الأحد، 10 يونيو 2018

67.فصل في مجيء الرب سبحانه وتعالى كما يشاء يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه

[ ص: 473 ] فَصْلٌ فِي مَجِيءِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا يَشَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ
ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ إِذَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَفَعَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِيَفْصِلَ بَيْنَ الْعِبَادِ ، فَيَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى : أَنَا آتِيكُمْ فَأَقْضِي بَيْنَكُمْ . ثُمَّ يَرْجِعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقِفُ مَعَ النَّاسِ فِي مَقَامِهِ الْأَوَّلِ ، فَحِينَئِذٍ تَنْشَقُّ السَّمَاوَاتُ بِغَمَامِ النُّورِ ، وَتُنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا ، فَيَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، وَهُمْ قَدْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، فَيُحِيطُونَ بِهِمْ دَائِرَةً ، ثُمَّ تَنْشَقُّ السَّمَاءُ الثَّانِيَةُ فَتَنْزِلُ مَلَائِكَتُهَا وَهُمْ قَدْرُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَقَدْرُ مَلَائِكَةِ سَمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيُحِيطُونَ بِمَنْ هُنَاكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ دَائِرَةً ، ثُمَّ كَذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ ، وَالرَّابِعَةِ ، ثُمَّ الْخَامِسَةِ ، ثُمَّ السَّادِسَةِ ، ثُمَّ السَّابِعَةِ ، فَكُلُّ أَهْلِ سَمَاءٍ تُحِيطُ بِمَنْ قَبْلَهُمْ دَائِرَةً ، ثُمَّ تَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ الْكَرُوبِيُّونَ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ ، وَمَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَلَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّعْظِيمِ; يَقُولُونَ : سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ ، سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ ، سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ، سُبْحَانَ الَّذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ . ثُمَّ يَأْتِيهِمُ اللَّهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ .

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي " الْأَهْوَالِ " : حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَخْبَرَنَا عَوْفٌ ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ الرِّيَاحِيِّ ، حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ ، قَالَ : إِذَا [ ص: 474 ] كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ ، وَزِيدَ فِي سَعَتِهَا كَذَا وَكَذَا ، وَجُمِعَ الْخَلَائِقُ بِصَعِيدٍ وَاحِدٍ; جِنُّهُمْ وَإِنْسُهُمْ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قِيضَتْ هَذِهِ السَّمَاءُ الدُّنْيَا عَنْ أَهْلِهَا ، فَنَثَرُوا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، وَلِأَهْلِ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَحْدَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، جِنِّهِمْ وَإِنْسِهِمْ بِالضِّعْفِ ، فَإِذَا رَآهُمْ أَهْلُ الْأَرْضِ فَزِعُوا إِلَيْهِمْ ، وَيَقُولُونَ : أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ فَيَفْزَعُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ ، وَيَقُولُونَ : سُبْحَانَ رَبِّنَا لَيْسَ فِينَا ، وَهُوَ آتٍ . ثُمَّ تُقَاضُ السَّمَاءُ الثَّانِيَةُ ، وَلَأَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالضِّعْفِ ، فَإِذَا نُثِرُوا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَزِعَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْأَرْضِ ، وَيَقُولُونَ : أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ فَيَفْزَعُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ ، وَيَقُولُونَ : سُبْحَانَ رَبِّنَا! لَيْسَ فِينَا ، وَهُوَ آتٍ . ثُمَّ تُقَاضُ السَّمَاوَاتُ سَمَاءً سَمَاءً ، كُلَّمَا قِيضَتْ سَمَاءٌ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ الَّتِي تَحْتَهَا ، وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالضِّعْفِ؟ جِنِّهِمْ وَإِنْسِهِمْ ، كُلَّمَا نُثِرُوا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَزِعَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْأَرْضِ ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى تُقَاضُ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ ، وَلَأَهْلُهَا وَحْدَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ سِتِّ سَمَاوَاتٍ ، وَمِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالضَّعْفِ ، وَيَجِيءُ اللَّهُ فِيهِمْ ، وَالْأُمَمُ جُثًا صُفُوفٌ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ : سَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ ، لِيَقُمِ [ ص: 475 ] الْحَمَّادُونَ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ ، ثُمَّ يُنَادِي ثَانِيَةً : سَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ الْيَوْمَ ، لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [ السَّجْدَةِ : 16 ] ، فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ ، ثُمَّ يُنَادِي ثَالِثَةً : سَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ الْيَوْمَ ، لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانُوا لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [ النُّورِ : 37 ] ، فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ خَرَجَ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ ، فَأَشْرَفَ عَلَى الْخَلَائِقِ ، لَهُ عَيْنَانِ بَصِيرَتَانِ ، وَلِسَانٌ فَصِيحٌ ، فَيَقُولُ : إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ ، وُكِّلْتُ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . فَيَلْقُطُهُمْ مِنَ الصُّفُوفِ لَقْطَ الطَّيْرِ حَبَّ السِّمْسِمِ ، فَيَخْنِسُ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ ، ثُمَّ يَخْرُجُ الثَّانِيَةَ ، فَيَقُولُ : إِنِّي وُكِّلْتُ بِمَنْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ . فَيَلْقُطُهُمْ مِنَ الصُّفُوفِ لَقْطَ الطَّيْرِ حَبَّ السِّمْسِمِ ، فَيَخْنِسُ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ ، ثُمَّ يَخْرُجُ الثَّالِثَةَ ، فَيَقُولُ : إِنِّي وُكِّلْتُ بِأَصْحَابِ التَّصَاوِيرِ . فَيَلْقُطُهُمْ مِنَ الصُّفُوفِ لَقْطَ الطَّيْرِ حَبَّ السِّمْسِمِ ، فَيَخْنِسُ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْ هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةً ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةً ، نُشِرَتِ الصُّحُفُ ، وَوُضِعَتِ الْمُوَازِينُ ، وَدُعِيَتِ الْخَلَائِقُ لِلْحِسَابِ .

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : [ ص: 476 ] كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [ الْفَجْرِ : 21 - 23 ] ، الْآيَاتِ . وَقَالَ تَعَالَى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [ الْبَقَرَةِ : 210 ] وَقَالَ تَعَالَى : وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [ الزُّمَرِ : 69 ، 70 ] . وَقَالَ تَعَالَى : وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [ الْفُرْقَانِ : 25 ، 26 ] .

وَقَالَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ : " فَيَضَعُ اللَّهُ كُرْسِيَّهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ أَرْضِهِ . يَعْنِي بِذَلِكَ كُرْسِيَّ فَصْلِ الْقَضَاءِ ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْكُرْسِيِّ الْمَذْكُورِ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ ، وَلَا الْمَذْكُورِ فِي " صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ " : " مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ ، وَمَا الْكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ إِلَّا كَتِلْكَ الْحَلْقَةِ بِتِلْكَ الْفَلَاةِ ، وَالْعَرْشُ لَا يَقْدِرُ قَدْرَهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " .

وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى هَذَا الْكُرْسِيِّ اسْمُ الْعَرْشِ ، فَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ ، كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ : سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ " - وَفِي رِوَايَةٍ : " فِي ظِلِّ عَرْشِهِ " - " يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ " الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ .

[ ص: 477 ] وَثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ ، فَأَجِدُ مُوسَى بَاطِشًا بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَصُعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي ، أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ؟ " . فَقَوْلُهُ : " أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الصَّعْقَ الَّذِي يَحْصُلُ لِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبَبُهُ تَجَلِّي الرَّبِّ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ ، فَيُصْعَقُ النَّاسُ مِنْ تَجَلِّي الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ ، كَمَا صُعِقَ مُوسَى يَوْمَ الطُّورِ حِينَ تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ فَجَعَلَهُ دَكًّا ، وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا .

فَمُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، إِذَا صُعِقَ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; إِمَّا أَنْ يَكُونَ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ فَلَا يُصْعَقُ يَوْمَئِذٍ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صُعِقَ فَأَفَاقَ ، أَيْ صُعِقَ صَعْقَةً خَفِيفَةً ، فَأَفَاقَ قَبْلَ النَّاسِ كُلِّهِمْ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ ، أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، فَقَالَ : " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ " . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا .

[ ص: 478 ] وَجَاءَ أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَ لَهُ سُبْحَانَهُ يَوْمَئِذٍ ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَاجَهْ : حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ الْحِمَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَذِنَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ فِي السُّجُودِ ، فَيَسْجُدُونَ لَهُ طَوِيلًا ، ثُمَّ يُقَالُ : ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ ، فَقَدْ جَعَلْنَا عِدَّتَكُمْ فِدَاءَكُمْ مِنَ النَّارِ " . وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ ، كَمَا سَيَأْتِي .

وَقَالَ الْبَزَّارُ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَتَلَفَّتُ فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، فَيَقَعُونَ سُجُودًا ، وَتَرْجِعُ أَصْلَابُ الْمُنَافِقِينَ حَتَّى تَكُونَ عَظْمًا ، كَأَنَّهَا صَيَاصِي الْبَقَرِ " . ثُمَّ قَالَ : لَا نَعْلَمُ حَدَّثَ بِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ إِلَّا أَبَا عَوَانَةَ ، قُلْتُ : وَسَيَأْتِي لَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ .

وَذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ : " إِنَّ اللَّهَ يُنَادِي الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ : إِنِّي قَدْ أَنْصَتُّ لَكُمْ مُنْذُ خَلَقْتُكُمْ إِلَى يَوْمِكُمْ هَذَا ، أَرَى أَعْمَالَكُمْ وَأَسْمَعُ أَقْوَالَكُمْ ، فَأَنْصِتُوا لِي ، فَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ ، وَصُحُفُكُمْ تُقْرَأُ عَلَيْكُمْ ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ " .

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنْ جَابِرِ [ ص: 479 ] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّهُ اشْتَرَى رَاحِلَةً ، وَسَارَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ شَهْرًا ; لِيَسْمَعَ مِنْهُ حَدِيثًا بَلَغَهُ عَنْهُ ، فَلَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : " يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - أَوْ قَالَ : الْعِبَادُ - عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا " . قُلْنَا : وَمَا بُهْمًا ؟ قَالَ : " لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَنَا الدَّيَّانُ ، لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ ، حَتَّى اللَّطْمَةُ " . قَالَ : قُلْنَا : وَكَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ بُهْمًا ؟ قَالَ : " بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ " .

وَفَى " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْإِلَهِيِّ الطَّوِيلِ : " يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ " .

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ [ هُودٍ : 103 - 105 ] . ثُمَّ ذَا سُبْحَانَهُ مَا أَعَدَّهُ لِلْأَشْقِيَاءِ ، وَمَا أَعَدَّهُ لِلسُّعَدَاءِ ، وَقَالَ تَعَالَى : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا [ النَّبَإِ : 38 ] .

وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " : " وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ " . وَقَدْ عَقَدَ [ ص: 480 ] الْبُخَارِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ بَابًا فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ " صَحِيحِهِ " : بَابُ كَلَامِ الرَّبِّ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ . ثُمَّ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الشَّفَاعَةِ بِتَمَامِهِ ، وَحَدِيثَ عَدِيٍّ : " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ " الْحَدِيثَ ، وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّجْوَى .

وَنَحْنُ نُورِدُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَحَادِيثَ أُخَرَ ، مُنَاسِبَةً لِهَذَا الْبَابِ . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا [ الْمَائِدَةِ : 109 ] . وَقَالَ تَعَالَى : فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [ الْأَعْرَافِ : 6 ، 7 ] . وَقَالَ تَعَالَى : فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ الْحِجْرِ : 92 ، 93 ] .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَنْبَأَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَنْعُمٍ الْمَعَافِرِيُّ ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ ، يُسْنِدُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا جَمَعَ اللَّهُ عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَانَ أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِسْرَافِيلَ ، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ : مَا فَعَلْتَ فِي عَهْدِي؟ هَلْ بَلَّغْتَ عَهْدِي؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ يَا رَبِّ ، قَدْ بَلَّغْتُهُ جِبْرِيلَ ، فَيُدْعَى جِبْرِيلُ فَيُقَالُ لَهُ : هَلْ بَلَّغَكَ إِسْرَافِيلُ عَهْدِي؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، قَدْ بَلَّغَنِي . فَيُخَلَّى عَنْ إِسْرَافِيلَ ، وَيُقَالُ لِجِبْرِيلَ : هَلْ بَلَّغْتَ عَهْدِي؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ، قَدْ بَلَّغْتُ الرُّسُلَ . فَتُدْعَى الرُّسُلُ [ ص: 481 ] فَيَقُولُ لَهُمْ : هَلْ بَلَّغَكُمْ جِبْرِيلُ عَهْدِي؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ . فَيُخَلَّى عَنْ جِبْرِيلَ ، وَيُقَالُ لِلرُّسُلِ : مَا فَعَلْتُمْ بِعَهْدِي؟ فَيَقُولُونَ : بَلَّغْنَا أُمَمَنَا . فَتُدْعَى الْأُمَمُ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : هَلْ بَلَّغَكُمُ الرُّسُلُ عَهْدِي؟ فَمِنْهُمُ الْمُكَذِّبُ ، وَمِنْهُمُ الْمُصَدِّقُ ، فَيَقُولُ الرُّسُلُ : إِنَّ لَنَا عَلَيْهِمْ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ أَنْ قَدْ بَلَّغْنَا مَعَ شَهَادَتِكَ . فَيَقُولُ : مَنْ يَشْهَدُ لَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ : أُمَّةُ أَحْمَدَ . فَتُدْعَى أُمَّةُ أَحْمَدَ ، فَيَقُولُ : أَتَشْهَدُونَ أَنَّ رُسُلِي هَؤُلَاءِ قَدْ بَلَّغُوا عَهْدِي إِلَى مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ رَبِّ ، شَهِدْنَا أَنْ قَدْ بَلَّغُوا . فَتَقُولُ تِلْكَ الْأُمَمُ : كَيْفَ يَشْهَدُ عَلَيْنَا مَنْ لَمْ يُدْرِكْنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمُ الرَّبُّ تَعَالَى : كَيْفَ تَشْهَدُونَ عَلَى مَنْ لَمْ تُدْرِكُوا؟ فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا ، بَعَثْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا ، وَأَنْزَلْتَ إِلَيْنَا عَهْدَكَ وَكِتَابَكَ ، وَقَصَصْتَ عَلَيْنَا أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا ، فَشَهِدْنَا بِمَا عَهِدْتَ إِلَيْنَا . فَيَقُولُ الرَّبُّ : صَدَقُوا . فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [ الْبَقَرَةِ : 143 ] .

قَالَ ابْنُ أَنْعُمٍ : فَبَلَغَنِي أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْهَدُ ، إِلَّا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حِنَةٌ عَلَى أَخِيهِ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق