[
ص: 5 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنَ
الرَّحِيمِ
ذِكْرُ الْعَرْضِ عَلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَطَايُرِ الصُّحُفِ وَمُحَاسَبَةِ
الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ
جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ
نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ
مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ
لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا
عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [ الْكَهْفِ : 48 - 49 ] . وَقَالَ تَعَالَى : وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ
بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ [ الزُّمَرِ : 69
] إِلَى آخَرِ السُّورَةِ ، وَقَالَ تَعَالَى : وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ الْآيَةَ . [ الْأَنْعَامِ : 94 ] وَقَالَ تَعَالَى
: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا
ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ
فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا
تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا
عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ
وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَفْتَرُونَ [ يُونُسَ : 28 - 30 ] ، وَقَالَ
تَعَالَى : وَيَوْمَ
نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ
الْإِنْسِ . إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى
: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ
مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِيَ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ
هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا الْآيَةَ
[ الْأَنْعَامِ 128 - 130 ] . وَقَالَ تَعَالَى : يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ
[ ص: 6 ] [ الْحَاقَّةِ : 18 ]
. وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا ، وَسَيَأْتِي فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مَا
يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ .
وَتَقَدَّمَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
: " إِنَّكُمْ
مُلَاقُو اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ " [ الْأَنْبِيَاءِ : 104
] . وَعَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمَا نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ
.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ الْأَصَمُّ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا
مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ
; فَعَرْضَتَانِ جِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ ، وَعَرْضَةٌ
تَطَايُرُ الصُّحُفِ ، فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ، وَحُوسِبَ
حِسَابًا يَسِيرًا ، دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشَمَالِهِ
دَخَلَ النَّارَ " .
وَقَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ
بْنُ عَلِيِّ بْنِ رِفَاعَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ
، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " يُعْرَضُ النَّاسُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ ، فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ
وَمَعَاذِيرُ ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَعِنْدَهَا تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي
الْأَيْدِي ، فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ "
. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، بِهِ
.
[ ص: 7 ] وَالْعَجَبُ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ ، عَنْ وَكِيعٍ
، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَذَكَرَ مِثْلَهُ ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ :
وَلَا يَصِحُّ هَذَا ؛ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ . قَالَ : وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلِيِّ
بْنِ عَلِيٍّ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قُلْتُ : الْحَسَنُ قَدْ رَوَى لَهُ
الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ .
وَقَدْ وَقَعَ فِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ الْحَسَنِ
مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَاللَّهُ
أَعْلَمُ . وَقَدْ يَكُونُ الْحَدِيثُ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي
مُوسَى ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَاللَّهُ
أَعْلَمُ .
وَأَمَّا الْحَافِظُ
الْبَيْهَقِيُّ فَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ
الْأَصْفَرِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، مِنْ
قَوْلِهِ مِثْلَهُ سَوَاءً . وَقَدْ رَوَى ابْنُ
أَبِي الدُّنْيَا عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ [ ص: 8 ] أَنَّهُ أَنْشَدَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا :
وَطَارَتِ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي
مُنَشَّرَةً فِيهَا السَّرَائِرُ وَالْجَبَّارُ مُطَّلِعُ
فَكَيْفَ سَهْوُكَ وَالْأَنْبَاءُ وَاقِعَةٌ
عَمَّا قَلِيلٍ وَلَا تَدْرِي بِمَا تَقَعُ
إِمَّا الْجِنَانُ وَفَوْزٌ لَا انْقِطَاعَ لَهُ
أَوِ الْجَحِيمُ فَلَا تُبْقِي وَلَا تَدْعُ
تَهْوِي بِسَاكِنِهَا طَوْرًا وَتَرْفَعُهُمْ
إِذَا رَجَوْا مَخْرَجًا مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا
طَالَ الْبُكَاءُ فَلَمْ يَرْحَمْ تَضَرُّعَهُمْ
فِيهَا وَلَا رِقَّةٌ تُغْنِي وَلَا جَزَعُ
لَيَنْفَعُ الْعِلْمُ قَبْلَ الْمَوْتِ عَالِمَهُ
قَدْ سَالَ قَوْمٌ بِهَا الرُّجْعَى فَمَا رَجَعُوا
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ : يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ
كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ
حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ
أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى
سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ
يَحُورَ بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا [ الِانْشِقَاقِ : 6 - 15 ] .
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي
" صَحِيحِهِ " : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ
، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ، حَدَّثَنِي
الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ
" . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَيْسَ
قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [ الِانْشِقَاقِ : 7 ، 8 ] ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا ذَلِكَ
الْعَرْضُ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا [ ص: 9 ] عُذِّبَ
" . أَشَارَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
لَوْ نَاقَشَ الْعِبَادَ فِي حِسَابِهِ لَهُمْ ، لَعَذَّبَهُمْ كُلَّهُمْ وَهُوَ
غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَيَغْفِرُ ،
وَيَسْتُرُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّجْوَى : " يُدْنِي اللَّهُ الْعَبْدَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، ثُمَّ يُقَرِّرُهُ
بِذُنُوبِهِ ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
: إِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ
الْيَوْمَ " .
فَصْلٌ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا
ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ
الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ
أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ الْآيَاتِ [ الْوَاقِعَةِ
: 6 - 12 ] . فَإِذَا نُصِبَ كُرْسِيُّ فَصْلِ الْقَضَاءِ انْمَازَ
الْكَافِرُونَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَوْقِفِ إِلَى نَاحِيَةِ الشِّمَالِ
، وَبَقِيَ الْمُؤْمِنُونَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ
بَيْنَ يَدَيْهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [
يس : 59 ] . وَقَالَ تَعَالَى : ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ
أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ الْآيَةَ [ يُونُسَ : 28 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ
تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [
الْجَاثِيَةِ : 28 ] . فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ قِيَامٌ
لِرَبِّ الْعَالَمِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَالْعَرَقُ قَدْ غَمَرَ أَكْثَرَهُمْ
، وَبَلَغَ الْجَهْدُ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ ، وَالنَّاسُ فِيهِ بِحَسَبِ الْأَعْمَالِ
، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ ، خَاضِعِينَ ، صَامِتِينَ ، لَا
يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ تَعَالَى ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ
إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ ، حَوْلَهُمْ أُمَمُهُمْ ، وَكِتَابُ
الْأَعْمَالِ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى عَمَلِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ،
مَوْضُوعٌ لَا يُغَادِرُ [ ص: 10 ] صَغِيرَةً وَلَا
كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ، مِمَّا كَانَ يَعْمَلُ الْخَلْقُ وَأَحْصَاهُ
اللَّهُ وَنَسُوهُ وَكَتَبَتْهُ عَلَيْهِمُ الْحَفَظَةُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
: يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ
يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [ الْقِيَامَةِ :
13 - 15 ] . وَقَالَ تَعَالَى : وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ
وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ
كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [ الْإِسْرَاءِ : 13 ، 14 ] . قَالَ الْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ : لَقَدْ
أَنْصَفَكَ يَا بْنَ آدَمَ ، مَنْ جَعَلَكَ
حَسِيبَ نَفْسِكَ . وَالْمِيزَانُ مَنْصُوبٌ لِوَزْنِ أَعْمَالِ الْخَيْرِ
وَالشَّرِّ ، وَالصِّرَاطُ قَدْ مُدَّ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ ، وَالْمَلَائِكَةُ
مُحْدِقُونَ بِبَنِي آدَمَ وَبِالْجِنِّ ،
وَقَدْ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ ، وَأُزْلِفَتْ دَارُ النَّعِيمِ ، وَتَجَلَّى
الرَّبُّ سُبْحَانَهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ ، وَأَشْرَقَتِ
الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ، وَقُرِئَتِ الصُّحُفُ ، وَشَهِدَتْ عَلَى بَنِي آدَمَ الْمَلَائِكَةُ بِمَا فَعَلُوا ، وَالْأَرْضُ
بِمَا عَمِلُوا عَلَى ظَهْرِهَا ، فَمَنِ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ ، وَإِلَّا خُتِمَ
عَلَى فِيهِ ، وَنَطَقَتْ جَوَارِحُهُ بِمَا عَمِلَ بِهَا فِي أَوْقَاتِ
عَمَلِهِ ، مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ .
وَقَالَ تَعَالَى عَنِ الْأَرْضِ : يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ
أَوْحَى لَهَا [ الزَّلْزَلَةِ : 4 ، 5 ] ، وَقَالَ
تَعَالَى : وَيَوْمَ يُحْشَرُ
أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا
شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ الْآيَاتُ إِلَى قَوْلِهِ
: فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ
الْخَاسِرِينَ [ فُصِّلَتْ : 19 - 23 ] . وَقَالَ
تَعَالَى : يَوْمَ تَشْهَدُ
عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ
أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [ النُّورِ : 24 ، 25 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ
وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ إِلَى قَوْلِهِ : وَلَا يَرْجِعُونَ [ يس : 65 - 67 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ
خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا [
ص: 11 ] [ طه : 111 ، 112 ]
. أَيْ لَا يُنْقَصُ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ ، وَهُوَ الْهَضْمُ ، وَلَا
يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ ، وَهُوَ الظُّلْمُ
.
|