أبيك.
قال: ولوى عنق الفضل، فقال له العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك ؟ قال: " رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما ".
قال: ثم جاءه رجل فقال: يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر.
قال: انحر ولا حرج.
ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله إنى أفضت قبل أن أحلق.
قال: أحلق أو قصر ولا حرج.
ثم أتى البيت فطاف ثم أتى زمزم فقال: يا بنى عبدالمطلب سقايتكم، ولولا أن يغلبكم الناس عليها لنزعت معكم.
وقد رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن آدم، عن سفيان الثوري.
ورواه الترمذي عن بندار، عن أبى أحمد الزبيري.
وابن ماجه عن على بن محمد عن يحيى ابن آدم.
وقال الترمذي: حسن صحيح لا نعرفه من حديث على إلا من هذا الوجه.
__________
(1) قزح: جبل بالمزدلفة.
(2) أفند: أنكر عقله وأخطأ في رأيه لهرمه.
(*)
قلت: وله شواهد من وجوه صحيحة مخرجة في الصحاح وغيرها.
فمن ذلك: قصة الخثعمية، وهو في الصحيحين من طريق الفضل، وتقدمت في حديث جابر.
وسنذكر من ذلك ما تيسر.
وقد حكى البيهقى بإسناده عن ابن عباس أنه أنكر الاسراع في وادى محسر وقال: إنما كان ذلك من الاعراب.
قال: والمثبت مقدم على النافي.
قلت: وفى ثبوته عنه نظر والله أعلم.
وقد صح ذلك عن جماعة من الصحابة عن رسول الله، وصح من صنيع الشيخين أبى بكر وعمر أنهما كانا يفعلان ذلك، فروى البيهقى عن الحاكم عن النجاد وغيره، عن أبى على محمد بن معاذ بن المستهل المعروف بدران، عن القعنبى، عن أبيه، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن المسور بن مخرمة، أن عمر كان يوضع ويقول: إليك تعدو قلقا وضينها * مخالفا دين النصارى دينها (1)
__________
(1) الوضين: حزام الرحل.
والقلق: المتسع، كناية عن هزال الناقة.
(*)
ذكر رميه عليه السلام جمرة العقبة وحدها يوم النحر، وكيف رماها ومتى رماها، ومن أي موضع رماها وبكم رماها، وقطعه التلبية حين رماها قد تقدم من حديث أسامة والفضل وغيرهما من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين أنه عليه السلام لم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة.
وقال البيهقى: أنبأنا الامام أبو عثمان، أنبأنا أبو طاهر بن خزيمة، أنبأنا جدى - يعنى إمام الائمة محمد بن إسحاق بن خزيمة - حدثنا على بن حجر، حدثنا شريك، عن عامر بن شقيق، عن أبى وائل، عن عبدالله، قال: رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة.
وبه عن ابن خزيمة: حدثنا عمر بن حفص الشيباني، حدثنا حفص بن غياث، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه عن على بن الحسين عن ابن عباس، عن الفضل.
قال: أفضت مع رسول الله من عرفات فلم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة.
قال البيهقى: وهذه زيادة غريبة ليست في الروايات المشهورة عن ابن عباس، عن الفضل وإن كان ابن خزيمة قد اختارها.
وقال محمد بن إسحاق: حدثنى أبان بن صالح، عن عكرمة، قال: أفضت مع
الحسين بن على، فما أزال أسمعه يلبى حتى رمى جمرة العقبة، فلما قذفها أمسك.
فقلت: ما هذا ؟ فقال: رأيت أبى على بن أبى طالب يلبى حتى رمى جمرة العقبة، وأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
وتقدم من حديث الليث عن أبى الزبير، عن أبى معبد، عن ابن عباس، عن أخيه
الفضل، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس في وادى محسر بحصى الخذف الذى يرمى به الجمرة.
رواه مسلم.
وقال أبو العالية: عن ابن عباس، حدثنى الفضل، قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة يوم النحر: هات فالقط لى حصى.
فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف فوضعهن في يده فقال: " بأمثال هؤلاء بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ".
رواه البيهقى.
وقال جابر في حديثه: حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التى تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي.
رواه مسلم.
وقال البخاري: وقال جابر رضى الله عنه: رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال.
وهذا الحديث الذى علقه البخاري أسنده مسلم من حديث ابن جريج: أخبرني أبو الزبير سمع جابرا، قال: رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس.
وفى الصحيحين من حديث الاعمش عن إبراهيم، عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: رمى عبدالله من بطن الوادي فقلت: يا أبا عبدالرحمن إن ناسا يرمونها من فوقها.
فقال: والذى لا إله غيره هذا مقام الذى أنزلت عليه سورة البقرة.
لفظ البخاري.
وفى لفظ له من حديث شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبدالرحمن، عن عبدالله بن مسعود، أنه أتى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع وقال: هكذا رمى الذى أنزلت عليه سورة البقرة.
ثم قال البخاري: باب من رمى الجمار بسبع يكبر مع كل حصاة: قاله ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا إنما يعرف في حديث جابر من طريق جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر كما تقدم، أنه أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف.
وقد روى البخاري في هذه الترجمة من حديث الاعمش عن إبراهيم عن عبدالرحمن ابن يزيد، عن عبدالله بن مسعود، أنه رمى الجمرة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.
ثم قال: من هاهنا والذى لا إله غيره قام الذى أنزلت عليه سورة البقرة.
وروى مسلم من حديث ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، سمع جابر بن عبدالله قال: رأيت رسول الله يرمى الجمرة بسبع مثل حصى الخذف.
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن زكريا، حدثنا حجاج، عن الحكم، عن أبى القاسم - يعنى مقسما - عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة جمرة العقبة يوم النحر راكبا.
ورواه الترمذي عن أحمد بن منيع، عن يحيى بن زكريا بن أبى زائدة، وقال:
حسن.
وأخرجه ابن ماجه، عن أبى بكر بن أبى شيبة، عن أبى خالد الاحمر، عن الحجاج بن أرطاة به.
وقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي من حديث يزيد بن [ أبى ] (1) زياد، عن سليمان بن عمرو بن الاحوص، عن أمه أم جندب الازدية، قالت: رأيت رسول الله
__________
(1) من سنن أبى داود 1 / 309 (*)
صلى الله عليه وسلم يرمى الجمار من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة ورجل من خلفه يستره، فسألت عن الرجل فقالوا: الفضل بن عباس.
فازدحم الناس.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا، وإذا رميتم الجمرة فارموه بمثل حصى الخذف ".
لفظ أبى داود.
وفى رواية له قالت: رأيته عند جمرة العقبة راكبا ورأيت بين أصابعه حجرا، فرمى ورمى الناس ولم يقم عندها.
ولابن ماجه قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر عند جمرة العقبة وهو راكب على بغلة وذكر الحديث.
وذكر البغلة هاهنا غريب جدا.
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، سمعت جابر ابن عبدالله يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمى الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول: " لتأخذوا مناسككم، فإنى لا أدرى لعلى لا أحج بعد حجتى هذه ".
وروى مسلم أيضا من حديث زيد بن أبى أنيسة، عن يحيى بن الحصين، عن جدته أم الحصين، سمعتها تقول: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته يوم النحر وهو يقول:
" لتأخذوا مناسككم فإنى لا أدرى لعلى لا أحج بعد حجتى هذه ".
وفى رواية قالت: حججت مع رسول الله حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالا أحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو أحمد محمد بن عبدالله الزبيري، حدثنا أيمن بن نابل
حدثنا قدامة بن عبدالله الكلابي، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمره العقبة من بطن الوادي يوم النحر عن ناقة له صهباء (1)، لا ضرب ولا رد ولا إليك إليك (2) ! ورواه أحمد أيضا عن وكيع ومعتمر بن سليمان وأبى قرة موسى بن طارق الزبيدى، ثلاثتهم عن أيمن بن نابل به.
ورواه أيضا عن أبى قرة عن سفيان الثوري عن أيمن.
وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث وكيع به.
ورواه الترمذي عن أحمد بن منيع، عن مروان بن معاوية، عن أيمن بن نابل به.
وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقال الامام أحمد: حدثنا نوح بن ميمون، حدثنا عبدالله - يعنى العمرى - عن نافع، قال: كان ابن عمر يرمى جمرة العقبة على دابته يوم النحر، وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا.
وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا ماشيا ذاهبا وراجعا.
ورواه أبو داود عن القعنبى، عن عبدالله العمرى به.
فصل قال جابر: ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاث وستين بيده، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
وسنتكلم على هذا الحديث.
وقال الامام أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن حميد الاعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمى، عن عبدالرحمن بن معاذ، عن رجل من أصحاب النبي
__________
(1) الصهباء: التى يضرب لونها إلى الحمرة.
(2) إليك إليك: اسم فعل أمر بمعنى ابتعد.
(*)
صلى الله عليه وسلم، قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ونزلهم منازلهم فقال: لينزل المهاجرون هاهنا.
وأشار إلى ميمنة القبلة والانصار هاهنا.
وأشار إلى ميسرة القبلة.
ثم لينزل الناس حولهم.
قال: وعلمهم مناسكهم، ففتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه في منازلهم.
قال: فسمعته يقول: ارموا الجمرة بمثل حصى الخذف.
وكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل إلى قوله: ثم لينزل الناس حولهم.
وقد رواه الامام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه.
وأبو داود عن مسدد، عن عبد الوارث، وابن ماجه من حديث ابن المبارك عن عبد الوارث، عن حميد بن قيس الاعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمى، عن عبدالرحمن بن معاذ التيمى، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كأنا نسمع ما يقول.
الحديث.
* * * ذكر جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرك على بن أبى طالب في الهدى، وأن جماعة الهدى الذى قدم به على من اليمن والذى جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الابل، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بيده الكريمة ثلاثا وستين بدنة.
قال ابن حبان وغيره: وذلك مناسب لعمره عليه السلام، فإنه كان ثلاثا وستين سنة ! وقد قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا زهير، حدثنا محمد بن عبدالرحمن بن أبى ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج مائة بدنة نحر منها بيده ستين وأمر ببقيتها
فنحرت وأخذ من كل بدنة بضعة فجمعت في قدر فأكل منها وحسا من مرقها.
قال: ونحر يوم الحديبية سبعين، فيها جمل أبى جهل، فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها.
وقد روى ابن ماجه بعضه عن أبى بكر بن أبى شيبة، وعلى بن محمد عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن ابن أبى ليلى به.
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبى، عن محمد بن إسحاق، حدثنى رجل، عن عبدالله بن أبى نجيح، عن مجاهد بن جبر، عن ابن عباس، قال: أهدى رسول الله في حجة الوداع مائة بدنة، نحر منها ثلاثين بدنة [ بيده ] (1) ثم أمر عليا فنحر ما بقى منها.
وقال: اقسم لحومها وجلودها وجلالها بين الناس، ولا تعطين جزارا منها شيئا، وخذ لنا من كل بعير جدية (2) من لحم، واجعلها في قدر واحدة حتى نأكل من لحمها ونحسو من مرقها.
ففعل.
وثبت في الصحيحين من حديث مجاهد، عن ابى أبى ليلى، عن على، قال: أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطى الجزار منها شيئا وقال: نحن نعطيه من عندنا.
وقال أبو داود: حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا عبدالرحمن بن مهدى، حدثنا عبدالله بن المبارك، عن حرملة بن عمران، عن عبدالله بن الحارث الازدي، سمعت
عرفة بن الحارث قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى بالبدن فقال: ادع لى أبا حسن.
فدعى له على.
فقال: خذ بأسفل الحربة.
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلاها، ثم طعنا بها البدن، فلما فرغ ركب بغلته وأردف عليا.
تفرد به أبو داود، وفى إسناده ومتنه غرابة.
والله أعلم.
__________
(1) ليست في ا (2) الجدية: القطعة.
(*)
وقال الامام أحمد: حدثنا أحمد بن الحجاج، أنبأنا عبدالله، أنبأنا الحجاج بن أرطاة عن الحكم، عن أبى القاسم - يعنى مقسما - عن ابن عباس، قال: رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة ثم ذبح ثم حلق.
وقد ادعى ابن حزم أنه ضحى عن نسائه بالبقر وأهدى بمنى بقرة، وضحى هو بكبشين أملحين.
صفة حلقه رأسه الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق في حجته.
ورواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - عن عبد الرزاق.
وقال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، قال: قال نافع: كان عبدالله بن عمر يقول: حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته.
ورواه مسلم من حديث موسى بن عقبة عن نافع به.
وقال البخاري: حدثنا عبدالله بن محمد بن أسماء، حدثنا جويرية بن أسماء، عن نافع، أن عبدالله بن عمر قال: حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة من أصحابه وقصر بعضهم.
ورواه مسلم من حديث الليث، عن نافع به.
وزاد: قال عبدالله قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " يرحم الله المحلقين " مرة أو مرتين.
قالوا: يا رسول الله والمقصرين ؟ قال: والمقصرين.
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا وكيع وأبو داود الطيالسي، عن يحيى بن الحصين، عن جدته، أنها سمعت رسول الله في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة.
ولم يقل وكيع: في حجة الوداع.
وهكذا روى هذا الحديث مسلم من حديث مالك وعبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر، وعمارة عن أبى زرعة عن أبى هريرة، والعلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه عن أبى هريرة.
وقال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا حفص بن غياث، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر.
ثم قال للحلاق: خذ.
وأشار إلى جانبه الايمن ثم الايسر، ثم جعل يعطيه الناس.
وفى رواية له أنه حلق شقه الايمن فقسمه بين الناس من شعرة وشعرتين، وأعطى شقه الايسر لابي طلحة.
وفى رواية له أنه أعطى الايمن لابي طلحة وأعطاه الايسر وأمره أن أن يقسمه بين الناس.
وقال الامام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس.
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه.
وقد أطاف به أصحابه ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل.
انفرد به أحمد.
فصل ثم لبس عليه السلام ثيابه وتطيب بعد ما رمى جمرة العقبة ونحر هديه وقبل أن
يطوف بالبيت طيبته عائشة أم المؤمنين.
قال البخاري: حدثنا على بن عبدالله بن المدينى، حدثنا سفيان - هو ابن عيينة - حدثنا عبدالرحمن بن القاسم بن محمد، وكان أفضل أهل زمانه، أنه سمع اباه وكان أفضل أهل زمانه يقول: إنه سمع عائشة تقول: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى
هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يديها.
وقال مسلم: حدثنا يعقوب الدورقى وأحمد بن منيع، قالا: حدثنا هشيم، أخبرنا منصور، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قال: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك.
وروى النسائي من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: طيبت رسول الله لحرمه حين أحرم ولحله بعد ما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت.
وقال الشافعي: أنبأنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سالم، قال قالت عائشة: أنا طيبت رسول الله لحله وإحرامه.
ورواه عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري، عن سالم، عن عائشة.
فذكره وفى الصحيحين من حديث ابن جريج: أخبرني عمر بن عبدالله بن عروة، أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة أنها قالت: طيبت رسول الله بيدى بذريرة في حجة الوداع للحل والاحرام.
ورواه مسلم من حديث الضحاك بن عثمان، عن أبى الرجال، عن أمه عمرة، عن عائشة به.
وقال سفيان الثوري: عن سلمة بن كهيل، عن الحسن العوفى، عن ابن عباس أنه
قال: إذا رميتم الجمرة فقد حللتم من كل شئ كان عليكم حراما إلا النساء حتى تطوفوا بالبيت.
فقال رجل: والطيب يا أبا العباس ؟ فقال له: إنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك، أفطيب هو أم لا ! وقال محمد بن إسحاق: حدثنى أبو عبيدة، عن عبدالله بن زمعة، عن أبيه وأمه
زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة قالت: كانت الليلة التى يدور فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النحر، فكان رسول الله عندي، فدخل وهب بن زمعة ورجل من آل أبى أمية متقمصين.
فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضتما ؟ قالا: لا.
قال: فانزعا قميصيكما فنزعاهما.
فقال له وهب: ولم يا رسول الله ; فقال: هذا يوم أرخص لكم فيه إذا رميتم الجمرة ونحرتم هديا إن كان لكم فقد حللتم من كل شئ حرمتم منه إلا النساء حتى تطوفوا بالبيت، فإذا رميتم ولم تفيضوا صرتم حرما كما كنتم أول مرة حتى تطوفوا بالبيت.
وهكذا رواه أبو داود، عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، كلاهما عن ابن أبى عدى، عن ابن إسحاق فذكره.
وأخرجه البيهقى عن الحاكم، عن أبى بكر بن أبى إسحاق، عن أبى المثنى العنبري، عن يحيى بن معين.
وزاد في آخره: قال أبو عبيدة: وحدثتني أم قيس بنت محصن، قالت: خرج من عندي عكاشة ابن محصن في نفر من بنى أسد متقمصين عشية يوم النحر، ثم رجعوا إلينا عشيا وقمصهم على أيديهم يحملونها، فسألتهم فأخبروها بمثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوهب بن زمعة وصاحبه.
وهذا الحديث غريب جدا، لا أعلم أحدا من العلماء قال به.
ذكر إفاضته عليه السلام إلى البيت العتيق قال جابر: ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فأفاض (1) ] إلى البيت، فصلى بمكة الظهر فأتى بنى عبدالمطلب وهم يسقون على زمزم.
فقال: " انزعوا بنى عبدالمطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم " فناولوه دلوا فشرب منه.
رواه مسلم.
ففى هذا السياق ما يدل على أنه عليه السلام ركب إلى مكة قبل الزوال فطاف بالبيت، ثم لما فرغ صلى الظهر هناك.
وقال مسلم أيضا: أخبرنا محمد بن رافع، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا عبيدالله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى.
وهذا خلاف حديث جابر، وكلاهما عند مسلم.
فإن عللنا بهما أمكن أن يقال: إنه عليه السلام صلى الظهر بمكة ثم رجع إلى منى فوجد الناس ينتطرونه فصلى بهم.
والله أعلم.
ورجوعه عليه السلام إلى منى في وقت الظهر ممكن، لان ذلك الوقت كان صيفا والنهار طويل، وإن كان قد صدر منه عليه السلام أفعال كثيرة في صدر هذا النهار، فإنه دفع فيه من المزدلفة بعد ما أسفر الفجر جدا، ولكنه قبل طلوع الشمس، ثم قدم منى فبدأ برمى جمرة العقبة بسبع حصيات، ثم جاء فنحر بيده ثلاثا وستين بدنة ونحر على بقية المائة، ثم أخذت من كل بدنة بضعة ووضعت في قدر وطبخت حتى نضجت فأكل من ذلك اللحم وشرب من ذلك المرق.
وفى غضون ذلك حلق رأسه عليه السلام وتطيب، فلما فرغ من هذا كله ركب إلى البيت.
__________
(1) من صحيح مسلم 4 / 42 (*)
وقد خطب عليه السلام في هذا اليوم خطبة عظيمة.
ولست أدرى أكانت قبل ذهابه إلى البيت أو بعد رجوعه منه إلى منى.
فالله أعلم.
* * * والقصد أنه ركب إلى البيت فطاف به سبعة أطواف راكبا، ولم يطف بين الصفا والمروة، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر وعائشة رضى الله عنهما.
ثم شرب من ماء زمزم ومن نبيذ تمر من ماء زمزم.
فهذا كله مما يقوى قول من قال: إنه عليه السلام صلى الظهر بمكة، كما رواه جابر.
ويحتمل أنه رجع إلى منى في آخر وقت الظهر فصلى بأصحابه بمنى الظهر أيضا.
وهذا هو الذى أشكل على ابن حزم فلم يدر ما يقول فيه، وهو معذور لتعارض الروايات الصحيحة فيه.
والله أعلم.
وقال أبو داود: حدثنا على بن بحر وعبد الله بن سعيد المعنى، قالا: حدثنا أبو خالد الاحمر، عن محمد بن إسحاق، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالى أيام التشريق يرمى الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.
قال ابن حزم: فهذا جابر وعائشة قد اتفقا على أنه عليه السلام صلى الظهر يوم النحر بمكة.
وهما والله أعلم أضبط لذلك من ابن عمر.
كذا قال: وليس بشئ، فإن رواية عائشة هذه ليست ناصة أنه عليه السلام صلى الظهر بمكة، بل محتملة إن كان المحفوظ في الرواية: " حتى صلى الظهر ".
وإن كانت الرواية " حين صلى الظهر " وهو الاشبه فإن ذلك دليل على أنه عليه السلام صلى الظهر بمنى قبل أن يذهب إلى البيت، وهو محتمل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
وعلى هذا فيبقى مخالفا لحديث جابر، فإن هذا يقتضى أنه صلى الظهر بمنى قبل أن يركب إلى البيت، وحديث جابر يقتضى أنه ركب إلى البيت قبل أن يصلى الظهر وصلاها بمكة.
وقد قال البخاري: وقال أبو الزبير، عن عائشة، وابن عباس، أخر النبي صلى الله عليه وسلم - يعنى طواف الزيارة إلى الليل -.
وهذا الذى علقه البخاري قد رواه الناس من حديث يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدى وفرج بن ميمون، عن سفيان الثوري، عن أبى الزبير عن عائشة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل.
ورواه أهل السنن الاربعة من حديث سفيان به.
وقال الترمذي.
حسن.
وقال الامام أحمد.
حدثنا محمد بن عبدالله، حدثنا سفيان، عن أبى الزبير، عن عائشة وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار ليلا.
فإن حمل هذا على أنه أخر ذلك إلى ما بعد الزوال كأنه يقول إلى العشى، صح ذلك وأما إن حمل على ما بعد الغروب فهو بعيد جدا ومخالف لما ثبت في الاحاديث الصحيحة المشهورة من أنه عليه السلام طاف يوم النحر نهارا، وشرب من سقاية زمزم.
وأما الطواف الذى ذهب في الليل إلى البيت بسببه فهو طواف الوداع.
ومن الرواة من يعبر عنه بطواف الزيارة، كما سنذكره إن شاء الله.
أو طواف زيارة محضة قبل طواف الوداع وبعد طواف الصدر الذى هو طواف الفرض.
وقد ورد حديث سنذكره في موضعه: أن رسول الله كان يزور البيت كل ليلة من ليالى منى، وهذا بعيد أيضا والله أعلم.
وقد روى الحافظ البيهقى من حديث عمرو بن قيس، عن عبدالرحمن، عن القاسم
عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله أذن لاصحابه فزاروا البيت يوم النحر ظهيرة، وزار
رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه ليلا.
وهذا حديث غريب جدا أيضا.
وهذا قول طاوس وعروة بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل.
والصحيح من الروايات وعليه الجمهور: أنه عليه السلام طاف يوم النحر بالنهار، والاشبه أنه كان قبل الزوال، ويحتمل أن يكون بعده.
والله أعلم.
* * * والمقصود أنه عليه السلام لما قدم مكة طاف بالبيت سبعا وهو راكب، ثم جاء زمزم وبنو عبدالمطلب يستقون منها ويسقون الناس، فتناول منها دلوا فشرب منه وأفرغ عليه منه.
كما قال مسلم: أخبرنا محمد بن منهال الضرير، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا حميد الطويل، عن بكر بن عبدالله المزني، سمع ابن عباس يقول وهو جالس معه عند الكعبة: قدم النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامة فأتيناه بإناء فيه نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة.
وقال: أحسنتم وأجملتم هكذا فاصنعوا ".
قال ابن عباس: فنحن لا نريد أن نغير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفى رواية عن بكر أن أعرابيا قال لابن عباس: مالى أرى بنى عمكم يسقون اللبن والعسل وأنتم تسقون النبيذ، أمن حاجة بكم أم من بخل ؟ فذكر له ابن عباس هذا الحديث.
وقال أحمد: حدثنا روح، حدثنا حماد، عن حميد، عن بكر، عن عبدالله أن أعرابيا قال لابن عباس: ما شأن آل معاوية يسقون الماء والعسل، وآل فلان يسقون اللبن، وأنتم تسقون النببذ، أمن بخل بكم أم حاجة ؟
فقال ابن عباس: ما بنا بخل ولا حاجة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا
ورديفه أسامة بن زيد فاستسقى فسقيناه من هذا - يعنى نبيذ السقاية - فشرب منه وقال: " أحسنتم هكذا فاصنعوا ".
ورواه أحمد، عن روح ومحمد بن بكر، عن ابن جريج، عن حسين بن عبدالله بن عبيدالله بن عباس، وداود بن على بن عبدالله بن عباس، عن ابن عباس فذكره.
وروى البخاري عن إسحاق بن سليمان [ حدثنا خالد ] عن خالد [ الحذاء ]، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول الله بشراب من عندها.
فقال: اسقنى.
فقال: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه.
قال: اسقنى.
فشرب منه.
ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها.
فقال: اعملوا فإنكم على عمل صالح.
ثم قال: لولا أن تغلبوا لنزعت حتى أضع الحبل على هذه - يعنى عاتقه - وأشار إلى عاتقه.
وعنده من حديث عاصم عن الشعبى، أن ابن عباس قال: سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم.
قال عاصم: فحلف عكرمة: ما كان يومئذ إلا على بعير وفى رواية: ناقته.
وقال الامام أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا يزيد بن أبى زياد، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على بعير واستلم الحجر بمحجن كان معه.
قال: وأتى السقاية فقال: اسقوني.
فقالوا: إن هذا يخوضه الناس ولكنا نأتيك به من البيت.
فقال: لا حاجة لى فيه اسقوني مما يشرب الناس.
وقد روى أبو داود عن مسدد، عن خالد الطحان، عن يزيد بن أبى زياد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قدم رسول الله مكة ونحن نستقي فطاف على راحلته.
الحديث.
وقال الامام أحمد: حدثنا روح وعفان، قالا: حدثنا حماد، عن قيس، وقال عفان
في حديثه: أنبأنا قيس عن مجاهد، عن ابن عباس، أنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمزم فنزعنا له دلوا فشرب، ثم مج فيها ثم أفرغناها في زمزم.
ثم قال: لولا أن تغلبوا عليها لنزعت بيدى.
انفرد به أحمد وإسناده على شرط مسلم.
فصل ثم إنه صلى الله عليه وسلم لم يعد الطواف بين الصفا والمروة مرة ثانية بل اكتفى بطوافه الاول.
كما روى مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، سمعت جابر بن عبدالله يقول: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا.
قلت: والمراد بأصحابه هاهنا الذين ساقوا الهدى وكانوا قارنين.
كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: - وكانت أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة -: " يكفيك طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك ".
وعند أصحاب الامام أحمد أن قول جابر وأصحابه عام في القارنين والمتمتعين.
ولهذا نص الامام أحمد على أن المتمتع يكفيه طواف واحد عن حجه وعمرته، وإن تحلل بينهما تحلل.
وهو قول غريب، مأخذه ظاهر عموم الحديث.
والله أعلم.
وقال أصحاب أبى حنيفة في المتمتع كما قال المالكية والشافعية: أنه يجب عليه طوافان وسعيان، حتى طردت الحنفية ذلك في القارن، وهو من أفراد مذهبهم أنه يطوف
طوافين ويسعى سعيين، ونقلوا ذلك عن على موقوفا.
وروى عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قدمنا الكلام على ذلك كله عند الطواف، وبينا أن أسانيد ذلك ضعيفة مخالفة للاحاديث الصحيحة.
والله أعلم.
فصل ثم رجع عليه السلام إلى منى بعد ما صلى الظهر بمكة، كما دل عليه حديث جابر.
وقال ابن عمر: رجع فصلى الظهر بمنى.
رواهما مسلم كما تقدم قريبا.
ويمكن الجمع بينهما بوقوع ذلك بمكة وبمنى والله أعلم.
وتوقف ابن حزم في هذا المقام فلم يجزم فيه بشئ، وهو معذور لتعارض النقلين الصحيحين فيه.
فالله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالى أيام التشريق يرمى الجمرات إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.
رواه أبو داود منفردا به.
وهذا يدل على أن ذهابه عليه السلام إلى مكة يوم النحر كان بعد الزوال.
وهذا ينافى حديث ابن عمر قطعا وفى منافاته لحديث جابر نظر.
والله أعلم.
فصل وقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم الشريف خطبة عظيمة تواترت
بها الاحاديث ونحن نذكر منها ما يسره الله عزوجل.
قال البخاري: باب الخطبة أيام منى: حدثنا على بن عبدالله، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا فضيل بن غزوان، حدثنا عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر
فقال: يا أيها الناس أي يوم هذا.
قالوا: يوم حرام قال: فأى بلد هذا ؟ قالوا: بلد حرام.
قال: فأى شهر هذا ! قالوا: شهر حرام.
قال: " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " قال: فأعادها مرارا، ثم رفع رأسه فقال: اللهم هل بلغت ! اللهم قد بلغت.
قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته: فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
ورواه الترمذي عن الفلاس عن يحيى القطان به.
وقال: حسن صحيح.
وقال البخاري أيضا: حدثنا عبدالله بن محمد، حدثنا أبو عامر، حدثنا قرة، عن محمد بن سيرين أخبرني عبدالرحمن بن أبى بكرة عن أبيه ورجل أفضل في نفسي من عبدالرحمن حميد بن عبدالرحمن، عن أبى بكرة رضى الله عنه، قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: أتدرون أي يوم هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: أليس هذا يوم النحر ؟ قلنا بلى ؟ قال: أي شهر هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: أليس ذا الحجة ؟ قلنا بلى.
قال: أي بلد هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: أليس بالبلد الحرام ؟ قلنا: بلى.
قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم.
ألا هل بلغت ؟ قالوا: نعم.
قال: اللهم اشهد فليبلغ الشاهد
الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
ورواه البخاري ومسلم من طرق، عن محمد بن سيرين به.
ورواه مسلم من حديث عبدالله بن عون، عن ابن سيرين، عن عبدالرحمن بن أبى بكرة، عن أبيه فذكره.
وزاد
في آخره: ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما وإلى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا.
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا إسماعيل، أنبأنا أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبى بكرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان.
ثم قال: ألا أي يوم هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: أليس يوم النحر ؟ قلنا: بلى.
ثم قال: أي شهر هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: أليس ذا الحجة ؟ قلنا بلى.
ثم قال: أي بلد هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال، أليست البلدة [ الحرام ] قلنا: بلى قال: فإن دماءكم وأموالكم - لاحسبه قال: وأعراضكم - عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا لا ترجعوا بعدى ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا هل بلغت ؟ ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه.
هكذا وقع في مسند الامام أحمد، عن محمد بن سيرين، عن أبى بكرة.
وهكذا رواه أبو داود عن مسدد.
والنسائي عن عمرو بن زرارة، كلاهما عن إسماعيل - وهو ابن علية - عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبى بكرة به.
وهو منقطع لان صاحبا الصحيح أخرجاه من غير وجه عن أيوب وغيره، عن محمد ابن سيرين، عن عبدالرحمن بن أبى بكرة، عن أبيه به.
وقال البخاري أيضا: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا عاصم بن محمد بن زيد، عن أبيه، عن ابن عمر قال، قال: النبي صلى الله عليه وسلم بمنى: أتدرون
أي يوم هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: فإن هذا يوم حرام، أفتدرون أي بلد هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: بلد حرام.
قال: أفتدرون أي شهر هذا ؟ قالوا الله ورسوله أعلم.
قال: شهر حرام.
قال: فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.
وقد أخرجه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه، وبقية الجماعة إلا الترمذي، من طرق عن محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر، عن جده عبدالله بن عمر فذكره.
قال البخاري: وقال هشام بن الغاز (1) أخبرني نافع، عن ابن عمر [ قال ] وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التى حج بهذا (2) وقال: هذا يوم الحج الاكبر.
فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اشهد.
وودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع.
وقد أسند هذا الحديث أبو داود، عن مؤمل بن الفضل، عن الوليد بن مسلم.
وأخرجه ابن ماجه، عن هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، كلاهما عن هشام بن الغاز ابن ربيعة الجرشى أبى العباس الدمشقي به.
* * *
__________
(1) بحذف الياء وإثباتها، قاعل من الغزو.
(2) قال ابن حجر: بهذا، أي بالحديث الذى تقدم من طريق محمد بن زيد عن جده.
قال: وأراد المصنف بذلك أصل الحديث وأصل معناه لكن السياق مختلف.
وفسر الكرماني لفظة " بهذا " بقوله: وقف متلبسا بهذا الكلام المذكور يريد التفويض بقولهم: الله ورسوله أعلم والباء في بهذا تتعلق بقوله: وقف النبي.
انظر إرشاد السارى 3 / 244 (*)
وقيامه عليه السلام بهذه الخطبة عند الجمرات يحتمل أنه بعد رميه الجمرة يوم النحر وقبل طوافه.
ويحتمل أنه بعد طوافه ورجوعه إلى منى ورميه بالجمرات.
لكن يقوى الاول ما رواه النسائي حيث قال: حدثنا عمرو بن هشام الحرانى، حدثنا محمد بن سلمة، عن أبى عبدالرحيم، عن زيد بن أبى أنيسة، عن يحيى بن حصين الاحمسي، عن جدته أم حصين قالت: حججت في حجة النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت بلالا آخذا بقود راحلته وأسامة بن زيد رافع عليه ثوبه يظله من الحر وهو محرم حتى رمى جمرة العقبة.
ثم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وذكر قولا كثيرا وقد رواه مسلم من حديث زيد بن أبى أنيسة، عن يحيى بن الحصين، عن جدته أم الحصين قالت: حججت مع رسول الله حجة الوداع فرأيت أسامة وبلال أحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة.
قالت: فقال رسول الله قولا كثيرا.
ثم سمعته يقول: " إن أمر عليكم عبد مجدع - حسبتها قالت أسود - يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا ".
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبيدالله، حدثنا الاعمش، عن أبى صالح - وهو ذكوان السمان - عن جابر، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: أي يوم أعظم حرمة ؟ قالوا: يومنا هذا.
قال: أي شهر أعظم حرمة ؟ قالوا: شهرنا هذا.
قال: أي بلد أعظم حرمة ؟ قالوا: بلدنا هذا.
قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، هل بلغت ؟ قالوا: نعم.
قال اللهم اشهد.
انفرد به أحمد من هذا الوجه، وهو على شرط الصحيحين.
ورواه أبو بكر بن أبى شيبة عن أبى معاوية، عن الاعمش به.
وقد تقدم حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر في خطبته عليه السلام يوم عرفة.
فالله أعلم.
قال الامام أحمد: حدثنا على بن بحر، حدثنا عيسى بن يونس، عن الاعمش،
عن أبى صالح، عن أبى سعيد الخدرى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
فذكر معناه.
وقد رواه ابن ماجه عن هشام بن عمار، عن عيسى بن يونس به.
وإسناده على شرط الصحيحين.
فالله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أبو هشام، حدثنا حفص، عن الاعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة وأبى سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: أي يوم هذا ؟ قالوا: يوم حرام: قال: " فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ".
ثم قال البزار: رواه أبو معاوية، عن الاعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة وأبى سعيد.
وجمعهما لنا أبو هشام.
عن حفص بن غياث، عن الاعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة وأبى سعيد.
قلت: وتقدم رواية أحمد له عن محمد بن عبيد الطنافسى، عن الاعمش، عن أبى صالح، عن جابر بن عبدالله، فلعله عند أبى صالح عن الثلاثة.
والله أعلم.
* * * وقال هلال بن يساف، عن سلمة بن قيس الاشجعى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " إنما هن أربع، لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا ولا تسرقوا ".
قال: فما أنا بأشح عليهن منى حين سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه أحمد والنسائي من حديث منصور، عن هلال بن يساف.
وكذلك رواه سفيان بن عيينة والثوري عن منصور.
وقال ابن حزم في حجة الوداع: حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري، حدثنا
أبو ذر عبدالله بن أحمد الهروي الانصاري، حدثنا أحمد بن عبدان الحافظ بالاهواز، حدثنا سهل بن موسى بن شيرزاد، حدثنا موسى بن عمرو بن عاصم، حدثنا أبو العوام، حدثنا محمد بن جحادة، عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك، قال: شهدت رسول الله في حجة الوداع وهو يخطب وهو يقول: " أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك " قال: فجاء قوم فقالوا: يا رسول الله قتلنا بنو يربوع.
فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجنى نفس على أخرى " ثم سأله رجل نسى أن يرمى الجمار، فقال: " ارم ولا حرج " ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله نسيت الطواف فقال: طف ولا حرج.
ثم أتاه آخر حلق قبل أن يذبح قال: اذبح ولا حرج.
فما سألوه يومئذ عن شئ إلا قال: " لا حرج لا حرج ".
ثم قال: " قد أذهب الله الحرج إلا رجلا اقترض امرءا مسلما فذلك الذى حرج وهلك ".
وقال " ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء إلا الهرم ".
وقد روى الامام أحمد وأهل السنن بعض هذا السياق من هذه الطريق.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الامام أحمد: حدثنا حجاج، حدثنى شعبة، عن على بن مدرك، سمعت أبا زرعة يحدث عن جرير - وهو جده -، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: في حجة الوداع: يا جرير استنصت الناس.
ثم قال: في خطبته: " لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ".
ثم رواه أحمد، عن غندر وعن ابن مهدى، كل منهما عن شعبة به.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به.
وقال أحمد: حدثنا ابن نمير، حدثنا إسماعيل، عن قيس، قال بلغنا أن جريرا قال: قال رسول الله: استنصت الناس.
ثم قال عند ذلك: " لا أعرفن بعد ما أرى
ترجعون كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ": ورواه النسائي من حديث عبدالله بن نمير به.
وقال النسائي: حدثنا هناد بن السرى، عن أبى الاحوص، عن ابن غرقدة، عن سليمان بن عمرو، عن أبيه، قال: شهدت رسول الله في حجة الوداع يقول: أيها الناس.
ثلاث مرات.
أي يوم هذا ؟ قالوا: يوم الحج الاكبر.
قال: " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، ولا يجنى جان على ولده، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا، ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى، ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية يوضع، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون " وذكر تمام الحديث.
* * * وقال أبو داود: باب من قال يخطب (1) يوم النحر: حدثنا هارون بن عبدالله، حدثنا هشام بن عبدالملك، حدثنا عكرمة - هو ابن عمار - حدثنا الهرماس بن زياد الباهلى قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الاضحى بمنى.
ورواه أحمد والنسائي من غير وجه، عن عكرمة بن عمار، عن الهرماس.
قال: كان أبى مردفي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى يوم النحر على ناقته العضباء.
__________
(1) أبو داود 1 / 307: خطب.
(*)
لفظ أحمد، وهو من ثلاثيات المسند.
ولله الحمد.
ثم قال أبو داود: حدثنا مؤمل بن الفضل الحرانى، حدثنا الوليد (1)، حدثنا
ابن جابر، حدثنا سليم بن عامر [ الكلاعى (2) ] سمعت أبا أمامة يقول: سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبدالرحمن، عن معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر الكلاعى، سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ على الجدعاء واضع رجليه في الغرز يتطاول ليسمع الناس.
فقال بأعلى صوته: ألا تسمعون ؟ فقال رجل من طوائف الناس: يا رسول الله ماذا تعهد إلينا ؟ فقال: " اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأطيعوا إذا أمرتم، تدخلوا جنة ربكم ".
فقلت: يا أبا أمامة مثل من أنت يومئذ ؟ قال: أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة أزاحم البعير أزحزحه قدما لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه أحمد أيضا عن زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، وأخرجه الترمذي عن موسى بن عبدالرحمن الكوفى، عن زيد بن الحباب، وقال: حسن صحيح.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا إسماعيل بن عباس، حدثنا شرحبيل ابن مسلم الخولانى، سمعت أبا أمامة الباهلى يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: " إن الله قد أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث، والولد للفراش وللعاهر الحجر وحسابهم على الله، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة، لا تنفق امرأة من بيتها إلا بإذن زوجها ".
__________
(1) أبو داود: حدثنا الوليد بن جابر، حدثنا سليم.
(2) من سنن أبى داود 1 / 307 (*)
فقيل: يا رسول الله ولا الطعام ؟ قال: ذاك أفضل أموالنا.
ثم قال رسول الله: " العارية مؤداة والمنحة مردودة، والدين مقضى، والزعيم غارم ".
ورواه أهل السنن الاربعة من حديث إسماعيل بن عياش، وقال الترمذي: حسن.
ثم قال أبو داود رحمه الله: باب متى يخطب (1) يوم النحر: حدثنا عبد الوهاب بن عبدالرحيم الدمشقي، حدثنا مروان، عن هلال بن عامر المزني، حدثنى رافع بن عمرو المزني، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء وعلى يعبر عنه والناس بين قائم وقاعد.
ورواه النسائي عن دحيم، عن مروان الفزارى به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا هلال بن عامر المزني، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله يخطب الناس بمنى على بغلة وعليه برد أحمر.
قال: ورجل من أهل بدر بين يديه يعبر عنه.
قال: فجئت حتى أدخلت يدى بين قدمه وشراكه.
قال: فجعلت أعجب من بردها.
حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا شيخ من بنى فزارة، عن هلال بن عامر المزني، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله على بغلة شهباء وعلى يعبر عنه.
ورواه أبو داود من حديث أبى معاوية، عن هلال بن عامر.
ثم قال أبو داود: باب ما يذكر الامام في خطبته بمنى: حدثنا مسدد، حدثنا عبد الوارث، عن حميد الاعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمى، عن عبدالرحمن بن معاذ التيمى، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع السبابتين
__________
(1) أبو داود: أي وقت يخطب.
(*)
ثم قال بحصى الخذف، ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد، وأمر الانصار فنزلوا من وراء المسجد، ثم نزل الناس بعد ذلك.
وقد رواه أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه.
وأخرجه النسائي من حديث ابن المبارك، عن عبد الوارث كذلك.
وتقدم رواية الامام أحمد له عن عبد الرزاق، عن معمر، عن محمد بن ابراهيم التيمى، عن عبدالرحمن بن معاذ، عن رجل من الصحابة.
فالله أعلم.
وثبت في الصحيحين من حديث ابن جريج، عن الزهري، عن عيسى بن طلحة، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو يخطب يوم النحر فقام إليه رجل فقال: كنت أحسب أن كذا وكذا قبل كذا وكذا.
ثم قام آخر فقال: كنت أحسب أن كذا وكذا قبل كذا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " افعل ولا حرج ".
وأخرجاه من حديث مالك.
زاد مسلم: ويونس عن الزهري به.
وله ألفاظ كثيرة ليس هذا موضع استقصائها.
ومحله كتاب الاحكام وبالله المستعان.
وفى لفظ الصحيحين قال: فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم عن شئ قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج.
فصل ثم نزل عليه السلام بمنى حيث المسجد اليوم، فيما يقال، وأنزل المهاجرين يمنته والانصار يسرته والناس حولهم من بعدهم.
وقال الحافظ البيهقى: أبو عبد الله الحافظ أنبأنا على بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري، حدثنا عبيدالله بن موسى، أنبأنا إسرائيل، عن
إبراهيم بن مهاجر، عن يوسف بن ماهك، عن أم مسيكة، عن عائشة، قالت: قيل يا رسول الله: ألا نبنى لك بمنى بناء يظلك ؟ قال: لا، منى مناخ من سبق.
وهذا إسناد لا بأس به، وليس هو في المسند ولا في الكتب الستة من هذا الوجه.
وقال أبو داود: حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلى، حدثنا يحيى، عن ابن جريج [ حدثنى حريز (1) ] أو أبو حريز الشك من يحيى، أنه سمع عبدالرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر قال: إنا نتبايع بأموال الناس فيأتى أحدنا مكة فيبيت على المال، فقال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات بمنى وظل.
انفرد به أبو داود (2).
ثم قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبى شيبة، حدثنا ابن نمير وأبو أسامة، عن عبيدالله عن نافع، عن ابن عمر قال استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالى منى من أجل سقايته فأذن له.
وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن نمير.
زاد البخاري: وأبى ضمرة أنس بن عياض.
زاد مسلم: وأبى أسامة حماد بن أسامة.
وقد علقه البخاري عن أبى أسامة وعقبة بن خالد، كلهم عن عبيدالله ابن عمر به.
* * * وقد كان صلى الله عليه وسلم يصلى بأصحابه بمنى ركعتين، كما ثبت عنه ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود وحارثة بن وهب رضى الله عنهما.
ولهذا ذهب طائفة من العلماء إلى أن سبب هذا القصر النسك، كما هو قول طائفة من المالكية وغيرهم.
قالوا: ومن قال: إنه عليه السلام كان يقول بمنى لاهل مكة: أتموا
__________
(1) سقط من المطبوعة.
(2) سنن أبى داود 1 / 308.
(*)
فإنا قوم سفر: فقد غلط إنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو نازل بالابطح، كما تقدم.
والله أعلم.
وكان صلى الله عليه سلم يرمى الجمرات الثلاث في كل يوم من أيام منى بعد الزوال
كما قال جابر فيما تقدم، ماشيا كما قال ابن عمر فيما سلف، كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.
ويقف عند الاولى وعند الثانية يدعو الله عزوجل ولا يقف عند الثالثة.
قال أبو داود: حدثنا على بن بحر، وعبد الله بن سعيد المعنى، قالا حدثنا أبو خالد الاحمر، عن محمد بن إسحاق، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها [ ليالى (1) ] أيام التشريق، يرمى الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة ويقف عند الاولى والثانية فيطيل المقام ويتضرع، ويرمى الثالثة لا يقف عندها.
انفرد به أبو داود.
وروى البخاري من غير وجه، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أنه كان يرمى الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم ثم يسهل، فيقوم مستقبل القبلة طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمى الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل فيقوم مستقبل القبلة، ويدعو، ويرجع يديه، ويقوم طويلا.
ثم يرمى جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
وقال وبرة بن عبدالرحمن: قام ابن عمر عند العقبة بقدر قراءة سورة البقرة.
وقال أبو مجلز: حزرت قيامه بقدر قراءة سورة يوسف.
ذكرهما البيهقى.
__________
(1) من سنن أبى داود 1 / 309.
(*)
وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبدالله بن أبى بكر، عن أبيه، عن أبى القداح، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا
يوما ويرعوا يوما.
وقال أحمد: حدثنا محمد بن أبى بكر وأنبأنا روح، حدثنا ابن جريج، أخبرني محمد ابن أبى بكر بن محمد بن عمرو، عن أبيه، عن أبى القداح بن عاصم بن عدى، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر، ثم يدعوا يوما وليلة ثم يرموا الغد.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبدالرحمن، حدثنا مالك، عن عبدالله بن بكر، عن أبيه، عن أبى القداح بن عاصم بن عدى عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الابل في البيتوتة بمنى حتى يرموا يوم النحر ثم يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد أو من بعد الغد ليومين ثم يرمون يوم النفر.
وكذا رواه عن عبد الرزاق عن مالك بنحوه.
وقد رواه أهل السنن الاربعة من حديث مالك ومن حديث سفيان بن عيينة به.
قال الترمذي: ورواية مالك أصح، وهو حديث حسن صحيح.
فصل فيما ورد من الاحاديث الدالة على أنه عليه السلام خطب الناس بمنى في اليوم الثاني من أيام التشريق وهو أوسطها قال أبو داود: باب أي يوم يخطب: حدثنا محمد بن العلاء، أنبأنا ابن المبارك، عن إبراهيم بن نافع، عن ابن أبى نجيح، عن أبيه، عن رجلين من بنى بكر، قالا: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته،
وهى خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى خطب بمنى.
انفرد به أبو داود.
ثم قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عاصم، حدثنا ربيعة بن عبدالرحمن
ابن حصين (1)، حدثتني جدتى سراء بنت نبهان - وكانت ربة بيت في الجاهلية - قالت: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرؤوس فقال: أي يوم هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: أليس أوسط أيام التشريق ؟ انفرد به أبو داود.
قال أبو داود: وكذلك قال عم أبى حرة (2) الرقاشى أنه خطب أوسط أيام التشريق.
وهذا الحديث قد رواه الامام أحمد متصلا مطولا فقال: حدثنا عثمان، حدثنا حماد ابن سلمة، أنبأنا على بن زيد، عن أبى حرة الرقاشى، عن عمه، قال: كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس.
فقال: يا أيها الناس أتدرون في أي شهر أنتم وفى أي يوم أنتم وفى أي بلد أنتم ؟ قالوا: في يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام.
قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى أن تلقوه.
ثم قال: " اسمعوا منى تعيشوا، ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمى هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم [ ابن ] ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب كان مسترضعا في بنى سعد فقتلته هذيل، ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع وإن الله قضى
__________
(1) سنن أبى داود 1 / 307: ابن حصن.
(2) الاصل أبو حمزة.
وما أثبته عن سنن أبى داود 1 / 307.
وميزان الاعتدال 1 / 621.
أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبدالمطب، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون.
ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض.
ثم قرأ: " إن عدة
الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم "، ألا لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكنه في التحريش بينكم.
واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان (1) لا يملكن لانفسهن شيئا، وإن لهن عليكم حقا ولكم عليهن حق، ألا يوطئن فرشكم أحدا غيركم، ولا يأذن في بيوتكم لاحد تكرهونه.
فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ".
وبسط يده وقال: ألا هل بلغت ؟ ألا هل بلغت ؟ ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع.
قال حميد: قال الحسن حين بلغ هذه الكلمة: قد والله بلغوا أقواما كانوا أسعد به.
وقد روى أبو داود في كتاب النكاح من سننه عن موسى بن إسماعيل، عن حماد ابن سلمة، عن على بن زيد بن جدعان، عن أبى حرة الرقاشى - واسمه حنيفة - عن عمه ببعضه (2) في النشوز.
__________
(1) العوانى: الاسرى، جمع عان.
(2) سنن أبى داود 1 / 334.
(*)
قال ابن حزم: جاء أنه خطب يوم الرؤوس وهو اليوم الثاني من يوم النحر بلا خلاف عند أهل مكة، وجاء أنه أوسط أيام التشريق، فتحمل على أن أوسط بمعنى أشرف كما قال تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " وهذا المسلك الذى أخذه ابن حزم بعيد والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا الوليد بن عمرو بن مسكين، حدثنا أبو همام محمد بن الزبرقان، حدثنا موسى بن عبيدة، عن عبدالله بن دينار وصدقة بن يسار، عن عبدالله بن عمر، قال: نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى وهو في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع: " إذ جاء نصر الله والفتح " فعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت له ثم ركب فوقف للناس بالعقبة، فاجتمع إليه ما شاء الله من المسلمين، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد، أيها الناس فإن كل دم كان في الجاهلية فهو هدر، وإن أول دمائكم أهدر دم [ ابن ] ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بنى ليث فقتلته هذيل.
وكل ربا في الجاهلية فهو موضوع، وأن أول رباكم أضع ربا العباس بن عبدالمطلب.
أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر منها أربعة حرم رجب - مضر - الذى بين جمادى وشعبان، وذو القعدة وذو الحجة والمحرم " ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم " الآية " إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله " كانوا يحلون صفر عاما ويحرمون المحرم عاما، ويحرمون صفر عاما ويحلون المحرم عاما، فذلك النسئ.
يا أيها الناس من كان عنده وديعة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد ببلادكم آخر الزمان، وقد يرضى عنكم، بمحقرات الاعمال، فاحذروه
على دينكم بمحقرات الاعمال، أيها الناس إن النساء عندكم عوان أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، لكم عليهن حق ولهن عليكم حق، ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم ولا يعصينكم في معروف، فإن فعلن ذلك فليس لكم عليهن سبيل، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، فأن ضربتم فاضربوا ضربا غير مبرح.
ولا يحل
لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه، أيها الناس إنى قد تركت فيكم، ما إن أخذتم به لم تضلوا، كتاب الله، فاعملوا به.
أيها الناس أي يوم هذا ؟ قالوا: يوم حرام.
قال: فأى بلد هذا ؟ قالوا بلد حرام.
قال: أي شهر هذا ؟ قالوا: شهر حرام.
قال: فإن الله حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة هذا اليوم في هذا البلد وهذا الشهر، ألا ليبلغ شاهدكم غائبكم، لا نبى بعدى ولا أمة بعدكم.
ثم رفع يديه فقال: اللهم اشهد.
ذكر إيراد حديث فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت في كل ليلة من ليالى منى قال البخاري: يذكر عن أبى حسان عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت في أيام منى.
هكذا ذكره معلقا بصيغة التمريض.
وقد قال الحافظ البيهقى: أخبرناه أبو الحسن بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيدالصفار، حدثنا العمرى، أنبأنا ابن عرعرة، فقال: دفع إلينا معاذ بن هشام كتابا قال: سمعته من أبى ولم يقرأه.
قال: فكان فيه: عن قتادة، عن أبى حسان، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة ما دام بمنى.
قال: وما رأيت أحدا واطأه عليه.
قال البيهقى: وروى الثوري في الجامع عن ابن طاوس، عن طاوس، عن ابن عباس،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة - يعنى ليالى منى - وهذا مرسل.
فصل اليوم السادس من ذى الحجة قال بعضهم: يقال له يوم الزينة، لانه يزين فيه البدن
بالجلال وغيرها.
واليوم السابع يقال له يوم التروية، لانهم يتروون فيه من الماء ويحملون منه ما يحتاجون إليه حال الوقوف وما بعده.
واليوم الثامن يقال له يوم منى لانهم يرحلون فيه من الابطح إلى منى.
واليوم التاسع يقال له يوم عرفة، لوقوفهم فيه بها.
واليوم العاشر يقال له يوم النحر ويوم الاضحى ويوم الحج الاكبر.
واليوم الذى يليه يقال له يوم القر، لانهم يقرون فيه، ويقال له يوم الرؤوس لانهم يأكلون فيه رءوس الاضاحي، وهو أول أيام التشريق.
وثاني أيام التشريق يقال له يوم النفر الاول، لجواز النفر فيه، وقيل هو اليوم الذى يقال له يوم الرؤوس.
واليوم الثالث من أيام التشريق يقال له يوم النفر الآخر.
قال الله تعالى: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه (1) " الآية.
* * * [ فلما ن يوم النفر الآخر وهو اليوم الثالث من أيام التشريق ] (2)، وكان يوم الثلاثاء ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، فنفر بهم من منى فنزل المحصب، وهو واد بين مكة ومنى فصلى به العصر.
كما قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا إسحاق بن يوسف، حدثنا سفيان
__________
(1) سورة البقرة.
(2) سقط من ا.
(*)
الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع، قال سألت أنس بن مالك: أخبرني عن شئ عقلته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أين صلى الظهر يوم التروية ؟ قال: بمنى.
قلت: فأين صلى العصر يوم النفر ؟ قال: بالابطح، افعل كما يفعل أمراؤك.
وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم النفر بالابطح، وهو المحصب.
فالله أعلم.
قال البخاري: حدثنا عبد المتعال بن طالب، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن قتادة حدثه، أن أنس بن مالك حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلى الظهر والعصر [ والمغرب ] (1) والعشاء، ورقد رقدة في المحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به.
قلت: يعنى طواف الوداع.
وقال البخاري: حدثنا عبدالله بن عبد الوهاب، حدثنا خالد بن الحارث، قال: سئل عبدالله عن المحصب فحدثنا عبيد الله عن نافع قال: نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وابن عمر.
وعن نافع: أن ابن عمر كان يصلى بها - يعنى المحصب - الظهر والعصر، أحسبه قال: والمغرب.
قال خالد: لا أشك في العشاء، ثم يهجع هجعة ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا نوح بن ميمون، أنبأنا عبدالله، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان نزلوا المحصب.
هكذا رأيته في مسند الامام أحمد من حديث عبدالله العمرى عن نافع.
وقد روى الترمذي هذا الحديث عن إسحاق بن منصور.
وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن يحيى، كلاهما عن عبد الرزاق، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ينزلون الابطح.
قال الترمذي: وفى الباب عن عائشة وأبى رافع وابن عباس، وحديث ابن عمر
__________
(1) من البخاري.
(*)
حسن غريب، وإنما نعرفه من حديث عبد الرزاق عن عبيدالله بن عمر به.
وقد رواه مسلم عن محمد بن مهران الرازي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون الابطح.
ورواه مسلم أيضا من حديث صخر بن جويرية، عن نافع عن ابن عمر، أنه كان ينزل المحصب (1)، وكان يصلى الظهر يوم النفر بالحصبة.
قال نافع: قد حصب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده.
وقال الامام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حماد - يعنى ابن سلمة - عن أيوب وحميد، عن بكر بن عبدالله، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع هجعة، ثم دخل - يعنى مكة - فطاف بالبيت.
ورواه أحمد أيضا عن عفان، عن حماد، عن حميد، عن بكر، عن ابن عمر فذكره.
وزاد في آخره: وكان ابن عمر يفعله.
وكذلك رواه أبودواد عن أحمد بن حنبل.
وقال البخاري: حدثنا الحميدى، حدثنا الوليد، حدثنا الاوزاعي، حدثنى الزهري، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر بمنى: " نحن نازلون غدا بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا على الكفر " - يعنى بذلك المحصب - الحديث.
ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن الوليد بن مسلم، عن الاوزاعي.
فذكر مثله سواء.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن على بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد، قال: قلت يا رسول الله أين تنزل غدا - في حجته - ؟ قال: وهل ترك لنا عقيل منزلا ! ثم قال: نحن نازلون غدا إن شاء الله
__________
(1) ت: كان يرى المحصب سنة.
(*)
بخيف بنى كنانة - يعنى المحصب - حيث قاسمت قريشا على الكفر.
وذلك أن بنى كنانة حالفت قريشا على بنى هاشم أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤوهم - يعنى حتى يسلموا - إليهم رسول الله.
ثم قال عند ذلك: " لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم " قال الزهري: والخيف: الوادي.
أخرجاه من حديث عبد الرزاق.
وهذان الحديثان فيهما دلالة على أنه عليه السلام قصد النزول في المحصب مراغمة لما كان تمالا عليه كفار قريش لما كتبوا الصحيفة في مصارمة بنى هاشم وبنى المطلب حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما قدمنا بيان ذلك في موضعه.
وكذلك نزله عام الفتح، فعلى هذا يكون نزوله سنة مرغبا فيها، وهو أحد قولى العلماء.
وقد قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، أنبأنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: إنما كان منزلا ينزله النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أسمح لخروجه - يعنى الابطح -.
وأخرجه مسلم من حديث هشام به.
ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن سعيد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: إنما نزل رسول الله المحصب ليكون أسمح لخروجه، وليس بسنة، فمن شاء نزله ومن شاء لم ينزله.
وقال البخاري: حدثنا على بن عبدالله، حدثنا سفيان، قال: قال عمرو عن عطاء، عن ابن عباس قال: ليس التحصيب بشئ، إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه مسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة وغيره، عن سفيان - وهو ابن عيينة - به.
وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل وعثمان بن أبى شيبة المعنى ومسدد، قالوا: حدثنا سفيان، حدثنا صالح بن كيسان، عن سليمان بن يسار، قال: قال أبو رافع:
لم يأمرنى، يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أنزله، ولكن ضربت قبته فنزله.
قال مسدد: وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال عثمان - يعنى [ في ] (1) الابطح -.
ورواه مسلم عن قتيبة وأبى بكر وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة به.
والمقصود أن هؤلاء كلهم اتفقوا على نزول النبي صلى الله عليه وسلم في المحصب لما نفر من منى، ولكن اختلفوا: فمنهم من قال: لم يقصد نزوله وإنما نزله اتفاقا ليكون أسمح لخروجه.
ومنهم من أشعر كلامه بقصده عليه السلام نزوله، وهذا هو الاشبه.
وذلك أنه عليه السلام أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، وكانوا قبل ذلك ينصرفون من كل وجه، كما قال ابن عباس، فأمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت - يعنى طواف الوداع - فأراد عليه السلام أن يطوف هو ومن معه من المسلمين بالبيت طواف الوداع وقد نفر من منى قريب الزوال، فلم يكن يمكنه أن يجئ البيت في بقية يومه ويطوف به ويرحل إلى ظاهر مكة من جانب المدينة، لان ذلك قد يتعذر على هذا الجم الغفير، فاحتاج أن يبيت قبل مكة.
ولم يكن منزل أنسب لمبيته من المحصب الذى كانت قريش قد عاقدت بنى كنانة على بنى هاشم وبنى المطلب فيه، فلم يبرم الله لقريش أمرا بل كبتهم وردهم
__________
(1) من سنن أبى داود 1 / 314.
(*)
خائبين، وأظهر الله دينه ونصر نبيه وأعلى كلمته، وأتم له الدين القويم، وأوضح به الصراط المستقيم فحج بالناس وبين لهم شرائع الله وشعائره، وقد نفر بعد إكمال المناسك فنزل في الموضع الذى تقاسمت قريش فيه على الظلم والعدوان والقطيعة، فصلى به الظهر والعصر
والمغرب والعشاء وهجع هجعة.
وقد كان بعث عائشة أم المؤمنين مع أخيها عبدالرحمن ليعمرها من التنعيم، فإذا فرغت أتته، فلما قضت عمرتها ورجعت أذن في المسلمين بالرحيل إلى البيت العتيق.
كما قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية، حدثنا خالد، عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة، قالت: أحرمت من التنعيم بعمرة فدخلت فقضيت عمرتي، وانتظرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالابطح حتى فرغت، وأمر الناس بالرحيل.
قالت: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فطاف به ثم خرج.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث أفلح بن حميد.
ثم قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو بكر - يعنى الحنفي - حدثنا أفلح عن القاسم، عن عائشة، قالت: خرجت معه، تعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، [ في ] (1) النفر الآخر فنزل المحصب.
قال أبو داود: فذكر ابن بشار بعثها إلى التنعيم، قالت: ثم جئت سحرا، فأذن في أصحابه بالرحيل فارتحل، فمر بالبيت قبل صلاة الصبح، فطاف به حين خرج، ثم انصرف متوجها إلى المدينة.
ورواه البخاري عن محمد بن بشار به.
* *
__________
(1) من سنن أبى داود 1 / 314.
(*)
قلت: والظاهر أنه عليه السلام صلى الصبح يومئذ عند الكعبة بأصحابه، وقرأ في صلاته تلك بسورة " والطور وكتاب مسطور في رق منشور.
والبيت المعمور والسقف المرفوع.
والبحر المسجور " السورة بكمالها.
وذلك لما رواه البخاري حيث قال: حدثنا إسماعيل، حدثنى مالك، عن محمد بن عبدالرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبى سلمة، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: شكوت إلى رسول الله أنى أشتكى، قال: طوفى من وراء الناس وأنت راكبة.
فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى حينئذ إلى جنب البيت وهو يقرأ: " والطور وكتاب مسطور ".
وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث مالك بإسناد نحوه.
وقد رواه البخاري من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة، أن رسول الله قال وهو بمكة وأراد الخروج، ولم تكن أم سلمة طافت وأرادت الخروج فقال لها: " إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفى على بعيرك والناس يصلون " فذكر الحديث.
فأما ما رواه الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبى سلمة، عن أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة.
فهو إسناد كما ترى على شرط الصحيحين، ولم يخرجه أحد من هذا الوجه بهذا اللفظ ولعل قوله: " يوم النحر " غلط من الراوى أو من الناسخ، وإنما هو يوم النفر، ويؤيده ما ذكرناه من رواية البخاري.
والله أعلم.
والمقصود أنه عليه السلام لما فرغ من صلاة الصبح طاف بالبيت سبعا ووقف في الملتزم بين الركن الذى فيه الحجر الاسود وبين باب الكعبة، فدعا الله عزوجل وألزق جسده
بجدار الكعبة.
قال الثوري عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزق وجهه وصدره بالملتزم.
المثنى ضعيف.
فصل ثم خرج عليه السلام من أسفل مكة كما قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من أعلاها وخرج من أسفلها.
أخرجاه.
وقال ابن عمر: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثنية العليا التى بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى.
رواه البخاري ومسلم.
وفى لفظ: دخل من كداء وخرج من كدى.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا أجلح بن عبدالله، عن أبى الزبير، عن جابر، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة عند غروب الشمس، فلم يصل حتى أتى سرف، وهى على تسعة أميال من مكة.
وهذا غريب جدا، وأجلح فيه نظر.
ولعل هذا في غير حجة الوداع، فإنه عليه السلام كما قدمنا طاف بالبيت بعد صلاة الصبح، فماذا أخره إلى وقت الغروب ؟ هذا غريب جدا.
اللهم إلا أن يكون ما ادعاه ابن حزم صحيحا من أنه عليه السلام رجع إلى المحصب من مكة بعد طوافه بالبيت طواف الوداع، ولم يذكر دليلا على ذلك إلا قول عائشة حين رجعت من اعتمارها من التنعيم فلقيته بصعدة، وهو منهبط على أهل مكة، أو منهبطة وهو مصعد.
قال ابن حزم: الذى لا شك فيه أنها كانت مصعدة من مكة وهو منهبط، لانها
تقدمت إلى العمرة وانتظرها حتى جاءت، ثم نهض عليه السلام إلى طواف الوداع فلقيها منصرفه إلى المحصب من مكة.
وقال البخاري: باب من نزل بذى طوى إذا رجع من مكة.
وقال محمد بن عيسى: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان إذا أقبل بات بذى طوى حتى إذا أصبح دخل، وإذا نفر مر بذى طوى وبات بها حتى يصبح، وكان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
هكذا ذكر هذا معلقا بصيغة الجزم، وقد أسنده هو ومسلم من حديث حماد بن زيد به، لكن ليس فيه ذكر المبيت بذى طوى في الرجعة.
فالله أعلم.
* * * فائدة عزيزة: فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصحب معه من ماء زمزم شيئا.
قال الحافظ أبو عيسى الترمذي: حدثنا أبو كريب، حدثنا خلاد بن يزيد الجعفي، حدثنا زهير بن معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله.
ثم قال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبدالله - هو ابن المبارك - حدثنا موسى بن عقبة، عن سالم ونافع، عن عبدالله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من الغزو أو من الحج أو من العمرة، يبدأ فيكبر ثلاث مرات ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده.
والاحاديث في هذا كثيرة ولله الحمد والمنة.
فصل في إيراد الحديث الدال على أنه عليه السلام خطب بمكان بين مكة والمدينة،
مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة - يقال له غدير خم - فبين فيها فضل على بن أبى طالب وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التى ظنها بعضهم جورا وتضييقا وبخلا، والصواب كان معه في ذلك.
ولهذا لما تفرغ عليه السلام من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بين ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذى الحجة عامئذ، وكان يوم الاحد بغدير خم، تحت شجرة هناك، فبين فيها أشياء.
وذكر من فضل على وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه.
ونحن نورد عيون الاحاديث الواردة في ذلك ونبين ما فيها من صحيح وضعيف، بحول الله وقوته وعونه.
وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ، فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وساق الغث والسمين والصحيح والسقيم، على ما جرت به عادة كثير من المحدثين، يوردون ما وقع لهم في ذلك الباب من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه.
وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة.
ونحن نورد عيون ما روى في ذلك، مع إعلامنا أنه لاحظ للشيعة فيه، ولا متمسك لهم ولا دليل، لما سنبينه وننبه عليه.
فنقول وبالله المستعان:
قال محمد بن إسحاق - في سياق حجة الوداع -: حدثنى يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبى عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، قال: لما أقبل على من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، تعجل إلى رسول الله واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم
حلة من البز الذى كان مع على.
فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل، قال: ويلك ما هذا ؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس.
قال: ويلك ! انزع قبل أن تنتهى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فانتزع الحلل من الناس فردها في البز، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبدالله بن عبدالرحمن بن معمر بن حزم، عن سليمان ابن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبى سعيد الخدرى - عن أبى سعيد، قال: اشتكى الناس عليا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا، فسمعته يقول: " أيها الناس لا تشكوا عليا، فوالله إنه لاخشن في ذات الله أو في سبيل الله [ من أن يشكى (1) ].
ورواه الامام أحمد من حديث محمد بن إسحاق به وقال: إنه لاخشن في ذات الله أو في سبيل الله.
وقال الامام أحمد: حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا ابن أبى غنية، (2) عن الحكم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن بريدة قال: غزوت مع على اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه
__________
(1) من ابن هشام 2 / 603.
(2) الاصل: عينة.
(*)
رسول الله يتغير، فقال: " يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قلت: بلى يا رسول الله.
قال: " من كنت مولاه فعلى مولاه ".
وكذا رواه النسائي عن أبى داود الحرانى، عن أبى نعيم الفضل بن دكين، عن عبدالملك بن أبى غنية بإسناده نحوه.
وهذا إسناد جيد قوى رجاله كلهم ثقات.
وقد روى النسائي في سننه، عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن حماد، عن أبى معاوية، عن الاعمش، عن حبيب بن أبى ثابت، عن أبى الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: لما رجع رسول الله من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن (1) ثم قال: " كأنى قد دعيت فأجبت، إنى قد تركت فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتى، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض " ثم قال: " الله مولاى وأنا ولى كل مؤمن " ثم ثم أخذ بيد على فقال: " من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
فقلت لزيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه.
تفرد به النسائي من هذا الوجه.
قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح.
* * * وقال ابن ماجه: حدثنا على بن محمد، أخبرنا أبو الحسين، أنبأنا حماد بن سلمة، عن على بن زيد بن جدعان، عن عدى بن ثابت، عن البراء بن عازب، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التى حج، فنزل في الطريق، فأمر الصلاة جامعة.
__________
قممن: كنسن.
(*)
فأخذ بيد على فقال: " ألست بأولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: بلى.
قال: ألست بأولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا: بلى.
قال: فهذا ولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
وكذا رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن على بن زيد بن جدعان، عن عدى عن البراء.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي والحسن بن سفيان: حدثنا هدبة، حدثنا حماد بن سلمة، عن على بن زيد وأبى هارون، عن عدى بن ثابت، عن البراء، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فلما أتينا على غدير خم كسح (1) لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين، ونودى في الناس الصلاة جامعة، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وأخذ بيده فأقامه عن يمينه فقال: " ألست أولى بكل امرئ من نفسه ؟ قالوا: بلى.
قال: فإن هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
فلقيه عمر بن الخطاب فقال: هنيئا لك ! أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ! ورواه ابن جرير، عن أبى زرعة، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن على بن زيد، وأبى هارون العبدى - وكلاهما ضعيف - عن عدى بن ثابت، عن البراء بن عازب به.
وروى ابن جرير هذا الحديث من حديث موسى بن عثمان الحضرمي - وهو ضعيف جدا - عن أبى إسحاق السبيعى، عن البراء وزيد بن أرقم.
فالله أعلم.
__________
(1) كسح: كنس (*)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق