82.ب نوش

ب نوشيرك 8.

 الثانوية العامة ٣ثانوي. /عقوبة من قتل نفسه؟وصف الجنة والحور العين /المدونة التعليمبة الثانية أسماء صلاح ٣.ثانوي عام /الفتن ونهاية العالم /المقحمات ا. /قانون الحق الإلهي اا /القرانيون الفئة الضالة اوه /قواعد وثوابت قرانية /مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها اوهو /المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة /مدونة  /الصفحات المقتوحة /الخوف من الله الواحد؟ /قانون ثبات سنة الله في الخلق /اللهم ارحم أبي وأمي والصالحين /السيرة النبوية /مدونة {استكمال} مدونة قانون الحق الإلهي /مدونة الحائرين الملتاعين. /الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها /عياذا بالله الواحد./  لابثين فيها أحقابا /المدونة المفتوحة /نفحات من سورة الزمر/  /أمَاهُ عافاكِ الله ووالدي ورضي عنكما ورحمكما /ترجمة معان القران /مصنفات اللغة العربية /كتاب الفتن علامات القيامة لابن كثير /قانون العدل الإلهي /الفهرست /جامعة المصاحف /قانون الحق الإلهي /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /تعلم للتفوق بالثانوية العامة /مدونات لاشين /الرافضة /قانون الحق الألهي ٣ /قانون الحق الإلهي٤. /حدود التعاملات /العقائدية بين المسلمين /المقحمات اا. /منصة الصلاة اا*/*

موضوعات علمية 

م موضوعات علمية

الأحد، 10 يونيو 2018

100


99


98


97.صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على الأبد

97. صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على الأبد

 [ ص: 257 ] ذكر صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على الأبد ، لا يفنى ولا يضمحل ولا يبيد أبدا بل كل ما له في ازدياد وبهاء وحسن ، نسأل الله سبحانه الجنة ، ونعوذ به من النار

قال تعالى : أكلها دائم وظلها [ الرعد : 35 ] . والمنقطع ولو بعد ألوف من السنين ليس بدائم ، وقال تعالى : إن هذا لرزقنا ما له من نفاد [ ص : 54 ] . والمنقطع ينفد ، وقال تعالى : ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ النحل : 96 ] . فأخبر أن الدنيا وما فيها ينفد ، وما عند الله باق لا ينفد ، فلو كان له آخر لكان ينفد كما ينفد نعيم الدنيا . وقال تعالى : لهم أجر غير ممنون [ الانشقاق : 25 ] أي : غير مقطوع . قاله طائفة من المفسرين ; غير مقطوع ولا منقوص ، ومنه المنون ، وهو قطع عمر الإنسان ، وعن مجاهد : غير محسوب . وهو مثل الأول ; لأن ما ينقطع محسوب مقدر ، بخلاف ما لا نهاية له .

ذكر ما ورد في عدد أبواب الجنة واتساعها وعظمة جناتها

قال الله تعالى : وفتحت أبوابها [ الزمر : 73 ] . وقال تعالى : مفتحة لهم الأبواب [ ص : 50 ] . وقال تعالى : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب [ الرعد : 23 ] .

[ ص: 258 ] وقد تقدم أن المؤمنين إذا انتهوا إلى باب الجنة وجدوه مغلقا ، فيستشفعون الله ; ليفتح لهم ، بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فيأتي باب الجنة ثم يقعقع حلقة الباب ، فيقول الخازن : من أنت ؟ فيقول : " محمد " . فيقول : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك .

وثبت في " الصحيح " أنه أول شافع في الجنة ، وأول من يقعقع باب الجنة ، وسيأتي في الحديث : " مفتاح الجنة لا إله إلا الله " .

وروى الإمام أحمد ، ومسلم ، وأهل السنن ، من رواية عقبة بن عامر وغيره ، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم رفع بصره إلى السماء فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا عبد [ ص: 259 ] الرحمن بن إسحاق ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة بابا يدعى الريان ، يقال يوم القيامة : أين الصائمون ؟ فإذا دخلوه أغلق فلم يدخل منه غيرهم " . قال بشر : فلقيت أبا حازم ، فسألته ، فحدثني به ، غير أني لحديث عبد الرحمن أحفظ .

وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا أبو غسان ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " في الجنة ثمانية أبواب ؟ باب منها يسمى الريان ، لا يدخله إلا الصائمون " .

وقد رواه البخاري ، عن سعيد بن أبي مريم ، به . ورواه أيضا مسلم ، من حديث سليمان بن بلال ، عن أبي حازم سلمة بن دينار ، عن سهل ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة ، وللجنة ثمانية أبواب ، [ ص: 260 ] فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد " . فقال أبو بكر : والله يا رسول الله ، ما على أحد من ضرورة دعي ، من أيها دعي ، فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : " نعم ، وأرجو أن تكون منهم " .

وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث الزهري به ، ولهما من حديث شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

وقال عبد الله بن الإمام أحمد حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، حدثنا حريز بن عثمان ، عن شرحبيل بن شفعة قال : لقيني عتبة بن عبد السلمي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية ، من أيها شاء دخل " .

[ ص: 261 ] ورواه ابن ماجه ، عن ابن نمير أيضا .

وروى البيهقي من حديث الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أبي المثنى الأملوكي ، أنه سمع عتبة بن عبد السلمي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في حديث ذكره في قتال المخلص والمذنب والمنافق ، قال فيه : " وللجنة ثمانية أبواب ، وإن السيف محاء للذنوب ، ولا يمحو النفاق " . الحديث بطوله .

وتقدم الحديث المتفق عليه ، من حديث أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، في حديث الشفاعة ، قال فيه : " فيقول الله : يا محمد ، أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن ، وهم شركاء الناس في سائر الأبواب . والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة وما بين عضادتي الباب كما بين مكة وهجر ، أو كما بين مكة وبصرى " .

وفي " صحيح مسلم " ، عن خالد بن عمير العدوي ، أن عتبة بن غزوان خطبهم ، فقال بعد حمد الله ، والثناء عليه : أما بعد ، فإن الدنيا قد آذنت بصرم ، وولت حذاء ، وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإناء يتصابها [ ص: 262 ] صاحبها ، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها ، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ; فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم ، فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا ، ووالله لتملأن ، أفعجبتم ؟ ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام ، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر ، حتى قرحت أشداقنا ، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك ، فاتزرت بنصفها ، واتزر سعد بنصفها ، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار ، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا ، وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت ، حتى يكون آخر عاقبتها ملكا ، فستخبرون وتجربون الأمراء بعدنا .

وفي " المسند " من حديث حماد بن سلمة ، عن الجريري ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنتم توفون سبعين أمة ، أنتم آخرها وأكرمها على الله ، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما ، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ " .

ورواه البيهقي ، من طريق علي بن عاصم ، عن سعيد الجريري ، عن حكيم [ ص: 263 ] بن معاوية ، به ، وقال : " مسيرة سبع سنين " .

وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا الفضل بن الصباح أبو العباس ، حدثنا معن بن عيسى ، حدثنا خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " باب أمتي التي تدخل منه الجنة عرضه مسيرة الراكب المجود ثلاثا ، ثم إنهم ليضغطون عليه حتى تكاد مناكبهم تزول " .

وقد رواه الترمذي من حديث خالد هذا ، ثم قال : وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث ، فلم يعرفه ، وقال : لخالد بن أبي بكر مناكير عن سالم .

قال البيهقي : وحديث عتبة بن غزوان : " أربعين سنة " . أصح .

وروى عبد بن حميد في " مسنده " ، عن الحسن بن موسى الأشيب ، عن ابن لهيعة ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن ما بين مصراعين في الجنة لمسيرة أربعين سنة " .

فأما حديث لقيط بن عامر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن للنار سبعة [ ص: 264 ] أبواب ، ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما " . وكذلك قال في بعد ما بين أبواب الجنة ، فهو حديث مشهور ، وحمله بعض العلماء على بعد ما بين الباب إلى الباب الآخر ، لا على ما بين المصراعين اللذين في باب واحد ، بل الباب يدور في طول الجدار كما يدور حول صدور البلد إلى الباب الآخر ; لئلا يعارض ما تقدم . والله أعلم .

وقد ذكر القرطبي وادعى أن للجنة ثلاثة عشر بابا ، ولكن لم يقم على ذلك دليلا قويا أكثر من أنه قال : ومما يدل على أنها أكثر من ثمانية حديث عمر : " من توضأ فقال : أشهد أن لا إله إلا الله " . وفي آخره قال : " فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب يدخل من أيها شاء " . خرجه الترمذي وغيره . قال : وروى الآجري في كتاب " النصيحة " عن أبي هريرة مرفوعا : " إن في الجنة بابا يقال له : باب الضحى . ينادي مناد : أين الذين كانوا يداومون على صلاة الضحى ؟ هذا بابكم فادخلوا " . قال : وقال الترمذي الحكيم أبو عبد الله : أبواب الجنة منها باب محمد صلى الله عليه وسلم وهو باب التوبة ، وباب الصلاة ، وباب [ ص: 265 ] الصوم ، وباب الزكاة ، وباب الصدقة ، وباب الحج ، وباب العمرة ، وباب الجهاد ، وباب الصلة . وزاد غيره باب الكاظمين ، وباب الراضين ، والباب الأيمن الذي يدخل منه الذين لا حساب عليهم . وجعل القرطبي الباب الذي عرضه مسيرة ثلاثة أيام للراكب المجود - كما وقع عند الترمذي - بابا ثالث عشر . فالله أعلم .

وقال الحسن بن عرفة : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله " .

وفي " صحيح البخاري " قال : وقيل لوهب بن منبه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، ولكن إن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك . يعني : لا بد أن يكون مع التوحيد أعمال صالحة من فعل الطاعات وترك المحرمات . والله أعلم .

وتقدم في حديث علي ، قال : يساق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا ، حتى إذا انتهوا إلى أول باب من أبوابها ، وجدوا عنده شجرة . وذكر الحديث .
[ ص: 266 ] ذكر تعداد محال الجنة وارتفاعها واتساعها

قال الله تعالى : ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان [ الرحمن : 46 ، 47 ] الآيات إلى آخر السورة .

وثبت في " الصحيحين " من حديث عبد العزيز بن عبد الصمد ، عن أبي عمران الجوني ، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن " .

وروى البيهقي من حديث مؤمل بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جنتان من ذهب للسابقين ، وجنتان من ورق لأصحاب اليمين " .

وقال البخاري : حدثنا قتيبة ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، أن أم حارثة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد هلك حارثة يوم بدر ، أصابه سهم غرب ، فقالت : يا رسول الله ، قد علمت موقع حارثة من قلبي ، [ ص: 267 ] فإن كان في الجنة لم أبك عليه ، وإلا سوف ترى ما أصنع . فقال لها : " أهبلت ؟ أجنة واحدة هي ؟! إنها جنان كثيرة ، وإنه في الفردوس الأعلى " . وقال : " غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم - أو موضع قدم - من الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ، ولملأت ما بينهما ريحا ولنصيفها - يعني الخمار - خير من الدنيا وما فيها " .

وفي رواية ، عن قتادة أنه قال : " الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها " . وقد رواه الطبراني من حديث سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة مرفوعا .

قال الله تعالى : في جنة عالية [ الغاشية : 10 ] وقال تعالى : فأولئك لهم الدرجات العلى [ طه : 75 ] . وقال تعالى : وجنة عرضها السماوات والأرض [ آل عمران : 133 ] ، وقال تعالى : وجنة عرضها كعرض السماء والأرض [ الحديد : 21 ] .

[ ص: 268 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا فليح ، عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من آمن بالله ورسوله ، وأقام الصلاة ، وصام رمضان ، فإن حقا على الله أن يدخله الجنة ، هاجر في سبيل الله ، أو جلس في أرضه التي ولد فيها " . قالوا : يا رسول الله ، أفلا نخبر الناس ؟ قال : " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله ، عز وجل ، للمجاهدين في سبيله ، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة ، وفوفه عرش الرحمن ، ومنه تفجر - أو تفجر - أنهار الجنة " . شك أبو عامر .

ورواه البخاري ، عن إبراهيم بن المنذر ، عن محمد بن فليح ، عن أبيه بمعناه .

وقال الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو همام الدلال ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من صلى هؤلاء الصلوات الخمس ، وصام رمضان " - لا أدري ذكر زكاة أم لا ؟ - " كان حقا على الله أن يغفر له ، هاجر أو قعد حيث ولدته أمه " . قلت : يا رسول الله ، ألا أخرج فأوذن الناس ؟ [ ص: 269 ] فقال : " لا ، ذر الناس يعملون ، فإن الجنة مائة درجة ، بين كل درجتين منها مثل ما بين السماء والأرض ، وأعلى درجة منها الفردوس . وعليها يكون العرش ، وهي أوسط شيء في الجنة ، ومنها تفجر أنهار الجنة ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس " .

وهكذا رواه الترمذي ، عن قتيبة وأحمد بن عبدة ، عن الدراوردي ، عن زيد بن أسلم ، به . وأخرجه ابن ماجه ، عن سويد ، عن حفص بن ميسرة ، عن زيد مختصرا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الجنة مائة درجة ، ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام " . وقال عفان : " كما بين السماء والأرض ، والفردوس أعلاها درجة ، ومنها تخرج الأنهار الأربعة ، والعرش من فوقها ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس " .

ورواه الترمذي ، عن أحمد بن منيع ، عن يزيد بن هارون ، عن همام بن يحيى ، به .

[ ص: 270 ] قلت : ولا تكون هذه الصفة إلا في المقبب ، فإن أعلى القبة هو أوسطها ، فالجنة - والله أعلم - كذلك .

وقال أبو بكر بن أبي داود : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا شريك ، عن محمد بن جحادة ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجنة مائة درجة ، ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام " .

ورواه الترمذي ، عن عباس العنبري ، عن يزيد بن هارون ، فذكره ، وعنده : " ما بين كل درجتين مائة عام " . وقال : هذا حديث حسن صحيح .

وقال أبو يعلى : حدثنا زهير ، حدثنا حسن ، عن ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الجنة مائة درجة ، لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم " . ورواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن ابن لهيعة ، ورواه أحمد أيضا .

* [ ص: 271 ] ذكر ما يكون لأدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم ، من اتساع الملك العظيم ، والنعيم المقيم

قال الله تعالى : وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا [ الإنسان : 20 ] . وقد تقدم في حديث ابن مسعود ، في آخر من يدخل الجنة ، أن الله يقول له : " أما ترضى أن يكون لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها ؟ " وكذلك في غيره من الأحاديث الصحيحة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا إسرائيل ، عن ثوير " هو ابن أبي فاختة ، عن ابن عمر ، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي ينظر إلى جنانه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وإن أكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية " . ثم تلا هذه الآية : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [ القيامة : 22 ، 23 ] .

[ ص: 272 ] وقال أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا عبد الملك بن أبجر ، عن ثوير بن أبي فاختة ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي سنة ، يرى أقصاه كما يرى أدناه ، ينظر أزواجه وخدمه ، وإن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين " .

ورواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن شبابة ، عن إسرائيل ، عن ثوير ، به . قال : وقد روي من غير وجه ، عن إسرائيل ، عن ثوير ، عن ابن عمر مرفوعا . قال : ورواه الثوري ، عن ثوير ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قوله . قال : ورواه عبد الملك بن أبجر ، عن ثوير ، عن ابن عمر موقوفا . كذا قال .

وقد تقدم رواية أحمد بهذه الطريق مرفوعا .

وروى مسلم والطبراني - وهذا لفظه - من حديث سفيان بن عيينة ، حدثنا مطرف بن طريف وعبد الملك بن سعيد بن أبجر ، عن الشعبي ، عن المغيرة [ ص: 273 ] بن شعبة - رفعه ابن أبجر ، ولم يرفعه مطرف - قال : " قال موسى عليه السلام : يا رب ، أخبرني عن أدنى أهل الجنة منزلة . قال : نعم ، هو رجل يجيء بعد ما نزل الناس منازلهم ، وأخذوا أخذاتهم ، فيقال له : ادخل الجنة . فيقول : يا رب ، وكيف أدخلها ، وقد نزل الناس منازلهم ، وأخذوا أخذاتهم ؟ فيقول : أما ترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب . فيقول : إن لك مثله ومثله - وعقد سفيان أصابعه الخمس - فيقول : رضيت رب . فيقول : إن لك هذا وما اشتهت نفسك ، ولذت عينك . فيقول : رضيت رب . قال موسى : يا رب ، فأخبرني عن أعلى أهل الجنة منزلة . قال : نعم ، أولئك الذين أردت ، وسأخبرك عنهم ، غرست كرامتهم بيدي ، وختمت عليها ، فلم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب بشر " . ومصداق ذلك في كتاب الله : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] .

وثبت في " الصحيحين " - واللفظ لمسلم - من حديث الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . مصداق ذلك في [ ص: 274 ] كتاب الله فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ابن وهب ، حدثني أبو صخر ، أن أبا حازم حدثه قال : سمعت سهل بن سعد يقول : شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : " فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . ثم قرأ هذه الآية : تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 16 ، 17 ] . ورواه مسلم ، عن هارون بن معروف .
= ذِكْرُ غُرَفِ الْجَنَّةِ وَارْتِفَاعِهَا وَعِظَمِهَا ، نَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ الْمَبْسُوطِ عَلَى خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ [ الزُّمَرِ : 20 ] . وَقَالَ تَعَالَى وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [ سَبَأٍ : 37 ] وَقَالَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [ ص: 275 ] [ الْعَنْكَبُوتِ : 58 ] . وَقَالَ : أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا [ الْفُرْقَانِ : 75 ] .

وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " - وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ - مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنَ الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ ; لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ ؟ قَالَ : " بَلَى ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ " .

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرْفَةَ فِي الْجَنَّةِ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ " .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا فَزَارَةُ ، أَخْبَرَنِي فُلَيْحٌ ، عَنْ هِلَالٍ - يَعْنِي ابْنَ عَلِيٍّ - عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ فِي [ ص: 276 ] الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ - أَوْ تَرَوْنَ - الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ ، الطَّالِعِ ، فِي تَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ ؟ قَالَ : " بَلَى ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، وَأَقْوَامٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ " . قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ : وَهَذَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْمُتَحَابِّينَ لَتُرَى غُرَفُهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَالْكَوْكَبِ الطَّالِعِ الشَّرْقِيِّ أَوِ الْغَرْبِيِّ ، فَيُقَالُ : مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ فَيُقَالُ : هَؤُلَاءِ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ " .

وَفِي حَدِيثِ عَطِيَّةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا : " إِنَّ أَهْلَ عِلِّيِّينَ لَيَرَاهُمْ مَنْ سِوَاهُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا

=[ ص: 277 ] ذِكْرُ أَعْلَى مَنْزِلَةٍ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْوَسِيلَةُ ; مَقَامُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ : اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .

وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ حَيْوَةَ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا لِيَ الْوَسِيلَةَ ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنَ سَأَلَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ " .

[ ص: 278 ] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ كَعْبٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ " . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الْوَسِيلَةُ ؟ قَالَ : " أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ لَا يَنَالُهَا إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ " .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْوَسِيلَةُ دَرَجَةٌ عِنْدَ اللَّهِ لَيْسَ فَوْقَهَا دَرَجَةٌ ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُؤْتِيَنِي الْوَسِيلَةَ " .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَرَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهَا لِي عَبْدٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا - أَوْ شَهِيدًا - يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . قَالَ الطَّبَرَانِيُّ : لَمْ يَرْوِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ إِلَّا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ .= ذِكْرُ بُنْيَانِ الْجَنَّةِ وَمِمَّ قُصُورُهَا

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ وَأَبُو كَامِلٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، حَدَّثَنَا [ ص: 279 ] سَعْدٌ ; أَبُو مُجَاهِدٍ الطَّائِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُدِلَّةِ - مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللُّهِ ، إِذَا رَأَيْنَاكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا ، وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ ، وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا ، وَشَمِمْنَا النِّسَاءَ وَالْأَوْلَادَ . فَقَالَ : " لَوْ تَكُونُونَ - أَوْ قَالَ : لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ - عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ بِأَكُفِّهِمْ ، وَلَزَارَتْكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ " . قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ : " لَبِنَةُ فِضَّةٍ وَلَبِنَةُ ذَهَبٍ ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ ، وَيَخْلُدُ لَا يَمُوتُ ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ " . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، عَنْ سَعْدَانَ الْقُبِّيِّ - وَكَانَ ثِقَةً - عَنْ سَعْدٍ ; أَبِي مُجَاهِدٍ الطَّائِيِّ - وَكَانَ ثِقَةً - بِهِ ، وَقَالَ : حَسَنٌ .

وَوَقَعَ تَوْثِيقُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ ، وَهُمَا مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ .

وَقَالَ ابْنُ أَبَى الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْبَزَّارُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ [ ص: 280 ] الْكَلْبِيُّ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ حُسَيْنٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَلَقَ اللَّهُ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ ، لَبِنَةٌ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ ، مِلَاطُهَا الْمِسْكُ ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ ، وَحَشِيشُهَا الزَّعْفَرَانُ ، ثُمَّ قَالَ لَهَا : انْطِقِي . فَقَالَتْ : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يُجَاوِرُنِي فِيكِ بَخِيلٌ " . ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ الْحَشْرِ : 9 ] .

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمُرِّيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ ، يَعْنِي عُمَرَ بْنَ رَبِيعَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : " مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَحْيَا لَا يَمُوتُ ، وَيَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ " . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ بِنَاؤُهَا ؟ [ ص: 281 ] قَالَ : لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ ، وَمِلَاطُهَا مِسْكٌ أَذْفَرُ ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ ، وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ " .

وَقَالَ الْبَزَّارُ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ ، وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ ، فَقَالَ لَهَا : تَكَلَّمِي . فَقَالَتْ : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ : طُوبَاكِ مَنْزِلَ الْمُلُوكِ " .

وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَعِنْدَهُ : " فَقَالَ اللَّهُ : طُوبَى لَكِ مَنْزِلَ الْمُلُوكِ " . وَقَدْ رَوَاهُ وُهَيْبٌ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا .

وَفِي حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا : " إِنَّ اللَّهَ بَنَى الْفِرْدَوْسَ بِيَدِهِ ، وَحَظَرَهَا عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ وَعَلَى كُلِّ مُدْمِنِ خَمْرٍ سِكِّيرٍ " .

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ [ ص: 282 ] اللَّهِ ، كَيْفَ بِنَاءُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ ، وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ، مِلَاطُهَا مِسْكٌ أَذْفَرُ ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ " .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خُلَيْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ ، الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيْنَ أُمُّنَا خَدِيجَةُ ؟ قَالَ : " فِي بَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ لَا لَغْوٌ فِيهِ وَلَا نَصَبٌ ، بَيْنَ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ " . قَالَتْ : أَمِنْ هَذَا الْقَصَبِ ؟ قَالَ : " لَا ، مِنَ الْقَصَبِ الْمَنْظُومِ بِالدُّرِّ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ " . قَالَ الطَّبَرَانِيُّ : لَا يُرْوَى عَنْ فَاطِمَةَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، تَفَرَّدَ بِهِ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو .

قُلْتُ : وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَلِأَوَّلِهِ شَاهِدٌ فِي " الصَّحِيحِ " : " إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُبَشِّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ ، لَا صَخَبٌ فِيهِ ، وَلَا نَصَبٌ " .

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّمَا كَانَ بَيْتُهَا مِنْ قَصَبِ اللُّؤْلُؤِ ، لِأَنَّهَا حَازَتْ قَصَبَ السَّبْقِ فِي التَّصْدِيقِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَوَّلِ الْبِعْثَةِ ، أَنَّهَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ ; حَيْثُ قَالَتْ لَمَّا أَخْبَرَهَا بِمَا رَأَى ، وَقَالَ : " لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ، قَالَتْ : كَلَّا وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتُعِينُ عَلَى [ ص: 283 ] نَوَائِبِ الدَّهْرِ . وَأَمَّا ذِكْرُ مَرْيَمَ وَآسِيَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَفِيهِ إِشْعَارٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَزَوَّجُ بِهِمَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ ، وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَأَخُذَ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ ، مِنْ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ " التَّحْرِيمِ " : ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [ التَّحْرِيمِ : 5 ] . ثُمَّ ذُكِرَتْ آسِيَةُ وَمَرْيَمُ فِي آخِرِ السُّورَةِ . يُرْوَى مِثْلُ هَذَا عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، أَوْ غَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ الطَّرِيقِيُّ ، حَدَّثَنَا . ابْنُ فُضَيْلٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا ، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا " . فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَنْ هِيَ ؟ فَقَالَ : " لِمَنْ طَيَّبَ الْكَلَامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ ، وَقَالَ : غَرِيبٌ ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ .

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَّامٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو مُعَانِقٍ الْأَشْعَرِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبُو [ ص: 284 ] مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " .

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ ، حَدَّثَنِي حُيَيٌّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا " . قَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَبَاتَ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ " . قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ ؟ هَذَا عِنْدِي إِسْنَادٌ حَسَنٌ .

قُلْتُ : وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، عَنْ حَسَنٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيُّ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَذَكَرَهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْقَصْرَ يَكُونُ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ ; أَبْوَابُهُ وَمَصَارِيعُهُ وَسُقُفُهُ .

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : أَنَّ بَعْضَ سُقُوفِ الْجَنَّةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ كَالْبَرْقِ اللَّامِعِ ، لَوْلَا [ ص: 285 ] أَنَّ اللَّهَ ثَبَّتَ أَبْصَارَهُمْ لَأَوْشَكَ أَنْ يَخْطَفَهَا .

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ السَّمَّاكِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ وَاسِعٍ يَذْكُرُ عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِغُرَفِ الْجَنَّةِ ؟ " قَالَ : قُلْنَا : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَا . قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا مِنْ أَصْنَافِ الْجَوْهَرِ كُلِّهِ ، يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ وَاللَّذَّاتِ وَالشَّرَفِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلِمَنْ هَذِهِ الْغُرَفُ ؟ قَالَ : " لِمَنْ أَفْشَى السَّلَامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " . قَالَ : قُلْنَا ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : " أُمَّتِي تُطِيقُ ذَلِكَ ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ ، مَنْ لَقِيَ أَخَاهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ ، فَقَدْ أَفْشَى السَّلَامَ ، وَمَنْ أَطْعَمَ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ حَتَّى يُشْبِعَهُمْ فَقَدْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَمِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَدْ أَدَامَ الصِّيَامَ ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَصَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ فَقَدْ صَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ " .

[ ص: 286 ] ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَهَذَا الْإِسْنَادُ غَيْرُ قَوِيٍّ ، إِلَّا أَنَّهُ بِالْإِسْنَادَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يُقَوِّي بَعْضُهُ بَعْضًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ : وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ .

ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ، بِنَحْوِهِ .

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ ، مِنْ حَدِيثِ جِسْرِ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ [ التَّوْبَةِ : 72 ] . قَالَ : " قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ ، فِي ذَلِكَ الْقَصْرِ سَبْعُونَ دَارًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ بَيْتًا مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ سَرِيرًا ، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِرَاشًا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ ، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ مَائِدَةً ، عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ لَوْنًا مِنَ الطَّعَامِ ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ وَصِيفًا وَوَصِيفَةً ، وَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ فِي كُلِّ غَدَاةٍ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَجْمَعَ " .

قُلْتُ : وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ ، بَلِ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ ، وَإِذَا كَانَ الْخَبَرُ ضَعِيفًا لَمْ يُمْكِنِ اتِّصَالُهُ ، فَإِنَّ جِسْرًا هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

[ ص: 287 ] وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ لَيُجَاءُ لِلرَّجُلِ الْوَاحِدِ بِالْقَصْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤَةِ الْوَاحِدَةِ ، فِي ذَلِكَ الْقَصْرِ سَبْعُونَ غُرْفَةً ، فِي كُلِّ غُرْفَةٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، فِي كُلِّ غُرْفَةٍ سَبْعُونَ بَابًا ، يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَابٍ رَائِحَةٌ مِنْ رَائِحَةِ الْجَنَّةِ ، سِوَى الرَّائِحَةِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ " . ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى : فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ الْآيَةَ [ السَّجْدَةِ : 17 ] .

وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُدْبَةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هُدْبَةَ - وَهُوَ ذُو نُسْخَةٍ مَكْذُوبَةٍ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا لَيْسَ فِيهَا مَعَالِيقُ مِنْ فَوْقِهَا ، وَلَا عِمَادٌ مِنْ تَحْتِهَا " . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ يَدْخُلُهَا أَهْلُهَا ؟ قَالَ : " يَدْخُلُونَهَا أَشْبَاهَ الطَّيْرِ " . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَنْ هِيَ ؟ قَالَ : " لِأَهْلِ الْأَسْقَامِ وَالْأَوْجَاعِ وَالْبَلْوَى " .

=ذكر الخيام في الجنة

قال تعالى : حور مقصورات في الخيام [ الرحمن : 72 ] .

وثبت في " الصحيحين " - واللفظ لمسلم - من حديث أبي عمران الجوني ، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال : قال رسول الله [ ص: 288 ] صلى الله عليه وسلم : " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ، طولها ستون ميلا ، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن ، فلا يرى بعضهم بعضا " . وفي رواية للبخاري : " ثلاثون ميلا " ، وصحح " ستون ميلا " .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا منصور ، حدثنا يوسف بن الصباح ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس حور مقصورات في الخيام قال : الخيمة من درة مجوفة ، طولها فرسخ ، وعرضها فرسخ ، ولها ألف باب من ذهب ، حوله سرادق ، دوره خمسون فرسخا ، يدخل عليه من كل باب ملك بهدية من عند الله عز وجل ، وذلك قوله تعالى : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب [ الرعد : 23 ] .

وقال ابن المبارك : حدثنا همام ، ( عن قتادة ) ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الخيمة درة مجوفة ، فرسخ في فرسخ ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب .

وقال قتادة ، عن خليد العصري ، عن أبي الدرداء قال : الخيمة لؤلؤة واحدة ، لها سبعون بابا ، كلها من در .

=[ ص: 289 ] ذِكْرُ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ

ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ " .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا رَوْحٌ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ ابْنَ صَائِدٍ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ ، مِسْكٌ خَالِصٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَدَقَ " . هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ .

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْلَمَةَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، بِنَحْوِهِ .

وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ فَقَالَ : " دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ ، مِسْكٌ خَالِصٌ " .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، [ ص: 290 ] عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِ : " إِنِّي سَائِلُهُمْ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ ، وَهِيَ دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ " . فَسَأَلَهُمْ ، فَقَالُوا : هِيَ خُبْزَةٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْخُبْزَةُ مِنَ الدَّرْمَكِ " .

وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا ، فِي بُنْيَانِ الْجَنَّةِ ، أَنَّ مِلَاطَهَا الْمِسْكُ ، وَحَصْبَاءَهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ ، وَتُرَابَهَا الزَّعْفَرَانُ . وَالْمِلَاطُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الطِّينِ الَّذِي يُجْعَلُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ بَيْنَ سَافَيِ الْبِنَاءِ ، يُمْلَطُ بِهِ الْحَائِطُ ، وَلَعَلَّ بَعْضَ بِقَاعِهَا مِسْكٌ ، وَبَعْضَهَا زَعْفَرَانٌ ; طَرَائِقُ طَرَائِقُ . وَهِيَ مَعَ هَذِهِ الْعَظَمَةِ وَالِاتِّسَاعِ كُلُّهَا كَذَلِكَ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمِهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ هَمَّامٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَيْدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " . إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ .

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - قَالَ سُلَيْمَانُ : لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ - [ ص: 291 ] عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " لَوْ أَنَّ مَا أَقَلَّ ظُفُرٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَرَزَ إِلَى الدُّنْيَا لَتَزَخْرَفَ لَهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ "

=ذِكْرُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ وَأَشْجَارِهَا وَثِمَارِهَا

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ [ الْكَهْفِ : 31 ] . وَقَالَ تَعَالَى : تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [ الْبَيِّنَةِ : 8 ] . وَقَالَ تَعَالَى : مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ [ مُحَمَّدٍ : 15 ] وَقَالَ تَعَالَى : مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ [ الرَّعْدِ : 35 ] .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَنْبَأَنَا الْجُرَيْرِيُّ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَبِي بَهْزٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " فِي الْجَنَّةِ بَحْرُ اللَّبَنِ ، وَبَحْرُ الْمَاءِ ، وَبَحْرُ الْعَسَلِ ، وَبَحْرُ الْخَمْرِ ، ثُمَّ تَشَقَّقُ الْأَنْهَارُ مِنْهَا بَعْدُ " .

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ بُنْدَارٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ ، وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .

[ ص: 292 ] وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا ، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، بِهِ .

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ أَبُو قُدَامَةَ الْإِيَادِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذِهِ الْأًنْهَارُ تَشْخُبُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ فِي جَوْبَةٍ ، ثُمَّ تَصَدَّعٌ بَعْدُ أَنْهَارًا " .

وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ حَكِيمٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنِي الْجُرَيْرِيُّ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَعَلَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ أُخْدُودٌ فِي الْأَرْضِ ، لَا وَاللَّهِ ، إِنَّهَا لَسَائِحَةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، حَافَتَاهَا قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ ، وَطِينُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ " . قِيلَ : يَا رَسُولَ [ ص: 293 ] اللَّهِ ، وَمَا الْأَذْفَرُ ؟ قَالَ : " الَّذِي لَا خِلْطَ لَهُ " .

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ مَوْقُوفًا .

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ ، عَنِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ ، عَنِ الْأَصَمِّ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى ، عَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ قُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْقِيَهُ اللَّهُ الْخَمْرَ فِي الْآخِرَةِ فَلْيَتْرُكْهَا فِي الدُّنْيَا ، وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْسُوَهُ اللَّهُ الْحَرِيرَ فِي الْآخِرَةِ ، فَلْيَتْرُكْهُ فِي الدُّنْيَا . أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَفَجَّرُ مِنْ تَحْتِ تِلَالِ - أَوْ جِبَالِ - الْمِسْكِ ، وَلَوْ كَانَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ حِلْيَةً عُدِلَتْ بِحِلْيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا جَمِيعًا ، لَكَانَ مَا يُحَلِّيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ مِنْ حِلْيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا جَمِيعًا " .

وَرَوَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَفَجَّرُ مِنْ جَبَلِ مِسْكٍ . قُلْتُ : وَهَذَا الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ .

=[ ص: 294 ] صِفَةُ الْكَوْثَرِ ، وَهُوَ أَشْهَرُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ سَقَانَا اللَّهُ مِنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ الْكَوْثَرِ : 1 - 3 ] .

وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ وَعَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَةُ قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ ؟ " قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : " هُوَ نَهَرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي ، عَزَّ وَجَلَّ ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ " .

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ شَيْبَانَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ ، فَقُلْتُ : مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ " .

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ . وَفِي رِوَايَةٍ : " فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى مَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ ، فَإِذَا مِسْكٌ أَذْفَرُ " .

[ ص: 295 ] وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ عَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَأَلْفَاظٌ مُتَعَدِّدَةٌ . فَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْكَوْثَرُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ " .

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ بِهِ .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ ، فَإِذَا هُوَ نَهَرٌ يَجْرِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ ، لَيْسَ مَشْقُوقًا ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى تُرْبَتِهِ ، فَإِذَا مِسْكَةٌ ذَفِرَةٌ ، وَإِذَا حَصْبَاؤُهُ اللُّؤْلُؤُ " .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَوْثَرِ ، فَقَالَ : " هُوَ نَهَرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ ، تُرَابُهُ مِسْكٌ ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، تَرِدُهُ طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا مِثْلُ أَعْنَاقِ الْجُزُرِ " . قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهَا لَنَاعِمَةٌ . فَقَالَ : [ ص: 296 ] " آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا " .

وَقَالَ الْحَاكِمُ : أَنْبَأَنَا الْأَصَمُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُنْقِذٍ ، حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ الْمُخْتَارِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ ، عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخَطْمِيِّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ طَيْرًا أَمْثَالَ الْبَخَاتِيِّ " . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّهَا لَنَاعِمَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَالَ : " أَنْعَمُ مِنْهَا مَنْ يَأْكُلُهَا ، وَأَنْتَ مِمَّنْ يَأْكُلُهَا يَا أَبَا بَكْرٍ " .

ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، عَنْ يَزِيدَ ، يَعْنِي ابْنَ الْهَادِ ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْكَوْثَرِ ، فَقَالَ : " نَهَرٌ أَعْطَانِيهِ رَبِّي ، عَزَّ وَجَلَّ ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، وَفِيهِ طَيْرٌ كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ " . فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ تِلْكَ الطَّيْرَ نَاعِمَةٌ . فَقَالَ : " آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا يَا عُمَرُ " .

[ ص: 297 ] وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ .

=رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ

قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ ، أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ ، قَالَ : وَقَالَ عَطَاءٌ ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْكَوْثَرُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ ، حَافَتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ ، وَالْمَاءُ يَجْرِي عَلَى اللُّؤْلُؤِ ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ " .

وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ مُحَارِبٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا : " الْكَوْثَرُ نَهَرُ الْجَنَّةِ حَافَتَاهُ الذَّهَبُ ، مَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ ، وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ وَفِي رِوَايَةٍ : " أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ " - وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ " .

وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .

-[ ص: 298 ] رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ

قَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَوْثَرِ : هُوَ الْخَيْرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ . قَالَ أَبُو بِشْرٍ : قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ . فَقَالَ سَعِيدٌ : النَهَرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الْكَوْثَرُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ ، حَافَتَاهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ ، يَجْرِي عَلَى الْيَاقُوتِ وَالدُّرِّ ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ . وَكَذَا رَوَى الْعَوْفِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

-رِوَايَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا . قَالَ : سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . قَالَتْ : نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، شَاطِئَاهُ [ ص: 299 ] عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ ، آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ . ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَقَدْ رَوَاهُ زَكَرِيَّاءُ ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ ، وَمُطَرِّفٌ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ .

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهَدٍ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . قَالَ : الْخَيْرُ الْكَثِيرُ . وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ . وَقَالَتْ عَائِشَةُ : هُوَ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ لَيْسَ أَحَدٌ يُدْخِلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ إِلَّا سَمِعَ خَرِيرَ ذَلِكَ النَهَرِ .

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ " عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ خَرِيرَ الْكَوْثَرِ ، فَلْيَجْعَلْ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ . وَهَذَا مُنْقَطِعٌ . وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ رَجُلٍ ، عَنْهَا . قَالَ السُّهَيْلِيُّ : وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَعْنَى هَذَا : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ خَرِيرَ الْكَوْثَرِ ، أَيْ نَظِيرَهُ ، وَمَا يُشْبِهُهُ ، لَا أَنَّهُ يَسْمَعُهُ بِعَيْنِهِ ، بَلْ شَبَّهَتْ دَوِيَّهُ كَدَوِيِّ مَا يَسْمَعُ الْإِنْسَانُ إِذَا وَضَعَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ شَيْءٍ أَرَادَتْ

=[ ص: 300 ] ذِكْرُ نَهَرِ الْبَيْذَخِ فِي الْجَنَّةِ

قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا بَهْزٌ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ ، فَرُبَّمَا قَالَ : " هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا " قَالَ : فَإِذَا رَأَى الرَّجُلُ رُؤْيَا سَأَلَ عَنْهُ ، فَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ كَانَ أَعْجَبَ لِرُؤْيَاهُ إِلَيْهِ . قَالَ : فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْتُ كَأَنِّي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، فَسَمِعْتُ وَجْبَةً ارْتَجَّتْ لَهَا الْجَنَّةُ ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا قَدْ جِيءَ بِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ وَفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ . حَتَّى عَدَّتِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا - وَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً قَبْلَ ذَلِكَ - قَالَتْ : فَجِيءَ بِهِمْ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ طُلْسٌ تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُمْ . قَالَتْ : فَقِيلَ : اذْهَبُوا بِهِمْ إِلَى نَهَرِ الْبَيْذَخِ - أَوْ قَالَ : إِلَى نَهَرِ الْبَيْدَحِ - قَالَ : فَغُمِسُوا فِيهِ ، فَخَرَجُوا مِنْهُ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ .

قَالَتْ : ثُمَّ أُتُوا بَكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَعَدُوا عَلَيْهَا ، فَأُتِيَ بِصَحْفَةٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - فِيهَا بُسْرَةٌ ، فَأَكَلُوا مِنْهَا ، فَمَا يَقْلِبُونَهَا لِشِقٍّ إِلَّا أَكَلُوا مِنْ فَاكِهَةٍ مَا أَرَادُوا ، وَأَكَلْتُ مَعَهُمْ . قَالَ : فَجَاءَ الْبَشِيرُ مِنْ تِلْكَ السَّرِيَّةِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَانَ مِنْ أَمْرِنَا كَذَا وَكَذَا ، وَأُصِيبَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ . حَتَّى عَدَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ عَدَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَلَيَّ بِالْمَرْأَةِ " . فَجَاءَتْ ، فَقَالَ : [ ص: 301 ] " قُصِّي عَلَى هَذَا رُؤْيَاكِ " . فَقَصَّتْ ، فَقَالَ : هُوَ كَمَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ .



=نَهْرُ بَارِقٍ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ

قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقٍ ; نَهَرٍ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ ، يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا "

=ذِكْرُ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ

فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ ، فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، قَالَ : " فَإِذَا يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهَرَانِ بَاطِنَانِ ، وَنَهَرَانِ ظَاهِرَانِ ، فَالْبَاطِنَانِ فِي الْجَنَّةِ ، وَالظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا " .

وَفِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ " وَ " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، مِنْ حَدِيثِ [ ص: 302 ] عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ ، كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ " .

وَرَوَى الْحَافِظُ الضِّيَاءُ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عُلَيٍّ الْخُشَنِيِّ ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ خَمْسَةَ أَنْهَارٍ : سَيْحُونَ ، وَهُوَ نَهَرُ الْهِنْدِ ، وَجَيْحُونَ ، وَهُوَ نَهَرُ بَلْخَ ، وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتَ ، وَهُمَا نَهَرَا الْعِرَاقِ ، وَالنِّيلَ ، وَهُوَ نَهَرُ مِصْرَ ، أَنْزَلَهَا اللَّهُ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عُيُونِ الْجَنَّةِ ، مِنْ أَسْفَلِ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِهَا عَلَى جَنَاحَيْ جِبْرِيلَ ، فَاسْتَوْدَعَهَا الْجِبَالَ ، وَأَجْرَاهَا فِي الْأَرْضِ ، وَجَعَلَ فِيهَا مَنَافِعَ لِلنَّاسِ ، مِنْ أَصْنَافِ مَعَايِشِهِمْ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ [ الْمُؤْمِنُونَ : 18 ] . فَإِذَا كَانَ عِنْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَرْسَلَ اللَّهُ جِبْرِيلَ ، فَرَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ الْقُرْآنَ ، وَالْعِلْمَ كُلَّهُ ، وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مِنْ رُكْنِ الْبَيْتِ ، وَمَقَامَ إِبْرَاهِيمَ ، وَتَابُوتَ مُوسَى بِمَا فِيهِ ، وَهَذِهِ الْأَنْهَارَ الْخَمْسَةَ ، فَرَفَعَ كُلَّ ذَلِكَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [ الْمُؤْمِنُونَ : 18 ] . فَإِذَا رُفِعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنَ الْأَرْضِ ، فَقَدْ حُرِمَ أَهْلُهَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " . وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا ، بَلْ مُنْكَرٌ ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ عُلَيٍّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ .

[ ص: 303 ] وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عُيُونَ الْجَنَّةِ بِكَثْرَةِ الْجَرَيَانِ ، وَأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا فَجَّرُوهَا ، أَيِ اسْتَنْبَطُوهَا ، وَفِي أَيِّ الْمَحَالِّ أَحَبُّوا نَبَعَتْ لَهُمُ الْعُيُونُ بِفُنُونِ الْمَشَارِبِ وَالْمِيَاهِ ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : مَا فِي الْجَنَّةِ عَيْنٌ إِلَّا تَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ جَبَلٍ مِنْ مِسْكٍ .

وَرَوَى الْأَعْمَشُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ : أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَفَجَّرُ مِنْ جَبَلِ مِسْكٍ .

وَقَدْ جَاءَ هَذَا فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " ، فَقَالَ : أَنْبَأَنَا الْأَصَمُّ ، أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ قُرَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْقِيَهُ اللَّهُ مِنَ الْخَمْرِ فِي الْآخِرَةِ فَلْيَتْرُكْهَا فِي الدُّنْيَا ، وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْسُوَهُ اللَّهُ الْحَرِيرَ فِي الْآخِرَةِ فَلْيَتْرُكْهُ فِي الدُّنْيَا ، أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَفَجَّرُ مِنْ تَحْتِ تِلَالِ - أَوْ جِبَالِ - الْمِسْكِ ، وَلَوْ كَانَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ حِلْيَةً عُدِلَتْ بِحِلْيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا جَمِيعًا ، لَكَانَ مَا يُحَلِّيهِ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ مِنْ حِلْيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا جَمِيعًا "

=فَصْلٌ فِي أَشْجَارِ الْجَنَّةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [ النِّسَاءِ : 57 ] . وَقَالَ تَعَالَى : ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [ الرَّحْمَنِ : 48 ] . وَالْأَفْنَانُ : الْأَغْصَانُ ، وَقَالَ : مُدْهَامَّتَانِ [ ص: 304 ] [ الرَّحْمَنِ : 64 ] . أَيْ مِنْ كَثْرَةِ رِيِّهِمَا ، وَاشْتِبَاكِ أَشْجَارِهِمَا . وَقَالَ تَعَالَى : وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [ الرَّحْمَنِ : 54 ] . أَيْ قَرِيبٌ مِنَ التَّنَاوُلِ ، وَهُمْ عَلَى فُرُشِهِمْ . كَمَا قَالَ : وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا [ الْإِنْسَانِ : 14 ] . وَقَالَ : قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ [ الْحَاقَّةِ : 23 ] . وَقَالَ : وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ الْوَاقِعَةِ : [ 27 - 33 ] . وَقَالَ : فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ [ الرَّحْمَنِ : 68 ] . وَقَالَ : فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [ الرَّحْمَنِ : 52 ] .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْفُرَاتِ الْقَزَّازُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . " مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلَّا سَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ " .

وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْكِنْدِيِّ الْأَشَجِّ ، وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ ، وَكَرَبُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ ، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ ، مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ ، وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ [ ص: 305 ] وَالدِّلَاءِ ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ ، لَيْسَ فِيهِ عَجَمٌ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، حَدَّثَنَا زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الظِّلُّ الْمَمْدُودُ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ عَلَى سَاقٍ ، قَدْرُ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْمُجِدُّ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ فِي كُلِّ نَوَاحِيهَا . قَالَ : فَيَخْرُجُ إِلَيْهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ ، أَهْلُ الْغُرَفِ وَغَيْرُهُمْ ، فَيَتَحَدَّثُونَ فِي ظِلِّهَا ، فَيَشْتَهِي بَعْضُهُمْ ، وَيَذْكُرُ لَهْوَ الدُّنْيَا ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ تَعَالَى رِيحًا مِنَ الْجَنَّةِ ، فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا .

وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ رِوَايَةِ وُهَيْبٍ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا " . قَالَ : فَحَدَّثْتُ بِهِ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيَّ ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا " .

[ ص: 306 ] وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " ، مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [ الْوَاقِعَةِ : 30 ] . قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا " .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مَائَةَ سَنَةٍ " . اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : وَظِلٍّ مَمْدُودٍ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَابُ قَوْسٍ أَوْ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ " .

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ فُلَيْحٍ .

وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ لَا يَقْطَعُهَا " .

[ ص: 307 ] طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي يُونُسَ سُلَيْمِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ ، وَإِنَّ وَرَقَهَا لَيُخَمِّرُ الْجَنَّةَ " .

طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ " .

طَرِيقٌ أُخْرَى : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا "

=شَجَرَةُ الْخُلْدِ

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَحَجَّاجٌ ، قَالَا : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، سَمِعْتُ أَبَا الضَّحَّاكِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ فِي [ ص: 308 ] الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا سَبْعِينَ - أَوْ مِائَةَ - سَنَةٍ هِيَ شَجَرَةُ الْخُلْدِ "

=شَجَرَةُ طُوبَى

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ زَيْدٍ الْبِكَالِيِّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ يَقُولُ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَوْضِ ، وَذَكَرَ الْجَنَّةَ ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : فِيهَا فَاكِهَةٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، وَفِيهَا شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى " . فَذَكَرَ شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ ، قَالَ : أَيَّ شَجَرِ أَرْضِنَا تُشْبِهُ ؟ قَالَ : " لَيْسَتْ تُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ شَجَرِ أَرْضِكَ " . ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَيْتَ الشَّامَ ؟ " قَالَ : لَا . قَالَ : " تُشْبِهُ شَجَرَةً بِالشَّامِ تُدْعَى الْجَوْزَةَ ، تَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ وَاحِدٍ ، وَيَنْفَرِشُ أَعْلَاهَا " . قَالَ : مَا عِظَمُ أَصْلِهَا ؟ قَالَ : " لَوِ ارْتَحَلْتَ جَذَعَةً مِنْ إِبِلِ أَهْلِكَ مَا أَحَطْتَ بِأَصْلِهَا ، حَتَّى تَنْكَسِرَ تَرْقُوَتُهَا هَرَمًا " . قَالَ : فِيهَا عِنَبٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالَ : فَمَا عِظَمُ الْعُنْقُودِ ؟ قَالَ : " مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْغُرَابِ الْأَبْقَعِ يَطِيرُ ، وَلَا يَفْتُرُ " . قَالَ : فَمَا عِظَمُ الْحَبَّةِ ؟ قَالَ : " هَلْ ذَبَحَ أَبُوكَ تَيْسًا مِنْ غَنَمِهِ قَطُّ عَظِيمًا ؟ " قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " فَسَلَخَ إِهَابَهُ فَأَعْطَاهُ أُمَّكَ ، قَالَ : اتَّخِذِي لَنَا مِنْهُ دَلْوًا ؟ " قَالَ : نَعَمْ . قَالَ الْأَعْرَابِيُّ : فَإِنَّ تِلْكَ الْحَبَّةَ لَتُشْبِعُنِي وَأَهْلَ بَيْتِي ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، وَعَامَّةَ عَشِيرَتِكَ " .

[ ص: 309 ] وَقَالَ حَرْمَلَةُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو ، أَنَّ دَرَّاجًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الْهَيْثَمِ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، طُوبَى لِمْنَ رَآكَ وَآمَنَ بِكَ . قَالَ : " طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِيَ " وَطُوبَى ثُمَّ طُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي " . قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا طُوبَى ؟ قَالَ : " شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا "

=سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى

قَالَ تَعَالَى : وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [ النَّجْمِ : 13 - 18 ] . وَذَكَرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " أَنَّهُ غَشِيَهَا نُورُ الرَّبِّ ، جَلَّ جَلَالُهُ ، وَأَنَّهُ غَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ مِثْلُ الْغِرْبَانِ ، يَعْنِي كَثْرَةً ، وَأَنَّهُ غَشِيَهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَغَشِيَتْهَا أَلْوَانٌ مُتَعَدِّدَةٌ ; كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ " ، " مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَنْعَتَهَا " .

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ : " ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ ، وَوَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ [ ص: 310 ] الْفِيَلَةِ ، وَإِذَا يَخْرُجُ مِنْ سَاقِهَا نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ ، وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ ، فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذَا ؟ قَالَ : أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ " .

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى ، فَقَالَ : " يَسِيرُ فِي ظِلِّ الْفَنَنِ مِنْهَا الرَّاكِبُ مِائَةَ سَنَةٍ " . أَوْ قَالَ : " يَسْتَظِلُّ فِي ظِلِّ الْفَنَنِ مِنْهَا مِائَةُ رَاكِبٍ ، فِيهَا فَرَاشُ الذَّهَبِ ، كَأَنَّ ثَمَرَهَا الْقِلَالُ " .

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيَنْفَعُنَا بِالْأَعْرَابِ وَمَسَائِلِهِمْ . قَالَ : أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ يَوْمًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً مُؤْذِيَةً ، وَمَا كُنْتُ أَرَى فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً تُؤْذِي صَاحِبَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَمَا هِيَ ؟ " قَالَ : السِّدْرُ ، فَإِنَّ لَهُ شَوْكًا مُؤْذِيًا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [ الْوَاقِعَةِ : 28 ] خَضَدَ اللَّهُ تَعَالَى شَوْكَهُ ، فَجَعَلَ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ ثَمَرَةً ، فَإِنَّهَا [ ص: 311 ] لَتُنْبِتُ ثَمَرًا تَفَتَّقُ الثَّمَرَةُ مِنْهَا عَنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لَوْنًا مِنْ طَعَامٍ ، مَا فِيهِ لَوْنٌ يُشْبِهُ الْآخَرَ " .

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ ; فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ ، حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَسْمَعُكَ تَذْكُرُ شَجَرَةً فِي الْجَنَّةِ لَا أَعْلَمُ شَجَرَةً أَكْثَرَ شَوْكًا مِنْهَا - يَعْنِي الطَّلْحَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خُضِدَ شَوْكُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ مِنْهَا ثَمَرَةً مِثْلَ خُصْوَةِ التَّيْسِ الْمَلْبُودِ ، فِيهَا سَبْعُونَ لَوْنًا مِنَ الطَّعَامِ ، لَا يُشْبِهُ لَوْنٌ آخَرَ " . الْمَلْبُودُ هُوَ الَّذِي قَدْ تَلَبَّدَ صُوفُهُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ .

=فَصْلٌ ( غِرَاسُ الْجَنَّةِ )

رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ ، [ ص: 312 ] وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ ، عَذْبَةُ الْمَاءِ ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ " . ثُمَّ قَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ .

وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا ، فَقَالَ : " أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ مِنْ هَذَا ؟ سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَهَ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، يُغْرَسُ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ " .

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ . غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ " . ثُمَّ قَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ

=فَصْلٌ فِي ثِمَارِ الْجَنَّةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فِيِهَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ [ الرَّحْمَنِ : 68 ] . وَقَالَ : فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [ الرَّحْمَنِ : 52 ] . وَقَالَ : وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [ الرَّحْمَنِ : 54 ] . أَيْ : قَرِيبٌ مِنَ الْمُتَنَاوَلِ ، كَمَا قَالَ : وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا [ الْإِنْسَانِ : 14 ] ، وَقَالَ : وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ [ ص: 313 ] [ الْوَاقِعَةِ : 27 - 33 ] . أَيْ : لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا فِي زَمَنٍ مِنَ الْأَزْمَانِ ، بَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ أَوَانٍ وَزَمَانٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا [ الرَّعْدِ : 35 ] . أَيْ : لَا يَسْقُطُ وَرَقُ أَشْجَارِهَا ، أَيْ : لَيْسَتْ كَالدُّنْيَا الَّتِي تَأْتِي ثِمَارُهَا فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ دُونَ بَعْضٍ ، وَيَسْقُطُ أَوْرَاقُ أَشْجَارِهَا فِي بَعْضِ الْفُصُولِ ، وَتُفْقَدُ ثِمَارُهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ ، وَتَكْتَسِي أَشْجَارُهَا الْأَوْرَاقَ فِي وَقْتٍ وَتَعْرَى فِي آخَرَ ، بَلِ الثَّمَرُ وَالظِّلُّ دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ ، سَهْلُ التَّنَاوُلِ ، قَرِيبُ الْمُجْتَنَى ، كَمَا قَالَ : وَلَا مَمْنُوعَةٍ . أَيْ : لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ أَرَادَهَا كَيْفَ شَاءَ ، وَلَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ وَلَا مَاءٌ ، بَلْ مَنْ أَرَادَهَا فَهِيَ مَوْجُودَةٌ سَهْلَةٌ قَرِيبَةٌ ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ فِي أَعْلَى الشَّجَرَةِ فَأَرَادَهَا الْمُؤْمِنُ ; تَدَلَّتْ إِلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذَهَا ، وَاقْتَرَبَتْ مِنْهُ ، وَتَذَلَّلَتْ لَدَيْهِ .

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ : وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا . أَيْ : أُدْنِيَتْ حَتَّى يَتَنَاوَلَهَا الْمُؤْمِنُ وَهُوَ نَائِمٌ . وَقَالَ تَعَالَى : وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا [ الْبَقَرَةِ : 25 ] . وَقَالَ تَعَالَى : وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ [ الْمُرْسَلَاتِ : 42 ] . وَقَالَ : يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ [ الدُّخَانِ : 55 ] .

وَقَدْ سَبَقَ فِيمَا أَوْرَدْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ تُرْبَةَ الْجَنَّةِ مِسْكٌ وَزَعْفَرَانٌ ، وَأَنَّ مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلَّا سَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ ، فَإِذَا كَانَتِ التُّرْبَةُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ ، [ ص: 314 ] وَالْأُصُولُ الثَّابِتَةُ فِيهَا مِنَ الذَّهَبِ ، فَمَا الظَّنُّ بِمَا يَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا مِنَ الثِّمَارِ الرَّائِقَةِ النَّضِيجَةِ الْأَنِيقَةِ ، الَّتِي لَيْسَ فِيهَا عَجَمٌ ، وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِنْهَا إِلَّا الْأَسْمَاءُ ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا الْأَسْمَاءُ . وَإِذَا كَانَ السِّدْرُ الَّذِي فِي الدُّنْيَا ، وَهُوَ لَا يُثْمِرُ إِلَّا ثَمَرَةً ضَعِيفَةً ، وَهَى النَّبْقُ ، وَفِيهِ شَوْكٌ كَثِيرٌ وَالطَّلْحُ الَّذِي لَا يُرَادُ مِنْهُ إِلَّا الظِّلُّ فِي الدُّنْيَا ، يَكُونَانِ فِي الْجَنَّةِ فِي غَايَةِ كَثْرَةِ الثِّمَارِ وَحُسْنِهَا ، حَتَّى إِنَّ الثَّمَرَةَ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا تَتَفَتَّقُ عَنْ سَبْعِينَ نَوْعًا مِنَ الطُّعُومِ وَالْأَلْوَانِ ، الَّتِي لَا يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا - فَمَا الظَّنُّ بِثِمَارِ الْأَشْجَارِ الَّتِي تَكُونُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةَ الثِّمَارِ ، طَيِّبَةَ الرَّائِحَةِ ، سَهْلَةَ التَّنَاوُلِ ; كَالتُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ وَالدُّرَّاقِنِ وَالنَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ; بَلْ مَا الظَّنُّ بِأَنْوَاعِ الرَّيَاحِينِ وَالْأَزَاهِيرِ! وَبِالْجُمْلَةِ : فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، نَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ .

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ . فَقَالَ : " إِنِّي رَأَيْتُ - أَوْ : أُرِيتُ - الْجَنَّةَ ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا ، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا " .

[ ص: 315 ] وَفِي " الْمُسْنَدِ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، فَقَالَ : " إِنَّهُ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَمَا فِيهَا مِنَ الزَّهْرَةِ وَالنُّضْرَةِ ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ لِآتِيَكُمْ بِهِ ، فَحِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، وَلَوْ أَتَيْتُكُمْ بِهِ لَأَكَلَ مِنْهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، لَا يَنْقُصُونَهُ " .

وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ شَاهِدٌ لِذَلِكَ ، وَتَقَدَّمَ فِي " الْمُسْنَدِ " عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَنَّةِ : فِيهَا عِنَبٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالَ : فَمَا عِظَمُ الْعُنْقُودِ ؟ قَالَ : " مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْغُرَابِ الْأَبْقَعِ يَطِيرُ ، وَلَا يَفْتُرُ " .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ، حَدَّثَنَا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا نَزَعَ ثَمَرَةً مِنَ الْجَنَّةِ عَادَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى " . قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ : عَبَّادٌ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ [ ص: 316 ] الْعَمِّيُّ ، حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنُ عُلَيَّةَ ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ ، عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ عَلَّمَهُ صَنْعَةَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَزَوَّدَهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ ; فَثِمَارُكُمْ هَذِهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ ، غَيْرَ أَنَّهَا تَغَيَّرُ ، وَتِلْكَ لَا تَغَيَّرُ " .
=24فَصْلٌ ( فِي طَيْرِ الْجَنَّةِ )

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [ الْوَاقِعَةِ : 20 ، 21 ] .

قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّكَ لَتَنْظُرُ إِلَى الطَّيْرِ فِي الْجَنَّةِ فَتَشْتَهِيهِ ، فَيَخِرُّ بَيْنَ يَدَيْكَ مَشْوِيًّا " .

وَفِي التِّرْمِذِيِّ ، وَحَسَّنَهُ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَوْثَرِ ، فَقَالَ : " نَهَرٌ أَعْطَانِيهِ رَبِّي ، عَزَّ وَجَلَّ ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، فِيهِ طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ " . وَقَدْ تَقَدَّمَ . [ ص: 317 ] وَفِي " تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ " ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ ، تَصْطَفُّ بَيْنَ يَدَيْ وَلِيِّ اللَّهِ ، فَيَقُولُ أَحَدُهَا : يَا وَلِيَّ اللَّهِ ، رَعَيْتُ فِي مُرُوجٍ تَحْتَ الْعَرْشِ ، وَشَرِبْتُ مِنْ عُيُونِ التَّسْنِيمِ ، فَكُلْ مِنِّي . فَلَا يَزَالُ يَفْتَخِرُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، حَتَّى يَخْطِرَ عَلَى قَلْبِهِ أَكْلُ أَحَدِهَا ، فَتَخِرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى أَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ ، فَيَأْكُلُ مِنْهَا مَا أَرَادَ ، فَإِذَا شَبِعَ مِنْهَا تَجْتَمِعُ عِظَامُ ذَلِكَ الطَّائِرِ ، الَّذِي أَكَلَهُ ، ثُمَّ يَطِيرُ يَرْعَى فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَ " . فَقَالَ عُمَرُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنَّهَا لَنَاعِمَةٌ . فَقَالَ : " آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا " . غَرِيبٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

=25ذِكْرُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَأَكْلِهِمْ فِيهَا وَشُرْبِهِمْ نَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [ الْحَاقَّةِ : 24 ] . وَقَالَ : وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [ مَرْيَمَ : 62 ] . وَقَالَ تَعَالَى : أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا [ الرَّعْدِ : 35 ] . وَقَالَ : وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [ الْوَاقِعَةِ : 20 ، 21 ] . وَقَالَ [ ص: 318 ] تَعَالَى : يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [ الزُّخْرُفِ : 71 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا [ الْإِنْسَانِ : 5 ، 6 ] . وَقَالَ تَعَالَى : وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا [ الْإِنْسَانِ : 15 ، 16 ] . أَيْ : فِي صَفَاءِ الزُّجَاجِ ، وَهِيَ مِنْ فِضَّةٍ ، وَهَذَا مَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ عَلَى قَدْرِ كِفَايَةِ وَلِيِّ اللَّهِ فِي مَشْرَبِهِ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ وَالشَّرَفِ . وَقَالَ تَعَالَى : كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا [ الْبَقَرَةِ : 25 ] أَيْ : كُلَّمَا جَاءَهُمُ الْخَدَمُ بِشَيْءٍ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ وَغَيْرِهِ حَسِبُوهُ الَّذِي أُتُوا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ ، لِمُشَابَهَتِهِ لَهُ فِي الظَّاهِرِ ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ خِلَافُهُ ، فَتَشَابَهَتِ الْأَشْكَالُ ، وَاخْتَلَفَتِ الْحَقَائِقُ وَالطُّعُومُ وَالرَّوَائِحُ .

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا حَسَنٌ ، حَدَّثَنَا سُكَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الْأَشْعَثُ الضَّرِيرُ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ، إِنَّ لَهُ لَسَبْعَ دَرَجَاتٍ ، وَهُوَ عَلَى السَّادِسَةِ ، وَفَوْقَهُ السَّابِعَةُ ، وَإِنَّ لَهُ لَثَلَاثَمِائَةِ خَادِمٍ ، وَيُغْدَى عَلَيْهِ وَيُرَاحُ كُلَّ [ ص: 319 ] يَوْمٍ بِثَلَاثِمِائَةِ صَحْفَةٍ - وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ : مِنْ ذَهَبٍ - فِي كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى ، وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلَهُ كَمَا يَلَذُّ آخِرَهُ ، وَمِنَ الْأَشْرِبَةِ ثَلَاثُمِائَةِ إِنَاءٍ ، وَفِي كُلِّ إِنَاءٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْآخَرِ ، وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلَهُ ، كَمَا يَلَذُّ آخِرَهُ ، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، لَوْ أَذِنْتَ لِي لَأَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ ، وَسَقَيْتُهُمْ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِي شَيْئًا ، وَإِنَّ لَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَيَأْخُذُ مَقْعَدُهَا قَدْرَ مِيلٍ مِنَ الْأَرْضِ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ ، وَهُوَ غَرِيبٌ ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ ، وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ .

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : ثَنَا يَعْمَرُ بْنُ بِشْرٍ ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، ثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْجَنَبِيِّ أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَفَرَغَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْخَلْقِ ، فَيَبْقَى رَجُلَانِ ، فَيُؤْمَرُ بِهِمَا إِلَى النَّارِ ، فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمَا ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ تَعَالَى : رُدُّوهُ . فَيَرُدُّونَهُ ، فَيَقُولُ : لِمَ الْتَفَتَّ ؟ قَالَ : كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ " . قَالَ : " فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ . فَيَقُولُ : لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، حَتَّى لَوْ أَنِّي أَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي شَيْئًا " . قَالَ : فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَهُ يُرَى السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ .

[ ص: 320 ] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ ؟ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : إِنْ أَقَرَّ لِي بِهَذَا خَصَمْتُهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَلَى ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ " . قَالَ : فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ ؟ ! قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " حَاجَةُ أَحَدِهِمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ مِثْلُ رِيحِ الْمِسْكِ ، فَإِذَا الْبَطْنُ قَدْ ضَمُرَ " . ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ ثُمَامَةَ ، سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ ، فَذَكَرَهُ .

وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، بِهِ ، وَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، فَذَكَرَهُ ، وَعِنْدَهُ : قَالَ الْيَهُودِيُّ : فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ أَذًى . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَكُونُ حَاجَةُ أَحَدِهِمْ رَشْحًا يَفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ كَرَشْحِ الْمِسْكِ ، فَيَضْمُرُ بَطْنُهُ " .

قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ : وَهَذَا عِنْدِي عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ; لِأَنَّ ثُمَامَةَ ثِقَةٌ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ .

[ ص: 321 ] حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ ، وَلَا يَبُولُونَ ، وَلَا يَتَمَخَّطُونَ ، وَلَا يَبْزُقُونَ ، طَعَامُهُمْ جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ " .

وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، فَذَكَرَهُ . قَالُوا : فَمَا بَالُ الطَّعَامِ ؟ قَالَ : " جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ " .

وَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، فَذَكَرَهُ ، وَقَالَ : " طَعَامُهُمْ ذَلِكَ جُشَاءٌ كَرِيحِ الْمِسْكِ ، وَيُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّكْبِيرَ ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ " .

طَرِيقٌ ثَالِثَةٌ عَنْ جَابِرٍ : قَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ مَاعِزٍ التَّمِيمِيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، [ ص: 322 ] وَيَشْرَبُونَ ، وَلَا يَبُولُونَ فِيهَا ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ ، وَلَا يَتَنَخَّمُونَ ، إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ جُشَاءً وَرَشْحًا كَرَشْحِ الْمِسْكِ ، وَيُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ " .

طَرِيقٌ رَابِعَةٌ عَنْ جَابِرٍ : قَالَ الْبَزَّارُ : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ ، وَهُوَ يُعْرَفُ بِعَبْدَانَ ، حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ ، وَلَا يَمْتَخِطُونَ ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ ، يَكُونُ طَعَامُهُمْ وَشَرَابُهُمْ جُشَاءً كَرِيحِ الْمِسْكِ " . ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ : وَيُرْوَى هَذَا عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ ، وَلَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ مِنْهُ ، وَسَمَاعُهُ مِنْ أَبِي صَالِحٍ صَحِيحٌ

=26أَحَادِيثُ أُخَرُ شَتَّى : قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّكَ لَتَنْظُرُ إِلَى الطَّيْرِ فَتَشْتَهِيهِ ، فَيَخِرُّ بَيْنَ يَدَيْكَ مَشْوِيًّا " . وَقَالَ : الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ فُلَيْحٍ ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا وَهُوَ يُحَدِّثُ ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ : " إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ ، عَزَّ [ ص: 323 ] وَجَلَّ ، فِي الزَّرْعِ ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ سُبْحَانَهُ : أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ ؟ قَالَ : بَلَى ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ " . قَالَ : " فَبَذَرَ ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ " . قَالَ : " فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : دُونَكَ يَا بْنَ آدَمَ ، فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ " . قَالَ : فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَاللَّهِ مَا تَجِدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا ; فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِهِ . قَالَ : فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو ، بِهِ .

=27ذِكْرُ أَوَّلِ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ

رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ - عَنْ أَشْيَاءَ ، مِنْهَا : وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ : " زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ " .

وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أَسْمَاءَ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، أَنَّ يَهُودِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : " زِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ " . قَالَ : فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا ؟ قَالَ : " يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي يَأْكُلُ [ ص: 324 ] مِنْ أَطْرَافِهَا " . قَالَ : فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : " مِنْ عَيْنٍ تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا " . قَالَ : صَدَقْتَ .

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً ، يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَتَكَفَّأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ ، نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ " . فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ ، فَقَالَ : بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : " بَلَى " . قَالَ : تَكُونُ الْأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ . ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ ؟ قَالَ : " بَلَى " . قَالَ : إِدَامُهُمْ بَالَامُ وَنُونٌ . قَالَ : " وَمَا هَذَا ؟ " قَالَ : ثَوْرٌ وَنُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زِيَادَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا .

وَقَالَ الْأَعْمَشُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُوُمٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ [ الْمُطَفِّفِينَ : 25 ، 26 ] . قَالَ : الرَّحِيقُ الْخَمْرُ ، مَخْتُومٌ يَجِدُونَ عَاقِبَتَهَا رِيحَ الْمِسْكِ .

وَقَالَ سُفْيَانُ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ [ الْمُطَفِّفِينَ : 27 ] . قَالَ : التَّسْنِيمُ أَشْرَفُ شَرَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، يَشْرَبُهُ الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا ، وَيُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِيِنِ .

[ ص: 325 ] قُلْتُ : وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ خَمْرَ الْجَنَّةِ بِصِفَاتٍ جَمِيلَةٍ حَسَنَةٍ لَيْسَتْ فِي خُمُورِ الدُّنْيَا الْقَذِرَةِ ، فَذَكَرَ أَنَّهَا أَنْهَارٌ جَارِيَةٌ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [ مُحَمَّدٍ : 15 ] . فَهِيَ أَنْهَارٌ جَارِيَةٌ مُسْتَمَدَّةٌ مِنْ عُيُونٍ تَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ جِبَالِ الْمِسْكِ ، وَلَيْسَتْ مُعْتَصَرَةً بِأَرْجُلِ الرِّجَالِ الْأَرَاذِلِ فِي أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ ، وَذَكَرَ أَنَّهَا لَذَّةٌ لِلشَّارِبِينَ ، وَلَيْسَتْ كَخَمْرِ الدُّنْيَا مِنْ كَرَاهَةِ الطَّعْمِ ، وَسُوءِ الْفِعْلِ فِي الْعَقْلِ ، وَمَغْصِ الْبَطْنِ ، وَصُدَاعِ الرَّأْسِ ، فَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَنَزَّهَ خَمْرَهَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ [ الصَّافَّاتِ : 45 - 47 ] . " بَيْضَاءَ " أَيْ حَسَنَةِ الْمَنْظَرِ ، لَذَّةٍ : طَيِّبَةِ الطَّعْمِ ، لَا فِيهَا غَوْلٌ الْغَوْلُ : وَجَعُ الْبَطْنِ ، وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ أَيْ : لَا تُذْهِبُ عُقُولَهُمْ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْخَمْرِ إِنَّمَا هُوَ اللَّذَّةُ الْمُطْرِبَةُ ، وَهِيَ الْحَالَةُ الْمُبْهِجَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا سُرُورُ النَّفْسِ ، وَهَذَا حَاصِلٌ كَامِلٌ تَامٌّ فِي خَمْرِ الْجَنَّةِ ، فَأَمَّا ذَهَابُ الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَبْقَى شَارِبُهَا كَالْحَيَوَانِ وَالْمَجْنُونِ ، فَهَذَا نَقْصٌ إِنَّمَا يَنْشَأُ عَنْ خَمْرِ الدُّنْيَا ، فَأَمَّا خَمْرُ الْجَنَّةِ فَلَا تُحْدِثُ لِشَارِبِهَا شَيْئًا مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا تُحْدِثُ السُّرُورَ وَالِابْتِهَاجَ ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ أَيْ : تُنْزَفُ عُقُولُهُمْ ، فَتَذْهَبُ بِالْكُلِّيَّةِ بِسَبَبِ شُرْبِهَا .

وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ [ الْوَاقِعَةِ : 17 - 19 ] . أَيْ : لَا [ ص: 326 ] تُورِثُ لَهُمْ صُدَاعًا فِي رُءُوسِهِمْ ، وَلَا تُنْزِفُ عُقُولَهُمْ .

وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ [ الْمُطَفِّفِينَ : 25 - 28 ] .

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : إِنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَجْتَمِعُونَ عَلَى شَرَابِهِمْ كَمَا يَجْتَمِعُ أَهْلُ الدُّنْيَا ، فَتَمُرُّ بِهِمُ السَّحَابَةُ ، فَتَقُولُ : مَا تُرِيدُونَ أَنْ أُمْطِرَكُمْ فَلَا يَشَاءُونَ شَيْئًا إِلَّا أَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : أَمْطِرِينَا كَوَاعِبَ أَتْرَابًا . فَتُمْطِرُهُمْ كَوَاعِبَ أَتْرَابًا .

وَتَقَدَّمَ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ شَجَرَةِ طُوبَى ، فَيَذْكُرُونَ لَهْوَ الدُّنْيَا ، وَهُوَ الطَّرَبُ ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا مِنَ الْجَنَّةِ ، فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا ، وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ : إِنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَجْتَازُونَ ، وَهُمْ رُكْبَانٌ سَائِرُونَ صَفًّا وَاحِدًا ، فَلَا يَمُرُّونَ بِشَجَرَةٍ مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ إِلَّا تَنَحَّتْ عَنْ طَرِيقِهِمْ ، لِئَلَّا تَثْلَمَ صَفَّهُمْ وَتُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ وَأَتْحَفَتْهُمْ مِنْ ثَمَرِهَا . وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَرَحْمَتِهِ بِهِمْ ، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ : رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [ الْإِنْسَانِ : 20 ] .

[ ص: 327 ] وَالْأَكْوَابُ هِيَ الْكِيزَانُ الَّتِي لَا عُرَى لَهَا وَلَا خَرَاطِيمَ ، وَالْأَبَارِيقُ بِخِلَافِهَا لَهَا عُرًى وَخَرَاطِيمُ ، وَالْكَأْسُ هُوَ الْقَدَحُ فِيهِ الشَّرَابُ ، وَقَالَ تَعَالَى : وَكَأْسًا دِهَاقًا [ النَّبَأِ : 34 ] . أَيْ مَلْأَى مُتْرَعَةً ، لَيْسَ فِيهَا نَقْصٌ ، لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا [ النَّبَأِ : 35 ] . أَيْ لَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ ، عَلَى شَرَابِهِمْ ، شَيْءٌ مِنَ اللَّغْوِ ، وَهُوَ الْكَلَامُ السَّاقِطُ التَّافِهُ ، وَلَا تَكْذِيبٌ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا ، كَمَا يَصْدُرُ مِنْ شَرَبَةِ الدُّنْيَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا [ مَرْيَمَ : 62 ] . وَقَالَ : لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا [ الْوَاقِعَةِ : 25 ، 26 ] . وَقَالَ تَعَالَى : لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً [ الْغَاشِيَةِ : 11 ] .

وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ "

=28ذِكْرُ لِبَاسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيهَا وحِلْيَتِهِمْ وَصِفَاتِ ثِيَابِهِمْ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ [ الْإِنْسَانِ : 21 ] وَقَالَ تَعَالَى : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [ فَاطِرٍ : 33 ] وَقَالَ تَعَالَى يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ [ الْكَهْفِ : 31 ] [ ص: 328 ] وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ " .

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : الْحُلِيُّ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الرِّجَالِ أَحْسَنُ مِنْهُ عَلَى النِّسَاءِ .

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ حَدَّثَهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَدَّثَهُمْ ، وَذَكَرَ حُلِيَّ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ : " مُسَوَّرُونَ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ ، مُكَلَّلُونَ بِالدُّرِّ ، عَلَيْهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ دُرٍّ وَيَاقُوتٍ مُتَوَاصِلَةٌ ، وَعَلَيْهِمْ تَاجٌ كَتَاجِ الْمُلُوكِ ، شَبَابٌ جُرْدٌ مُكَحَّلُونَ " .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ ، فَبَدَا سِوَارُهُ لَطَمَسَ ضَوْءَ الشَّمْسِ ، كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ " .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ ، أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ [ ص: 329 ] ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ يَنْعَمْ ، لَا يَبْأَسُ وَلَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ ، فِي الْجَنَّةِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذْنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ " .

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ إِلَى قَوْلِهِ : " لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ " .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ خِلَاسٍ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لِلْمُؤْمِنِ زَوْجَتَانِ - يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهِمَا " .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَسَوِيُّ قَالَا : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ ضَوْءُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى لَوْنِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ لُحُومِهِمَا وَحُلَلِهِمَا كَمَا يُرَى الشَّرَابُ الْأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ " . قَالَ الضِّيَاءُ : هَذَا عِنْدِي عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ .

[ ص: 330 ] وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا الْخَزْرَجُ بْنُ عُثْمَانَ السَّعْدِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ ، مَوْلًى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قِيدُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ، وَمِثْلِهَا مَعَهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا ، وَلَنَصِيفُ امْرَأَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا ، وَمِثْلِهَا مَعَهَا " . قَالَ : قُلْتُ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، وَمَا النَّصِيفُ ؟ قَالَ : الْخِمَارُ .

قُلْتُ : الْخَزْرَجُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ تَكَلَّمُوا فِيهِ ، وَلَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ فِي " الصَّحِيحِ " ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ : " وَلَنَصِيفُهَا - يَعْنِي خِمَارَهَا - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " .

وَقَالَ حَرْمَلَةُ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَنَّةِ لَيَتَّكِئُ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ ، ثُمَّ تَأْتِيهِ امْرَأَةٌ فَتَضْرِبُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، فَيَنْظُرُ وَجْهَهُ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، فَيَرُدُّ السَّلَامَ وَيَسْأَلُهَا : مَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا الْمَزِيدُ . وَإِنَّهُ لَيَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا أَدْنَاهَا مِثْلُ النُّعْمَانِ مِنْ طُوبَى ، فَيُنْفِذُهَا بَصَرَهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ ، وَإِنَّ عَلَيْهِمُ التِّيجَانَ ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ [ ص: 331 ] عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " .

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ حَسَنٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ دَرَّاجٍ بِهِ بِطُولِهِ .

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَهُ : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ [ فَاطِرٍ : 33 ] . فَقَالَ : " إِنَّ عَلَيْهِمُ التِّيجَانَ ، إِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ مِنْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمُشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " .

وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْهُ ذِكْرَ التِّيجَانِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ .

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ حَنَانِ بْنِ خَارِجَةَ السُّلَمِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنَا عَنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ; خَلْقًا تُخْلَقُ أَمْ نَسْجًا تُنْسَجُ ؟ فَضَحِكَ بَعْضُ الْقَوْمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مِمَّ تَضْحَكُونَ ؟ مِنْ جَاهِلٍ يَسْأَلُ عَالِمًا " ؟ ! ثُمَّ أَكَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : " أَيْنَ السَّائِلُ ؟ " قَالَ : هَا هُوَ ذَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : " لَا ، بَلْ تَشَقَّقُ عَنْهَا ثَمَرُ الْجَنَّةِ " . ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا : عَنْ أَبِي كَامِلٍ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلَاثَةَ الْقَاصِّ [ ص: 332 ] أَبِي سَهْلٍ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنِ الْفَرَزْدَقِ بْنِ حَنَانٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ .

وَفِي حَدِيثِ دَرَّاجٍ ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا طُوبَى ؟ قَالَ : " شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا " .

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يُوسُفَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْأَسْوَدِ ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا انْطُلِقَ بِهِ إِلَى طُوبَى ، فَتَفَتَّحُ لَهُ أَكْمَامُهَا عَنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ يَأْخُذُ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ شَاءَ إِنْ شَاءَ أَبْيَضَ وَإِنْ شَاءَ أَحْمَرَ ، وَإِنْ شَاءَ أَخْضَرَ ، وَإِنْ شَاءَ أَصْفَرَ ، وَأَنْ شَاءَ أَسْوَدَ ، مِثْلَ شَقَائِقِ النُّعْمَانِ ، وَأَرَقُّ ، وَأَحْسَنُ " . غَرِيبٌ حَسَنٌ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ بَارِقٍ الْحَنَفِيُّ ، عَنْ خَالِهِ الزُّمَيْلِ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ قَالَ : قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ : مَا حُلَلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : فِيهَا شَجَرَةٌ فِيهَا ثَمَرٌ كَأَنَّهُ الرُّمَّانُ ، فَإِذَا أَرَادَ وَلِيُّ اللَّهِ كِسْوَةً انْحَدَرَتْ إِلَيْهِ مِنْ غُصْنِهَا ، فَانْفَلَقَتْ عَنْ سَبْعِينَ حُلَّةً ، أَلْوَانًا بَعْدَ أَلْوَانٍ ، ثُمَّ تَنْطَبِقُ فَتَرْجِعُ [ ص: 333 ] كَمَا كَانَتْ . وَتَقَدَّمَ عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ ، وَكَرَبُهَا مِنْ ذَهَبٍ أَحْمَرَ ، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ ، مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ .

=29صِفَةُ فُرُشِ أَهْلِ الْجَنَّةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ [ الرَّحْمَنِ : 54 ] . فَإِذَا كَانَتِ الْبَطَائِنُ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ، فَمَا الظَّنُّ بِالظَّهَائِرِ . قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ . وَقَالَ تَعَالَى : وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [ الْوَاقِعَةِ : 34 ] .

وَرَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ دَرَّاجٍ ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ ارْتِفَاعَهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَإِنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ " . ثُمَّ قَالَ : غَرِيبٌ ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ . يَعْنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ دَرَّاجٍ .

قُلْتُ : وَقَدْ رَوَاهُ حَرْمَلَةُ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ . ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ : إِنَّ مَعْنَاهُ الْفُرُشُ فِي الدَّرَجَاتِ ، [ ص: 334 ] وَبَيْنَ الدَّرَجَاتِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ .

قُلْتُ : وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ : وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ . قَالَ : " مَا بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " . وَهَذَا أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا .

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ قَالَ : مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً . يَعْنِي أَنَّ الْفُرُشَ فِي كُلِّ مَحَلٍّ وَمَوْطِنٍ مَوْجُودَةٌ مُهَيَّأَةٌ لِاحْتِمَالِ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [ الْغَاشِيَةِ : 12 - 16 ] . أَيِ النَّمَارِقُ وَهِيَ الْمَخَادُّ مَصْفُوفَةٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَلِيقُ بِهَا ، لِاحْتِمَالِ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَكَذَا الزَّرَابِيُّ ، وَهِيَ الْبُسُطُ الْجِيَادُ الْمُفْتَخَرَةُ مَبْثُوثَةٌ هَاهُنَا ، وَهَاهُنَا فِي أَمَاكِنِ الْمُسْتَنْزَهَاتِ مِنَ الْجَنَّةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ [ الرَّحْمَنِ : 76 ] وَالْعَبَاقِرِيُّ : هِيَ عِتَاقُ الْبُسُطِ ، أَيْ جِيَادُهَا وَخِيَارُهَا وَحِسَانُهَا وَهِيَ بُسُطُ الْجَنَّةِ لَا الدُّنْيَا ، وَقَدْ خُوطِبَ الْعَرَبُ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ ، وَفِي الْجَنَّةِ مَا هُوَ أَحْسَنُ وَأَجْمَلُ وَأَبْهَى وَأَسْنَى وَأَعْظَمُ مِمَّا فِي النُّفُوسِ ، وَأَجَلُّ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَنَوْعٍ مِنْ أَصْنَافِ الْمَلَاذِّ [ ص: 335 ] وَأَجْنَاسِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا ، وَأَلَذُّ فِي الْمَنَاظِرِ وَالنُّفُوسِ .

وَالنَّمَارِقُ : جَمْعُ نُمْرُقَةٍ بِضَمِّ النُّونِ ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا ، وَهِيَ الْوَسَائِدُ ، وَقِيلَ : الْمَسَانِدُ . وَقَدْ يَعُمُّهَا اللَّفْظُ ، وَالزَّرَابِيُّ : الْبُسُطُ . وَالرَّفْرَفُ قِيلَ : رِيَاضُ الْجَنَّةِ وَمَا يَكُونُ عَلَى شَاطِئِ الْأَنْهَارِ مِنَ النَّبَاتِ وَالْأَزْهَارِ . وَقِيلَ : ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ . وَالْعَبْقَرِيُّ : جِيَادُ الْبُسُطِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

=30صِفَةُ الْحُورِ الْعِينِ ، وَبَنَاتِ آدَمَ وَشَرَفِهِنَّ وَفَضْلِهِنَّ عَلَيْهِنَّ ، وَكَمْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ [ الرَّحْمَنِ : 56 - 57 ] . وَقَالَ تَعَالَى : فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [ الرَّحْمَنِ : 70 - 72 ] . وَقَالَ تَعَالَى : وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَجٌ مُطَهَّرَةٌ [ الْبَقَرَةِ : 25 ] . أَيْ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ، وَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ، وَالْبُزَاقِ وَالْمُخَاطِ ، فَلَا يَصْدُرُ مِنْهُنَّ أَذًى أَبَدًا ، وَكَذَلِكَ طَهُرَتْ أَخْلَاقُهُنَّ وَأَلْفَاظُهُنَّ وَقُلُوبُهُنَّ .

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ " . قَالَ : " مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ، وَالنَّجَاسَةِ ، وَالْبُزَاقِ " .

[ ص: 336 ] وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ عِنْدَ قَوْلِهِ : حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ . قَالَ : بَلَغَنَا فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ سَحَابَةً مَطَرَتْ مِنَ الْعَرْشِ ، فَخُلِقْنَ مِنْ قَطَرَاتِ الرَّحْمَةِ ، ثُمَّ ضُرِبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خَيْمَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْأَنْهَارِ ، وَسَعَةُ الْخَيْمَةِ أَرْبَعُونَ مِيلًا ، وَلَيْسَ لَهَا بَابٌ حَتَّى إِذَا حَلَّ وَلِيُّ اللَّهِ بِالْخَيْمَةِ انْصَدَعَتِ الْخَيْمَةُ عَنْ بَابٍ لِيَعْلَمَ وَلِيُّ اللَّهِ أَنَّ أَبْصَارَ الْمَخْلُوقِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَدَمِ لَمْ تَنْظُرْ إِلَيْهَا ، فَهُنَّ مَقْصُورَاتٌ عَنْ إِبْصَارِ الْمَخْلُوقِينَ .

وَقَالَ تَعَالَى : وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ الْوَاقِعَةِ : 22 - 24 ] . وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [ الصَّافَّاتِ : 49 ] . قِيلَ : إِنَّهُ بَيْضُ النَّعَامِ الْمَكْنُونُ فِي الرَّمْلِ ، وَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ أَحْسَنُ أَنْوَاعِ الْبَيْضِ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْبَيْضِ : اللُّؤْلُؤُ قَبْلَ أَنْ يَبْرُزَ مِنْ صَدَفِهِ . وَقَالَ تَعَالَى إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا : [ الْوَاقِعَةِ : 35 - 38 ] . أَيْ : إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ بَعْدَ الْكِبَرِ وَالْعَجْزِ وَالضَّعْفِ فِي الدُّنْيَا ، فَصِرْنَ فِي الْجَنَّةِ شَبَابًا أَبْكَارًا . عُرُبًا : أَيْ مُتَحَبِّبَاتٍ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ الْغَنِجَةُ . وَقِيلَ : الشَّكِلَةُ . وَالْآيَةُ تَعُمُّ هَذَا كُلَّهُ وَأَضْعَافَهُ . أَتْرَابًا أَيْ فِي عُمُرٍ وَاحِدٍ ، لَا يَزِدْنَ وَلَا يَنْقُصْنَ بَلْ هُنَّ فِي سِنٍّ وَاحِدَةٍ .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ الدِّمْيَاطِيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ الْبَيْرُوتِيُّ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أُمِّهِ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : [ ص: 337 ] وَحُورٌ عِينٌ . قَالَ : " حُورٌ : بِيضٌ . عِينٌ : ضِخَامُ الْعُيُونِ ، شُفْرُ الْحَوْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النَّسْرِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ : كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ . قَالَ : " صَفَاؤُهُنَّ صَفَاءُ الدُّرِّ الَّذِي فِي الْأَصْدَافِ الَّذِي لَمَّ تَمَسَّهُ الْأَيْدِي " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ : فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ . قَالَ ؟ " خَيْرَاتُ الْأَخْلَاقِ ، حِسَانُ الْوُجُوهِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ : كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ قَالَ : " رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدِ الَّذِي يَكُونُ فِي دَاخِلِ الْبَيْضَةِ مِمَّا يَلِي الْقِشْرَةَ ، وَهُوَ الْغِرْقِئُ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ : عُرُبًا أَتْرَابًا . قَالَ : " هُنَّ اللَّوَاتِي قُبِضْنَ فِي دَارِ الدُّنْيَا عَجَائِزَ رُمْضًا شُمْطًا ، خَلَقَهُنَّ اللَّهُ بَعْدَ الْكِبَرِ ، فَجَعَلَهُنَّ عَذَارَى ، عُرُبًا : مُتَعَشِّقَاتٍ مُحَبَّبَاتٍ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ ، أَتْرَابًا : عَلَى مِيلَادٍ وَاحِدٍ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ ، أَمِ الْحُورُ الْعِينُ ؟ قَالَ : " بَلْ نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، كَفَضْلِ الظِّهَارَةِ عَلَى الْبِطَانَةِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِمَاذَا ؟ قَالَ : " بِصَلَاتِهِنَّ وَصِيَامِهِنَّ ، وَعِبَادَتِهِنَّ اللَّهَ ، أَلْبَسَ اللَّهُ وُجُوهَهُنَّ النُّورَ ، وَأَجْسَادَهُنَّ الْحَرِيرَ ، بِيضُ الْأَلْوَانِ ، خُضْرُ الثِّيَابِ ، صُفْرُ الْحُلِيِّ ، مَجَامِرُهُنَّ الدُّرُّ ، وَأَمْشَاطُهُنَّ الذَّهَبُ ، يَقُلْنَ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ ، فَلَا نَمُوتُ ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ ، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ أَبَدًا ، أَلَا وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ أَبَدًا ، طُوبَى لِمَنْ كُنَّا لَهُ ، وَكَانَ لَنَا " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْمَرْأَةُ مِنَّا تَتَزَوَّجُ الزَّوْجَيْنِ ، وَالثَّلَاثَةَ ، وَالْأَرْبَعَةَ ، ثُمَّ تَمُوتُ ، فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ . وَيَدْخُلُونَ مَعَهَا ، مَنْ يَكُونُ زَوْجَهَا ؟ قَالَ : " يَا أُمَّ سَلَمَةَ ، إِنَّهَا تُخَيَّرُ [ ص: 338 ] فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا فَتَقُولُ : يَا رَبِّ ، إِنَّ هَذَا كَانَ أَحْسَنَهُمْ مَعِي خُلُقًا فِي دَارِ الدُّنْيَا ، فَزَوِّجْنِيهِ . يَا أُمَّ سَلَمَةَ ، ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ طَارِقٍ ، حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ الْيَسَعِ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَتْهُ عَجُوزٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ . فَقَالَ : " إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ " فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ ، فَقَالَتْ : لَقَدْ لَقِيَتْ مِنْ كَلِمَتِكَ مَشَقَّةً وَشِدَّةً ، فَقَالَ : " إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَدْخَلَهُنَّ الْجَنَّةَ حَوَّلَهُنَّ أَبْكَارًا " .

وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ فِي صِفَةِ دُخُولِ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ ، قَالَ : " فَيَدْخُلُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً ; سَبْعِينَ مِمَّا يُنْشِئُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَثِنْتَيْنِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ ، لَهُمَا فَضْلٌ عَلَى مَنْ أَنْشَأَ اللَّهُ بِعِبَادَتِهِمَا اللَّهَ فِي الدُّنْيَا ، يَدْخُلُ عَلَى الْأُولَى مِنْهُمَا غُرْفَةً مِنْ يَاقُوتَةٍ ، عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ ، مُكَلَّلٍ بِاللُّؤْلُؤِ ، عَلَيْهِ سَبْعُونَ زَوْجًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ، وَإِنَّهُ لَيَضَعُ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى يَدِهِ مِنْ صَدْرِهَا ، مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا ، وَإِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى مُخِّ سَاقِهَا كَمَا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إِلَى السِّلْكِ فِي قَصَبَةِ الْيَاقُوتِ ، كَبِدُهُ لَهَا مِرْآةٌ ، وَكَبِدُهَا لَهُ مِرْآةٌ ، فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَهَا لَا يَمَلُّهَا وَلَا تَمَلُّهُ ، وَلَا يَأْتِيهَا مَرَّةً إِلَّا وَجَدَهَا عَذْرَاءَ مَا يَفْتُرُ ذَكَرُهُ ، وَلَا [ ص: 339 ] يَشْتَكِي قُبُلُهَا ، إِلَّا أَنَّهُ لَا مَنِيَّ وَلَا مَنِيَّةَ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ نُودِيَ : إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا أَنَّكَ لَا تَمَلُّ ، وَلَا تُمَلُّ ، إِلَّا أَنَّ لَكَ أَزْوَاجًا غَيْرَهَا . فَيَخْرُجُ فَيَأْتِيهِنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً ، كُلَّمَا جَاءَ وَاحِدَةً قَالَتْ : وَاللَّهِ مَا فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحْسَنُ مِنْكَ وَمَا فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ " . وَلِهَذَا الْحَدِيثِ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ تَقَدَّمَتْ ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَبِهِ الثِّقَةُ .

وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ الضَّرِيرِ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَإِنَّ لَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَيَأْخُذُ مَقْعَدُهَا قَدْرَ مِيلٍ مِنَ الْأَرْضِ " .

وَقَالَ حَرْمَلَةُ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو ، أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ ، وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً ، وَتُنْصَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ وَيَاقُوتٍ ، كَمَا بَيْنَ الْجَابِيَةِ وَصَنْعَاءَ " .

وَأَسْنَدَهُ أَحْمَدُ عَنْ حَسَنٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ دَرَّاجٍ بِهِ . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ رِشْدِينَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ . [ ص: 340 ] وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيُّ : حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا وَيُزَوَّجُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً; ثِنْتَيْنِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، وَسَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ مِيرَاثِهِ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، لَيْسَ فِيهُنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَلَهَا قُبُلٌ شَهِيٌّ ، وَلَهُ ذَكَرٌ لَا يَنْثَنِي " . وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا ، وَالْمَحْفُوظُ مَا تَقَدَّمَ خِلَافُهُ ، وَهُوَ اثْنَتَانِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ ، وَسَبْعُونَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَخَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ هَذَا تَكَلَّمَ فِيهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا ، وَضَعَّفُوهُ ، وَمِثْلُهُ قَدْ يَغْلَطُ وَلَا يُتْقِنُ .

وَرَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، مِنْ حَدِيثِ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ لَسِتَّ خِصَالٍ ; يُغْفَرُ لَهُ عِنْدَ أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ [ ص: 341 ] الْأَكْبَرِ ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيَشْفَعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ " .

فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " : حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ جَمِيعًا ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ ، وَاللَّفْظُ لِيَعْقُوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ : إِمَّا تَفَاخَرُوا ، وَإِمَّا تَذَاكَرُوا : الرِّجَالُ أَكْثَرُ فِي الْجَنَّةِ أَمِ النِّسَاءُ ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَوَلَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَأِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ " .

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ ، فَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَاتَيْنِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ ، وَلَهُ غَيْرُهُمَا مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ آنِفًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا تُعَارِضُ مَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " : " وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ " إِذْ قَدْ يَكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَأَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ، أَوْ قَدْ يَكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ يَخْرُجُ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهُنَّ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَاتِ ، فَيَصِرْنَ إِلَى الْجَنَّةِ ، حَتَّى يَكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

[ ص: 342 ] وَتَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ ، مِنْ طَرِيقِ خِلَاسٍ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لِلْمُؤْمِنِ زَوْجَتَانِ ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهِمَا " .

وَفِي حَدِيثِ دَرَّاجٍ ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا : " إِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَنَّةِ لَيَتَّكِئُ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ ، ثُمَّ تَأْتِيهِ امْرَأَةٌ فَتَضْرِبُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، فَيَنْظُرُ وَجْهَهُ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، فَيَرُدُّ السَّلَامَ وَيَسْأَلُهَا : مَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا الْمَزِيدُ . وَإِنَّهُ لَيَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْبًا أَدْنَاهَا مِثْلُ النُّعْمَانِ مِنْ طُوبَى ، فَيَنْفُذُهَا بَصَرُهُ ، حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ " . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " الْمُسْنَدِ " .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ ، أَوْ مَوْضِعُ قِدِّهِ - يَعْنِي سَوْطَهُ - مِنَ الْجِنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَلَوِ اطَّلَعَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَى الْأَرْضِ لَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَطَابَ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " .

[ ص: 343 ] وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ ، وَأَبِي إِسْحَاقَ ، كِلَاهُمَا عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، بِمِثْلِهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الْجَنَّةِ ، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ : " وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا ، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا ، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " .

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْجَوْنِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَوْ أَنَّ حَوْرَاءَ أَخْرَجَتْ كَفَّهَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَافْتَتَنَ الْخَلَائِقُ بِحُسْنِهَا ، وَلَوْ أَخْرَجَتْ نَصِيفَهَا لَكَانَتِ الشَّمْسُ عِنْدَ حُسْنِهَا مِثْلَ الْفَتِيلَةِ فِي الشَّمْسِ لَا ضَوْءَ لَهَا ، وَلَوْ أَخْرَجَتْ وَجْهَهَا لَأَضَاءَ حُسْنُهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ .

وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ أَطْلَعَتْ سِوَارَهَا مِنَ الْعَرْشِ لَأَطْفَأَ نُورُ سِوَارِهَا نُورَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، فَكَيْفَ الْمُسَوَّرَةُ ؟ وَإِنَّ أَخْلَقَ ثَوْبٍ تَلْبَسُهُ لَخَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَإِنَّ زَوْجَهَا عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْهَا مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ حَوْرَاءَ يُقَالُ لَهَا : الْعَيْنَاءُ . إِذَا مَشَتْ مَشَى حَوْلَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ وَصِيفٍ ، وَهِيَ تَقُولُ : أَيْنَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ . أَوْرَدَهُمَا الْقُرْطُبِيُّ .

[ ص: 344 ] وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رِشْدِينَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ الْأَنْصَارِيُّ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ ابْنُ بِنْتِ اللَّيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ بِنْتُ يُونُسَ امْرَأَةُ اللَّيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " خُلِقَ الْحُورُ الْعِينُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ " . وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ .

وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ . وَفِي مَرَاسِيلِ عِكْرِمَةَ : إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ لَيَدْعُونَ لِأَزْوَاجِهِنَّ وَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، يَقُلْنَ : اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَى دِينِكَ ، وَأَقْبِلْ بِقَلْبِهِ عَلَى طَاعَتِكَ ، وَبَلِّغْهُ إِلَيْنَا بِعِزَّتِكَ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ " .

وَفِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا : " لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ : لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكِ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا " .

[ ص: 345 ] وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَمْرٍو الضَّبِّيِّ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ . وَفِي " مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ " مِنْ طَرِيقِ مُوسَى الصَّغِيرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حِذْيَمٍ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فِي يَوْمٍ ، فَعَاتَبَتْهُ امْرَأَتُهُ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَوْ أَنَّ حَوْرَاءَ أَطْلَعَتْ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعِهَا لَوَجَدَ رِيحَهَا كُلُّ ذِي رِيحٍ " . ثُمَّ قَالَ : فَأَنَا أَدَعُهُنَّ لَكُنَّ ؟ ! لَا وَاللَّهِ ، لَأَنْتُنَّ أَحَقُّ أَنْ أَدَعَكُنَّ لَهُنُّ .

وَمِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ شَهْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ ، مَرْفُوعًا : " لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَشْرَفَتْ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَمَلَأَتِ الْأَرْضَ رُوحَ مِسْكٍ ، وَلَأَذْهَبَتْ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ "

=31مَا وَرَدَ مِنْ غِنَاءِ الْحُورِ الْعِينِ فِي الْجَنَّةِ

رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ [ ص: 346 ] يَرْفَعْنَ أَصْوَاتًا لَمْ يَسْمَعِ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهَا يَقُلْنَ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ " .

قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَبِي سَعِيدٍ ، وَأَنَسٍ ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ غَرِيبٌ .

وَرَوَى ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ عَوْنِ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنِ ابْنٍ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْحُورَ يُغَنِّينَ فِي الْجَنَّةِ : نَحْنُ الْجَوَارِ الْحِسَانُ ، خُلِقْنَا لِأَزْوَاجٍ كِرَامٍ " .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا أَبُو رِفَاعَةَ عُمَارَةُ بْنُ وَثِيمَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ الْفُرَاتِ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ : نَحْنُ الْخَيْرَاتُ الْحِسَانُ ، أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ ، يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أَعْيَانٍ ، وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ : نَحْنُ [ ص: 347 ] الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُتْنَهْ ، نَحْنُ الْآمِنَاتُ فَلَا نَخَفْنَهْ ، نَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنَّهْ .

وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ : " قِفْ بِي عَلَى الْحُورِ الْعِينِ " . فَأَوْقَفَهُ عَلَيْهِنَّ ، فَقَالَ : " مَنْ أَنْتُنَّ " ؟ قُلْنَ : نَحْنُ جَوَارِي قَوْمٍ حَلُّوا فَلَمْ يَظْعَنُوا ، وَشَبُّوا فَلَمْ يَهْرَمُوا ، وَنُقُّوا فَلَمْ يَدْرَنُوا .

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَمَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ فِي غِنَاءِ الْحُورِ الْعِينِ : وَقَالَتْ عَائِشَةُ : إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ إِذَا قُلْنَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَجَابَهُنَّ الْمُؤْمِنَاتُ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا : نَحْنُ الْمُصَلِّيَاتُ وَمَا صَلَّيْتُنَّ ، وَنَحْنُ الصَّائِمَاتُ وَمَا صُمْتُنَّ ، وَنَحْنُ الْمُتَوَضِّئَاتُ وَمَا تَوَضَّأْتُنَّ ، وَنَحْنُ الْمُتَصَدِّقَاتُ وَمَا تَصَدَّقْتُنَّ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَغَلَبْنَهُنَّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي " التَّذْكِرَةِ " ، وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى كِتَابٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنِ الزُّهْرِيِّ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرًا [ ص: 348 ] حَمْلُهُ اللُّؤْلُؤُ وَالزَّبَرْجَدُ ، تَحْتَهُ جَوَارٍ نَاهِدَاتٌ يَتَغَنَّيْنَ بِالْقُرْآنِ ، يَقُلْنَ : نَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْؤُسُ ، وَنَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ ، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ . فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الشَّجَرُ صَفَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا فَأَجَبْنَ الْجَوَارِيَ . فَلَا يُدْرَى أَأَصْوَاتُ الْجَوَارِي أَحْسَنُ أَمْ أَصْوَاتُ تَصْفِيقِ الشَّجَرِ ؟ ! وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ : فِي صَدْرِ إِحْدَاهُنَّ مَكْتُوبٌ : أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّكَ ، انْتَهَتْ نَفْسِي عِنْدَكَ ، فَلَا تَرَى عَيْنَايَ مِثْلَكَ . وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ يَتَلَقَّيْنَ أَزْوَاجَهُنَّ عِنْدَ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُلْنَ : طَالَ مَا انْتَظَرْنَاكُمْ ، فَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ ، وَالْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ ، وَالْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ . بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ .
=32ذِكْرُ جِمَاعِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِنِسَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ مَنِيٍّ وَلَا أَوْلَادٍ إِلَّا إِنْ شَاءَ أَحَدُهُمُ الْوَلَدَ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [ يس : 55 ، 56 ] .

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ : شُغْلُهُمُ افْتِضَاضُ الْأَبْكَارِ . وَقَالَ تَعَالَى : وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ [ الدُّخَانِ : 54 ] .

[ ص: 349 ] وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ : حَدَّثَنَا عِمْرَانُ - هُوَ ابْنُ دَاوَرَ الْقَطَّانُ - عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُعْطَى الرَّجُلُ فِي الْجَنَّةِ قُوَّةَ كَذَا وَكَذَا مِنَ النِّسَاءِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَيُطِيقُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : " يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ " . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ ، وَقَالَ : صَحِيحٌ غَرِيبٌ .

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَصِلُ ، وَفِي رِوَايَةٍ : هَلْ نُفْضِي فِي الْجَنَّةِ إِلَى نِسَائِنَا ؟ فَقَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفْضِي فِي الْغَدَاةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ " . قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ : هَذَا عِنْدِي عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ .

وَقَالَ الْبَزَّارُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ يَمَسُّ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَزْوَاجَهُمْ ؟ فَقَالَ : " نَعَمْ ، بِذَكَرٍ لَا يَمَلُّ ، وَشَهْوَةٍ لَا تَنْقَطِعُ " .

[ ص: 350 ] ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ : لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رَاشِدٍ سِوَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا حَسَنَ الْعَقْلِ ، وَلَكِنْ وَقَعَ عَلَى شُيُوخٍ مَجَاهِيلَ ، فَحَدَّثَ عَنْهُمْ بِأَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ ، فَضُعِّفَ حَدِيثُهُ ، وَهَذَا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ .

وَقَالَ حَرْمَلَةُ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ دَرَّاجٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُجَيْرَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : أَنَطَأُ فِي الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ دَحْمًا دَحْمًا ، فَإِذَا قَامَ عَنْهَا رَجَعَتْ مُطَهَّرَةً بِكْرًا " .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ الْفَقِيهُ الْبَغْدَادِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا جَامَعُوا نِسَاءَهُمْ عُدْنَ أَبْكَارًا " . ثُمَّ قَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ مُعَلَّى .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : أَيُجَامِعُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " دَحْمًا دَحْمًا " ، [ ص: 351 ] وَلَكِنْ لَا مَنِيَّ وَلَا مَنِيَّةَ " . وَلَمَّا كَانَ الْمَنِيُّ يَقْطَعُ لَذَّةَ الْجِمَاعِ ، وَالْمَنِيَّةُ تَقْطَعُ لَذَّةَ الْحَيَاةِ كَانَا مَنْفِيَّيْنِ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ سُلَيْمٍ أَبِي يَحْيَى أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسُئِلَ : يَتَنَاكَحُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، بِذَكَرٍ لَا يَمَلُّ وَشَهْوَةٍ لَا تَنْقَطِعُ ، دَحْمًا دَحْمًا " .

فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ ، أَنْ يُولَدَ لَهُ ، كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَحَبَّ الْأَوْلَادَ ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا اشْتَهَى الْمُؤْمِنُ الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، كَمَا يَشْتَهِي " . وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ جَمِيعًا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ ، بِهِ . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ غَرِيبٌ .

وَقَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ : وَهُوَ عِنْدِي عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ ، عَنِ الْأَصَمِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ [ ص: 352 ] سُلَيْمَانَ ، أَنْبَأَنَا سَلَّامٌ الطَّوِيلُ ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ ، بِهِ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَرَّةٍ .

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُولَدُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ فَإِنَّ الْوَلَدَ مِنْ تَمَامِ السُّرُورِ ؟ فَقَالَ : " نَعَمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا هُوَ إِلَّا كَقَدْرِ مَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَيَكُونُ حَمْلُهُ ، وَرَضَاعُهُ ، وَشَبَابُهُ " . وَهَذَا السِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَقَعُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ ، خِلَافًا لِمَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ ، أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ كَانَ ، وَلَكِنَّهُ لَا يُرِيدُهُ .

وَنُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ كَطَاوُسٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا تَوَالُدَ فِيهَا . وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ جِمَاعَهُمْ لَا يَقْتَضِي وَلَدًا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارٌ يُرَادُ فِيهَا بَقَاءُ النَّسْلِ لِتَعْمُرَ ، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَالْمُرَادُ فِيهَا بَقَاءُ اللَّذَّةِ ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ فِي جِمَاعِهِمْ مَنِيٌّ يَقْطَعُ لَذَّةَ جِمَاعِهِمْ ، وَلَكِنْ إِذَا أَحَبَّ أَحَدُهُمُ الْوَلَدَ يَقَعُ ذَلِكَ كَمَا يُرِيدُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ [ النَّحْلِ : 31 ] . وَقَالَ : وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ [ الزُّخْرُفِ : 71 ] .

=33[ ص: 353 ] ذِكْرُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا لِكَمَالِ حَيَاتِهِمْ ، بَلْ كُلُّ مَا لَهُمْ فِي ازْدِيَادٍ ، مِنْ قُوَّةِ الشَّبَابِ ، وَنَضْرَةِ الْوُجُوهِ ، وَحُسْنِ الْهَيْئَةِ ، وَطِيبِ الْعَيْشِ

وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُمْ لَا يَنَامُونَ لِئَلَّا يَشْتَغِلُوا بِهِ عَنِ الْمَلَاذِّ وَالْمَسَرَّاتِ وَالْعَيْشِ الْهَنِيءِ الطَّيِّبِ ، وَلِئَلَّا يُشْتَغَلَ بِالنَّوْمِ عَنْ أَلَذِّ مَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ ذِكْرِ الرَّبِّ ، وَحَمْدِهِ ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، سُبْحَانَهُ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ ، نَسْأَلُ اللَّهَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا مِنَ الْجَنَّةِ .

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ الدُّخَانِ : 56 ، 57 ] . وَقَالَ تَعَالَى : لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [ الْحِجْرِ : 48 ] . وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [ الْكَهْفِ : 107 ، 108 ] . أَيْ لَا يَخْتَارُونَ غَيْرَهَا ، بَلْ هُمْ أَرْغَبُ شَيْءٍ فِيهَا ، فَلَا يَخْتَارُونَ بِهَا بَدَلًا ، وَلَا عَنْهَا تَحَوُّلًا ، وَلَيْسَ يَعْتَرِيهِمْ فِيهَا مَلَلٌ ، وَلَا ضَجَرٌ ، كَمَا قَدْ يَسْأَمُ أَهْلُ الدُّنْيَا بَعْضَ أَحْوَالِهِمُ اللَّذِيذَةِ ، وَمَسَاكِنَهُمُ الْأَنِيقَةَ ، وَأَزْوَاجَهُمُ الْحِسَانَ ، بَلْ أَهْلُ الْجَنَّةِ كَمَا قِيلَ :

فَحَلَّتْ سَوَادَ الْقَلْبِ لَا أَنَا بَاغِيًا سِوَاهَا وَلَا عَنْ حُبِّهَا أَتَحَوَّلُ

[ ص: 354 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ ذَبْحِ الْمَوْتِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَأَنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ، كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا حَمْزَةُ ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فَيُنَادَى مَعَ ذَلِكَ : إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا " . قَالَ : " فَيُنَادَى بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ " .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : قَالَ الثَّوْرِيُّ : فَحَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ ، أَنَّ الْأَغَرَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُنَادِي مُنَادٍ : إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوَا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا " . قَالَ : " فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ الْأَعْرَافِ : 43 ] ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، بِنَحْوِهِ .

[ ص: 355 ] وَقَالَ الْبَزَّارُ : حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، هُوَ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ يَنَامُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " لَا ، النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ " . ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، إِلَّا الثَّوْرِيَّ ، وَلَا عَنْهُ سِوَى الْفِرْيَابِيِّ . كَذَا قَالَ .

وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيْهِ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ صَدَقَةَ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بْنُ دَاوُدَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ لَا يَنَامُونَ " .

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، مِنْ حَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الرَّبِيعِ الْكُوفِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيَنَامُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ : " النَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ لَا يَنَامُونَ " .

وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ ، عَنْ سُفْيَانَ [ ص: 356 ] الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، فَذَكَرَهُ .

ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ ، عَنِ الْحَاكِمِ ، عَنِ الْأَصَمِّ ، عَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَرْبِيٍّ ، عَنْ نُفَيْعِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : النَّوْمُ مِمَّا يُقِرُّ اللَّهُ بِهِ أَعْيُنَنَا فِي الدُّنْيَا ، أَنَنَامُ فِي الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْمَوْتَ شَرِيكُ النَّوْمِ ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ مَوْتٌ " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَمَا رَاحَتُهُمْ ؟ قَالَ : " إِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لُغُوبٌ ، كُلُّ أَمْرِهِمْ رَاحَةٌ " . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ [ فَاطِرٍ : 35 ] . ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ

=34ذِكْرُ إِحْلَالِ الرِّضْوَانِ عَلَيْهِمْ ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ مَا لَدَيْهِمْ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ [ مُحَمَّدٍ : 15 ] . وَقَالَ تَعَالَى : وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ التَّوْبَةِ : 72 ] . [ ص: 357 ] وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ . فَيَقُولُونَ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ . فَيَقُولُ : هَلْ رَضِيتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى ، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ؟ فَيَقُولُ : أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : يَا رَبَّنَا ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ : أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا " . وَأَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ ، بِهِ .

وَقَالَ الْبَزَّارُ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ وَالْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ ، قَالَا : حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : أَلَا أُعْطِيكُمْ ؟ قَالَ : أَحْسَبُهُ قَالَ : " أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ " - قَالُوا : يَا رَبَّنَا ، هَلْ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِمَّا أَعْطَيْتَنَا ؟ قَالَ : رِضْوَانِي أَكْبَرُ " . وَهَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ

=35[ ص: 358 ] ذِكْرُ نَظَرِ الرَّبِّ تَعَالَى إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتَسْلِيمِهِ عَلَيْهِمْ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [ الْأَحْزَابِ : 44 ] . وَقَالَ تَعَالَى : سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [ يس : 58 ] . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَاجَهْ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ مِنْ " سُنَنِهِ " : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادَانِيُّ ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ الرَّقَاشِيُّ ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ ، فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ ، فَإِذَا الرَّبُّ سُبْحَانَهُ ، قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ . قَالَ : وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [ يس : 58 ] . قَالَ : فَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النَّعِيمِ مَا دَامُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ، حَتَّى يَحْتَجِبَ عَنْهُمْ ، وَيَبْقَى نُورُهُ ، وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمْ " .

وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُطَوَّلًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ؟ فَقَالَ : أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا الْكُدَيْمِيُّ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو يُوسُفَ السَّلَّالُ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادَانِيُّ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عِيسَى الرَّقَاشِيِّ ، [ ص: 359 ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَيْنَمَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي مَجْلِسٍ لَهُمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ ، فَإِذَا الرَّبُّ تَعَالَى قَدْ أَشْرَفَ ، فَقَالَ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، سَلُونِي . قَالُوا : نَسْأَلُكَ الرِّضَا عَنَّا . قَالَ : رِضَايَ أَحَلَّكُمْ دَارِي ، وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي ، هَذَا أَوَانُهَا ، فَسَلُونِي . قَالُوا : نَسْأَلُكَ الزِّيَادَةَ . قَالَ : فَيُؤْتَوْنَ بِنَجَائِبَ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ ، أَزِمَّتُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ ، وَيَاقُوتٌ أَحْمَرُ ، فَجَاءُوا عَلَيْهَا تَضَعُ حَوَافِرَهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرَفِهَا ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، بِأَشْجَارٍ عَلَيْهَا الثِّمَارُ ، فَتُتْحِفُهُمْ مِنْ ثِمَارِهَا ، فَتَجِيءُ حَوَارٍ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، وَهُنَّ يَقُلْنَ : نَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ ، وَنَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ ، أَزْوَاجُ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ كِرَامٍ . وَيَأْمُرُ اللَّهُ بِكُثْبَانٍ مِنْ مِسْكٍ أَذْفَرَ أَبْيَضَ ، فَتُثِيرُهُ عَلَيْهِمْ رِيحٌ يُقَالُ لَهَا : الْمُثِيرَةُ . حَتَّى تَنْتَهِيَ بِهِمْ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ ، وَهِيَ قَصَبَةُ الْجَنَّةِ ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ : يَا رَبَّنَا ، قَدْ جَاءَ الْقَوْمُ . فَيَقُولُ : مَرْحَبًا بِالصَّادِقِينَ ، مَرْحَبًا بِالطَّائِعِينَ ، مَرْحَبًا بِالْمُتَّقِينَ . قَالَ : فَيُكْشَفُ لَهُمُ الْحِجَابُ ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَيَتَمَتَّعُونَ بِنُورِ الرَّحْمَنِ حَتَّى لَا يُبْصِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، ثُمَّ يَقُولُ : أَرْجِعُوهُمْ إِلَى قُصُورِهِمْ بِالتُّحَفِ . فَيَرْجِعُونَ وَقَدْ أَبْصَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا . [ ص: 360 ] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ : نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [ فُصِّلَتْ : 32 ] . ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْكِتَابِ ، فِي كِتَابِ الرُّؤْيَةِ ، مَا يُؤَكِّدُ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَى السِّجْزِيِّ ، أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى إِذَا كَشَفَ الْحِجَابَ ، وَتَجَلَّى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ تَدَفَّقَتِ الْأَنْهَارُ ، وَاصْطَفَقَتِ الْأَشْجَارُ ، وَتَجَاوَبَتِ الْأَطْيَارُ وَالسُّرُرُ وَالْغُرُفَاتُ وَمَا فِيهَا بِالصَّرِيرِ وَالتَّعْظِيمِ وَالتَّسْبِيحَاتِ ، وَالْأَعْيُنُ الْمُتَدَفِّقَاتُ بِالْخَرِيرِ ، وَاسْتَرْسَلَتِ الرِّيحُ الْمُثِيرَةُ ، وَبَثَّتْ فِي الدُّورِ وَالْقُصُورِ الْمِسْكَ الْأَذْفَرَ ، وَالْكَافُورَ ، وَغَرَّدَتِ الطُّيُورُ ، وَأَشْرَفَتِ الْحُورُ .

وَالْفَضْلُ بْنُ عِيسَى ضَعِيفٌ ، وَلَكِنْ رَوَى الضِّيَاءُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا ، مِثْلَهُ .

=36ذِكْرُ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ رَبَّهُمْ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي مِثْلِ أَيَّامِ الْجُمَعِ فِي مُجْتَمَعٍ لَهُمْ مُعَدٍّ لِذَلِكَ هُنَالِكَ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [ الْقِيَامَةِ : 22 ، 23 ] . وَقَالَ تَعَالَى : كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ إِلَى قَوْلِهِ : إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ [ الْمُطَفِّفِينَ : 15 - 23 ] . وَقَالَ تَعَالَى : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [ يُونُسَ : 26 ] . فَذَكَرَ عَنِ الْفُجَّارِ أَنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ ، وَأَنَّ الْأَبْرَارَ إِلَيْهِ يَنْظُرُونَ .

[ ص: 361 ] وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ " . أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " . وَفَّى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : " وَأَعْلَاهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ " .

وَلَهُ شَاهِدٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا عِنْدَ ذِكْرِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، كَمَا يَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، قَالَ : " فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ : وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ ق : 39 ] .

وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَيَانًا " . فَأَرْشَدَ هَذَا السِّيَاقُ عَلَى أَنَّ رُؤْيَتَهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، تَقَعُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِي مِثْلِ أَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ ، فَكَأَنَّ الْمُبَرَّزِينَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ الْأَخْيَارِ يَرَوْنَ اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي مِثْلِ طَرَفَيِ النَّهَارِ ، بُكْرَةً وَعَشِيًّا ، وَهَذَا مَقَامٌ عَالٍ ، فَيَرَوْنَهُ سُبْحَانَهُ وَهُمْ عَلَى أَرَائِكِهِمْ ، وَسُرُرِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، فَيَرَوْنَهُ أَيْضًا غَيْرَ رُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي وَادٍ أَفْيَحَ - أَيْ مُتَّسِعٍ - مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ ، فَيَجْلِسُونَ فِيهِ عَلَى قَدْرِ مَنَازِلِهِمْ; فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْلِسُ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْلِسُ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا ، ثُمَّ تُفَاضُ [ ص: 362 ] عَلَيْهِمُ النِّعَمُ وَالْخِلَعُ ، وَتُوضَعُ عَلَى رُءُوسِهِمُ التِّيجَانُ ، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمُ الْمَوَائِدُ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، ثُمَّ يُطَيَّبُونَ بِأَنْوَاعِ الطِّيبِ ، وَيُخَصُّونَ بِأَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ وَالتُّحَفِ مِمَّا لَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمُ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَيُخَاطِبُهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ ، كَمَا سَيَأْتِي إِيرَادُهَا قَرِيبًا عَلَى رَغْمِ أُنُوفِ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُنْكِرُ رُؤْيَتَهُ سُبْحَانَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ .

وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا فِي النِّسَاءِ : هَلْ يَرَيْنَ اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي الْجَنَّةِ ، كَمَا يَرَاهُ الرِّجَالُ ؟ فَقِيلَ : لَا يَرَوْنَهُ ، لِأَنَّهُنَّ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ، لَا يَبْرُزْنَ مِنْهَا . وَقِيلَ : لِنَقْصِ عُقُولِهِنَّ وَدِينِهِنَّ وَرَغْبَتِهِنَّ فِي الدُّنْيَا . وَقِيلَ : بَلْ يَرَوْنَهُ سُبْحَانَهُ; لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي الْخِيَامِ وَالْقُصُورِ وَغَيْرِهَا . وَالنِّسَاءُ إِذَا دَخَلْنَ الْجَنَّةَ ذَهَبَ عَنْهُنَّ مَا كَانَ يَعْتَرِيهِنَّ مِنَ النَّقْصِ فِي الدُّنْيَا ، وَصِرْنَ أَزْوَاجًا مُطَهَّرَةً مِنْ كُلِّ أَذًى وَطِبْنَ أَخْلَاقًا وَخَلْقًا ، فَلَا مَانِعَ لَهُنَّ مِنْ رُؤْيَتِهِنَّ لِرَبِّهِنَّ ، عَزَّ وَجَلَّ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ [ الْمُطَفِّفِينَ : 22 - 23 ] . وَقَالَ تَعَالَى : هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ [ يس : 56 ] .

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ ، عَزَّ وَجَلَّ ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ [ ص: 363 ] غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا " . وَهَذَا عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَوْلًا ثَالِثًا ، وَهُوَ أَنَّهُنَّ يَرَيْنَ اللَّهَ فِي مِثْلِ أَوْقَاتِ الْأَعْيَادِ; فَإِنَّهُ تَعَالَى يَتَجَلَّى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِي مِثْلِ أَيَّامِ الْأَعْيَادِ تَجَلِّيًا عَامًّا ، فَيَرَيْنَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ فِي جُمْلَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ . وَهَذَا الْقَوْلُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [ يُونُسَ : 26 ] . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ; مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَكَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ . وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ ، وَالْحَسَنُ ، وَقَتَادَةُ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .

وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ; مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ - وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ مُطَوَّلًا - وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَدْ رَوَى حَدِيثَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ، فَقَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَرَى أَهْلُ الْجَنَّةِ الرَّبَّ تَعَالَى فِي كُلِّ جُمُعَةٍ " . وَذَكَرَ تَمَامَ [ ص: 364 ] الْحَدِيثِ ، وَفِيهِ : " فَإِذَا كَشَفَ الْحِجَابَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا نِعْمَةً قَبْلَ ذَلِكَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ . وَمِنْهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، وَبُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَحُذَيْفَةُ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ، وَأَبُو سَعِيدٍ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيُّ ، وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ الرُّومِيُّ ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ، وَأَبُو أُمَامَةَ صُدَيُّ بْنُ عَجْلَانَ الْبَاهِلِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَعُمَارَةُ بْنُ رُوَيْبَةَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، وَأَبُو مُوسَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَعَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَأَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَرَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .

وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْهَا ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّتُهَا مِمَّا يَلِيقُ بِهَذَا الْمَقَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ صُهَيْبٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ . فَقَالَ : " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ ، نَادَى مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ . فَيَقُولُونَ وَمَا هُوَ ؟ أَلَمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا ، وَيُبَيِّضْ وُجُوهَنَا ، وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ ، وَيُزَحْزِحْنَا عَنِ النَّارِ ؟ " قَالَ : " فَيَكْشِفُ لَهُمُ الْحِجَابَ ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ " قَالَ : " فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ ، وَلَا أَقَرَّ [ ص: 365 ] لِأَعْيُنِهِمْ " . وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ .

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ ، أَخْبَرَنِي أَبُو تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ وَيَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَلَكًا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، هَلْ أَنْجَزَكُمُ اللَّهُ مَا وَعَدَكُمْ ؟ فَيَنْظُرُونَ ، فَيَرَوْنَ الْحُلِيَّ وَالْحُلَلَ وَالثِّمَارَ وَالْأَنْهَارَ وَالْأَزْوَاجَ الْمُطَهَّرَةَ ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، قَدْ أَنْجَزَنَا اللَّهُ مَا وَعَدَنَا . قَالُوا ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَيَقُولُ : قَدْ بَقِيَ شَيْءٌ; إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ . أَلَا إِنَّ الْحُسْنَى الْجَنَّةُ ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ . هَكَذَا ذَكَرَهُ مَوْقُوفًا .

وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدِيثَ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُنَادِيَا يُنَادِي أَهْلَ الْجَنَّةِ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ ، إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمُ الْحُسْنَى وَزِيَادَةً ، الْحُسْنَى الْجَنَّةُ ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ " .

وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا الْعَالِيَةِ ، حَدَّثَنَا أُبَيِّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ قَالَ : " الْحُسْنَى الْجَنَّةُ ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ " .

[ ص: 366 ] وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا عَنِ ابْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُخْتَارِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ ، عَزَّ وَجَلَّ " .

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ : حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ سَالِمٍ ، عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ . قَالَ : " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْعَمَلَ فِي الدُّنْيَا الْحُسْنَى ، وَهِيَ الْجَنَّةُ ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ " . سَلْمٌ وَشَيْخُهُ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِمَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ " مُسْنَدِهِ " : أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَزْهَرِ مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : أَتَى جِبْرِيلُ بِمِرْآةٍ بَيْضَاءَ فِيهَا وَكْتَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا هَذِهِ ؟ . فَقَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَةُ فُضِّلْتَ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ ، فَالنَّاسُ لَكُمْ فِيهَا تَبَعٌ ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، وَلَكُمُ فِيهَا خَيْرٌ ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا [ ص: 367 ] مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ ، إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ ، وَهُوَ عِنْدَنَا يَوْمُ الْمَزِيدِ . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا جِبْرِيلُ ، مَا يَوْمُ الْمَزِيدِ ؟ " قَالَ : إِنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْفِرْدَوْسِ وَادِيًا أَفْيَحَ فِيهِ كُثُبُ مِسْكٍ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ مَا شَاءَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَحَوْلَهُ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ ، عَلَيْهَا مَقَاعِدُ لِلنَّبِيِّينَ ، وَحَفَّ تِلْكَ الْمَنَابِرَ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ ، عَلَيْهَا الشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ ، فَجَلَسُوا مِنْ وَرَائِهِمْ عَلَى تِلْكَ الْكُثُبِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا رَبُّكُمْ قَدْ صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي ، فَسَلُونِي أُعْطِكُمْ . فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا نَسْأَلُكَ رِضْوَانَكَ . فَيَقُولُ : قَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ ، وَلَكُمْ عَلَيَّ مَا تَمَنَّيْتُمْ ، وَلَدَيَّ مَزِيدٌ . فَهُمْ يُحِبُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَا يُعْطِيهِمْ فِيهِ رَبُّهُمْ مِنَ الْخَيْرِ ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَى فِيهِ رَبُّكُمْ عَلَى الْعَرْشِ ، وَفِيهِ خَلَقَ آدَمَ ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ .

وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي طَيْبَةَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَانِي جِبْرِيلُ وَفِي يَدِهِ مِرْآةٌ بَيْضَاءُ فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَقُلْتُ : مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَذِهِ الْجُمُعَةُ يَعْرِضُهَا عَلَيْكَ رَبُّكَ ; لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ ، تَكُونُ أَنْتَ الْأَوَّلَ ، وَتَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ قَالَ : " مَا لَنَا فِيهَا ؟ قَالَ : لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ، لَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ ، مَنْ دَعَا رَبَّهُ فِيهَا بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قِسْمٌ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ، أَوْ لَيْسَ لَهُ بِقِسْمٍ إِلَّا ادَّخَرَ لَهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ ، أَوْ تَعَوَّذَ فِيهَا مِنْ شَرٍّ هُوَ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ إِلَّا أَعَاذَهُ مِنْ أَعْظَمَ مِنْهُ " . قَالَ : " قُلْتُ : مَا هَذِهِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ ؟ قَالَ : هِيَ السَّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَيَّامِ عِنْدَنَا ، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ [ ص: 368 ] الْمَزِيدِ . قُلْتُ : وَمَا يَوْمُ الْمَزِيدِ ؟ قَالَ : إِنْ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ تَعَالَى مِنْ عِلِّيِّينَ عَلَى كُرْسِيِّهِ ، ثُمَّ حُفَّ الْكُرْسِيُّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ ، وَجَاءَ النَّبِيُّونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا ، ثُمَّ حُفَّ الْمَنَابِرُ بِكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ ، ثُمَّ جَاءَ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا ، ثُمَّ يَجِيءُ أَهْلُ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكُثُبِ ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ ، عَزَّ وَجَلَّ ، حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَى وَجْهِهِ ، وَهُوَ يَقُولُ : أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، هَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي ، فَسَلُونِي . فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا فَيَقُولُ : رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَارِي وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي ، فَسَلُونِي . فَيَسْأَلُونَهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ ، فَيَفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ إِلَى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِ النَّاسِ مِنَ الْجُمُعَةِ ، ثُمَّ يَصْعَدُ تَعَالَى عَلَى كُرْسِيِّهِ ، وَيَصْعَدُ مَعَهُ الشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ - أَحْسَبُهُ قَالَ - وَيَرْجِعُ أَهْلُ الْغُرَفِ إِلَى غُرَفِهِمْ دُرَّةً بَيْضَاءَ لَا قَصْمٌ فِيهَا وَلَا فَصْمٌ ، أَوْ يَاقُوتَةً حَمْرَاءَ ، أَوْ زَبَرْجَدَةً خَضْرَاءَ مِنْهَا غُرَفُهَا وَأَبْوَابُهَا مُطَّرِدَةً فِيهَا أَنْهَارُهَا مُتَدَلِّيَةً فِيهَا ثِمَارُهَا ، فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا ، فَلَيْسُوا إِلَى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ ; لِيَزْدَادُوا فِيهِ كَرَامَةً ، وَيَزْدَادُوا نَظَرًا إِلَى وَجْهِهِ تَعَالَى ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ يَوْمَ الْمَزِيدِ " .

ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ غَيْرَ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ أَبِي الْيَقْظَانِ ، وَعُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ .

[ ص: 369 ] هَكَذَا قَالَ ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ مِثْلَ هَذَا السِّيَاقِ ، أَوْ نَحْوَهُ .

وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهُ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهِ ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُدَلِّسُهُ ، لِئَلَّا يُعْلَمَ أَمْرُهُ ، وَذَلِكَ لِمَا يَتَوَهَّمُ مِنْ ضَعْفِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ " ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ ، عَنِ الصَّعِقِ بْنِ حَزْنٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، فَهَذِهِ طُرُقٌ جَيِّدَةٌ عَنْ أَنَسٍ ، وَهَيَ شَاهِدَةٌ لِرِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ .

وَقَدِ اعْتَنَى بِهَذَا الْحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيُّ ، فَأَوْرَدَهُ مِنْ طُرُقٍ ، قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ : وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ جَيِّدٍ ، وَهِيَ شَاهِدَةٌ لِرِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَنَسٍ ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ زُهَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ ، فَذَكَرَهُ .

وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ أَنَسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، قَالَ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ ، [ ص: 370 ] وَأَحْمَدُ بْنُ عُمَرٍ وَالْعُصْفُرِيُّ ، قَالَا : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُطَيَّبٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَانِي جِبْرِيلُ " فَذَكَرَ يَوْمَ الْمَزِيدِ . قَالَ : " فَيُوحِي اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، إِلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ أَنْ يَرْفَعُوا الْحُجُبَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ ، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُونَ مِنْهُ : أَيْنَ عِبَادِي الَّذِينَ أَطَاعُونِي بِالْغَيْبِ وَلَمْ يَرَوْنِي ، وَصَدَّقُوا رُسُلِي وَاتَّبَعُوا أَمْرِي ، سَلُونِي فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ . فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ؟ أَنْ رَضِينَا عَنْكَ ، فَارْضَ عَنَّا . فَيَرْجِعُ فِي قَوْلِهِ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، إِنِّي لَوْ لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ لَمْ أُسْكِنْكُمْ جَنَّتِي ، هَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ ، فَسَلُونِي . فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ : أَرِنَا وَجْهَكَ يَا رَبِّ نَنْظُرْ إِلَيْهِ . قَالَ : فَيَكْشِفُ الْحُجُبَ ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ ، فَيَغْشَاهُمْ مِنْ نُورِهِ مَا لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَضَى أَنْ لَا يَمُوتُوا لَاحْتَرَقُوا ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمُ : ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ . فَيَرْجِعُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَلَهُمْ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ يَتَجَلَّى لَهُمْ فِيهِ ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ " .

=37ذِكْرُ سُوقِ الْجَنَّةِ

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ ، فَقَالَ سَعِيدٌ : أَوَفِيهَا سُوقٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ [ ص: 371 ] اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ ، فَيُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، فَيَزُورُونَ اللَّهَ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، فَتُوضَعُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ يَاقُوتٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ ، وَمَنَابِرُ مِنْ فِضَّةٍ ، وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ - وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ - عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ ، مَا يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَرَاسِيِّ أَفْضَلُ مِنْهُمْ مَجْلِسًا " .

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، هَلْ تَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ؟ " قُلْنَا : لَا . قَالَ : " فَكَذَلِكَ لَا تَمَارَوْنَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَحَدٌ إِلَّا حَاضَرَهُ رَبُّهُ مُحَاضَرَةً حَتَّى يَقُولَ : يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ ، أَتَذْكُرُ يَوْمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا ؟ فَيُذَكِّرُهُ بَعْضَ غَدَرَاتِهِ فِي الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : بَلَى ، أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي ؟ فَيَقُولُ : بَلَى ، فَبِمَغْفِرَتِي بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هَذِهِ . قَالَ : فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ غَشِيَتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ ، فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ طِيبًا لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا مِثْلَ رِيحِهِ قَطُّ " . قَالَ : " ثُمَّ يَقُولُ رَبُّنَا ، عَزَّ وَجَلَّ : قُومُوا إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ ، فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ . قَالَ : فَيَجِدُونَ سُوقًا قَدْ حَفَّتْ بِهَا الْمَلَائِكَةُ ، فِيهِ مَا لَمْ تَنْظُرِ الْعُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ ، وَلَمْ تَسْمَعِ الْآذَانُ ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ " . قَالَ : [ ص: 372 ] فَيُحْمَلُ لَنَا مَا اشْتَهَيْنَا لَيْسَ يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى ، وَفِي ذَلِكَ السُّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا . قَالَ : فَيُقْبِلُ ذُو الْبِزَّةِ الْمُرْتَفِعَةِ ، فَيَلْقَى مَنْ هُوَ دُونَهُ - وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ - فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْهَيْئَةِ ، فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتَّى يَتَمَثَّلَ عَلَيْهِ أَحْسَنُ مِنْهُ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا . قَالَ : ثُمَّ نَنْصَرِفُ إِلَى مَنَازِلِنَا ، فَتَلْقَانَا أَزْوَاجُنَا ، فَيَقُلْنَ : مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِحِبِّنَا ، لَقَدْ جِئْتَ وَإِنَّ بِكَ مِنَ الْجِمَالِ وَالطِّيبِ أَفْضَلَ مِمَّا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ . فَنَقُولُ : إِنَّا قَدْ جَالَسْنَا رَبَّنَا الْجَبَّارَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَيَحُقُّنَا أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا " .

وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ ، ثُمَّ قَالَ : غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .

وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى ، عَنْ هِقْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، قَالَ : نُبِّئْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَذَكَرَهُ .

وَقَالَ مُسْلِمٌ : حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا [ ص: 373 ] حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ ، فَتَهُبُّ عَلَيْهِمْ رِيحُ الشَّمَالِ ، فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمُ الْمِسْكَ ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ : وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا . فَيَقُولُونَ : وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا " .

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ ، عَنْ عَفَّانَ ، عَنْ حَمَّادٍ ، وَعِنْدَهُ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا فِيهَا كُثْبَانُ الْمِسْكِ ، فَإِذَا خَرَجُوا إِلَيْهَا هَبَّتِ الرِّيحُ " . وَذَكَرَ تَمَامَهُ .

وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ وَرَازٍ ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي الْغَيْثِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَرْضُ الْجَنَّةِ بَيْضَاءُ ، عَرْصَتُهَا صُخُورُ الْكَافُورِ ، وَقَدْ أَحَاطَ بِهِ الْمِسْكُ مِثْلُ كُثْبَانِ الرَّمْلِ ، فِيهَا أَنْهَارٌ مُطَّرِدَةٌ ، فَيَجْتَمِعُ فِيهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَيَتَعَارَفُونَ ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ تَعَالَى رِيحَ الرَّحْمَةِ ، فَتُهَيِّجُ عَلَيْهِمْ رِيحَ الْمِسْكِ ، فَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلَى زَوْجَتِهِ ، وَقَدِ ازْدَادَ حُسْنًا وَطِيبًا ، فَتَقُولُ : لَقَدْ خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِي وَأَنَا بِكَ مُعْجَبَةٌ ، وَأَنَا الْآنَ بِكَ أَشَدُّ إِعْجَابًا " .

[ ص: 374 ] فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ قَائِلًا : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ وَهَنَّادٌ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا مَا فِيهَا شِرَاءٌ وَلَا بَيْعٌ إِلَّا الصُّوَرَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا " . فَإِنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَيُحْمَلُ مَعْنَاهُ عَلَى أَنَّ الرِّجَالَ إِنَّمَا يَشْتَهُونَ الدُّخُولَ فِي مِثْلِ صُوَرِ الرِّجَالِ ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ ، وَيَكُونُ مُفَسَّرًا بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَهُوَ الشَّكْلُ ، وَالْهَيْئَةُ ، وَالْبَشَرَةُ ، وَاللِّبَاسُ ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ : " فَيُقْبِلُ ذُو الْبِزَّةِ الْمُرْتَفِعَةِ ، فَيَلْقَى مَنْ دُونَهُ ، فَيُرَوِّعُهُ مَا عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْهَيْئَةِ ، فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتَّى يَتَمَثَّلَ عَلَيْهِ أَحْسَنُ مِنْهُ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا " .

هَذَا إِنْ كَانَ قَدْ حَفِظَ لَفْظَ الْحَدِيثِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ ، فَإِنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْحَارِثِ ، وَهُوَ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ ، وَيُقَالُ : الْكُوفِيُّ . رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَخَالِهِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ ، وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، وَهُشَيْمٌ .

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : لَيْسَ بِشَيْءٍ ، مُنْكَرُ الْحَدِيثِ . وَكَذَّبَهُ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي أَحَادِيثَ رَفَعَهَا .

[ ص: 375 ] وَكَذَلِكَ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ، وَالْبُخَارِيُّ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَأَبُو حَاتِمٍ ، وَأَبُو زُرْعَةَ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ ، وَابْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُ كَلَامَهُمْ فِيهِ مُفَصَّلًا فِي " التَّكْمِيلِ " . وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .

وَمِثْلُ هَذَا الرَّجُلِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ ، وَلَا سِيَّمَا هَذَا الْحَدِيثُ ، فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ جِدًّا ، وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ شَيْئًا ، وَلَمْ يَفْهَمْهُ جَيِّدًا ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ نَاقِصَةٍ ، وَيَكُونُ أَصْلُ الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ الدِّمَشْقِيِّ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فِي سُوقِ الْجَنَّةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ غَرِيبٍ ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ الْحَافِظُ ، الْمَعْرُوفُ بِمُطَيَّنٍ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ الْبَجَلِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، حَدَّثَنِي جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مُجْتَمِعُونَ ، فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا مَا يُبَاعُ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَى إِلَّا الصُّوَرُ ، فَمَنْ أَحَبَّ صُورَةً مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ دَخَلَ فِيهَا " .

جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

=38[ ص: 376 ] ذِكْرُ رِيحِ الْجَنَّةِ وَطِيبِهِ وَانْتِشَارِهِ حَتَّى إِنَّهُ يُشَمُّ مِنْ سِنِينَ عَدِيدَةٍ وَمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [ مُحَمَّدٍ : 4 - 6 ] . قَالَ بَعْضُهُمْ : أَيْ طَيَّبَهَا لَهُمْ ، مِنَ الْعَرْفِ; وَهُوَ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ .

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِينَ عَامًا " .

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ ، عَنْ غُنْدَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، وَقَالَ : " سَبْعِينَ عَامًا " .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : أَرَادَ فُلَانٌ أَنْ يُدْعَى جُنَادَةَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ قَدْرِ سَبْعِينَ عَامًا ، أَوْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا " . قَالَ : " وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " .

[ ص: 377 ] وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا " .

وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو ، بِهِ .

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ - يَعْنِي أَبَا إِبْرَاهِيمَ الْمُعَقِّبَ - حَدَّثَنَا مَرْوَانُ ، وَهُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا " .

رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ دُحَيْمٍ ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيِّ ، بِهِ .

[ ص: 378 ] وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، عَنْ مُوسَى بْنِ خَازِمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ جُنَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ " . هَذَا لَفْظُهُ .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ ، حَدَّثَنَا مُعَلَّلُ بْنُ نُفَيْلٍ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهِدَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ " .

وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ، وَقَالَ : " سَبْعِينَ خَرِيفًا " . وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَقَالَ : وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ .

وَقَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ : هُوَ عِنْدِي عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ ، يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ . وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ أَوْ غَيْرِهِ ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، [ ص: 379 ] قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " رِيحُ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ " .

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ : " خَمْسِمِائَةِ عَامٍ " . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ .

وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ " صِفَةِ الْجَنَّةِ " ، مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ عُلَيْلَةَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : " رَائِحَةُ الْجَنَّةِ تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ " .

وَقَالَ مَالِكٌ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ ، مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ .

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ ، عَنْ مَالِكٍ ، فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، حَدَّثَنِي جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ [ ص: 380 ] أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رِيحُ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ ، وَاللَّهِ لَا يَجِدُهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ " .

وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، مَرَّ بِأَنَسِ بْنِ النَّضْرِ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَقَالَ : أَيْنَ يَا سَعْدُ ، وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَهَا دُونَ أُحُدٍ . فَقَاتَلَ يَوْمَئِذٍ حَتَّى قُتِلَ ، وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْ كَثْرَةِ الْجِرَاحِ ، وَمَا عَرَفَهُ إِلَّا أُخْتُهُ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ بِبَنَانِهِ ، وَوُجِدَ بِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

فَقَدْ وَجَدَ أَنَسٌ رِيحَ الْجَنَّةِ فِي الْأَرْضِ وَهِيَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَتْ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

=39ذِكْرُ نُورِ الْجَنَّةِ وَبَهَائِهَا وَطِيبِ فِنَائِهَا وَحُسْنِ مَنْظَرِهَا فِي وَقْتِ صَبَاحِهَا وَمَسَائِهَا

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [ الْإِنْسَانِ : 20 ] . وَقَالَ تَعَالَى : خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [ الْفُرْقَانِ : 76 ] . وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى [ طه : 118 ، 119 ] . وَقَالَ تَعَالَى : لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا [ الْإِنْسَانِ : 13 ] .

[ ص: 381 ] ، قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ رَبِّهِ الْحَنَفِيُّ ، عَنْ خَالِهِ الزُّمَيْلِ بْنِ سِمَاكٍ ، سَمِعَ أَبَاهُ يُحَدِّثُ ، أَنَّهُ لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ ، فَقَالَ : يَا بْنَ عَبَّاسٍ ، مَا أَرْضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : هِيَ مَرْمَرَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ فِضَّةٍ كَأَنَّهَا مِرْآةٌ . قُلْتُ : مَا نُورُهَا ؟ قَالَ : أَمَا رَأَيْتَ السَّاعَةَ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ؟ فَذَلِكَ نُورُهَا ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَلَا زَمْهَرِيرٌ . وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ ، كَمَا تَقَدَّمَ .

وَتَقَدَّمَ فِي سُؤَالِ ابْنِ صَيَّادٍ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ أَنَّهَا دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ ، مِسْكٌ أَذْفَرُ .

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ : حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو الْمِقْدَامِ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ بَيْضَاءَ ، وَأَحَبُّ الزِّيِّ إِلَى اللَّهِ الْبَيَاضُ ، فَلْيَلْبَسْهُ أَحْيَاؤُكُمْ ، وَكَفِّنُوا فِيهِ مَوْتَاكُمْ " . قَالَ : ثُمَّ أَمَرَ بِرِعَاءِ الشَّاءِ فَجُمِعُوا ، فَقَالَ : " مَنْ كَانَ ذَا غَنَمٍ سُودٍ فَلْيَخْلِطْ بِهَا بِيضًا " . فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي اتَّخَذْتُ غَنَمًا سُودًا ، فَلَا أَرَاهَا تَنْمُو . فَقَالَ : " عَفِّرِي " . أَيْ بَيِّضِي ، مَعْنَاهُ : اخْلِطِي فِيهَا بِيضًا .

[ ص: 382 ] وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرٍ الْحِمْصِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ الْمَعَافِرِيِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، حَدَّثَنَا كُرَيْبٌ أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا مُشَمِّرٌ إِلَى الْجَنَّةِ ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا ، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ ، وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مُقَامٍ آبِدٍ ، فِي دَارٍ سَلِيمَةٍ ، وَفَاكِهَةٌ وَخُضْرَةٌ وَحَبْرَةٌ وَنِعْمَةٌ ، فِي مَحَلَّةٍ عَالِيَةٍ بَهِيَّةٍ " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَعَمْ ، نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا . فَقَالَ : " قُولُوا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ " . فَقَالَ الْقَوْمُ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ . ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ : لَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا إِلَّا هَذَا .

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرِ ، بِنَحْوِهِ . وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ بِهِ ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُهَاجِرٍ .

وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ وَرَازٍ ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي الْغَيْثِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : " أَرْضُ الْجَنَّةِ بَيْضَاءُ ، عَرْصَتُهَا صُخُورُ الْكَافُورِ ، وَقَدْ أَحَاطَ بِهِ الْمِسْكُ مِثْلُ كُثْبَانِ الرَّمْلِ ، فِيهَا [ ص: 383 ] أَنْهَارٌ مُطَّرِدَةٌ ، فَيَجْتَمِعُ فِيهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَيَتَعَارَفُونَ ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ رِيحَ الرَّحْمَةِ ، فَتُهَيِّجُ عَلَيْهِمْ رِيحَ الْمِسْكِ ، فَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلَى زَوْجَتِهِ وَقَدِ ازْدَادَ حُسْنًا وَطِيبًا " . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ - " لَوْ أَنَّ مَا يُقِلُّ ظُفُرٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ بَدَا لَتَزَخْرَفَ لَهُ مَا بَيْنَ خَوَافِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ "

=40ذِكْرُ الْأَمْرِ بِطَلَبِ الْجَنَّةِ وَتَرْغِيبِ اللَّهِ عِبَادَهُ فِيهَا وَأَمْرِهِمْ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ يُونُسَ : 25 ] . وَقَالَ : وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [ آلِ عِمْرَانَ : 133 ] . وَقَالَ : سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ [ الْحَدِيدِ : 21 ] . وَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [ التَّوْبَةِ : 111 ] . وَقَالَ : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [ الْمُطَفِّفِينَ : 25 ، 26 ] .

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ ، عَنْ جَابِرٍ ، أَنَّ مَلَائِكَةً [ ص: 384 ] جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ نَائِمٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ ، وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ . فَقَالُوا : اضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا . فَقَالُوا : مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا ، وَاتَّخَذَ فِيهَا مَأْدُبَةً ، وَبَعَثَ دَاعِيًا ، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ ، وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ . قَالُوا : فَأَوِّلُوهَا لَهُ يَعْقِلْهَا . فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُ نَائِمٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ ، وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ . فَقَالُوا : الدَّارُ الْجَنَّةُ ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ ، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ ، وَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ .

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ ، وَلَفْظُهُ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ، فَقَالَ : " إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِنْدَ رَأْسِي ، وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : اضْرِبْ لَهُ مَثَلًا . فَقَالَ : اسْمَعْ سَمِعَتْ أُذُنُكَ ، وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَارًا ، ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا ، صَنَعَ مَأْدُبَةً ، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولًا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرَّسُولَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ ، فَاللَّهُ هُوَ الْمَلِكُ ، وَالدَّارُ الْإِسْلَامُ ، وَالْبَيْتُ الْجَنَّةُ ، وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ رَسُولٌ ، فَمَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الْإِسْلَامَ ، وَمَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامَ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مِمَّا فِيهَا " . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا .

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ [ ص: 385 ] سَيِّدًا بَنَى دَارًا ، وَاتَّخَذَ مَأْدُبَةً ، وَبَعَثَ دَاعِيًا ، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ ، وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ ، وَرَضِيَ عَنْهُ السَّيِّدُ ، أَلَا وَإِنَّ السَّيِّدَ اللَّهُ ، وَالدَّارَ الْإِسْلَامُ ، وَالْمَأْدُبَةَ الْجَنَّةُ ، وَالدَّاعِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى : حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ يُونُسَ ، هُوَ ابْنُ خَبَّابٍ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا اسْتَجَارَ عَبْدٌ مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلَّا قَالَتِ النَّارُ ؟ يَا رَبِّ ، إِنَّ عَبْدَكَ فُلَانًا قَدِ اسْتَجَارَ مِنِّي فَأَجِرْهُ . وَلَا سَأَلَ عَبْدٌ الْجَنَّةَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلَّا قَالَتِ الْجَنَّةُ : يَا رَبِّ ، إِنَّ عَبْدَكَ فُلَانًا سَأَلَنِي فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ " . إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ .

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، عَنْ هَنَّادٍ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، قَالَتِ الْجَنَّةُ : اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ . وَمَنِ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، قَالَتِ النَّارُ : اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ " .

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ : حَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَكْثِرُوا مَسْأَلَةَ اللَّهِ الْجَنَّةَ ، وَاسْتَعِيذُوا بِهِ مِنَ النَّارِ ، فَإِنَّهُمَا شَافِعَتَانِ مُشَفَّعَتَانِ ؟ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا [ ص: 386 ] أَكْثَرَ مَسْأَلَةَ الْجَنَّةِ قَالَتِ الْجَنَّةُ : يَا رَبِّ ، عَبْدُكَ هَذَا الَّذِي سَأَلَنِيكَ فَأَسْكِنْهُ إِيَّايَ . وَتَقُولُ النَّارُ : يَا رَبِّ ، عَبْدُكَ هَذَا الَّذِي اسْتَعَاذَ بِكَ مِنِّي فَأَعِذْهُ مِنِّي " .

وَقَالَ الْبَزَّارُ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدَةَ الْعُصْفُرِيُّ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إِلَّا الْجَنَّةُ " . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ .

وَفِي " التِّرْمِذِيَّ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : " مَنْ خَافَ أَدْلَجَ ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ " .

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ ، عَنْ كُلَيْبِ بْنِ حَزْنٍ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " اطْلُبُوا الْجَنَّةَ جُهْدَكُمْ ، وَاهْرُبُوا مِنَ النَّارِ جُهْدَكُمْ; فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَنَامُ طَالِبُهَا ، وَإِنَّ النَّارَ لَا يَنَامُ هَارِبُهَا ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ الْيَوْمَ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ ، وَإِنَّ الدُّنْيَا مَحْفُوفَةٌ بِاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ ، فَلَا تُلْهِيَنَّكُمْ عَنِ الْآخِرَةِ " .

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ شَبِيبٍ الصَّنْعَانِيُّ ، قَالَ : كَانَ فِيمَا عَرَضْنَا عَلَى رَبَاحِ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ [ ص: 387 ] بَحِيرٍ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا تَنْسَوُا الْعَظِيمَتَيْنِ " . قُلْنَا : وَمَا الْعَظِيمَتَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " الْجَنَّةُ وَالنَّارُ " .

وَقَالَ كُلْثُومُ بْنُ عِيَاضٍ الْقُشَيْرِيُّ ، عَلَى مِنْبَرِ دِمَشْقَ أَيَّامَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ : مَنْ آثَرَ اللَّهَ آثَرَهُ اللَّهُ ، فَرَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا اسْتَعَانَ بِنِعْمَتِهِ عَلَى طَاعَتِهِ ، وَلَمْ يَسْتَعِنْ بِنِعْمَتِهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ; فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى صَاحِبِ الْجَنَّةِ سَاعَةٌ إِلَّا وَهُوَ يَزْدَادُ فِيهَا صِنْفًا مِنَ النِّعْمَةِ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ ، وَلَا يَأْتِي عَلَى صَاحِبِ الْعَذَابِ سَاعَةٌ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَنْكِرُ لِشَيْءٍ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ . كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مُتَوَلِّيًا عَلَى دِمَشْقَ أَيَّامَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَى غَزْوِ بِلَادِ الْمَغْرِبِ ، فَقُتِلَ هُنَاكَ ، رَحِمَهُ اللَّهُ . أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ

=41ذِكْرُ أَنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ ، وَهَى الْأَعْمَالُ الشَّاقَّةُ عَلَى الْأَنْفُسِ مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَكْرُوهَاتِ ، كَقَوْلِهِ : " إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ " . وَأَنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا حَسَنٌ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ [ ص: 388 ] الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ " . وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ - زَادَ مُسْلِمٌ : وَحُمَيْدٌ - كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسٍ ، بِهِ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : صَحِيحٌ غَرِيبٌ .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ النَّضْرِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ حَسَنٌ لِمَا لَهُ مِنَ الشَّوَاهِدِ .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ ، قَالَ : انْظُرْ إِلَيْهَا ، وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ فِيهَا لِأَهْلِهَا . فَجَاءَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا . فَأَمَرَ بِهَا ، فَحُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ ، قَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهَا ، فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا " . قَالَ : " فَرَجَعَ إِلَيْهَا ، فَإِذَا هِيَ قَدْ حُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ قَالَ : اذْهَبْ إِلَى النَّارِ ، فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا . فَجَاءَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ [ ص: 389 ] لِأَهْلِهَا فِيهَا ، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَرَجَعَ فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ ، لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا . فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ ، فَرَجَعَ فَقَالَ : وَعِزَّتِكَ ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ .

وَقَالَ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَكْثَرُ مَا يَلِجُ بِهِ الْإِنْسَانُ النَّارَ الْأَجْوَفَانِ ; الْفَرْجُ وَالْفَمُ ، وَأَكْثَرُ مَا يَلِجُ بِهِ الْإِنْسَانُ الْجَنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ "

=42فَصْلٌ ( أَنْوَاعُ الْمَسَرَّاتِ وَالنَّعِيمِ فِي جَنَّاتِ الْخُلْدِ )

النَّارُ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ ، وَدَاخِلُهَا كُلُّهُ مَضَرَّاتٌ وَعُقُوبَاتٌ وَحَسَرَاتٌ ، وَالْجَنَّةُ حُفَّتْ وَحُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ ، وَدَاخِلُهَا أَنْوَاعُ الْمَسَرَّاتِ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ مِنْ أَصْنَافِ اللَّذَّاتِ ، كَمَا أَوْرَدْنَاهُ فِي الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ ، وَالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَاتِ .

فَمِنْ نَعِيمِهِمُ الْمُقِيمِ ، وَلَذَّتِهِمُ الْمُسْتَمِرَّةِ الطَّرَبُ الَّذِي لَمْ تَسْمَعِ الْآذَانُ بِمِثْلِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ [ الرُّومِ : 15 ] . قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ : هُوَ السَّمَاعُ فِي الْجَنَّةِ .

[ ص: 390 ] وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ ، يُرَفِّعْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعِ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهَا " . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَبِي سَعِيدٍ ، وَأَنَسٍ .

قُلْتُ : وَكَذَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَأَبِي أُمَامَةَ .

=43حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ : قَالَ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ حَفْصٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَرًا طُولَ الْجَنَّةِ ، حَافَّتَاهُ الْعَذَارَى قِيَامٌ مُتَقَابِلَاتٌ ، يُغَنِّينَ بِأَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا الْخَلَائِقُ ، حَتَّى مَا يَرَوْنَ فِي الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا . قُلْنَا : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، وَمَا ذَاكَ الْغِنَاءُ ؟ قَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ التَّسْبِيحُ ، وَالتَّحْمِيدُ ، وَالتَّقْدِيسُ ، وَثَنَاءٌ عَلَى الرَّبِّ ، عَزَّ وَجَلَّ .

وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي " صِفَةِ الْجَنَّةِ " مِنْ طَرِيقِ مَسْلَمَةَ بْنِ عُلَيٍّ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً جُذُوعُهَا مِنْ [ ص: 391 ] ذَهَبٍ ، وَفُرُوعُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ وَلُؤْلُؤٍ ، فَتَهُبُّ لَهَا رِيحٌ ، فَتَصْطَفِقُ ، فَمَا يَسْمَعُ السَّامِعُونَ بِصَوْتِ شَيْءٍ قَطُّ أَلَذَّ مِنْهُ " .

وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا تُحَرِّكُهَا الرِّيَاحُ ، فَتَتَحَرَّكُ بِصَوْتِ كُلِّ لَهْوٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا .

=44حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ : قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : حُدِّثْتُ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ آجَامًا مِنْ قَصَبٍ مِنْ ذَهَبٍ ، حَمْلُهَا اللُّؤْلُؤُ ، فَإِذَا اشْتَهَى أَهْلُ الْجَنَّةِ أَنْ يَسْمَعُوا صَوْتًا حَسَنًا بَعَثَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، عَلَى تِلْكَ الْآجَامِ رِيحًا ، فَتَأْتِيَهِمْ بِكُلِّ صَوْتٍ يَشْتَهُونَهُ

=45حَدِيثُ أَنَسٍ : قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ لَيُغَنِّينَ فِي الْجَنَّةِ يَقُلْنَ : نَحْنُ الْحُورُ الْحِسَانُ ، خُلِقْنَا لِأَزْوَاجٍ كِرَامٍ "

=46[ ص: 392 ] حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ : قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ - مِنْ أَصْلِهِ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ ، حَدَّثَنِي سَعْدٌ الطَّائِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُزَوَّجُ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعَةُ آلَافِ بِكْرٍ ، وَثَمَانِيَةُ آلَافِ أَيِّمٍ ، وَمِائَةُ حَوْرَاءَ ، فَيَجْتَمِعْنَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ ، فَيَقُلْنَ بِأَصْوَاتٍ حِسَانٍ لَمْ تَسْمَعِ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهَا . نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتِ فَلَا نَسْخَطُ ، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ "

=47حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ : قَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا أَبُو رِفَاعَةَ عُمَارَةُ بْنُ وَثِيمَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ الْفُرَاتِ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ : نَحْنُ الْخَيْرَاتُ الْحِسَانُ ، أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ ، يَنْظُرْنَ بِقُوَّةِ أَعْيَانٍ . وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُتْنَهْ ، نَحْنُ الْآمِنَاتُ فَلَا نَخَفْنَهْ ، نَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنَّهْ "

=48حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ : قَالَ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، [ ص: 393 ] حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا وَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ ثِنْتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ يُغَنِّيَانِهِ بِأَحْسَنِ صَوْتٍ سَمِعَهُ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ، وَلَيْسَ بِمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ " .

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِابْنِ شِهَابٍ : هَلْ فِي الْجَنَّةِ سَمَاعٌ ; فَإِنَّهُ حُبِّبَ إِلَيَّ السَّمَاعُ ؟ فَقَالَ : إِي وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ شِهَابٍ بِيَدِهِ ، إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرًا حَمْلُهُ اللُّؤْلُؤُ وَالزَّبَرْجَدُ ، تَحْتَهُ جَوَارٍ نَاهِدَاتٌ يَتَغَنَّيْنَ بِالْقُرْآنِ ، وَيَقُلْنَ : نَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ ، وَنَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ . فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الشَّجَرُ صَفَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا ، فَأَجَبْنَ " الْجَوَارِيَ " فَلَا يُدْرَى أَصْوَاتُ الْجَوَارِي أَحْسَنُ أَمْ أَصْوَاتُ الشَّجَرِ .

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَحَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ : أَنَّ الْحُورَ يُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ ، يَقُلْنَ : نَحْنُ الْخَيْرَاتُ الْحِسَانُ ، أَزْوَاجُ شَبَابٍ كِرَامٍ ، وَنَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ ، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ . فِي صَدْرِ إِحْدَاهُنَّ مَكْتُوبٌ : أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّكَ ، انْتَهَتْ نَفْسِي عِنْدَكَ ، لَمْ تَرَ عَيْنَايَ مِثْلَكَ .

وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ : أَنَّ الْحُورَ الْعِينَ يَتَلَقَّيْنَ أَزْوَاجَهُنَّ عِنْدَ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُلْنَ : طَالَمَا انْتَظَرْنَاكُمْ ، نَحْنُ [ ص: 394 ] الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ . فَذَكَرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَفِيهِ : وَتَقُولُ : أَنْتَ حِبِّي وَأَنَا حِبُّكَ ، لَيْسَ دُونَكَ مَقْصِدٌ ، وَلَا وَرَاءَكَ مَعْدِلٌ .

وَهَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا رَوَاهَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَغَيْرُهُ ، وَفِيهَا نَظَرٌ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْحَارِثِيُّ ، قَالَ : حُدِّثْتُ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ آجَامًا مِنْ قَصَبٍ مِنْ ذَهَبٍ ، حَمْلُهَا اللُّؤْلُؤُ ، فَإِذَا اشْتَهَى أَهْلُ الْجَنَّةِ أَنْ يَسْمَعُوا صَوْتًا حَسَنًا بَعَثَ اللَّهُ عَلَى تِلْكَ الْآجَامِ رِيحًا ، فَتَأْتِيهِمْ بِكُلِّ صَوْتٍ يَشْتَهُونَهُ .

وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَهُوَ وَهْمٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ

=49نَوْعٌ آخَرُ مِنَ السَّمَاعِ أَعْلَى مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ

ذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، وَحَجَّاجٍ الْأَسْوَدِ ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يَقُولُ لِمَلَائِكَتِهِ : إِنَّ عِبَادِي كَانُوا يُحِبُّونَ الصَّوْتَ الْحَسَنَ فِي الدُّنْيَا ، وَيَدَعُونَهُ مِنْ أَجْلِي ، فَأَسْمِعُوا عِبَادِي ، فَيَأْخُذُونَ [ ص: 395 ] بِأَصْوَاتٍ مِنْ تَهْلِيلٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ لَمْ يَسْمَعُوا بِمِثْلِهَا قَطُّ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ : أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يُنَزِّهُونَ أَسْمَاعَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ عَنْ مَجَالِسِ اللَّهْوِ ، وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ ، أَسْكِنُوهُمْ رِيَاضَ الْمِسْكِ . ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ : أَسْمِعُوهُمْ تَمْجِيدِي وَتَحْمِيدِي ، وَأَخْبِرُوهُمْ أَنْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنِي دَهْثَمُ بْنُ الْفَضْلِ الْقُرَشِيُّ ، حَدَّثَنَا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحْسَنُ صَوْتًا مِنْ إِسْرَافِيلَ ، فَيَأْمُرُهُ اللَّهُ فَيَأْخُذُ فِي السَّمَاعِ ، فَمَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ فِي السَّمَاوَاتِ إِلَّا قَطَعَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ ، فَيَمْكُثُ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي ، لَوْ يَعْلَمُ الْعِبَادُ قَدْرَ عَظَمَتِي مَا عَبَدُوا غَيْرِي .

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ [ ص : 25 ] . قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُمِرَ بِمِنْبَرٍ رَفِيعٍ ، فَوُضِعَ فِي الْجَنَّةِ ، [ ص: 396 ] ثُمَّ نُودِيَ : يَا دَاوُدُ ، مَجِّدْنِي بِذَلِكَ الصَّوْتِ الْحَسَنِ الرَّخِيمِ الَّذِي كُنْتَ تُمَجِّدُنِي بِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا . قَالَ : فَيَسْتَفْرِغُ صَوْتُ دَاوُدَ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ

=50نَوْعٌ آخَرُ أَعْلَى مِمَّا عَدَاهُ

وَهُوَ سَمَاعُهُمْ كَلَامَ الرَّبِّ ، عَزَّ وَجَلَّ ، إِذَا خَاطَبَهُمْ فِي الْمَجَامِعِ الَّتِي يَجْتَمِعُونَ فِيهَا بَيْنَ يَدَيْهِ سُبْحَانَهُ ، فَيُخَاطِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِأَعْمَالِهِ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَجَلَّى لَهُمْ جَهْرَةً ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى : سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [ يس : 58 ] . وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ فِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " ، وَغَيْرِهِ .

وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبِهَانِيُّ ، مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ : إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَدْخُلُونَ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى الْجَبَّارِ ، جَلَّ جَلَالُهُ ، فَيَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ، وَقَدْ جَلَسَ كُلُّ امْرِئٍ مَجْلِسَهُ الَّذِي هُوَ مَجْلِسُهُ عَلَى مَنَابِرِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالذَّهَبِ وَالزُّمُرُّدِ ، فَلَمْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُمْ بِشَيْءٍ ، وَلَمْ يَسْمَعُوا شَيْئًا قَطُّ أَعْظَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْهُ ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى رِحَالِهِمْ بِأَعْيُنٍ قَرِيرَةٍ ، وَأَعْيُنُهُمْ [ ص: 397 ] إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْغَدِ مُتَطَلِّعَةٌ .

وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ ، مِنْ حَدِيثِ شُبَّانَ بْنِ جِسْرِ بْنِ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ مَرْفُوعًا : إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَغْدُونَ فِي حُلَّةٍ ، وَيَرُوحُونَ فِي حُلَّةٍ أُخْرَى كَغُدُوِّ أَحَدِكُمْ وَرَوَاحِهِ إِلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا ، كَذَلِكَ يَغْدُونَ وَيَرُوحُونَ إِلَى رَبِّهِمْ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَذَلِكَ لَهُمْ بِمَقَادِيرَ ، وَمَعَالِمَ يَعْلَمُونَ تِلْكَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتُونَ فِيهَا رَبَّهُمْ ، عَزَّ وَجَلَّ .

=51ذِكْرُ خَيْلِ الْجَنَّةِ

قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ خَيْلٍ ؟ فَقَالَ : " إِنِ اللَّهُ أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ فَلَا تَشَاءُ أَنْ تُحْمَلَ فِيهَا عَلَى فَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ يَطِيرُ بِكَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتَ " . قَالَ : وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ إِبِلٍ ؟ قَالَ : فَلَمْ يَقُلْ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِصَاحِبِهِ ، قَالَ : " إِنْ يُدْخِلْكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ ، يَكُنْ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ " . ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ سُوَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ [ ص: 398 ] الْمُبَارَكِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ ، مُرْسَلًا ، قَالَ ؟ وَهَذَا أَصَحُّ .

وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي " صِفَةِ الْجَنَّةِ " مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَاهَا سُمُوًّا ، وَأَوْسَعُهَا مَحَلًّا ، وَفِيهَا تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ، وَعَلَيْهَا يُوضَعُ الْعَرْشُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي حُبِّبَ إِلَيَّ الْخَيْلُ ، فَهَلْ فِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ ؟ قَالَ : " إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْلًا ، وَإِبِلًا هَفَّافَةً ، تَزِفُّ بَيْنَ خِلَالِ وَرَقِ الْجَنَّةِ ، يَتَزَاوَرُونَ عَلَيْهَا حَيْثُ شَاءُوا " .

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ الْأَحْمَسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي سَوْرَةَ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ : أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُحِبُّ الْخَيْلَ ، أَفِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ أُدْخِلْتَ الْجَنَّةَ أُتِيتَ بِفَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ لَهُ جَنَاحَانِ ، فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طَارَ بِكَ حَيْثُ شِئْتَ " . ثُمَّ ضَعَّفَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْإِسْنَادَ مِنْ جِهَةِ أَبِي سَوْرَةَ ابْنِ أَخِي أَبِي أَيُّوبَ ، فَإِنَّهُ قَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَاسْتَنْكَرَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَهُ هَذَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

[ ص: 399 ] وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ : حَدَّثَنَا ابْنُ زَيْدٍ ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : يُذْكَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً الَّذِي يَرْكَبُ فِي أَلْفِ أَلْفٍ مِنْ خَدَمِهِ مِنَ الْوِلْدَانِ الْمُخَلَّدِينَ ، عَلَى خَيْلٍ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ ، لَهَا أَجْنِحَةٌ مِنْ ذَهَبٍ " ثُمَّ قَرَأَ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [ الْإِنْسَانِ : 20 ] . قُلْتُ : فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَبَيْنَ الْحَسَنِ ، ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ .

وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا : " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَزَاوَرُونَ عَلَى نَجَائِبَ بِيضٍ كَأَنَّهَا الْيَاقُوتُ ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْبَهَائِمِ إِلَّا الْخَيْلُ وَالْإِبِلُ " .

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ : حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : فِي الْجَنَّةِ عِتَاقُ الْخَيْلِ وَكِرَامُ النَّجَائِبِ ، يَرْكَبُهَا أَهْلُهَا . وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى حَصْرٍ ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي نُعَيْمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ ، ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الشَّاةُ مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ " . وَهَذَا مُنْكَرٌ أَيْضًا .

[ ص: 400 ] وَفِي " مُسْنَدِ الْبَزَّارِ " عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَحْسِنُوا إِلَى الْمِعْزَى وَأَمِيطُوا عَنْهَا الْأَذَى ، فَإِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ " .

وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جَاءَتْهُمْ خُيُولٌ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ ، لَهَا أَجْنِحَةٌ ، لَا تَبُولُ وَلَا تَرُوثُ ، فَقَعَدُوا عَلَيْهَا ، ثُمَّ طَارَتْ بِهِمْ فِي الْجَنَّةِ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنْ سُلْطَانِهِ ، فَيَتَجَلَّى لَهُمُ الْجَبَّارُ تَعَالَى ، فَإِذَا رَأَوْهُ خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ، فَيَقُولُ لَهُمُ الْجَبَّارُ تَعَالَى : ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِيَوْمِ عَمَلٍ ، إِنَّمَا هُوَ يَوْمُ نَعِيمٍ وَكَرَامَةٍ . فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ ، فَيُمْطِرُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طِيبًا ، فَيَمُرُّونَ بِكُثْبَانِ الْمِسْكِ ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، عَلَى تِلْكَ الْكُثْبَانِ رِيحًا ، فَتَهِيجُهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ ، وَإِنَّهُمْ لَشُعْثٌ غُبْرٌ " .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ جِسْرٍ ، [ ص: 401 ] حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ أَعْلَاهَا حُلَلٌ ، وَمِنْ أَسْفَلِهَا خَيْلٌ مِنْ ذَهَبٍ مُسْرَجَةٌ مُلْجَمَةٌ مِنْ دُرٍّ وَيَاقُوتٍ ، لَا تَرُوثُ ، وَلَا تَبُولُ ، لَهَا أَجْنِحَةٌ ، خَطْوُهَا مَدُّ بَصَرِهَا ، فَيَرْكَبُهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ ، فَتَطِيرُ بِهِمْ حَيْثُ شَاءُوا ، فَيَقُولُ الَّذِينَ أَسْفَلَ مِنْهُمْ دَرَجَةً : يَا رَبِّ ، بِمَ بَلَغَ عِبَادُكَ هَذِهِ الْكَرَامَةَ كُلَّهَا ؟ فَيُقَالُ لَهُمْ : كَانُوا يُصَلُّونَ اللَّيْلَ وَكُنْتُمْ تَنَامُونَ ، وَكَانُوا يَصُومُونَ وَكُنْتُمْ تَأْكُلُونَ ، وَكَانُوا يُنْفِقُونَ وَكُنْتُمْ تَبْخَلُونَ ، وَكَانُوا يُقَاتِلُونَ وَكُنْتُمْ تَجْبُنُونَ "

=52ذِكْرُ تَزَاوُرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَتَذَاكُرِهِمْ أُمُورًا كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ طَاعَاتٍ وَزَلَّاتٍ

قَالَ تَعَالَى : وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [ الطَّوْرِ : 25 - 28 ] .

وَقَالَ تَعَالَى : فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ : أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ [ الصَّافَّاتِ : 50 - 62 ] .

[ ص: 402 ] قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ دِينَارٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، فَيَشْتَاقُ الْإِخْوَانُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، فَيَسِيرُ سَرِيرُ هَذَا إِلَى سَرِيرِ هَذَا ، حَتَّى يَجْتَمِعَا جَمِيعًا ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : تَعْلَمُ مَتَى غَفَرَ اللَّهُ لَنَا ؟ فَيَقُولُ صَاحِبُهُ : كُنَّا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ، فَدَعَوْنَا اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَغَفَرَ لَنَا " .

وَقَالَ تَعَالَى : فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ : فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [ الصَّافَّاتِ : 50 - 61 ] . وَهَذَا الْقَرِينُ يَشْمَلُ الْإِنْسِيَّ وَالْجِنِّيَّ ، يَقُولُ : كَانَ يُوَسْوِسُ لِي بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَاسْتِبْعَادِ أَمْرِ الْمَعَادِ ، فَبِرَحْمَةِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ نَجَوْتُ مِنْهُ . ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّلِعُوا مَعَهُ عَلَى النَّارِ ، لِيَنْظُرَ مَا حَالُ قَرِينِهِ ، فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ . أَيْ : فِي غَمَرَاتِهَا يُعَذَّبُ ، فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى نَجَاتِهِ مِمَّا قَرِينُهُ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ .

[ ص: 403 ] ثُمَّ قَالَ : تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ . أَيْ : مَعَكَ فِيمَا أَنْتَ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ . ثُمَّ ذَكَرَ الْغِبْطَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا ، وَشَكَرَ اللَّهَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ . أَيْ : أَمَا قَدْ نَجَوْنَا مِنَ الْمَوْتِ وَالْعَذَابِ بِدُخُولِنَا الْجَنَّةَ ؟ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَمَامِ مَقَالَةِ الْمُؤْمِنِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، حَثًّا لِعِبَادِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْفَوْزِ ، وَلِيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ فِي الْفَوْزِ عِنْدَهُ مِنَ النَّارِ ، وَدُخُولِ الْجَنَّةِ ، لَا مَوْتَ فِيهَا . وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ ، قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي " التَّفْسِيرِ " .

وَذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ " شَرْحِ الْبُخَارِيِّ " فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ حَدِيثَ حَارِثَةَ حِينَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ ؟ " فَقَالَ : أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا . قَالَ : " فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ ؟ " قَالَ : عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ، فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا ، وَإِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا ، وَإِلَى أَهْلِ النَّارِ يُعَذَّبُونَ فِيهَا . فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ " .

وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَزُورُ الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ ، وَلَا يَزُورُ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى .

قُلْتُ : وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ صَاحِبَ الْمَرْتَبَةِ السَّافِلَةِ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّاهَا; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ [ ص: 404 ] أَهْلِيَّةٌ لِذَلِكَ .

الثَّانِي : لِئَلَّا يَرَى مِنَ النَّعِيمِ فَوْقَ مَا هُوَ فِيهِ ، فَيَحْزَنَ لِذَلِكَ ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ حُزْنٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ وَرَدَ مَا قَالَهُ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا قَالَ ; فَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ شَرِيكٍ ، عَنْ بِشْرِ بْنِ نُمَيْرٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيَتَزَاوَرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " يَزُورُ الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ ، وَلَا يَزُورُ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى إِلَّا الَّذِينَ يَتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ مِنْهَا حَيْثُ شَاءُوا عَلَى النُّوقِ مُحْتَقِبِينَ الْحَشَايَا " .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ، أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ الْعِجْلِيِّ ، عَنْ شُفَيِّ بْنِ مَاتِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ مِنْ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ عَلَى الْمَطَايَا وَالنُّجُبِ ، وَأَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ فِي الْجَنَّةِ [ ص: 405 ] بِخَيْلٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ ، لَا تَرُوثُ وَلَا تَبُولُ فَيَرْكَبُونَهَا ، حَتَّى يَنْتَهُوا ، حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَتَأْتِيَهُمْ [ 157 ] مِثْلَ السَّحَابَةِ فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، فَيَقُولُونَ : أَمْطِرِي عَلَيْنَا ، فَمَا يَزَالُ الْمَطَرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ ذَلِكَ فَوْقَ أَمَانِيهِمْ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا غَيْرَ مُؤْذِيَةٍ ، فَتَنْسِفُ كُثْبَانًا مِنْ مِسْكٍ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ فَيَأْخُذُ ذَلِكَ الْمِسْكُ فِي نَوَاصِي خُيُولِهِمْ ، وَفِي مَعَارِفِهَا ، وَفِي رُءُوسِهِمْ ، وَلِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ جُمَّةٌ عَلَى مَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ ، فَيَتَعَلَّقُ ذَلِكَ الْمِسْكُ فِي تِلْكَ الْجِمَامِ ، فِي الْخَيْلِ ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الثِّيَابِ ، ثُمَّ يَنْقَلِبُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِذَا الْمَرْأَةُ تُنَادِي بَعْضَ أُولَئِكَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ أَمَا لَكَ فِينَا حَاجَةٌ ؟ فَيَقُولُ : مَا أَنْتِ ؟ وَمَنْ أَنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أَنَا زَوْجَتُكَ وَحِبُّكَ : فَيَقُولُ : مَا كُنْتُ عَلِمْتُ بِمَكَانِكِ . فَتَقُولُ : أَوَمَا تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَ : فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ السَّجْدَةِ : 17 ] . فَيَقُولُ : بَلَى وَرَبِّي . فَلَعَلَّهُ يَشْتَغِلُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا ، لَا يَلْتَفِتُ وَلَا يَعُودُ ، مَا يَشْغَلُهُ عَنْهَا إِلَّا مَا هُوَ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ وَالْكَرَامَةِ ، وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ غَرِيبٌ جِدًّا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَنْعُمٍ ، عَنْ [ ص: 406 ] أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَزَاوَرُونَ عَلَى الْعِيسِ الْخُورِ ، عَلَيْهَا رِحَالُ الْمَيْسِ ، تُثِيرُ مَنَاسِمُهَا غُبَارَ الْمِسْكِ ، خِطَامُ أَوْ زِمَامُ - أَحَدِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا .

وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [ الزُّمَرِ : 68 ] ، قَالَ : هُمُ الشُّهَدَاءُ ، يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ مُتَقَلِّدِينَ أَسْيَافَهُمْ حَوْلَ عَرْشِهِ ، فَأَتَاهُمْ مَلَائِكَةٌ مِنَ الْمَحْشَرِ بِنَجَائِبَ مِنْ يَاقُوتٍ ، أَزِمَّتُهَا الدُّرُّ الْأَبْيَضُ ، بِرِحَالِ الذَّهَبِ ، أَعِنَّتُهَا السُّنْدُسُ وَالْإِسْتَبْرَقُ ، وَنَمَارِقُهَا مِنَ الْحَرِيرِ ، تَمْتَدُّ خُطَاهَا مَدَّ أَبْصَارِ الرِّجَالِ ، يَسِيرُونَ فِي الْجَنَّةِ [ ص: 407 ] عَلَى خُيُولٍ ، يَقُولُونَ عِنْدَ طُولِ النُّزْهَةِ : انْطَلِقُوا بِنَا نَنْظُرْ كَيْفَ يَقْضِي اللَّهُ بَيْنَ خَلْقِهِ ؟ يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ ، وَإِذَا ضَحِكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِلَى عَبْدٍ فَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَرَوِيُّ ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ يَزِيدَ الْمَوْصِلِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبُو إِلْيَاسَ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ( ح )

وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ ، حَدَّثَنِي إِدْرِيسُ بْنُ سِنَانٍ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، قَالَ إِدْرِيسُ : ثُمَّ لَقِيتُهُ فَحَدَّثَنِي ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً ، يُقَالُ لَهَا : طُوبَى . لَوْ سَخَّرَ الْجَوَادَ الرَّاكِبُ أَنْ يَسِيرَ فِي ظِلِّهَا لَسَارَ فِيهِ مِائَةَ عَامٍ ، وَرَقُهَا بُرُودٌ خُضْرٌ ، وَزَهْرُهَا رِيَاطٌ صُفْرٌ ، وَأَقْنَاؤُهَا سُنْدُسٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ، وَثَمَرُهَا حُلَلٌ ، وَصَمْغُهَا زَنْجَبِيلٌ وَعَسَلٌ ، وَبَطْحَاؤُهَا يَاقُوتٌ أَحْمَرُ وَزُمُرُّدٌ أَخْضَرُ ، وَتُرَابُهَا مِسْكٌ ، [ ص: 408 ] وَحَشِيشُهَا زَعْفَرَانٌ مُونِعٌ ، وَالْأَلَنْجُوجُ يَفُوحُ مِنْ غَيْرِ وَقُودٍ ، وَيَتَفَجَّرُ مِنْ أَصْلِهَا السَّلْسَبِيلُ وَالرَّحِيقُ ، وَظِلُّهَا مَجْلِسٌ مِنْ مَجَالِسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَأْلَفُونَهُ ، وَمُتَحَدَّثٌ لِجَمِيعِهِمْ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَوْمًا يَتَحَدَّثُونَ فِي ظِلِّهَا إِذْ جَاءَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَقُودُونَ نَجَائِبَ مِنَ الْيَاقُوتِ قَدْ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ ، مَزْمُومَةً بِسَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ ، كَأَنَّ وُجُوهَهَا الْمَصَابِيحُ نَضَارَةً وَحُسْنًا ، وَبَرُهَا خَزٌّ أَحْمَرُ وَمِرْعِزَّى أَبْيَضُ مُخْتَلِطَانِ ، لَمْ يَنْظُرِ النَّاظِرُونَ إِلَى مِثْلِهَا ، عَلَيْهَا رَحَائِلُ أَلْوَاحُهَا مِنَ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ ، مُفَضَّضَةٌ بِاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ ، صَفَائِحُهَا مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ ، مُلَبَّسَةٌ بِالْعَبْقَرِيِّ وَالْأُرْجُوَانِ ، فَأَنَاخُوا لَهُمْ تِلْكَ النُّجُبَ ، ثُمَّ قَالُوا لَهُمْ : إِنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ يُقْرِئُكُمُ السَّلَامَ ، وَيَسْتَزِيرُكُمْ ; لِيَنْظُرَ إِلَيْكُمْ وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ ، وَتُحَيُّونَهُ ، وَيُحَيِّيكُمْ ، وَيُكَلِّمُكُمْ وَتُكَلِّمُونَهُ ، وَيَزِيدُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ، إِنَّهُ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَفَضْلٍ عَظِيمٍ . فَيَتَحَوَّلُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، ثُمَّ انْطَلَقُوا صَفًّا وَاحِدًا مُعْتَدِلًا ، لَا يَفُوتُ شَيْءٌ مِنْهُ شَيْئًا ، وَلَا تَفُوتُ أُذُنُ نَاقَةٍ أُذُنَ صَاحِبَتِهَا ، وَلَا [ ص: 409 ] يَمُرُّونَ بِشَجَرَةٍ مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَتْحَفَتْهُمْ مِنْ ثَمَرِهَا ، وَرَحَلَتْ لَهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمْ كَرَاهَةَ أَنْ تَثْلَمَ صَفَّهُمْ ، أَوْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَرَفِيقِهِ ، فَلَمَّا رُفِعُوا إِلَى الْجَبَّارِ تَعَالَى أَسْفَرَ لَهُمْ عَنْ وَجْهِهِ الْكَرِيمُ ، وَتَجَلَّى لَهُمْ فِي عَظَمَتِهِ الْعَظِيمُ ، فَحَيَّاهُمْ بِالسَّلَامِ ، فَقَالُوا : رَبَّنَا أَنْتَ السَّلَامُ ، وَمِنْكَ السَّلَامُ ، وَلَكَ حَقُّ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ . فَقَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ : إِنِّي أَنَا السَّلَامُ وَمِنِّي السَّلَامُ ، وَلِي حَقُّ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، مَرْحَبًا بِعِبَادِي الَّذِينَ حَفِظُوا وَصِيَّتِي ، وَرَعَوْا حَقِّي ، وَخَافُوا بِالْغَيْبِ وَكَانُوا مِنِّي عَلَى كُلِّ حَالٍ مُشْفِقِينَ . قَالُوا : وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ وَعُلُوِّ مَكَانِكَ مَا قَدَرْنَاكَ حَقَّ قَدْرِكَ ، أَدَّيْنَا إِلَيْكَ كُلَّ حَقِّكَ فَأْذَنْ لَنَا فِي السُّجُودِ لَكَ . فَقَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ : إِنِّي قَدْ وَضَعْتُ عَنْكُمْ مُؤْنَةَ الْعِبَادَةِ ، وَأَرَحْتُ لَكُمْ أَبْدَانَكُمْ ، فَطَالَمَا أَنْصَبْتُمْ لِيَ الْأَبْدَانَ ، وَأَعْنَيْتُمْ لِيَ الْوُجُوهَ ، فَالْآنَ أَفْضَيْتُمْ إِلَيَّ رَوْحِي وَرَحْمَتِي وَكَرَامَتِي ، فَسَلُونِي مَا شِئْتُمْ ، وَتَمَنَّوْا عَلَيَّ أُعْطِكُمْ أَمَانِيَّكُمْ ، فَإِنِّي لَنْ أَجْزِيَكُمُ الْيَوْمَ بِقَدْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَلَكِنْ بِقَدْرِ رَحْمَتِي وَفَضْلِي وَطَوْلِي وَكَرَامَتِي وَعُلُوِّ مَكَانِي وَعَظَمَةِ شَأْنِي فَمَا يَزَالُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالْأَمَانِيِّ وَالْعَطَايَا وَالْمَوَاهِبِ ، حَتَّى إِنَّ الْمُقَصِّرَ فِي أُمْنِيَّتِهِ لَيَتَمَنَّى مِثْلَ جَمِيعِ الدُّنْيَا مُنْذُ خَلَقَهَا اللَّهُ إِلَى يَوْمِ أَفْنَاهَا ، فَقَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ : لَقَدْ قَصَّرْتُمْ فِي أَمَانِيِّكُمْ ، وَرَضِيتُمْ بِدُونِ مَا يَحِقُّ لَكُمْ ، فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَتَمَنَّيْتُمْ ، وَأَلْحَقْتُ بِكُمْ ذُرِّيَّتَكُمْ ، [ ص: 410 ] وَزِدْتُكُمْ أَضْعَافَ مَا قَصَّرَتْ عَنْهُ أَمَانِيُّكُمْ " . وَهَذَا مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ جِدًّا ، وَفِيهِ أَلْفَاظٌ مُنْكَرَةٌ وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَعْضِ كَلَامِ التَّابِعِينَ ، أَوْ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ السَّلَفِ ، فَوَهِمَ بَعْضُ الرُّوَاةِ فَجَعَلَهُ مَرْفُوعًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

=53ذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ

[ 581 و ] ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ ثُمَّ أُمَّتُهُ قَبْلَ الْأُمَمِ ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي " صَحِيحِمُسْلِمٍ " عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ " . وَعِنْدَهُ أَيْضًا عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنِّي آتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَأَسْتَفْتِحُ ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَأَقُولُ : مُحَمَّدٌ . فَيَقُولُ : بِكَ أُمِرْتُ أَنْ لَا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ " .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْأَغْنِيَاءَ وَالنِّسَاءَ " .

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَنْبَأَ هِشَامٌ [ ص: 411 ] الدَّسْتُوَائِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عَامِرٍ الْعُقَيْلِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ مِنْ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، وَأَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ ، فَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ; فَالشَّهِيدُ ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ لَمْ يَشْغَلْهُ رِقُّ الدُّنْيَا عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ ، وَفَقِيرٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ ، وَأَمَّا أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ ; فَأَمِيرٌ مُسَلَّطٌ ، وَذُو ثَرْوَةٍ مِنَ الْمَالِ لَا يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ مِنْ مَالِهِ ، وَفَقِيرٌ فَخُورٌ " .

وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ، مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .

وَفِي حَدِيثِ غَالِبٍ الْقَطَّانِ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا وَقَفَ الْعِبَادُ لِلْحِسَابِ جَاءَ قَوْمٌ وَاضِعِي سُيُوفِهِمْ عَلَى رِقَابِهِمْ تَقْطُرُ دَمًا ، فَازْدَحَمُوا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَقِيلَ : مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالُوا : الشُّهَدَاءُ ، كَانُوا أَحْيَاءً يُرْزَقُونَ . ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ : لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، فَلْيَدْخُلِ الْجَنَّةَ . ثُمَّ نَادَى الثَّانِيَةَ : لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَلْيَدْخُلِ الْجَنَّةَ . قَالُوا : وَمَنِ الَّذِي أَجْرُهُ [ ص: 412 ] عَلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الْعَافُونَ عَنِ النَّاسِ . ثُمَّ نَادَى الثَّالِثَةَ : لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَلْيَدْخُلِ الْجَنَّةَ . فَقَامَ كَذَا وَكَذَا أَلْفًا ، فَدَخَلُوا بِغَيْرِ حِسَابٍ " .

وَفِي حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ " . وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ وَ " سُنَنِ النَّسَائِيِّ " ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، نَحْنُ أَوَّلُ النَّاسِ دُخُولًا الْجَنَّةَ " . الْحَدِيثَ بِطُولِهِ .

وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ " .

وَرَوَى الْحَافِظُ الضِّيَاءُ ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ ص: 413 ] " إِنَّ الْجَنَّةَ حُرِّمَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ حَتَّى أَدْخُلَهَا ، وَحُرِّمَتْ عَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَ أُمَّتِي " .

" سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ مَوْلَى آلِ جَعْدَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : " أَتَانِي جِبْرِيلُ ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَرَانِي بَابَ الْجَنَّةِ الَّذِي تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِي " . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم¡