82.ب نوش

ب نوشيرك 8.

 الثانوية العامة ٣ثانوي. /عقوبة من قتل نفسه؟وصف الجنة والحور العين /المدونة التعليمبة الثانية أسماء صلاح ٣.ثانوي عام /الفتن ونهاية العالم /المقحمات ا. /قانون الحق الإلهي اا /القرانيون الفئة الضالة اوه /قواعد وثوابت قرانية /مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها اوهو /المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة /مدونة  /الصفحات المقتوحة /الخوف من الله الواحد؟ /قانون ثبات سنة الله في الخلق /اللهم ارحم أبي وأمي والصالحين /السيرة النبوية /مدونة {استكمال} مدونة قانون الحق الإلهي /مدونة الحائرين الملتاعين. /الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها /عياذا بالله الواحد./  لابثين فيها أحقابا /المدونة المفتوحة /نفحات من سورة الزمر/  /أمَاهُ عافاكِ الله ووالدي ورضي عنكما ورحمكما /ترجمة معان القران /مصنفات اللغة العربية /كتاب الفتن علامات القيامة لابن كثير /قانون العدل الإلهي /الفهرست /جامعة المصاحف /قانون الحق الإلهي /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /تعلم للتفوق بالثانوية العامة /مدونات لاشين /الرافضة /قانون الحق الألهي ٣ /قانون الحق الإلهي٤. /حدود التعاملات /العقائدية بين المسلمين /المقحمات اا. /منصة الصلاة اا*/*

موضوعات علمية 

م موضوعات علمية

الجمعة، 15 يونيو 2018

ص 18 بالمدونة كتاب السيرة النبوية لابن كثير بترقيم الشاملة الجزء الخامس ج5//3.قدوم رسول ملوك حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الواقدي: وكان ذلك في رمضان سنة تسع.

السابق هو/ ص 17 بالمدونة كتاب السيرة النبوية لابن كثير

قدوم رسول ملوك حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الواقدي: وكان ذلك في رمضان سنة تسع.
قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله كتاب ملوك حمير ورسلهم بإسلامهم مقدمه من تبوك، وهم الحارث بن كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذى رعين ومعافر وهمدان وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوى بإسلامهم ومفارقتهم
الشرك وأهله.  فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله النبي إلى الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذى رعين ومعافر وهمدان، أما بعد ذلكم فإنى أحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هو، فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم، فلقينا بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به وخبرنا ما قبلكم وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين، وأن الله قد هداكم بهداه، إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغانم خمس الله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفيه وما كتب على المؤمنين في الصدقة، من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء وعلى ما سقى الغرب (1) نصف العشر، وأن في الابل في الاربعين ابنة لبون وفى ثلاثين من الابل ابن لبون ذكر، وفى كل خمس من الابل شاة وفى كل عشر [ من الابل ] (2) شاتان وفى كل أربعين من البقر بقرة، وفى كل ثلاثين تبيع جذع أو جذعة، وفى كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة، إنها فريضة الله التى فرض على المؤمنين في الصدقة، فمن زاد خيرا فهو خير له.
__________
(1) الغرب: الدلو.
(2) ليست في ا (*)
ومن أدى ذلك وأشهد على إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين له مالهم وعليه ما عليهم وله ذمة الله وذمة رسوله، وإنه من أسلم من يهودى أو نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم.
ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها، وعليه الجزية على كل حالم ذكر وأنثى حر أو عبد دينار واف (1) من قيمة المعافر أو عوضه (2) ثيابا، فمن أدى ذلك إلى رسول الله فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منعه فإنه عدو لله ولرسوله.
أما بعد، فإن رسول الله محمدا النبي أرسل إلى زرعة ذى يزن: أن إذ أتاك رسلي
فأوصيكم (3) بهم خيرا، معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك بن مرة وأصحابهم، وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخاليفكم (4) وأبلغوها رسلي، وإن أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن إلا راضيا.
أما بعد فإن محمدا يشهد (5) أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله، ثم إن مالك بن مرة الرهاوى قد حدثنى أنك أسلمت من أول حمير وقتلت المشركين، فأبشر بخير، وآمرك بحمير خيرا، ولا تخونوا ولا تخاذلوا فإن رسول الله هو مولى غنيكم وفقيركم، وإن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لاهل بيته، وإنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل، وإن مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب فآمركم به خيرا، وإنى قد أرسلت إليكم من صالحي أهلى وأولى دينهم وأولى علمهم، فآمركم بهم خيرا فإنهم منظور إليهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ".
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا عمارة، عن ثابت، عن أنس بن مالك،
__________
(1) ا: وافر.
(2) الاصل، أو عرضه.
وما أثبته عن ابن هشام.
(3) ا: فأوصهم.
(4) ا: مخالفيكم.
(5) ا: أشهد.
(*)
أن مالك ذى بزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة قد أخذها بثلاثة وثلاثين بعيرا أو ثلاثة وثلاثين ناقة.
ورواه أبو داود عن عمرو بن عون الواسطي، عن عمارة بن زاذان الصيدلانى، عن ثابت البنانى، عن أنس به.
وقد روى الحافظ البيهقى هاهنا - حديث كتاب عمرو بن حزم فقال: أنبأنا أبو عبدالله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الاصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس
ابن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثنى عبدالله بن أبى بكر، عن أبيه أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا الذى كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة ويأخذ صدقاتهم، فكتب له كتابا وعهدا وأمره فيه أمره.
فكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله ورسوله، يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود، عهدا من رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن.
أمره بتقوى الله في أمره كله، فإن الله مع الذين اتقوه والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله، وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم به، ويعلم الناس القرآن ويفقههم في الدين، وأن ينهى الناس فلا يمس أحد القرآن إلا وهو طاهر، وأن يخبر الناس بالذى لهم والذى عليهم، ويلين لهم في الحق ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله حرم الظلم ونهى عنه فقال: " ألا لعنة الله على الظالمين، الذين يصدون عن سبيل الله ".
وأن يبشر الناس بالجنة وبعملها، وينذر الناس النار وعملها، ويستألف الناس حتى يتفقهوا في الدين، ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه وما أمره الله به، والحج الاكبر الحج والحج الاصغر العمرة.
وأن ينهى الناس أن يصلى الرجل في ثوب واحد صغير إلا أن يكون واسعا
فيخالف بين طرفيه على عاتقيه، وينهى أن يحتبى الرجل في ثوب واحد ويفضى بفرجه إلى السماء، ولا ينقض شعر رأسه إذا عفى في قفاه، وينهى الناس إن كان بينهم هيج أن يدعو إلى القبائل والعشائر، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، فمن لم يدع إلى الله ودعا إلى العشائر والقبائل فليعطفوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له.
ويأمر الناس بإسباغ الوضوء، وجوههم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى
الكعبين وأن يمسحوا رؤوسهم كما أمرهم الله عزوجل، وأمروا بالصلاة لوقتها وإتمام الركوع والسجود وأن يغلس بالصبح و [ أن ] يهجر بالهاجرة حتى تميل الشمس، وصلاة العصر والشمس في الارض مبدرة، والمغرب حين يقبل الليل لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل.
وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله ما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار فيما سقى العين (1) وفيما سقت السماء العشر، وما سقى الغرب فنصف العشر، وفى كل عشر من الابل شاتان وفى عشرين أربع شياه، وفى أربعين من البقر بقرة، وفى كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة، وفى كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة، فإنها فريضة الله التى افترض على المؤمنين، فمن زاد فهو خير له.
ومن أسلم من يهودى أو نصراني إسلاما خالصا من نفسه فدان دين الاسلام، فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يغير عنها، وعلى كل حالم ذكر وأنثى حر أو عبد دينار واف أو عوضه من الثياب، فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله ورسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين جميعا.
__________
(1) الاصل: المغل.
(*)
صلوات الله على محمد.
والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ".
قال الحافظ البيهقى: وقد روى سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه عن جده هذا الحديث موصولا بزيادات كثيرة ونقصان عن بعض ما ذكرناه في الزكاة والديات وغير ذلك.
قلت: ومن هذا الوجه رواه الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في سننه مطولا، وأبو داود في كتاب المراسيل.
وقد ذكرت ذلك بأسانيده وألفاظه في السنن
ولله الحمد والمنة.
وسنذكر بعد الوفود بعث النبي صلى الله عليه وسلم الامراء إلى اليمن لتعليم الناس وأخذ صدقاتهم وأخماسهم، معاذ بن جبل وأبو موسى وخالد بن الوليد وعلى بن أبى طالب.
رضى الله عنهم أجمعين.
قدوم جرير بن عبدالله البجلى وإسلامه قال الامام أحمد: حدثنا أبو قطن، حدثنى يونس، عن المغيرة بن شبل، قال: قال جرير: لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي ثم حللت عيبتي ثم لبست حلتي، ثم دخلت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فرمانى الناس بالحدق، فقلت لجليسى: يا عبدالله هل ذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم ذكرك بأحسن الذكر، بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته وقال: يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفج من خير ذى يمن، إلا أن على وجهه مسحة ملك.
قال جرير: فحمدت الله عزوجل على ما أبلاني.
قال أبو قطن: فقلت له: سمعته منه أو سمعته من المغيرة بن شبل ؟ قال: نعم.
ثم رواه إلامام أحمد، عن أبى نعيم وإسحاق بن يوسف.
وأخرجه النسائي من
حديث الفضل بن موسى، ثلاثتهم عن يونس، عن أبى إسحاق السبيعى، عن المغيرة ابن شبل - ويقال ابن شبيل - عن عوف البجلى الكوفى، عن جرير بن عبدالله وليس له عنه غيره.
وقد رواه النسائي عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس بن أبى حازم، عن جرير ونصه: " يدخل عليكم من هذا الباب رجل على وجهه مسحة ملك " الحديث.
وهذا على شرط الصحيحين.
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا إسماعيل، عن قيس عن جرير، قال: ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رأني إلا تبسم في وجهى.
وقد رواه الجماعة إلا أبا داود، من طرق، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس بن أبى حازم عنه.
وفى الصحيحين زيادة: " وشكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى لا أثبت على الخيل فضرب بيده في صدري " وقال: " اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا ".
ورواه النسائي، عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة، عن إسماعيل، عن قيس عنه وزاد فيه: " يدخل عليكم من هذا الباب رجل على وجهه مسحة ملك " فذكر نحو ما تقدم.
وقال الحافظ البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عمرو وعثمان بن أحمد السماك، حدثنا الحسن بن سلام السواق، حدثنا محمد بن مقاتل الخراساني، حدثنا حصين
ابن عمر الاحمسي، حدثنا إسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم، عن جرير بن عبدالله، قال: بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا جرير لاى شئ جئت ؟ قلت: أسلم على يديك يارسول الله.
قال: فألقى على كساء ثم أقبل على أصحابه فقال: " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ".
ثم قال: " يا جرير، أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، وأن تؤمن بالله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وتصلى الصلاة المكتوبة وتؤدى الزكاة المفروضة ".
ففعلت ذلك، فكان بعد ذلك لا يرانى إلا تبسم في وجهى.
هذا حديث غريب من هذا الوجه.
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس بن أبى حازم، عن جرير بن عبدالله، قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبى خالد به.
وهو في الصحيحين من حديث زياد بن علاثة عن جرير به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو سعيد، حدثنا زائدة، حدثنا عاصم، عن سفيان يعنى - أبا وائل - عن جرير، قال: قلت: يا رسول الله اشترط على فأنت أعلم بالشرط.
قال: " أبايعك على أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتنصح المسلم، وتبرأ من الشرك ".
ورواه النسائي من حديث شعبة عن الاعمش، عن أبى وائل، عن جرير
وفى طريق أخرى عن الاعمش، عن منصور، عن أبى وائل، عن أبى نخيلة، عن جرير به.
فالله أعلم.
ورواه أيضا عن محمد بن قدامة، عن جرير، عن مغيرة، عن أبى وائل والشعبى عن جرير به.
ورواه عن جرير عبدالله بن عميرة.
رواه أحمد منفردا به.
وابنه عبيد الله بن جرير أحمد أيضا منفردا به.
وأبو جميلة وصوابه نخيلة.
ورواه أحمد أيضا والنسائي.
ورواه أحمد أيضا عن غندر، عن شعبة، عن منصور، عن أبى وائل، عن رجل [ عن جرير ] (1) فذكره.
والظاهر أن هذا الرجل هو أبو نخيلة البجلى والله أعلم.
* * * وقد ذكرنا بعث النبي صلى الله عليه وسلم له حين أسلم إلى ذى الخلصة بيت كان يعبده خثعم وبجيلة، وكان يقال له الكعبة اليمانية، يضاهون به الكعبة التى بمكة، ويقولون للتى ببكة الكعبة الشامية، ولبيتهم الكعبة اليمانية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تريحنى من ذى الخلصة ؟ فحينئذ شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يثبت على الخيل، فضرب بيده الكريمة في صدره حتى أثرت فيه وقال: " اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا " فلم يسقط بعد ذلك عن فرس.
ونفر إلى ذى الخلصة في خمسين ومائة راكب من قومه من أحمس، فخرب ذلك البيت وحرقه حتى تركه مثل الجمل الاجرب، وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشيرا
__________
(1) سقط من ا.
(*)
يقال له أبو أرطاة فبشره بذلك، فبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات.
والحديث مبسوط في الصحيحين وغيرهما كما قدمناه (1) بعد الفتح استطرادا بعد ذكر تخريب بيت العزى على يدى خالد بن الوليد رضى الله عنه.
والظاهر أن إسلام جرير رضى الله عنه كان متأخرا عن الفتح بمقدار جيد.
فإن الامام أحمد قال: حدثنا هاشم (2) بن القاسم، حدثنا زياد بن عبدالله بن علاثة عن عبد الكريم بن مالك الجزرى، عن مجاهد، عن جرير بن عبدالله البجلى، قال: إنما أسلمت بعد ما أنزلت المائدة وأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح بعد ما أسلمت.
تفرد به أحمد.
وهو إسناد جيد اللهم إلا أن يكون منقطعا بين مجاهد وبينه.
وثبت في الصحيحين أن أصحاب عبدالله بن مسعود كان يعجبهم حديث جرير في مسح الخف، لان إسلام جرير إنما كان بعد نزول المائدة، وسيأتى في حجة الوداع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " استنصت الناس يا جرير ".
وأنما أمره بذلك لانه كان صيتا.
وكان ذا شكل عظيم، كانت نعله طولها ذراعا، وكان من أحسن الناس وجها، وكان مع هذا من أغض الناس طرفا.
ولهذا روينا في الحديث الصحيح عنه أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: " اصرف (3) بصرك ".
__________
(1) سبق ذلك في الجزء الثالث (2) غير ا: هشام.
(3) الاصل: أطرق.
وما أثبته عن صحيح البخاري.
(*)
وفادة وائل بن حجر بن ربيعة بن وائل بن يعمر الحضرمي بن هنيدة أحد ملوك اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر بن عبد البر: كان أحد أقيال حضرموت، وكان أبوه من ملوكهم.
ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه قبل قدومه به، وقال: يأتيكم بقية أبناء الملوك.
فلما دخل رحب به وأدناه من نفسه وقرب مجلسه وبسط له رداءه.
وقال: " اللهم بارك في وائل وولده وولد ولده ".
واستعمله على الاقيال من حضرموت، وكتب معه ثلاثة كتب ; منها كتاب إلى المهاجر بن أبى أمية، وكتاب إلى الاقيال والعباهلة، وأقطعه أرضا وأرسل معه معاوية ابن أبى سفيان فخرج معه راجلا، فشكا إليه حر الرمضاء فقال: انتعل ظل الناقة.
فقال: وما يغنى عنى ذلك، لو جعلتني ردفا ؟ فقال له وائل: اسكت فلست من أرداف الملوك.
ثم عاش وائل بن حجر حتى وفد على معاوية وهو أمير المؤمنين، فعرفه معاوية، فرحب به وقربه وأدناه، وأذكره الحديث، وعرض عليه جائزة سنية فأبى أن يأخذها، وقال: أعطها من هو أحوج إليها منى.
وأورد الحافظ البيهقى بعض هذا، وأشار إلى أن البخاري في التاريخ روى في ذلك شيئا.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا حجاج، أنبأنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن علقمة ابن وائل، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا.
قال: وأرسل معى معاوية أن أعطها إياه - أو قال أعلمها إياه -.
قال: فقال معاوية: أردفني خلفك.
فقلت: لا تكون من أرداف الملوك.
قال: فقال: أعطني نعلك.
فقلت: انتعل ظل الناقة.
قال: فلما استخلف معاوية أتيته فأقعدني معه على السرير فذكرني الحديث.
قال سماك: فقال: وددت أنى كنت حملته بين يدى وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث شعبة، وقال الترمذي: صحيح.
وفادة لقيط بن عامر بن المنتفق أبى رزين العقيلى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبدالله بن الامام أحمد [ حدثنى أبى، حدثنا عبدالله (1) ]: كتب إلى إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة ابن مصعب بن الزبير الزبيري: كتبت إليك بهذا الحديث وقد عرضته وسمعته على ما كتبت به إليك، فحدث بذلك عنى.
قال: حدثنى عبدالرحمن بن المغيرة الحزامى، حدثنى عبدالرحمن بن عياش السمعى الانصاري القبائى من بنى عمرو بن عوف، عن دلهم بن الاسود بن عبدالله بن حاجب بن عامر بن
المنتفق العقيلى، عن أبيه، عن عمه لقيط بن عامر، قال دلهم: وحدثنيه أبى الاسود، عن عاصم بن لقيط أن لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم بن مالك ابن المنتفق.
قال لقيط: فخرجت أنا وصاحبى حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ المدينة انسلاخ رجب، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيناه ] (1) حين انصرف من صلاة الغداة، فقام في الناس خطيبا فقال: " أيها الناس ألا إنى قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام ألا لاسمعكم، ألا فهل من امرئ بعثه قومه ".
فقالوا: اعلم لنا ما يقول رسول الله.
ثم [ قال: ] ألا لعله أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه أو يلهيه الضلال، ألا إنى مسئول هل بلغت ؟ ألا فاسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا ألا اجلسوا.
__________
(1) من مسند أحمد 4 / 13 (2) سقط من ا.
(*)
فجلس الناس وقمت أنا وصاحبى، حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت: يا رسول الله ما عندك من علم الغيب ؟ فضحك لعمر الله وهز رأسه وعلم أنى أبتغى لسقطه، فقال: " ضن ربك عز وجل بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله " وأشار بيده.
قلت: وما هي ؟ قال: " علم المنية، قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه، وعلم [ المنى حين يكون في الرحم قد علمه ولا تعلمون ] (1) وعلم ما في غد وما أنت طاعم غدا ولا تعلمه، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم أزلين مسنتين (2) فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى قريب ".
قال لقيط: قلت لن نعدم من رب يضحك خيرا.
وعلم يوم الساعة.
قلنا: يا رسول الله علمنا مما لا يعلم الناس ومما تعلم، فإنا من قبيل لا يصدقون تصديق (3) أحد، من مذحج التى تربو علينا وخثعم التى توالينا وعشيرتنا التى نحن منها.
قال: تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم، ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصائحة، لعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شئ إلا مات، والملائكة الذين مع ربك فأصبح ربك عزوجل يطوف في الارض قد خلت عليه البلاد، فأرسل ربك السماء تهضب من عند العرش، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى تخلقه من عند رأسه، فيستوى جالسا، فيقول ربك عزوجل: مهيم ؟ لما كان فيه - فيقول: يا رب أمس اليوم، فلعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله.
قلت: يا رسول الله كيف يجمعنا بعد ما تفرقنا الرياح والبلى والسباع.
فقال: أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، في الارض أشرفت عليها وهى مدرة بالية فقلت لا تحيا أبدا.
ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تلبث عليك أيام حتى أشرفت عليها
__________
(1) من مسند أحمد 4 / 13.
(2) الازل: الشدة.
والمسنتين: من أصابتهم السنة وهى القحط.
(3) الاصل والمسند: تصديقنا.
(*)
وهى شرية (1) واحدة، فلعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الارض.
فتخرجون من الاصواء (2) ومن مصارعكم فتنظرون إليه وينظر إليكم.
قال: قلت يا رسول الله وكيف ونحن ملء الارض، وهو عزوجل شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه ؟ فقال: أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة لا تضارون في رؤيتهما، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما (3) ويريانكم لا تضارون في رؤيتهما.
قلت: يا رسول الله فما يفعل ربنا إذا لقيناه ؟ قال: تعرضون عليه بادية له صحائفكم لا يخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربك عزوجل بيده غرفة من الماء فينضح قبلكم بها، فلعمر إلهك ما يخطئ وجه أحدكم منها قطرة، فأما المسلم فتدع على وجهه مثل الريطة (4)
البيضاء، وأما الكافر فتخطمه بمثل الحمم (5) الاسود.
ألا ثم ينصرف نبيكم وينصرف على أثره الصالحون، فتسلكون جسرا من النار فيطأ أحدكم الجمر فيقول: حس.
فيقول ربك عزوجل: أوانه (6).
فتطلعون على حوض الرسول على أظما (7) والله ناهلة عليها ما رأيتها قط، فلعمر إلهك لا يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف (8) والبول والاذى، وتحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا.
قال: قلت: يا رسول الله فبم نبصر ؟ قال: مثل بصرك ساعتك هذه، وذلك مع طلوع الشمس في يوم أشرقته الارض وواجهته الجبال.
__________
(1) الشرية: الطريقة.
والشرية بإسكان الراء: شجر الحنظل.
(2) الاصواء: القبور.
(3) ا: منهما أو ترونهما.
(4) الريطة: كل ثوب لين رقيق.
(5) الحمم: الفحم.
(6) كذا بالاصل والمسند.
(7) الاصل: أضماء.
وما أثبته عن مسند أحمد.
(8) الطوف: الحدث.
(*)
قال: قلت: يا رسول الله فيم نجزى من سيئاتنا وحسناتنا ؟ فقال: الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها إلا أن يعفو.
قال: قلت: يا رسول الله إما الجنة وإما النار ؟ قال: لعمر إلهك، أن للنار سبعة أبواب ما منهن بابان (1) إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما [ وإن للجنة لثمانية أبواب، ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما (2) ].
قلت: يا رسول الله فعلام نطلع من الجنة ؟ قال: على أنهار من عسل مصفى وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وفاكهة،
لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله معه، وأزواج مطهرة.
قلت: يا رسول الله ولنا فيها أزواج أو منهن مصلحات ؟ قال: الصالحات للصالحين، تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم غير ألا توالد.
قال لقيط: قلت: أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه ؟ [ فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم ].
قلت: يا رسول الله علام أبايعك ؟ فبسط [ النبي ] يده وقال: على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وزيال الشرك، وألا تشرك بالله إلها غيره.
[ قال: قلت: وإن لنا ما بين المشرق والمغرب، فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وبسط أصابعه وظن أنى مشترط شيئا لا يعطينيه.
قال: قلت: نحل منها حيث شئنا، ولا يجنى منها امرؤ إلا على نفسه.
فبسط يده وقال: ذلك لك، تحل حيث شئت ولا تجنى عليك إلا نفسك.
قال: فانصرفنا عنه.
__________
(1) الاصل: باب (2) من مسند أحمد.
(*)
ثم قال: إن هذين [ لعمر إلهك ] من أتقى الناس في الاولى والآخرة ؟ فقال له كعب بن الخدارية أحد بنى كلاب منهم: يا رسول الله بنو المنتفق أهل ذلك منهم ؟ قال: فانصرفنا وأقبلت عليه ] (1).
وذكر تمام الحديث إلى أن قال: فقلت: يا رسول الله هل لاحد ممن مضى خير في جاهليته ؟ قال: فقال رجل من عرض قريش: والله إن أباك المنتفق لفى النار.
قال: فلكأنه وقع حر بين جلدتي وجهى ولحمي مما قال لابي على رءوس الناس.
فهممت أن أقول: وأبوك يارسول الله ؟ ثم إذا الاخرى أجمل، فقلت: يا رسول الله وأهلك ؟ قال: " وأهلي لعمر الله، ما أتيت [ عليه ] من قبر عامري أو قرشي من
مشرك فقل: أرسلني إليك محمد فأبشرك بما يسوءك، تجر على وجهك وبطنك في النار.
قال: قلت: يارسول الله ما فعل بهم ذلك ؟ وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه، وقد كانوا يحسبون (2) أنهم مصلحون ؟ قال: ذلك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم - يعنى نبيا - فمن عصى نبيه كان من الضالين، ومن أطاع نبيه كان من المهتدين.
هذا حديث غريب جدا، وألفاظه في بعضها نكارة وقد أخرجه الحافظ البيهقى في كتاب البعث والنشور، وعبد الحق الاشبيلى في العاقبة، والقرطبى في كتاب التذكرة في أحوال الآخرة.
__________
(1) سقط من ا.
(2) ا: يحسبونهم (*)
وفادة زياد بن الحارث الصدائى رضى الله عنه قال الحافظ البيهقى: أنبأنا أبو أحمد الاسد اباذى بها، أنبأنا أبو بكر بن مالك القطيعى، حدثنا أبو على بشر بن موسى، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، عن عبدالرحمن بن زياد بن أنعم، حدثنى زياد بن نعيم الحضرمي، سمعت زياد بن الحارث الصدائى يحدث، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الاسلام، فأخبرت أنه قد بعث جيشا إلى قومي، فقلت: يا رسول الله اردد الجيش وأنا لك بإسلام قومي وطاعتهم.
فقال لى: اذهب فردهم.
فقلت: يا رسول الله إن راحلتي قد كلت.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فردهم.
قال الصدائى: وكتبت إليهم كتابا، فقدم وفدهم بإسلامهم، فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك.
فقلت: بل الله هداهم للاسلام
فقال: " أفلا أؤمرك عليهم " قلت: بلى يا رسول الله.
قال: فكتب لى كتابا أمرنى، فقلت: يا رسول الله مر لى بشئ من صدقاتهم.
قال: نعم.
فكتب لى كتابا آخر.
قال الصدائى: وكان ذلك في بعض أسفاره، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم ويقولون: أخذنا بشئ كان بيننا وبين قومه في الجاهلية.
فقال رسول الله: أو فعل ذلك ؟ قالوا: نعم.
فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وأنا فيهم فقال: " لا خير في الامارة لرجل مؤمن ".
قال الصدائى: فدخل قوله في نفسي.
ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله أعطني.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سأل الناس عن ظهر غنى فصداع في الرأس وداء في البطن.
فقال السائل: أعطني من الصدقة.
فقال رسول الله: إن [ الله ] لم يرض في الصدقات بحكم نبى ولا غيره حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء.
فإن كنت من تلك الاجزاء أعطيتك.
قال الصدائى: فدخل ذلك في نفسي، أنى غنى وأنى سألته من الصدقة.
قال: ثم إن رسول الله اعتشى (1) من أول الليل، فلزمته وكنت قريبا منه، فكان أصحابه ينقطعون عنه ويستأخرون منه ولم يبق معه أحد غيرى.
فلما كان أوان صلاة الصبح أمرنى فأذنت فجعلت أقول: أقيم يا رسول الله ؟ فجعل ينظر ناحية المشرق إلى الفجر ويقول: لا.
حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرز ثم انصرف إلى وهو متلاحق أصحابه فقال: هل من ماء يا أخا صداء ؟ قلت: لا إلا شئ قليل لا يكفيك.
فقال: اجعله في إناء ثم ائتنى به.
ففعلت، فوضع كفه في الماء.
قال: فرأيت بين إصبعين من أصابعه عينا تفور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لولا أنى أستحى من ربى عزوجل لسقينا واستقينا، ناد في أصحابي من له حاجة في الماء " فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم شيئا.
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فأراد بلال أن يقيم فقال له رسول الله: " إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم ".
قال الصدائى: فأقمت.
فلما قضى رسول الله الصلاة أتيته بالكتابين فقلت: يا رسول الله أعفنى من هذين.
فقال: ما بدا لك ؟ فقلت: سمعتك يا رسول الله تقول: " لا خير في الامارة لرجل مؤمن " وأنا أو من بالله وبرسوله.
وسمعتك تقول للسائل: " من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن " وسألتك وأنا غنى.
فقال: هو ذاك فإن شئت فاقبل، وإن شئت فدع.
فقلت: أدع.
فقال لى
__________
(1) اعتشى: سار في وقت العشاء.
(*)
رسول الله: " فدلني على رجل أؤمره عليكم ".
فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه فأمره عليهم.
ثم قلنا: يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها، وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا، وقد أسلمنا وكل من حولنا عدو، فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا ماؤها فنجتمع عليه ولا نتفرق.
فدعا سبع حصيات فعركهن بيده ودعا فيهن، ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة واذكروا الله.
قال الصدائى: ففعلنا ما قال لنا، فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها - يعنى البئر.
وهذا الحديث له شواهد في سنن أبى داود والترمذي وابن ماجه.
وقد ذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث بعد عمرة الجعرانة قيس بن سعد بن عبادة في أربعمائة إلى بلاد صداء فيوطئها، فبعثوا رجلا منهم فقال: جئتك لترد عن قومي الجيش وأنا لك بهم.
ثم قدم وفدهم خمسة عشر رجلا، ثم رأى
منهم حجة الوداع مائة رجل.
ثم روى الواقدي عن الثوري، عن عبدالرحمن بن زياد بن أنعم، عن زياد بن نعيم، عن زياد بن الحارث الصدائى قصته في الاذان.
وفادة الحارث بن حسان البكري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الامام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، حدثنى أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي حدثنا عاصم بن أبى النجود، عن أبى وائل، عن الحارث البكري.
قال: خرجت
أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت بالربذة فإذا عجوز من بنى تميم منقطع بها.
فقالت: يا عبدالله إن لى إلى رسول الله حاجة، فهل أنت مبلغي إليه ؟ قال: فحملتها فأتيت المدينة، فإذا المسجد غاص بأهله وإذا راية سوداء تخفق وبلال متقلد السيف بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما شأن الناس ؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها.
قال: فجلست، فدخل منزله أو قال رحله، فاستأذنت عليه فأذن لى، فدخلت فسلمت فقال: هل كان بينكم وبين تميم شئ ؟ قلت: نعم، وكانت الدائرة عليهم، ومررت بعجوز من بنى تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب.
فأذن لها فدخلت.
فقلت: يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا فاجعل الدهناء.
فحميت العجوز واستوفزت وقالت: يا رسول الله أين تضطر مضرك.
قال: قلت: إن مثلى ما قال الاول: معزى حملت حتفها ! حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لى خصما ! أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد.
قال: وما وافد عاد ؟ وهو أعلم بالحديث منه ولكن يستطعمه.
قلت: إن
عادا قحطوا فبعثوا وافدا لهم يقال له قيل، فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة فقال: اللهم إنك تعلم لم أجى إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه.
فمرت به سحابات سود فنودى: منها اختر.
فأومأ إلى سحابة منها سوداء.
فنودى منها: خذها رمادا رمددا، لا تبقى من عاد أحدا.
قال: فما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح إلا بقدر ما يجرى في خاتمي هذا حتى هلكوا.
قال أبو وائل: وصدق، وكانت المرأة أو الرجل إذا بعثوا وافدا لهم قالوا: لا تكن كوافد عاد (1).
وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث أبى المنذر سلام بن سليمان به.
ورواه ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة، عن أبى بكر بن عياش، عن عاصم بن أبى النجود، عن الحارث البكري ولم يذكر أبا وائل.
وهكذا رواه الامام أحمد عن أبى بكر بن عياش، عن عاصم، عن الحارث، والصواب عن عاصم عن أبى وائل عن الحارث.
كما تقدم.
وفادة عبدالرحمن بن أبى عقيل مع قومه قال أبو بكر البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله إسحاق بن محمد بن يوسف السوسى، أنبأنا أبو جعفر محمد بن محمد بن عبدالله البغدادي، أنبأنا على بن الجعد [ حدثنا ] عبد العزيز، حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا أبو خالد يزيد الاسدي، حدثنا عون بن أبى جحيفة، عن عبدالرحمن بن علقمة الثقفى، عن عبدالرحمن ابن أبى عقيل.
قال: انطلقت في وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيناه فأنخنا بالباب وما في الناس [ رجل (2) ] أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فلما دخلنا وخرجنا فما في الناس رجل أحب إلينا من رجل دخلنا عليه.
قال: فقال قائل منا: يا رسول الله
ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان ؟ قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " فلعل صاحبك عند الله أفضل من ملك سليمان، إن الله عزوجل لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعا بها على قومه إذ عصوه فأهلكوا بها، وإن الله أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربى شفاعة لامتي يوم القيامة ".
__________
(1) الحديث في مسند أحمد 3 / 482 (2) ليست في ا.
(*)
قدوم طارق بن عبدالله وأصحابه روى الحافظ البيهقى من طريق أبى جناب الكلبى، عن جامع بن شداد المحاربي، حدثنى رجل من قومي يقال له طارق بن عبدالله، قال: إنى لقائم بسوق ذى المجاز إذ أقبل رجل عليه جبة وهو يقول: " يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " ورجل يتبعه يرميه بالحجارة و [ هو ] يقول " يا أيها الناس إنه كذاب " فقلت: من هذا ؟ فقالوا هذا غلام من بنى هاشم يزعم أنه رسول الله قال قلت: من هذا الذى يفعل به هذا ؟ قالوا: هذا عمه عبدالعزى قال: فلما أسلم الناس وهاجروا خرجنا من الربذة نريد المدينة نمتار من تمرها فلما دنونا من حيطانها ونخلها قلت: لو نزلنا فلبسنا ثيابا غير هذه، إذا رجل في طمرين فسلم علينا وقال: من أين أقبل القوم ؟ قلنا من الربذة قال: وأين تريدون ؟ قلنا: نريد هذه المدينة.
قال: ما حاجتكم منها ؟ قلنا: نمتار من تمرها.
قال: ومعنا ظعينة لنا ومعنا جمل أحمر مخطوم، فقال: أتبيعوني جملكم هذا ؟ قلنا: نعم، بكذا وكذا صاعا من تمر.
قال: فما استوضعنا مما قلنا شيئا، وأخذ بخطام الجمل وانطلق، فلما توارى عنا بحيطان المدينة ونخلها قلنا: ما صنعنا ؟ والله ما بعنا جملنا ممن نعرف ولا أخذنا له ثمنا.
قال تقول المرأة التى معنا: والله لقد رأيت رجلا كأن وجهه شقة القمر ليلة
البدر، أنا ضامنة لثمن جملكم.
إذ أقبل الرجل فقال: أنا رسول (1) الله إليكم، هذا تمركم فكلوا واشبعوا واكتالوا واستوفوا، فأكلنا حتى شبعنا واكتلنا فاستوفينا.
ثم دخلنا المدينة فدخلنا المسجد، فإذا هو قائم على المنبر يخطب الناس، فأدركنا من
__________
(1) ا: رسول رسول الله.
(*)
خطبته وهو يقول: " تصدقوا فإن الصدقة خير لكم، اليد العليا خير من اليد السفلى، أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك أدناك " إذ أقبل رجل من بنى يربوع أو قال رجل من الانصار فقال: يا رسول الله لنا في هؤلاء دماء في الجاهلية.
فقال: " إن أبا لا يجنى على ولد " ثلاث مرات.
وقد روى النسائي فضل الصدقة منه عن يوسف بن عيسى، عن الفضل بن موسى، عن يزيد بن زياد بن أبى الجعد، عن جامع بن شداد، عن طارق بن عبدالله المحاربي ببعضه.
ورواه الحافظ البيهقى أيضا، عن الحاكم، عن الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن يزيد بن زياد، عن جامع بن طارق بطوله كما تقدم.
وقال فيه: فقالت الظعينة: لا تلاوموا فلقد رأيت وجه رجل لا يغدر، ما رأيت شيئا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه.
قدوم وافد فروة بن عمرو الجذامي صاحب بلاد معان بإسلامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأظن ذلك إما بتبوك أو بعدها قال ابن إسحاق: وبعث فروة بن عمرو بن النافرة الجذامي ثم النفاثى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء.
وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب، وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام، فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه طلبوه حتى أخذوه فحبسوه عندهم.
فقال في محبسه ذلك:
طرقت سليمى موهنا أصحابي * والروم بين الباب والقروان (1) صد الخيال وساءه ما قد رأى * وهممت أن أغفى وقد أبكاني لا تكحلن العين بعدى إثمدا * سلمى ولا تدين للاتيان (2) ولقد علمت أبا كبيشة أننى * وسط الاعزة لا يحص لساني (3) فلئن هلكت لتفقدن أخاكم * ولئن بقيت ليعرفن مكاني ولقد جمعت أجل ما جمع الفتى * من جودة وشجاعة وبيان قال: فلما أجمعت الروم على صلبه على ماء لهم يقال له عفرى (4) بفلسطين.
قال: ألا هل أتى سلمى بأن حليلها * على ماء عفرى فوق إحدى الرواحل على ناقة لم يضرب الفحل أمها * مشذبة أطرافها بالمناجل قال: وزعم الزهري أنهم لما قدموه ليقتلوه قال: بلغ سراة المسلمين بأننى * سلم لربى أعظمي ومقامى قال: ثم ضربوا عنقه وصلبوه على ذلك الماء، رحمه الله ورضى عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه.
قدوم تميم الدارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخباره إياه بأمر الجساسة وما سمع من الدجال في خروج النبي صلى الله عليه وسلم وإيمان من آمن به أخبرنا أبو عبد الله سهل بن محمد بن نصرويه المروزى بنيسابور، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسن القاضى، أنبأنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان، حدثنا
__________
(2) الموهن: نحو من نصف الليل.
والقروان: الظهر، بفتح الظاء.
(1) تدين: تطيع.
(2) يحص: يقطع: والمراد: لا يمنع من الكلام.
(3) عفرى: موضع بفلسطين.
(*)
يحيى بن جعفر بن الزبير، أنبأنا وهب بن جرير، حدثنا أبى، سمعت غيلان بن جرير يحدث عن الشعبى، عن فاطمة بنت قيس، قالت: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الدارى فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر فتاهت به سفينته، فسقطوا إلى جزيرة فخرجوا إليها يلتمسون الماء، فلقى إنسانا يجر شعره، فقال له: من أنت ؟ قال: أنا الجساسة.
قالوا: فأخبرنا.
قال: لا أخبركم ولكن عليكم بهذه الجزيرة.
فدخلناها فإذا رجل مقيد فقال: من أنتم ؟ قلنا: ناس من العرب.
قال: ما فعل هذا النبي الذى خرج فيكم ؟ قلنا: قد آمن به الناس واتبعوه وصدقوه.
قال: ذلك خير لهم.
قال: أفلا تخبروني عن عين زعر (1) ما فعلت ؟ فأخبرناه عنها، فوثب وثبة كاد أن يخرج من وراء الجدار ثم قال: ما فعل نخل بيسان (2) هل أطعم بعد ؟ فأخبرناه أنه قد أطعم، فوثب مثلها، ثم قال: أما لو قد أذن لى في الخروج لوطئت البلاد كلها غير طيبة (3).
قالت: فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدث الناس، فقال: هذه طيبة وذاك الدجال.
وقد روى هذا الحديث الامام أحمد ومسلم وأهل السنن، من طرق عن عامر بن شراحيل الشعبى، عن فاطمة بنت قيس.
وقد أورد له الامام أحمد شاهدا من رواية أبى هريرة وعائشة أم المؤمنين وقد ذكرنا هذا الحديث بطرقه وألفاظه في كتاب الفتن (4).
وذكر الواقدي وفد الدارس من لخم وكانوا عشرة.
__________
(1) زعر: موضع بالحجاز (2) بيسان: موضع بأرض اليمامة.
(3) طيبة: من أسماء المدينة.
(4) وذلك في كتاب النهاية للمؤلف.
(*)
وفد بنى أسد وهكذا ذكر الواقدي أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول سنه تسع وفد بنى أسد، وكانوا عشرة ; منهم ضرار بن الازور، ووابصة بن معبد، وطليحة بن خويلد الذى ادعى النبوة بعد ذلك، ثم أسلم وحسن إسلامه، ونفادة بن عبدالله ابن خلف.
فقال له رئيسهم حضرمى بن عامر: يا رسول الله أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء، ولم تبعث إلينا بعثا.
فنزل فيهم: " يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان إن كنتم صادقين (1) ".
وكان فيهم قبيلة يقال لهم بنو الرثية (2)، فغير اسمهم فقال: أنتم بنو الرشدة.
وقد استهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفادة بن عبدالله بن خلف ناقة تكون جيدة للركوب والحلب من غير أن يكون لها ولد معها، فطلبها فلم يجدها إلا عند ابن عم له فجاء بها، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلبها، فشرب منها وسقاه سؤره ثم قال: " اللهم بارك فيها وفيمن منحها ".
فقال: يا رسول الله وفيمن جاء بها.
فقال: " وفيمن جاء بها ".
وفد بنى عبس ذكر الواقدي: أنهم كانوا تسعة نفر وسماهم الواقدي.
فقال لهم النبي صلى الله عليه
وسلم: " أنا عاشركم " وأمر طلحة بن عبيدالله فعقد لهم لواء وجعل شعارهم: يا عشرة.
وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألهم عن خالد بن سنان العبسى، الذى
__________
(1) سورة الحجرات.
(2) الرثية: الحمق.
(*)
قدمنا (1) ترجمته في أيام الجاهلية، فذكروا أنه لا عقب له.
وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم يرصدون عيرا لقريش قدمت من الشام.
وهذا يقتضى تقدم وفادتهم على الفتح.
والله أعلم.
وفد بنى فزارة قال الواقدي: حدثنا عبدالله بن محمد بن عمر الجمحى، عن أبى وجزة السعدى، قال: لما رجع رسول الله من تبوك وكان سنة تسع، قدم عليه وفد بنى فزارة بضعة عشر رجلا فيهم خارجة بن حصن، والحارث بن قيس بن حصن، وهو أصغرهم على ركاب عجاف، فجاءوا مقرين بالاسلام.
وسألهم رسول الله عن بلادهم.
فقال أحدهم: يا رسول الله أسنتت بلادنا وهلكت مواشينا وأجدب جنابنا وغرث عيالنا (2)، فادع الله لنا.
فصعد رسول الله المنبر ودعا فقال: " اللهم اسق بلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحى بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريا مريعا طبقا (3) واسعا عاجلا غير آجل، نافعا غير ضار، اللهم اسقنا سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا هدم، ولا غرق، ولا محق، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الاعداء ".
قال: فمطرت فما رأوا السماء سبتا (4).
فصعد رسول الله المنبر فدعا فقال: " اللهم حوالينا ولا علينا، على الآكام والظراب وبطون الاودية ومنابت الشجر ".
فانجابت السماء عن المدينة انجياب الثوب.
__________
(1) سبق ذلك في الجزء الاول.
(2) أسنتت: أصابتها السنة: وهى الجدب.
والجناب: الناحية.
وغرث: جاع.
(3) المريع: الخصيب.
والطبق: الذى يعم الارض.
(4) السبت: البرهة.
(*)
وفد بنى مرة ذكر الواقدي أنهم قدموا سنة تسع مرجعه من تبوك.
وكانوا ثلاثة عشر رجلا منهم الحارث بن عوف، فأجازهم عليه السلام بعشر أواق من فضة، وأعطى الحارث بن عوف ثنتى عشرة أوقية.
وذكروا أن بلادهم مجدبة، فدعا لهم فقال: " اللهم اسقهم الغيث " فلما رجعوا إلى بلادهم وجدوها قد مطرت ذلك اليوم الذى دعا لهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفد بنى ثعلبة قال الواقدي: حدثنى موسى بن محمد بن إبراهيم، عن رجل من بنى ثعلبة، عن أبيه.
قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة سنة ثمان، قدمنا عليه أربعة نفر فقلنا: نحن رسل من خلفنا من قومنا، وهم يقرون بالاسلام.
فأمر لنا بضيافة، وأقمنا أياما ثم جئناه لنودعه، فقال لبلال: أجزهم كما تجيز الوفد.
فجاء ببقرة (1) من فضة فأعطى كل رجل منا خمس أواق وقال: ليس عندنا دراهم.
وانصرفنا إلى بلادنا.
وفد بنى محارب قال الواقدي: حدثنى محمد بن صالح، عن أبى وجزة السعدى، قال: قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع، وهم عشرة نفر فيهم سواء بن الحارث، وابنه خزيمة بن سواء.
فأنزلوا دار رملة بنت الحارث، وكان بلال يأتيهم بغداء وعشاء، فأسلموا وقالوا: نحن على من وراءنا.
__________
(1) البقرة: قدر كبيرة واسعة، فسماها بقرة، من التبقر وهو التوسع أو لانها تسع بقرة بتمامها.
انظر النهاية لابن الاثير 1 / 107.
(*)
ولم يكن أحد في تلك المواسم أفظ ولا أغلظ على رسول الله منهم.
وكان في الوفد رجل منهم، فعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله الذى أبقاني حتى صدقت بك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن هذه القلوب بيد الله عزوجل ".
ومسح رسول الله وجه خزيمة بن سواء فصارت غرة بيضاء، وأجازهم كما يجيز الوفد وانصرفوا إلى بلادهم.
وفد بنى كلاب ذكر الواقدي: أنهم قدموا سنة تسع وهم ثلاثة عشر رجلا ; [ فيهم ] لبيد بن ربيعة الشاعر وجبار (1) بن سلمى، وكان بينه وبين كعب بن مالك خلة فرحب به وأكرمه وأهدى إليه، وجاءوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه بسلام الاسلام، وذكروا له أن الضحاك بن سفيان الكلابي سار فيهم بكتاب الله وسنة رسوله التى أمره الله بها، ودعاهم إلى الله فاستجابوا له وأخذ صدقاتهم من أغنيائهم فصرفها على فقرائهم.
وفد بنى رؤاس بن كلاب ثم ذكر الواقدي: أن رجلا يقال له عمرو بن مالك بن قيس بن بجيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، ثم رجع إلى قومه فدعاهم إلى الله فقالوا: حتى نصيب من بنى عقيل مثل ما أصابوا منا.
فذكر مقتلة كانت بينهم، وأن عمرو بن مالك هذا قتل رجلا من بنى عقيل.
قال:
__________
(1) ا: وجابر.
(*)
فشددت يدى في غل وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغه ما صنعت فقال: لئن أتانى لاضربن (1) ما فوق الغل من يده.
فلما جئت سلمت فلم يرد على السلام، وأعرض عنى فأتيته عن يمينه فأعرض عنى، فأتيته عن يساره فأعرض عنى، فأتيته من قبل وجهه فقلت: يا رسول الله إن الرب عزوجل ليترضى فيرضى، فارض عنى، رضى الله عنك.
قال: " قد رضيت ".
وفد بنى عقيل بن كعب ذكر الواقدي: أنهم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعهم العقيق - عقيق بنى عقيل - وهى أرض فيها نخيل وعيون.
وكتب بذلك كتابا: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أعطى محمد رسول الله ربيعا ومطرفا وأنسا، أعطاهم العقيق، ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وسمعوا وأطاعوا، ولم يعطهم حقا لمسلم ".
فكان الكتاب في يد مطرف.
قال: وقدم عليه أيضا لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر بن عقيل، وهو أبو رزين فأعطاه ماء يقال له النظيم وبايعه على قومه.
وقد قدمنا قدومه وقصته وحديثه بطوله ولله الحمد والمنة.
وفد بنى قشير بن كعب وذلك قبل حجة الوداع، وقبل حنين، فذكر فيهم قرة بن هبيرة بن [ عامر ابن ] (2) سلمة الخير بن قشير، فأسلم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساه بردا،
__________
(1) الاصل: لاضرب.
(2) من الاصابة.
(*)
وأمره أن يلى صدقات قومه، فقال قرة حين رجع: حباها رسول الله إذ نزلت به * وأمكنها من نائل غير منفد فأضحت بروض الخضر وهى حثيثة * وقد أنجحت حاجاتها من محمد عليها فتى لا يردف الذم رحله * يروى لامر العاجز المتردد (1) وفد بنى البكاء ذكر أنهم قدموا سنة تسع، وأنهم كانوا ثلاثين رجلا ; فيهم معاوية بن ثور بن [ معاوية بن ] (2) عبادة بن البكاء، وهو يومئذ إبن مائة سنة، ومعه ابن له يقال له بشر، فقال: يا رسول الله إنى أتبرك بمسك، وقد كبرت وابنى هذا بر بى فامسح وجهه.
فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه وأعطاه أعنزا عفرا، وبرك عليهن فكانوا لا يصيبهم بعد ذلك قحط ولا سنة.
وقال محمد بن بشر بن معاوية في ذلك: وأبى الذى مسح الرسول برأسه * ودعا له بالخير والبركات أعطاه أحمد إذ أتاه أعنزا * عفرا نواحل لسن بالحيات (3) يملان وفد الحى كل عشية * ويعود ذاك الملئ بالغدوات بوركن من منح وبورك مانحا * وعليه منى ما حييت صلاتي
__________
(1) في الاصابة: تروك لامر العاجز.
(2) من الاصابة: (3) الحيات: (*)
وفد كنانة
روى الواقدي بأسانيده: أن واثلة بن الاسقع الليثى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك، فصلى معه الصبح ثم رجع إلى قومه، فدعاهم وأخبرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال أبوه: والله لا أحملك أبدا.
وسمعت أخته كلامه فأسلمت، وجهزته حتى سار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك وهو راكب على بعير لكعب بن عجرة.
وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد إلى أكيدر دومة، فلما رجعوا عرض واثلة على كعب بن عجرة ما كان شارطه عليه من سهمه من الغنيمة، فقال له كعب: إنما حملتك لله عزوجل.
وفد أشجع ذكر الواقدي: أنهم قدموا عام الخندق وهم مائة رجل، ورئيسهم مسعود بن رخيلة، فنزلوا شعب سلع.
فخرج إليهم رسول الله وأمر لهم بأحمال التمر.
ويقال: بل قدموا بعد ما فرغ من بنى قريظة، وكانوا سبعمائة رجل، فوادعهم ورجعوا، ثم أسلموا بعد ذلك.
وفد باهلة قدم رئيسهم مطرف بن الكاهن بعد الفتح فأسلم، وأخذ لقومه أمانا وكتب له كتابا فيه الفرائض وشرائع الاسلام.
كتبه عثمان بن عفان رضى الله عنه.
وفد بنى سليم قال: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بنى سليم يقال له قيس بن نشبة، فسمع كلامه وسأله عن أشياء فأجابه ووعى ذلك كله، ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام فأسلم.
ورجع إلى قومه من بنى سليم فقال: قد سمعت ترجمة الروم وهينمة فارس وأشعار
العرب وكهانة الكهان وكلام مقاول حمير، فما يشبه كلام محمد شيئا من كلامهم، فأطيعوني وخذوا بنصيبكم منه.
فلما كان عام الفتح خرجت بنو سليم فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقديد وهم سبعمائة.
ويقال: كانوا ألفا، وفيهم العباس بن مرداس وجماعة من أعيانهم، فأسلموا وقالوا: اجعلنا في مقدمتك، واجعل لواءنا أحمر وشعارنا مقدما.
ففعل ذلك بهم فشهدوا معه الفتح والطائف وحنينا.
وقد كان راشد بن عبد ربه السلمى يعبد صنما، فرآه يوما وثعلبان يبولان عليه فقال: أرب يبول الثعلبان برأسه * لقد ذل من بالت عليه الثعالب ! ثم شد عليه فكسره، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اسمك ؟ قال: غاوى بن عبدالعزى.
فقال: بل أنت راشد بن عبد ربه.
وأقطعه موضعا يقال له رهاط فيه عين تجرى يقال لها عين الرسول، وقال: هو خير بنى سليم.
وعقد له على قومه وشهد الفتح وما بعدها.
وفد بنى هلال بن عامر ذكر في وفدهم: عبد عوف بن أصرم، فأسلم وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله، وقبيصة بن مخارق الذى له حديث في الصدقات.
وذكر في وفد بنى هلال زياد بن عبدالله بن مالك بن بجير بن الهدم بن رويبة بن عبدالله بن هلال بن عامر، فلما دخل المدينة يمم منزل خالته ميمونة بنت الحارث، فدخل عليها فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله رآه فغضب ورجع.
فقالت:
يا رسول الله إنه ابن أختى.
فدخل ثم خرج إلى المسجد ومعه زياد، فصلى الظهر ثم أدنى زيادا فدعا له ووضع يده على رأسه ثم حدرها على طرف أنفه، فكانت بنو هلال
تقول: ما زلنا نتعرف البركة في وجه زياد.
وقال الشاعر لعلى بن زياد: يابن الذى مسح الرسول برأسه * ودعا له بالخير عند المسجد أعنى زيادا لا أريد سواءه * من عابر أو متهم أو منجد ما زال ذاك النور في عرنينه * حتى تبوأ بيته في ملحد (1) وفد بنى بكر بن وائل ذكر الواقدي: أنهم لما قدموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قس بن ساعدة ; فقال: ليس ذاك منكم، ذاك رجل من إياد تحنف في الجاهلية، فوافى عكاظ والناس مجتمعون، فكلمهم بكلامه الذى حفظ عنه.
قال: وكان في الوفد بشير بن الخصاصية، وعبد الله بن مرثد وحسان بن خوط.
فقال رجل من ولد حسان: أنا ابن حسان بن خوط وأبى * رسول بكر كلها إلى النبي وفد تغلب ذكر أنهم كانوا ستة عشر رجلا مسلمين ونصارى عليهم صلب الذهب، فنزلوا دار رملة بنت الحارث.
فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم النصارى على أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية وأجاز المسلمين منهم.
__________
(1) الملحد: القبر.
(*)
وفادات أهل اليمن وفد تجيب ذكر الواقدي: أنهم قدموا سنة تسع، وأنهم كانوا ثلاثة عشر رجلا، فأجازهم
أكثر مما أجاز غيرهم وأن غلاما منهم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حاجتك ؟ فقال: يا رسول الله ادع الله يغفر لى ويرحمنى ويجعل غناى في قلبى.
فقال: " اللهم اغفر له وارحمه، واجعل غناه في قلبه " فكان بعد ذلك من أزهد الناس.
وفد خولان ذكر أنهم كانوا عشرة، وأنهم قدموا في شعبان سنة عشر وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صنمهم الذى كان يقال له عم أنس (1)، فقالوا أبدلنا به خيرا منه ولو قد رجعنا لهدمناه.
وتعلموا القرآن والسنن، فلما رجعوا هدموا الصنم، وأحلوا ما أحل الله وحرموا ما حرم الله.
وفد جعفى ذكر أنهم كانوا يحرمون أكل القلب، فلما أسلم وفدهم أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل القلب، وأمر به فشوى وناوله رئيسهم وقال: لا يتم إيمانكم حتى تأكلوه.
فأخذه ويده ترعد فأكله وقال: على أنى أكلت القلب كرها * وترعد حين مسته بنانى
__________
(1) في القاموس: عميانس.
بضم العين وسكون الميم والنون المكسورة.
(*)
فصل (1) في قدوم وفد الازد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أبو نعيم في كتاب معرفه الصحابة والحافظ أبو موسى المدينى، من حديث أحمد بن أبى الحوارى، قال سمعت أبا سليمان الدارانى قال: حدثنى علقمة بن يزيد بن سويد الازدي قال: حدثنى أبى، عن جدى، عن سويد بن الحارث، قال: وفدت سابع
سبعة من قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخلنا عليه وكلمناه فأعجبه ما رأى من سمتنا وزينا فقال: ما أنتم ؟ قلنا مؤمنون.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " إن لكل قول حقيقة، فما حقيقة قولكم وإيمانكم ".
قلنا: خمس عشرة خصلة ; خمس منها أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها، وخمس أمرتنا أن نعمل بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية فنحن عليها، إلا أن تكره منها شيئا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما الخمسة التى أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها ؟ " قلنا: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت.
قال: " وما الخمسة التى أمرتكم أن تعملوا بها ؟ " قلنا: أمرتنا أن نقول: لا إله إلا الله، ونقيم الصلاة، ونؤتى الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت من استطاع إليه سبيلا.
فقال: " وما الخمسة الذى تخلقتم بها في الجاهلية ؟ ".
قلنا: الشكر عند
__________
(1) سقط من ا ت.
(*)
الرخاء، والصبر عند البلاء، والرضى بمر القضاء، والصدق في مواطن اللقاء، وترك الشماتة بالاعداء.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء ".
ثم قال: " وأنا أزيدكم خمسا، فيتم لكم عشرون خصلة: إن كنتم كما تقولون، فلا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا مالا تسكنون، ولا تنافسوا في شئ أنتم عنه
غدا تزولون، واتقوا الله الذى إليه ترجعون وعليه تعرضون، وارغبوا فيما عليه تقدمون، وفيه تخلدون ".
فانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظوا وصيته وعملوا بها.
ثم ذكر: وفد كندة وأنهم كانوا بضعة عشر راكبا عليهم الاشعث بن قيس، وأنه أجازهم بعشر أواق وأجاز الاشعث ثنتى عشرة أوقية.
وقد تقدم.
وفد الصدف قدموا في بضعة عشر راكبا، فصادفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر، فجلسوا ولم يسلموا، فقال: " أمسلمون أنتم ؟ " قالوا: نعم.
قال: " فهلا سلمتم ؟ ".
فقاموا قياما فقالوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
فقال: " وعليكم السلام، اجلسوا ".
فجلسوا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوقات الصلوات.
وفد خشين قال: وقدم أبو ثعلبة الخشنى ورسول الله يتجهز إلى خيبر، فشهد معه خيبر، ثم قدم بعد ذلك بضعة عشر رجلا منهم فأسلموا.
* * * ثم ذكر وفد بنى سعد هذيم وبلى وبهراء وبنى عذرة وسلامان وجهينة وبنى كلب والجرميين.
وقد تقدم حديث عمرو بن سلمة الجرمى في صحيح البخاري.
وذكر: وفد الازد ووفد غسان والحارث بن كعب وهمدان وسعد العشيرة وعبس، ووفد الداريين والرهاووين وبنى غامد والنخع وبجيلة وخثعم، وحضر موت وذكر فيهم وائل بن حجر، وذكر فيهم الملوك الاربعة جمدا ومخوسا ومشرحا وأبضعة.
وقد ورد في مسند أحمد لعنهم مع أختهم العمردة (1)، وتكلم الواقدي فيهم كلاما فيه طول.
وذكر وفد أزد عمان وغافق وبارق ودوس وثمالة والجدار وأسلم وجذام ومهرة وحمير ونجران وجيشان.
وبسط الكلام على هذه القبائل يطول جدا، وقد قدمنا بعض ما يتعلق بذلك.
وفيما أوردناه كفاية والله أعلم.
* * * ثم قال الواقدي: وافد السباع حدثنى شعيب بن عبادة، عن المطلب بن عبدالله بن حنطب، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بالمدينة في أصحابه إذ أقبل ذئب فوقف بين يديه فعوى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا وافد السباع إليكم فإن أحببتم أن
__________
(1) الاصل: مع أخيهم الغمر.
وما أثبته عن القاموس.
باب السين.
(*)
تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره، وإن أحببتم تركتموه وتحذرتم منه، فما أخذ فهو رزقه ".
قالوا: يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشئ.
فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأصابعه الثلاث: أي خالسهم.
فولى وله عسلان (1).
وهذا مرسل من هذا الوجه.
ويشبه هذا الذئب الذئب الذى ذكر في الحديث الذى رواه الامام أحمد: حدثنا يزيد
هو ابن هارون، أنبأنا القاسم بن الفضل الحدانى (2)، عن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدرى، قال: عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبها الراعى فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه، فقال: ألا تتقى الله تنزع منى رزقا ساقه الله إلى ! فقال: يا عجبا ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الانس ! فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك ; محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق.
قال: فأقبل الراعى يسوق غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودى: الصلاة جامعة، ثم خرج فقال للاعرابي: أخبرهم.
فأخبرهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صدق والذى نفس محمد بيده، لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الانس وتكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله، وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده ".
وقد رواه الترمذي عن سفيان بن وكيع بن الجراح، عن أبيه، عن القاسم بن الفضل به، وقال: حسن غريب صحيح، لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل وهو
__________
(1) العسلان: الاضطراب في العدو وهز الرأس.
(2) نسبة إلى محلة بالبصرة نزلها بطن من الازد يقال لهم حدان.
اللباب 1 / 284.
(*)
ثقة مأمون عند أهل الحديث وثقه يحيى وابن مهدى.
قلت: وقد رواه الامام أحمد أيضا: حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب هو ابن أبى حمزة، حدثنى عبدالله بن أبى الحسين، حدثنى مهران أن أبا سعيد الخدرى حدثه، فذكر هذه القصة بطولها بأبسط من هذا السياق.
ثم رواه أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا عبدالحميد بن بهرام، حدثنا شهر،
قال: وحدث أبو سعيد.
فذكره.
وهذا السياق أشبه والله أعلم.
وهو إسناد على شرط أهل السنن ولم يخرجوه.
فصل وقد تقدم ذكر وفود الجن بمكة قبل الهجرة (1).
وقد تقصينا الكلام في ذلك أيضا عند قوله تعالى في سورة الاحقاف: " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن " فذكرنا ما ورد من الاحاديث في ذلك والآثار، وأوردنا حديث سواد بن قارب الذى كان كاهنا فأسلم.
وما رواه عن رئيه الذى كان يأتيه بالخبر حين أسلم [ الرئى (2) ] حين قال له: عجبت للجن وأنجاسها * وشدها العيس بأحلاسها تهوى إلى مكة تبغى الهدى * ما مؤمنو الجن كأرجاسها فانهض إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى راسها ثم قوله: عجبت للجن وتطلابها * وشدها العيس بأقتابها تهوى إلى مكة تبغى الهدى * ليس قدامها كأذنابها
__________
(1) سبق ذلك في الجزء الاول 344.
(2) من ا (*)
فانهض إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى بابها ثم قوله: عجبت للجن وتخبارها * وشدها العيس بأكوارها تهوى إلى مكة تبغى الهدى * ليس ذوو الشر كأخيارها فانهض إلى الصفوة من هاشم * ما مؤمنو الجن ككفارها وهذا وأمثاله مما يدل على تكرار وفود الجن إلى مكة.
وقد قررنا ذلك هنالك بما
فيه كفاية ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.
* * * وقد أورد الحافظ أبو بكر البيهقى هاهنا حديثا غريبا جدا، بل منكرا أو موضوعا، ولكن مخرجه عزيز أحببنا أن نورده كما أورده.
والعجب منه.
فإنه قال في دلائل النبوة: باب قدوم هامة بن الهيثم بن لاقيس بن إبليس على النبي صلى الله عليه وسلم وإسلامه.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوى رحمه الله، أنبأنا أبو نصر محمد ابن حمدويه بن سهل القارئ المروزى، حدثنا عبدالله بن حماد الآملي، حدثنا محمد بن أبى معشر، أخبرني أبى، عن نافع عن ابن عمر، قال قال عمر رضى الله عنه: بينا نحن قعود مع النبي صلى الله عليه وسلم على جبل من جبال تهامة إذ أقبل شيخ بيده عصا، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فردتم قال: " نغمة جن وغمغتهم من أنت " قال: أنا هامة بن الهيثم بن لاقيس بن إبليس.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فما بينك وبين إبليس إلا أبوان، فكم أتى لك من الدهر ؟ " قال: قد أفنيت الدنيا عمرها إلا قليلا، ليالى قتل قابيل هابيل كنت غلاما ابن أعوام، أفهم الكلام وأمر بالآكام وآمر بإفساد الطعام وقطيعة الارحام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بئس عمل الشيخ المتوسم، والشاب المتلوم ".
قال: ذرنى من الترداد، إنى تائب إلى الله عزوجل، إنى كنت مع نوح في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكانى وقال: لا جرم إنى على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
قال: قلت، يا نوح إنى كنت ممن اشترك في دم السعيد الشهيد هابيل بن آدم،
فهل تجدلى عندك توبة ؟ قال: يا هام هم بالخير وافعله قبل الحسرة والندامة، إنى قرأت فيما أنزل الله على أنه ليس من عبد تاب إلى الله بالغ أمره ما بلغ إلا تاب الله عليه، قم فتوضأ واسجد لله سجدتين.
قال ففعلت من ساعتي ما أمرنى به.
فناداني: ارفع رأسك، فقد نزلت توبتك من السماء.
فخررت لله ساجدا.
قال: وكنت مع هود في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى عليهم وأبكانى، فقال: لا جرم إنى على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
قال: وكنت مع صالح في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكانى وقال: أنا على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
وكنت أزور يعقوب وكنت مع يوسف في المكان الامين، وكنت ألقى إلياس في الاودية وأنا ألقاه الآن.
وإنى لقيت موسى بن عمران فعلمني من التوراة، وقال: إن لقيت عيسى ابن مريم
فأقرئه منى السلام.
وإنى لقيت عيسى ابن مريم فأقرأته عن موسى السلام، وإن عيسى قال: إن لقيت محمدا صلى الله عليه وسلم فأقرئه منى السلام.
فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عينيه فبكى ثم قال: وعلى عيسى السلام ما دامت الدنيا، وعليك السلام يا هام بأدائك الامانة.
قال: يا رسول الله افعل بى ما فعل موسى، إنه علمني من التوراة.
قال: فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وقعت الواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت، والمعوذتين، وقل هو الله أحد، وقال: " ارفع إلينا حاجتك يا هامة،
ولا تدع زيارتنا ".
قال عمر: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعد إلينا، فلا ندرى الآن أحى هو أم ميت ؟ ثم قال البيهقى: ابن أبى معشر هذا قد روى عنه الكبار إلا أن أهل العلم بالحديث يضعفونه.
وقد روى هذا الحديث من وجه آخر هو أقوى منه.
والله أعلم (1).
__________
(1) هذا الحديث ظاهر الوضع والاختلاق، وقد أشار إلى وضعه ابن الجوزى في مقدمة كتابه " الوفا في أخبار المصطفى ".
(*)
سنة عشر من الهجرة باب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد قال ابن إسحاق: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر أو جمادى الاولى سنة عشر إلى بنى الحارث بن كعب بنجران.
وأمره أن يدعوهم إلى الاسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا، فإن استجابوا فاقبل منهم، وإن لم يفعلوا فقاتلهم.
فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الاسلام ويقولون: أيها الناس أسلموا تسلموا.
فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه، فأقام فيهم خالد يعلمهم الاسلام وكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، كما أمره رسول الله إن هم أسلموا ولم يقاتلوا.
ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد النبي رسول الله من خالد بن الوليد.
السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو، أما بعد يا رسول الله صلى الله عليك، فإنك
بعثتني إلى بنى الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام، وأن أدعوهم إلى الاسلام، فإن أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الاسلام وكتاب الله وسنة نبيه وإن لم يسلموا قاتلتهم.
وإنى قدمت عليهم فدعوتهم إلى الاسلام ثلاثة أيام كما أمرنى رسول الله، وبعثت فيهم ركبانا [ قالوا: ] (1) يا بنى الحارث أسلموا تسلموا.
فأسلموا ولم يقاتلوا، وأنا مقيم
__________
(1) من ابن هشام.
(*)
بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم الله به وأنهاهم عما نهاهم الله عنه، وأعلمهم معالم الاسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد.
سلام عليك، فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو، أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بنى الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الاسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن قد هداهم الله بهداه، فبشرهم وأنذرهم وأقبل، وليقبل معك وفدهم.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
* * * فأقبل خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل معه وفد بنى الحارث بن كعب ; منهم قيس بن الحصين ذو الغصة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجل، وعبد الله بن قراد الزيادي، وشداد بن عبيد الله القنانى، وعمرو بن عبدالله الضبابى.
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم.
قال: من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند ؟
قيل يا رسول الله: هؤلاء بنو (1) الحارث بن كعب، فلما وقفوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلموا عليه وقالوا: نشهد أنك رسول الله وأنه لا إله إلا الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله ".
ثم قال: " أنتم الذين إذا زجروا استقدموا " فسكتوا فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الثانية ثم الثالثة فلم يراجعه منهم أحد.
__________
(1) ابن هشام: هؤلاء رجال بنى الحارث.
(*)
ثم أعادها الرابعة.
قال يزيد بن عبد المدان: نعم يا رسول الله، نحن الذين إذا زجروا استقدموا، قالها أربع مرات.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن خالدا لم يكتب إلى أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا لالقيت رءوسكم تحت أقدامكم ".
فقال يزيد بن عبد المدان: أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالدا (1).
قال: فمن حمدتم ؟ قالوا: حمدنا الله الذى هدانا بك يا رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقتم.
ثم قال: بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟ قالوا: لم نك نغلب أحدا.
قال: بلى قد كنتم تغلبون من قاتلكم.
قالوا: كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله، أنا كنا نجتمع ولا نتفرق ولا نبدأ أحدا بظلم.
قال: " صدقتم " ثم أمر عليهم قيس بن الحصين.
قال ابن إسحاق: ثم رجعوا إلى قومهم في بقية شوال أو في صدر ذى القعدة.
قال: ثم بعث إليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم ليفقههم في الدين ويعلمهم السنة ومعالم الاسلام ويأخذ منهم صدقاتهم، وكتب له كتابا عهد إليه فيه عهده وأمره أمره.
ثم أورده ابن إسحاق.
وقد قدمناه في وفد ملوك حمير من طريق البيهقى، وقد رواه النسائي نظير ما ساقه محمد بن إسحاق بغير إسناد.
__________
(1) زاد في ا: ولكن.
وليست في ابن هشام.
(*)
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الامراء إلى أهل اليمن قبل حجة الوداع يدعونهم إلى الله عزوجل قال البخاري: باب بعث أبى موسى ومعاذ إلى اليمن قبل بل حجة الوداع.
حدثنا موسى، حدثنا أبو عوانة، حدثنا عبدالملك، عن أبى بردة، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن.
قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف.
قال: واليمن مخلافان.
ثم قال: " يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا " وفى رواية: وتطاوعا ولا تختلفا.
وانطلق كل واحد منهما إلى عمله.
قال: وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه وكان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا [ فسلم عليه ] (1) فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبى موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، فإذا هو جالس وقد اجتمع الناس إليه، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبدالله بن قيس أيم (2) هذا ؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه.
قال: لا أنزل حتى يقتل.
قال: إنما جئ به لذلك فانزل.
قال: ما أنزل حتى يقتل فأمر به فقتل.
ثم نزل.
فقال: يا عبدالله كيف تقرأ القرآن ؟ قال: أتفوقه (3) تفوقا.
قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ ؟ قال: أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم،
__________
(1) من البخاري 2 / 261
(2) أيم: قال القسطلانى: أي أي شئ هذا، وأصله أي ما.
وأى استفهامية وما بمعنى شئ، فحذفت الالف تخفيفا.
إرشاد السارى 6 / 418.
(3) أتفوقه: أقرأه شيئا بعد شئ.
(*)
فأقرأ ما كتب الله لى فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتى.
انفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه.
ثم قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا خالد، عن الشيباني، عن سعيد بن أبى بردة، عن أبيه، عن أبى موسى الاشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها، فقال: ما هي ؟ قال: البتع والمزر.
فقلت لابي بردة: ما البتع ؟ قال: نبيذ العسل، والمزر نبيذ الشعير.
فقال: " كل مسكر حرام ".
ورواه جرير وعبد الواحد، عن الشيباني، عن أبى بردة.
ورواه مسلم من حديث سعيد بن أبى بردة.
وقال البخاري: حدثنا حبان، أخبرنا عبدالله، عن زكريا بن أبى إسحاق، عن يحيى بن عبدالله بن صيفي، عن أبى معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: " إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذ جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ".
وقد أخرجه بقية الجماعة من طرق متعددة.
* * *
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان، حدثنى راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد [ السكوني (1) ]، عن معاذ بن جبل، قال: لما بعثه رسول الله صلى الله
__________
(1) ليست في ا.
(*)
عليه وسلم إلى اليمن خرج معه يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى تحت راحلته، فلما فرغ قال: يا معاذ إنك عسى ألا تلقاني بعد عامى هذا، ولعلك أن تمر بمسجدى هذا وقبري.
فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم التفت بوجهه نحو المدينة فقال: " إن أولى الناس بى المتقون من كانوا وحيث كانوا ".
ثم رواه عن أبى اليمان، عن صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكوني ; أن معاذا لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله يمشى تحت راحلته ; فلما فرغ قال: " يا معاذ إنك عسى ألا تلقاني بعد عامى هذا، ولعلك أن تمر بمسجدى هذا وقبري ".
فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " لا تبك يا معاذ، للبكاء أوان، البكاء من الشيطان ".
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان، حدثنا أبو زياد يحيى بن عبيد الغساني، عن يزيد بن قطيب، عن معاذ أنه كان يقول: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: " لعلك أن تمر بقبري ومسجدي، فقد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم يقاتلون على الحق مرتين ; فقاتل بمن أطاعك منهم من عصاك، ثم يفيئون إلى الاسلام، حتى تبادر المرأة زوجها والولد والده والاح أخاه، فأنزل بين الحيين السكون والسكاسك ".
وهذا الحديث فيه إشارة وظهور وإيماء إلى أن معاذا رضى الله عنه لا يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ; وكذلك وقع، فإنه أقام باليمن حتى كانت حجة الوداع،
ثم كانت وفاته عليه السلام بعد أحد وثمانين يوما من يوم الحج الاكبر.
* * * فأما الحديث الذى قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، عن الاعمش، عن أبى ظبيان، عن معاذ، أنه لما رجع من اليمن قال: يا رسول الله رأيت رجالا باليمن يسجد بعضهم لبعض أفلا نسجد لك ؟ قال: " لو كنت آمر بشرا أن يسجد لبشر لامرت المرأة أن تسجد لزوجها ".
وقد رواه أحمد عن ابن نمير، عن الاعمش، سمعت أبا ظبيان يحدث عن رجل من الانصار، عن معاذ بن جبل، قال: أقبل معاذ من اليمن فقال: يارسول الله إنى رأيت رجالا.
فذكر معناه.
فقد دار على رجل مبهم، ومثله لا يحتج به، ولا سيما وقد خالفه غيره ممن يعتد به، فقالوا: لما قدم معاذ من الشام كذلك.
رواه أحمد.
وقال أحمد: حدثنا إبراهيم بن مهدى، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبدالرحمن بن أبى حسين، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل، قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله ".
وقال أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبى ثابت، عن ميمون بن أبى شبيب، عن معاذ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " يا معاذ أتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ".
قال وكيع: وجدته في كتابي عن أبى ذر، وهو السماع الاول.
وقال سفيان مرة عن معاذ.
ثم قال الامام أحمد: حدثنا إسماعيل، عن ليث، عن حبيب بن أبى ثابت، عن ميمون بن أبى شبيب، عن معاذ، أنه قال: يارسول الله أوصني.
فقال: " اتق الله
حيثما كنت.
قال: زدنى.
قال: أتبع السيئة الحسنة تمحها.
قال: زدنى.
قال: خالق الناس بخلق حسن ".
وقد رواه الترمذي في جامعه عن محمود بن غيلان، عن وكيع، عن سفيان الثوري به وقال: حسن.
قال شيخنا في الاطراف: وتابعه فضيل بن سليمان، عن ليث بن أبى سليم، عن الاعمش عن حبيب به.
وقال أحمد: حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير الحصرمي، عن معاذ بن جبل، قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال: " لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن [ والديك ] وإن أمراك أن تخرج من مالك وأهلك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا، فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمرا فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية فإن بالمعصية يحل سخط الله، وإياك والفرار من الزحف وإن هلك الناس، وإذا أصاب الناس موت وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا، وأحبهم في الله عزوجل ".
وقال الامام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا بقية، عن السرى بن ينعم، عن شريح، عن مسروق، عن معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن، قال: " إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين ".
* * * وقال أحمد: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا أبو بكر - يعنى ابن عياش -
حدثنا عاصم، عن أبى وائل، عن معاذ، قال: بعثنى رسول الله صلى الله وسلم إلى اليمن،
وأمرني أن آخذ من كل حالم دينارا أو عدله من المعافر، وأمرني أن آخذ من كل أربعين بقرة مسنة، ومن كل ثلاثين بقرة تبيعا حوليا، وأمرني فيما سقت السماء العشر وما سقى بالدوالى نصف العشر ".
وقد رواه أبو داود من حديث أبى معاوية، والنسائي من حديث محمد بن إسحاق عن الاعمش كذلك.
وقد رواه أهل السنن الاربعة من طرق، عن الاعمش، عن أبى وائل، عن مسروق، عن معاذ به.
وقال أحمد: حدثنا معاوية، عن عمرو وهارون بن معروف، قالا: حدثنا عبدالله ابن وهب، عن حيوة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن سلمة بن أسامة، عن يحيى بن الحكم، أن معاذا قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق (1) أهل اليمن، فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا.
قال هارون: والتبيع: الجذع أو الجذعة - ومن كل أربعين مسنة.
فعرضوا على أن آخذ ما بين الاربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين، فأبيت ذلك، وقلت لهم: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
فقدمت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أخذ من كل ثلاثين تبيعا، ومن كل أربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين مسنة وتبيعا، ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتباع، ومن المائة مسنة وتبيعين، ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعا، ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة أتباع.
قال: وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا آخذ فيما بين ذلك شيئا
__________
(1) أصدق: أجمع صدقاتهم.
(*)
إلا أن يبلغ مسنة أو جذعا، وزعم أن الاوقاص (1) لا فريضة فيها.
* * * وهذا من أفراد أحمد، وفيه دلالة على أنه قدم بعد مصيره إلى اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والصحيح أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كما تقدم في الحديث.
وقد قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن الزهري، عن أبى بن كعب بن مالك، قال: كان معاذ بن جبل شابا جميلا سمحا من خير شباب قومه، لا يسأل شيئا إلا أعطاه، حتى كان عليه دين أغلق ماله، فكلم رسول الله في أن يكلم غرماءه ففعل، فلم يضعوا له شيئا، فلو ترك لاحد بكلام أحد لترك لمعاذ بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فدعاه رسول الله فلم يبرح أن باع ماله وقسمه بين غرمائه.
قال: فقام معاذ ولا مال له.
قال: فلما حج رسول الله بعث معاذا إلى اليمن، قال: فكان أول من تجر في هذا المال معاذ.
قال: فقدم على أبى بكر الصديق من اليمن وقد توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء عمر فقال: هل لك أن تطيعني فتدفع هذا المال إلى أبى بكر، فإن أعطاكه فاقبله ؟ قال: فقال معاذ: لن (2) أدفعه إليه، وإنما بعثنى رسول الله ليجبرني.
فلما أبى عليه انطلق عمر إلى أبى بكر، فقال: أرسل إلى هذا الرجل فخذ منه ودع له.
فقال أبو بكر: ما كنت لافعل، إنما بعثه رسول الله ليجبره، فلست آخذ منه شيئا.
__________
(1) الاوقاص: ما بين الفريضتين في الزكاة.
(2) الاصل: لم.
(*)
قال: فلما أصبح معاذ انطلق إلى عمر فقال: ما أرانى إلا فاعل الذى قلت، إنى رأيتنى البارحة في النوم - فيما يحسب عبد الرزاق قال - أجر إلى النار وأنت آخذ بحجزتى (1).
قال: فانطلق إلى أبى بكر بكل شئ جاء به، حتى جاءه بسوطه وحلف له أنه لم يكتمه شيئا.
قال فقال أبو بكر رضى الله عنه: هو لك لا آخذ منه شيئا.
وقد رواه أبو ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، فذكره إلا أنه قال: حتى إذا كان عام فتح مكة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على طائفة من اليمن أميرا، فمكث حتى قبض رسول الله، ثم قدم في خلافة أبى بكر وخرج إلى الشام.
قال البيهقى: وقد قدمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلفه بمكة مع عتاب ابن أسيد ليعلم أهلها، وأنه شهد غزوة تبوك ; فالاشبه أن بعثه إلى اليمن كان بعد ذلك.
والله أعلم.
ثم ذكر البيهقى لقصة منام معاذ شاهدا من طريق الاعمش، عن أبى وائل، عن عبدالله، وأنه كان من جملة ما جاء به عبيد فأتى بهم أبا بكر، فلما رد الجميع عليه رجع بهم ثم قام يصلى فقاموا كلهم يصلون معه.
فلما انصرف قال: لمن صليتم ؟ قالوا: لله.
قال: فأنتم له عتقاء.
فأعتقهم.
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبى عون، عن الحارث ابن عمرو ابن أخى المغيرة بن شعبة، عن ناس من أصحاب معاذ من أهل حمص، عن معاذ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال: كيف تصنع إن عرض لك
قضاء ؟ قال: أقضى بما في كتاب الله.
__________
(1) الحجزة: معقد الازار.
(*)
قال: فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله ؟ قال: أجتهد وإنى لا آلو.
قال: فضرب رسول الله صدري ثم قال: " الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله ".
وقد رواه أحمد عن وكيع، عن عفان، عن شعبة بإسناده ولفظه.
وأخرجه أبو داود والترمذي من حديث شعبة به، وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل.
وقد رواه ابن ماجه من وجه آخر عنه، إلا أنه من طريق محمد بن سعد بن حسان - وهو المصلوب أحد الكذابين - عن عبادة بن نسى (1)، عن عبدالرحمن بن غنم، عن معاذ به نحوه.
وقد روى الامام أحمد، عن محمد بن جعفر ويحيى بن سعيد، عن شعبة، عن عمرو ابن أبى حكيم، عن عبدالله بن بريدة، عن يحيى بن معمر، عن أبى الاسود الديلى قال: كان معاذ باليمن فارتفعوا إليه في يهودى مات وترك أخا مسلما.
فقال معاذ: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الاسلام يزيد ولا ينقص " فورثه.
ورواه أبو داود من حديث ابن بريدة به.
وقد حكى هذا المذهب عن معاوية بن أبى سفيان وراويه (2) يحيى بن معمر القاضى وطائفة من السلف، وإليه ذهب إسحاق بن راهويه.
وخالفهم الجمهور، ومنهم الائمة الاربعة وأصحابهم، محتجين بما ثبت في الصحيحين
__________
(1) هو عبادة بن نسى الكندى، قاضى طبرية توفى سنة 118.
تهذيب التهذيب 5 / 114 (2) غير ا: ورواه عن.
(*)
عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر ".
* * * والمقصود أن معاذا رضى الله عنه كان قاضيا للنبى صلى الله عليه وسلم باليمن وحاكما في الحروب، ومصدقا إليه تدفع الصدقات، كما دل عليه حديث ابن عباس المتقدم.
وقد كان بارزا للناس يصلى بهم الصلوات الخمس، كما قال البخاري: حدثنا سليمان ابن حرب حدثنا شعبة، عن حبيب بن أبى ثابت، عن سعيد بن جبير، عن عمرو بن ميمون، أن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ: " واتخذ الله إبراهيم خليلا " فقال رجل من القوم: لقد قرت عين أم إبراهيم ! انفرد به البخاري.
ثم قال البخاري:
باب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع حدثنا أحمد بن عثمان، حدثنا شريح بن مسلمة، حدثنا إبراهيم بن يوسف بن أبى إسحاق، حدثنى أبى، عن أبى إسحاق، سمعت البراء بن عازب قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد بن الوليد إلى اليمن، قال: ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه قال: مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب، ومن شاء فليقبل.
فكنت فيمن عقب معه.
قال: فغنمت أواقى ذات عدد.
انفرد به البخاري من هذا الوجه.
ثم قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا على بن سويد ابن منجوف، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد بن الوليد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليا فأصبح وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا ؟ فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال: " يا بريدة تبغض (1) عليا ؟ " فقلت: نعم.
فقال: " لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك ".
انفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه.
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عبد الجليل، قال: انتهيت إلى حلقة فيها أبو مجلز وابنا بريدة، فقال عبدالله بن بريدة: حدثنى أبى بريدة قال: أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا قط، قال: وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا.
قال: فبعث ذلك الرجل على خيل، فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه عليا.
قال:
__________
(1) البخاري: أتبغض.
(*)
فأصبنا سبيا قال: فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابعث إلينا من يخمسه.
قال: فبعث إلينا عليا وفى السبى وصيفة من أفضل السبى.
قال: فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر، فقلنا: يا أبا الحسن ما هذا ؟ فقال: ألم تروا إلى الوصيفة التى كانت في السبى، فإنى قسمت وخمست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صارت في آل على ووقعت بها.
قال: فكتب الرجل إلى نبى الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت: ابعثنى.
فبعثني مصدقا.
قال: فجعلت أقرأ الكتاب وأقول: صدق.
قال: فأمسك يدى والكتاب
فقال: " أتبغض عليا ؟ " قال: قلت: نعم.
قال: " فلا تبغضه، وإن كنت تحبه فازدد له حبا، فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل على (1) في الخمس أفضل من وصيفة ".
قال: فما كان من الناس أحد بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلى من على.
قال عبدالله بن بريدة: فو الذى لا إله غيره ما بينى وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث غير أبى بريدة.
تفرد به بهذا السياق عبد الجليل بن عطية الفقيه أبو صالح البصري، وثقه ابن معين وابن حبان.
وقال البخاري: إنما يتهم في الشئ بعد الشئ.
وقال محمد بن إسحاق: حدثنا أبان بن صالح، عن عبدالله بن نيار الاسلمي، عن خاله عمرو بن شأس الاسلمي، وكان من أصحاب الحديبية، قال: كنت مع على بن أبى طالب في خيله التى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فجفاني على بعض الجفاء، فوجدت في نفسي عليه.
__________
(1) ت: آل محمد.
(*)
فلما قدمت المدينة اشتكيته في مجالس المدينة وعند من لقيته، فأقبلت يوما ورسول الله جالس في المسجد، فلما رأني أنظر إلى عينيه نظر إلى حتى جلست إليه، فلما جلست إليه قال: " إنه والله يا عمرو بن شأس لقد آذيتنى " فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون ! أعوذ بالله والاسلام أن أوذى رسول الله.
فقال: " من آذى عليا فقد آذانى ".
وقد رواه البيهقى من وجه آخر، عن ابن إسحاق، عن أبان بن الفضل بن معقل ابن سنان، عن عبدالله بن نيار، عن خاله عمرو بن شأس.
فذكره بمعناه.
وقال الحافظ البيهقى: أنبأنا محمد بن عبدالله الحافظ، أنبأنا أبو إسحاق المزكى، حدثنا عبيدة بن أبى السفر، سمعت إبراهيم بن يوسف بن أبى إسحاق، عن أبيه، عن أبى إسحاق، عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الاسلام.
قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الاسلام، فلم يجيبوه، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على بن أبى طالب وأمره أن يقفل خالدا، إلا رجلا كان ممن مع خالد فأحب أن يعقب مع على فليعقب معه.
قال البراء: فكنت فيمن عقب مع على، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، ثم تقدم بنا فصلى بنا على، ثم صفنا صفا واحدا، ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان جميعا، فكتب على إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال: " السلام على همدان السلام على همدان ".
قال البيهقى: رواه البخاري مختصرا من وجه آخر عن إبراهيم بن يوسف.
* * * وقال البيهقى: أنبأنا أبو الحسين محمد بن الفضل القطان، أنبأنا أبو سهل بن زياد القطان، حدثنا إسماعيل بن أبى أويس، حدثنى أخى، عن سليمان بن بلال، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبى سعيد الخدرى، أنه قال: بعث رسول الله على بن أبى طالب إلى اليمن.
قال أبو سعيد: فكنت فيمن خرج معه، فلما أخذ من إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا - وكنا قد رأينا في إبلنا خللا - فأبى علينا وقال: إنما لكم فيها
سهم كما للمسلمين.
قال: فلما فرغ على وانطلق من اليمن راجعا أمر علينا إنسانا، وأسرع هو وأدرك الحج، فلما قضى حجته قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم ".
قال أبو سعيد: وقد كنا سألنا الذى استخلفه ما كان على منعنا إياه ففعل، فلما عرف في إبل الصدقة أنها قد ركبت، ورأى أثر الركب قدم الذى أمره ولامه.
فقلت: أما إن لله على لئن قدمت المدينة لاذكرن لرسول الله ولاخبرنه ما لقينا من الغلظة والتضييق.
قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد أن أفعل ما كنت حلفت عليه، فلقيت أبا بكر خارجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأني وقف معى ورحب بى وساءلني وساءلته.
وقال: متى قدمت ؟ فقلت قدمت، البارحة.
فرجع معى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل وقال: هذا سعد بن مالك بن الشهيد.
فقال: ائذن له.
فدخلت فحييت رسول الله وحياني، وأقبل على وساءلني عن نفسي وأهلي وأحفى المسألة، فقلت: يا رسول الله ما لقينا من على من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق.
فاتأد رسول الله، وجعلت أنا أعدد ما لقينا منه، حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله على فخذي، وكنت منه قريبا، وقال: " يا سعد بن مالك بن الشهيد، مه بعض قولك لاخيك على، فوالله لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله ".
قال: فقلت في نفسي: ثكلتك أمك سعد بن مالك، ألا أرانى كنت فيما يكره منذ اليوم ولا أدرى ؟ ! لا جرم والله لا أذكره بسوء أبدا سرا ولا علانية.
وهذا إسناد جيد على شرط النسائي ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة.
* * * وقد قال يونس عن محمد بن إسحاق: حدثنى يحيى بن عبدالله بن أبى عمر، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: إنما وجد جيش على بن طالب الذين كانوا معه باليمن، لانهم حين أقبلوا خلف عليهم رجلا وتعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فعمد الرجل فكسا كل رجل حلة، فلما دنوا خرج عليهم على يستقبلهم، فإذا عليهم الحلل.
قال على: ما هذا ؟ قالوا: كسانا فلان: قال: فما دعاك إلى هذا قبل أن تقدم على رسول الله فيصنع ما شاء ؟ فنزع الحلل منهم.
فلما قدموا على رسول الله اشتكوه لذلك، وكانوا قد صالحوا رسول الله، وإنما بعث عليا إلى جزية موضوعة.
قلت: هذا السياق أقرب من سياق البيهقى.
وذلك أن عليا سبقهم لاجل الحج وساق معه هديا وأهل بإهلال النبي
صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يمكث حراما.
وفى رواية البراء بن عازب أنه قال: له إنى سقت الهدى وقرنت.
والمقصود أن عليا لما كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التى أطلقها لهم نائبه، وعلى معذور فيما فعل لكن اشتهر الكلام فيه في الححيج، فلذلك - والله أعلم - لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجته وتفرغ من مناسكه ورجع إلى المدينة فمر بغدير خم قام في الناس خطيبا فبرأ ساحة على ورفع من قدره ونبه على فضله، ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس.
وسيأتى هذا مفصلا في موضعه إن شاء الله.
وبه الثقة.
* * *
وقال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد الواحد، عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة، حدثنى عبدالرحمن بن أبى نعم، سمعت أبا سعيد الخدرى يقول: بعث على بن أبى طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل (1) من ترابها.
قال: فقسمها بين أربعة ; بين عيينة بن بدر، والاقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل.
فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ألا تأمنوني ؟ وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء ".
قال: فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق
__________
(1) الذهيبة: القطعة من الذهب.
والمقروظ: المدبوغ.
وتحصل: تخلص.
(*)
الرأس مشمر الازار فقال: يا رسول الله اتق الله.
فقال: ويلك أو لست أحق الناس أن يتقى الله.
قال: ثم ولى الرجل.
قال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟ قال: لا لعله أن يكون يصلى.
قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم.
قال ثم نظر إليه وهو مقف فقال: " إنه يخرج من ضئضئ (1) هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " - أظنه قال: لئن أدركتهم لاقتلنهم قتل ثمود.
وقد رواه البخاري في مواضع أخر من كتابه، ومسلم في كتاب الزكاة من صحيحه من طرق متعددة إلى عمارة بن القعقاع به.
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى، عن الاعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبى البخترى، عن على، قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا حديث السن.
قال: فقلت: تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث ولا علم لى بالقضاء ؟ قال: " إن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك " قال: فما شككت في قضاء بين اثنين.
ورواه ابن ماجه من حديث الاعمش به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا شريك، عن سماك، عن حنش، عن على، قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن.
قال فقلت: يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن منى وأنا حدث لا أبصر القضاء ؟
__________
(1) الضئضئ: الاصل.
(*)
قال فوضع يده على صدري وقال: " اللهم ثبت لسانه واهد قلبه، يا على إذ جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر ما سمعت من الاول، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك ".
قال: فما اختلف على قضاء بعد - أو ما أشكل على قضاء بعد.
ورواه أحمد أيضا وأبو داود من طرق، عن شريك، والترمذي من حديث زائدة كلاهما عن سماك بن حرب، عن حنش بن المعتمر، وقيل ابن ربيعة الكنانى الكوفى، عن على به.
وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الاجلح، عن الشعبى، عن عبدالله ابن أبى الخليل، عن زيد بن أرقم، أن نفرا وطئوا امرأة في طهر، فقال على لاثنين: أتطيبان نفسا لذا (1) ؟ فقالا: لا.
فأقبل على الآخرين فقال: أتطيبان نفسا لذا ؟
فقالا: لا.
فقال: أنتم شركاء متشاكسون.
فقال: إنى مقرع بينكم، فأيكم قرع أغرمته ثلثى الدية وألزمته الولد.
قال: فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: لا أعلم إلا ما قال على.
وقال أحمد: حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا هشيم، أنبأنا الاجلح، عن الشعبى، عن أبى الخليل، عن زيد بن أرقم، أن عليا أتى في ثلاثة نفر إذ كان في اليمن اشتركوا في ولد، فأقرع بينهم فضمن الذى أصابته القرعة ثلثى الدية وجعل الولد له.
قال زيد بن أرقم: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقضاء على، فضحك حتى بدت نواجذه.
ورواه أبو داود عن مسدد، عن يحيى القطان، والنسائي عن على بن حجر،
__________
(1) ت: نفسا كما.
(*)
عن على بن مسهر، كلاهما عن الاجلح بن عبدالله، عن عامر الشعبى، عن عبدالله بن الخليل.
وقال النسائي في رواية عبدالله بن أبى الخليل عن زيد بن أرقم.
قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل اليمن فقال: إن ثلاثة نفر أتوا عليا يختصمون في ولد وقعوا على امرأة في طهر واحد.
فذكر نحو ما تقدم.
وقال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روياه - أعنى أبا داود والنسائي - من حديث شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن الشعبى، عن أبى الخليل أو ابن الخليل، عن على قوله.
فأرسله ولم يرفعه.
وقد رواه الامام أحمد أيضا، عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن الاجلح، عن الشعبى، عن عبد خير، عن زيد بن أرقم.
فذكر نحو ما تقدم.
وأخرجه أبو داود والنسائي جميعا عن حنش بن أصرم، وابن ماجه عن إسحاق
ابن منصور، كلاهما عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن صالح الهمداني، عن الشعبى، عن عبد خير، عن زيد بن أرقم به..* * * قال شيخنا في الاطراف: لعل عبد خير هذا هو عبدالله بن الخليل ولكن لم يضبط الراوى اسمه.
قلت: فعلى هذا يقوى الحديث وإن كان غيره كان أجود لمتابعته له، لكن الاجلح ابن عبدالله الكندى فيه كلام ما.
وقد ذهب إلى القول بالقرعة في الانساب الامام أحمد وهو من أفراده.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو سعيد، حدثنا إسرائيل، حدثنا سماك، عن حنش،
عن على قال: بعثنى رسول الله إلى اليمن فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية (1) للاسد، فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر، ثم تعلق آخر (2) بآخر حتى صاروا فيها أربعة، فجرحهم الاسد، فانتدب له رجل بحربة فقتله وماتوا من جراحتهم كلهم.
فقام أولياء الاول إلى أولياء الآخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا، فأتاهم على على تعبية ذلك، فقال: تريدون أن تقاتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حى ! إنى أقضى بينكم قضاء إن رضيتم فهو القضاء وإلا حجز بعضكم عن بعض حتى تأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيكون هو الذى يقضى بينكم، فمن عدا بعد ذلك فلا حق له.
اجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر ربع الدية وثلث الديه ونصف الدية والدية كاملة، فللاول الربع لانه هلك، والثانى ثلث الدية، والثالث نصف الدية، والرابع الدية.
فأبوا أن يرضوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند مقام إبراهيم، فقصوا عليه القصة.
فقال: أنا أحكم بينكم.
فقال رجل من القوم: يا رسول الله إن عليا قضى
فلينا.
فقصوا عليه القصة فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم رواه الامام أحمد أيضا عن وكيع، عن حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن حنش، عن على.
فذكره.
__________
(1) الزبية: حفرة للاسد.
(2) ا: رجل بآخر.
(*)
كتاب حجة الوداع في سنة عشر ويقال لها حجة البلاغ، وحجة الاسلام، وحجة الوداع لانه عليه الصلاة والسلام ودع الناس فيها ولم يحج بعدها.
وسميت حجة الاسلام لانه عليه السلام لم يحج من المدينة غيرها، ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها.
وقد قيل إن فريضة الحج نزلت عامئذ، وقيل سنة تسع.
وقيل سنة ست.
وقيل قبل الهجرة وهو غريب.
وسميت حجة البلاغ لانه عليه السلام بلغ الناس شرع الله في الحج قولا وفعلا، ولم يكن بقى من دعائم الاسلام وقواعده شئ إلا وقد بينه عليه السلام، فلما بين لهم شريعة الحج ووضحه وشرحه أنزل الله عزوجل عليه وهو واقف بعرفة: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " (1).
وسيأتى إيضاح هذا كله.
والمقصود ذكر حجته عليه السلام كيف كانت، فإن النقلة اختلفوا فيها اختلافا كثيرا جدا، بحسب ما وصل إلى كل منهم من العلم، وتفاوتوا في ذلك تفاوتا كثيرا لا سيما من بعد الصحابة رضى الله عنهم.
ونحن نورد بحمد الله وعونه وحسن توفيقه ما ذكره الائمة في كتبهم من هذه الروايات، ونجمع بينها جمعا يثلج قلب من تأمله وأنعم النظر فيه وجمع بين طريقتي
الحديث وفهم معانيه إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
__________
(1) سورة المائدة 3.
(*)
وقد اعتنى الناس بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتناء كثيرا من قدماء الائمة ومتأخريهم.
وقد صنف العلامة أبو محمد بن حزم الاندلسي رحمه الله مجلدا في حجة الوداع أجاد في أكثره، ووقع له فيه أوهام سننبه عليها في مواضعها.
وبالله المستعان.
باب بيان أنه عليه السلام لم يحج من المدينة إلا حجة واحدة وأنه اعتمر قبلها ثلاث عمر كما رواه البخاري ومسلم عن هدبة، عن همام، عن قتادة، عن أنس، قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلهن في ذى القعدة إلا التى في حجته.
الحديث وقد رواه يونس بن بكير، عن عمر بن ذر، عن مجاهد، عن أبى هريرة مثله.
وقال سعد بن منصور عن الدراوردى، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر: عمرة في شوال، وعمرتين في ذى القعدة.
وكذا رواه ابن بكير عن مالك، عن هشام بن عروة.
وروى الامام أحمد من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أن رسول الله اعتمر ثلاث عمر كلهن في ذى القعدة.
وقال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا داود - يعنى العطار - عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال اعتمر رسول الله أربع عمر: عمرة الحديبية وعمرة القضاء والثالثة من الجعرانة والرابعة التى مع حجته.
ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث داود العطار وحسنه الترمذي.
وقد تقدم هذا الفصل عند عمرة الجعرانة.
وسيأتى في فصل من قال إنه عليه السلام حج قارنا وبالله المستعان.
فالاولى من هذه العمر: عمرة الحديبية التى صد عنها.
ثم بعدها عمرة القضاء ويقال بل عمرة القصاص، ويقال عمرة القضية.
ثم بعدها عمرة الجعرانة مرجعه من الطائف، حين قسم غنائم حنين.
وقد قدمنا ذلك كله في مواضعه.
والرابعة عمرته مع حجته.
وسنبين اختلاف الناس في عمرته هذه مع الحجة، هل كان متمتعا، بأن أوقع العمرة قبل الحجة وحل منها، أو منعه من الاحلال منها سوقه الهدى، أو كان قارنا لها مع الحجة.
كما نذكره من الاحاديث الدالة على ذلك، أو كان مفردا لها عن الحجة، بأن أوقعها بعد قضاء الحجة.
قال: وهذا هو الذى يقوله من يقول بالافراد كما هو المشهور عن الشافعي.
وسيأتى بيان هذا عند ذكرنا إحرامه صلى الله عليه وسلم كيف كان مفردا أو متمتعا أو قارنا.
قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق، حدثنى زيد بن أرقم، أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وأنه حج بعد ما هاجر حجة واحدة.
قال أبو إسحاق: وبمكة أخرى.
وقد رواه مسلم من حديث زهير، وأخرجاه من حديث شعبة.
زاد البخاري وإسرائيل ثلاثتهم عن أبى إسحاق عمرو بن عبدالله السبيعى، عن زيد به.
وهذا الذى قال أبو إسحاق من أنه عليه السلام حج بمكة حجة أخرى، إن أراد أنه
لم يقع منه بمكة إلا حجة واحدة كما هو ظاهر لفظه، فهو بعيد.
فإنه عليه السلام كان بعد الرسالة يحضر مواسم الحج ويدعو الناس إلى الله ويقول: " من رجل يؤوينى حتى أبلغ كلام ربى، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربى عزوجل ".
حتى قيض الله له جماعة الانصار يلقونه ليلة العقبة، أي عشية يوم النحر عند جمرة العقبة ثلاث سنين متتاليات، حتى إذا كانوا آخر سنة بايعوه ليلة العقبة الثانية، وهى ثالث اجتماعهم به، ثم كانت بعدها الهجرة إلى المدينة.
كما قدمنا ذلك مبسوطا في موضعه.
والله أعلم.
وفى حديث جعفر بن محمد بن على بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبدالله، قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس بالحج، فاجتمع بالمدينة بشر كثير، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذى القعدة أو لاربع، فلما كان بذى الحليفة صلى ثم استوى على راحلته، فلما أخذت به في البيداء لبى وأهللنا لا ننوى إلا الحج.
وسيأتى الحديث بطوله.
وهو في صحيح مسلم، وهذا لفظ البيهقى من طريق أحمد بن حنبل، عن إبراهيم بن طهمان، عن جعفر بن محمد به.
باب تاريخ خروجه عليه السلام من المدينة لحجة الوداع بعد ما استعمل عليها أبا دجانة سماك بن خرشة الساعدي ويقال سباع عن عرفطة الغفاري حكاهما عبدالملك بن هشام
قال محمد بن إسحاق: فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو القعدة من سنه عشر تجهز للحج، وأمر الناس بالجهاز له.
فحدثني عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج لخمس ليال بقين من ذى القعدة.
وهذا إسناد جيد.
ورواه الامام مالك في موطئه، عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن عمرة، عن عائشة، ورواه الامام أحمد عن عبدالله بن نمير، عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن عمرة عنها.
وهو ثابت في الصحيحين وسنن النسائي وابن ماجه ومصنف ابن أبى شيبة، من طرق، عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن عمرة، عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله لخمس بقين من ذى القعدة لا نرى إلا الحج.
الحديث بطوله كما سيأتي.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن أبى بكر المقدمى، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، أخبرني كريب عن ابن عباس، قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم
من المدينة بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه، ولم ينه عن شئ من الاردية ولا الازر إلا المزعفرة التى تردع (1) على الجلد، فأصبح بذى الحليفة، ركب راحلته حتى استوى على البيداء، وذلك لخمس بقين من ذى القعدة، فقدم مكة لخمس خلون من ذى الحجة.
تفرد به البخاري.
فقوله: " وذلك لخمس بقين من ذى القعدة " إن أراد به صبيحة يومه بذى الحليفة صح قول ابن حزم في دعواه أنه عليه السلام خرج من المدينة يوم الخميس وبات
بذى الحليفة ليلة الجمعة.
وأصبح بها يوم الجمعة، وهو اليوم الخامس والعشرون من ذى القعدة.
وإن أراد ابن عباس بقوله " وذلك لخمس من ذى القعدة " يوم انطلاقه عليه السلام من المدينة بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه، كما قالت عائشة وجابر أنهم خرجوا من المدينة لخمس بقين من ذى القعدة، بعد قول ابن حزم وتعذر المصير إليه وتعين القول بغيره، ولم ينطبق ذلك إلا على يوم الجمعة، إن كان شهر ذى القعدة كاملا.
ولا يجوز أن يكون خروجه عليه السلام من المدينة كان يوم الجمعة، لما رواه البخاري: حدثنا موسى بن اسماعيل، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن أبى قلابة، عن أنس ابن مالك، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذى الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء، حمد الله عزوجل وسبح [ وكبر ] (2) ثم أهل بحج وعمرة.
وقد رواه مسلم والنسائي جميعا، عن قتيبة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن
__________
(1) تردع: تغير اللون إلى الصفرة.
(2) من البخاري.
(*)
أبى قلابة، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذى الحليفة ركعتين.
وقال أحمد: حدثنا عبدالرحمن عن سفيان، عن محمد - يعنى ابن المنكدر - وإبراهيم بن ميسرة، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذى الحليفة ركعتين.
ورواه البخاري عن أبى نعيم، عن سفيان - هو الثوري - به، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة عن أنس به.
وقال أحمد: حدثنا محمد بن بكير، حدثنا ابن جريج، عن محمد بن المنكدر عن أنس قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذى الحليفة ركعتين، ثم بات بذى الحليفة حتى أصبح، فلما ركب راحلته واستوت به أهل.
وقال أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبى، عن محمد بن إسحاق، حدثنى محمد بن المنكدر التيمى، عن أنس بن مالك الانصاري، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر في مسجده بالمدينة أربع ركعات، ثم صلى بنا العصر بذى الحليفة ركعتين آمنا لا يخاف في حجة الوداع.
تفرد به أحمد من هذين الوجهين، وهما على شرط الصحيح.
وهذا ينفى كون خروجه عليه السلام يوم الجمعة قطعا.
ولا يجوز على هذا أن يكون خروجه يوم الخميس، كما قال ابن حزم، لانه كان يوم الرابع والعشرين من ذى القعدة، لانه لا خلاف أن أول ذى الحجة كان يوم الخميس، لما ثبت بالتواتر والاجماع من أنه عليه السلام وقف بعرفة يوم الجمعة وهو تاسع ذى الحجة بلا نزاع.
فلو كان خروجه يوم الخميس الرابع والعشرين من ذى القعدة، لبقى في الشهر ست ليال قطعا، ليلة الجمعة والسبت والاحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء.
فهذه ست ليال.
وقد قال ابن عباس وعائشة وجابر أنه خرج لخمس بقين من ذى القعدة، وتعذر أنه يوم الجمعة لحديث أنس، فتعين على هذا أنه عليه السلام خرج من المدينة يوم السبت، وظن الراوى أن الشهر يكون تاما، فاتفق في تلك السنة نقصانه، فانسلخ يوم الاربعاء واستهل شهر ذى الحجة ليلة الخميس.
ويؤيده ما وقع في رواية جابر: لخمس بقين أو أربع.
وهذا التقرير على هذا التقدير لا محيد عنه ولا بد منه.
والله أعلم.
باب صفة خروجه عليه السلام من المدينة إلى مكة للحج قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا أنس بن عياض، عن عبيدالله، هو ابن عمر، عن نافع، عن عبدالله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى مكة يصلى في مسجد الشجرة وإذا رجع صلى بذى الحليفة ببطن الوادي وبات حتى يصبح.
تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: وجدت في كتابي عن عمرو بن مالك، عن يزيد بن زريع، عن هشام، عن عزرة بن ثابت، عن ثمامة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم: حج على رحل رث وتحته قطيفة وقال: " حجة لا رياء فيها ولا سمعة ".
وقد علقه البخاري في صحيحه فقال: وقال محمد بن أبى بكر المقدمى، حدثنا يزيد بن
زريع، عن عزرة بن ثابت، عن ثمامة قال: حج أنس على رحل رث ولم يكن شحيحا.
وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج على رحل وكانت زاملته (1).
هكذا ذكره البزار والبخاري معلقا مقطوع الاسناد من أوله.
وقد أسنده الحافظ البيهقى في سننه فقال: أنبأنا أبو الحسن على بن محمد بن على المقرئ، أنبأنا أبو الحسن على بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب القاضى، حدثنا محمد بن أبى بكر، حدثنا يزيد بن زريع.
فذكره.
وقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده من وجه آخر، عن أنس بن مالك، فقال: حدثنا على بن الجعد، أنبأنا الربيع بن صبيح، عن يزيد الرقاشى، عن أنس، قال:
حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة تساوى - أو لا تساوى - أربعة دراهم.
فقال: " اللهم حجة لا رياء فيها ".
وقد رواه الترمذي في الشمائل (2) من حديث أبى داود الطيالسي، وسفيان الثوري وابن ماجه من حديث وكيع ابن الجراح، ثلاثتهم عن الربيع بن صبيح به.
وهو إسناد ضعيف من جهة يزيد بن أبان الرقاشى، فإنه غير مقبول الرواية عند الائمة.
وقال الامام أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا إسحاق بن سعيد، عن أبيه، قال: صدرت مع ابن عمر فمرت بنا رفقة يمانية ورحالهم الادم وخطم إبلهم الخرز (3)، فقال عبدالله: من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة وردت العام برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذ قدموا في حجة الوداع فينظر إلى هذه الرفقة.
__________
(1) الزاملة: البعير الذى يحمل عليه الطعام والمتاع.
(2) في باب ما جاء في تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشمائل 2 / 120 (3) الخرز: نبات من النجيل منظوم من أعلاه إلى أسفله.
(*)
ورواه أبو داود عن هناد، عن وكيع، عن إسحاق، عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه عن ابن عمر.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو طاهر الفقيه وأبو زكريا بن أبى إسحاق وأبو بكر بن الحسن وأبو سعيد بن أبى عمرو: قالوا حدثنا أبو العباس هو الاصم، أنبأنا محمد بن عبدالله بن الحكم، أنبأنا سعيد بن بشير القرشى، حدثنا عبدالله بن حكيم الكنانى - رجل من أهل اليمن من مواليهم - عن بشر بن قدامة الضبابى، قال: أبصرت عيناى حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفات مع الناس على ناقة له حمراء قصواء تحته قطيفة بولانية وهو يقول " اللهم اجعلها
حجة غير رياء ولا مباهاة ولا سمعة ".
والناس يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبدالله بن إدريس، حدثنا ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه، أن أسماء بنت أبى بكر قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجاجا حتى أدركنا بالعرج (1) نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست عائشة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلست إلى جنب أبى، وكانت زمالة (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمالة أبى بكر واحدة مع غلام أبى بكر فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه، فطلع عليه وليس معه بعيره، فقال: أين بعيرك ؟ فقال اضللته البارحة.
فقال أبو بكر: بعير واحد تضله ! فطفق يضربه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول: " انظروا إلى هذا المحرم وما يصنع ! ".
وكذا رواه أبو داود، عن أحمد بن حنبل ومحمد بن عبد العزيز بن أبى رزمة.
وأخرجه ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة، ثلاثتهم عن عبدالله بن إدريس به.
* * *
__________
(1) العرج: منزل بطريق مكة.
(2) الزمالة: المركوب والاداة، وما كان معهما في السفر.
النهاية 2 / 141.
(*)
فأما الحديث الذى رواه أبو بكر البزار في مسنده قائلا: حدثنا إسماعيل بن حفص، حدثنا يحيى بن اليمان، حدثنا حمزة الزيات، عن حمران بن أعين، عن أبى الطفيل عن أبى سعيد، قال: حج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة قد ربطوا أوساطهم ومشيهم خلط الهرولة.
فإنه حديث منكر ضعيف الاسناد، وحمزة بن حبيب الزيات ضعيف وشيخه متروك الحديث.
وقد قال البزار: لا يروى إلا من هذا الوجه، وإن كان إسناده
حسنا عندنا.
ومعناه أنهم كانوا في عمرة إن ثبت الحديث، لانه عليه السلام إنما حج حجة واحدة وكان راكبا وبعض أصحابه مشاة.
قلت: ولم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من عمره ماشيا، لا في الحديبية ولا في القضاء ولا الجعرانة ولا في حجة الوداع.
وأحواله عليه السلام أشهر وأعرف من أن تخفى على الناس، بل هذا الحديث منكر شاذ لا يثبت مثله.
والله أعلم.
فصل تقدم أنه عليه السلام صلى الظهر بالمدينة أربعا، ثم ركب منها إلى الحليفة وهى وادى العقيق (1) فصلى بها العصر ركعتين.
فدل على أنه جاء الحليفة نهارا في وقت العصر فصلى بها العصر قصرا، وهى من المدينة على ثلاثة أميال، ثم صلى بها المغرب والعشاء وبات بها حتى أصبح فصلى بأصحابه وأخبرهم أنه جاءه الوحى من الليل بما يعتمده في الاحرام.
__________
(1) وادى العقيق: قرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال.
(*)
كما قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا زهير، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبدالله بن عمر، عن عبدالله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أتى في المعرس من ذى الحليفة فقيل له: إنك ببطحاء مباركة.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث موسى بن عقبة به.
وقال البخاري: حدثنا الحميدى، حدثنا الوليد وبشر بن بكر، قالا: حدثنا الاوزاعي، حدثنا يحيى، حدثنى عكرمة، أنه سمع ابن عباس أنه سمع عمر (2) يقول: سمعت رسول الله بوادي العقيق يقول: " أتانى الليلة آت من ربى فقال: صل في هذا
الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة ".
تفرد به دون مسلم.
فالظاهر أن أمره عليه السلام بالصلاة في وادى العقيق هو أمر بالاقامة به إلى أن يصلى صلاة الظهر، لان الامر إنما جاءه في الليل وأخبرهم بعد صلاة الصبح، فلم يبق إلا صلاة الظهر، فأمر أن يصليها هنالك وأن يوقع الاحرام بعدها.
ولهذا قال: أتانى الليلة آت من ربى عزوجل فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة في حجة.
وقد احتج به على الامر بالقران في الحج، وهو من أقوى الادلة على ذلك.
كما سيأتي بيانه قريبا.
* * * والمقصود أنه عليه السلام أمر بالاقامة بوادي العقيق إلى صلاة الظهر، وقد امتثل صلوات الله وسلامه عليه ذلك، فأقام هنالك وطاف على نسائه في تلك الصبيحة وكن تسع نسوة، وكلهن خرج معه، ولم يزل هنالك حتى صلى الظهر.
كما سيأتي في حديث
__________
(2) الاصل: ابن عمر.
وما أثبته عن صحيح البخاري.
(*)
أبى حسان الاعرج، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذى الحليفة، ثم أشعر بدنته، ثم ركب فأهل.
وهو عند مسلم.
وهكذا قال الامام أحمد: حدثنا روح، حدثنا أشعث - هو ابن عبدالملك - عن الحسن، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم ركب راحلته، فلما علا شرف البيداء أهل.
ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، والنسائي عن إسحاق بن راهويه، عن
النضر بن شميل عن أشعث بمعناه، وعن أحمد بن الازهر، عن محمد بن عبدالله الانصاري، عن أشعث أتم منه.
وهذا فيه رد على ابن حزم، حيث زعم أن ذلك في صدر النهار.
وله أن يعتضد بما رواه البخاري من طريق أيوب، عن رجل، عن أنس أن رسول الله بات بذى الحليفة حتى أصبح، فصلى الصبح ثم ركب راحلته، حتى إذا استوت به البيداء أهل بعمرة وحج.
ولكن في إسناده رجل مبهم والظاهر أنه أبو قلابة.
والله أعلم.
قال مسلم في صحيحه: حدثنا يحيى بن حبيب الحارثى، حدثنا خالد - يعنى ابن الحارث - حدثنا شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، سمعت أبى يحدث عن عائشة أنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يطوف على نسائه، ثم يصبح محرما ينضح طيبا.
وقد رواه البخاري من حديث شعبة، وأخرجاه من حديث أبو عوانة.
ومسلم ومسعر وسفيان بن سعيد الثوري، أربعتهم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر به.
وفى رواية لمسلم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه قال: سألت عبدالله بن عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرما.
قال: ما أحب أنى أصبح محرما أنضح طيبا، لان أطلى القطران (1) أحب إلى من أن أفعل ذلك.
فقالت عائشة: أنا طيبت رسول الله عند إحرامه، ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرما.
وهذا اللفظ الذى رواه مسلم يقتضى أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطيب قبل أن يطوف على نسائه، ليكون ذلك أطيب لنفسه وأحب إليهن، ثم لما اغتسل
من الجنابة وللاحرام تطيب أيضا للاحرام طيبا آخر.
كما رواه الترمذي والبيهقي من حديث عبدالرحمن بن أبى الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تجرد لاهلاله واغتسل.
وقال الترمذي: حسن غريب.
وقال الامام أحمد: حدثنا زكريا بن عدى أنبأنا عبيد الله بن عمرو، عن عبدالله بن محمد بن عقيل، عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمى وأشنان (2) ودهنه بشئ من زيت غير كثير.
الحديث تفرد به أحمد.
وقال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: أنبأنا سفيان بن عيينة، عن عثمان بن عروة، سمعت أبى يقول: سمعت عائشة تقول: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه ولحله قلت لها: بأى طيب ؟ قالت بأطيب الطيب.
وقد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة وأخرجه البخاري من حديث وهب عن
__________
(1) صحيح مسلم: بقطران حديث 1192.
(2) الخطمى والاشنان: نوعان من النبات.
(*)
هشام بن عروة، عن أخيه عثمان، عن أبيه عروة عن عائشة به.
وقال البخاري: حدثنا عبدالله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة، قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه حين يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
وقال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، أنبأنا محمد بن أبى بكر: أنبأنا ابن جريج، أخبرني عمر بن عبدالله بن عروة، أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة قالت: طيبت رسول الله بيدى بذريرة (1) في حجة الوداع للحل والاحرام.
وروى مسلم من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى هاتين لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
وقال مسلم: حدثنى أحمد بن منيع، ويعقوب الدورقى قالا: حدثنا هشيم، أخبرنا منصور، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم [ ويحل ] (2) ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك.
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وزهير بن حرب (3)، قالا: حدثنا وكيع، حدثنا الاعمش، عن أبى الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: كأنى أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبى.
ثم رواه مسلم من حديث الثوري وغيره، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم،
__________
(3) الذريرة: نوع من الطيب: قال النووي: هي فتات قصب طيب يجاء به من الهند.
(1) ليست في صحيح مسلم.
كتاب الحج حديث رقم 1191 - ط الحلبي.
(2) في صحيح مسلم زيادة: وأبو سعيد الاشج قالوا.
الخ حديث 1190.
(*)
عن الاسود، عن عائشة قالت: كأنى أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري ومسلم من حديث الاعمش، كلاهما عن منصور، عن إبراهيم عن الاسود عنها.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة، عن الحكم بن إبراهيم، عن الاسود عن عائشة.
وقال أبو داود الطيالسي: أنبأنا أشعث، عن منصور، عن إبراهيم، عن الاسود
عن عائشة، قالت: كأنى أنظر إلى وبيص الطيب في أصول شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن إبراهيم النخعي، عن الاسود، عن عائشة، قالت: كأنى أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وهو محرم.
وقال عبدالله بن الزبير الحميدى: حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا عطاء بن السائب، عن إبراهيم النخعي، عن الاسود، عن عائشة، قالت: رأيت الطيب في مفرق رسول الله بعد ثالثة وهو محرم.
* * * فهذه الاحاديث دالة على أنه عليه السلام تطيب بعد الغسل، إذ لو كان الطيب قبل الغسل لذهب به الغسل ولما بقى له أثر، ولا سيما بعد ثلاثة أيام من يوم الاحرام.
وقد ذهب طائفة من السلف منهم ابن عمر إلى كراهة التطيب عند الاحرام.
وقد روينا هذا الحديث من طريق ابن عمر عن عائشة، فقال الحافظ البيهقى: أنبأنا
أبو الحسين بن بشران - ببغداد - أنبأنا أبو الحسن على بن محمد المصرى، حدثنا يحيى ابن عثمان بن صالح، حدثنا عبدالرحمن بن أبى العمر، حدثنا يعقوب بن عبدالرحمن، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر عن عائشة، أنها قالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغالية الجيدة عند إحرامه.
وهذا إسناد غريب عزيز المخرج.
ثم إنه عليه السلام لبد رأسه ليكون أحفظ لما فيه من الطيب وأصون له من استقرار التراب والغبار.
قال مالك عن نافع، عن ابن عمر، أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:
يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك ؟ قال: " إنى لبدت رأسي وقلدت هديى، فلا أحل حتى أنحر ".
وأخرجاه في الصحيحين من حديث مالك، وله طرق كثيرة عن نافع.
وقال البيهقى: أنبأنا الحاكم، أنبأنا لاصم، أنبأنا يحيى بن محمد بن يحيى، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريرى، حدثنا عبدالاعلى، حدثنا محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبد رأسه بالعسل.
وهذا إسناد جيد.
ثم إنه عليه السلام أشعر الهدى وقلده (1) وكان معه بذى الحليفة.
قال الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن سالم عن أبيه، تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدى من ذى الحليفة.
وسيأتى الحديث بتمامه، وهو في الصحيحين والكلام عليه إن شاء الله.
__________
(1) الاشعار: أن يجعل لها شعيرة، أي علامة تتميز بها.
والتقليد: إلباسها ما يعلم به أنها هدى.
(*)
وقال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام - هو الدستوائى - حدثنى أبى، عن قتادة، عن أبى حسان، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى ذا الحليفة دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الايمن وسلت الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته.
وقد رواه أهل السنن الاربعة، من طرق عن قتادة.
وهذا يدل على أنه عليه السلام تعاطى هذا الاشعار والتقليد بيده الكريمة في هذه البدنة، وتولى إشعار بقية الهدى وتقليده غيره، فإنه قد كان معه هدى كثير (1)، إما مائة بدنة أو أقل منها بقليل.
وقد ذبح بيده الكريمة ثلاثا وستين بدنة وأعطى عليا
فذبح ما غبر (2).
وفى حديث جابر أن عليا قدم من اليمن ببدن للنبى صلى الله عليه وسلم.
وفى سياق ابن إسحاق أنه عليه السلام أشرك عليا في بدنه والله أعلم.
وذكر غيره أنه ذبح هو وعلى يوم النحر مائة بدنة.
فعلى هذا يكون قد ساقها معه من ذى الحليفة، وقد يكون اشترى بعضها بعد ذلك وهو محرم.
__________
(1) ج: كان هديا كثيرا.
(2) غير: بقى.
(*)
باب بيان الموضع الذى أهل منه عليه السلام واختلاف الناقلين لذلك وترجيح الحق في ذلك ذكر من قال إنه عليه السلام أحرم من المسجد الذى بذى الحليفة بعد الصلاة: تقدم الحديث الذى رواه البخاري من حديث الاوزاعي، عن يحيى بن أبى كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عمر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: أتانى آت من ربى فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة.
وقال البخاري: باب الاهلال عند مسجد ذى الحليفة: حدثنا على بن عبدالله، حدثنا سفيان، حدثنا موسى بن عقبة، سمعت سالم بن عبدالله.
ح.
وحدثنا عبدالله بن مسلمة، حدثنا مالك، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبدالله، أنه سمع أباه يقول: ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد - يعنى مسجد ذى الحليفة - وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجه، من طرق عن موسى بن عقبة.
وفى رواية لمسلم عن موسى بن عقبة، عن سالم ونافع وحمزة بن عبدالله بن عمر، ثلاثتهم عن عبدالله بن عمر فذكره.
وزاد فقال: لبيك اللهم لبيك.
وفى رواية لهما من طريق مالك، عن موسى بن عقبة، عن سالم قال: قال عبدالله
ابن عمر: بيداؤكم هذه التى تكذبون فيها (1) على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أهل رسول الله [ إلا ] من عند المسجد.
وقد روى عن ابن عمر خلاف هذا، كما يأتي في الشق الآخر.
وهو ما أخرجاه في الصحيحين من طريق مالك، عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى، عن عبيد بن جريج، عن ابن عمر.
فذكر حديثا فيه أن عبدالله قال: وأما الاهلال فإنى لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته.
* * * وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبى، عن ابن إسحاق، حدثنى خصيف ابن عبدالرحمن الجزرى، عن سعيد بن جبير، قال: قلت لعبد الله بن عباس: يا أبا العباس، عجبا لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوجب ؟ ! فقال: إنى لاعلم الناس بذلك، إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة، فمن هناك اختلفوا.
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا، فلما صلى في مسجده بذى الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه، فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه قوم فحفظوا عنه، ثم ركب، فلما استقلت به ناقته أهل، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا، فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل، فقالوا: إنما أهل رسول الله حين استقلت به ناقته.
ثم مضى رسول الله، فلما علا شرف البيداء أهل، وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا:
__________
(1) المراد بالبيداء هنا: شرف أمام ذى الحليفة ; سميت بيداء لانه ليس فيها بناء ولا أثر.
ومعنى تكذبون فيها: تنسبون إلى الرسول أنه أهل منها، ولم يفعل.
(*)
إنما أهل رسول الله حين علا شرف البيداء، وايم الله لقد أوجب في مصلاه، وأهل حين استقلت به ناقته، وأهل حين علا شرف البيداء.
فمن أخذ بقول عبدالله بن عباس [ أنه ] أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه - وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة، عن عبد السلام بن حرب، عن خصيف به نحوه.
وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرف أحدا رواه غير عبد السلام.
كذا قال، وقد تقدم رواية الامام أحمد له من طريق محمد بن إسحاق عنه - وكذلك رواه الحافظ البيهقى عن الحاكم عن القطيعى، عن عبدالله بن أحمد، عن أبيه ثم قال: خصيف الجزرى غير قوى، وقد رواه الواقدي بإسناد له عن ابن عباس.
قال البيهقى: إلا أنه لا ينفع متابعة الواقدي، والاحاديث التى وردت في ذلك عن عمر وغيره مسانيدها قوية ثابتة والله تعالى أعلم - قلت: فلو صح هذا الحديث لكان فيه جمع لما بين الاحاديث من الاختلاف وبسط لعذر من نقل خلاف الواقع، ولكن في إسناده ضعف.
ثم قد روى عن ابن عباس وابن عمر خلاف ما تقدم عنهما كما سننبه عليه ونبينه.
* * * وهكذا ذكر من قال إنه عليه السلام أهل حين استوت به راحلته.
قال البخاري: حدثنا عبدالله بن محمد، حدثنا هشام بن يوسف، أنبأنا ابن جريج،
حدثنى محمد بن المنكدر، عن أنس بن مالك، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذى الحليفة ; فلما ركب راحلته واستوت به أهل.
وقد رواه البخاري ومسلم وأهل السنن من طرق عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة، عن أنس.
وثبت في الصحيحين من حديث مالك، عن سعيد المقبرى، عن عبيد بن جريج، عن ابن عمر قال: وأما الاهلال فإنى لم أر رسول الله يهل حتى تنبعث به راحلته.
وأخرجا في الصحيحين من رواية ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، عن سالم عن أبيه، أن رسول الله كان يركب راحلته بذى الحليفة ثم يهل حين تستوى به قائمة.
وقال البخاري: باب من أهل حين استوت به راحلته: حدثنا أبو عاصم، حدثنا ابن جريج، أخبرني صالح بن كيسان، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة.
وقد رواه مسلم والنسائي من حديث ابن جريج به.
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا على بن مسهر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع رجله في الغرز (1) وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذى الحليفة.
انفرد به مسلم من هذا الوجه، وأخرجاه من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عنه.
ثم قال البخاري: باب الاهلال مستقبل القبلة:
قال أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن نافع، قال: كان ابن عمر إذا صلى الغداة بذى الحليفة أمر براحلته فرحلت ثم ركب، فإذا استوت به استقبل القبلة
__________
(1) الغرز: ركاب كور البعير.
(*)
قائما ثم يلبى حتى يبلغ الحرم، ثم يمسك، حتى إذا جاء ذا طوى (1) بات به حتى يصبح، فإذا صلى الغداة اغتسل، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.
ثم قال: تابعه إسماعيل، عن أيوب في الغسل.
وقد علق البخاري أيضا هذا الحديث في كتاب الحج، عن محمد بن عيسى، عن حماد ابن زيد، وأسنده فيه عن يعقوب بن إبراهيم الدورقى، عن إسماعيل، هو ابن علية.
ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن إسماعيل، وعن أبى الربيع الزهراني وغيره، عن حماد بن زيد، ثلاثتهم عن أيوب، عن أبى تميمة السختيانى به.
ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، عن إسماعيل بن علية به.
ثم قال البخاري: حدثنا سليمان أبو الربيع، حدثنا فليح، عن نافع، قال: كان ابن عمر إذا أراد الخروج إلى مكة ادهن بدهن ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد ذى الحليفة فيصلى ثم يركب، فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.
تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وروى مسلم عن قتيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عقبة، عن سالم عن أبيه، قال: بيداؤكم هذه التى تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، والله ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره.
وهذا الحديث يجمع بين رواية ابن عمر الاولى وهذه الروايات عنه، وهو أن الاحرام كان من عند المسجد، ولكن بعد ما ركب راحلته واستوت به على البيداء،
يعنى الارض وذلك قبل أن يصل إلى المكان المعروف بالبيداء.
__________
(1) ذو طوى: موضع قرب مكة.
(*)
ثم قال البخاري في موضع آخر (1): حدثنا محمد بن أبى بكر المقدمى، حدثنا فضيل ابن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، حدثنى كريب، عن عبدالله بن عباس، قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه، ولم ينه عن شئ من الاردية والازر تلبس إلا المزعفرة التى تردع على الجلد، فأصبح بذى الحليفة، ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه وقلد بدنه، وذلك لخمس بقين [ من ذى القعدة، فقدم مكة لاربع ليال خلون (2) ] من ذى الحجة.
فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ولم يحل من أجل بدنه لانه قلدها، ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون وهو مهل بالحج ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة، وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يقصروا من رؤوسهم ثم يحلوا، وذلك لمن لم يكن معه بدنة قلدها، ومن كانت معه امرأته فهى له حلال والطيب والثياب.
انفرد به البخاري.
وقد روى الامام أحمد عن بهز بن أسد وحجاج وروح بن عبادة وعفان بن مسلم، كلهم عن شعبة قال: أخبرني قتادة، قال سمعت أبا حسان الاعراج الاجرد، وهو مسلم ابن عبدالله البصري، عن ابن عباس، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذى الحليفة، ثم دعا ببدنته فأشعر صفحة سنامها الايمن وسلت (1) الدم عنها وقلدها نعلين، ثم دعا براحلته، فلما استوت على البيداء أهل بالحج.
ورواه أيضا عن هشيم، أنبأنا أصحابنا منهم شعبة.
فذكر نحوه.
ثم رواه الامام أحمد أيضا عن روح وأبى داود الطيالسي ووكيع بن الجراح، كلهم
__________
(1) الحديث في باب ما لا يلبس المحرم من الثياب والاردية والازر.
صحيح البخاري 1 / 197 ط الاميرية (2) سقط من الاصل، وأثبتها من البخاري.
(3) سلت الدم: قشره حتى أظهر دمها.
(*)
عن هشام الدستوائى، عن قتادة به، نحوه.
ومن هذا الوجه رواه مسلم في صحيحه وأهل السنن في كتبهم.
* * * فهذه الطرق عن ابن عباس من أنه عليه السلام أهل حين استوت به راحلته أصح وأثبت من رواية خصيف الجزرى، عن سعيد بن جبير عنه.
والله أعلم.
وهكذا الرواية المثبتة المفسرة أنه أهل حين استوت به الراحلة مقدمة على الاخرى، لاحتمال أنه أراد أنه أحرم من عند المسجد حين استوت به راحلته، وتكون رواية ركوبه الراحلة فيها زيادة علم على الاخرى.
والله أعلم.
ورواية أنس في ذلك سالمة عن المعارض، وهكذا رواية جابر بن عبدالله في صحيح مسلم، من طريق جعفر الصادق عن أبيه، عن أبى الحسين زين العابدين، عن جابر في حديثه الطويل الذى سيأتي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل حين استوت به راحلته سالمة عن المعارض.
والله أعلم.
وروى البخاري من طريق الاوزاعي، سمعت عطاء، عن جابر بن عبدالله، أن إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذى الحليفة حين استوت به راحلته.
فأما الحديث الذى رواه محمد بن إسحاق بن يسار، عن أبى الزناد، عن عائشة بنت سعد، قالت: قال سعد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفرع (1) أهل إذا استقلت به راحلته، وإذا أخذ طريقا أخرى أهل إذا علا على شرف البيداء.
فرواه أبو داود والبيهقي من حديث ابن إسحاق وفيه غرابة ونكارة.
والله أعلم.
فهذه الطرق كلها دالة على القطع أو الظن الغالب أنه عليه السلام أحرم بعد الصلاة وبعد ما ركب راحلته وابتدأت به السير.
زاد ابن عمر في روايته: وهو مستقبل القبلة.
__________
(1) الفرع: قرية بينها وبين المدينة ثمانية برد على طريق مكة.
(*)
باب بسط البيان لما أحرم به عليه السلام في حجته هذه من الافراد أو التمتع أو القران ذكر الاحاديث الواردة بأنه عليه السلام كان مفردا رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك: قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: أنبأنا مالك، عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
ورواه مسلم عن إسماعيل، عن أبى أويس ويحيى بن يحيى، عن مالك.
ورواه الامام أحمد عن عبدالرحمن بن مهدى، عن مالك به.
وقال أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثنى المنكدر بن محمد، عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
وقال الامام أحمد: حدثنا شريح، حدثنا ابن أبى الزناد، عن أبيه، عن عروة عن عائشة وعن علقمة بن أبى علقمة عن أمه، عن عائشة، وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
تفرد به أحمد من هذه الوجوه عنها.
وقال الامام أحمد: حدثنى عبدالاعلى بن حماد، قال: قرأت على مالك بن أنس،
عن أبى الاسود، عن عروة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
وقال: حدثنا روح، حدثنا مالك، عن أبى الاسود محمد بن عبدالرحمن بن نوفل وكان يتيما في حجر عروة - عن عروة بن الزبير عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
ورواه ابن ماجه عن أبى مصعب عن مالك كذلك.
ورواه النسائي عن قتيبة، عن مالك، عن أبى الاسود، عن عروة عن عائشة: أن رسول الله أهل بالحج.
وقال أحمد أيضا: حدثنا عبدالرحمن، عن مالك، عن أبى الاسود، عن عروة عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بالحج ومنا من أهل بالعمرة، ومنا من أهل بالحج والعمرة، وأهل رسول الله بالحج ; فأما من أهل بالعمرة فأحلوا حين طافوا بالبيت وبالصفا والمروة، وأما من أهل بالحج أو بالحج والعمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر.
وهكذا رواه البخاري عن عبدالله بن يوسف والقعينى وإسماعيل بن أبى أويس، عن مالك.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن مالك به.
وقال أحمد: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج وأهل ناس بالحج والعمرة، وأهل ناس بالعمرة ورواه مسلم عن ابن أبى عمر، عن سفيان بن عيينة به نحوه.
* * * فأما الحديث الذى قال الامام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن علقمة بن أبى علقمة، عن أمه، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في حجة الوداع.
فقال: من أحب أن يبدأ بعمرة قبل الحج فليفعل.
وأفرد
رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج ولم يعتمر.
فإنه حديث غريب جدا، تفرد به أحمد بن حنبل، وإسناده لا بأس به، ولكن لفظه فيه نكارة شديدة وهو قوله: " فلم يعتمر ".
فإن أريد بهذا أنه لم يعتمر مع الحج ولا قبله هو قول من ذهب إلى الافراد.
وإن أريد أنه لم يعتمر بالكلية لا قبل الحج ولا معه ولا بعده، فهذا مما لا أعلم أحدا من العلماء قال به.
ثم هو مخالف لما صح عن عائشة وغيرها من أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذى القعدة إلا التى مع حجته.
وسيأتى تقرير هذا في فصل القران مستقصى.
والله أعلم.
وهكذا الحديث الذى رواه الامام أحمد قائلا في مسنده: حدثنا روح، حدثنا صالح بن أبى الاخضر، حدثنا ابن شهاب، أن عروة أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أهل رسول الله بالحج والعمرة في حجة الوداع وساق معه الهدى، وأهل ناس معه بالعمرة وساقوا الهدى، وأهل ناس بالعمرة ولم يسوقوا هديا.
قالت عائشة: وكنت ممن أهل بالعمرة ولم أسق هديا.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ قال ]: من كان منكم أهل بالعمرة فساق معه الهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ولا يحل منه شئ حرم منه حتى يقضى حجه وينحر هديه يوم النحر، ومن كان منكم أهل بالعمرة ولم يسق معه هديا فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم ليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
قالت عائشة: فقدم رسول الله الحج الذى خاف فوته وأخر العمرة.
فهو حديث من أفراد الامام أحمد، وفى بعض ألفاظه نكارة.
ولبعضه شاهد في الصحيح، وصالح بن أبى الاخضر ليس من علية أصحاب الزهري، لا سيما إذا خالفه غيره
كما هاهنا، في بعض ألفاظ سياقه هذا.
وقوله: " فقدم الحج الذى يخاف فوته وأخر العمرة " لا يلتئم مع أول الحديث: " أهل بالحج والعمرة ".
فإن أراد أنه أهل بهما في الجملة وقدم أفعال الحج، ثم بعد فراغه أهل بالعمرة كما يقوله من ذهب إلى الافراد، فهو مما نحن فيه هاهنا.
وإن أراد أنه أخر العمرة بالكلية بعد إحرامه بها، فهذا لا أعلم أحدا من العلماء صار إليه.
وإن أراد أنه اكتفى بأفعال الحج عن أفعال العمرة ودخلت العمرة في الحج، فهذا قول من ذهب إلى القران، وهم يؤولون قول من روى أنه عليه الصلاة والسلام أفرد الحج أي أفرد أفعال الحج وإن كان قد نوى معه العمرة.
قالوا: لانه قد روى القران كل من روى الافراد كما سيأتي بيانه.
والله تعالى أعلم.
* * * رواية جابر بن عبدالله في الافراد قال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الاعمش، عن أبى سفيان، عن جابر ابن عبدالله، قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته بالحج.
إسناده جيد على شرط مسلم.
ورواه البيهقى عن الحاكم وغيره، عن الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبى معاوية، عن الاعمش، عن أبى سفيان عن جابر، قال: أهل رسول الله في حجته بالحج ليس معه عمرة.
وهذه الزيادة غريبة جدا.
ورواية الامام أحمد بن حنبل أحفظ.
والله أعلم.
وفى صحيح مسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، قال: وأهللنا بالحج لسنا نعرف العمرة.
وقد روى ابن ماجه، عن هشام بن عمار، عن الدراوردى وحاتم بن إسماعيل،
كلاهما عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج، وهذا إسناد جيد.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الوهاب الثقفى، حدثنا حبيب - يعنى المعلم - عن عطاء حدثنى جابر بن عبدالله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هو وأصحابه بالحج ليس مع أحد منهم هدى إلا النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة.
وذكر تمام الحديث.
وهو في صحيح البخاري بطوله، كما سيأتي عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب.
* * * رواية عبدالله بن عمر للافراد قال الامام أحمد: حدثنا إسماعيل بن محمد، حدثنا عباد - يعنى ابن عباد - حدثنى عبيدالله بن عبدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر.
قال: أهللنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحج مفردا.
ورواه مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عون، عن عباد بن عباد، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفردا.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا الحسن بن عبد العزيز ومحمد بن مسكين، قالا: حدثنا بشر بن بكر، حدثنا سعيد بن عبد العزيز بن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج - يعنى مفردا.
إسناده جيد ولم يخرجوه.
* * * رواية ابن عباس للافراد
روى الحافظ البيهقى من حديث روح بن عبادة، عن شعبة، عن أيوب، عن
أبى العالية البراء، عن ابن عباس، أنه قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فقدم لاربع مضين من ذى الحجة، فصلى بنا الصبح بالبطحاء، ثم قال: من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها.
ثم قال: رواه مسلم، عن إبراهيم بن دينار، عن ابن روح.
وتقدم من رواية قتادة، عن أبى حسان الاعرج، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذى الحليفة، ثم أتى ببدنة فأشعر صفحة سنامها الايمن، ثم أتى براحلته فركبها، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج.
وهو في صحيح مسلم أيضا.
وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: حدثنا الحسين بن إسماعيل، حدثنا أبو هشام، حدثنا أبو بكر بن عياش، حدثنا أبو حصين، عن عبدالرحمن بن الاسود عن أبيه، قال: حججت مع أبى بكر، فجرد، ومع عمر فجرد، ومع عثمان فجرد.
تابعه الثوري عن أبى حصين.
وهذا إنما ذكرناه هاهنا لان الظاهر أن هؤلاء الائمة رضى الله عنهم إنما يفعلون هذا عن توقيف، والمراد بالتجريد هاهنا الافراد والله أعلم.
وقال الدارقطني: حدثنا أبو عبيد الله القاسم بن إسماعيل ومحمد بن مخلد، قالا: حدثنا على بن محمد بن معاوية الرزاز، حدثنا عبدالله بن نافع، عن عبدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد على الحج فأفرد، ثم استعمل أبا بكر سنة تسع فأفرد الحج، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر فأفرد الحج، ثم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر فبعث عمر فأفرد الحج، ثم حج أبو بكر فأفرد الحج، وتوفى أبو بكر واستخلف عمر فبعث عبدالرحمن بن عوف
فأفرد الحج، ثم حج فأفرد الحج، ثم حصر عثمان فأقام عبدالله بن عباس للناس فأفرد الحج.
في إسناده عبدالله بن عمر العمرى وهو ضعيف، لكن قال الحافظ البيهقى: له شاهد بإسناد صحيح.
ذكر من قال إنه عليه السلام حج متمتعا قال الامام أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا ليث، حدثنى عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبدالله، أن عبدالله بن عمر قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهل فساق الهدى من ذى الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، وكان من الناس من أهدى فساق الهدى من ذى الحليفة ومنهم من لم يهد.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: " من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شئ حرم منه حتى يقضى حجه، ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد، فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله ".
وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة، استلم [ الركن ] أول شئ ثم خب ثلاثة أشواط من السبع ومشى أربعة أطواف، ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة، ثم لم يحلل من شئ حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر، وافاض فطاف بالبيت، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى فساق الهدى من الناس.
قال الامام أحمد: وحدثنا حجاج، حدثنا ليث، حدثنى عقيل، عن ابن شهاب،
عن عروة بن الزبير، أن عائشة أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالعمرة إلى الحج وتمتع الناس معه بمثل الذى أخبرني سالم بن عبدالله، عن عبدالله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * * وقد روى هذا الحديث البخاري عن يحيى بن بكير، ومسلم وأبو داود، عن عبدالملك بن شعيب، عن الليث، عن أبيه، والنسائي عن محمد بن عبدالله بن المبارك المخرمى، عن حجين بن المثنى، ثلاثتهم عن الليث بن سعد، عن عقيل، عن الزهري عن عروة عن عائشة.
كما ذكره الامام أحمد رحمه الله.
وهذا الحديث من المشكلات على كل من الاقوال الثلاثة.
أما قول الافراد: ففى هذا إثبات عمرة إما قبل الحج أو معه.
وأما على قول التمتع الخاص، فلانه ذكر أنه لم يحل من إحرامه بعد ما طاف بالصفا والمروة، وليس هذا شأن المتمتع.
ومن زعم أنه إنما منعه من التحلل سوق الهدى، كما قد يفهم من حديث ابن عمر عن حفصة أنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال: إنى لبدت رأسي وقلدت هديى فلا أحل حتى أنحر.
فقولهم بعيد، لان الاحاديث الواردة في إثبات القران ترد هذا القول وتأبى كونه عليه السلام إنما أهل أولا بعمرة ثم بعد سعيه بالصفا والمروة أهل بالحج ; فإن هذا على هذه الصفة لم ينقله أحد بإسناد صحيح بل ولا حسن ولا ضعيف.
وقوله في هذا الحديث: " تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج " إن أريد بذلك التمتع الخاص، وهو الذى يحل منه بعد السعي فليس كذلك، فإن في سياق الحديث ما يرده، ثم في إثبات العمرة المقارنة لحجه عليه السلام ما يأباه.
وإن أريد به التمتع العام دخل فيه القران وهو المراد.
وقوله: " وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج " إن أريد به بدأ بلفظ العمرة على لفظ الحج، بأن قال: لبيك اللهم عمرة وحجا.
فهذا سهل ولا ينافى القران.
وإن أريد به أنه أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج متراخيا ولكن قبل الطواف فقد صار قارنا أيضا.
وإن أريد به أنه أهل بالعمرة ثم لما فرغ من أفعالها تحلل أو لم يتحلل بسوق الهدى كما زعمه زاعمون، ولكنه أهل بحج بعد قضاء مناسك العمرة وقبل خروجه إلى منى، فهذا لم ينقله أحد من الصحابة كما قدمنا، ومن ادعاه من الناس فقوله مردود لعدم نقله ومخالفته الاحاديث الواردة في إثبات القران كما سيأتي، بل والاحاديث الواردة في الافراد كما سبق.
والله أعلم.
والظاهر والله أعلم أن حديث الليث هذا عن عقيل، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر مروى من الطريق الاخرى عن ابن عمر حين أفرد الحج زمن محاصرة الحجاج لابن الزبير، فقيل له: إن الناس كائن بينهم شئ، فلو أخرت الحج عامك هذا ؟ فقال: إذا أفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
يعنى زمن حصر عام الحديبية فأحرم بعمرة من ذى الحليفة ثم لما علا شرف البيداء قال: ما أرى أمرهما إلا واحدا.
فأهل بحج معها، فاعتقد الراوى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا فعل، سواء بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، فرووه كذلك.
وفيه نظر لما سنبينه.
وبيان هذا في الحديث الذى رواه عبدالله بن وهب، أخبرني مالك بن أنس وغيره، أن نافعا حدثهم أن عبدالله بن عمر خرج في الفتنة معتمرا وقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فأهل بالعمرة وسار حتى إذا ظهر على
ظاهر البيداء التفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد، أشهدكم أنى قد أوجبت الحج مع العمرة.
فخرج حتى جاء البيت فطاف به وطاف بين الصفا والمروة سبعا لم يزد عليه ورأى أن ذلك مجز عنه، وأهدى.
وقد أخرجه صاحب الصحيح من حديث مالك.
وأخرجاه من حديث عبيدالله عن نافع به.
ورواه عبد الرزاق عن عبيدالله وعبد العزيز بن أبى رواد، عن نافع به نحوه ; وفيه: ثم قال في آخره: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيما رواه البخاري حيث قال: حدثنا قتيبة، حدثنا ليث، عن نافع: أن ابن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير، فقيل له: إن الناس كائن بينهم قتال، وإنا نخاف أن يصدوك.
قال: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنى أشهدكم أن قد أوجبت عمرة.
ثم خرج حتى إذ كان بظاهر البيداء قال: ما أرى شأن الحج والعمرة إلا واحدا، أشهدكم أنى أوجبت حجا مع عمرتي.
فأهدى هديا اشتراه بقديد، ولم يزد على ذلك ولم ينحر ولم يحل من شئ حرم منه، ولم يحلق ولم يقصر، حتى كان يوم النحر فنحر وحلق، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الاول.
وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع، أن ابن عمر دخل ابنه عبدالله بن عبدالله وظهره (1) في الدار، فقال: إنى لا آمن أن يكون العام بين الناس قتال فبصدوك عن البيت، فلو أقمت ؟ قال: قد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحال كفار قريش بينه وبين البيت،
__________
(1) الظهر: المركوب من الابل، وكان ابن عمر قد عزم على الحج وأحضر مركوبه ليتوجه عليه.
(*)
فإن يحل (1) بينى وبينه أفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد كان لكم في
رسول الله أسوة حسنة، إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنى أشهدكم أنى قد أوجبت مع عمرتي حجا.
ثم قدم فطاف لهما طوافا واحدا.
وهكذا رواه البخاري عن أبى النعمان، عن حماد بن زيد، عن أيوب بن أبى تميمة السختيانى، عن نافع به.
ورواه مسلم من حديثهما عن أيوب به.
* * * فقد اقتدى ابن عمر رضى الله عنه برسول الله صلى الله عليه وسلم في التحلل عند حصر العدو والاكتفاء بطواف واحد عن الحج والعمرة.
وذلك لانه كان قد أحرم أولا بعمرة ليكون متمتعا، فخشى أن يكون حصر، فجمعهما وأدخل الحج قبل العمرة قبل الطواف فصار قارنا.
وقال: ما أرى أمرهما إلا واحدا - يعنى: لا فرق بين أن يحصر الانسان عن الحج أو العمرة أو عنهما - فلما قدم مكة اكتفى عنهما بطوافه الاول، كما صرح به في السياق الاول الذى أفردناه، وهو قوله: ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الاول.
قال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعنى أنه اكتفى عن الحج والعمرة بطواف واحد - يعنى بين الصفا والمروة.
وفى هذا دلالة على أن ابن عمر روى القران.
ولهذا روى النسائي عن محمد بن منصور، عن سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نافع: أن ابن عمر قرن الحج والعمرة فطاف طوافا واحدا.
__________
(1) البخاري: فإن حيل.
(*)
ثم رواه النسائي، عن على بن ميمون الرقى، عن سفيان بن عيينة، عن إسماعيل ابن أمية، وأيوب بن موسى، وأيوب السختيانى، وعبد الله بن عمر، أربعتهم عن
نافع: أن ابن عمر أتى ذا الحليفة فأهل بعمرة، فخشى أن يصد عن البيت.
فذكر تمام الحديث من إدخاله الحج على العمرة وصيرورته قارنا.
والمقصود أن بعض الرواة لما سمع قول ابن عمر: " إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقوله: " كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
أعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فأدخله عليها قبل الطواف، فرواه بمعنى ما فهم.
ولم يرد ابن عمر ذلك، وإنما أراد ما ذكرناه.
والله أعلم بالصواب.
ثم بتقدير أن يكون أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف فإنه يصير قارنا لا متمتعا التمتع الخاص، فيكون فيه دلالة لمن ذهب إلى أفضلية التمتع.
والله تعالى أعلم.
* * * وأما الحديث الذى رواه البخاري في صحيحه: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا همام عن قتادة، حدثنى مطرف، عن عمران، قال: تمتعنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن قال رجل برأيه ما شاء.
فقد رواه مسلم، عن محمد بن المثنى، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن همام، عن قتادة به.
والمراد به المتعة التى أعم من القران والتمتع الخاص.
ويدل على ذلك ما رواه مسلم من حديث شعبة وسعيد بن أبى عروبة، عن قتادة،
عن مطرف، عن عبدالله بن الشخير، عن عمران بن الحصين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة.
وذكر تمام الحديث.
وأكثر السلف يطلقون المتعة على القران، كما قال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا
حجاج بن محمد الاعور عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب، قال: اختلف على وعثمان رضى الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال على: ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فلما رأى ذلك على بن أبى طالب أهل بهما جميعا.
ورواه مسلم من حديث شعبة أيضا، عن الحكم بن عيينة، عن على بن الحسين، عن مروان بن الحكم عنهما به.
وقال على: ما كنت لادع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس.
ورواه مسلم من حديث شعبة أيضا، عن قتادة، عن عبدالله بن شقيق، عنهما.
فقال له على: لقد علمت إنما تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أجل، ولكنا كنا خائفين.
وأما الحديث الذى رواه مسلم من حديث غندر، عن شعبة، وعن عبيدالله بن معاذ، عن أبيه عن شعبة، عن مسلم بن مخراق القرى (1)، سمع ابن عباس يقول: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرة وأهل أصحابه بحج، فلم يحل رسول الله ولا من ساق الهدى من أصحابه وحل بقيتهم.
فقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده، وروح بن عبادة عن شعبة، عن مسلم القرى، عن ابن عباس، قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج.
وفى رواية أبى داود: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحج، فمن كان منهم لم يكن له متعة هدى حل، ومن كان معه هدى لم يحل.
الحديث.
__________
(1) الاصل: المقبرى.
وهو تحريف، وما أثبته عن صحيح مسلم 4 / 56.
(*)
فإن صححنا الروايتين جاء القران، وإن توقفنا في كل منهما وقف الدليل، وإن رجحنا رواية مسلم في صحيحه في رواية العمرة، فقد تقدم عن ابن عباس أنه روى الافراد
وهو الاحرام بالحج، فتكون هذه زيادة على الحج، فيجئ القول بالقران، لا سيما وسيأتى عن ابن عباس ما يدل على ذلك.
وروى مسلم من حديث غندر ومعاذ بن معاذ، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس، أن رسول الله قال: هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن معه هدى فليحل الحل كله، فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
وروى البخاري عن آدم بن أبى إياس، ومسلم من حديث غندر، كلاهما عن شعبة، عن أبى جمرة (1)، قال: تمتعت فنهاني ناس فسألت ابن عباس فأمرني بها، فرأيت في المنام كأن رجلا يقول [ لى (2) ]: حج مبرور ومتعة (3) متقبلة، فأخبرت ابن عباس فقال: الله أكبر ! سنة أبى القاسم صلوات الله وسلامه عليه.
والمراد بالمتعة هاهنا القران.
* * * وقال القعينى وغيره، عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبدالله ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب، أنه حدثه أنه سمع سعد بن أبى وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبى سفيان يذكر التمتع بالعمرة إلى الحج.
فقال الضحاك لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله.
فقال سعد: بئس ما قلت يابن أخى.
__________
(1) هو نصر بن عمران الضبعى، كما في صحيح البخاري.
(2) من صحيح البخاري.
(3) صحيح البخاري: وعمرة.
القسطلانى 3 / 134.
(*)
فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب كان ينهى عنها.
فقال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه.
ورواه الترمذي والنسائي عن قتيبة، عن مالك.
وقال الترمذي: صحيح.
وقال عبد الرزاق، عن معتمر بن سليمان وعبد الله بن المبارك، كلاهما عن سليمان التيمى، حدثنى غنيم بن قيس، سألت سعد بن أبى وقاص: عن التمتع بالعمرة إلى الحج قال: فعلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر في العرش - يعنى مكة - ويعنى به معاوية.
ورواه مسلم من حديث شعبة وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد ومروان الفزارى، أربعتهم عن سليمان التيمى، سمعت غنيم بن قيس، سألت سعدا عن المتعة فقال: قد فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش.
وفى رواية يحيى بن سعيد - يعنى معاوية - وهذا كله من باب إطلاق التمتع على ما هو أعم من التمتع الخاص وهو الاحرام بالعمرة والفراغ منها ثم الاحرام بالحج ومن القران، بل كلام سعد فيه دلالة على إطلاق التمتع على الاعتمار في أشهر الحج، وذلك أنهم اعتمروا ومعاوية بعد كافر بمكة قبل الحج، إما عمرة الحديبية أو عمرة القضاء وهو الاشبه، فأما عمرة الجعرانة فقد كان معاوية أسلم مع أبيه ليلة الفتح، وروينا أنه قصر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص في بعض عمره، وهى عمرة الجعرانة لا محالة.
والله أعلم.
ذكر حجة من ذهب إلى أنه عليه السلام كان قارنا، وسرد الاحاديث في ذلك رواية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه قد تقدم ما رواه البخاري من حديث أبى عمرو الاوزاعي، سمعت يحيى بن أبى كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: أتانى آت من ربى عزوجل فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة.
وقال الحافظ البيهقى: أنبأنا على بن أحمد بن عمر بن حفص المقبرى ببغداد، أنبأنا أحمد بن سليمان، قال: قرئ على عبدالملك بن محمد وأنا أسمع، حدثنا أبو زيد الهروي، حدثنا على بن المبارك، حدثنا يحيى بن أبى كثير، حدثنا عكرمة، حدثنى ابن عباس، حدثنى عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتانى جبرائيل عليه السلام وأنا بالعقيق فقال: صل في هذا الوادي المبارك ركعتين.
وقل: عمرة في حجة، فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
ثم قال البيهقى: رواه البخاري عن أبى زيد الهروي.
وقال الامام أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا سيار، عن أبى وائل، أن رجلا كان نصرانيا يقال له الصبى بن معبد، فأراد الجهاد فقيل له: ابدأ بالحج، فأتى الاشعري فأمره أن يهل بالحج والعمرة جميعا، ففعل، فبينما هو يلبى إذ مر بزيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة، فقال أحدهما لصاحبه: لهذا أضل من بعير أهله.
فسمعها الصبى فكبر ذلك عليه فلما قدم أتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له.
فقال له عمر: هديت
لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
قال: وسمعته مرة أخرى يقول: وفقت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه الامام أحمد، عن يحيى بن سعيد القطان، عن الاعمش، عن شقيق، عن أبى وائل، عن الصبى بن معبد، عن عمر بن الخطاب فذكره.
وقال: إنهما لم يقولا شيئا، هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
ورواه عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن أبى وائل به.
ورواه أيضا عن غندر، عن شعبة، عن الحكم عن أبى وائل وعن سفيان بن عيينة عن عبدة بن أبى لبابة، عن أبى وائل، قال: قال الصبى بن معبد: كنت رجلا نصرانيا فأسلمت، فأهللت بحج وعمرة، فسمعني يزيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة
وأنا أهل بهما، فقالا: لهذا أضل من بعير أهله.
فكأنما حمل على بكلمتهما جبل، فقدمت على عمر فأخبرته، فأقبل عليهما فلامهما، وأقبل على فقال: هديت لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عبدة: قال أبو وائل: كثيرا ما ذهبت أنا ومسروق إلى الصبى بن معبد نسأله عنه.
وهذه أسانيد جيدة على شرط الصحيح.
وقد رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من طرق، عن أبى وائل شقيق بن سلمة به.
وقال النسائي في كتاب الحج من سننه: حدثنا محمد بن على بن الحسن بن شقيق، حدثنا أبى، عن جمرة السكرى، عن مطرف، عن سلمة بن كهيل، عن طاووس، عن ابن عباس، عن عمر، أنه قال: والله إنى لانهاكم عن المتعة وإنها لفى كتاب الله وقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم.
إسناد جيد.
* * *
رواية أميرى المؤمنين: عثمان وعلى رضى الله عنهما قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب، قال: اجتمع على وعثمان بعسفان، وكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال على: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه ؟ فقال عثمان: دعنا منك.
هكذا رواه الامام أحمد مختصرا.
وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب، قال: اختلف على وعثمان وهما بعسفان في المتعة، فقال: على ما تريد إلى أن
تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فلما رأى ذلك على بن أبى طالب أهل بهما جميعا.
وهكذا لفظ البخاري.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، عن شعبة، عن الحكم، عن على بن الحسين، عن مروان بن الحكم، قال: شهدت عثمان وعليا، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلما رأى على أهل بهما: لبيك بعمرة وحج.
قال: ما كنت لادع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد.
ورواه النسائي من حديث شعبة به، ومن حديث الاعمش عن مسلم البطين، عن على بن الحسين به.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: قال عبدالله بن شقيق: كان عثمان ينهى عن المتعة وعلى يأمر بها، فقال: عثمان لعلى: إنك
لكذا وكذا.
ثم قال على: لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: أجل، ولكنا كنا خائفين.
ورواه مسلم من حديث شعبة.
فهذا اعتراف من عثمان رضى الله عنه بما رواه على رضى الله عنهما، ومعلوم أن عليا رضى الله عنه أحرم عام حجة الوداع بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد ساق الهدى، وأمره عليه السلام أن يمكث حراما، وأشركه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه.
كما سيأتي بيانه.
وروى مالك في الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه، أن المقداد بن الاسود دخل على على بن أبى طالب بالسقيا وهو ينجع بكرات له دقيقا وخبطا (1)، فقال: هذا عثمان ابن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة.
فخرج على وعلى يده أثر الدقيق
والخبط - ما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه - حتى دخل على عثمان فقال: أنت تنهى أن يقرن بين الحج والعمرة ؟ فقال عثمان: ذلك رأيى فخرج على مغضبا وهو يقول: ليبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا.
وقد قال أبو داود في سننه: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا حجاج، حدثنا يونس، عن أبى إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: كنت مع على حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن.
فدكر الحديث في قدوم على.
قال على: فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف صنعت ؟ قال: قلت: إنما أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: إنى قد سقت الهدى وقرنت.
__________
(1) البكرات: الابل الفتية.
وينجع: يسقى.
والخبط: ورق الشجر ينفض ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق وغيره، ثم تسقاه الابل.
(*)
وقد رواه النسائي من حديث يحيى بن معين بإسناده، وهو على شرط الشيخين.
وعلله الحافظ البيهقى بأنه لم يذكر هذا اللفظ في سياق حديث جابر الطويل.
وهذا التعليل فيه نظر، لانه قد روى القران من حديث جابر بن عبدالله.
كما سيأتي قريبا.
إن شاء الله تعالى.
وروى ابن حبان في صحيحه، عن على بن أبى طالب، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة وخرجت أنا من اليمن، وقلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإنى أهللت بالحج والعمرة جميعا.
* * * رواية أنس بن مالك رضى الله عنه وقد رواه عنه جماعة من التابعين، ونحن نوردهم مرتبين على حروف المعجم.
بكر بن عبدالله المزني عنه: قال الامام أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا حميد الطويل، أنبأنا بكر بن عبدالله المزني، قال سمعت أنس بن مالك يحدث، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى بالحج والعمرة جميعا، فحدثت بذلك ابن عمر، فقال: لبى بالحج وحده.
فلقيت أنسا فحدثته بقول ابن عمر، فقال: ما تعدونا إلا صبيانا ! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك عمرة وحجا.
ورواه البخاري عن مسدد، عن بشر بن الفضل، عن حميد به.
وأخرجه مسلم عن شريح بن يونس، عن هشيم به.
وعن أمية بن بسطام، عن يزيد بن زريع، عن حبيب بن الشهيد، عن بكر بن عبدالله المزني به.
* * *
ثابت البنانى عن أنس قال الامام أحمد حدثنا وكيع، عن ابن أبى ليلى، عن ثابت، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: لبيك بعمرة وحجة معا.
تفرد به من هذا الوجه الحسن البصري عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا روح، حدثنا أشعث، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا مكة وقد لبوا بحج وعمرة، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة أن يحلوا وأن يجعلوها عمرة، فكأن القوم هابوا ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أنى سقت هديا لاحللت.
فأحل القوم وتمتعوا.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا الحسن بن قزعة، حدثنا سفيان بن حبيب، حدثنا أشعث، عن الحسن، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل هو وأصحابه
بالحج والعمرة، فلما قدموا مكة طافوا بالبيت وبالصفا والمروة، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوا فهابوا ذلك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا فلولا أن معى الهدى لاحللت.
فحلوا حتى حلوا إلى النساء.
ثم قال البزار: لا نعلم رواه عن الحسن إلا أشعث بن عبدالملك.
* * * حميد بن تيرويه الطويل عنه: قال الامام أحمد: حدثنا يحيى، عن حميد، سمعت أنسا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك بحج وعمرة وحج.
هذا إسناد ثلاثى على شرط الشيخيين، ولم يخرجاه ولا أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه، لكن رواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن هشيم، عن يحيى بن أبى
إسحاق وعبد العزيز بن صهيب وحميد، أنهم سمعوا أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما جميعا: لبيك عمرة وحجا، لبيك عمرة وحجا.
وقال الامام أحمد: حدثنا يعمر بن يسر، حدثنا عبدالله، أنبأنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنا كثيرة وقال: لبيك بعمرة وحج، وإنى لعند فخذ ناقته اليسرى.
تفرد به أحمد من هذا الوجه أيضا.
* * * حميد بن هلال العدوى البصري عنه: قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن أنس بن مالك.
ح.
وحدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن أيوب، عن أبى قلابة وحميد بن هلال، عن أنس،
قال: إنى ردف أبى طلحة وإن ركبته لتمس ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبى بالحج والعمرة.
وهذا إسناد جيد قوى على شرط الصحيح ولم يخرجوه.
وقد تأوله البزار على أن الذى كان يلبى بالحج والعمرة أبو طلحة.
قال: ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا التأويل فيه نظر ولا حاجة إليه، لمجئ ذلك من طرق عن أنس، كما مضى وكما سيأتي.
ثم عود الضمير ألى أقرب المذكورين أولى، وهو في هذه الصورة أقوى دلالة والله أعلم.
وسيأتى في رواية سالم بن أبى الجعد، عن أنس، صريح الرد على هذا التأويل.
زيد بن أسلم عنه: قال الحافظ أبو بكر البزار: روى سعيد بن عبد العزيز التنوخى، عن زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بحج وعمرة.
حدثناه الحسن بن عبد العزيز الجروى ومحمد بن مسكين، قالا: حدثنا بشر بن بكر، عن سعيد بن عبد العزيز، عن زيد بن أسلم، عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيح، ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقى بأبسط من هذا السياق، فقال: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضى، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأنا العباس بن الوليد بن يزيد، أخبرني أبى، حدثنا شعيب بن عبد العزيز، عن زيد ابن أسلم وغيره ; أن رجلا أتى ابن عمر فقال: بم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال ابن عمر: أهل بالحج فانصرف.
ثم أتاه من العام المقبل، فقال: بم أهل رسول الله ؟ قال: ألم تأتني عام أول ؟
قال: بلى، ولكن أنس بن مالك يزعم أنه قرن.
قال ابن عمر: إن أنس بن مالك كان يدخل على النساء وهن مكشفات الرؤوس.
، وإنى كنت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسني لعابها أسمعه يلبى بالحج.
* * * سالم بن أبى الجعد الغطفانى الكوفى عنه: قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا شريك، عن منصور، عن سالم بن أبى الجعد، عن أنس بن مالك، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أنه جمع بين الحج والعمرة، فقال: لبيك بعمرة وحجة معا.
حسن ولم يخرجوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة، حدثنا عثمان بن المغيرة،
عن سالم بن أبى الجعد، عن سعد مولى الحسن بن على ; قال: خرجنا مع على فأتينا ذا الحليفة فقال على: إنى أريد أن أجمع بين الحج والعمرة، فمن أراد ذلك فليقل كما أقول، ثم لبى قال: لبيك بحجة وعمرة معا.
قال: وقال سالم: وقد أخبرني أنس بن مالك، قال: والله إن رجلى لتمس رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه ليهل بهما جميعا.
وهذا أيضا إسناد جيد من هذا الوجه ولم يخرجوه.
وهذا السياق يرد على الحافظ البزار ما تأول به حديث حميد بن هلال، عن أنس كما تقدم والله أعلم.
* * * سليمان بن طرخان التيمى عنه: قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، حدثنا المعتمر بن سليمان،
سمعت أبى يحدث عن أنس بن مالك، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبى بهما جميعا.
ثم قال البزار: لم يروه عن التيمى إلا ابنه المعتمر، ولم يسمعه إلا من يحيى بن حبيب العربي عنه.
قلت: وهو على شرط الصحيح ولم يخرجوه.
* * * سويد بن حجير عنه: قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبى قزعة سويد بن حجير، عن أنس بن مالك، قال: كنت رديف أبى طلحة، فكانت ركبة أبى طلحة تكاد أن تصيب ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل بهما.
وهذا إسناد جيد، تفرد به أحمد ولم يخرجوه.
وفيه رد على الحافظ البزار صريح.
* * * عبدالله بن زيد أبو قلابة الجرمى عنه: قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن أنس، قال: كنت رديف أبى طلحة وهو يساير النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: فإن رجلى لتمس غرز النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يلبى بالحج والعمرة معا.
وقد رواه البخاري من طرق، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن أنس، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذى الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب راحلته حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر، وأهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما جميعا.
وفى رواية له: كنت رديف أبى طلحة وإنهم ليصرخون بهما جميعا، الحج والعمرة.
وفى رواية له عن أيوب، عن رجل، عن أنس، قال: ثم بات حتى أصبح فصلى الصبح، ثم ركب راحلته حتى إذا استوت به البيداء أهل بعمرة وحج.
عبد العزيز بن صهيب: تقدمت روايته عنه مع رواية حميد الطويل عنه، عند مسلم.
* * * على بن زيد بن جدعان عنه: قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا على بن حكيم، عن شريك، عن على بن زيد، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى بهما جميعا.
هذا غريب من هذا الوجه، ولم يخرجه أحد من أصحاب السنن وهو على شرطهم.
قتادة بن دعامة السدوسى عنه: قال الامام أحمد: حدثنا بهز وعبد الصمد المعنى، قالا: حدثنا همام بن يحيى، حدثنا قتادة، قال: سألت أنس بن مالك قلت: كم حج النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: حجة واحدة واعتمر أربع مرات، عمرته زمن الحديبية، وعمرته في ذى القعدة من المدينة، وعمرته من الجعرانة في ذى القعدة حيث قسم غنيمة حنين، وعمرته مع حجته.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث همام بن يحيى به.
* * * مصعب بن سليم الزبيري مولاهم عنه: قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا مصعب بن سليم، سمعت أنس بن مالك يقول: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة وعمرة.
تفرد به أحمد.
يحيى بن إسحاق الحضرمي عنه: قال الامام أحمد: حدثنا هشيم، أنبأنا يحيى بن إسحاق وعبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل، عن أنس، أنهم سمعوه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى بالحج والعمرة جميعا يقول: لبيك عمرة وحجا، لبيك عمرة وحجا.
وقد تقدم أن مسلما رواه عن يحيى بن يحيى، عن هشيم به.
وقال الامام أحمد أيضا: حدثنا عبدالاعلى، عن يحيى، عن أنس، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، قال: فسمعته يقول: لبيك عمرة وحجا.
* * * أبو أسماء الصيقل عنه قال الامام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا زهير.
وحدثنا أحمد بن عبدالملك، حدثنا
زهير، عن أبى إسحاق، عن أبى أسماء الصيقل، عن أنس بن مالك، قال: خرجنا نصرخ بالحج، فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة.
وقال: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لجعلتها عمرة، ولكني سقت الهدى وقرنت الحج بالعمرة.
ورواه النسائي، عن هناد، عن أبى الاحوص، عن أبى إسحاق، عن أبى أسماء الصيقل، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى بهما.
* * * أبو قدامة الحنفي ويقال: إن اسمه محمد بن عبيد، عن أنس: قال الامام أحمد: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا شعبة، عن يونس بن عبيد، عن أبى قدامة الحنفي، قال: قلت لانس بأى شئ كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يلبى ؟ فقال: سمعته سبع مرات يلبى بعمرة وحجة.
تفرد به الامام أحمد، وهو إسناد جيد قوى ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.
وروى ابن حبان في صحيحه، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة وقرن القوم معه.
* * * وقد أورد الحافظ البيهقى بعض هذه الطرق عن أنس بن مالك، ثم شرع يعلل ذلك بكلام فيه نظر.
وحاصله أنه قال: والاشتباه وقع (1) لانس لا لمن دونه، ويحتمل أن يكون سمعه
__________
(1) ا: رجع.
(*)
صلى الله عليه وسلم يعلم غيره كيف يهل بالقران لا أنه يهل بهما عن نفسه والله أعلم.
قال: وقد روى ذلك عن غير أنس بن مالك وفى ثبوته نظر.
قلت: ولا يخفى ما في هذا الكلام من النظر الظاهر لمن تأمله، وربما أنه كان ترك هذا الكلام أولى منه، إذ فيه تطرق احتمال إلى حفظ الصحابي مع تواتره عنه، كما رأيت آنفا، وفتح هذا يفضى إلى محذور كبير.
والله تعالى أعلم.
حديث البراء بن عازب في القران.
قال الحافظ أبو بكر البيهقى: أنبأنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا على بن محمد المصرى، حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا زكريا بن أبى زائدة، عن أبى إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر كلهن في ذى القعدة.
فقالت عائشة: لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التى حج معها.
قال البيهقى: ليس هذا بمحفوظ.
قلت: سيأتي بإسناد صحيح إلى عائشة نحوه.
رواية جابر بن عبدالله رضى الله عنهما قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: أخبرنا أبو بكر بن أبى داود.
ومحمد بن جعفر ابن رميس والقاسم بن إسماعيل أبو عبيد وعثمان بن جعفر اللبان وغيرهم، قالوا: حدثنا أحمد بن يحيى الصوفى، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبدالله، قال: حج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج، حجتين قبل أن يهاجر وحجة قرن معها عمرة.
وقد روى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه، من حديث سفيان بن سعيد الثوري به.
أما الترمذي فرواه عن عبدالله بن أبى زياد، عن زيد بن الحباب، عن سفيان به ثم قال: غريب من حديث سفيان، لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب.
ورأيت عبدالرحمن بن عبدالرحمن، يعنى الدارمي، روى هذا الحديث في كتبه عن عبدالله بن أبى زياد، وسألت محمدا عن هذا فلم يعرفه، ورأيته لا يعده محفوظا.
قال: وإنما روى عن الثوري عن أبى إسحاق، عن مجاهد مرسلا.
وفى السنن الكبير للبيهقي قال أبو عيسى الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هذا حديث خطأ وإنما روى هذا عن الثوري مرسلا.
قال البخاري: وكان زيد بن الحباب إذا روى خطأ، ربما غلط في الشئ.
وأما ابن ماجه فرواه عن القاسم بن محمد بن عباد المهلبى، عن عبدالله بن داود الخريبى (1)، عن سفيان به.
وهذه طريق لم يقف عليها الترمذي ولا البيهقى، [ وربما ] (2) ولا البخاري حيث تكلم في زيد بن الحباب ظانا أنه انفرد به وليس كذلك.
والله أعلم.
* * * طريق أخرى عن جابر: قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن أبى الزبير، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة، وطاف لهما طوافا واحدا.
__________
(1) نسبة إلى الخريبة، وهى محلة بالبصرة.
ثوفى سنة 211.
اللباب 1 / 359.
(2) ليست في ا.
(*)
ثم قال: هذا حديث حسن.
وفى نسخة صحيح.
ورواه ابن حبان في صحيحه عن جابر، قال: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم إلا طوافا واحدا لحجه ولعمرته.
قلت: حجاج هذا هو ابن أرطاة، وقد تكلم فيه غير واحد من الائمة.
ولكن قد روى من وجه آخر، عن أبى الزبير، عن جابر بن عبدالله أيضا.
كما قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا مقدم بن محمد، حدثنى عمى القاسم ابن يحيى بن مقدم، عن عبدالرحمن بن عثمان بن خثيم، عن أبى الزبير، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم فقرن بين الحج والعمرة وساق الهدى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يقلد الهدى فليجعلها عمرة.
ثم قال البزار: وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن جابر إلا من هذا الوجه بهذا الاسناد.
انفرد بهذه الطريق البزار في مسنده، وإسنادها غريب جدا، وليست في شئ من الكتب الستة من هذا الوجه.
والله أعلم.
رواية أبى طلحة زيد بن سهل الانصاري رضى الله عنه قال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا حجاج - هو ابن أرطاة - عن الحسن ابن سعد، عن ابن عباس، قال: أخبرني أبو طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة.
ورواه ابن ماجه عن على بن محمد، عن أبى معاوية بإسناده، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة.
الحجاج بن أرطاة فيه ضعف والله أعلم.
رواية سراقة بن مالك بن جعشم قال الامام أحمد: حدثنا مكى بن إبراهيم، حدثنا داود - يعنى ابن سويد - سمعت عبدالملك الزراد، يقول: سمعت النزال بن سبرة صاحب على يقول: سمعت سراقة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
قال: وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
رواية سعد بن أبى وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تمتع بالحج إلى العمرة وهو القران قال الامام مالك عن ابن شهاب، عن محمد بن عبدالله بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب، أنه حدثه أنه سمع سعد بن أبى وقاص، والضحاك بن قيس عام حج معاوية ابن أبى سفيان يذكر التمتع بالعمرة إلى الحج.
فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله.
فقال سعد: بئس ما قلت يابن أخى ! فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب كان ينهى عنها.
فقال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه.
ورواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة، عن مالك به.
وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سليمان - يعنى التيمى - حدثنى غنيم، قال سألت ابن أبى وقاص عن المتعة فقال: فعلناها وهذا كافر بالعرش - يعنى معاوية - هكذا رواه مختصرا.
__________
(1) ا: زيد.
(*)
وقد رواه مسلم في صحيحه، من حديث سفيان بن سعيد الثوري وشعبة ومروان الفزارى ويحيى بن سعيد القطان، أربعتهم عن سليمان بن طرخان التيمى، سمعت غنيم ابن قيس، سألت سعد بن أبى وقاص عن المتعة فقال: قد فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش قال يحيى بن سعيد في روايته - يعنى معاوية -.
ورواه عبد الرزاق عن معتمر بن سليمان وعبد الله بن المبارك، كلاهما عن سليمان التيمى، عن غنيم بن قيس، سألت سعدا عن التمتع بالعمرة إلى الحج.
فقال: فعلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر بالعرش - يعنى مكة ويعنى به معاوية -.
وهذا الحديث الثاني أصح إسنادا، وإنما ذكرناه اعتضادا لا اعتمادا، والاول صحيح الاسناد، وهذا أصرح في المقصود من هذا.
والله أعلم.
رواية عبدالله بن أبى أوفى (1) قال الطبراني: حدثنا سعيد بن محمد بن المغيرة المصرى، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا يزيد بن عطاء، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن عبدالله بن أبى أوفى، قال: إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة لانه علم أنه لم يكن حاجا بعد ذلك العام.
رواية عبدالله بن عباس في ذلك قال الامام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا داود - يعنى القطان - عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء والثالثة من الجعرانة، والرابعة التى مع حجته.
وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق عن داود بن عبدالرحمن العطار
__________
(1) سقط من ا.
(*)
المكى، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن عباس به، وقال الترمذي: حسن غريب.
ورواه الترمذي عن سعيد بن عبدالرحمن، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة مرسلا.
ورواه الحافظ البيهقى من طريق أبى الحسن على بن عبد العزيز البغوي، عن الحسن بن الربيع وشهاب بن عباد، كلاهما عن داود بن عبدالرحمن العطار.
فذكره.
وقال: والرابعة التى قرن مع الحجة.
ثم قال أبو الحسن على بن عبد العزيز: ليس أحد يقول في هذا الحديث عن ابن عباس إلا داود بن عبدالرحمن.
ثم حكى البيهقى عن البخاري أنه قال: داود بن عبدالرحمن صدوق، إلا أنه ربما يتهم في الشئ.
وقد تقدم ما رواه البخاري من طريق ابن عباس، عن عمر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بوادي العقيق: أتانى آت من ربى فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة.
فلعل هذا مستند ابن عباس فيما حكاه، والله أعلم.
رواية عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قد تقدم فيما رواه البخاري ومسلم من طريق الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن
سالم عن ابن عمر، أنه قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهدى فساق الهدى من ذى الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، وذكر تمام الحديث في عدم إحلاله بعد السعي.
فعلم كما قررناه أولا أنه عليه السلام لم يكن متمتعا التمتع الخاص وإنما كان قارنا، لانه حكى أنه عليه السلام لم يكن متمتعا، اكتفى بطواف واحد بين الصفا والمروة عن حجه وعمرته.
وهذا شأن القارن على مذهب الجمهور.
كما سيأتي بيانه.
والله أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف طوافا واحدا لاقرانه، لم يحل بينهما، واشترى من الطريق - يعنى الهدى - وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات، إلا أن يحيى بن يمان وإن كان من رجال مسلم في أحايثه ؟ عن الثوري نكارة شديدة.
والله أعلم.
ومما يرجح أن ابن عمر أراد بالافراد الذى رواه إفراد أفعال الحج، لا الافراد الخاص الذى يشير إليه أصحاب الشافعي، وهو الحج ثم الاعتمار بعده في بقية ذى الحجة، قول الشافعي: أنبأنا مالك، عن صدقة بن يسار، عن ابن عمر، أنه قال: لان أعتمر قبل الحج وأهدى أحب إلى من أن أعتمر بعد الحج في ذى الحجة.
رواية عبدالله بن عمرو رضى الله عنهما قال الامام أحمد: حدثنا أبو أحمد - يعنى الزبيري - حدثنا يونس بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قرن خشية أن يصد عن البيت وقال: إن لم يكن حجة فعمرة.
وهذا حديث غريب سندا ومتنا، تفرد بروايته الامام أحمد.
وقد قال أحمد في يونس بن الحارث الثقفى هذا: كان مضطرب الحديث.
وضعفه وكذا ضعفه يحيى بن معين في رواية عنه والنسائي.
وأما من حيث المتن فقوله: " إنما قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يصد عن البيت " فمن الذى كان يصده عليه السلام عن البيت وقد أطد (1) الله له الاسلام وفتح البلد الحرام، وقد نودى برحاب منى أيام الموسم في العام الماضي: أن لا يحج بعد العام
__________
(1) أطد: ثبت.
(*)
مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان وقد كان معه عليه السلام في حجة الوداع قريب من أربعين ألفا، فقوله: " خشية أن يصد عن البيت " عجيب.
وما هذا بأعجب من قول أمير المؤمنين عثمان لعلى بن أبى طالب حين قال له على: لقد علمت انا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أجل ولكنا كنا خائفين.
ولست أدرى علام يحمل هذا الخوف من أي جهة كان ! إلا أنه تضمن رواية الصحابي لما رواه وحمله على معنى ظنه، فما رواه صحيح مقبول، وما اعتقده ليس بمعصوم فيه، فهو موقوف عليه وليس بحجة على غيره، ولا يلزم منه رد الحديث الذى رواه.
وهكذا قول عبدالله بن عمرو، لو صح السند إليه.
والله أعلم.
رواية عمران بن حصين رضى الله عنه قال الامام أحمد حدثنا محمد بن جعفر وحجاج، قالا: حدثنا شعبة عن حميد بن هلال سمعت مطرفا قال: قال لى عمران بن حصين: إنى محدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل قرآن فيه يحرمه، وإنه كان يسلم على فلما اكتويت أمسك عنى، فلما تركته عاد إلى.
وقد رواه مسلم عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، عن غندر، وعن عبيد الله بن
معاذ، عن أبيه، والنسائي عن محمد بن عبدالاعلى عن خالد بن الحارث، ثلاثتهم عن شعبة، عن حميد بن هلال، عن مطرف، عن عمران به.
ورواه مسلم من حديث شعبة وسعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن مطرف بن عبدالله بن الشخير، عن عمران بن الحصين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة.
الحديث.
قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: حديث شعبة، عن حميد بن هلال، عن مطرف صحيح.
وأما حديثه عن قتادة عن مطرف فإنما رواه عن شعبة كذلك بقية بن الوليد.
وقد رواه غندر وغيره عن سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة.
قلت: وقد رواه أيضا النسائي في سننه، عن عمرو بن على الفلاس، عن خالد بن الحارث، عن شعبة.
وفى نسخة عن سعيد بدل شعبة، عن قتادة، عن مطرف، عن عمران ابن الحصين فذكره.
والله أعلم.
وثبت في الصحيحين من حديث همام عن قتادة عن مطرف عن عمران بن الحصين قال: تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتى مات صلى الله عليه وسلم.
رواية الهرماس بن زياد الباهلى قال عبدالله بن الامام أحمد: حدثنا عبدالله بن عمران بن على أبو محمد من أهل الرى، وكان أصله أصبهانيا، حدثنا يحيى بن الضريس، حدثنا عكرمة بن عمار، عن الهرماس، قال: كنت ردف أبى فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على بعير وهو يقول: " لبيك بحجة وعمرة معا ".
وهذا على شرط السنن، ولم يخرجوه.
رواية حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضى الله عنها
قال الامام أحمد: حدثنا عبدالرحمن، عن مالك، عن نافع عن ابن عمر، عن حفصة أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم: مالك لم تحل من عمرتك ؟ قال: " إنى لبدت رأسي وقلدت هديى، فلا أحل حتى أنحر ".
وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك وعبيد الله بن عمر.
زاد البخاري
وموسى بن عقبة.
زاد مسلم: وابن جريج، كلهم عن نافع عن ابن عمر به.
وفى لفظهما أنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال: " إنى قلدت هديى ولبدت رأسي، فلا أحل حتى أنحر ".
وقال الامام أحمد أيضا: حدثنا شعيب بن أبى حمزة، قال: قال نافع: كان عبدالله ابن عمر يقول: أخبرتنا حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع.
فقالت له فلانة: ما يمنعك أن تحل ؟ قال: " إنى لبدت رأسي وقلدت هديى، فلست أحل حتى أنحر هديى ".
وقال أحمد أيضا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبى، عن أبى إسحاق، حدثنى نافع، عن عبدالله بن عمر، عن حفصة بنت عمر، أنها قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يحللن بعمرة، قلن: فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا ؟ قال: " إنى أهديت ولبدت، فلا أحل حتى أنحر هديى ".
ثم رواه أحمد عن كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة.
فذكره.
فهذا الحديث فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متلبسا بعمرة ولم يحل منها، وقد علم بما تقدم من أحاديث الافراد أنه كان قد أهل بحج أيضا، فدل مجموع ذلك أنه قارن، مع ما سلف من رواية من صرح بذلك.
والله أعلم.
رواية عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قال البخاري: حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدى
فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا، فقدمت مكة وأنا حائض، فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انقضى رأسك وامتشطى وأهلي بالحج ودعى العمرة.
ففعلت.
فلما قضيت الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبدالرحمن بن أبى بكر إلى التنعيم، فاعتمرت.
فقال: هذه مكان عمرتك.
قالت: فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا.
وكذلك رواه مسلم من حديث مالك، عن الزهري فذكره.
ثم رواه عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فأهللت بعمرة، ولم أكن سقت الهدى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدى فليهل بالحج مع عمرته لا يحل حتى يحل منهما جميعا.
وذكر تمام الحديث كما تقدم.
والمقصود من إيراد هذا الحديث هاهنا قوله صلى الله عليه وسلم: " من كان معه هدى فليهل بحج وعمرة ".
ومعلوم أنه عليه السلام قد كان معه هدى، فهو أول وأولى من ائتمر بهذا، لان
المخاطب داخل في عموم متعلق خطابه على الصحيح.
وأيضا فإنها قالت: " وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا " يعنى بين الصفا والمروة.
وقد روى مسلم عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما
طاف بين الصفا والمروة طوافا واحدا، فعلم من هذا أنه كان قد جمع بين الحج والعمرة.
وقد روى مسلم من حديث حماد بن زيد، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: فكان الهدى مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وذوى اليسار.
وأيضا فإنها ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتحلل من النسكين، فلم يكن متمتعا، وذكرت أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمرها من التنعيم.
وقالت: يا رسول الله ينطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحج ! فبعثها مع أخيها عبدالرحمن بن أبى بكر فأعمرها من التنعيم.
ولم يذكر أنه عليه السلام اعتمر بعد حجته، فلم يكن مفردا، فعلم أنه كان قارنا، لانه كان باتفاق الناس قد اعتمر في حجة الوداع.
والله أعلم.
* * * وقد تقدم ما رواه الحافظ البيهقى من طريق يزيد بن هارون، عن زكريا بن أبى زائدة عن أبى إسحاق، عن البراء بن عازب، أنه قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر كلهن في ذى القعدة، فقالت عائشة: لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التى حج معها وقال البيهقى في الخلافيات: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأنا أبو محمد ابن حسان الاصبهاني، أنبأنا إبراهيم بن شريك، أنبأنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق، عن مجاهد، قال: سئل ابن عمر: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: مرتين.
فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
اعتمر ثلاثا سوى العمرة التى قرنها مع حجة الوداع.
ثم قال البيهقى: وهذا إسناد لا بأس به، لكن فيه إرسال.
مجاهد لم يسمع من عائشة في قول بعض المحدثين.
قلت: كان شعبة ينكره، وأما البخاري ومسلم فإنهما أثبتاه.
والله أعلم.
وقد روى من حديث القاسم بن عبدالرحمن بن أبى بكر وعروة بن الزبير وغير واحد عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه الهدى عام حجة الوداع.
وفى إعمارها من التنعيم ومصادفتها له منهبطا على أهل مكة وبيتوته بالمحصب حتى صلى الصبح بمكة ثم رجع إلى المدينة.
وهذا كله مما يدل على أنه عليه السلام لم يعتمر بعد حجته تلك، ولم أعلم أحدا من الصحابة نقله.
ومعلوم أنه لم يتحلل بين النسكين، ولا روى أحد أنه عليه السلام بعد طوافه بالبيت وسعيه بين الصفا والمروة حلق ولا قصر ولا تحلل، بل استمر على إحرامه باتفاق، ولم ينقل أنه أهل بحج لما سار إلى منى، فعلم أنه لم يكن متمتعا.
وقد اتفقوا على أنه عليه السلام اعتمر عام حجة الوداع فلم يتحلل بين النسكين ولا أنشأ إحراما للحج ولا اعتمر بعد الحج، فلزم القران.
وهذا مما يعسر الجواب عنه والله أعلم.
وأيضا فإن رواية القران مثبتة لما سكت عنه أو نفاه من روى الافراد والتمتع، فهى مقدمة عليها، كما هو مقرر في علم الاصول.
وعن أبى عمران أنه حج مع مواليه، قال: فأتيت أم سلمة فقلت: يا أم المؤمنين إنى لم أحج قط، فأيهما أبدأ بالعمرة أم بالحج ؟ قالت: ابدأ بأيهما شئت.
قال: ثم أتيت صفية أم المؤمنين فسألتها فقالت لى مثل ما قالت لى، ثم جئت أم سلمة
فأخبرتها بقول صفية فقالت لى أم سلمة: سمعت، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا آل محمد من حج منكم فليهل بعمرة في حجة ".
رواه ابن حبان في صحيحه، وقد رواه ابن حزم في حجة الوداع من حديث الليث ابن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب، عن أسلم، [ عن ] (1) أبى عمران، عن أم سلمة به.
__________
(1) ليست في ا.
(*)
فصل إن قيل: قد رويتم عن جماعة من الصحابة أنه عليه السلام أفرد الحج، ثم رويتم عن هؤلاء بأعيانهم وعن غيرهم أنه جمع بين الحج والعمرة، فما الجمع من ذلك ؟ فالجوب: أن رواية من روى أنه أفرد الحج محمولة على أنه أفرد أفعال الحج، ودخلت العمرة فيه نية وفعلا ووقتا.
وهذا يدل على أنه اكتفى بطواف الحج وسعيه عنه وعنها، كما هو مذهب الجمهور في القارن خلافا لابي حنيفة رحمه الله، حيث ذهب إلى أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين، واعتمد على ما روى في ذلك عن على بن أبى طالب وفى الاسناد إليه نظر.
وأما من روى التمتع ثم روى القران، فقد قدمنا الجواب عن ذلك، بأن التمتع في كلام السلف أعم من التمتع الخاص والقران، بل ويطلقونه على الاعتمار في أشهر الحج وإن لم يكن معه حج.
كما قال سعد بن أبى وقاص: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا - يعنى معاوية - يومئذ كافر بالعرش - يعنى بمكة.
وإنما يريد بهذا إحدى العمرتين، إما الحديبية أو القضاء، فأما عمرة الجعرانة فقد كان معاوية قد أسلم، لانها كانت بعد الفتح، وحجة الوداع بعد ذلك سنة عشر، وهذا بين واضح.
والله أعلم.
فصل
إن قيل: فما جوابكم عن الحديث الذى رواه أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا هشام، عن قتادة، عن أبى شيخ الهنائى (1)، واسمه حيوان بن خالد، أن معاوية قال لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
__________
(1) في المشتبه 1 / 279: السبائى.
(*)
عن صفف (1) النمور ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: وأنا أشهد.
قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا (2) ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرن بين الحج والعمرة قالوا: اللهم لا.
قال: والله إنها لمعهن.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام، عن قتادة، عن أبى شيخ الهنائى، قال: كنت في ملا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند معاوية فقال معاوية: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله نهى عن جلود النمور أن يركب عليها ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: وتعلمون أنه نهى عن لباس الذهب إلا مقطعا ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: وتعلمون أنه نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: وتعلمون أنه نهى عن المتعة ؟ - يعنى متعة الحج - قالوا: اللهم لا.
وقال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبى شيخ الهنائى، أنه شهد معاوية وعنده جمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم معاوية: أتعلمون أن رسول الله نهى عن ركوب جلود النمور ؟ قالوا: نعم.
قال: تعلمون أن رسول الله نهى عن لبس الحرير ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أتعلمون أن رسول الله نهى أن يشرب في آنية الذهب والفضة ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أتعلمون أن رسول الله نهى عن جمع بين حج وعمرة ؟ قالوا: اللهم لا.
قال: فو الله إنها لمعهن.
وكذا رواه حماد بن سلمة، عن قتادة، وزاد: ولكنكم نسيتم.
وكذا رواه أشعث بن نزار وسعيد بن أبى عروبة وهمام عن قتادة بأصله ورواه مطر الوراق وبهيس بن فهدان، عن أبى شيخ، في متعة الحج.
* * *
__________
(1) الصفف: جمع صفة، وهى ما يفرش تحت السرج.
(2) المقطع: الشئ اليسير منه كالحلقة.
النهاية 3 / 296.
(*)
فقد رواه أبو داود والنسائي من طرق عن أبى شيخ الهنائى به، وهو حديث جيد الاسناد.
ويستغرب منه رواية معاوية رضى الله عنه النهى عن الجمع بين الحج، والعمرة.
ولعل أصل الحديث النهى عن المتعة، فاعتقد الراوى أنها متعة الحج وإنما هي متعة النساء، ولم يكن عند أولئك الصحابة رواية في النهى عنها.
أو لعل النهى عن الاقران (1) في التمر، كما في حديث ابن عمر، فاعتقد الراوى أن المراد القران في الحج، وليس كذلك.
أو لعل معاوية رضى الله عنه إنما قال: أتعلمون أنه نهى عن كذا، فبناه بما لم يسم فاعله، فصرح الراوى بالرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووهم في ذلك، فإن الذى كان ينهى عن متعة الحج إنما هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ولم يكن نهيه عن ذلك على وجه التحريم والحتم، كما قدمنا.
وإنما كان ينهى عنها لتفرد عن الحج بسفر آخر، لتكثر زيارة البيت.
وقد كان الصحابة رضى الله عنهم يهابونه كثيرا، فلا يتجاسرون على مخالفته غالبا، وكان ابنه عبدالله يخالفه فيقال له: إن أباك كان ينهى عنها.
فيقول: لقد خشيت أن تقع عليكم حجارة من السماء ! قد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفسنة رسول الله تتبع أو سنة عمر بن الخطاب ؟ !
وكذلك كان عثمان بن عفان رضى الله عنه ينهى عنها، وخالفه على بن أبى طالب كما تقدم، وقال: لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس.
وقال عمران بن حصين: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم ينزل قرآن
__________
(1) الاقران: الجمع بين التمرتين في الاكل.
(*)
يحرمه ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات.
أخرجاه في الصحيحين.
وفى صحيح مسلم عن سعد، أنه أنكر على معاوية إنكاره المتعة وقال: قد فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر بالعرش.
يعنى معاوية، أنه كان حين فعلوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كافرا بمكة يومئذ.
قلت: وقد تقدم أنه عليه السلام حج قارنا بما ذكرناه من الاحاديث الواردة في ذلك، ولم يكن بين حجة الوداع وبين وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أحد وثمانون يوما.
وقد شهد الحجة ما ينيف عن أربعين ألف صحابي قولا منه وفعلا، فلو كان قد نهى عن القران في الحج الذى شهده منه الناس لم ينفرد به واحد من الصحابة ويرده عليه جماعة منهم ممن سمع منه ومن لم يسمع.
فهذا كله مما يدل على أن هذا هكذا ليس محفوظا عن معاوية رضى الله عنه.
والله أعلم.
* * * وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني حيوة، أخبرني أبو عيسى الخراساني، عن عبدالله بن القاسم الخراساني، عن سعيد بن المسيب، أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر بن الخطاب فشهد أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في مرضه الذى قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج.
وهذا الاسناد لا يخلو عن نظر.
ثم إن كان هذا الصحابي عن معاوية، فقد تقدم الكلام على ذلك، ولكن في هذا النهى عن المتعة لا القران.
وإن كان عن غيره فهو مشكل في الجملة، لكن لا على القران.
والله أعلم.
ذكر مستند من قال إنه عليه الصلاة والسلام أطلق الاحرام ولم يعين حجا ولا عمرة أولا، ثم بعد ذلك صرفه إلى معين.
وقد حكى عن الشافعي أنه الافضل، إلا أنه قول ضعيف.
قال الشافعي رحمه الله: أنبأنا سفيان، أنبأنا ابن طاوس وإبراهيم بن ميسرة وهشام ابن حجير، سمعوا طاوسا يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمى حجا ولا عمرة ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة، فأمر أصحابه من كان منهم أهل بالحج ولم يكن معه هدى أن يجعلها عمرة، وقال: " لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدى، ولكن لبدت رأسي وسقت هديى فليس لى محل إلا محل هديى ".
فقام إليه سراقة بن مالك، فقال: يا رسول الله اقض لنا قضاء، كأنما ولدوا اليوم، أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم للابد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل للابد، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ".
قال: فدخل على من اليمن فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: بم أهللت ؟ فقال أحدهما: لبيك إهلال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الآخر: لبيك حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا مرسل عن طاوس وفيه غرابة.
وقاعدة الشافعي رحمه الله أنه لا يقبل المرسل بمجرده حتى يعتضد بغيره، اللهم إلا
أن يكون عن كبار التابعين كما عول عليه كلامه في الرسالة، لان الغالب أنهم لا يرسلون إلا عن الصحابة.
والله أعلم.
وهذا المرسل ليس من هذا القبيل، بل هو مخالف للاحاديث المتقدمة كلها، أحاديث الافراد وأحاديث التمتع وأحاديث القران، وهى مسندة صحيحة كما تقدم، فهى مقدمة عليه، ولانها مثبتة أمرا نفاه هذا المرسل، والمثبت مقدم على النافي لو تكافأ، فكيف والمسند صحيح، والمرسل من حيث [ هو ] لا ينهض حجة لانقطاع سنده.
والله تعالى أعلم.
* * * وقال الحافظ أبو بكر البيهقى: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الاصم، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا محاضر، حدثنا الاعمش، عن إبراهيم، عن الاسود، عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر حجا ولا عمرة، فلما قدمنا أمرنا أن نحل، فلما كانت ليلة النفر حاضت صفية بنت حيى.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " حلقى عقرى (1) ! ما أراها إلا حابستكم ".
قال: هل كنت طفت يوم النحر ؟ قالت: نعم.
قال: فانفرى.
قالت: قلت: يا رسول الله إنى لم أكن أهللت.
قال: " فاعتمري من التنعيم " قال: فخرج معها أخوها، قالت: فلقينا مدلجا.
فقال: موعدك كذا وكذا.
هكذا رواه البيهقى.
وقد رواه البخاري عن محمد، قيل هو ابن يحيى الذهلى، عن محاضر بن المورع به.
إلا أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج.
وهذا أشبه بأحاديثها المتقدمة.
لكن روى مسلم عن سويد بن سعيد، عن على بن مسهر، عن الاعمش، عن
__________
(1) حلقى عقرى: أي تعقر قومها وتحلقهم.
والعقري: الحائض.
يضرب للتشاؤم.
(*)
إبراهيم، عن الاسود، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر حجا ولا عمرة.
وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث منصور، عن إبراهيم، عن الاسود عنها، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا أنه الحج.
وهذا أصح وأثبت.
والله أعلم.
وفى رواية لها من هذا الوجه: خرجنا نلبي ولا نذكر حجا ولا عمرة.
وهو محمول على أنهم لا يذكرون ذلك مع التلبية، وكانوا قد سموه حال الاحرام، كما في حديث أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لبيك اللهم حجا وعمرة " وقال أنس: وسمعتهم يصرخون بهما جميعا.
فأما الحديث الذى رواه مسلم من حديث داود بن أبى هند، عن أبى نضرة، عن جابر وأبى سعيد الخدرى، قالا: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخا.
فإنه حديث مشكل على هذا.
والله أعلم.
ذكر تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشافعي: أخبرنا مالك، عن نافع عن عبدالله بن عمر، أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لك، لا شريك لك ".
وكان عبدالله بن عمر يزيد فيها: لبيك لك وسعديك، والخير في يديك، لبيك والرغباء إليك والعمل.
ورواه البخاري عن عبدالله بن يوسف ومسلم عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك به.
وقال مسلم: حدثنا محمد بن عباد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبدالله بن عمر، [ و ] عن نافع مولى عبدالله بن عمر وحمزة بن عبدالله بن عمر، عن عبدالله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذى الحليفة أهل فقال: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لك، لا شريك لك ".
قالوا: وكان عبدالله يقول: هذه (1) تلبية رسول الله.
قال نافع: وكان عبدالله يزيد مع هذا: لبيك لبيك، لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل.
حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، أخبرني نافع، عن ابن عمر، قال: تلقفت التلبية من [ في ] رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذكر بمثل حديثهم.
حدثنى حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، قال: فإن (2) سالم بن عبدالله بن عمر أخبرني عن أبيه، قال سمعت رسول الله صلى الله
__________
(1) الاصل: في تلبية، وما أثبته عن مسلم.
(2) الاصل: قال، وما أثبته عن مسلم.
(*)
عليه وسلم يهل ملبدا يقول: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " لا يزيد على هؤلاء الكلمات.
وإن عبدالله بن عمر كان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذى الحليفة ركعتين، فإذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذى الحليفة أهل بهؤلاء الكلمات.
وقال عبدالله بن عمر: كان عمر بن الخطاب يهل بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات، وهو يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء إليك والعمل.
هذا لفظ مسلم، وفى حديث جابر من التلبية كما في حديث ابن عمر، وسيأتى مطولا قريبا، رواه مسلم منفردا به.
* * * وقال البخاري بعد إيراده من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر ما تقدم: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن الاعمش، عن عمارة، عن أبى عطية، عن عائشة، قالت: إنى لاعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبى: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك ".
تابعه أبو معاوية عن الاعمش.
وقال شعبة: أخبرنا سليمان، سمعت خيثمة، عن أبى عطية، سمعت عائشة.
تفرد به البخاري.
وقد رواه الامام أحمد عن عبدالرحمن بن مهدى، عن سفيان الثوري، عن سليمان ابن مهران الاعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبى عطية الوادي، عن عائشة، فذكر مثل ما رواه البخاري سواء.
ورواه أحمد عن أبى معاوية، وعبد الله بن نمير، عن الاعمش، كما ذكره البخاري سواء.
ورواه أيضا عن محمد بن جعفر وروح بن عبادة، عن شعبة، عن سليمان بن مهران الاعمش به كما ذكره البخاري.
وكذلك رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة سواء.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا الاعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبى عطية، قال قالت عائشة: إنى لاعلم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى.
قال: ثم سمعتها تلبي فقالت: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
فزاد في هذا السياق وحده: والملك لا شريك لك.
* * * وقال البيهقى: أخبرنا الحاكم، أنبأنا الاصم، حدثنا محمد بن عبدالله بن عبد الحكم أنبأنا ابن وهب، أخبرني عبد العزيز بن عبدالله بن أبى سلمة أن عبدالله بن الفضل حدثه، عن عبدالرحمن الاعرج، عن أبى هريرة، أنه قال: كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لبيك إله الحق ".
وقد رواه النسائي عن قتيبة، عن حميد بن عبدالرحمن، عن عبد العزيز بن أبى سلمة وابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة، وعلى بن محمد، كلاهما عن وكيع، عن عبد العزيز به.
قال النسائي: ولا أعلم أحدا أسنده عن عبدالله بن الفضل إلا عبد العزيز.
ورواه إسماعيل بن أمية مرسلا.
وقال الشافعي: أنبأنا سعيد بن سالم القداح، عن ابن جريج، أخبرني حميد الاعرج، عن مجاهد، أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر من التلبية: لبيك اللهم لبيك.
فذكر التلبية.
قال: حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه، فزاد فيها: لبيك إن العيش عيش الآخرة.
قال ابن جريج: وحسبت أن ذلك يوم عرفة.
هذا مرسل من هذا الوجه.
* * * وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقى: أخبرنا عبدالله الحافظ، أخبرني أبو أحمد يوسف ابن محمد بن محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا نصر بن على الجهضمى، حدثنا محبوب بن الحسن، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات فلما قال: لبيك اللهم لبيك.
قال: إنما الخير خير الآخرة.
وهذا إسناد غريب، وإسناده على شرط السنن ولم يخرجوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا روح، حدثنا أسامة بن زيد، حدثنى عبدالله بن أبى لبيد، عن المطلب بن عبدالله بن حنطب، سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرنى جبرائيل برفع الصوت في الاهلال فإنه من شعائر الحج.
تفرد به أحمد.
وقد رواه البيهقى، عن الحاكم، عن الاصم، عن محمد بن عبدالله بن عبد الحكم، عن ابن وهب، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان وعبد الله بن أبى لبيد، عن المطلب، عن أبى هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذكره.
وقد قال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري، عن ابن أبى لبيد، عن المطلب بن حنطب، عن خلاد بن السائب، عن زيد بن خالد، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج.
وكذا رواه ابن ماجه، عن على بن محمد، عن وكيع، عن الثوري به.
وكذلك رواه شعبة وموسى بن عقبة، عن عبدالله بن أبى لبيد به.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن عبدالله بن أبى لبيد، عن المطلب بن عبدالله بن حنطب، عن خلاد بن السائب، عن زيد بن خالد الجهنى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءني جبرائيل فقال: يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج.
* * * قال شيخنا أبو الحجاج المزى في كتابه " الاطراف ": وقد رواه معاوية عن
هشام، وقبيصة، عن سفيان الثوري، عن عبدالله بن أبى لبيد، عن المطلب، عن خلاد بن السائب، عن أبيه، عن زيد بن خالد به.
وقال أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبدالله بن أبى بكر، عن عبدالملك ابن أبى بكر بن الحارث بن هشام، عن خلاد بن السائب بن خلاد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أتانى جبرائيل فقال: مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالاهلال.
وقال أحمد: قرأت على عبدالرحمن بن مهدى، عن مالك، وحدثنا روح، حدثنا مالك، يعنى ابن أنس، عن عبدالله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبدالملك ابن أبى بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، عن خلاد بن السائب الانصاري، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: أتانى جبرائيل فأمرني أن آمر أصحابي - أو من معى - أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالاهلال - يريد أحدهما.
وكذلك رواه الشافعي عن مالك.
ورواه أبو داود عن القعنبى، عن مالك به ورواه الامام أحمد أيضا من حديث ابن جريج، والترمذي والنسائي وابن ماجه
من حديث سفيان بن عيينة، عن عبدالله بن أبى بكر به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال الحافظ البيهقى: ورواه ابن جريج، قال: كتب إلى عبدالله بن أبى بكر فذكره.
ولم يذكر أبا خلاد في إسناده.
قال: والصحيح رواية مالك وسفيان بن عيينة، عن عبدالله بن أبى بكر، عن عبدالملك، عن خلاد بن السائب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك.
قاله البخاري وغيره.
كذا قال.
وقد قال الامام أحمد في مسند السائب ابن خلاد بن سويد أبى سهلة الانصاري: حدثنا محمد بن بكر، أنبأنا ابن جريج،
وحدثنا روح، حدثنا ابن جريج، قال: كتب إلى عبدالله بن أبى بكر محمد بن عمرو ابن حزم، عن عبدالملك بن أبى بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، عن خلاد ابن السائب الانصاري، عن أبيه السائب بن خلاد، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أتانى جبرائيل فقال: إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية والاهلال.
وقال روح: بالتلبية أو الاهلال.
قال: لا أدرى أينا، وهل أنا أو عبدالله أو خلاد في الاهلال أو التلبية.
هذا لفظ أحمد في مسنده.
وكذلك ذكره شيخنا في أطرافه عن ابن جريج كرواية مالك وسفيان بن عيينة.
فالله أعلم.
فصل في إيراد حديث جابر بن عبدالله رضى الله عنه في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وحده منسك مستقل، رأينا أن إيراده هاهنا أنسب، لتضمنه التلبية وغيرها، كما سلف وما سيأتي.
فنورد طرقه وألفاظه، ثم نتبعه بشواهده من الاحاديث الواردة في معناه.
وبالله المستعان.
قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا جعفر بن محمد، حدثنى أبى، قال: أتينا جابر بن عبدالله وهو في بنى سلمة، فسألناه عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث في المدينة تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج في هذا العام.
قال: فنزل المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه
وسلم ويفعل ما يفعل.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس (1) بقين من ذى القعدة، وخرجنا معه حتى إذا أتى ذا الحليفة نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبى بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع ؟ قال: اغتسلي ثم استثفرى (2) بثوب، ثم أهلى.
__________
(1) ا: لعشر.
(2) الاستثفار: أن يدخل إزاره بين فخذيه ملويا.
(*)
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
ولبى الناس، والناس يزيدون: ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنبى صلى الله عليه وسلم يسمع فلم يقل لهم شيئا.
فنظرت مد بصرى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من راكب وماش، ومن خلفه كذلك، وعن يمينه مثل ذلك، وعن شماله مثل ذلك.
قال جابر: ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شئ عملناه.
فخرجنا لا ننوى إلا الحج، حتى إذا أتينا الكعبة فاستلم نبى الله صلى الله عليه وسلم الحجر الاسود، ثم رمل ثلاثة ومشى أربعة، حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين، ثم قرأ: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " (1).
قال أحمد: وقال أبو عبد الله - يعنى جعفر -: فقرأ فيهما بالتوحيد وقل يا أيها الكافرون.
ثم استلم الحجر وخرج إلى الصفا ثم قرأ: " إن الصفا والمروة من شعائر الله " (2).
ثم قال: نبدأ بما بدأ الله به.
فرقى على الصفا، حتى إذا نظر إلى البيت كبر، ثم قال:
" لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده وصدق وعده وهزم - أو غلب - الاحزاب وحده " ثم دعا.
ثم رجع إلى هذا الكلام.
ثم نزل حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل، حتى إذا صعد مشى، حتى أتى المروة فرقى عليها حتى نظر إلى البيت، فقال عليها كما قال على الصفا، فلما كان السابع عند
__________
(1) سورة البقرة 125.
(2) سورة البقرة 158.
(*)
المروة قال: يا أيها الناس إنى لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق الهدى ولجعلتها عمرة، فمن لم يكن معه هدى فليحل وليجعلها عمرة.
فحل الناس كلهم.
فقال سراقة بن مالك بن جعشم وهو في أسفل الوادي: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم للابد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه فقال: للابد.
ثلاث مرات.
ثم قال: " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ".
* * * قال: وقدم على من اليمن بهدى وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه من هدى المدينة هديا، فإذا فاطمة قد حلت ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: أمرنى به أبى.
قال: على بالكوفة: قال جعفر " قال " أي هذا الحرف لم يذكره جابر.
فذهبت محرشا (1) أستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذى ذكرت فاطمة، قلت: إن فاطمة لبست ثيابا صبيغا واكتحلت وقالت: أمرنى أبى.
قال: صدقت صدقت، أنا أمرتها به.
وقال جابر: وقال لعلى: بم أهللت ؟ قال: قلت: اللهم إنى أهل بما أهل به رسولك.
قال: ومعى الهدى.
قال: فلا تحل.
قال: وكان جماعة الهدى الذى أتى به على من اليمن والذى أتى به رسول الله صلى
الله عليه وسلم مائة، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثا وستين ثم أعطى عليا فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة (2) فجعلت في قدر، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد نحرت هاهنا، ومنى كلها منحر.
ووقف
__________
(1) محرشا: مغريا الرسول بمؤاخذتها.
(2) البضعة: القطعة من اللحم.
(*)
 ------------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق